د احمد شاكر على
New member
البيان فى شرح " أم القرءان "
تجميع د احمد على غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات .
بسم الله الرحمن الرحيم
أَنِ الحمد للَّهِ نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يَهْدِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أمّا بعد: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْحَمْدِ فَقَالَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين} وافتتح خلقه بالحمد فقال ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ( الانعام 1) له الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، ( وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( القصص 70 ) ، نحمده على ان جعلنا من امة خاتم المرسلين وايده بالقرءان المبين ( الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ ) الكهف ، واوصاه بان يحمد الله على نعمة التوحيد ويكبره تكبيرا { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرً ) الاسراء 111، وارشدنا ان نقتدى بالمرسلين الذين اثنوا على الله بالحمد فهذا رسول الله ابراهيم يحمد الله ويحدث بنعمته عليه ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ) ( ابراهيم 39) وداود وسليمان يثنيان على ما انعم الله عليهما بالعلم بالله والنبوة (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) النمل 15، واوصى نوحا ومن معه من المؤمنين بان يحمدوا الله (.فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( المؤمنون 28 )واخبر ان اهل الجنة يحمدون الله حين دخولها ، وان يوم الحساب اخره الحمد ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ربَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهًمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدً لِلّهِ الَّذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْث نَشَاءُ فَنِعْمَ أجْرُ الْعامِلِينَ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . ( 75 ) وان اهل الجنة يلهمون التسبيح والحمد {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.يونس 10
(اللهم وفقنا ان نكون من الحامدين فمن حمد الله فى دار الاختبار كان اهلا ان يكون مع اهل الحمد فى دار الجزاء ، ومن اعرض وجحد هنا ، احاط قليه الران وكان يوم القيامة من المحجوبين . ومن شكر فانما يشكر لنفسه والله غنى عن العالمين. )
عنّْ أنَسَ رضي اللَّه عنهُ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "إنَّ اللَّه لَيرضي عنِ العبْدِ يَأْكُلُ الأكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَليْهَا، وَيَشْرب الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا" رواهُ مسلم. وعنْ ابى هريرة رضى الله عنه عنْ رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: "كُلُّ أمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدأُ فِيهِ ب: الحمد للَّه فَهُوَ أقْطُع" حديثٌ حسَنٌ، رواهُ أَبُو داود وغيرُهُ.
يُستحبّ حمدُ الله تعالى عند حصول نعمةٍ، أو اندفاع مكروهٍ، سواءٌ حصل ذلك لنفسه، أو لصاحبه، أو للمسلمين.( النووى )
ومن حمد الله عند المصيبه امر الله الملائكة ان يبنو له بيتا خاصا ويسمونه بيت الحمد . عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولدُ العبدِ قالَ الله تعالى لملائكته: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فيقولون: نعم! فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم! فيقولُ: فماذا قال عبدي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فيقولُ اللَّهُ تَعالى: ابنوا لعبدي بَيْتاً في الجَنَّةِ وسموهُ بَيْتَ الحَمْدِ"، قال الترمذي: حديث حسن.
وروى من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر قبل صلاة الاستثقاء : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدَّينِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أنْتَ اللَّهُ، لاَ إِلهَ الا انت ، أَنْت الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، وَاجْعَلْ ما أنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغاً إلى حِينٍ "، او كما قال صلى الله عليه وسلم .
وعند عامة الفقهاء "الحمدُ الله رب العالمين" ركن في خطبة الجمعة ومن عبارات الخطباء المشهوره : الحمدُ لله رب العالمين ، لك الحمد كما يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ" حمداً يوافي نعمك، ويكافئ مزيدك. اللهم لك الحمد حتى ترضى. لا نحصى ثناءا عليك انت كما اثنيت على نفسك ، والادعيه الجامعه فى نهاية الخطبه وفى القنوت تتضمن التوحيد و الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم المرسلين ومنها : لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل ذنب، وإثم، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها، بفضلك يا أرحم الراحمين وصلى اللهم على رسولك محمد واله وازواجه وصحبه اجمعين وسلم تسليما مزيدا » .
قطوف من تفسير سورة الفاتحه
لها اسماء كثيره لشرفها منها «الفاتحة» «أُم الكتاب» » و «الواقية» و «الكافيه» » .روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قال في أُم الْقُرْآنِ: «هِيَ أُم الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وهي القرآن العظيم» ورواه ابن جرير أيضاً بنحوه. ووردت اثار صحيحه انها اعظم سوره ، وجواز الرقية بها ،
بسم الله الرحمن الرحيم : تُستحب البسملة في أول كل قولٍ وعمل لقوله عليه السلام: «كُلُّ أَمْرٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم فهو أجذم» والمعنى أبدأ باسم الله، ، تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا وَاسْتِعَانَةً عَلَى الْإِتْمَامِ والتقبل،
(اللَّهِ) علمٌ عَلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقَالُ إِنَّهُ (الِاسْمُ الْأَعْظَمُ) لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلى هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} الآيات، وَهُوَ اسْمٌ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَبَارَكَ وتعالى.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وجه المبالغة، ، في الحديث القدسي: «أَنَا الرَّحْمَنُ خلقتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قطعته» (. قال ابن جرير: {الرحمن} لجميع الخلق، {الرَّحِيمِ} بالمؤمنين،
{الْحَمْدُ للَّهِ} الشُّكْرُ لِلَّهِ خَالِصًا ، بِمَا أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا الْعَدَدُ، وَلَا يُحِيطُ بِعَدَدِهَا غَيْرُهُ أَحَدٌ، وهى ثناءٌ أَثْنَى الله بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، ويتضمن الامر لعِبَادَهُ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ فهو جل وعلا الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ، وفي الحديث الشريف عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أفضلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدعاء الحمدُ لله (رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله وقال: حسن غريب). ووردت اثار عن فضل الدعاء" يَا رَبِّ لَكَ الحمدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ" . والْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (الْحَمْدِ) لِاسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْحَمْدِ وَصُنُوفِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّه، وَلَكَ الْمُلْكُ كلُّه، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كلُّه، وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كلُّه» الحديث.
