محمد بن إبراهيم الحمد
New member
[align=center]التأويل
مفهومه – معانيه – أمثلة عليه[/align]
[align=justify]تعريف كلمة التأويل في اللغة: أصل هذه الكلمة مادة (أول).
وهذه المادة تدور حول معاني الرجوع، والعاقبة، والمصير، والتفسير.
وهذا يعني أن تأويل الكلام هو الرجوع به إلى مراد المتكلم، وإلى حقيقة ما أخبر به.
معاني التأويل في الاصطلاح: صار لفظ التأويل - بتعدد الاصطلاحات - مستعملاً في ثلاثة معانٍ [1]:
أحدها: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به.
وذلك مثل تأويل معنى (يد الله) بـ: النعمة، أو القدرة.
ومثل تأويل (استواء الله على عرشه) بـ: الاستيلاء، وهكذا...
وهذا المعنى من معاني التأويل هو اصطلاح كثير من المتأخرين المتكلمين في الفقه وأصوله، وهو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات، وترك تأويلها، وهل هذا محمود أو مذموم، وحق أو باطل؟
قال ابن حزم -ر حمه الله - في هذا المعنى من معاني التأويل: (التأويل نقل اللفظ عما اقتضاه ظاهره، وعما وضع له في اللغة إلى معنى آخر؛ فإن كان نقله قد صح ببرهان، وكان ناقِلُه واجبَ الطاعة - فهو حق.
وإن كان نقله بخلاف ذلك اطُّرح، ولم يلتفت إليه، وحُكم لذلك النقل بأنه باطل) [2].
شروط التأويل الصحيح: يشترط لصحة التأويل بمعناه عند المتأخرين شروط هي:
1- أن يكون اللفظ المرادُ تأويله يحتمله المعنى المؤول لغة أو شرعا؛ فلا يصح -على هذا- تأويلات الباطنية التي لا مستند لها في اللغة أو الشرع، بل ولا العقل.
2- أن يكون السياق محتملاً، مثل لفظ (النظر) فهو يَحْتَمل معانيَ في اللغة، ولكنه إذا عدِّي بـ: (إلى) لا يحتمل إلا الرؤية.
3- أن يقوم الدليل على أن المراد هو المعنى المؤول.
4- أن يسلم دليل التأويل من معارض أقوى؛ فإذا اختل شرط من الشروط فهو تأويل فاسد.
مثال للتأويل الصحيح:
قال الله - عز وجل -: [نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ] (التوبة: 67).
فقد ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النسيان هنا هو الترك.
وقد دل على هذا التأويل تصريحاً قوله - تعالى -: [وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً] (مريم: 64).
وقوله: [فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى] (طه: 52)[3].
حكم التأويل بمعناه الحادث عند المتأخرين:
1- قد يكون صحيحاً إذا اجتمعت فيه الشروط - كما مر -.
2- قد يكون خطأ كتأويلات بعض العلماء الذين أخطأوا في تأويل بعض نصوص الصفات.
3- قد يكون بدعة كتأويلات الأشاعرة، والمعتزلة.
4- قد يكون كفراً كتأويلات الباطنية.
سبب ظهور مصطلح التأويل:
يبدو أن ذلك كان إبان ظهور القول بالمجاز الذي هو قسيم الحقيقة.
ومن هنا فإن مصطلحي: التأويل والمجاز متلازمان.
المعنى الثاني من معاني التأويل: التفسير:
التفسير في اللغة: أصل هذه الكلمة مادة: (فسر).
وهذه المادة تدور في لغة العرب حول معنى البيان، والكشف، والوضوح[4].
التفسير في الاصطلاح: هو بيان المعنى الذي أراده الله بكلامه [5].
وعرفه ابن جُزي - ر حمه الله - بقوله: (معنى التفسير: شرح القرآن، وبيان معناه، والإفصاح عما يقتضيه بنصه، أو إشارته) [6].
وعرفه الزركشي -ر حمه الله - بقوله: (علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه " وبيان معانيه، واستخراج حكمه وأحكامه) [7].
وهذا المعنى من معاني التأويل معنى صحيح معروف عند السلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - ر حمه الله - في معرض حديث له عن أنواع التأويل: (والثاني: أن التأويل بمعنى التفسير.
وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن كما يقول ابن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير: (واختلف علماء التأويل).
