سالم سرور عالي
New member
- إنضم
- 15/04/2006
- المشاركات
- 161
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
التحبير لذكريات العلامة الخضير
شنَّف العلامة عبد الكريم الخضير أسماع الملايين وأمتع بصائرهم حين نثر ذكرياته العلمية وتجاربه الحياتية في أُمسية جامعة ماتعة ، انتفع بها الصحيح والعليل ممن تشرئبُّ أعناقهم لموائد العلم والإيمان .
وقد اعتاض العلامة الخضير عن تدوين ذكرياته في كتاب ، فنثرها في مادة صوتية جرياً على عادة علمائنا النجدييِّن ممن يألفون الالتقاء بالطلاب والمحبِّين ، ليعالجوا تثاقل الكُسالى والخاملين ويكرموا المجدِّين والنَّابهين .
وتحقيقاً لقول الحبيب صلى الله عليه و سلم ":إِنّ من إِجلالِ الله إِكرَام ذِي الشيْبَةِ المُسلِمِ ،وَحاملِ القرآن غير الغَالِي فِيهِ وَالجَافِي عنه, وَإِكْرَام ذِي السلطان المقسط " أخرجه أبو داود باسناد صحيح ، فقد رقمتُ هذا التحبير اليسير لذكريات العلامة الخضير حفظاً لحقِّه ووفاءاً لعلمه وفضله .
وقد سبقني بعضُ طلاب العلم ففرَّغوا المادة الصوتية للذكريات في بضع ورقات ، بقصد التيسير لمن أراد الوقوف على دُرر الفوائد . وفي ظنِّي أن الاستماع أنفع من مطالعة المكتوب ، لا سِّيما إذا كان ذلك ممن يحكي تجاربه وألآمه وأمنياته بلسانه ، وكل مُيسَّر لما خُلق له .
ومن فضل الله أن هداني لرصد بعض الفوائد والنِّكات ، لتقريب تلك الذكريات ، مما لم أقف عليه عند من سبقني ، وقد ضمَّنتُها ضوابط أصولية وعلمية ، والله الهادي إلى الخيرات.
1- لن يُوفَّق الانسان للعلم – في الغالب - إذا أعرض عن القرآن حفظاً وتعلُّماً واستذكاراً :
وقد لمستُ النصح الدائم من العلامة الخضير في دروسه ومحاضراته بوجوب تعاهد مذاكرة القرآن وتلاوته ومراجعة أحكامه وتلمس بركته ووجوب تزكية النفس به . وقد لا يدري المسلم فلعله يبارك له في شطر عمره أو أكثره بسبب عنايته بكتاب الله والعمل به والاخلاص عند تلقِّيه .
وقد أُثر عن الامام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى أنه كان يقول :" ندمتُ على تضييِّع أكثر أوقاتي في غير القرآن " . ويقصد بذلك الورع وغمط النفس مما قد يُتلبَّس بها في غير القرآن من شهوات ومقاصد .
2- الأولية مُتعلِّقة بالأولوية كما قرَّر ابن حجر( ت: 852هـ ) رحمه الله تعالى . فيحسن بالطالب أن يُقدِّم ما يستحق التقديم في العلم والعمل والآداب .
وقد استنبط العلماء من حديث جابر رضي الله عنه المرفوع في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " قد علمتم أنِّي أتقاكم لله ، ولولا هديي لحللتُ " ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينقل أصحابه إلا إلى الأكمل والأفضل .
3- تضمَّنت الذكريات الاشارة إلى أثر تربية البيت على النفس :
وقد ظهر ذلك جلياً في مسيرة الشيخ من طفولته إلى نشأته حتى اكتمل عوده ، فقد كان محلَّ عناية والده وأهله . وهذا دليل على برِّ الشيخ بوالده وأهله ، فلم يكن يتجاوز رأيهم وارادتهم ، وقد وفقه الله بسبب ذلك في بقية عمره .
4- في ثنايا الذكريات الاشارة إلى أهمية البيئة العلمية :
والظن أن العلامة الخضير لو نشأ في بيئة مختلفة لن يكون أوفر حظا من بيته التي نشأ فيها . والعلم عن الله تعالى . فقد وفقه الله لمربِّين وعقلاء اعتنوا به فهذَّبوا نفسه حتى استقام على الطريق السالك . وبيئة نجد من أقرب البيئات إلى ساحة العلم والتهذيب ، فقد تعارفوا على ذلك واستعذبوه ، والعادة مُحكَّمة كما قرر العلماء .
