البيان بفوائد حديث : " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ "

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
البيان بفوائد حديث : " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ "

البيان بفوائد حديث : " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ "

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e : " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " .
التخريج : رواه ابن ماجة عن ابن عباس ( 2045 ) ، ورواه ( 2043 ) عن أبي ذر بلفظ : " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي : الْخَطَأَ ، وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " . وحديث ابن عباس رواه ابن حبان ( 7219 ) ، والطبراني في الكبير : 11 / 133 ( 11274 ) ، والأوسط ( 8273 ) ، والصغير ( 765 ) ، ورواه الطحاوي فيشرحمعانيالآثار:3/ 95 ، والدارقطني ( 4306 ) ، والحاكم : 2 / 198 ، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي . وقال ابن حجر في الفتح : 5 / 161 ؛ ورجاله ثقات إلا أنه أعل بعلة غير قادحة ، فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عنه ، وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بين عطاء وابن عباس أخرجه الدارقطني والحاكم والطبراني .ا.هـ .
قال مقيده عفا الله عنه : وللحديث شواهد كثيرة عن أبي هريرة وابن عمر وأبي ذر وعقبة وابن عمرو وأبي بكرة ، وإن كانت لا تخلو من مقال ، لكن الحديث بمجموعها صحيح بلا ريب .

هَذَا حَدِيث جَلِيل ، قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْف الْإِسْلَام ، لِأَنَّ الْفِعْل إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا ؛ الثَّانِي : مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ ، فَهَذَا الْقِسْم مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْم ، أَوْ الْحُكْم ، أَوْ هُمَا مَعًا ؟ وَظَاهِر الْحَدِيث الْأَخِير ، وَمَاخَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيل مُنْفَصِل ([1])؛ قال ابن رجب - رحمه الله : والأظهر - والله أعلم - أنَّ الناسي والمخطئ إنَّما عُفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما ؛ لأنَّ الإثم مرتَّبٌ على المقاصد والنيَّات ، والناسي والمخطئ لا قصدَ لهما ، فلا إثم عليهما ، وأمَّا رفعُ الأحكام عنهما ، فليس مرادًا منْ هذه النصوص ، فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليلٍ آخر ( [2] ) .
وقولهe:" تَجَاوَزَ لِي " أي : عفا ورفع ؛" عَنْ أُمَّتِي " قال العلماء : أمَّةُ محمد e أمَّتان : أمَّة دعوة ، وأمَّة إجابة ، فأمَّة الدعوة هم كلُّ إنسيٍّ وجنيٍّ من حين بعثته e وإلى قيام الساعة ، وأمَّة الإجابة هم الذين وفَّقهم الله للدخول في دينه الحنيف وصاروا من المسلمين ، والمراد من الأمَّة في هذا الحديث أمَّة الإجابة ، ومن أمثلة أمَّة الدعوة قوله e : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " ( [3] ) .
وهذه الثلاثة بيَّن النبي e أن الله تجاوز لأمته عنها ؛ وقد دل على ذلك القرآن العظيم ، قال الله تعالى :] رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[[البقرة:286]،فقال الله U : " قَدْ فَعَلْتُ " ( [4] ) ، وقال الله تعالى : ] وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [ [ الأحزاب : 5 ] ، وقال تعالى : ] مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ [ النحل106 ] .
وأمَّا ما أتلفه لغيره فهو مضمون ، كالقتل خطأ تجب فيه الدية مع الكفارة ، وإذا أُكره على الزنا أو قَتْل معصوم فلا يجوز له ذلك ؛ فلا يستبقي حياته بقتل غيره . قال ابن رجب - رحمه الله : في حكم المكره ، وهو نوعان : أحدهما : من لا اختيارَ له بالكلِّيَّة ، ولا قُدرةَ له على الامتناع ، كمن حُمِلَ كَرْهاً وأدخل إلى مكانٍ حلف على الامتناع من دخوله ، أو حُمِل كَرْهاً ، وضُرب به غيرُه حتّى مات ذلك الغيرُ ، ولا قُدرة له على الامتناع ، أو أُضْجعت ، ثم زُنِي بها من غيرِ قُدرةٍ لها على الامتناع ، فهذا لا إثم عليه بالاتفاق ، ولا يترتَّب عليه حِنْثٌ في يمينه عند جمهور العلماء ؛ وروي عن الأوزاعي في امرأة حلفت على شيء ، وأحنثها زوجُها كُرهًا أنَّ كفارَتها عليه ، وعن أحمد روايةٌ كذلك ، فيما إذا وطئ امرأتهُ مُكرهةً في صِيامها أو إحرامها أنَّ كفارتها عليه ؛ والمشهور عنه أنَّه يفسدُ بذلك صومها وحجُّها .
والنوع الثاني : من أُكره بضربٍ أو غيره حتَّى فعل ، فهذا الفعلُ يتعلق به التَّكليفُ ، فإنَّه يمكنه أنْ لا يفعل فهو مختارٌ للفعل ، لكن ليس غرضُه نفسَ الفعل ، بل دفع الضَّرر عنه ، فهو مختارٌ مِنْ وجه ، غيرُ مختارٍ من وجهٍ ، ولهذا اختلف الناسُ : هل هو مكلَّفٌ أم لا ؟
واتفق العلماءُ على أنّه لو أُكرِه على قتل معصومٍ لم يُبَحْ لهُ أن يقتُله ، فإنَّه إنَّما يقتُله باختياره افتداءً لنفسه من القتل ، هذا إجماعٌ مِنَ العلماء المعتدِّ بهم ؛ فإذا قتله في هذه الحال ، فالجمهور على أنَّهما يشتركان في وجوب القَوَدِ : المكرهِ والمكرَه ؟ لاشتراكهما في القتل ، وهو قول مالك والشافعي في المشهور وأحمد ، وقيل : يجب على المكرِه وحده ؛ لأنَّ المكرَه صارَ كالآلة ، وهو قولُ أبي حنيفة وأحدُ قولي الشَّافعيِّ .
وأما الإكراه على الأقوال ، فاتَّفق العلماء على صحته ، وأنَّ من أُكره على قولٍ محرَّم إكراهًا معتبرًا أنَّ لهُ أنْ يفتديَ نفسه به ، ولا إثمَ عليهِ ، وقد دلَّ عليهِ قولُ الله تعالى : ] إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ[ ؛ وقال النَّبيُّ e لعمار : " إِنْ عَادُوا فَعُدْ " ( [5] ) . وكان المشركون قد عذَّبوه حتَّى يوافقهُم على ما يُريدونه من الكفر ، ففعل ( [6] ) .