ومجاهد إمام المفسرين، قال الثوري: إذا جاء التفسير عن مجاهد فحسبك به، وعلى تفسيره يعتمد الشافعي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهم؛ فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره)[8].
والنصوص الواردة عن العلماء في هذا الصدد كثيرة لا تكاد تحصر، ومنها قول الشافعي في كتابه الأم في أكثر من موضع: (وذلك - والله أعلم - بيِّن في التنزيل مستغنىً به عن التأويل) [9].
المعنى الثالث من معاني التأويل:
الحقيقة التي يؤول إليها الكلام: كما قال - تعالى -: [هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ] (الأعراف: 53).
وهو معنى شرعي معروف عند السلف.
وهذا النوع من التأويل: هو عين ما هو موجود في الخارج، أي أن حقيقة الشيء الموجودة في الخارج - أي الواقع - هي تأويله خبراً كان أم إنشاءاً.
والكلام ينقسم إلى خبر أو إنشاء، وتأويل كلٍّ منهما يختلف عن الآخر - كما سيأتي في الفقرة التالية -.
تفصيل معنى التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً أو إنشاءاً:
قبل الدخول في ذلك يحسن بيان معنى الخبر والإنشاء بإيجاز.
فالكلام ينقسم باعتبار دلالته - عند المتكلمين، والأصوليين، واللغويين، وأهل المعاني من البلاغيين وغيرهم - إلى خبر وإنشاء، وبعضهم يقول: خبر وطلب.
وذلك إذا تكلموا على دلالات الألفاظ.
تعريف الخبر: هو ما احتمل الصدق والكذب لذاته بقطع النظر عمن أضيف إليه؛ فإذا أضيف إلى الله ورسوله " قطع بصدقه.
والخبر يدور بين الإثبات مثل قوله -تعالى-: [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (طه: 5).
والنفي مثل قوله -تعالى-: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] (الشورى: 11).
ومن أمثلة الخبر في الإثبات جاء زيد، وفي النفي ما جاء زيد، وهكذا...
تعريف الطلب أو الإنشاء: هو ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
وذلك لأنه ليس لمدلول لفظه قبل النطق به وجود خارجي يطابقه أو لا يطابقه.
ويدخل تحت الإنشاء أو الطلب أنواع عديدة أشهرها: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والنداء.
فإذا قلت: قم، أو لا تقم، أو هل أنت قائم، أو ليتك تقوم، أو يا قائم - كان كلامك كله داخلاً في باب الإنشاء؛ لأنه لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
بخلاف ما إذا قلت: جاء زيد، أو ما جاء؛ فذلك داخل في باب الخبر.
هذا وإن أشهر أنواع الإنشاء والطلب: الأمر والنهي.
هذه نبذة ميسرة عن الخبر والإنشاء والطلب.
وبعد هذا نأتي إلى التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً أو طلباً.
التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً: تأويل الأخبار: هو حقيقتها، ونفس وجودها.
فتأويل ما أخبر الله به عن نفسه المقدسة الغنية بما لها من حقائق الأسماء والصفات هو حقيقة نفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الأسماء والصفات.
وتأويل ما أخبر الله به من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد.
وتأويل قيام الساعة، وما أخبر به في الجنة من الأكل والشرب، والنكاح، هو الحقائق الموجودة أنفسها [10].
وتأويل رؤيا يوسف -عليه السلام- هو وقوعها في الخارج، وتحققها، وهكذا...
إلى غير ذلك من الأمثلة التي يصعب حصرها.
فهذا هو التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً.
التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان طلباً: الطلب: إما أن يكون أمراً، وإما أن يكون نهياً؛ فالأمر: طلب الفعل، والنهي: طلب الكف.
فإذا كان الطلب أمراً فتأويله: هو نفس الفعل المأمور به، أي امتثاله، والعمل به.
وإذا كان الطلب نهياً فتأويله: هو نفس اجتناب المنهي عنه، أي تركه.
أمثلة لتأويل الأمر:
1- قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه، وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) يتأول القرآن [11].
وتعني بذلك قوله -تعالى-: [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً] (النصر:3).