5- من تلذُّذ العلامة الخضير بالعلم تعاهد ملازمة الشيوخ وهو حديث عهد بِعُرس :
وهو بهذه النادرة يهمس في آذان الشباب ، أن العلم لا يُدرك بالراحة والأماني .وقد نبَّه الشيخ إلى أن التقنية الحديثة لا تكفي لتأصيل مسائل العلم في الفؤاد ، بل لا بد من الرجوع الى مصادر العلم وتحرير المسائل وطرد الشواغل .
6- الاشادة بتربية الشيوخ وحفظ حقوقهم من المسائل التي قررها العلامة في ذكرياته: وكأنه يتمثل قول الإمام أحمد(ت: 241هـ ):رحمه الله تعالى حين قال : "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس" . ومن مقاصد ذلك أن الاقتصار على التصانيف لا يكفي في تقويم الأخلاق وتزكية النفس ، بل لا بد من ملازمة الأشياخ .
وقد رأينا ورأى غيرنا كثيراً من الطلاب الأذكياء في العلم ، لكن أخلاقهم بهيمية وشيطانية ،نسأل الله العافية . وليس هذا بعجيب ، فقد قيل :كل إناء بالذي فيه ينضحُ ! .
7- ظهر في ذكريات العلامة الخضير عُلوُّ همته وصلابة عزيمته :
والسبب في ذلك يعود الى استعداده الفطري وحزم الشيوخ معه ، فقد كان ينسخ المخطوطات ويكابد متاعب الحياة ويتلمس الفوائد في كل دروب حياته . وقد مكث أكثر من عقدين من الزمن يشرح تفسير القرطبي (ت: 671هـ )رحمه الله تعالى .
8- تضمَّنت الذكريات أهمية التدوين العلمي والحرص على النسخ وتحرير الفوائد:
ومن مقاصد ذلك أن التعليقات والتهميشات التي يُحرِّرها الطالب تنير له الطريق وتُزكِّي نفسه وتربِّيه على أن العلماء لم يُحصِّلوا المراتب العالية إلا بعد قطع مفاوز عريضة وتضحيات عظيمة .
وعند الاصوليين قاعدة تقطيع الحديث يستدل بها على جواز نقل الحديث في مواضع للاحتجاج به دون بعضه .
9- يظهر للمتأمل في ذكريات العلامة الخضير أثر الورع والتواضع :
فلم يذكر الشيخ شيئاً من خصائص نفسه في عباداته ومعاملاته ، إلا النزر اليسير مما يوجب المكان والزمان التنبيه عليه .
ومن مناقب العلامة الخضير ثناؤه على أقرانه ممن سبقوا ومهروا في تحصيل العلم وتفوقوا في مسائله . وهذه من السنن المهجورة في زماننا .
وقد قال الامام الشافعي (ت: 204هـ)رحمه الله تعالى :
أُهين لهم نفسي فهم يُكرمونهـا و لن تُكرم النفس التي لا تهينهـا
10- من القواعد التي تقرَّرت في ثنايا الذكريات وجوب بذل العلم وتزكيته :
ومن مقاصده في هذا ، أن العلم لا يُطلب لذاته بل تعبُّدا وتقربا إلى الله .
وقد نبَّه على أن جمع الكتب والحرص على اقتناء طبعاتها تُفرِّق الذهن في أودية المعاطب . واسأل به خبيرا ! .
11- قديماً قيل آفة العلم النسيان ،واليوم آفته الحواسيب الالكترونية . فمعالم المسائل لا تدرك بالحواسيب وإنما تُدرك بالصبر على الطلب والكدِّ والجَلد . وقد قيل أيضا : مذاكرة العلم تسبيح ، والبحث عنه جهاد . فما أعظمها من منحة ! .
12- ختم الشيخ ذكرياته بوجوب الصدق مع الله في القول والعمل :
وقد كان الامام أحمد رحمه الله تعالى إذا ذكر عنده الصدق والاخلاص يقول بهذا سبق القوم .
ومن مقاصد الشيخ في ذلك أن العلم بحرٌ لا ساحل له ، فقد يدرك التقيُّ فيه بقليل جُهد ما لا يدركه المجتهد الفاسق . فليس العلم بكثرة الرواية . والنية الصالحة تُحوِّل العادة إلى عبادة .