{رَبِّ العالمين} ، ربِّ الْعالَمِينَ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّبُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا بِالْإِضَافَةِ،( انتهى ). وقيل الْمَالِكُ. والسيد والمعانى متقاربه . والرب بمعنى التربية والإصلاح اما في حق العالمين فهو الحى القيوم الذى يمسك السماوات والارض ان تزولا ، واعطى كل شىء خلقه ثم هدى ، و بخصوص الانسان فان الله " رب الناس " يربى ظاهرهم بالرزق والنعم وباطنهم بارسال الرسل ليدلونهم على توحيد ربهم ، ويربى قلوب الموحدين باليقين فى انه لا اله الا الله و باحكام الشريعة التى ارسل بها خاتم المرسلين ( بتصرف من روح البيان ) و {العالمين} جَمْعُ عَالَمٍ وَهُوَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ عزّ وجل،
قال ابن القيم فَهُوَ جل وعلا رَبُّ كُلَّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبْدٌ لَهُ فِي قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ.
{الرحمن الرَّحِيمِ} قال القرطبي: إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله {رَبِّ العالمين} ليكون من باب قرن (الترغيب بالترهيب) وقد سبق شرحه عند ذكر البسمله
ملك يوم الدين : (مَلِك) و (مالك) قراءات صحيحه متواتره ، و (مالك) تفسرها : {إِنَّا نَحْنُ نرثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرجعون}، و (ملك) تفسرها : {لِّمَنِ الْمُلْكُ اليوم لله الواحد القهار }، سورة غافر. وقوله جل وعلا {الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} وتخصيصُ الْمُلْكِ بِيَوْمِ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أحد هناك شَيْئًا، وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا قال تعالى { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} سورة النبأ ، وعن ابن عباس قال: يوم الدين يوم الحساب للخلائق، يُدِينُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ، إلا من عفا عنه والملك فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا تَسْمِيَةُ غَيْرِهِ فِي الدُّنْيَا بِمَلِكٍ فَعَلَى سبيل المجاز، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ (رواه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً) و (الدين): الجزاء والحساب (وفي الشرع معنى الدين كمال المحبة والخضوع والخوف والله اعلم ، لا نشك فى ذلك ولكن يراجع ضبط المصطلحات )
قال بن القيم ذِكْرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ بَعْدَ الْحَمْدِ، وَإِيقَاعِ الْحَمْدِ عَلَى مَضْمُونِهَا وَمُقْتَضَاهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ فِي إِلَهِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رَحْمَانِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي مُلْكِهِ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ مَحْمُودٌ، وَرَبٌّ مَحْمُودٌ، وَرَحْمَنٌ مَحْمُودٌ، وَمَلِكٌ مَحْمُودٌ، فَلَهُ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَقْسَامِ الْكَمَالِ: كَمَالٌ مِنْ هَذَا الِاسْمِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنَ الْآخَرِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنِ اقْتِرَانِ اسمائه .( تصرف يسير )
اياك نعبد واياك نستعين : وقدّم المفعول ( اياك ) وَكُرِّرَ لِلِاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ، أَيْ لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ وَلَا نَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْكَ، وَهَذَا هُوَ كَمَالُ التوحيد بصرف جميع انواع العبادة والدعاء والرجاء والطَّاعَةِ لله وحده ، الاولى تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّرْكِ وَالثَّانِي تبرؤٌ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدِّينُ يَرْجِعُ كُلُّهُ إِلَى هَذَيْنِ الاصلين ،( ومن ضيع الاصول حرم الوصول ). ومعنى الاستعانه التوكل على الله وحده كما فى قوله تعالى : {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا}. وتقديم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} عَلَى {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَهُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَالِاسْتِعَانَةُ وَسِيلَةٌ
فهمت من كلام بن القيم فى مدارج السالكين ان ام الكتاب فيها شفاء القلوب من امراض الضلال واتباع الهوى والرياء والكبر وغيره من امراض القلوب فى دَّوَاءَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ لَا غَيْرِهِ ، بِأَمْرِهِ وَشَرْعِهِ ، لَا بِالْهَوَى ، وَلَا بِآرَاءِ الرِّجَالِ وَأَوْضَاعِهِمْ، وَرُسُومِهِمْ، وَأَفْكَارِهِمْ ، بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَى عُبُودِيَّتِهِ بِهِ ، لَا بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَقُوَّتِهِ وَحَوْلِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ ، فَدَوَاءُ الرِّيَاءِ بِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وَدَوَاءُ الْكِبْرِ بِ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .وعلاجْ مَرَضِ الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ بِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
والعبوديه مَقَامٌ عَظِيمٌ يَشْرُف بِهِ الْعَبْدُ لِانْتِسَابِهِ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ تَعَالَى وقد سمّى رسوله صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِهِ فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ}، وقال: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} فسماه عبداً عند إنزاله عليه، وعند قيامه للدعوة، وإسرائه به.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال، وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته، لِأَنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ، وَأَنْجَعُ لِلْإِجَابَةِ وَلِهَذَا أَرْشَدَ الله إليه لأنه الأكمل. والهداية ههنا: الإرشاد والتوفيق {الصراط المستقيم} الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ، وحاصل كلام المفسرين ينطوى تحت (الْمُتَابَعَةُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) فروي أنه كتاب الله، وقيل: إنه الإسلام، دين الله الذي لا اعوجاج فيه، الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنَ العباد غيره، وقد فسّر الصراط بالإسلام في حديث (النوالس بْنِ سَمْعَانَ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أبوابٌ مفتَّحة، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ داعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا ولا تعوجوا، وداعٍ يدعوا مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: ويْحك لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تلجْه، فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ وَذَلِكَ الداعي على رأس الصراط كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ الله في قلب كل مسلم (رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان وأخرجه الترمذي والنسائي) وقال مجاهد: الصراط المستقيم: الْحَقُّ، وَهَذَا أَشْمَلُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما تقدم، قال ابن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هذه الآية عندي أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا ارْتَضَيْتَهُ وَوَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِكَ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لِأَنَّ مَنْ وُفِّق لِمَا وفِّق له من أنعم عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فد وفّق للإسلام.