وتريد بذلك أنه يعمل بأوامر القرآن، ويفعل ما أمر به فيه؛ حيث أمر في آخر حياته أن يسبح بحمد ربه ويستغفره، فكان يتأول القرآن، أي يعمل به، ويطبقه؛ فنفس فعله هذا هو تأويل الأمر، وهو قوله -عز وجل-: [فَسَبِّحْ] و[اسْتَغْفِرْهُ].
2- وعن سعيد بن جبير -ر حمه الله - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: (أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، ويتأول هذه الآية: [فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ] (البقرة: 115)) [12].
ومعنى قوله: (يتأول): أي يطبق ويمتثل.
3- ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن الثوري -ر حمه الله - أنه بلغه أن أم ولد الربيع ابن خثيم قالت: (كان الربيع إذا جاءه السائل يقول لي: يا فلانة أعطي السائل سُكَّراً؛ فإن الربيع يحب السُّكَّر).
قال سفيان: (يتأول قوله - عز وجل -: [لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ] (آل عمران: 92)) [13].
أي يمتثل أمر الله - عز وجل - في الإنفاق مما يحبه الإنسان.
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً مثل قوله - تعالى -: [وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ] (البقرة: 43).
فتأويل ذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهكذا...
فهذا - إذاً - هو تأويل الأمر بمعنى حقيقته.
أمثلة لتأويل النهي:
1- قال الله - تعالى -: [وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى] (الإسراء: 32).
فتأويل ذلك البعد عن قربان الزنا.
2- وقل مثل ذلك في قوله - عز وجل -: [وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ] (الأنعام: 151).
وهكذا...
مثال يجمع بين تأويل الأمر والنهي والخبر: قال الله - تعالى - مخاطباً أم موسى -عليه السلام-:[وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ] (القصص:7).
فهذه الآية الكريمة اشتملت على أمرين، ونهيين، وخبرين؛ فالأمران في قوله -تعالى-: [أَرْضِعِيهِ]، وقوله: [فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ].
وتأويل الأمرين إرضاعها لموسى، وإلقاؤه في اليم.
والنهيان في قوله - تعالى -: [وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي].
وتأويلهما ترك الخوف، وترك الحزن.
وقد فعلت ما تستطيع وإن كان فؤادها قد أصبح فارغاً، وكادت أن تبدي به لولا أن ربط الله على قلبها.
والخبران في البشارتين في قوله - تعالى -:[إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ].
وتأويل هذين الخبرين وقوعهما في الخارج؛ حيث عاد موسى إلى أمه، وصار من المرسلين.
الفرق بين تأويل الخبر، وتأويل الطلب:
الفرق هو أن الخبر لا يلزم من تأويله -أي وقوعه- العلم به؛ فهو واقع وإن لم يُعْلم به؛ فأشراط الساعة وأحوالها ستقع وإن لم يُعْلم بها.
وكذلك حقائق أسماء الله وصفاته هي حقيقة وإن لم يُعْلم بها.
فلا يلزم -إذاً- من تأويل الخبر العلم به.
أما الطلب فلابد في تأويله من معرفته والعلم به؛ ليُفعل أو يُجتنب؛ فإن كان الطلب أمراً فلابد في إيقاعه وفعله وامتثاله من معرفة العلم به سواء كان واجباً كإقامة الصلاة، أو مستحباً كالسواك.
وإن كان الطلب نهياً فلابد من معرفته والعلم به؛ ليجتنب سواء كان النهي للتحريم أو الكراهة.
توجيه قراءتي آية آل عمرآن:
قال الله - عز وجل -: [هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ] (آل عمران: 7).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -ر حمه الله -: (وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف عند قوله: [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ].
وهذا هو المأثور عن أُبَي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: (التفسير على أربعة أوجه:
تفسير تعرفه العرب[14]من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته[15]، وتفسير يعلمه العلماء[16]، وتفسير لا يعلمه إلا الله[17] من ادعى علمه فهو كاذب).
وقد روي عن مجاهد وطائفة أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله، وقد قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية فأسأله عن تفسيرها.
ولا منافاة بين القولين عند التحقيق)[18].
ويعني بالقولين القراءتين: الوقف على قوله [إِلاَّ اللّهُ] والوصل.
وقال في موضع آخر موجهاً كلتا القراءتين: (وكلا القولين حق باعتبار كما قد بسطناه في مواضع أُخَر، ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا وكلاهما حق)[19].
