فريد البيدق
New member
"فتاوى فكرية"، للعلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، دار الأندلس الخضراء، ص80-83.
***
اعتنى العلماء المسلمون بمسألة التحسين والتقبيح العقليين، وهي أهم إشكالية في أساس قانون القيم؛ فذهب المعتزلة إلى أن الحسن والقبح هما الأساس والمرجع للحكم على الشيء من الناحية الأخلاقية، وهما أيضا أساس الأمر والنهي الشرعيين، فجعلوا الشريعة تابعة ونابعة عن موقف العقل ومؤكدة له، وليس هذا إنكارا للوحي، بل يعني أن الوحي هو من عند الله تعالى والعقل هبة الله، فلا يمكن أن يجيء الأول بما يخالف الثاني. وهذه قريبة من عبارة ابن رشد الحفيد. وقد قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "إن قبح القبيح وحسن الحسن من العلوم الضرورية التي يخلقها الله في الإنسان".
وقد قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأفعال حسنة في نفسها أو قبيحة، وأن العقل يدرك هذا الحسن والقبح في بعضها دون الآخر. فقد قال ابن القيم في مدارج السالكين: "إن قوله تعالى: "يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ" [سورة الأعراف: الآية ( 157 )] يؤكد أن هذا الدين الذي جاء به يأمر بما تشهد العقول الصحيحة بحسنه وينهى عما تشهد بقبحه، وإلا فلو كان كونه معروفا ومنكرا وخبيثا وطيبا إنما هو لتعلق الأمر والنهي به لكان بمنزلة أن يقول: يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه، وأي فائدة من هذا؟" وقال:
"إن قبح الفواحش يدركه العقل إلا أن الشرع هو الذي يحدد العقاب". [مدارج السالكين 1\234 – 235].
أما الأشاعرة فجعلوا التحسين والتقبيح بالشرع فقط، فما نهى عنه الشرع العزيز فهو قبيح، وما أمر به فهو حسن.
وفي رأيي أن الأشاعرة لا ينفون الحسن والقبح العقليين، إلا أنهم لا يبنون عليهما حكما، وهم يعترفون بالملاءة في الحسن والمنافاة في القبح، وأن الحسن صفة كمال والقبح صفة نقص. [المواقف، ص 323 – 324، المحصول للرازي 1\159].
ولعل عبارة ابن القيم في مدارج السالكين تكون توفيقية في قضية الحسن والقبح عندما يقول: "إن قبح الفواحش يدركه العقل إلا أن الشرع هو الذي يحدد العقاب".
وقد عن الاختلاف حول التحسين والتقبيح الخلاف بين المالكية وغيرهم حول مفهوم الطيب والخبيث في قوله تعالى: "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" [سورة الأعراف: الآية ( 157 )]. فذهب المالكية إلى الرجوع إلى النصوص الأخرى لتعيين الطيب والخبيث، فكل ما لم يحرمه الشرع فهو طيب، فأجاز أكل الحيات إذا أمن سمها، وخشاش الأرض والأوزاغ ونحوها. وحرم الشافعي ذلك قائلا: "إن الخبث هنا هو طبعي أي ما استخبثه الإنسان".
واختار القول بالحسن والقبح العقليين الأحناف، وهو مروي عن أبي حنيفة نفسه، واختاره أبو الخطاب الكلوذاني وأبو الحسن التميمي من الحنابلة، ومن الشافعية أبو علي بن أبي هريرة وأبو بكر القفال الشاشي الكبير.
واختار إمام الحرمين القول بالتحسين والتقبيح العقليين في أفعال العباد دون أفعال الله تعالى، وتبعه الغزالي. ويتداخل في نظرة المسلمين إلى حد كبير الحسن والخير.
وبالجملة: فإن من يقول بالتحسين والتقبيح العقليين يجعل أساس القيم، وهو أمر مشترك بين الإنسانية جمعاء، فالعدل حسن والجور قبيح، إلى آخر قائمة القيم. فكما قال ديكارت: "إن العقل هو أحسن الأشياء توزعا بالتساوي بين البشر كلهم".
