عادل سليمان القطاوي
New member
- إنضم
- 15/02/2009
- المشاركات
- 32
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
- العمر
- 55
[align=right]
التحاكم إلى موافقة الذهبي للحاكم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
أما بعد :
فإن موضوع موافقة الإمام الذهبي في مختصر المستدرك لتصحيح الإمام الحاكم لكثير من الأحاديث ، شغب عليها كثير من إخواننا طلاب العلم ، والذين نسبوا لجمهور العلماء الغفلة والوهم في حكمهم بموافقة الذهبي للحاكم للأحاديث الذي نقلوا تصحيحه كما هو في المستدرك .
وصال وجال في هذه المسألة كثير من الأخوة ، تابعين في ذلك زمرة من العلماء الأفاضل ، وهم بذلك جميعا يتغافلون عن حقائق واضحة ليبرئوا ساحة الإمام الذهبي من متابعة الحاكم في كثير من أخطائه فوقعوا فيما اتهموا به العلماء .
وأنا في هذه المشاركة أحاول - قدر الجهد – أن أبين الحق - حسبما تراءى لي - ولا أجزم به كما جزم به الأخوة الكرام الذين وهموا العلماء من بعد عصر الإمام الذهبي إلى عصرنا .
وسيكون نقاشنا للموضوع في نقاط محددة حتى لا يتوسع المقال ..
وقبل بضع سنوات قرأت مقالات عدة لأخوة أفاضل يقررون فيها أن موافقة الذهبي للحاكم ما هو إلا وهم وقاعدة فاسدة أسست بالباطل بدون تحقيق ..
وكنت أمر على هذا مرور الكرام فلا أبدي أدنى رأيٍ في الموضوع إذ إنني رأيت الصواب حليف من قال أن نقل الذهبي لحكم الحاكم بالتصحيح ولم يتعقبه هو موافقة منه للحاكم على الظاهر ما لم يتراجع عنه في كتبه المتأخرة ..
ولما اشتريت كتاب الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومعه شرحه بلوغ الأماني للشيخ عبد الرحمن الساعاتي رحمه الله طبعة بيت الأفكار في أربعة مجلدات وعليها تعليق حسان عبد المنان ..
وفي مقدمته في أثناء الكلام على المسند أشار إلى مقدمة كبيرة له كتبها للمسند طبعة عالم الكتب ، وبين ما فيها من مواضيع هي فهرس مقدمته المشار إليها فوجدت فيها بحثاً لموضوع موافقة الذهبي للحاكم متتبعا الشيخ شعيب في طبعة مؤسسة الرسالة للمسند ..
فلما رأيت رؤوس المواضيع اتصلت به وطلبت منه نسخة من المقدمة فصورها مشكورا وكلفت أحد إخواني هنا في قطر وكان ذاهبا إلى الأردن أن يجلبها معه ووصلت والحمد لله وشكر الله الجميع ..
وبالتالي فسيكون ردي وتعقبي يخص الشيخ حسان أيضاً لأنني وجدته أكثر من تكلم عن الموضوع من الأخوة المشاركين بمقالاتهم في الشبكة العنكبوتية في كثير من المواقع السلفية ، بل لا أخفي أن كثيرا منهم نقل عنه بدون أن يبين ، لمعرفته بالخلاف الكبير بينه وبين الإمام الألباني رحمه الله ..
وقبل البيان :
هذه أمور كالمقدمة يكاد الفريقان المختلفان في هذه المسألة أن يكونا قد اتفقا عليها .
أولها : الإمام الحاكم معروف بتساهله في التصحيح
وهذا لا يحتاج إلى برهان لشهرته بين العلماء .. وقد قالوا : أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني ، بل تصحيحه كتحسين الترمذي ، وأحياناً يكون دونه .. وأن صحيحي شيخيه ابن حبان وابن خزيمة أعلى من مستدركه بمراتب ..
ولذلك لما نجد حديثا صححه الحاكم فهذا يرجع في الغالب إلى توثيقه لرجاله ، فإن كان ثمة اختلاف ظاهر بين ترجمته للراوي وتصحيحه حديثه في المستدرك كأن يأتي الحاكم نفسه فيصحح أحاديث جماعة من الرواة وقد أخبر في كتاب المدخل مثلا أنه لا يحتج بهم ، وأطلق الكذب على بعضهم .. فهذا قد يرجع إلى اجتهاده ، فيكون التصحيح أو الجرح أحدهما متأخر عن الآخر .
وأمر آخر : وهو أنه ألف المستدرك ليرد به على أقوام شنعوا على السنة واستقلوا المروي الصحيح فيها ، فألف المستدرك ليبين لهم أن هناك أحاديث كثيرة تركها الشيخان ..
والثانية : أن الإمام الحاكم ألف المستدرك ولم ينقحه كله
وهذا يشهد له عدة أمور ، أهمها أن الإمام الحاكم كان يملي على تلاميذه المستدرك وكان من أجل تلاميذه الحافظ أحمد بن حسين البيهقي صاحب السنن ، وظهر أن الربع الأول من الكتاب والذي أملاه الحاكم على تلاميذه منقح ، وَقَلَّتْ فيه الأوهام والأحاديث الضعيفة ولذلك ينقل البيهقي عن هذا الربع بصيغة التحديث وينقل عن الباقي بالإجازة ..
وقال الذهبي في سير النبلاء (19/411) : إن الحاكم إنما ألف المستدرك في أواخر عمره .
وقد اختلف في زمن تأليفه فقيل ألفه وهو في الخمسين من عمره وقيل بل تجاوز السبعين ..
وهذا وإن كان ترجيح أحدهما صعب المنال إلا أنه من المتفق عليه أنه بدأ في تنقيح المستدرك ولم يتمه كما أشرنا أعلاه .
والثالثة : أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في منتصف عمره
وهذا لا إشكال فيه بين الفريقين وأدلته واضحة لا حاجة إلى ذكرها ، فمن المسلم به أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في أوائل تصنيفه بدليل ذكره له في غالب مؤلفاته ، ومن المعروف أن البدايات تكون باختصار الكتب النافعة كما هو معلوم .
وقد قال في السير كما سيأتي : ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه ، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهوْل من الموضوعات التي فيه !! فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء !! .
فبين هذا النص أن تعليقه على المستدرك بعد زمان طويل .. وهو تقريبا في منتصف العمر وأوائل التصنيف لما قدمنا ..
فمن قال أنه ألف المختصر وهو في بداياته فقد أخطأ ، لتصريح الذهبي أنه كان زمانا طويلا لا يعتقد أن يكون حديث الطير في المستدرك .. وهذا يبين أنه ألفه في منتصف عمره وقبل إخراجه كتب الرجال الأخرى .
والرابعة : كلامنا هنا على إقرار الذهبي وليس على سكوته
فيجب أن نفرق بين سكوت الإمام الذهبي وبين نقله لتحقيق الحاكم ، فالأول ليس هو مدار النقاش ، ولا اختلاف في أنه ليس للذهبي فيه حكما ، أما الثاني وهو نقل كلام الحاكم فهذا هو المعني به في نقاشنا .
وقد يكون سكوت الذهبي عن بعض الأحاديث يرجع إلى تكرارها أو أنه توقف فيها فلم يبدي فيها حكما ..
والآن نذكر الأدلة التي احتج بها المعاصرين
ويحسن بي أن اذكر هنا ما قاله المؤلف الفاضل صاحب كتاب لسان المحدثين (3/328) في الأدلة التي ساقها ليثبت بها أن تعليق الذهبي على المستدرك ما هو إلا اختصار وليس إقرار ،،
قال :
الأول : أنه إن كان الأمر كذلك : كان معناه ولازمه أن الإمام الذهبي كثير الخطأ وكثير التساهل وكثير التناقض ، فإنه قد سكت على أحاديث كثيرة صححها الحاكم مطلقاً أو على شرط الشيخين أو أحدهما وفيها رواة قد وهنهم الذهبي نفسه في الميزان أو غيره أو فيها علل أخرى مانعة من ذلك التصحيح معروفة بل مشهورة عند عامة المشتغلين بالحديث فضلاً عن الحافظ الذهبي ذلك الإمام النقاد المدقق الذي لا يخفى مثلها على مثله بحال .
وهذه اللوازم الثلاثة أي كثرة الخطأ وفحش التساهل وتكرار التناقض منتفية - قطعاً - عن الإمام الذهبي ، باطلٌ - جزماً - وصْفُهُ بها ، فالملزوم - وهو أن سكوت الذهبي عما سكت عليه من أحكام الحاكم كان إقراراً له فيها وموافقة له عليها - : باطل أيضاً .
الثاني : أن الذهبي لم يصرح بهذا الذي صرح به الناس على لسانه نيابة عنه ، ولا رأيناه قال هذا الذي قولوه إياه .
الثالث : أن الذهبي نفسه قد صرح عند ذكره اختصاره للمستدرك ، بأن المستدرك لا يزال به حاجة إلى العمل والتحرير ؛ فقد قال في السير ( ... وبكل حال فهو كتاب مفيد ، قد اختصرته ، ويُعْوِز عملاً وتحريراً ) .
فتدبر عبارته الأخيرة هذه ، ترى لو كان الذهبي استوفى نقده للحاكم في تلخيص المستدرك أيكون لهذه العبارة معنى ؟ بل الظاهر أنه لو كان أتى على جميع الكتاب نقداً واستدراكاً لذكره ، ولما اقتصر على قوله ( قد اختصرته ) ثم أردفه بما رأيت ، فنقد المستدرك أنفع من اختصاره بلا ريب .
ومما يؤيد قول من يرى أن الذهبي لم يقصد نقد المستدرك ، وإنما أراد تلخيصه واختصاره كيفما اتفق - والذهبي مشهور بكثرة اختصاره للمطولات من كتب الرواية والرجال - أن الذهبي نفسه سمى تلخيص المستدرك تعليقاً فقد قال في التلخيص عند رواية الحاكم لحديث الطير (3/130-131) : ( ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه ، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهوْل من الموضوعات التي فيه !! فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء !! ) .
الرابع : عدم اشتهار هذا المعنى وشيوعه إلا عند المعاصرين ، فيما يظهر ، بل الظاهر أنه ما صرح بما صرح به المعاصرون في هذا الباب أحد من معاصري الذهبي أو تلامذته من الحفاظ والمحدثين والمؤرخين ، وما كان أكثرهم ، وما أكثر من ترجم منهم للحافظ الذهبي ، وما كان أحرصهم على مثل هذه التنبيهات بل على ما هو دونها بكثير ، كابن عبد الهادي وابن القيم والعلائي وابن كثير وابن رافع والحسيني وغيرهم . انتهى ..
خلاصة ومجمل للشبهات والرد عليها
فمما ذكره الفريق القائل بأن كلام الذهبي على المستدرك ما هو إلا اختصار لا إقرار :
1- قالوا أنه أكثر من المختصرات في مقتبل عمره لينتفع بها فيما بعد !!
قلنا : وهل هذا فعله ليفيد غيره ويستفيد هو أم لا ؟ إن قالوا إنما فعل ذلك لنفسه ! قلنا وكيف انتشرت هذه المختصرات في حياته وبعد مماته ؟
فلا مناص من الاعتراف أنه اختصرها للناس ولنفسه تبعا ، وإن كان ذلك كذلك ، فهو مسئول أمام الله عما يقدمه للناس من دين الله عز وجل .. وسيأتي مزيد بيان لهذا إن شاء الله تعالى .