وخلاصة القول في توجيه القراءتين: أنه على قراءة الوقف يكون التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، وعلى قراءة الوصل يكون التأويل بمعنى التفسير؛ فمن قال: إنه لا يعلم تأويله إلا الله أراد الحقيقة، ومن قال: إنه يُعلم تأويله أراد التفسير.
وعلى قراءة الوقف تكون الواو في قوله: [وَالرَّسِخُوْنَ ...] ابتدائية استئنافية.
وعلى قراءة الوصل تكون عاطفة.
18/10/1426هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر التدمرية لابن تيمية ص91-95.
[2] الإحكام لابن حزم 1/43.
[3] انظر إرشاد الفحول للشوكاني ص177، والتوضيحات الأثرية على متن الرسالة التدمرية للشيخ فخر الدين المحيسي ص185.
[4] انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/504.
[5] انظر مفهوم التفسير والتأويل د. مساعد الطيار ص54.
[6] التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي 1/6.
[7] البرهان للزركشي 1/13.
[8] التدمرية ص92.
[9] الأم للشافعي 7/319، وانظر 2/28 و 4/242.
[10] انظر التدمرية ص96، والفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية تحقيق د. عبدالمحسن التويجري ص290.
[11] رواه البخاري (817) ومسلم (484).
[12] تفسير الطبري 2/530.
[13] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4/133.
[14] هو تفسير مفردات اللغة كمعرفة القرء، والنمارق، والناس، والليل، والنهار، والشمس، والقمر وغيرها.
[15]- هو تفسير الآيات المكلف بها اعتقاداً كمعرفة الله، وتوحيده، واليوم الآخر، والإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعملاً كمعرفة الطهارة، وكيفية الصلاة، وغيرها.
[16] هو مما يخفى على غير العلماء، مما يمكن الوصول إلى معرفته، كمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.
[17] هو حقائق ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر؛ فهذه الأشياء تفهم بمعناها، ولا تدرك حقيقة ما هي عليه في الواقع.
[18] التدمرية ص90-91.
[19] الفتوى الحموية الكبرى ص290.[/align]
مفهومه – معانيه – أمثلة عليه[/align]
[align=justify]تعريف كلمة التأويل في اللغة: أصل هذه الكلمة مادة (أول).
وهذه المادة تدور حول معاني الرجوع، والعاقبة، والمصير، والتفسير.
وهذا يعني أن تأويل الكلام هو الرجوع به إلى مراد المتكلم، وإلى حقيقة ما أخبر به.
معاني التأويل في الاصطلاح: صار لفظ التأويل - بتعدد الاصطلاحات - مستعملاً في ثلاثة معانٍ [1]:
أحدها: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به.
وذلك مثل تأويل معنى (يد الله) بـ: النعمة، أو القدرة.
ومثل تأويل (استواء الله على عرشه) بـ: الاستيلاء، وهكذا...
وهذا المعنى من معاني التأويل هو اصطلاح كثير من المتأخرين المتكلمين في الفقه وأصوله، وهو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات، وترك تأويلها، وهل هذا محمود أو مذموم، وحق أو باطل؟
قال ابن حزم -ر حمه الله - في هذا المعنى من معاني التأويل: (التأويل نقل اللفظ عما اقتضاه ظاهره، وعما وضع له في اللغة إلى معنى آخر؛ فإن كان نقله قد صح ببرهان، وكان ناقِلُه واجبَ الطاعة - فهو حق.
وإن كان نقله بخلاف ذلك اطُّرح، ولم يلتفت إليه، وحُكم لذلك النقل بأنه باطل) [2].
شروط التأويل الصحيح: يشترط لصحة التأويل بمعناه عند المتأخرين شروط هي:
1- أن يكون اللفظ المرادُ تأويله يحتمله المعنى المؤول لغة أو شرعا؛ فلا يصح -على هذا- تأويلات الباطنية التي لا مستند لها في اللغة أو الشرع، بل ولا العقل.
2- أن يكون السياق محتملاً، مثل لفظ (النظر) فهو يَحْتَمل معانيَ في اللغة، ولكنه إذا عدِّي بـ: (إلى) لا يحتمل إلا الرؤية.
3- أن يقوم الدليل على أن المراد هو المعنى المؤول.
