منذ أكثر من خمس سنوات انتهيت من كتابي ( التبيان في تحرير المكي والمدني من القرآن ) ، ولم ير طريقه للطباعة بعد ؛ وقد كان في هذا الموضوع عجائب مدهشة ، منها ما ذُكر في سورة الكهف من خلاف بين أهل التفسير في المكي والمدني فيها ، وإليكم البيان :
سورة الْكَهْفُ
اختلف المفسرون هل هي مكية كلُّها ، أم بها آيات مدنية ؟ على أقوال ؛ وهي : 1 – مَكِّيَّة كلها : رواه النحاس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -[SUP] [1] [/SUP]؛ وعزاه السيوطي في ( الدر المنثور)لابنمردويه؛ثمقال:وَأخرجابْنمرْدَوَيْهعَنابْنالزبيرtقَالَ:نزلتسُورَةالْكَهْفبِمَكَّة[2]. قال ابن عطية - رحمه الله : هذه السورة مكية في قول جميع المفسرين ، وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة ، إلى قوله ]جُرُزًا[ [ الكهف : 8 ] ، والأول أصح .ا.هـ. ونقله القرطبي ولم يعزه ، ووافق ابنَ عطية ابنُ عاشور[SUP] [3] [/SUP]؛ وحكاه ابن الجوزي عن الحسن ، ومجاهد ، وقتادة[SUP] [4] [/SUP]. وإليه ذهب السمرقندي ؛ وابن أبي زمنين ، والثعلبي ، ومكي بن أبي طالب ، وأبو عمرو الداني ، والواحدي ، والبغوي ، والبيضاوي ، وابن الجوزي ، وابن كثير ، والسيوطي في ( الدر المنثور )[SUP] [5] [/SUP].
2 – مكية إلا آية واحدة : قال النيسابوري : مكية ، إلا قوله : ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ[ الآية[SUP] [6] [/SUP]. وقال البيضاوي : وقيل : إلا قوله : ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ[ [ الآية : 28 ][SUP][7][/SUP]؛ وحكاه ابن الجوزي عن ابن عباس وقتادة[SUP] [8] [/SUP].
4 – مكية إلا سبع آيات ؛ قال مقاتل بن سليمان : سورة الكهف مكية كلها ، وفيها من المدني قوله تعالى : من أولها إلى قوله : ... ]أَحْسَنُ عَمَلًا[ [ الآية : 7 ][SUP][10][/SUP].
5 - مكية إلا ثمان آيات : قال ابن عطية - رحمه الله : وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة ، إلى قوله ]جُرُزًا[ [ الكهف : 8 ] ؛ ونقله القرطبي ولم يعزه ، ونقله ابنُ عاشور عن ابن عطية[SUP] [11] [/SUP].
6 - مَكِّيَّةٌ إلا اثنتي عشرة آية ؛ من أَوَّلَهَا إِلَى ]جُرُزًا[ ، وَقَوْلُهُ : ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ[ الْآيَةَ ؛ وَآخِرُهَا مِنْ : ]إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا[ ، قاله السيوطي في ( الإتقان ) [SUP][12] [/SUP]، فهذه اثنتي عشرة آية ، وذكر نحوه ابن الجوزي في ( زاد المسير )[SUP] [13] [/SUP].
7 – مكية ، إلا تسعة عشرة آية : قال الزمخشري : مكية ، إلا آية 28 ، ومن آية 83 إلى غاية آية 101 ، فمدنية . ووافقه ابن جزي ، وأبو السعود[SUP] [14] [/SUP].