2- قالوا أنه مُختَصِر وليس للمُختَصِر إلا نقل كلام من اختصر كلامه !!
قلنا جاء على لسانه أنه اختصره وأنه علق عليه .. والمعنيان من لوازمهما التحقيق والتعليق والنقد .. لأن من إقبال المُختَصِر لأي كتاب يكون لدواعي معروفة ، منها :
- أنه يختصر لطول الكتاب وكبر حجمه فيأخذ المختصر المفيد من الكتاب إرادة التيسير ..
- أو لرفع ما فيه من أحاديث واهية وباطلة فيبين ما في الكتاب من حق ويكشف الباطل ..
- أو يختصره لينقده ويعقب عليه .
والمتأمل لاختصار الذهبي يجد الهدف الأسمى من هذا الاختصار هو تبيين ما فيه من أحاديث صحيحة وضعيفة أو باطلة ..
وذلك لأن كتاب الحاكم كتاب حديث مسند وليس كتاب وعظ ورقائق أو سير ومغازي ، فإقباله عليه لا يكون إلا للتعقيب والبيان عما فيه من أحاديث ضعيفة أو موضوعة وإقراره على ما فيه من أحاديث صحيحة .
بل الظاهر من فعله وتتبعه الكتاب كله من أوله وآخره أنه أراد التعليق على الأسانيد بما تراءى له وقتئذ ..
3- قالوا أنه وصف عمله بأنه في حاجة إلى مراجعة وتحرير !!
قلنا : وهذا الكلام متى قاله وأين ؟ الإجابة : قاله في كتابه سير النبلاء ..
قلنا : وهذا الكتاب من أواخر كتبه وبعد تمرسه في فن علم الحديث وتراجم رجاله ، بل بعد إخراجه لأكثر كتبه وموسوعاته ، فإن سير النبلاء مختصر ومستل من كتابه الكبير تاريخ الإسلام ..
وإذا كان ذلك كذلك : فقد بين أن كتابه المختصر على المستدرك يحتاج إلى تحرير ومراجعة ..
فإن قلتم أنه كان يختصر فقط ، فلماذا قال أنه في حاجة إلى تحرير ومراجعة ؟
أما نحن فنقول : أنه جمع وصنف ودرس وصار بفضل الله إمام عصره في الرجال مع الحافظ المزي ، فمن أصبحت هذه حاله فهو بلا شك تغير اجتهاده وأصبح ما كتبه قديما في حاجة إلى مراجعة ..
وقد يكون في هذا إشارة قوية إلى أنه أقر الحاكم على أحاديث كثيرة ظهر له ضعفها فيما بعد ، وهذا حق لا شك فيه ، بل قوله : أن الكتاب في حاجة إلى مراجعة وتحرير هو أكبر شاهد على أنه رأى من نفسه التقصير في خدمة هذا الكتاب ولا نقول قصر في الاختصار !! وإنما قصر في الأحكام على الأسانيد وظهر له هذا بعد أن فتح الله عليه .
4- قالوا أنه يخالف الحاكم في كتبه الأخرى فكيف يكون وافقه ؟
قلنا : وهذا من أوضح الأدلة على أنه كان موافقا له أولا وقت تصنيفه مختصر المستدرك ، ولما فتح الله عليه وترجم لجمهور رواة الأحاديث بان له ما كان وافق الحاكم عليه فأنكر أحاديث وضعف رواة ..
ومعرفة أن كتبه التي نقد أو خالف الحاكم فيها هي المتأخرة ، أي بعد المختصر بسنين كثيرة فلا إشكال حينئذ .. وهذا من أوضح ما يكون ..
فمن جعلها حجة في أن الذهبي لم يوافق الحاكم لأنه قال بخلافه في كتبه الأخرى - كالميزان مثلا – فقد دلس على ضعاف العقول لأن الفرق بين الكتابين في وقت التأليف واضح جدا ولا يحتاج إلى برهان .
وأنا أتعجب من الأخوة الذين نقلوا أحاديث كثيرة من التلخيص وافق الحاكم عليها ثم جاؤا بما يخالفه في السير أو الميزان أو غيرهما ، مستدلين بهذا أنه لا يمكن أن يقر في المختصر وينكر في غيره ، فقدموا حكمه المتأخر عن الأول وحاكموا أنفسهم بما لا يجدي نفعا ، لأنهم يعلمون أن كتبه الأخيرة حاكمة على كتبه الأولى ..
وأقرب مثال على ذلك : بعض الاختلافات بين سير النبلاء وتاريخ الإسلام مع أن السير من التاريخ ، ومع ذلك يتغير اجتهاده في الحكم على الرواة أو بيان وهم أو تصحيح تاريخ أو غير ذلك ..
5- قالوا : أنه على هذا فالإمام الذهبي كثير الخطأ وكثير التساهل وكثير التناقض !
قلنا : إذا تبين لنا أن هذا الذي فعله كان في أوائل التصنيف ، وأن نقده لما سبق وأقر الحاكم عليه كان بعد تمكنه في علم الرجال حتى صار من أئمة عصره بلا نزاع ، فلا إشكال حينئذ ..
بل هي في الحقيقة منقبة له ، إذ إنه بين أن بعض كتبه في حاجة إلى تحرير ومراجعة ، وهذا من سمات العلماء الكبار الذين حمى الله قلوبهم من الكبر ، وهذا ديدن علماء الأمة الناصحون من قديم الزمان ..
فالشافعي مثلا له القديم والجديد وما هذا إلا من تغير الاجتهاد .. ولأحمد تغير واضح في الرجال وفي الحكم على بعض الأحاديث ، ومن راجع كتب ابنه عبد الله علم ذلك ، وكثير من علمائنا كذلك والمقام لا يتسع لذكر الأمثلة إذ إن هذا مما تقرر بداهة بالحس والعقل والنقل ..
فعجيب قول الفاضل صاحب لسان المحدثين :
وهذه اللوازم الثلاثة أي كثرة الخطأ وفحش التساهل وتكرار التناقض منتفية - قطعاً - عن الإمام الذهبي ، باطلٌ - جزماً - وصْفُهُ بها ، فالملزوم - وهو أن سكوت الذهبي عما سكت عليه من أحكام الحاكم كان إقراراً له فيها وموافقة له عليها - : باطل أيضاً . اهـ
فقد صور الإمام الذهبي وكأنه معصوم ، فنفى عنه الخطأ والوهم والتساهل والتناقض !! ولو أنه بين للناس أن هذا في أوائل التصنيف وفي بداياته لأراح نفسه من هذا الغلو ..
6- أنه لم ينقل عن أحد أن نقله لتصحيح الحاكم موافقة له ؟
قلنا هذا منقول عن العلماء عمليا في كثير من كتبهم ؟ والأمثلة عليه كثيرة ..
فمعنى أنهم يقولون صححه الحاكم ووافقه الذهبي أنهم فهموا أن تلخيص الذهبي يشمل التضعيف والتصحيح ، وليس بهذه التفرقة المخترعة في هذه الحقبة الأخيرة ...
ومع ذلك فقد يرجع هذا إلى أمور :
منها : أن يكون المختصر ليس مشهورا بيد يدي بعض تلاميذه ..
فهذا الإمام ابن كثير في البداية والنهاية ، نقل كثيرا من تصحيح الحاكم ولم يتعقبه ولم يذكر إقرار الذهبي عليه .
وعلى سبيل المثال في البداية (1/149) قال عن حديث : الكرسي موضع القدمين : رواه الحاكم في مستدركه وقال إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وقد رواه الحاكم رقم ( 3116 ) وقال صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم .
وفي (1/73) قال في حديث : رواه .. والحاكم من حديث عبادة بن مسلم به وقال الحاكم صحيح الإسناد . وهذا الحديث رواه الحاكم رقم (1902) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي في التلخيص .
وفي حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قال أي رب ألم تخلقني بيدك الحديث قال ابن كثير (1/90) : ثم قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقد رواه الحاكم في المستدرك رقم (4002) وقال : صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح .
وموافقاته للحاكم كثيرة جدا انظر على سبيل المثال في البداية (1/97) وفي (1/100) وفي (1/108)
وقال في حديث غدير خم في البداية (5/228) : قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح .
وقد رواه الحاكم في المستدرك (3/118) وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ، وسكت عنه الذهبي في التلخيص .
ورواه الحاكم في (3/613 رقم 6272) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح .
ولا أجزم بأن ابن كثير اطلع على مختصر المستدرك لشيخه ، لاحتمال أن يكون نقل تصحيحه من كتبه الأخرى وهي كثيرة .
ومنها : أن يكون وقع لبعض تلاميذه ونقلوا عنه التضعيف ولم ينقلوا التصحيح حسب الحاجة فيما يكتبون ..
ومنها : أنهم قد يصححون للحاكم اكتفاء بإقرار الذهبي وحينئذ لا حاجة لذكره لمقام الاختصار في التخريج .
ومنها : أن ينقلوا تصحيحه وإقراره في بعض الأحيان مثل ما وقع للزيلعي وابن الملقن :
فقد ذكر الإمام الزيلعي في نصب الراية (4/161) عن حديث : " سيد الشهداء عند اللّه يوم القيامة حمزة " قال : رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي عليه . اهـ
فهاهو ينقل إقرار الذهبي على الحديث ، وبهذا نرد على من قال أن تلاميذ الذهبي لم يعرفوا هذا الإقرار !!
وقد يأخذ بتصحيح الذهبي فيما سكت عليه الحاكم كما في حديث " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم " قال الزيلعي في نصب الراية (3/347) : رواه .. والحاكم في المستدرك وسكت عنه ، قال شيخنا الذهبي في مختصره : هو صحيح .
وفي حديث : " يا عمر هاهنا تسكب العيون " قال الزيلعي في نصب الراية (3/38) :
رواه الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ولم يتعقبه الذهبي في مختصره ولكنه في ميزانه أعله بمحمد بن عون ونقل عن البخاري أنه قال : هو منكر الحديث ، انتهى
وهنا قال أن الذهبي لم يقر الحاكم ، والذهبي إنما سكت ولم ينقل كلام الحاكم ، فبان بهذا أن غير سكوته عنده إقرار ، وهذا من أوضح ما يكون ، وهو من كلام الزيلعي تلميذ الذهبي ..
ومثل هذا حديث آخر (3/80) قال فيه : ووهم الحاكم في المستدرك فرواه وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ولم يتعقبه الذهبي في ذلك .
وهذا الحديث رواه الحاكم (1743) وسكت الحافظ الذهبي عليه ، فبان بهذا أن تعقب الذهبي عند الزيلعي ما هو إلا إقرار أو مخالفة في التصحيح أو التضعيف .
وقريب من هذا صنيع ابن الملقن - وهو من طبقة الزيلعي – عند حديث المسور بن مخرمة مرفوعاً : " إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " قال : ثم قال الحاكم : صحيح ، وأقره الذهبي عليه . ( نقلا من كلام الدكتور سعد بن عبد الله الحميد في مناهج المحدثين )
وكثير من الناس بعد ذلك اطلع على مختصر الذهبي للمستدرك ونقلوا عنه ، وليس بالضرورة أن ينقلوا تصحيح الذهبي ، بل العناية في النقد تكون فيما ضعفه الذهبي عند الحاكم فهي أولى بالنقل ..