كيف يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صلاة وهو متصف بذلك؟ فالجواب: أن الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ ساعةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَرُسُوخِهِ فيها واستمراه عليها، فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وقت أن يمده بالمعونه ولاثبات والتوفيق، فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِه }، والمراد الثباتُ والمداومةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) قوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مُفَسِّرٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، والذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم هم المذكورون في سورة النساء: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصالحين، وحسن أُولَئِكَ رفيقا } النساء 69 ، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: صِرَاطَ الَّذِينَ أنعمتَ عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِكَ وَعِبَادَتِكَ مِنْ مَلَائِكَتِكَ وَأَنْبِيَائِكَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وذلك نظير الآية السابقة، وقال الربيع بن أنَس: هم النبيّون، وقال ابن جريج ومجاهد: هم المؤمنون، وَالتَّفْسِيرُ الْمُتَقَدِّمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ.
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّالِّينَ} غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين علموا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ، وَلَا صِرَاطِ الضَّالِّينَ وَهُمُ الَّذِينَ فَقَدُوا الْعِلْمَ، فَهُمْ هَائِمُونَ فِي الضَّلَالَةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحَقِّ، وَأَكَّدَ الْكَلَامَ بِ (لَا) لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مَسْلَكَيْنِ فَاسِدَيْنِ وهما: طريقة اليهود، وطريقة النصارى، فجيء ب (لا) لتأكيد النفي وللفرق بين الطريقتين ليجتنب كل واحدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ، واليهودُ فَقَدُوا الْعَمَلَ، وَالنَّصَارَى فَقَدُوا الْعِلْمَ، وَلِهَذَا كَانَ الْغَضَبُ لِلْيَهُودِ، والضلال للنصارى، لكنْ أخصُّ أَوْصَافِ الْيَهُودِ الْغَضَبُ كَمَا قَالَ تعالى عنهم: {مَن لَّعَنَهُ الله وغضب عليه} وأخص أوصاف النصارى الضلال
ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: (آمين) ومعناه: اللهم استجب ، لما روي عن أبي هريرة أنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَلَا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ ماجة وزاد فيه (فيرتج بها المسجد)
××××
مزيد من كلام بن القيم ( رحمه الله ) اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمَطَالِبِ ( مختصرا )
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمَطَالِبِ فَاشْتَمَلَتْ عَلَى التَّعْرِيفِ بِالْمَعْبُودِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى باسمائه الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا ، وَهِيَ: اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ، الرحيم ، والملك وَبُنِيَتِ السُّورَةُ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ، وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالرَّحْمَةِ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ، {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالْحَمْدُ لله رب العالمين يَتَضَمَّنُ اثبات صفات الله ، فَهُوَ الْمَحْمُودُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَالثَّنَاءُ عليه لذاته ولنعمه .
وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ الْمَعَادِ، وَجَزَاءَ الْعِبَادِ بِأَعْمَالِهِمْ، حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا، وَتَفَرُّدَ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْحُكْمِ إِذْ ذَاكَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَكَوْنَ حُكْمِهِ بِالْعَدْلِ، وَكُلُّ هَذَا تَحْتَ قَوْلِهِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ النُّبُوَّاتِ (وما انزل عليهم من الكتب ) مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ: كَوْنُهُ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَلَا يَتْرُكَ عِبَادَهُ سُدًى ، والله وَهُوَ الْمَأْلُوهُ الْمَعْبُودُ، وَلَا سَبِيلَ لِلْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ عِبَادَتِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ رُسُلِه ، والرَّحْمَنِ فَإِنَّ رَحْمَتَهُ مُتَضَمِّنٌه لِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، لِمَا تَحْصُلُ بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ ،.و ذِكْرِ يَوْمِ الدين ، اى الحساب وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ أحَدًا قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، بارسال الرسل ، وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فَإِنَّ مَا يُعْبَدُ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، و لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَة ذلك إِلَّا من خلال الوحى المنزل على الرسل ومن قوله{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فَالْهِدَايَةُ: تشملَ هداية الْبَيَانُ وَالدَّلَالَةُ، وهداية التَّوْفِيقُ ، ومهمة الرسل الْبَيَانِ وَالدَّلَالَةِ .
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ اضْطِرَارُ الْعَبْدِ إِلَى سُؤَالِ الهدايه فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، لحاجته للتوفيق والثبات وبلوغ اعلى مراتب الهدايه وَهِيَ الْهِدَايَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ، ، فَمَنْ هُدِيَ فِي هَذِهِ الدَّارِ إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، هُدِيَ هُنَاكَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُوَصِّلِ إِلَى جَنَّتِهِ وَدَارِ ثَوَابِهِ، وَعَلَى قَدْرِ ثُبُوتِ قَدَمِ الْعَبْدِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ يَكُونُ ثُبُوتُ قَدَمِهِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَعَلَى قَدْرِ سَيْرِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّرَاطِ يَكُونُ سَيْرُهُ عَلَى ذَاكَ الصِّرَاطِ ، فَسُؤَالُ الْهِدَايَةِ مُتَضَمِّنٌ لِحُصُولِ كُلِّ خَيْرٍ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
، وقد اضيف الصراط فى الفاتحه إِلَى الذين انعم الله عليهم ، لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ سُلُوكِهِ، ، وَهُمُ الْمَارُّونَ عَلَيْهِ. ( قلت ليحصل المتابعه والاقتداء بالنبى والصحابة فى عقيدتهم وجهادهم وزهدهم وفهمهم وتضحيتهم ) وهم الذين علموا الحق وعملوا به وهذا من اجل نعم الله عليهم وهم المفلحون
واما الْعَالِمُ بالحق ِ الْمُتَّبِعُ هَوَاهُ هُوَ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ، وَالْجَاهِلُ بِالْحَقِّ هُوَ الضَّالُّ، وَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَالٌّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ تَارِكَ الْعَمَلِ بِالْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ أَوْلَى بِوَصْفِ الْغَضَبِ ، وَمِنْ هُنَا كَانَ الْيَهُودُ أَحَقَّ بِهِ، ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] وَالْجَاهِلُ بِالْحَقِّ أَحَقُّ بِاسْمِ الضَّلَالِ، وَمِنْ هُنَا وُصِفَتِ النَّصَارَى بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حَبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» . فَفِي ذِكْرِ هذه الاصناف مَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، لِأَنَّ انْقِسَامَ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ الْمَشْهُودُ، وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إِنَّمَا أَوْجَبَهَا ثُبُوتُ الرِّسَالَةِ.