***
اعتنى العلماء المسلمون بمسألة التحسين والتقبيح العقليين، وهي أهم إشكالية في أساس قانون القيم؛ فذهب المعتزلة إلى أن الحسن والقبح هما الأساس والمرجع للحكم على الشيء من الناحية الأخلاقية، وهما أيضا أساس الأمر والنهي الشرعيين، فجعلوا الشريعة تابعة ونابعة عن موقف العقل ومؤكدة له، وليس هذا إنكارا للوحي، بل يعني أن الوحي هو من عند الله تعالى والعقل هبة الله، فلا يمكن أن يجيء الأول بما يخالف الثاني. وهذه قريبة من عبارة ابن رشد الحفيد. وقد قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "إن قبح القبيح وحسن الحسن من العلوم الضرورية التي يخلقها الله في الإنسان".
وقد قال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأفعال حسنة في نفسها أو قبيحة، وأن العقل يدرك هذا الحسن والقبح في بعضها دون الآخر. فقد قال ابن القيم في مدارج السالكين: "إن قوله تعالى: "يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ" [سورة الأعراف: الآية ( 157 )] يؤكد أن هذا الدين الذي جاء به يأمر بما تشهد العقول الصحيحة بحسنه وينهى عما تشهد بقبحه، وإلا فلو كان كونه معروفا ومنكرا وخبيثا وطيبا إنما هو لتعلق الأمر والنهي به لكان بمنزلة أن يقول: يأمرهم بما يأمرهم به وينهاهم عما ينهاهم عنه، وأي فائدة من هذا؟" وقال:
"إن قبح الفواحش يدركه العقل إلا أن الشرع هو الذي يحدد العقاب". [مدارج السالكين 1\234 – 235].
أما الأشاعرة فجعلوا التحسين والتقبيح بالشرع فقط، فما نهى عنه الشرع العزيز فهو قبيح، وما أمر به فهو حسن.
وفي رأيي أن الأشاعرة لا ينفون الحسن والقبح العقليين، إلا أنهم لا يبنون عليهما حكما، وهم يعترفون بالملاءة في الحسن والمنافاة في القبح، وأن الحسن صفة كمال والقبح صفة نقص. [المواقف، ص 323 – 324، المحصول للرازي 1\159].
ولعل عبارة ابن القيم في مدارج السالكين تكون توفيقية في قضية الحسن والقبح عندما يقول: "إن قبح الفواحش يدركه العقل إلا أن الشرع هو الذي يحدد العقاب".
وقد عن الاختلاف حول التحسين والتقبيح الخلاف بين المالكية وغيرهم حول مفهوم الطيب والخبيث في قوله تعالى: "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" [سورة الأعراف: الآية ( 157 )]. فذهب المالكية إلى الرجوع إلى النصوص الأخرى لتعيين الطيب والخبيث، فكل ما لم يحرمه الشرع فهو طيب، فأجاز أكل الحيات إذا أمن سمها، وخشاش الأرض والأوزاغ ونحوها. وحرم الشافعي ذلك قائلا: "إن الخبث هنا هو طبعي أي ما استخبثه الإنسان".
واختار القول بالحسن والقبح العقليين الأحناف، وهو مروي عن أبي حنيفة نفسه، واختاره أبو الخطاب الكلوذاني وأبو الحسن التميمي من الحنابلة، ومن الشافعية أبو علي بن أبي هريرة وأبو بكر القفال الشاشي الكبير.
واختار إمام الحرمين القول بالتحسين والتقبيح العقليين في أفعال العباد دون أفعال الله تعالى، وتبعه الغزالي. ويتداخل في نظرة المسلمين إلى حد كبير الحسن والخير.
وبالجملة: فإن من يقول بالتحسين والتقبيح العقليين يجعل أساس القيم، وهو أمر مشترك بين الإنسانية جمعاء، فالعدل حسن والجور قبيح، إلى آخر قائمة القيم. فكما قال ديكارت: "إن العقل هو أحسن الأشياء توزعا بالتساوي بين البشر كلهم".