فهذا ابن حجر : قال في فتح الباري (12/181) :
وقد أخرج الحاكم من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال لرجل أقعد جاريته وقد اتهمها بالفاحشة على النار حتى احترق فرجها هل رأيت ذلك عليها ؟ قال لا قال فاعترفت لك ؟ قال لا قال فضربه وقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقاد مملوك من مالكه ، لأقدتها منك .
قال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بأن في إسناده عمرو بن عيسى شيخ الليث وفيه منكر الحديث ، كذا قال فأوهم أن لغيره كلاما وليس كذلك فإنه ذكره في الميزان فقال لا يعرف لم يزد على ذلك ولا يلزم من ذلك القدح فيما رواه بل يتوقف فيه .
وابن حجر ينقل تصحيح الحاكم ويقره أحيانا كثيرة ، ولا يذكر تعقيب الذهبي ، ولا يبعد أن يكون ذلك لمعرفته بإقرار الذهبي عليه .
والأئمة الذين قالوا بإقرار الذهبي للحاكم فيما ينقله من عبارات التصحيح هم العلماء الحفاظ الثقات ، ومن بعدهم مجموعة من المحققين الكبار لا يبلغ شأوهم ولا يصنع صنيعهم أحد ممن بعدهم ..
فمن قال بخلاف هؤلاء كيف نرجح قوله عليهم وما معه إلا أوهام وتخيلات وضرب من الحدس يقوله غير جازم به ..
7- قالوا : أن الذهبي لم يصرح بهذا الذي صرح به الناس على لسانه نيابة عنه ، ولا رأيناه قال هذا الذي قولوه إياه .
قلنا : هذا الذي في مختصره ما هو في الحقيقة إلا إقرار منه لتصحيح الحاكم ، فإننا وإن لم نقل إن سكوته إقرار – مع أنه في غير المختصر يعد إقرارا صريحا – إلا أننا قلنا إن نقله لتصحيح الحاكم ما هو إلا إقرار وذلك لأمور :
الأول : أنه تعرض للأسانيد التي فيها ضعف من جهة الرواة أو نكارة في المتن أو ما هو من هذا القبيل ، وارتضى العلماء قوله هذا ، ونقلوه عنه ، ونسبوه حكما صريحا له ، ويحتجون بتضعيفه فيه ، فمن باب أولى أن نقله لتصحيح الحاكم يدل على أنه أقره عليه .
الثاني : أن تعقيبه على الأحاديث التي فيها ضعف أو في سندها نكارة موجود من أول الكتاب إلى آخره ، ومنهجه فيها واحد ، يتكلم عما رأى فيه علة ، ويسكت عما رآه وقتئذ صحيح فيكون هذا موافقة منه للحاكم .
الثالث : أنه في تعقيبه يتكلم عن الأحاديث التي سكت عليها الحاكم فيصفها بما يوافقها من حكم وهاكم أمثلة أربعة :
أن أول حديث ذكره الحاكم في المستدرك (1/43) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا .
قال الذهبي قي التلخيص : لم يتكلم عليه المؤلف وهو صحيح .
ومثله حديث (رقم 12) عن أبي هريرة قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفرا غير الصلاة .
قال الذهبي قي التلخيص : لم يتكلم عليه وإسناده صالح .
ومن وسط الكتاب الحديث (4479) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح .
ومن آخر الكتاب حديث رقم (8792) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص : سنده صالح .
فإن كان يحكم على ما سكت الحاكم عليه ..
ويحكم على كثير من أسانيده بالضعف والنكارة ووو ..
ويتوقف أحيانا فيسكت ولا يقول فيه شيئا ..
فما بقي إلا ما قعدتموه أنتم : وهو إقراره لما ينقله من تصحيح ، فما الدليل على هذا الاستثناء ؟
رابعا : أن الاختصار أحيانا يكون في السند والمتن ثم يلخص قول الحاكم على الحديث ، فبالضرورة اطلع على السند والمتن الذين لخصهما ، فمن باب أولى أن نقول أنه لم ير علة أو راويا ضعيفا فيكون اختصاره لحكم الحاكم على الحديث إقرار له ، لا سيما وهو يأتي بزبدة قول الحاكم .
خامسا : أنه قد يخالفه في صيغة التصحيح مما يبين بجلاء أنه وافقه بتصرف مثل أن يقول الحاكم : حديث صحيح على شرطهما فيتعقبه الذهبي فيقول أنه على شرط أحدهما .. أو يقول الحاكم : صحيح على شرط أحدهما فيقول الذهبي أنه على شرطهما أو على شرط الآخر .. وهذا كثير جداً .
أو أن يصحح الحاكم حديثا وهو على شرطهما أو أحدهما مثل حديث رقم (8790) صححه الحاكم فقط فقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي قي التلخيص وقال : على شرط مسلم .
والأحاديث الكثيرة التي ذكرها الحاكم وقال لم يخرجاه ، فيتعقبه الذهبي بأنه عندهما أو عند أحدهما .
سادسا : أن كم الأحاديث التي صححها الحاكم ووافقه عليها الذهبي كثيرة جدا ، وأقصى ما قد يقال في أكثرها أنها حسنة ولا فرق ..
نعم : فيها جملة من الضعيف والشاذ والمنكر وما في سنده كلام ، لكن هذا من جملة ما وافقه الذهبي عليه قليل بالنسبة لما وافقه على تصحيحه .. وقلما نجد فيه حديثا موضوعا إذ إن الذهبي قد أخرجها مفردة وهي قرابة المائة حديث .
وهذا وإن كان في حاجة إلى سرد وتعداد إلى أنه من الغبن أن نهجم هجوم البربر على كل ما صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليه فنهدمه كله بلا مبرر ..
فالدعوة إلى التنقيب عما صححه الحاكم ووافقه الذهبي ودراسة سنده جيدا أمر مطلوب ، ولكن إن لم يكن في الحديث إلا تصحيحهما ولم يضعفه غيرهما فأقل أحواله أن يوصف بالحسن إن خلا إسناده من متهم أو غير ذلك ..
حتى الأحاديث التي لم يتكلم عليها الحاكم قال عنها الذهبي أثناء تعليقه على أول حديث في كتابه مختصر المستدرك : ولذا لم أره يتكلم على أحاديث حجة بعضها جيدة وبعضها واهٍ . اهـ
سابعا : أن اتهامكم للذين شنعتم عليهم وقلتم أنهم بذلك غلطوا الذهبي ووهموه لأنه أقر الحاكم على أحاديث فيها ضعف أو نكارة ، أنتم أولى بهذا الاتهام من غيركم لأنكم بهذا الرأي اتهمتم الإمام الذهبي بخيانته للأمانة العلمية فيرى الباطل والمنكر ويسكت عليه ، مع أنه من أول الكتاب إلى آخره يتعقبه فيما رآه وقتئذ يستحق التعقيب ..
فجنيتم أنتم على الإمام الذهبي من حيث أردتم صيانته وتبرئته والدفاع عنه ..
ولو أنكم سلمتم بأن هذا قبل انتشار كتبه الكثيرة في الرجال وتمرسه في علم الحديث وأن هذا من طبع البشر ، وجوزتم عليه الخطأ والوهم كأي عالم يخطيء ويسهو ويفوته الكثير في بدايات التصنيف لما أوقعتم أنفسكم في هذا الغلو الذي ينأى عنه الإمام الذهبي رحمه الله ..
قال الإمام الذهبي في سير النبلاء (3/321) عند قول أبي هريرة : رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه . يعني : من العلم ..
قلت ( الذهبي ) : هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع ; أو المدح والذم ; أما حديث يتعلق بحل أو حرام ، فلا يحل كتمانه بوجه ; فإنه من البينات والهدى . اهـ
فأنتم على رأيكم تتهمون الذهبي بأنه مر على أحاديث صححها الحاكم وهي عنده ضعيفة واختصر كلام الحاكم ولم يتعقبه ، وهذا في الظاهر حسب رأي جمهور العلماء إقرار منه له ..
فأي اتهام هذا الذي نسبتموه لغيركم ، والذهبي يقول : لا يحل كتمان هذا لأنه من البينات والهدى ؟
ثامنا : أن الأحاديث التي تعقبها الذهبي بالتضعيف وكان قبل وافق الحاكم عليها عددها قليل جدا بالنسبة لحجم كتاب المستدرك وما وافقه الذهبي فيه على التصحيح ..
وقد يكون من المفيد أن يقوم أحد الأخوة محتسبا بعد الأحاديث التي نقدها الذهبي في كتبه المتأخرة وكان من قبل مقر للحاكم فيها ، وفي نظري أنها لا تصل إلى مائة حديث !!
8- وتعلقوا بقول الذهبي في ترجمة الحاكم من السير (19/410) وهو يرد على الماليني قوله :
طالعت كتاب المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه حديثا على شرطهما .
قلت ( الذهبي ) : هذه مكابرة وغلو ، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا ، بل في المستدرك شئ كثير على شرطهما ، وشئ كثير على شرط أحدهما ، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل ، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما ، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة ، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد ، وذلك نحو ربعه ، وباقي الكتاب مناكير وعجائب ، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها ، كنت قد أفردت منها جزءا ، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء ، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ، ويعوز عملا وتحريرا . الخ
هذا نص كلام الذهبي في سير النبلاء ..
ومن المفيد أن أنقل هنا ما ذكره السيوطي في تدريب الراوي (1/106) قال :
قال الذهبي : وهذا إسراف وغلو من الماليني وإلا ففيه جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء أو له علة وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير أو واهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات. الخ
فبين هذين النصين فرق ، وهو أنه على رأي الذهبي في السير فإن حوالي ثلث الكتاب على شرط الشيخين أو أحدهما ، وربعه صحيح حسن جيد وباقيه ضعيف ومنكر ..
وكلام السيوطي أن ربع الكتاب فقط مناكير وواهيات .. ومعلوم أن هناك مائة حديث موضوعة .
فبهذا قد يكون كلام السيوطي صحيح في نسخته من السير والموجود فيه خطأ من النساخ ، ونقل هذا النص كما هو عند السيوطي ، التهانوي في قواعد التحديث (1/218) وقال أنه موجود في طبقات الشافعية لتقي الدين شهبة .
أو يكون السيوطي نقل كلام الذهبي بالمعنى فتغير الكم تبعا لذلك .. وهذا ليس ببعيد ..
لكن ما يلفت النظر :
أن الذين يستشهدون بهذا النص يتغافلون عن شهادة الذهبي بأن في الكتاب صحيح على شرطهما أو على شرط أحدهما وصحيح وحسن وجيد ولا يرون هذا إقرار منه وهو من أوضح ما يكون بيانا !!
نعم : قد يقولون الكم الذي وافق فيه الذهبي للحاكم أكثر مما قاله هنا ..
فيقال حينئذ : هذا كلامه الأخير بعد لمعان ذهبه في هذا العلم وبعد وضع كثير من كتبه ، فلعل الحكم هنا بعد هذه الممارسة ، وهو وصف تقديري على كل حال ، لا يراد منه الدقة في العدد ، والجزم به بدون تحقيق الأرقام صعب جدا ..