4- أن يسلم دليل التأويل من معارض أقوى؛ فإذا اختل شرط من الشروط فهو تأويل فاسد.
مثال للتأويل الصحيح:
قال الله - عز وجل -: [نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ] (التوبة: 67).
فقد ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النسيان هنا هو الترك.
وقد دل على هذا التأويل تصريحاً قوله - تعالى -: [وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً] (مريم: 64).
وقوله: [فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى] (طه: 52)[3].
حكم التأويل بمعناه الحادث عند المتأخرين:
1- قد يكون صحيحاً إذا اجتمعت فيه الشروط - كما مر -.
2- قد يكون خطأ كتأويلات بعض العلماء الذين أخطأوا في تأويل بعض نصوص الصفات.
3- قد يكون بدعة كتأويلات الأشاعرة، والمعتزلة.
4- قد يكون كفراً كتأويلات الباطنية.
سبب ظهور مصطلح التأويل:
يبدو أن ذلك كان إبان ظهور القول بالمجاز الذي هو قسيم الحقيقة.
ومن هنا فإن مصطلحي: التأويل والمجاز متلازمان.
المعنى الثاني من معاني التأويل: التفسير:
التفسير في اللغة: أصل هذه الكلمة مادة: (فسر).
وهذه المادة تدور في لغة العرب حول معنى البيان، والكشف، والوضوح[4].
التفسير في الاصطلاح: هو بيان المعنى الذي أراده الله بكلامه [5].
وعرفه ابن جُزي - ر حمه الله - بقوله: (معنى التفسير: شرح القرآن، وبيان معناه، والإفصاح عما يقتضيه بنصه، أو إشارته) [6].
وعرفه الزركشي -ر حمه الله - بقوله: (علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه " وبيان معانيه، واستخراج حكمه وأحكامه) [7].
وهذا المعنى من معاني التأويل معنى صحيح معروف عند السلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - ر حمه الله - في معرض حديث له عن أنواع التأويل: (والثاني: أن التأويل بمعنى التفسير.
وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن كما يقول ابن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير: (واختلف علماء التأويل).
ومجاهد إمام المفسرين، قال الثوري: إذا جاء التفسير عن مجاهد فحسبك به، وعلى تفسيره يعتمد الشافعي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهم؛ فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره)[8].
والنصوص الواردة عن العلماء في هذا الصدد كثيرة لا تكاد تحصر، ومنها قول الشافعي في كتابه الأم في أكثر من موضع: (وذلك - والله أعلم - بيِّن في التنزيل مستغنىً به عن التأويل) [9].
المعنى الثالث من معاني التأويل:
الحقيقة التي يؤول إليها الكلام: كما قال - تعالى -: [هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ] (الأعراف: 53).
وهو معنى شرعي معروف عند السلف.
وهذا النوع من التأويل: هو عين ما هو موجود في الخارج، أي أن حقيقة الشيء الموجودة في الخارج - أي الواقع - هي تأويله خبراً كان أم إنشاءاً.
والكلام ينقسم إلى خبر أو إنشاء، وتأويل كلٍّ منهما يختلف عن الآخر - كما سيأتي في الفقرة التالية -.
تفصيل معنى التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً أو إنشاءاً:
قبل الدخول في ذلك يحسن بيان معنى الخبر والإنشاء بإيجاز.
فالكلام ينقسم باعتبار دلالته - عند المتكلمين، والأصوليين، واللغويين، وأهل المعاني من البلاغيين وغيرهم - إلى خبر وإنشاء، وبعضهم يقول: خبر وطلب.
وذلك إذا تكلموا على دلالات الألفاظ.
تعريف الخبر: هو ما احتمل الصدق والكذب لذاته بقطع النظر عمن أضيف إليه؛ فإذا أضيف إلى الله ورسوله " قطع بصدقه.
والخبر يدور بين الإثبات مثل قوله -تعالى-: [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (طه: 5).
والنفي مثل قوله -تعالى-: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] (الشورى: 11).
ومن أمثلة الخبر في الإثبات جاء زيد، وفي النفي ما جاء زيد، وهكذا...
تعريف الطلب أو الإنشاء: هو ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
وذلك لأنه ليس لمدلول لفظه قبل النطق به وجود خارجي يطابقه أو لا يطابقه.
ويدخل تحت الإنشاء أو الطلب أنواع عديدة أشهرها: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والنداء.