اوجه بلاغة فِي ذِكْرِ السَّبَبِ وَالْجَزَاءِ لِلطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ و، فَإِنَّ الْإِنْعَامَ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ إِنْعَامَهُ بِالْهِدَايَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، ، وَيَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْإِنْعَامِ بِحُسْنِ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ، فَهَذَا تَمَامُ النِّعْمَةِ، وَلَفْظُ " {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} " يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَيْنِ.وَذِكْرُ غَضَبِهِ عَلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ: الْجَزَاءُ بِالْغَضَبِ الَّذِي مُوجَبُهُ غَايَةُ الْعَذَابِ وَالْهَوَانِ، وَالسَّبَبُ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ غَضَبَهُ لتركهم الطريق المستقيم ، ونسب الانعام الى لله فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ، لما فيه من إِكْرَامِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَالْإِشَادَةِ بِذِكْرِهِ، وَرَفْعِ قَدْرِهِ و اضمر فى المغضوب عليهم لما فيه مِنَ الْإِشْعَارِ ، َتحْقِيرِهِ شانهم،. وَتَأَمَّلِ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَالْغَضَبِ وَالضَّلَالِ، ( قلت علامات واضحه للصراط المستقيم وبالمقابل السبل المعوجه وصفا ت السائرون على كل طريق والنهاية التى يصلون اليها ) وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، يَقْرِنُ بَيْنَ الضَّلَالِ وَالشَّقَاءِ، وَبَيْنَ الْهُدَى وَالْفَلَاحِ، وهذا مثل قَوْلِهِ تعالى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] فَهَذَا الْهُدَى وَالسَّعَادَةُ، ثُمَّ قَالَ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124] فَذَكَرَ الضَّلَالَ وَالشَّقَاءَ. فَالْهُدَى وَالسَّعَادَةُ مُتَلَازِمَانِ، وَالضَّلَالُ وَالشَّقَاءُ مُتَلَازِمَانِ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] » وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، ، ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41] قَالَ الْحَسَنُ: صِرَاطٌ مُوَّصِلٌ إِلَيَّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ،
قِيلَ: استخدام "عَلَى " نفيد ان مَنِ اسْتَقَامَ عَلَى صِرَاطِ الله المستقيم ِ فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، وتشير الى اسْتِعْلَائِهِ وَعُلُوِّهِ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى، مَعَ ثَبَاتِهِ عَلَيْهِ، ، وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّلَالِ وَالرَّيْبِ، فَإِنَّهُ يُؤْتَى فِيهِ بِأَدَاةِ " فِي " الدَّالَّةِ عَلَى انْغِمَاسِ صَاحِبِهِ، فِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {.وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ تَأْخُذُ عُلُوًّا صَاعِدَةً بِصَاحِبِهَا إِلَى الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، وَطَرِيقَ الضَّلَالِ تَأْخُذُ سُفْلًا، هَاوِيَةً بِسَالِكِهَا فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ.
المراجع
[TABLE="align: right"]
[TR]
[TD]المصباح المنير فى تهذيب تفسير بن كثير[/TD]
[TD]روح البيان : إسماعيل حقي بن الإستانبولي (المتوفى: 1127هـ) دار الفكر – بيروت[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]فتح القدير للشوكانى[/TD]
[TD]مدارج السالكين لابن القيم [/TD]
[/TR]
[/TABLE]
تعقيب هام : حاولت الاختصار ليكون ميسرا ، فان كان هناك خطا فهو منى ومن الشيطان ، وارحب بالنقد والتصحيح و المقصد هو تبسيط تراث السلف للعامه فى ما يجب معرفته من دلائل التوحيد وغيره من امور الدين واهيب بالمتخصصين جعل جزء من عملهم فى هذا الاتجاه بدلا من الجدال فى دقائق المسائل ، او زغل العلم كما قال الذهبى رحمه الله ، وقد ارسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافه ، والبيان الواضح هُوَ الَّذِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَجُعِلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ، ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4] فَالرُّسُلُ تُبَيِّنُ، وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِعِزَّتِهِ و َحِكْمَتِهِ." والبيان كما يقول شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله هو تَبْيِينُ الْحَقِّ وَتَمْيِيزُهُ مِنَ الْبَاطِلِ بِأَدِلَّتِهِ وَشَوَاهِدِهِ ، بِحَيْثُ يَصِيرُ مَشْهُودًا ، كَشُهُودِ الْعَيْنِ لِلْمَرْئِيَّاتِ . (انتهى ) واهيب بكل من يتصدى للدعوه ان يكون اعتماده على كتاب الله وسنة رسول الله بفهم سلف الامه ، والتركيز على امور العقيده ، وترك الخلاف ما امكن . والسعى الى تحريك همة كل مسلم ليبذل جهده للعمل للدين وفق ضوابط صحيحه ومنهج سليم . 18 جمادى الثانى 1437 جده المملكة العربيه السعوديه .
تجميع د احمد على غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات .
بسم الله الرحمن الرحيم
أَنِ الحمد للَّهِ نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يَهْدِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أمّا بعد: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْحَمْدِ فَقَالَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين} وافتتح خلقه بالحمد فقال ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ( الانعام 1) له الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، ( وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( القصص 70 ) ، نحمده على ان جعلنا من امة خاتم المرسلين وايده بالقرءان المبين ( الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ ) الكهف ، واوصاه بان يحمد الله على نعمة التوحيد ويكبره تكبيرا { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرً ) الاسراء 111، وارشدنا ان نقتدى بالمرسلين الذين اثنوا على الله بالحمد فهذا رسول الله ابراهيم يحمد الله ويحدث بنعمته عليه ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ) ( ابراهيم 39) وداود وسليمان يثنيان على ما انعم الله عليهما بالعلم بالله والنبوة (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) النمل 15، واوصى نوحا ومن معه من المؤمنين بان يحمدوا الله (.فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( المؤمنون 28 )واخبر ان اهل الجنة يحمدون الله حين دخولها ، وان يوم الحساب اخره الحمد ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ربَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أبْوَابُهَا وَقَالَ لَهًمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدً لِلّهِ الَّذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْث نَشَاءُ فَنِعْمَ أجْرُ الْعامِلِينَ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . ( 75 ) وان اهل الجنة يلهمون التسبيح والحمد {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.يونس 10
(اللهم وفقنا ان نكون من الحامدين فمن حمد الله فى دار الاختبار كان اهلا ان يكون مع اهل الحمد فى دار الجزاء ، ومن اعرض وجحد هنا ، احاط قليه الران وكان يوم القيامة من المحجوبين . ومن شكر فانما يشكر لنفسه والله غنى عن العالمين. )
عنّْ أنَسَ رضي اللَّه عنهُ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "إنَّ اللَّه لَيرضي عنِ العبْدِ يَأْكُلُ الأكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَليْهَا، وَيَشْرب الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا" رواهُ مسلم. وعنْ ابى هريرة رضى الله عنه عنْ رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: "كُلُّ أمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدأُ فِيهِ ب: الحمد للَّه فَهُوَ أقْطُع" حديثٌ حسَنٌ، رواهُ أَبُو داود وغيرُهُ.
يُستحبّ حمدُ الله تعالى عند حصول نعمةٍ، أو اندفاع مكروهٍ، سواءٌ حصل ذلك لنفسه، أو لصاحبه، أو للمسلمين.( النووى )
ومن حمد الله عند المصيبه امر الله الملائكة ان يبنو له بيتا خاصا ويسمونه بيت الحمد . عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهُ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولدُ العبدِ قالَ الله تعالى لملائكته: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فيقولون: نعم! فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم! فيقولُ: فماذا قال عبدي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فيقولُ اللَّهُ تَعالى: ابنوا لعبدي بَيْتاً في الجَنَّةِ وسموهُ بَيْتَ الحَمْدِ"، قال الترمذي: حديث حسن.
وروى من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر قبل صلاة الاستثقاء : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدَّينِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أنْتَ اللَّهُ، لاَ إِلهَ الا انت ، أَنْت الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، وَاجْعَلْ ما أنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغاً إلى حِينٍ "، او كما قال صلى الله عليه وسلم .
وعند عامة الفقهاء "الحمدُ الله رب العالمين" ركن في خطبة الجمعة ومن عبارات الخطباء المشهوره : الحمدُ لله رب العالمين ، لك الحمد كما يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ" حمداً يوافي نعمك، ويكافئ مزيدك. اللهم لك الحمد حتى ترضى. لا نحصى ثناءا عليك انت كما اثنيت على نفسك ، والادعيه الجامعه فى نهاية الخطبه وفى القنوت تتضمن التوحيد و الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم المرسلين ومنها : لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل ذنب، وإثم، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها، بفضلك يا أرحم الراحمين وصلى اللهم على رسولك محمد واله وازواجه وصحبه اجمعين وسلم تسليما مزيدا » .
قطوف من تفسير سورة الفاتحه
لها اسماء كثيره لشرفها منها «الفاتحة» «أُم الكتاب» » و «الواقية» و «الكافيه» » .روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أنه قال في أُم الْقُرْآنِ: «هِيَ أُم الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وهي القرآن العظيم» ورواه ابن جرير أيضاً بنحوه. ووردت اثار صحيحه انها اعظم سوره ، وجواز الرقية بها ،
بسم الله الرحمن الرحيم : تُستحب البسملة في أول كل قولٍ وعمل لقوله عليه السلام: «كُلُّ أَمْرٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم فهو أجذم» والمعنى أبدأ باسم الله، ، تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا وَاسْتِعَانَةً عَلَى الْإِتْمَامِ والتقبل،
(اللَّهِ) علمٌ عَلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقَالُ إِنَّهُ (الِاسْمُ الْأَعْظَمُ) لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلى هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} الآيات، وَهُوَ اسْمٌ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَبَارَكَ وتعالى.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وجه المبالغة، ، في الحديث القدسي: «أَنَا الرَّحْمَنُ خلقتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قطعته» (. قال ابن جرير: {الرحمن} لجميع الخلق، {الرَّحِيمِ} بالمؤمنين،
{الْحَمْدُ للَّهِ} الشُّكْرُ لِلَّهِ خَالِصًا ، بِمَا أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا الْعَدَدُ، وَلَا يُحِيطُ بِعَدَدِهَا غَيْرُهُ أَحَدٌ، وهى ثناءٌ أَثْنَى الله بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، ويتضمن الامر لعِبَادَهُ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ فهو جل وعلا الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ، وفي الحديث الشريف عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أفضلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدعاء الحمدُ لله (رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله وقال: حسن غريب). ووردت اثار عن فضل الدعاء" يَا رَبِّ لَكَ الحمدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ" . والْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (الْحَمْدِ) لِاسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْحَمْدِ وَصُنُوفِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّه، وَلَكَ الْمُلْكُ كلُّه، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كلُّه، وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كلُّه» الحديث.