لكن نأخذ منه بوضوح هنا أنه أقر على جملة كبيرة من الكتاب صحيحة وحسنة وجيدة ، فليس لأحد أن يقول بعد ذلك أن نقله لكلام الحاكم ليس إقرار منه له .
نص من المعلمي بموافقة الذهبي للحاكم
أشار المعلمي اليماني - رحمه الله - في تعليقه على الفوائد المجموعة للشوكاني (ص464) إلى أن في تخريج بعض الأحاديث كان الذهبي يعلم عليها بالصحة فقال : وقف الذهبي في تلخيصه فلم يتعقبه ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يُقرّ الحاكم على تصحيحه . اهـ
وهذا النص فيه مسألتان :
الأولى : أن ما استشفه وتخيله البعض من احتمال أن تكون هناك نسخة علق الذهبي على بعضها بالصحة وأن المعلمي اطلع عليها !!
وهذا كلام غريب ، وأظنه وهم من صاحبه جزاه الله خيرا ، فإن مسألة كهذه لا يكتمها صاحبها الذهبي أولا ، وكانت تكون مشهورة عند جميع المحدثين من عصر الذهبي إلى عصرنا ، وهذا لم يوجد ، ولم يصرح به أحد ولا المعلمي نفسه ..
والحديث الذي أشار إليه المعلمي رواه الحاكم في المستدرك رقم (8196) في كتاب التعبير وصححه الحاكم على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي ..
فسكوته ها هنا كسكوته على بعض أحاديث المستدرك التي لم يعقب عليها بشيء .
فبان بهذا أن مراد المعلمي بالعلامة المشار إليها هو تلخيص الذهبي وتعقيبه على أحاديث المستدرك كما في بعض النسخ كان يرمز حرف ( خ – م ) أي على شرطهما و ( خ ) لشرط البخاري و ( م ) لشرط مسلم .. وهكذا .
الثانية : في قول المعلمي : وقف الذهبي في تلخيصه ، فلم يتعقبه ، ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يقر الحاكم على تصحيحه . اهـ
فيها تصريح من المعلمي على إقرار الذهبي فيما يكتبه من كلام الحاكم في التصحيح ..
ومن هذا ما قاله المعلمي أيضا في بعض تعليقاته على الفوائد للشوكاني : وقول الذهبي على شرط مسلم أراد على فرض صحته عن أبي نعيم .
أي أن الإشكال في سند الحاكم إلى شيوخ الشيخين كما هو معلوم ، فإن الحاكم عندما يصحح على شرطهما أو على شرط أحدهما فإنما هذا الحكم على غير شيوخه وهذا واضح .
وبان بهذين الأمرين : رد قول من قال أن المعلمي لا يعرف عنه هذه المسألة – وهي إقرار الذهبي للحاكم – إذ إن كلامه الصريح هذا يرد هذا التخيل ويبطله .
خلاصة من الأدلة التي ساقها الأستاذ حسان عبد المنان
وقد حشر الأستاذ حسان عبد المنان في مقدمته لمسند أحمد طبعة عالم الكتب ، وهو يرد على الشيخ شعيب الأرنؤوط ، تحت عنوان : نقل موافقات الذهبي لتصحيحات الحاكم في المستدرك ، ورقم فيها ستة عشر مسألة اعتبرها أدلة على ما ادعاه ، ولا يصفوا منها له إلا قليل :
وأولها : أنه قايس مختصر الذهبي على مستدرك الحاكم بمهذب الذهبي لسنن البيهقي الكبرى !!
وأول شيء يبين أن هذا القياس مردود : أن البيهقي لم يشترط الصحة في كتابه بينما اشترطها وادعاها الحاكم ، فكان تعقبه للحاكم في أحكامه على الكتاب أولى من تعقب البيهقي ..
والذهبي في مقدمة مهذب السنن قال : وقد تكلمت على كثير من الأسانيد حسب جهدي . اهـ
والأمر الثاني في إبطال هذا القياس : أن الذهبي في مهذب السنن يسكت عن أحاديث ويتعقب البيهقي في أخرى ، ونحن لم نحاكم الذهبي في سكوته لا في المهذب ولا في تلخيص المستدرك ، وإنما نتحاكم لنقله كلام الحاكم في التصحيح وإقراره عليه .. وبهذا لا يقاس عمله في التلخيص بالمهذب .
الثاني : في قوله (ص388) فإذا أراد أحد تلخيصه ( المستدرك ) فلابد إذن ( كذا ) من نقل رأي الحاكم في كل حديث فيذكر الحديث ، ثم يذكر كلام الحاكم عليه ، وإلا فقد الكتاب قيمته العلمية ، وما عاد لسرد أحاديثه أي فائدة . اهـ
كذا قال أبي صهيب الكرمي ، وهو يعلم أن الاختصار يفقد قيمته العلمية أكثر إن مر المختصر على الخطأ ولم يعقب عليه ..
وماذا يقول في الأحاديث التي سكت عليها الذهبي ؟ أنتهمه كذلك أنه لم يحسن التلخيص ؟
وماذا يقول في الأحاديث التي أوردها الحاكم ولم يتكلم عليها بشيء فتعقبه الذهبي بتصحيحها أو تضعيفها ؟
الثالث : قال : أن الذهبي لم يقدم للكتاب بمقدمة كي نعرف منهجه في التلخيص .
وهذا لا يدل على شيء أبدا ، وهو محقق كبير في كتب التراث ويعلم هذا جيدا ، فكم من كتاب كبير لعالم جهبذ خلا من المقدمة .. وتعداد ذلك يفوق الحصر ، فأي حجة في هذا ؟
ثم أنه قال أن المقدمة الموضوعة ليست للذهبي ، وقد يكون صحيحا ولا نجاذبه في ذلك ، ولكن لماذا لا نتحاكم إليها ؟ وهذا نصها كما نقلها الفاضل :
" هذا ما لخص محمد بن احمد بن عثمان ابن الذهبي من كتاب المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم رحمه الله فأتى بالمتون وعلق الأسانيد وتكلم عليها " اهـ
فبان من هذه المقدمة ثبوت الاختصار للذهبي وهذا لا يشك عاقل فيه ، ثم بيان طريقته وهي سرد المتون وتعليق الأسانيد والكلام عليها .. وهذا ما يخصنا هنا : وهو الكلام عليها .. ولم يستثن كما استثنى الفاضل وأول هذه الجملة الواضحة على مراده فقال :
أن العبارة الأخيرة ( والكلام عليها ) هي من تتمة الاختصار ، وقد يراد بها أنه علق عليها حسب النشاط والاجتهاد .. كذا قال !! والكتاب كله من أوله إلى آخره عليه تعليق الذهبي سوى ما سكت عنه فمن أين أتى هذا الاستثناء ؟
الرابع : قال أن جملة الذهبي ( وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ويعوز عملا وتحريرا ) يراد بها أنه لم يتعقب الحاكم في كل شيء !!
فكيف يؤخذ من هذه الجملة ما ادعاه وقرره ؟ أليس من الواضح أنه اختصره كله وعقب على ما تراءى له وقتئذ ، ولما فتح الله عليه أشار إلى أنه في حاجة إلى تحرير ، وذلك لتغير اجتهاد الحافظ وإطلاعه على جل تراجم الرواة في موسوعاته التي ألفها بعد اختصار المستدرك .. أيهما أوضح ؟
الخامس : أنه يستدل بكتب بعيدة عما صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليها ، ويريد أن يثبت من عدم ذكرهم لموافقة الذهبي للحاكم حجة لما ادعاه ..
فذكر كتاب ابن الملقن ولم يذكر اسمه حتى لا يهدم استشهاده به ، وكتابه اسمه (النكت اللطاف في بيان أحاديث الضعاف المخرجة في مستدرك الحافظ النيسابوري ) وموضوعه يظهر من عنوانه ، فهو لم يتعرض للصحيح الذي صححه الحاكم ووافقه الذهبي وإنما للضعيف كما هو في العنوان ، ولعلي بعد أن أحصل على نسخة منه أحكم أكثر على مراده .
وممن ذكرهم أيضا : السخاوي في المقاصد الحسنة وابن عراق في تنزيه الشريعة .. وهما كتابان في الموضوعات والأباطيل ، فكيف به يريد منهما نقل تصحيح الذهبي ؟؟ هذا غريب وعجيب .
على أنه ذكر حديث : " الرسول لا يقتل " ونقله السخاوي وأقر الحاكم على تصحيحه على شرط مسلم ، فلماذا لا تكون هذه الثقة مأخوذة من معرفته بإقرار الإمام الذهبي ؟
والحديث رواه الحاكم في المستدرك (3/54 رقم 4377) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : على شرط مسلم .
السادس : قال أن أول من ابتدع ! هذه الفكرة ( وهي موافقات الذهبي للحاكم ) المناوي !!
كذا قال : وقد نقلنا عن الزيلعي تلميذ الذهبي فيما سبق نقله لموافقة الذهبي للحاكم ..
السابع : وهو قوله : " وكثيرا من الأحاديث المضعفة التي لا تخفى عليه ( أي الذهبي ) لو بحثها أو راجعها في كتب الرجال أو كتابه ميزان الاعتدال الذي أرجح انه أُلف بعده " اهـ
فلا أدري معنى " ألف بعده " هل أراد أن مختصر المستدرك ألف بعد ميزان الاعتدال ؟ وما هو دليله على ذلك ؟
وإن أراد أن الميزان ألف بعد المختصر فبطل رأيه حينئذ وعاد عليه ..
هذه باختصار بعض الشبهات التي أوردها أبو صهيب الكرمي ، وبعضها الآخر رددنا عليه ضمن ردنا الأول ..
فخلاصة هذا المقال :
أن العلماء الذين قالوا بإقرار الذهبي للحاكم فيما صححه ونقله الذهبي هو قول صحيح لما قد بيناه أعلاه ..
وأن سكوت الذهبي لا يعد حكما فيتحرز من هذا ، فيقال صححه الحاكم وسكت عنه الذهبي ، وقد يكون سكوته لتكرار الحديث أو لتوقفه في الحكم عليه أو ما هو من هذا القبيل .
ومن الضروري هنا أن نبين ، أنه علينا عدم متابعة الحاكم في التصحيح ولا إقرار الذهبي عليه أيضا ، لما علمنا أن اختصار الذهبي متقدم بزمن عما أخرجه من كتب كثيرة في تراجم الرواة .
وأن الذين قالوا هذا القول الجديد ، ليس معهم دليل قاطع على دعواهم تلك إلا تخمينات وضعوها من باب صيانة الإمام الذهبي من الوهم والتناقض ، ولو وضعوا الأمور في نصابها لأراحونا من هذا الرأي جملة وتفصيلا .
وليتهم اتبعوا نصيحة الإمام الذهبي عندما قال أن المستدرك في حاجة إلى تحرير ومراجعة ..
وأخيراً :
هذا جهد المقل ، أعرضه ولا أقطع به ، وأحيل الأمر إلى علام الغيوب لحين تخرج لنا دراسة موثقة عن هذا الموضوع وخفاياه الشائكة ..