فإذا قلت: قم، أو لا تقم، أو هل أنت قائم، أو ليتك تقوم، أو يا قائم - كان كلامك كله داخلاً في باب الإنشاء؛ لأنه لا يحتمل الصدق والكذب لذاته.
بخلاف ما إذا قلت: جاء زيد، أو ما جاء؛ فذلك داخل في باب الخبر.
هذا وإن أشهر أنواع الإنشاء والطلب: الأمر والنهي.
هذه نبذة ميسرة عن الخبر والإنشاء والطلب.
وبعد هذا نأتي إلى التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً أو طلباً.
التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً: تأويل الأخبار: هو حقيقتها، ونفس وجودها.
فتأويل ما أخبر الله به عن نفسه المقدسة الغنية بما لها من حقائق الأسماء والصفات هو حقيقة نفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الأسماء والصفات.
وتأويل ما أخبر الله به من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد.
وتأويل قيام الساعة، وما أخبر به في الجنة من الأكل والشرب، والنكاح، هو الحقائق الموجودة أنفسها [10].
وتأويل رؤيا يوسف -عليه السلام- هو وقوعها في الخارج، وتحققها، وهكذا...
إلى غير ذلك من الأمثلة التي يصعب حصرها.
فهذا هو التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان خبراً.
التأويل بمعنى الحقيقة إذا كان طلباً: الطلب: إما أن يكون أمراً، وإما أن يكون نهياً؛ فالأمر: طلب الفعل، والنهي: طلب الكف.
فإذا كان الطلب أمراً فتأويله: هو نفس الفعل المأمور به، أي امتثاله، والعمل به.
وإذا كان الطلب نهياً فتأويله: هو نفس اجتناب المنهي عنه، أي تركه.
أمثلة لتأويل الأمر:
1- قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي – صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه، وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) يتأول القرآن [11].
وتعني بذلك قوله -تعالى-: [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً] (النصر:3).
وتريد بذلك أنه يعمل بأوامر القرآن، ويفعل ما أمر به فيه؛ حيث أمر في آخر حياته أن يسبح بحمد ربه ويستغفره، فكان يتأول القرآن، أي يعمل به، ويطبقه؛ فنفس فعله هذا هو تأويل الأمر، وهو قوله -عز وجل-: [فَسَبِّحْ] و[اسْتَغْفِرْهُ].
2- وعن سعيد بن جبير -ر حمه الله - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: (أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته، ويذكر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك، ويتأول هذه الآية: [فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ] (البقرة: 115)) [12].
ومعنى قوله: (يتأول): أي يطبق ويمتثل.
3- ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن الثوري -ر حمه الله - أنه بلغه أن أم ولد الربيع ابن خثيم قالت: (كان الربيع إذا جاءه السائل يقول لي: يا فلانة أعطي السائل سُكَّراً؛ فإن الربيع يحب السُّكَّر).
قال سفيان: (يتأول قوله - عز وجل -: [لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ] (آل عمران: 92)) [13].
أي يمتثل أمر الله - عز وجل - في الإنفاق مما يحبه الإنسان.
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً مثل قوله - تعالى -: [وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ] (البقرة: 43).
فتأويل ذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهكذا...
فهذا - إذاً - هو تأويل الأمر بمعنى حقيقته.
أمثلة لتأويل النهي:
1- قال الله - تعالى -: [وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى] (الإسراء: 32).
فتأويل ذلك البعد عن قربان الزنا.
2- وقل مثل ذلك في قوله - عز وجل -: [وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ] (الأنعام: 151).
وهكذا...
مثال يجمع بين تأويل الأمر والنهي والخبر: قال الله - تعالى - مخاطباً أم موسى -عليه السلام-:[وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ] (القصص:7).
فهذه الآية الكريمة اشتملت على أمرين، ونهيين، وخبرين؛ فالأمران في قوله -تعالى-: [أَرْضِعِيهِ]، وقوله: [فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ].
وتأويل الأمرين إرضاعها لموسى، وإلقاؤه في اليم.
والنهيان في قوله - تعالى -: [وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي].
وتأويلهما ترك الخوف، وترك الحزن.
وقد فعلت ما تستطيع وإن كان فؤادها قد أصبح فارغاً، وكادت أن تبدي به لولا أن ربط الله على قلبها.