{رَبِّ العالمين} ، ربِّ الْعالَمِينَ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّبُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا بِالْإِضَافَةِ،( انتهى ). وقيل الْمَالِكُ. والسيد والمعانى متقاربه . والرب بمعنى التربية والإصلاح اما في حق العالمين فهو الحى القيوم الذى يمسك السماوات والارض ان تزولا ، واعطى كل شىء خلقه ثم هدى ، و بخصوص الانسان فان الله " رب الناس " يربى ظاهرهم بالرزق والنعم وباطنهم بارسال الرسل ليدلونهم على توحيد ربهم ، ويربى قلوب الموحدين باليقين فى انه لا اله الا الله و باحكام الشريعة التى ارسل بها خاتم المرسلين ( بتصرف من روح البيان ) و {العالمين} جَمْعُ عَالَمٍ وَهُوَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ عزّ وجل،
قال ابن القيم فَهُوَ جل وعلا رَبُّ كُلَّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبْدٌ لَهُ فِي قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ.
{الرحمن الرَّحِيمِ} قال القرطبي: إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله {رَبِّ العالمين} ليكون من باب قرن (الترغيب بالترهيب) وقد سبق شرحه عند ذكر البسمله
ملك يوم الدين : (مَلِك) و (مالك) قراءات صحيحه متواتره ، و (مالك) تفسرها : {إِنَّا نَحْنُ نرثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرجعون}، و (ملك) تفسرها : {لِّمَنِ الْمُلْكُ اليوم لله الواحد القهار }، سورة غافر. وقوله جل وعلا {الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} وتخصيصُ الْمُلْكِ بِيَوْمِ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أحد هناك شَيْئًا، وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا قال تعالى { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} سورة النبأ ، وعن ابن عباس قال: يوم الدين يوم الحساب للخلائق، يُدِينُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ، إلا من عفا عنه والملك فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا تَسْمِيَةُ غَيْرِهِ فِي الدُّنْيَا بِمَلِكٍ فَعَلَى سبيل المجاز، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ (رواه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً) و (الدين): الجزاء والحساب (وفي الشرع معنى الدين كمال المحبة والخضوع والخوف والله اعلم ، لا نشك فى ذلك ولكن يراجع ضبط المصطلحات )
قال بن القيم ذِكْرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ بَعْدَ الْحَمْدِ، وَإِيقَاعِ الْحَمْدِ عَلَى مَضْمُونِهَا وَمُقْتَضَاهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ فِي إِلَهِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي رَحْمَانِيَّتِهِ، مَحْمُودٌ فِي مُلْكِهِ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ مَحْمُودٌ، وَرَبٌّ مَحْمُودٌ، وَرَحْمَنٌ مَحْمُودٌ، وَمَلِكٌ مَحْمُودٌ، فَلَهُ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَقْسَامِ الْكَمَالِ: كَمَالٌ مِنْ هَذَا الِاسْمِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنَ الْآخَرِ بِمُفْرَدِهِ، وَكَمَالٌ مِنِ اقْتِرَانِ اسمائه .( تصرف يسير )
اياك نعبد واياك نستعين : وقدّم المفعول ( اياك ) وَكُرِّرَ لِلِاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ، أَيْ لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ وَلَا نَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْكَ، وَهَذَا هُوَ كَمَالُ التوحيد بصرف جميع انواع العبادة والدعاء والرجاء والطَّاعَةِ لله وحده ، الاولى تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّرْكِ وَالثَّانِي تبرؤٌ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدِّينُ يَرْجِعُ كُلُّهُ إِلَى هَذَيْنِ الاصلين ،( ومن ضيع الاصول حرم الوصول ). ومعنى الاستعانه التوكل على الله وحده كما فى قوله تعالى : {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا}. وتقديم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} عَلَى {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَهُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَالِاسْتِعَانَةُ وَسِيلَةٌ
فهمت من كلام بن القيم فى مدارج السالكين ان ام الكتاب فيها شفاء القلوب من امراض الضلال واتباع الهوى والرياء والكبر وغيره من امراض القلوب فى دَّوَاءَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ لَا غَيْرِهِ ، بِأَمْرِهِ وَشَرْعِهِ ، لَا بِالْهَوَى ، وَلَا بِآرَاءِ الرِّجَالِ وَأَوْضَاعِهِمْ، وَرُسُومِهِمْ، وَأَفْكَارِهِمْ ، بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَى عُبُودِيَّتِهِ بِهِ ، لَا بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَقُوَّتِهِ وَحَوْلِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ ، فَدَوَاءُ الرِّيَاءِ بِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وَدَوَاءُ الْكِبْرِ بِ {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .وعلاجْ مَرَضِ الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ بِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
والعبوديه مَقَامٌ عَظِيمٌ يَشْرُف بِهِ الْعَبْدُ لِانْتِسَابِهِ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ تَعَالَى وقد سمّى رسوله صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِهِ فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ}، وقال: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} فسماه عبداً عند إنزاله عليه، وعند قيامه للدعوة، وإسرائه به.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال، وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته، لِأَنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ، وَأَنْجَعُ لِلْإِجَابَةِ وَلِهَذَا أَرْشَدَ الله إليه لأنه الأكمل. والهداية ههنا: الإرشاد والتوفيق {الصراط المستقيم} الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ، وحاصل كلام المفسرين ينطوى تحت (الْمُتَابَعَةُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) فروي أنه كتاب الله، وقيل: إنه الإسلام، دين الله الذي لا اعوجاج فيه، الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنَ العباد غيره، وقد فسّر الصراط بالإسلام في حديث (النوالس بْنِ سَمْعَانَ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أبوابٌ مفتَّحة، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ داعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا ولا تعوجوا، وداعٍ يدعوا مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: ويْحك لَا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تلجْه، فَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ وَذَلِكَ الداعي على رأس الصراط كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ الله في قلب كل مسلم (رواه أحمد في مسنده عن النواس بن سمعان وأخرجه الترمذي والنسائي) وقال مجاهد: الصراط المستقيم: الْحَقُّ، وَهَذَا أَشْمَلُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما تقدم، قال ابن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هذه الآية عندي أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا ارْتَضَيْتَهُ وَوَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِكَ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ لِأَنَّ مَنْ وُفِّق لِمَا وفِّق له من أنعم عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فد وفّق للإسلام.