والله أعلى وأعلم . [/align]
التحاكم إلى موافقة الذهبي للحاكم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
أما بعد :
فإن موضوع موافقة الإمام الذهبي في مختصر المستدرك لتصحيح الإمام الحاكم لكثير من الأحاديث ، شغب عليها كثير من إخواننا طلاب العلم ، والذين نسبوا لجمهور العلماء الغفلة والوهم في حكمهم بموافقة الذهبي للحاكم للأحاديث الذي نقلوا تصحيحه كما هو في المستدرك .
وصال وجال في هذه المسألة كثير من الأخوة ، تابعين في ذلك زمرة من العلماء الأفاضل ، وهم بذلك جميعا يتغافلون عن حقائق واضحة ليبرئوا ساحة الإمام الذهبي من متابعة الحاكم في كثير من أخطائه فوقعوا فيما اتهموا به العلماء .
وأنا في هذه المشاركة أحاول - قدر الجهد – أن أبين الحق - حسبما تراءى لي - ولا أجزم به كما جزم به الأخوة الكرام الذين وهموا العلماء من بعد عصر الإمام الذهبي إلى عصرنا .
وسيكون نقاشنا للموضوع في نقاط محددة حتى لا يتوسع المقال ..
وقبل بضع سنوات قرأت مقالات عدة لأخوة أفاضل يقررون فيها أن موافقة الذهبي للحاكم ما هو إلا وهم وقاعدة فاسدة أسست بالباطل بدون تحقيق ..
وكنت أمر على هذا مرور الكرام فلا أبدي أدنى رأيٍ في الموضوع إذ إنني رأيت الصواب حليف من قال أن نقل الذهبي لحكم الحاكم بالتصحيح ولم يتعقبه هو موافقة منه للحاكم على الظاهر ما لم يتراجع عنه في كتبه المتأخرة ..
ولما اشتريت كتاب الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومعه شرحه بلوغ الأماني للشيخ عبد الرحمن الساعاتي رحمه الله طبعة بيت الأفكار في أربعة مجلدات وعليها تعليق حسان عبد المنان ..
وفي مقدمته في أثناء الكلام على المسند أشار إلى مقدمة كبيرة له كتبها للمسند طبعة عالم الكتب ، وبين ما فيها من مواضيع هي فهرس مقدمته المشار إليها فوجدت فيها بحثاً لموضوع موافقة الذهبي للحاكم متتبعا الشيخ شعيب في طبعة مؤسسة الرسالة للمسند ..
فلما رأيت رؤوس المواضيع اتصلت به وطلبت منه نسخة من المقدمة فصورها مشكورا وكلفت أحد إخواني هنا في قطر وكان ذاهبا إلى الأردن أن يجلبها معه ووصلت والحمد لله وشكر الله الجميع ..
وبالتالي فسيكون ردي وتعقبي يخص الشيخ حسان أيضاً لأنني وجدته أكثر من تكلم عن الموضوع من الأخوة المشاركين بمقالاتهم في الشبكة العنكبوتية في كثير من المواقع السلفية ، بل لا أخفي أن كثيرا منهم نقل عنه بدون أن يبين ، لمعرفته بالخلاف الكبير بينه وبين الإمام الألباني رحمه الله ..
وقبل البيان :
هذه أمور كالمقدمة يكاد الفريقان المختلفان في هذه المسألة أن يكونا قد اتفقا عليها .
أولها : الإمام الحاكم معروف بتساهله في التصحيح
وهذا لا يحتاج إلى برهان لشهرته بين العلماء .. وقد قالوا : أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني ، بل تصحيحه كتحسين الترمذي ، وأحياناً يكون دونه .. وأن صحيحي شيخيه ابن حبان وابن خزيمة أعلى من مستدركه بمراتب ..
ولذلك لما نجد حديثا صححه الحاكم فهذا يرجع في الغالب إلى توثيقه لرجاله ، فإن كان ثمة اختلاف ظاهر بين ترجمته للراوي وتصحيحه حديثه في المستدرك كأن يأتي الحاكم نفسه فيصحح أحاديث جماعة من الرواة وقد أخبر في كتاب المدخل مثلا أنه لا يحتج بهم ، وأطلق الكذب على بعضهم .. فهذا قد يرجع إلى اجتهاده ، فيكون التصحيح أو الجرح أحدهما متأخر عن الآخر .
وأمر آخر : وهو أنه ألف المستدرك ليرد به على أقوام شنعوا على السنة واستقلوا المروي الصحيح فيها ، فألف المستدرك ليبين لهم أن هناك أحاديث كثيرة تركها الشيخان ..
والثانية : أن الإمام الحاكم ألف المستدرك ولم ينقحه كله
وهذا يشهد له عدة أمور ، أهمها أن الإمام الحاكم كان يملي على تلاميذه المستدرك وكان من أجل تلاميذه الحافظ أحمد بن حسين البيهقي صاحب السنن ، وظهر أن الربع الأول من الكتاب والذي أملاه الحاكم على تلاميذه منقح ، وَقَلَّتْ فيه الأوهام والأحاديث الضعيفة ولذلك ينقل البيهقي عن هذا الربع بصيغة التحديث وينقل عن الباقي بالإجازة ..
وقال الذهبي في سير النبلاء (19/411) : إن الحاكم إنما ألف المستدرك في أواخر عمره .
وقد اختلف في زمن تأليفه فقيل ألفه وهو في الخمسين من عمره وقيل بل تجاوز السبعين ..
وهذا وإن كان ترجيح أحدهما صعب المنال إلا أنه من المتفق عليه أنه بدأ في تنقيح المستدرك ولم يتمه كما أشرنا أعلاه .
والثالثة : أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في منتصف عمره
وهذا لا إشكال فيه بين الفريقين وأدلته واضحة لا حاجة إلى ذكرها ، فمن المسلم به أن الإمام الذهبي اختصر المستدرك في أوائل تصنيفه بدليل ذكره له في غالب مؤلفاته ، ومن المعروف أن البدايات تكون باختصار الكتب النافعة كما هو معلوم .
وقد قال في السير كما سيأتي : ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه ، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهوْل من الموضوعات التي فيه !! فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء !! .
فبين هذا النص أن تعليقه على المستدرك بعد زمان طويل .. وهو تقريبا في منتصف العمر وأوائل التصنيف لما قدمنا ..
فمن قال أنه ألف المختصر وهو في بداياته فقد أخطأ ، لتصريح الذهبي أنه كان زمانا طويلا لا يعتقد أن يكون حديث الطير في المستدرك .. وهذا يبين أنه ألفه في منتصف عمره وقبل إخراجه كتب الرجال الأخرى .
والرابعة : كلامنا هنا على إقرار الذهبي وليس على سكوته
فيجب أن نفرق بين سكوت الإمام الذهبي وبين نقله لتحقيق الحاكم ، فالأول ليس هو مدار النقاش ، ولا اختلاف في أنه ليس للذهبي فيه حكما ، أما الثاني وهو نقل كلام الحاكم فهذا هو المعني به في نقاشنا .
وقد يكون سكوت الذهبي عن بعض الأحاديث يرجع إلى تكرارها أو أنه توقف فيها فلم يبدي فيها حكما ..
والآن نذكر الأدلة التي احتج بها المعاصرين
ويحسن بي أن اذكر هنا ما قاله المؤلف الفاضل صاحب كتاب لسان المحدثين (3/328) في الأدلة التي ساقها ليثبت بها أن تعليق الذهبي على المستدرك ما هو إلا اختصار وليس إقرار ،،
قال :
الأول : أنه إن كان الأمر كذلك : كان معناه ولازمه أن الإمام الذهبي كثير الخطأ وكثير التساهل وكثير التناقض ، فإنه قد سكت على أحاديث كثيرة صححها الحاكم مطلقاً أو على شرط الشيخين أو أحدهما وفيها رواة قد وهنهم الذهبي نفسه في الميزان أو غيره أو فيها علل أخرى مانعة من ذلك التصحيح معروفة بل مشهورة عند عامة المشتغلين بالحديث فضلاً عن الحافظ الذهبي ذلك الإمام النقاد المدقق الذي لا يخفى مثلها على مثله بحال .
وهذه اللوازم الثلاثة أي كثرة الخطأ وفحش التساهل وتكرار التناقض منتفية - قطعاً - عن الإمام الذهبي ، باطلٌ - جزماً - وصْفُهُ بها ، فالملزوم - وهو أن سكوت الذهبي عما سكت عليه من أحكام الحاكم كان إقراراً له فيها وموافقة له عليها - : باطل أيضاً .
الثاني : أن الذهبي لم يصرح بهذا الذي صرح به الناس على لسانه نيابة عنه ، ولا رأيناه قال هذا الذي قولوه إياه .
الثالث : أن الذهبي نفسه قد صرح عند ذكره اختصاره للمستدرك ، بأن المستدرك لا يزال به حاجة إلى العمل والتحرير ؛ فقد قال في السير ( ... وبكل حال فهو كتاب مفيد ، قد اختصرته ، ويُعْوِز عملاً وتحريراً ) .
فتدبر عبارته الأخيرة هذه ، ترى لو كان الذهبي استوفى نقده للحاكم في تلخيص المستدرك أيكون لهذه العبارة معنى ؟ بل الظاهر أنه لو كان أتى على جميع الكتاب نقداً واستدراكاً لذكره ، ولما اقتصر على قوله ( قد اختصرته ) ثم أردفه بما رأيت ، فنقد المستدرك أنفع من اختصاره بلا ريب .
ومما يؤيد قول من يرى أن الذهبي لم يقصد نقد المستدرك ، وإنما أراد تلخيصه واختصاره كيفما اتفق - والذهبي مشهور بكثرة اختصاره للمطولات من كتب الرواية والرجال - أن الذهبي نفسه سمى تلخيص المستدرك تعليقاً فقد قال في التلخيص عند رواية الحاكم لحديث الطير (3/130-131) : ( ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه ، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهوْل من الموضوعات التي فيه !! فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء !! ) .
الرابع : عدم اشتهار هذا المعنى وشيوعه إلا عند المعاصرين ، فيما يظهر ، بل الظاهر أنه ما صرح بما صرح به المعاصرون في هذا الباب أحد من معاصري الذهبي أو تلامذته من الحفاظ والمحدثين والمؤرخين ، وما كان أكثرهم ، وما أكثر من ترجم منهم للحافظ الذهبي ، وما كان أحرصهم على مثل هذه التنبيهات بل على ما هو دونها بكثير ، كابن عبد الهادي وابن القيم والعلائي وابن كثير وابن رافع والحسيني وغيرهم . انتهى ..
خلاصة ومجمل للشبهات والرد عليها
فمما ذكره الفريق القائل بأن كلام الذهبي على المستدرك ما هو إلا اختصار لا إقرار :
1- قالوا أنه أكثر من المختصرات في مقتبل عمره لينتفع بها فيما بعد !!
قلنا : وهل هذا فعله ليفيد غيره ويستفيد هو أم لا ؟ إن قالوا إنما فعل ذلك لنفسه ! قلنا وكيف انتشرت هذه المختصرات في حياته وبعد مماته ؟
فلا مناص من الاعتراف أنه اختصرها للناس ولنفسه تبعا ، وإن كان ذلك كذلك ، فهو مسئول أمام الله عما يقدمه للناس من دين الله عز وجل .. وسيأتي مزيد بيان لهذا إن شاء الله تعالى .