هذه خُلاصة ستِ وأربعين سنة قضاها الشيخ في طلب العلم والصبر على عوائقه وهمومه ، وهي مدرسة يحسن بطلبة العلم أن ينهلوا من علومها ومواردها العذبة .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
(منقول)
شنَّف العلامة عبد الكريم الخضير أسماع الملايين وأمتع بصائرهم حين نثر ذكرياته العلمية وتجاربه الحياتية في أُمسية جامعة ماتعة ، انتفع بها الصحيح والعليل ممن تشرئبُّ أعناقهم لموائد العلم والإيمان .
وقد اعتاض العلامة الخضير عن تدوين ذكرياته في كتاب ، فنثرها في مادة صوتية جرياً على عادة علمائنا النجدييِّن ممن يألفون الالتقاء بالطلاب والمحبِّين ، ليعالجوا تثاقل الكُسالى والخاملين ويكرموا المجدِّين والنَّابهين .
وتحقيقاً لقول الحبيب صلى الله عليه و سلم ":إِنّ من إِجلالِ الله إِكرَام ذِي الشيْبَةِ المُسلِمِ ،وَحاملِ القرآن غير الغَالِي فِيهِ وَالجَافِي عنه, وَإِكْرَام ذِي السلطان المقسط " أخرجه أبو داود باسناد صحيح ، فقد رقمتُ هذا التحبير اليسير لذكريات العلامة الخضير حفظاً لحقِّه ووفاءاً لعلمه وفضله .
وقد سبقني بعضُ طلاب العلم ففرَّغوا المادة الصوتية للذكريات في بضع ورقات ، بقصد التيسير لمن أراد الوقوف على دُرر الفوائد . وفي ظنِّي أن الاستماع أنفع من مطالعة المكتوب ، لا سِّيما إذا كان ذلك ممن يحكي تجاربه وألآمه وأمنياته بلسانه ، وكل مُيسَّر لما خُلق له .
ومن فضل الله أن هداني لرصد بعض الفوائد والنِّكات ، لتقريب تلك الذكريات ، مما لم أقف عليه عند من سبقني ، وقد ضمَّنتُها ضوابط أصولية وعلمية ، والله الهادي إلى الخيرات.
1- لن يُوفَّق الانسان للعلم – في الغالب - إذا أعرض عن القرآن حفظاً وتعلُّماً واستذكاراً :
وقد لمستُ النصح الدائم من العلامة الخضير في دروسه ومحاضراته بوجوب تعاهد مذاكرة القرآن وتلاوته ومراجعة أحكامه وتلمس بركته ووجوب تزكية النفس به . وقد لا يدري المسلم فلعله يبارك له في شطر عمره أو أكثره بسبب عنايته بكتاب الله والعمل به والاخلاص عند تلقِّيه .
وقد أُثر عن الامام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى أنه كان يقول :" ندمتُ على تضييِّع أكثر أوقاتي في غير القرآن " . ويقصد بذلك الورع وغمط النفس مما قد يُتلبَّس بها في غير القرآن من شهوات ومقاصد .
2- الأولية مُتعلِّقة بالأولوية كما قرَّر ابن حجر( ت: 852هـ ) رحمه الله تعالى . فيحسن بالطالب أن يُقدِّم ما يستحق التقديم في العلم والعمل والآداب .
وقد استنبط العلماء من حديث جابر رضي الله عنه المرفوع في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " قد علمتم أنِّي أتقاكم لله ، ولولا هديي لحللتُ " ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينقل أصحابه إلا إلى الأكمل والأفضل .
3- تضمَّنت الذكريات الاشارة إلى أثر تربية البيت على النفس :
وقد ظهر ذلك جلياً في مسيرة الشيخ من طفولته إلى نشأته حتى اكتمل عوده ، فقد كان محلَّ عناية والده وأهله . وهذا دليل على برِّ الشيخ بوالده وأهله ، فلم يكن يتجاوز رأيهم وارادتهم ، وقد وفقه الله بسبب ذلك في بقية عمره .
4- في ثنايا الذكريات الاشارة إلى أهمية البيئة العلمية :
والظن أن العلامة الخضير لو نشأ في بيئة مختلفة لن يكون أوفر حظا من بيته التي نشأ فيها . والعلم عن الله تعالى . فقد وفقه الله لمربِّين وعقلاء اعتنوا به فهذَّبوا نفسه حتى استقام على الطريق السالك . وبيئة نجد من أقرب البيئات إلى ساحة العلم والتهذيب ، فقد تعارفوا على ذلك واستعذبوه ، والعادة مُحكَّمة كما قرر العلماء .