كيف يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صلاة وهو متصف بذلك؟ فالجواب: أن الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ ساعةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَرُسُوخِهِ فيها واستمراه عليها، فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وقت أن يمده بالمعونه ولاثبات والتوفيق، فقد أمر تعالى الذين آمنوا بالإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِه }، والمراد الثباتُ والمداومةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) قوله تعالى {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مُفَسِّرٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، والذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم هم المذكورون في سورة النساء: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصالحين، وحسن أُولَئِكَ رفيقا } النساء 69 ، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: صِرَاطَ الَّذِينَ أنعمتَ عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِكَ وَعِبَادَتِكَ مِنْ مَلَائِكَتِكَ وَأَنْبِيَائِكَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وذلك نظير الآية السابقة، وقال الربيع بن أنَس: هم النبيّون، وقال ابن جريج ومجاهد: هم المؤمنون، وَالتَّفْسِيرُ الْمُتَقَدِّمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ.
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّالِّينَ} غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين علموا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ، وَلَا صِرَاطِ الضَّالِّينَ وَهُمُ الَّذِينَ فَقَدُوا الْعِلْمَ، فَهُمْ هَائِمُونَ فِي الضَّلَالَةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحَقِّ، وَأَكَّدَ الْكَلَامَ بِ (لَا) لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مَسْلَكَيْنِ فَاسِدَيْنِ وهما: طريقة اليهود، وطريقة النصارى، فجيء ب (لا) لتأكيد النفي وللفرق بين الطريقتين ليجتنب كل واحدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ، واليهودُ فَقَدُوا الْعَمَلَ، وَالنَّصَارَى فَقَدُوا الْعِلْمَ، وَلِهَذَا كَانَ الْغَضَبُ لِلْيَهُودِ، والضلال للنصارى، لكنْ أخصُّ أَوْصَافِ الْيَهُودِ الْغَضَبُ كَمَا قَالَ تعالى عنهم: {مَن لَّعَنَهُ الله وغضب عليه} وأخص أوصاف النصارى الضلال
ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: (آمين) ومعناه: اللهم استجب ، لما روي عن أبي هريرة أنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَلَا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ ماجة وزاد فيه (فيرتج بها المسجد)
××××
مزيد من كلام بن القيم ( رحمه الله ) اشْتِمَالُ الْفَاتِحَةِ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمَطَالِبِ ( مختصرا )
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمَطَالِبِ فَاشْتَمَلَتْ عَلَى التَّعْرِيفِ بِالْمَعْبُودِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى باسمائه الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا ، وَهِيَ: اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ، الرحيم ، والملك وَبُنِيَتِ السُّورَةُ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ، وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالرَّحْمَةِ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ، {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالْحَمْدُ لله رب العالمين يَتَضَمَّنُ اثبات صفات الله ، فَهُوَ الْمَحْمُودُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَالثَّنَاءُ عليه لذاته ولنعمه .
وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ الْمَعَادِ، وَجَزَاءَ الْعِبَادِ بِأَعْمَالِهِمْ، حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا، وَتَفَرُّدَ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْحُكْمِ إِذْ ذَاكَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَكَوْنَ حُكْمِهِ بِالْعَدْلِ، وَكُلُّ هَذَا تَحْتَ قَوْلِهِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
وَتَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ النُّبُوَّاتِ (وما انزل عليهم من الكتب ) مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ: كَوْنُهُ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَلَا يَتْرُكَ عِبَادَهُ سُدًى ، والله وَهُوَ الْمَأْلُوهُ الْمَعْبُودُ، وَلَا سَبِيلَ لِلْعِبَادِ إِلَى مَعْرِفَةِ عِبَادَتِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ رُسُلِه ، والرَّحْمَنِ فَإِنَّ رَحْمَتَهُ مُتَضَمِّنٌه لِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، لِمَا تَحْصُلُ بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ ،.و ذِكْرِ يَوْمِ الدين ، اى الحساب وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ أحَدًا قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، بارسال الرسل ، وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فَإِنَّ مَا يُعْبَدُ بِهِ الرَّبُّ تَعَالَى لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، و لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَة ذلك إِلَّا من خلال الوحى المنزل على الرسل ومن قوله{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فَالْهِدَايَةُ: تشملَ هداية الْبَيَانُ وَالدَّلَالَةُ، وهداية التَّوْفِيقُ ، ومهمة الرسل الْبَيَانِ وَالدَّلَالَةِ .
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ اضْطِرَارُ الْعَبْدِ إِلَى سُؤَالِ الهدايه فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، لحاجته للتوفيق والثبات وبلوغ اعلى مراتب الهدايه وَهِيَ الْهِدَايَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ، ، فَمَنْ هُدِيَ فِي هَذِهِ الدَّارِ إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، هُدِيَ هُنَاكَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُوَصِّلِ إِلَى جَنَّتِهِ وَدَارِ ثَوَابِهِ، وَعَلَى قَدْرِ ثُبُوتِ قَدَمِ الْعَبْدِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ يَكُونُ ثُبُوتُ قَدَمِهِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَعَلَى قَدْرِ سَيْرِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّرَاطِ يَكُونُ سَيْرُهُ عَلَى ذَاكَ الصِّرَاطِ ، فَسُؤَالُ الْهِدَايَةِ مُتَضَمِّنٌ لِحُصُولِ كُلِّ خَيْرٍ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
، وقد اضيف الصراط فى الفاتحه إِلَى الذين انعم الله عليهم ، لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ سُلُوكِهِ، ، وَهُمُ الْمَارُّونَ عَلَيْهِ. ( قلت ليحصل المتابعه والاقتداء بالنبى والصحابة فى عقيدتهم وجهادهم وزهدهم وفهمهم وتضحيتهم ) وهم الذين علموا الحق وعملوا به وهذا من اجل نعم الله عليهم وهم المفلحون
واما الْعَالِمُ بالحق ِ الْمُتَّبِعُ هَوَاهُ هُوَ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ، وَالْجَاهِلُ بِالْحَقِّ هُوَ الضَّالُّ، وَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَالٌّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ تَارِكَ الْعَمَلِ بِالْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ أَوْلَى بِوَصْفِ الْغَضَبِ ، وَمِنْ هُنَا كَانَ الْيَهُودُ أَحَقَّ بِهِ، ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90] وَالْجَاهِلُ بِالْحَقِّ أَحَقُّ بِاسْمِ الضَّلَالِ، وَمِنْ هُنَا وُصِفَتِ النَّصَارَى بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حَبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» . فَفِي ذِكْرِ هذه الاصناف مَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، لِأَنَّ انْقِسَامَ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ الْمَشْهُودُ، وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إِنَّمَا أَوْجَبَهَا ثُبُوتُ الرِّسَالَةِ.