2- قالوا أنه مُختَصِر وليس للمُختَصِر إلا نقل كلام من اختصر كلامه !!
قلنا جاء على لسانه أنه اختصره وأنه علق عليه .. والمعنيان من لوازمهما التحقيق والتعليق والنقد .. لأن من إقبال المُختَصِر لأي كتاب يكون لدواعي معروفة ، منها :
- أنه يختصر لطول الكتاب وكبر حجمه فيأخذ المختصر المفيد من الكتاب إرادة التيسير ..
- أو لرفع ما فيه من أحاديث واهية وباطلة فيبين ما في الكتاب من حق ويكشف الباطل ..
- أو يختصره لينقده ويعقب عليه .
والمتأمل لاختصار الذهبي يجد الهدف الأسمى من هذا الاختصار هو تبيين ما فيه من أحاديث صحيحة وضعيفة أو باطلة ..
وذلك لأن كتاب الحاكم كتاب حديث مسند وليس كتاب وعظ ورقائق أو سير ومغازي ، فإقباله عليه لا يكون إلا للتعقيب والبيان عما فيه من أحاديث ضعيفة أو موضوعة وإقراره على ما فيه من أحاديث صحيحة .
بل الظاهر من فعله وتتبعه الكتاب كله من أوله وآخره أنه أراد التعليق على الأسانيد بما تراءى له وقتئذ ..
3- قالوا أنه وصف عمله بأنه في حاجة إلى مراجعة وتحرير !!
قلنا : وهذا الكلام متى قاله وأين ؟ الإجابة : قاله في كتابه سير النبلاء ..
قلنا : وهذا الكتاب من أواخر كتبه وبعد تمرسه في فن علم الحديث وتراجم رجاله ، بل بعد إخراجه لأكثر كتبه وموسوعاته ، فإن سير النبلاء مختصر ومستل من كتابه الكبير تاريخ الإسلام ..
وإذا كان ذلك كذلك : فقد بين أن كتابه المختصر على المستدرك يحتاج إلى تحرير ومراجعة ..
فإن قلتم أنه كان يختصر فقط ، فلماذا قال أنه في حاجة إلى تحرير ومراجعة ؟
أما نحن فنقول : أنه جمع وصنف ودرس وصار بفضل الله إمام عصره في الرجال مع الحافظ المزي ، فمن أصبحت هذه حاله فهو بلا شك تغير اجتهاده وأصبح ما كتبه قديما في حاجة إلى مراجعة ..
وقد يكون في هذا إشارة قوية إلى أنه أقر الحاكم على أحاديث كثيرة ظهر له ضعفها فيما بعد ، وهذا حق لا شك فيه ، بل قوله : أن الكتاب في حاجة إلى مراجعة وتحرير هو أكبر شاهد على أنه رأى من نفسه التقصير في خدمة هذا الكتاب ولا نقول قصر في الاختصار !! وإنما قصر في الأحكام على الأسانيد وظهر له هذا بعد أن فتح الله عليه .
4- قالوا أنه يخالف الحاكم في كتبه الأخرى فكيف يكون وافقه ؟
قلنا : وهذا من أوضح الأدلة على أنه كان موافقا له أولا وقت تصنيفه مختصر المستدرك ، ولما فتح الله عليه وترجم لجمهور رواة الأحاديث بان له ما كان وافق الحاكم عليه فأنكر أحاديث وضعف رواة ..
ومعرفة أن كتبه التي نقد أو خالف الحاكم فيها هي المتأخرة ، أي بعد المختصر بسنين كثيرة فلا إشكال حينئذ .. وهذا من أوضح ما يكون ..
فمن جعلها حجة في أن الذهبي لم يوافق الحاكم لأنه قال بخلافه في كتبه الأخرى - كالميزان مثلا – فقد دلس على ضعاف العقول لأن الفرق بين الكتابين في وقت التأليف واضح جدا ولا يحتاج إلى برهان .
وأنا أتعجب من الأخوة الذين نقلوا أحاديث كثيرة من التلخيص وافق الحاكم عليها ثم جاؤا بما يخالفه في السير أو الميزان أو غيرهما ، مستدلين بهذا أنه لا يمكن أن يقر في المختصر وينكر في غيره ، فقدموا حكمه المتأخر عن الأول وحاكموا أنفسهم بما لا يجدي نفعا ، لأنهم يعلمون أن كتبه الأخيرة حاكمة على كتبه الأولى ..
وأقرب مثال على ذلك : بعض الاختلافات بين سير النبلاء وتاريخ الإسلام مع أن السير من التاريخ ، ومع ذلك يتغير اجتهاده في الحكم على الرواة أو بيان وهم أو تصحيح تاريخ أو غير ذلك ..
5- قالوا : أنه على هذا فالإمام الذهبي كثير الخطأ وكثير التساهل وكثير التناقض !
قلنا : إذا تبين لنا أن هذا الذي فعله كان في أوائل التصنيف ، وأن نقده لما سبق وأقر الحاكم عليه كان بعد تمكنه في علم الرجال حتى صار من أئمة عصره بلا نزاع ، فلا إشكال حينئذ ..
بل هي في الحقيقة منقبة له ، إذ إنه بين أن بعض كتبه في حاجة إلى تحرير ومراجعة ، وهذا من سمات العلماء الكبار الذين حمى الله قلوبهم من الكبر ، وهذا ديدن علماء الأمة الناصحون من قديم الزمان ..
فالشافعي مثلا له القديم والجديد وما هذا إلا من تغير الاجتهاد .. ولأحمد تغير واضح في الرجال وفي الحكم على بعض الأحاديث ، ومن راجع كتب ابنه عبد الله علم ذلك ، وكثير من علمائنا كذلك والمقام لا يتسع لذكر الأمثلة إذ إن هذا مما تقرر بداهة بالحس والعقل والنقل ..
فعجيب قول الفاضل صاحب لسان المحدثين :
وهذه اللوازم الثلاثة أي كثرة الخطأ وفحش التساهل وتكرار التناقض منتفية - قطعاً - عن الإمام الذهبي ، باطلٌ - جزماً - وصْفُهُ بها ، فالملزوم - وهو أن سكوت الذهبي عما سكت عليه من أحكام الحاكم كان إقراراً له فيها وموافقة له عليها - : باطل أيضاً . اهـ
فقد صور الإمام الذهبي وكأنه معصوم ، فنفى عنه الخطأ والوهم والتساهل والتناقض !! ولو أنه بين للناس أن هذا في أوائل التصنيف وفي بداياته لأراح نفسه من هذا الغلو ..
6- أنه لم ينقل عن أحد أن نقله لتصحيح الحاكم موافقة له ؟
قلنا هذا منقول عن العلماء عمليا في كثير من كتبهم ؟ والأمثلة عليه كثيرة ..
فمعنى أنهم يقولون صححه الحاكم ووافقه الذهبي أنهم فهموا أن تلخيص الذهبي يشمل التضعيف والتصحيح ، وليس بهذه التفرقة المخترعة في هذه الحقبة الأخيرة ...
ومع ذلك فقد يرجع هذا إلى أمور :
منها : أن يكون المختصر ليس مشهورا بيد يدي بعض تلاميذه ..
فهذا الإمام ابن كثير في البداية والنهاية ، نقل كثيرا من تصحيح الحاكم ولم يتعقبه ولم يذكر إقرار الذهبي عليه .
وعلى سبيل المثال في البداية (1/149) قال عن حديث : الكرسي موضع القدمين : رواه الحاكم في مستدركه وقال إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وقد رواه الحاكم رقم ( 3116 ) وقال صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم .
وفي (1/73) قال في حديث : رواه .. والحاكم من حديث عبادة بن مسلم به وقال الحاكم صحيح الإسناد . وهذا الحديث رواه الحاكم رقم (1902) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي في التلخيص .
وفي حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قال أي رب ألم تخلقني بيدك الحديث قال ابن كثير (1/90) : ثم قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقد رواه الحاكم في المستدرك رقم (4002) وقال : صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح .
وموافقاته للحاكم كثيرة جدا انظر على سبيل المثال في البداية (1/97) وفي (1/100) وفي (1/108)
وقال في حديث غدير خم في البداية (5/228) : قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح .
وقد رواه الحاكم في المستدرك (3/118) وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله ، وسكت عنه الذهبي في التلخيص .
ورواه الحاكم في (3/613 رقم 6272) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح .
ولا أجزم بأن ابن كثير اطلع على مختصر المستدرك لشيخه ، لاحتمال أن يكون نقل تصحيحه من كتبه الأخرى وهي كثيرة .
ومنها : أن يكون وقع لبعض تلاميذه ونقلوا عنه التضعيف ولم ينقلوا التصحيح حسب الحاجة فيما يكتبون ..
ومنها : أنهم قد يصححون للحاكم اكتفاء بإقرار الذهبي وحينئذ لا حاجة لذكره لمقام الاختصار في التخريج .
ومنها : أن ينقلوا تصحيحه وإقراره في بعض الأحيان مثل ما وقع للزيلعي وابن الملقن :
فقد ذكر الإمام الزيلعي في نصب الراية (4/161) عن حديث : " سيد الشهداء عند اللّه يوم القيامة حمزة " قال : رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي عليه . اهـ
فهاهو ينقل إقرار الذهبي على الحديث ، وبهذا نرد على من قال أن تلاميذ الذهبي لم يعرفوا هذا الإقرار !!
وقد يأخذ بتصحيح الذهبي فيما سكت عليه الحاكم كما في حديث " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم " قال الزيلعي في نصب الراية (3/347) : رواه .. والحاكم في المستدرك وسكت عنه ، قال شيخنا الذهبي في مختصره : هو صحيح .
وفي حديث : " يا عمر هاهنا تسكب العيون " قال الزيلعي في نصب الراية (3/38) :
رواه الحاكم في المستدرك وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ولم يتعقبه الذهبي في مختصره ولكنه في ميزانه أعله بمحمد بن عون ونقل عن البخاري أنه قال : هو منكر الحديث ، انتهى
وهنا قال أن الذهبي لم يقر الحاكم ، والذهبي إنما سكت ولم ينقل كلام الحاكم ، فبان بهذا أن غير سكوته عنده إقرار ، وهذا من أوضح ما يكون ، وهو من كلام الزيلعي تلميذ الذهبي ..
ومثل هذا حديث آخر (3/80) قال فيه : ووهم الحاكم في المستدرك فرواه وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ولم يتعقبه الذهبي في ذلك .
وهذا الحديث رواه الحاكم (1743) وسكت الحافظ الذهبي عليه ، فبان بهذا أن تعقب الذهبي عند الزيلعي ما هو إلا إقرار أو مخالفة في التصحيح أو التضعيف .
وقريب من هذا صنيع ابن الملقن - وهو من طبقة الزيلعي – عند حديث المسور بن مخرمة مرفوعاً : " إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " قال : ثم قال الحاكم : صحيح ، وأقره الذهبي عليه . ( نقلا من كلام الدكتور سعد بن عبد الله الحميد في مناهج المحدثين )
وكثير من الناس بعد ذلك اطلع على مختصر الذهبي للمستدرك ونقلوا عنه ، وليس بالضرورة أن ينقلوا تصحيح الذهبي ، بل العناية في النقد تكون فيما ضعفه الذهبي عند الحاكم فهي أولى بالنقل ..
