التبصرة لإبن الجوزي / من قصة سيدنا نوح عليه السلام

أبو المنذر

New member
إنضم
12/06/2003
المشاركات
66
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الحمد لله الذي تسبحه البحار الطوافح ، والسحب السوافح ، والأبصار اللوامح ، والأفكار والقرائح ، العزيزفي سلطانه ،

الكريم في امتنانه ، سابر المذنب في عصيانه، رازق الصالح والطالح ، تقدس عن مثل وشبيه ، وتنزه عن نقص يعتريه ،

يعلم خافية الصدر وما فيه من سر أضمرته الجوانح ، لا يشغله شاغل ولا يبرمه سائل ولا ينقصه نائل ، تعالى عن الند

المماثل والضد المكادح ، يسمع تغريد الورقاء على الغصن ، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، يتكلم فكلامه مكتوب

في اللوح مسموع بالأذن ، أنزل القطر بقدرته وصبغ لون النبات بحكمته ، وخالف بين الطعوم بمشئته ، وأرسل الرياح

لواقح ، موصوف بالسمع والبصر ، يرى في الجنة كما يرى القمر ، من شبهه أو كيفه فقد كفر ، هذا مذهب أهل السنة

والأثر ودليلهم جلي واضح ، ينجي من شاء كما شاء ويهلك ، فهوالمسلم والمسلم للمهالك ، لم ينتفع كنعان بالنسب يوم

الغرق لأنه مشرك " قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح "

قال الله تعالى " وقال اركبوا فيها " قال ابن عباس ( كان طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا )

وقيل له إذا فار التنور فاركب وفي المراد بالتنور أربعة أقوال

الأول : اسم لوجه الأرض

الثاني : تنور الصبح

الثالث : طلوع الشمس

الرابع : تنور أهله انبجس منه الماء

وفي المكان الذي فار منه التنور ثلاثة أقوال : مسجد بالكوفة ـ بالهند ـ بالشام

وفي الذين حملهم في السفينة ثمانية أقوال ويكفينا منها " وما آمن معه إلا قليل "

" بسم الله مجراها ومرساها " قال الزجاج : أمرهم أن يسموا في وقت جريها ووقت استقرارها

" في موج كالجبال " قيل إن الماء ارتفع على أطول جبل في الأرض أربعين ذراعا

"ونادى نوح ابنه " واسمه كنعان ويقال يام

"وكان في معزل " أي في مكان منقطع ، وقيل في معزل من دين أبيه وكان ينافقه بإظهار الإيمان ، فدعاه إلى

الركوب ظنا أنه مؤمن فقال " سآوي إلي جبل يعصمني " أي يمنعني من الماء " قال لا عاصم " أي لا معصوم كقوله "

" من ماء دافق " أي مدفوق " إلامن رحم " أي الله فإنه معصوم

" وحال بينهم الموج" فيه قولان : بين كنعان والجبل الذي زعم أنه يعصمه أوبين نوح وابنه

" وقيل ياأرض ابلعي ماءك " ابتلعت ما ظهر منها وبقى ماء السماء بحارا وأنهارا

ويا سماء أقلعي " أي أمسكي عن إنزال الماء " وغيض الماء " نقص " وقضي الأمر " بغرق القوم " واستوت" أي السفينة

على الجودي" وهو جبل بالموصل

وإنما قال نوح " رب إن ابني من أهلي " لان الله وعده نجاة أهله ، فقيل له : " إنه ليس من أهلك " أي من أهل دينك

وإنما قال تعالى في وعده " وأهلك إلإ من سبق عليه القول "

قوله تعالى " إنه عمل غير صالح " يعني السؤال فيه وقرأ الكسائي بكسر الميم ، يشير إلى أنه مشرك

قال عبد الرزاق ، حدثنا وهيت بن الورد ، فال : لما عاتب الله تعالى نوحا في ابنه وأنزل عليه " إني أعظك أن تكون من

الجاهلين " بكى ثمانمائة عام حتى صار تحت عينيه مثل الجدول من البكاء

ولما قصت قصة نوح على نبينا عليه الصلاة والسلام قيل له : " فاصبر إن العاقبة للمتقين " والمعنى اصبر كما صبر نوح ‘

فإن الظفر والتمكين لمن اتقى والمراد ليحصل لك كما حصل لنوح عليه السلام والمؤمنين
 
عودة
أعلى