ما يستفاد من الحديث

1 - سعة رحمة الله U ، وأن رحمته سبقت غضبه ،حيث رفع عنهم الإثم في هذه الثلاثة .
2 - ظاهر قوله : " أُمَّتِي " يدل على أن ذلك من خصائص هذه الأمة المحمدية ، وفيه بيان شرف هذه الأمة على غيرها.
3 - أن الإنسان إذا فعل الشيء خطأ أو نسيانًا فإنه لا يؤاخذ عليه ، ولكن إن كان محرَّمًا فإنه لا يترتب عليه إثم ولا كفارة ، ولا فساد عبادة وقع فيها ؛ وأما إن كان ترك واجب فإنه يرتفع عنه الإثم ، ولكن لا بد من تدارك الواجب ؛ كمن نسيَ الوضوء ، وصلَّى ظانًّا أنَّه متطهِّرٌ ، فلا إثم عليه بذلك ، ثم إنْ تبيَّنَ له أنَّه كان قد صلَّى محدِثًا فإنَّ عليه الإعادة ، ولو ترك الصلاة نسيانًا ، ثم ذكر ، فإنَّ عليه القضاء ؛ ولو قتل مؤمنًا خطأً ، فإنَّ عليه الكفَّارةَ والدِّيَة بنصِّ الكتاب ، وكذا لو أتلف مالَ غيره خطأً يظنُّه أنَّه مالُ نفسه .
4 - النسيان من صفات الإنسان ؛ قيل : ما سمي إنسانًا إلا من نسيانه .
5 - أن من أكره على شيء قولي أو فعلي فإنه لا يؤاخذ به ، وهذا عام ، سواء كان الإكراه على فعل أو على قول ، ولا دليل لمن فرق بين الإكراه على الفعل والإكراه على القول ، ولكن إذا كان الإكراه في حق آدمي فإنه يعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية ، مثل : أن يكره شخصًا على قتل شخص آخر ، فإنه يقتل المكرِه والمكرَه ، لأن الإكراه لا يبيح قتل الغير ، إذ لا يجوز للإنسان أن يستبقي حياته بإتلاف غيره .
6 - فيه بيان يسر الشريعة الإسلامية .
هذا ؛ والعلم عند اَللَّه تعالى .

[1] - انظر فتح الباري : 5 / 161 .

[2] - انظر جامع العلوم والحكم ، حديث ( 39 ) .

[3] - رواه مسلم ( 153 ) عن أبي هريرة t .

[4] - جزء من حديث رواه أحمد : 1 / 233 ، 332 ، ومسلم ( 126 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما .

[5] - رواه ابن جرير : 14 / 122 ، والبيهقي في الكبرى ( 17370 ) ، وابن سعد : 3 / 249 ، وأبو نعيم في الحلية : 1 / 140 ، والحاكم : 2 / 357 ، وصححه على شرطيهما ووافقه الذهبي . قلت : وهو مرسل ؛ ولكن له ما يعتضد به .

[6] - انظر جامع العلوم والحكم ، حديث ( 39 ) بشيء من الاختصار .
 
عودة
أعلى