فهذا ابن حجر : قال في فتح الباري (12/181) :
وقد أخرج الحاكم من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال لرجل أقعد جاريته وقد اتهمها بالفاحشة على النار حتى احترق فرجها هل رأيت ذلك عليها ؟ قال لا قال فاعترفت لك ؟ قال لا قال فضربه وقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقاد مملوك من مالكه ، لأقدتها منك .
قال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بأن في إسناده عمرو بن عيسى شيخ الليث وفيه منكر الحديث ، كذا قال فأوهم أن لغيره كلاما وليس كذلك فإنه ذكره في الميزان فقال لا يعرف لم يزد على ذلك ولا يلزم من ذلك القدح فيما رواه بل يتوقف فيه .
وابن حجر ينقل تصحيح الحاكم ويقره أحيانا كثيرة ، ولا يذكر تعقيب الذهبي ، ولا يبعد أن يكون ذلك لمعرفته بإقرار الذهبي عليه .
والأئمة الذين قالوا بإقرار الذهبي للحاكم فيما ينقله من عبارات التصحيح هم العلماء الحفاظ الثقات ، ومن بعدهم مجموعة من المحققين الكبار لا يبلغ شأوهم ولا يصنع صنيعهم أحد ممن بعدهم ..
فمن قال بخلاف هؤلاء كيف نرجح قوله عليهم وما معه إلا أوهام وتخيلات وضرب من الحدس يقوله غير جازم به ..
7- قالوا : أن الذهبي لم يصرح بهذا الذي صرح به الناس على لسانه نيابة عنه ، ولا رأيناه قال هذا الذي قولوه إياه .
قلنا : هذا الذي في مختصره ما هو في الحقيقة إلا إقرار منه لتصحيح الحاكم ، فإننا وإن لم نقل إن سكوته إقرار – مع أنه في غير المختصر يعد إقرارا صريحا – إلا أننا قلنا إن نقله لتصحيح الحاكم ما هو إلا إقرار وذلك لأمور :
الأول : أنه تعرض للأسانيد التي فيها ضعف من جهة الرواة أو نكارة في المتن أو ما هو من هذا القبيل ، وارتضى العلماء قوله هذا ، ونقلوه عنه ، ونسبوه حكما صريحا له ، ويحتجون بتضعيفه فيه ، فمن باب أولى أن نقله لتصحيح الحاكم يدل على أنه أقره عليه .
الثاني : أن تعقيبه على الأحاديث التي فيها ضعف أو في سندها نكارة موجود من أول الكتاب إلى آخره ، ومنهجه فيها واحد ، يتكلم عما رأى فيه علة ، ويسكت عما رآه وقتئذ صحيح فيكون هذا موافقة منه للحاكم .
الثالث : أنه في تعقيبه يتكلم عن الأحاديث التي سكت عليها الحاكم فيصفها بما يوافقها من حكم وهاكم أمثلة أربعة :
أن أول حديث ذكره الحاكم في المستدرك (1/43) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا .
قال الذهبي قي التلخيص : لم يتكلم عليه المؤلف وهو صحيح .
ومثله حديث (رقم 12) عن أبي هريرة قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفرا غير الصلاة .
قال الذهبي قي التلخيص : لم يتكلم عليه وإسناده صالح .
ومن وسط الكتاب الحديث (4479) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص : صحيح .
ومن آخر الكتاب حديث رقم (8792) سكت عنه الحاكم وقال الذهبي قي التلخيص : سنده صالح .
فإن كان يحكم على ما سكت الحاكم عليه ..
ويحكم على كثير من أسانيده بالضعف والنكارة ووو ..
ويتوقف أحيانا فيسكت ولا يقول فيه شيئا ..
فما بقي إلا ما قعدتموه أنتم : وهو إقراره لما ينقله من تصحيح ، فما الدليل على هذا الاستثناء ؟
رابعا : أن الاختصار أحيانا يكون في السند والمتن ثم يلخص قول الحاكم على الحديث ، فبالضرورة اطلع على السند والمتن الذين لخصهما ، فمن باب أولى أن نقول أنه لم ير علة أو راويا ضعيفا فيكون اختصاره لحكم الحاكم على الحديث إقرار له ، لا سيما وهو يأتي بزبدة قول الحاكم .
خامسا : أنه قد يخالفه في صيغة التصحيح مما يبين بجلاء أنه وافقه بتصرف مثل أن يقول الحاكم : حديث صحيح على شرطهما فيتعقبه الذهبي فيقول أنه على شرط أحدهما .. أو يقول الحاكم : صحيح على شرط أحدهما فيقول الذهبي أنه على شرطهما أو على شرط الآخر .. وهذا كثير جداً .
أو أن يصحح الحاكم حديثا وهو على شرطهما أو أحدهما مثل حديث رقم (8790) صححه الحاكم فقط فقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، وتعقبه الذهبي قي التلخيص وقال : على شرط مسلم .
والأحاديث الكثيرة التي ذكرها الحاكم وقال لم يخرجاه ، فيتعقبه الذهبي بأنه عندهما أو عند أحدهما .
سادسا : أن كم الأحاديث التي صححها الحاكم ووافقه عليها الذهبي كثيرة جدا ، وأقصى ما قد يقال في أكثرها أنها حسنة ولا فرق ..
نعم : فيها جملة من الضعيف والشاذ والمنكر وما في سنده كلام ، لكن هذا من جملة ما وافقه الذهبي عليه قليل بالنسبة لما وافقه على تصحيحه .. وقلما نجد فيه حديثا موضوعا إذ إن الذهبي قد أخرجها مفردة وهي قرابة المائة حديث .
وهذا وإن كان في حاجة إلى سرد وتعداد إلى أنه من الغبن أن نهجم هجوم البربر على كل ما صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليه فنهدمه كله بلا مبرر ..
فالدعوة إلى التنقيب عما صححه الحاكم ووافقه الذهبي ودراسة سنده جيدا أمر مطلوب ، ولكن إن لم يكن في الحديث إلا تصحيحهما ولم يضعفه غيرهما فأقل أحواله أن يوصف بالحسن إن خلا إسناده من متهم أو غير ذلك ..
حتى الأحاديث التي لم يتكلم عليها الحاكم قال عنها الذهبي أثناء تعليقه على أول حديث في كتابه مختصر المستدرك : ولذا لم أره يتكلم على أحاديث حجة بعضها جيدة وبعضها واهٍ . اهـ
سابعا : أن اتهامكم للذين شنعتم عليهم وقلتم أنهم بذلك غلطوا الذهبي ووهموه لأنه أقر الحاكم على أحاديث فيها ضعف أو نكارة ، أنتم أولى بهذا الاتهام من غيركم لأنكم بهذا الرأي اتهمتم الإمام الذهبي بخيانته للأمانة العلمية فيرى الباطل والمنكر ويسكت عليه ، مع أنه من أول الكتاب إلى آخره يتعقبه فيما رآه وقتئذ يستحق التعقيب ..
فجنيتم أنتم على الإمام الذهبي من حيث أردتم صيانته وتبرئته والدفاع عنه ..
ولو أنكم سلمتم بأن هذا قبل انتشار كتبه الكثيرة في الرجال وتمرسه في علم الحديث وأن هذا من طبع البشر ، وجوزتم عليه الخطأ والوهم كأي عالم يخطيء ويسهو ويفوته الكثير في بدايات التصنيف لما أوقعتم أنفسكم في هذا الغلو الذي ينأى عنه الإمام الذهبي رحمه الله ..
قال الإمام الذهبي في سير النبلاء (3/321) عند قول أبي هريرة : رب كيس عند أبي هريرة لم يفتحه . يعني : من العلم ..
قلت ( الذهبي ) : هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول أو الفروع ; أو المدح والذم ; أما حديث يتعلق بحل أو حرام ، فلا يحل كتمانه بوجه ; فإنه من البينات والهدى . اهـ
فأنتم على رأيكم تتهمون الذهبي بأنه مر على أحاديث صححها الحاكم وهي عنده ضعيفة واختصر كلام الحاكم ولم يتعقبه ، وهذا في الظاهر حسب رأي جمهور العلماء إقرار منه له ..
فأي اتهام هذا الذي نسبتموه لغيركم ، والذهبي يقول : لا يحل كتمان هذا لأنه من البينات والهدى ؟
ثامنا : أن الأحاديث التي تعقبها الذهبي بالتضعيف وكان قبل وافق الحاكم عليها عددها قليل جدا بالنسبة لحجم كتاب المستدرك وما وافقه الذهبي فيه على التصحيح ..
وقد يكون من المفيد أن يقوم أحد الأخوة محتسبا بعد الأحاديث التي نقدها الذهبي في كتبه المتأخرة وكان من قبل مقر للحاكم فيها ، وفي نظري أنها لا تصل إلى مائة حديث !!
8- وتعلقوا بقول الذهبي في ترجمة الحاكم من السير (19/410) وهو يرد على الماليني قوله :
طالعت كتاب المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه حديثا على شرطهما .
قلت ( الذهبي ) : هذه مكابرة وغلو ، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا ، بل في المستدرك شئ كثير على شرطهما ، وشئ كثير على شرط أحدهما ، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل ، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما ، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة ، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد ، وذلك نحو ربعه ، وباقي الكتاب مناكير وعجائب ، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها ، كنت قد أفردت منها جزءا ، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء ، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ، ويعوز عملا وتحريرا . الخ
هذا نص كلام الذهبي في سير النبلاء ..
ومن المفيد أن أنقل هنا ما ذكره السيوطي في تدريب الراوي (1/106) قال :
قال الذهبي : وهذا إسراف وغلو من الماليني وإلا ففيه جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء أو له علة وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير أو واهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات. الخ
فبين هذين النصين فرق ، وهو أنه على رأي الذهبي في السير فإن حوالي ثلث الكتاب على شرط الشيخين أو أحدهما ، وربعه صحيح حسن جيد وباقيه ضعيف ومنكر ..
وكلام السيوطي أن ربع الكتاب فقط مناكير وواهيات .. ومعلوم أن هناك مائة حديث موضوعة .
فبهذا قد يكون كلام السيوطي صحيح في نسخته من السير والموجود فيه خطأ من النساخ ، ونقل هذا النص كما هو عند السيوطي ، التهانوي في قواعد التحديث (1/218) وقال أنه موجود في طبقات الشافعية لتقي الدين شهبة .
أو يكون السيوطي نقل كلام الذهبي بالمعنى فتغير الكم تبعا لذلك .. وهذا ليس ببعيد ..
لكن ما يلفت النظر :
أن الذين يستشهدون بهذا النص يتغافلون عن شهادة الذهبي بأن في الكتاب صحيح على شرطهما أو على شرط أحدهما وصحيح وحسن وجيد ولا يرون هذا إقرار منه وهو من أوضح ما يكون بيانا !!
نعم : قد يقولون الكم الذي وافق فيه الذهبي للحاكم أكثر مما قاله هنا ..
فيقال حينئذ : هذا كلامه الأخير بعد لمعان ذهبه في هذا العلم وبعد وضع كثير من كتبه ، فلعل الحكم هنا بعد هذه الممارسة ، وهو وصف تقديري على كل حال ، لا يراد منه الدقة في العدد ، والجزم به بدون تحقيق الأرقام صعب جدا ..