والخبران في البشارتين في قوله - تعالى -:[إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ].
وتأويل هذين الخبرين وقوعهما في الخارج؛ حيث عاد موسى إلى أمه، وصار من المرسلين.
الفرق بين تأويل الخبر، وتأويل الطلب:
الفرق هو أن الخبر لا يلزم من تأويله -أي وقوعه- العلم به؛ فهو واقع وإن لم يُعْلم به؛ فأشراط الساعة وأحوالها ستقع وإن لم يُعْلم بها.
وكذلك حقائق أسماء الله وصفاته هي حقيقة وإن لم يُعْلم بها.
فلا يلزم -إذاً- من تأويل الخبر العلم به.
أما الطلب فلابد في تأويله من معرفته والعلم به؛ ليُفعل أو يُجتنب؛ فإن كان الطلب أمراً فلابد في إيقاعه وفعله وامتثاله من معرفة العلم به سواء كان واجباً كإقامة الصلاة، أو مستحباً كالسواك.
وإن كان الطلب نهياً فلابد من معرفته والعلم به؛ ليجتنب سواء كان النهي للتحريم أو الكراهة.
توجيه قراءتي آية آل عمرآن:
قال الله - عز وجل -: [هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ] (آل عمران: 7).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -ر حمه الله -: (وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف عند قوله: [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ].
وهذا هو المأثور عن أُبَي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: (التفسير على أربعة أوجه:
تفسير تعرفه العرب[14]من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته[15]، وتفسير يعلمه العلماء[16]، وتفسير لا يعلمه إلا الله[17] من ادعى علمه فهو كاذب).
وقد روي عن مجاهد وطائفة أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله، وقد قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية فأسأله عن تفسيرها.
ولا منافاة بين القولين عند التحقيق)[18].
ويعني بالقولين القراءتين: الوقف على قوله [إِلاَّ اللّهُ] والوصل.
وقال في موضع آخر موجهاً كلتا القراءتين: (وكلا القولين حق باعتبار كما قد بسطناه في مواضع أُخَر، ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا وكلاهما حق)[19].
وخلاصة القول في توجيه القراءتين: أنه على قراءة الوقف يكون التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، وعلى قراءة الوصل يكون التأويل بمعنى التفسير؛ فمن قال: إنه لا يعلم تأويله إلا الله أراد الحقيقة، ومن قال: إنه يُعلم تأويله أراد التفسير.
وعلى قراءة الوقف تكون الواو في قوله: [وَالرَّسِخُوْنَ ...] ابتدائية استئنافية.
وعلى قراءة الوصل تكون عاطفة.
18/10/1426هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر التدمرية لابن تيمية ص91-95.
[2] الإحكام لابن حزم 1/43.
[3] انظر إرشاد الفحول للشوكاني ص177، والتوضيحات الأثرية على متن الرسالة التدمرية للشيخ فخر الدين المحيسي ص185.
[4] انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/504.
[5] انظر مفهوم التفسير والتأويل د. مساعد الطيار ص54.
[6] التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي 1/6.
[7] البرهان للزركشي 1/13.
[8] التدمرية ص92.
[9] الأم للشافعي 7/319، وانظر 2/28 و 4/242.
[10] انظر التدمرية ص96، والفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية تحقيق د. عبدالمحسن التويجري ص290.
[11] رواه البخاري (817) ومسلم (484).
[12] تفسير الطبري 2/530.
[13] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4/133.
[14] هو تفسير مفردات اللغة كمعرفة القرء، والنمارق، والناس، والليل، والنهار، والشمس، والقمر وغيرها.
[15]- هو تفسير الآيات المكلف بها اعتقاداً كمعرفة الله، وتوحيده، واليوم الآخر، والإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعملاً كمعرفة الطهارة، وكيفية الصلاة، وغيرها.
[16] هو مما يخفى على غير العلماء، مما يمكن الوصول إلى معرفته، كمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.
[17] هو حقائق ما أخبر الله به عن نفسه، وعن اليوم الآخر؛ فهذه الأشياء تفهم بمعناها، ولا تدرك حقيقة ما هي عليه في الواقع.
[18] التدمرية ص90-91.
[19] الفتوى الحموية الكبرى ص290.[/align]