اوجه بلاغة فِي ذِكْرِ السَّبَبِ وَالْجَزَاءِ لِلطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ بِأَوْجَزِ لَفْظٍ و، فَإِنَّ الْإِنْعَامَ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ إِنْعَامَهُ بِالْهِدَايَةِ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، ، وَيَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْإِنْعَامِ بِحُسْنِ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ، فَهَذَا تَمَامُ النِّعْمَةِ، وَلَفْظُ " {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} " يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَيْنِ.وَذِكْرُ غَضَبِهِ عَلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ: الْجَزَاءُ بِالْغَضَبِ الَّذِي مُوجَبُهُ غَايَةُ الْعَذَابِ وَالْهَوَانِ، وَالسَّبَبُ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ غَضَبَهُ لتركهم الطريق المستقيم ، ونسب الانعام الى لله فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ، لما فيه من إِكْرَامِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَالْإِشَادَةِ بِذِكْرِهِ، وَرَفْعِ قَدْرِهِ و اضمر فى المغضوب عليهم لما فيه مِنَ الْإِشْعَارِ ، َتحْقِيرِهِ شانهم،. وَتَأَمَّلِ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالنِّعْمَةِ، وَالْغَضَبِ وَالضَّلَالِ، ( قلت علامات واضحه للصراط المستقيم وبالمقابل السبل المعوجه وصفا ت السائرون على كل طريق والنهاية التى يصلون اليها ) وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، يَقْرِنُ بَيْنَ الضَّلَالِ وَالشَّقَاءِ، وَبَيْنَ الْهُدَى وَالْفَلَاحِ، وهذا مثل قَوْلِهِ تعالى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123] فَهَذَا الْهُدَى وَالسَّعَادَةُ، ثُمَّ قَالَ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124] فَذَكَرَ الضَّلَالَ وَالشَّقَاءَ. فَالْهُدَى وَالسَّعَادَةُ مُتَلَازِمَانِ، وَالضَّلَالُ وَالشَّقَاءُ مُتَلَازِمَانِ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] » وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، ، ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41] قَالَ الْحَسَنُ: صِرَاطٌ مُوَّصِلٌ إِلَيَّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ،
قِيلَ: استخدام "عَلَى " نفيد ان مَنِ اسْتَقَامَ عَلَى صِرَاطِ الله المستقيم ِ فَهُوَ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، وتشير الى اسْتِعْلَائِهِ وَعُلُوِّهِ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى، مَعَ ثَبَاتِهِ عَلَيْهِ، ، وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّلَالِ وَالرَّيْبِ، فَإِنَّهُ يُؤْتَى فِيهِ بِأَدَاةِ " فِي " الدَّالَّةِ عَلَى انْغِمَاسِ صَاحِبِهِ، فِيهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {.وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] فَإِنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ تَأْخُذُ عُلُوًّا صَاعِدَةً بِصَاحِبِهَا إِلَى الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، وَطَرِيقَ الضَّلَالِ تَأْخُذُ سُفْلًا، هَاوِيَةً بِسَالِكِهَا فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ.
المراجع
[TABLE="align: right"]
[TR]
[TD]المصباح المنير فى تهذيب تفسير بن كثير[/TD]
[TD]روح البيان : إسماعيل حقي بن الإستانبولي (المتوفى: 1127هـ) دار الفكر – بيروت[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD]فتح القدير للشوكانى[/TD]
[TD]مدارج السالكين لابن القيم [/TD]
[/TR]
[/TABLE]
تعقيب هام : حاولت الاختصار ليكون ميسرا ، فان كان هناك خطا فهو منى ومن الشيطان ، وارحب بالنقد والتصحيح و المقصد هو تبسيط تراث السلف للعامه فى ما يجب معرفته من دلائل التوحيد وغيره من امور الدين واهيب بالمتخصصين جعل جزء من عملهم فى هذا الاتجاه بدلا من الجدال فى دقائق المسائل ، او زغل العلم كما قال الذهبى رحمه الله ، وقد ارسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس كافه ، والبيان الواضح هُوَ الَّذِي بُعِثَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَجُعِلَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ، ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4] فَالرُّسُلُ تُبَيِّنُ، وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِعِزَّتِهِ و َحِكْمَتِهِ." والبيان كما يقول شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله هو تَبْيِينُ الْحَقِّ وَتَمْيِيزُهُ مِنَ الْبَاطِلِ بِأَدِلَّتِهِ وَشَوَاهِدِهِ ، بِحَيْثُ يَصِيرُ مَشْهُودًا ، كَشُهُودِ الْعَيْنِ لِلْمَرْئِيَّاتِ . (انتهى ) واهيب بكل من يتصدى للدعوه ان يكون اعتماده على كتاب الله وسنة رسول الله بفهم سلف الامه ، والتركيز على امور العقيده ، وترك الخلاف ما امكن . والسعى الى تحريك همة كل مسلم ليبذل جهده للعمل للدين وفق ضوابط صحيحه ومنهج سليم . 18 جمادى الثانى 1437 جده المملكة العربيه السعوديه .