8 - مكية غير أربعين آية ؛ قال ابن عادل في ( اللباب ) : قال ابن عباس : مكية ، غير أربعين آية منها[SUP] [15] [/SUP].... وللحديث صلة . [1]الناسخ والمنسوخ ، ص: 555 . [2]الدر المنثور في التفسير بالمأثور : 5 / 354 . [3]( المحرر الوجيز ) لابن عطية : 3 / 494 ، وتفسير القرطبي : 10 / 346 ، و( التحرير والتنوير ) لابن عاشور : 15 / 241 . [4]زاد المسير في علم التفسير : 3 / 63 . [5] ( بحر العلوم ) للسمرقندي : 2 / 334 ، و ( تفسير القرآن العزيز ) لابن أبي زمنين : 3 / 47 ، ( الكشف والبيان ) للثعلبي : 6 / 144 ، ( الهداية الى بلوغ النهاية ) لمكي بن ابي طالب : 6 / 4317 ، و ( البيان في عد آي القرآن ) للداني ، ص: 179 ، و( التفسير الوسيط ) للواحدي : 3 / 135 ، و( تفسير البغوي ) - إحياء التراث : 3 / 171 ، ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل ) للبيضاوي : 3 / 272 ، و ( زاد المسير ) لابن الجوزي : 3 / 63 ، وتفسير ابن كثير : 5 / 133 ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور : 5 / 354 . [6]غرائب القرآن ورغائب الفرقان : 4 / 401 . [7] أنوار التنزيل وأسرار التأويل : 3 / 272 . [8]زاد المسير في علم التفسير : 3 / 63 . [9]مفاتيح الغيب : 21 / 421 . [10]تفسير مقاتل بن سليمان : 2 / 571 . [11]( المحرر الوجيز ) لابن عطية : 3 / 494 ، وتفسير القرطبي : 10 / 346 ، و( التحرير والتنوير ) لابن عاشور : 15 / 241 . [12]الإتقان في علوم القرآن : 1 / 61 . [13]زاد المسير في علم التفسير : 3 / 63 . [14]انظر ( الكشاف ) للزمخشري : 2 / 702 ، و ( التسهيل ) لابن جزي : 1 / 458 ، و(إرشادالعقلالسليم) لأبي السعود : 5 / 202 . [15]اللباب في علوم الكتاب : 12 / 415 .
3 - من الآية 83 – 101 : ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا[ .. إلىقوله: ]الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا[ . تقدم أن قصة ذي القرنين كانت مما قال اليهود لقريش أن يسألوا رسول اللهeعنها،فالآياتمكية؛ وهذا قول الأكثرين . لكن قال الواحدي في ( أسباب النزول ) قَالَ قَتَادَةُ : إِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ e عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ[SUP] [1] [/SUP]؛ هكذا ذكره بلا إسناد ، وهو مرسل ؛ فلا يعتمد في هذا الباب . وقالابنجرير - رحمهالله:يقولتعالىذكرهلنبيهمحمدe:ويسألك - يامحمد - هؤلاء المشركونعن ذي القرنين : ما كان شأنه ، وما كانت قصته ؟ فقل لهم:سأتلوعليكممنخبرهذكرًا؛يقول:سأقصُّ عليكم منه خبرًا ؛ وقد قيل : إن الذين سألوا رسول الله e عن أمر ذي القرنين ، كانوا قومًا من أهل الكتاب .. قال:حَدَّثَنَاأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ:ثنيعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ ، عَنْ شَيْخَيْنِ ، مِنْ تُجَيبٍ ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى عُقْبَةَبْنِعَامِرٍنَتَحَدَّثُ، قَالَا : فَأَتَيَاهُ فَقَالَا : جِئْنَا لِتُحَدِّثَنَا ، فَقَالَ : كُنْتُ يَوْمًا أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ e ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَلَقِيَنِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَالُوا:نُرِيدُأَنْنَسْأَلَرَسُولَاللَّهِe،فَاسْتَأْذَنَلَنَاعَلَيْهِ،فَدَخَلْتُعَلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : " مَا لِي وَمَا لَهُمْ ، مَا لِي عِلْمٌ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ " ثُمَّ قَالَ : " اسْكُبْ لِي مَاءً " ، فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ صَلَّى ، قَالَ : فَمَا فَرَغَ حَتَّى عَرَفْتُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ : " أَدْخِلْهُمْ عَلَيَّ، وَمَنْ رَأَيْتَ مِنْ أَصْحَابِي " ، فَدَخَلُوا فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ : " إِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُمْ ، فَأَخْبَرْتُكُمْ عَمَّا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ مَكْتُوبًا ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ " ، قَالُوا : بَلَى أَخْبِرْنَا ، قَالَ : " جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَمَا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ : كَانَ شَابًّا مِنَ الرُّومِ ، فَجَاءَ فَبَنَى مَدِينَةَ مِصْرَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ، فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَهُ مَلَكٌ فَعَلَا بِهِ فِي السَّمَاءِ ، فَقَالَ لَهُ مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : أَرَى مَدِينَتِي وَمَدَائِنَ ، ثُمَّ عَلَا بِهِ ، فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ فَقَالَ : أَرَى مَدِينَتِي ،ثُمَّعَلَابِهِ،فَقَالَ:مَاتَرَى؟ قَالَ:أَرَىالْأَرْضَ، قَالَ : فَهَذَا الْيَمُّ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا،إِنَّاللَّهَبَعَثَنِيإِلَيْكَتُعَلِّمُالْجَاهِلَ،وَتُثَبِّتُالْعَالِمَ،فَأَتَىبِهِالسَّدَّ، وَهُوَ جَبَلَانِ لَيِّنَانِ ، يَزْلِقُ عَنْهُمَا كُلُّ شَيْءٍ ، ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى جَاوَزَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى أُمَّةٍ أُخْرَى ، وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ الْكِلَابِ يُقَاتِلُونَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى قَطَعَ بِهِ أُمَّةً أُخْرَى يُقَاتِلُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وُجُوهَهُمْ وُجُوهُ الْكِلَابِ ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَطَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ إِلَى أُمَّةٍ أُخْرَى قَدْ سَمَّاهُمْ "[SUP] [2] [/SUP]. قال مقيده - عفا الله عنه : وهذا إسناد ضعيف جدًّا ، فيه عبد الله بن لهيعة ، وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، وكلاهما ضعيف ، وللإفريقي غرائب ؛ كما أن في الإسناد التجيبيين ، وهما مجهولان . وقد رواه أبو الشيخ في ( العظمة ) [SUP][3] [/SUP]؛منطريقعبداللهالْمُقْرِئُ:حَدَّثَنَاعَبْدُالرَّحْمَنِبْنُزِيَادٍقَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، عَنْ شَيْخَيْنِ ، مِنْ شُيُوخِ تُجِيبَ به نحوه ؛ فتابع المقريء ابنَ لهيعة ؛ وتابعه - أيضًا - عبد الله بن عمر بن حفص ؛ فقد رواه البيهقي في (دلائل النبوة) ومن طريقه رواه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) من طريق عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِبْنِزِيَادِبْنِأَنْعَمَ،عَنْسَعْدِبْنِ مَسْعُودٍ ، عن رَجُلَيْنِ مِنْ كِنْدَةَ مِنْ قَوْمِهِ ... به نحوه[SUP] [4] [/SUP]؛ وسَعْد بْن مسعود ، هو الكندى ، له ترجمة في ( التاريخ الكبير ) للبخاري ، و( الجرح والتعديل ) لابن أبي حاتم ، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلا ؛ وذكره ابن حبان في الثقات ؛ وقال ابن ماكولا في ( الإكمال ) : يكنى أبا مسعود ، كان عمر بن عبد العزيز أرسله يفقه أهل إفريقية ، وكان رجلا صالحًا ، أسند حديثًا واحدًا [SUP][5] [/SUP]. وعبد الله بن عمر بن حفص : ضعيف ؛ ومدار الحديث عن الإفريقي وعلى التجيبيين المجهولين ؛ فالحديث ضعيف جدًّا . قال ابن كثير - رحمه الله : وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي e ، فقالوا : سلوه عن رجل طواف في الأرض ، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا ، وعن الروح ، فنزلت سورة الكهف ؛ وقد أورد ابن جرير ها هنا ، والأموي في مغازيه ، حديثًا أسنداه ، وهو ضعيف ، عن عقبة بن عامر ؛ ... فذكره مختصرًا ؛ ثم قال : وفيه طول ونكارة ، ورفعه لا يصح ، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل ؛ والعجب أن أبا زرعة الرازي - مع جلالة قدره - ساقه بتمامه في كتابه ( دلائل النبوة ) ، وذلك غريب منه ، وفيه من النكارة أنه من الروم ، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني ، الذي تؤرخ به الروم ، فأما الأول فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل u ، أول ما بناه ، وآمن به واتبعه ، وكان معه الخضر u . وأما الثاني ، فهو إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني ، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور ، والله أعلم[SUP] [6] [/SUP]. وروى ابن أبي حاتم عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ : قالت اليهود لِلنَّبِيِّ e : يَا مُحَمَّدُ ، إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين ، أنك سمعت ذكرهم منا ، فأخبرنا عَنْ نَبِيٍّ لَمْ يذكره الله في التوراة إلا في مكان وَاحِدٍ ! قَالَ : " وَمَنْ هُوَ ؟ " ، قالوا : ذو القرنين ؛ قَالَ : " مَا بَلغنِي عَنهُ شَيْء " ؛ فخرجوا فرحين ، وقد غلبوا في أنفسهم ، فلم يبلغوا باب البيت ، حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات : ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا[ ؛ وهذا ضعيف منقطع . وروى - أيضًا - عَنْ عمر مولى غُفْرة قَالَ : دَخَلَ بعض أَهْل الْكِتَاب عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e ، فسألوه ، فقالوا : يا أبا القَاسِم ، كيف تقول في رجل كَانَ يسيح في الأَرْض ؟ قَالَ : " لَا عِلْمَ لِي بِهِ " ؛ فبينما هم عَلَى ذَلِكَ ، إذ سمعوا نقيضًا في السقف ؛ ووجد رسول الله e غمة الوحي ، ثُمَّ سري عنه ، فتلا : ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ[ الآية ؛ فلما ذكر السد ، قالوا : أتاك خبره يا أبا القَاسِم ، حسبك . ومولى غُفْرة ، هو عمر بن عبد الله ، المدني : ضعيف ، وكان كثير الإرسال ؛ كما في التقريب[SUP] [7] [/SUP]. وهذان الأثران ذكرهما السيوطي في ( الدر المنثور ) ، ونقلهما عنه محقق تفسير ابن أبي حاتم ، إذ هما مما سقط من المخطوط[SUP] [8] [/SUP]. مما سبق يتبين أن الروايات الواردة في استثناء قصة ذي القرنين كلها ضعيفة ، لا يحتج بها ؛ وبهذا يتبين أن هذه الآيات مكية بلا ريب . قال أبو حيان – رحمه الله : الضَّمِيرُ فِي : ]وَيَسْئَلُونَكَ[ عَائِدٌ عَلَى قُرَيْشٍ ، أَوْ عَلَى الْيَهُودِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ السَّائِلِينَ قُرَيْشٌ ، حِينَ دَسَّتْهَا الْيَهُودُ عَلَى سُؤَالِهِ عَنِ الرُّوحِ ، وَالرَّجُلِ الطَّوَّافِ ، وَفِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ ؛ لِيَقَعَ امْتِحَانُهُ بِذَلِكَ[SUP] [9] [/SUP]. وقال ابن عاشور – رحمه الله : افْتِتَاحُ هَذِهِ الْقِصَّة بـ ]وَيَسْئَلُونَكَ[ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِمَّا نَزَلَتِ السُّورَةُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ ، كَمَا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِقِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ اقْتِضَابًا ، تَنْبِيهًا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى : ]وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي[ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [ 85 ] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ سَأَلُوا النبي e ثَلَاثَةَ أَسْئِلَةٍ بِإِغْرَاءٍ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فِي يَثْرِبَ ؛ فَقَالُوا : سَلُوهُ عَنْ أَهْلِ الْكَهْفِ ، وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَعَنِ الرُّوحِ .... ثم قال : فَالسَّائِلُونَ : قُرَيْشٌ لَا مَحَالَةَ ، وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ : خَبَرُ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْعَالَمِ ، عُرِفَ بِلَقَبِ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، كَانَتْ أَخْبَارُ سِيرَتِهِ خَفِيَّةً ، مُجْمَلَةً ، مُغْلَقَةً ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ عَنْ تَحْقِيقِهَا وَتَفْصِيلِهَا[SUP] [10] [/SUP]. [1]( أسباب النزول ) - ت الحميدان ، ص : 298 . [2]جامع البيان - دار هجر : 15 / 368 ، 369 . [3]( العظمة ) لأبي الشيخ الأصبهاني : 4 / 1468 ، 1469. [4] انظر ( دلائل النبوة ) للبيهقي : 6 / 295 ، 296 ؛ و ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر : 17 / 338 . [5]انظر ( التاريخ الكبير ) للبخاري : 4 / 49 ( 1924 ) ، و( الجرح والتعديل ) لابن أبي حاتم : 4 / 94 – 95 ، و ( الثقات ) لابن حبان : 4 / 297 ، و ( الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب ) لابن ماكولا : 4 / 97 ، وله ترجمة في ( تاريخ دمشق ) لابن عساكر : 20/ 401 ، وما بعدها . [6] تفسير ابن كثير : 5/ 189 . [7] تقريب التهذيب ، ص : 414 . [8] الدر المنثور في التفسير بالمأثور : 5 / 435 ، وانظر ( تفسير ابن أبي حاتم ) 7 / 2381 ، 2382 . [9]البحر المحيط : 7 / 218 . [10] التحرير والتنوير : 16 / 17 .