5- من تلذُّذ العلامة الخضير بالعلم تعاهد ملازمة الشيوخ وهو حديث عهد بِعُرس :
وهو بهذه النادرة يهمس في آذان الشباب ، أن العلم لا يُدرك بالراحة والأماني .وقد نبَّه الشيخ إلى أن التقنية الحديثة لا تكفي لتأصيل مسائل العلم في الفؤاد ، بل لا بد من الرجوع الى مصادر العلم وتحرير المسائل وطرد الشواغل .
6- الاشادة بتربية الشيوخ وحفظ حقوقهم من المسائل التي قررها العلامة في ذكرياته: وكأنه يتمثل قول الإمام أحمد(ت: 241هـ ):رحمه الله تعالى حين قال : "كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس" . ومن مقاصد ذلك أن الاقتصار على التصانيف لا يكفي في تقويم الأخلاق وتزكية النفس ، بل لا بد من ملازمة الأشياخ .
وقد رأينا ورأى غيرنا كثيراً من الطلاب الأذكياء في العلم ، لكن أخلاقهم بهيمية وشيطانية ،نسأل الله العافية . وليس هذا بعجيب ، فقد قيل :كل إناء بالذي فيه ينضحُ ! .
7- ظهر في ذكريات العلامة الخضير عُلوُّ همته وصلابة عزيمته :
والسبب في ذلك يعود الى استعداده الفطري وحزم الشيوخ معه ، فقد كان ينسخ المخطوطات ويكابد متاعب الحياة ويتلمس الفوائد في كل دروب حياته . وقد مكث أكثر من عقدين من الزمن يشرح تفسير القرطبي (ت: 671هـ )رحمه الله تعالى .
8- تضمَّنت الذكريات أهمية التدوين العلمي والحرص على النسخ وتحرير الفوائد:
ومن مقاصد ذلك أن التعليقات والتهميشات التي يُحرِّرها الطالب تنير له الطريق وتُزكِّي نفسه وتربِّيه على أن العلماء لم يُحصِّلوا المراتب العالية إلا بعد قطع مفاوز عريضة وتضحيات عظيمة .
وعند الاصوليين قاعدة تقطيع الحديث يستدل بها على جواز نقل الحديث في مواضع للاحتجاج به دون بعضه .
9- يظهر للمتأمل في ذكريات العلامة الخضير أثر الورع والتواضع :
فلم يذكر الشيخ شيئاً من خصائص نفسه في عباداته ومعاملاته ، إلا النزر اليسير مما يوجب المكان والزمان التنبيه عليه .
ومن مناقب العلامة الخضير ثناؤه على أقرانه ممن سبقوا ومهروا في تحصيل العلم وتفوقوا في مسائله . وهذه من السنن المهجورة في زماننا .
وقد قال الامام الشافعي (ت: 204هـ)رحمه الله تعالى :
أُهين لهم نفسي فهم يُكرمونهـا و لن تُكرم النفس التي لا تهينهـا
10- من القواعد التي تقرَّرت في ثنايا الذكريات وجوب بذل العلم وتزكيته :
ومن مقاصده في هذا ، أن العلم لا يُطلب لذاته بل تعبُّدا وتقربا إلى الله .
وقد نبَّه على أن جمع الكتب والحرص على اقتناء طبعاتها تُفرِّق الذهن في أودية المعاطب . واسأل به خبيرا ! .
11- قديماً قيل آفة العلم النسيان ،واليوم آفته الحواسيب الالكترونية . فمعالم المسائل لا تدرك بالحواسيب وإنما تُدرك بالصبر على الطلب والكدِّ والجَلد . وقد قيل أيضا : مذاكرة العلم تسبيح ، والبحث عنه جهاد . فما أعظمها من منحة ! .
12- ختم الشيخ ذكرياته بوجوب الصدق مع الله في القول والعمل :
وقد كان الامام أحمد رحمه الله تعالى إذا ذكر عنده الصدق والاخلاص يقول بهذا سبق القوم .
ومن مقاصد الشيخ في ذلك أن العلم بحرٌ لا ساحل له ، فقد يدرك التقيُّ فيه بقليل جُهد ما لا يدركه المجتهد الفاسق . فليس العلم بكثرة الرواية . والنية الصالحة تُحوِّل العادة إلى عبادة .
هذه خُلاصة ستِ وأربعين سنة قضاها الشيخ في طلب العلم والصبر على عوائقه وهمومه ، وهي مدرسة يحسن بطلبة العلم أن ينهلوا من علومها ومواردها العذبة .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
(منقول)