لكن نأخذ منه بوضوح هنا أنه أقر على جملة كبيرة من الكتاب صحيحة وحسنة وجيدة ، فليس لأحد أن يقول بعد ذلك أن نقله لكلام الحاكم ليس إقرار منه له .
نص من المعلمي بموافقة الذهبي للحاكم
أشار المعلمي اليماني - رحمه الله - في تعليقه على الفوائد المجموعة للشوكاني (ص464) إلى أن في تخريج بعض الأحاديث كان الذهبي يعلم عليها بالصحة فقال : وقف الذهبي في تلخيصه فلم يتعقبه ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يُقرّ الحاكم على تصحيحه . اهـ
وهذا النص فيه مسألتان :
الأولى : أن ما استشفه وتخيله البعض من احتمال أن تكون هناك نسخة علق الذهبي على بعضها بالصحة وأن المعلمي اطلع عليها !!
وهذا كلام غريب ، وأظنه وهم من صاحبه جزاه الله خيرا ، فإن مسألة كهذه لا يكتمها صاحبها الذهبي أولا ، وكانت تكون مشهورة عند جميع المحدثين من عصر الذهبي إلى عصرنا ، وهذا لم يوجد ، ولم يصرح به أحد ولا المعلمي نفسه ..
والحديث الذي أشار إليه المعلمي رواه الحاكم في المستدرك رقم (8196) في كتاب التعبير وصححه الحاكم على شرط مسلم وسكت عنه الذهبي ..
فسكوته ها هنا كسكوته على بعض أحاديث المستدرك التي لم يعقب عليها بشيء .
فبان بهذا أن مراد المعلمي بالعلامة المشار إليها هو تلخيص الذهبي وتعقيبه على أحاديث المستدرك كما في بعض النسخ كان يرمز حرف ( خ – م ) أي على شرطهما و ( خ ) لشرط البخاري و ( م ) لشرط مسلم .. وهكذا .
الثانية : في قول المعلمي : وقف الذهبي في تلخيصه ، فلم يتعقبه ، ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يقر الحاكم على تصحيحه . اهـ
فيها تصريح من المعلمي على إقرار الذهبي فيما يكتبه من كلام الحاكم في التصحيح ..
ومن هذا ما قاله المعلمي أيضا في بعض تعليقاته على الفوائد للشوكاني : وقول الذهبي على شرط مسلم أراد على فرض صحته عن أبي نعيم .
أي أن الإشكال في سند الحاكم إلى شيوخ الشيخين كما هو معلوم ، فإن الحاكم عندما يصحح على شرطهما أو على شرط أحدهما فإنما هذا الحكم على غير شيوخه وهذا واضح .
وبان بهذين الأمرين : رد قول من قال أن المعلمي لا يعرف عنه هذه المسألة – وهي إقرار الذهبي للحاكم – إذ إن كلامه الصريح هذا يرد هذا التخيل ويبطله .
خلاصة من الأدلة التي ساقها الأستاذ حسان عبد المنان
وقد حشر الأستاذ حسان عبد المنان في مقدمته لمسند أحمد طبعة عالم الكتب ، وهو يرد على الشيخ شعيب الأرنؤوط ، تحت عنوان : نقل موافقات الذهبي لتصحيحات الحاكم في المستدرك ، ورقم فيها ستة عشر مسألة اعتبرها أدلة على ما ادعاه ، ولا يصفوا منها له إلا قليل :
وأولها : أنه قايس مختصر الذهبي على مستدرك الحاكم بمهذب الذهبي لسنن البيهقي الكبرى !!
وأول شيء يبين أن هذا القياس مردود : أن البيهقي لم يشترط الصحة في كتابه بينما اشترطها وادعاها الحاكم ، فكان تعقبه للحاكم في أحكامه على الكتاب أولى من تعقب البيهقي ..
والذهبي في مقدمة مهذب السنن قال : وقد تكلمت على كثير من الأسانيد حسب جهدي . اهـ
والأمر الثاني في إبطال هذا القياس : أن الذهبي في مهذب السنن يسكت عن أحاديث ويتعقب البيهقي في أخرى ، ونحن لم نحاكم الذهبي في سكوته لا في المهذب ولا في تلخيص المستدرك ، وإنما نتحاكم لنقله كلام الحاكم في التصحيح وإقراره عليه .. وبهذا لا يقاس عمله في التلخيص بالمهذب .
الثاني : في قوله (ص388) فإذا أراد أحد تلخيصه ( المستدرك ) فلابد إذن ( كذا ) من نقل رأي الحاكم في كل حديث فيذكر الحديث ، ثم يذكر كلام الحاكم عليه ، وإلا فقد الكتاب قيمته العلمية ، وما عاد لسرد أحاديثه أي فائدة . اهـ
كذا قال أبي صهيب الكرمي ، وهو يعلم أن الاختصار يفقد قيمته العلمية أكثر إن مر المختصر على الخطأ ولم يعقب عليه ..
وماذا يقول في الأحاديث التي سكت عليها الذهبي ؟ أنتهمه كذلك أنه لم يحسن التلخيص ؟
وماذا يقول في الأحاديث التي أوردها الحاكم ولم يتكلم عليها بشيء فتعقبه الذهبي بتصحيحها أو تضعيفها ؟
الثالث : قال : أن الذهبي لم يقدم للكتاب بمقدمة كي نعرف منهجه في التلخيص .
وهذا لا يدل على شيء أبدا ، وهو محقق كبير في كتب التراث ويعلم هذا جيدا ، فكم من كتاب كبير لعالم جهبذ خلا من المقدمة .. وتعداد ذلك يفوق الحصر ، فأي حجة في هذا ؟
ثم أنه قال أن المقدمة الموضوعة ليست للذهبي ، وقد يكون صحيحا ولا نجاذبه في ذلك ، ولكن لماذا لا نتحاكم إليها ؟ وهذا نصها كما نقلها الفاضل :
" هذا ما لخص محمد بن احمد بن عثمان ابن الذهبي من كتاب المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم رحمه الله فأتى بالمتون وعلق الأسانيد وتكلم عليها " اهـ
فبان من هذه المقدمة ثبوت الاختصار للذهبي وهذا لا يشك عاقل فيه ، ثم بيان طريقته وهي سرد المتون وتعليق الأسانيد والكلام عليها .. وهذا ما يخصنا هنا : وهو الكلام عليها .. ولم يستثن كما استثنى الفاضل وأول هذه الجملة الواضحة على مراده فقال :
أن العبارة الأخيرة ( والكلام عليها ) هي من تتمة الاختصار ، وقد يراد بها أنه علق عليها حسب النشاط والاجتهاد .. كذا قال !! والكتاب كله من أوله إلى آخره عليه تعليق الذهبي سوى ما سكت عنه فمن أين أتى هذا الاستثناء ؟
الرابع : قال أن جملة الذهبي ( وبكل حال فهو كتاب مفيد قد اختصرته ويعوز عملا وتحريرا ) يراد بها أنه لم يتعقب الحاكم في كل شيء !!
فكيف يؤخذ من هذه الجملة ما ادعاه وقرره ؟ أليس من الواضح أنه اختصره كله وعقب على ما تراءى له وقتئذ ، ولما فتح الله عليه أشار إلى أنه في حاجة إلى تحرير ، وذلك لتغير اجتهاد الحافظ وإطلاعه على جل تراجم الرواة في موسوعاته التي ألفها بعد اختصار المستدرك .. أيهما أوضح ؟
الخامس : أنه يستدل بكتب بعيدة عما صححه الحاكم ووافقه الذهبي عليها ، ويريد أن يثبت من عدم ذكرهم لموافقة الذهبي للحاكم حجة لما ادعاه ..
فذكر كتاب ابن الملقن ولم يذكر اسمه حتى لا يهدم استشهاده به ، وكتابه اسمه (النكت اللطاف في بيان أحاديث الضعاف المخرجة في مستدرك الحافظ النيسابوري ) وموضوعه يظهر من عنوانه ، فهو لم يتعرض للصحيح الذي صححه الحاكم ووافقه الذهبي وإنما للضعيف كما هو في العنوان ، ولعلي بعد أن أحصل على نسخة منه أحكم أكثر على مراده .
وممن ذكرهم أيضا : السخاوي في المقاصد الحسنة وابن عراق في تنزيه الشريعة .. وهما كتابان في الموضوعات والأباطيل ، فكيف به يريد منهما نقل تصحيح الذهبي ؟؟ هذا غريب وعجيب .
على أنه ذكر حديث : " الرسول لا يقتل " ونقله السخاوي وأقر الحاكم على تصحيحه على شرط مسلم ، فلماذا لا تكون هذه الثقة مأخوذة من معرفته بإقرار الإمام الذهبي ؟
والحديث رواه الحاكم في المستدرك (3/54 رقم 4377) وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وقال الذهبي قي التلخيص : على شرط مسلم .
السادس : قال أن أول من ابتدع ! هذه الفكرة ( وهي موافقات الذهبي للحاكم ) المناوي !!
كذا قال : وقد نقلنا عن الزيلعي تلميذ الذهبي فيما سبق نقله لموافقة الذهبي للحاكم ..
السابع : وهو قوله : " وكثيرا من الأحاديث المضعفة التي لا تخفى عليه ( أي الذهبي ) لو بحثها أو راجعها في كتب الرجال أو كتابه ميزان الاعتدال الذي أرجح انه أُلف بعده " اهـ
فلا أدري معنى " ألف بعده " هل أراد أن مختصر المستدرك ألف بعد ميزان الاعتدال ؟ وما هو دليله على ذلك ؟
وإن أراد أن الميزان ألف بعد المختصر فبطل رأيه حينئذ وعاد عليه ..
هذه باختصار بعض الشبهات التي أوردها أبو صهيب الكرمي ، وبعضها الآخر رددنا عليه ضمن ردنا الأول ..
فخلاصة هذا المقال :
أن العلماء الذين قالوا بإقرار الذهبي للحاكم فيما صححه ونقله الذهبي هو قول صحيح لما قد بيناه أعلاه ..
وأن سكوت الذهبي لا يعد حكما فيتحرز من هذا ، فيقال صححه الحاكم وسكت عنه الذهبي ، وقد يكون سكوته لتكرار الحديث أو لتوقفه في الحكم عليه أو ما هو من هذا القبيل .
ومن الضروري هنا أن نبين ، أنه علينا عدم متابعة الحاكم في التصحيح ولا إقرار الذهبي عليه أيضا ، لما علمنا أن اختصار الذهبي متقدم بزمن عما أخرجه من كتب كثيرة في تراجم الرواة .
وأن الذين قالوا هذا القول الجديد ، ليس معهم دليل قاطع على دعواهم تلك إلا تخمينات وضعوها من باب صيانة الإمام الذهبي من الوهم والتناقض ، ولو وضعوا الأمور في نصابها لأراحونا من هذا الرأي جملة وتفصيلا .
وليتهم اتبعوا نصيحة الإمام الذهبي عندما قال أن المستدرك في حاجة إلى تحرير ومراجعة ..
وأخيراً :
هذا جهد المقل ، أعرضه ولا أقطع به ، وأحيل الأمر إلى علام الغيوب لحين تخرج لنا دراسة موثقة عن هذا الموضوع وخفاياه الشائكة ..
والله أعلى وأعلم . [/align]