أيمن أبومصطفى
New member
بسم1
البلاغة والإعجاز
د.أيمن أبومصطفى
إن الناظر في تراث العرب البلاغي يرى أن هناك علاقة وثيقة بين البلاغة والإعجاز القرآني ، فقد نظر وبحث المفسرون والبلاغيون حول لغة القرآن ، محاولين أن يقفوا على مطارح الجمال في النص القرآني ، وقد أشار إلى ذلك الشيخ أمين الخولي حيث ذكر أن " النظرة البلاغية هي النظرة الأدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في الأسلوب القرآني، وتستبين معارف هذا الجمال، وتستجلي قسماته في ذوق بارع ، قد استشف خصائص التراكيب العربية منضما إلى تلك التأملات العميقة في التراكيب والأساليب القرآنية لمعرفة مزاياها الخاصة بها بين آثار العربية، بل لمعرفة فنون القول القرآني وموضوعاته فناً فناً، وموضوعاً موضوعاً، معرفة تبين خصائص القرآن في كل فن منها، ومزاياه التي تجلو جماله " [1].
فالقرآن الكريم نزل بلغة العرب "إنا أنزلناه قرآنا عربيا" ولذا فقد بحث المفسرون والبلاغيون في القرآن متخذين اللغة العربية منارا وهاديا ، وهذا الكشف عن هذا الجمال لاينفصل عن لغة العرب وأعرافها في التعبير ، فالقرآن جاء موافقا لسنن العرب في التعبير ، وقد أشار إلى ذلك الباقلاني حيث أكد على أن " الذي ينقسم عليه الخطاب من البسط والاقتصار والجمع والتفريق والاستعارة والتصريح والتحقيق ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم موجود في القرآن "[2]
وإلى مثل هذا ذهب القاضي عبد الجبار في تعليله للبدء بالأحرف المقطعة ، حيث ذهب إلى أن الله افتتح بعض السور بالحروف المقطعة ليبين أن " كتابه المنزل مركب من هذه الحروف وأنه ليس بخارج عن هذا الجنس المعقول " [3] .وكأن أبا عبيدة في ( مجاز القرآن )ما جاء إلا ليقرر حقيقة مفادها " إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم "[4] .
وقد عاب ابن جني في ( باب ما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية ) من كتاب الخصائص على الذين لا يفسرون آيات الله بما يوجبه كلام العرب " ولو كان لهم أنس بهذه اللغة الشريفة أو تصرف فيها أو مزاولة لها لحمتهم السعادة بها وما أصارتهم الشقوة إليه بالبعد عنها "[5].
كذلك يعلن القاضي عبد الجبار المعتزلي " طريقتنا في سائر المتشابه أنه لابد من أن يكون له تأويل صحيح، يخرج على مذهب العرب من غير تكلف وتعسف"[6].
ومنذ نشأة علم أصول الفقه والشافعي يقول " فإنما يخاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشىء منه عاماً ظاهراً يراد به العام الظاهر، وعاماً ظاهراً يراد به الخاص، أو ظاهراً يعرف في سياقه أنه أراد به غير ظاهره، وتبتدي الشىء من كلامها يبين أول لفظها عن آخره "[7].
وقد تنبه الشوكاني إلى ضرورة موافقة التفسير لأصول اللسان العربي بقوله عن شروط التأويل " الأول : أن يكون موافقاً لوضع اللغة أو عرف الاستعمال "[8] .
وينص السرخسي على وجوب حمل الألفاظ على المعاني البلاغية وفق ما تعرفه العرب " وإنما طريق معرفة المجاز الوقوف على مذهب العرب في الاستعارة "[9] .
فلعلوم البلاغة في خدمة القرآن الكريم دور واضح في إظهار مايتمتع به القرآن الكريم من خصائص بلاغية فائقة سواء أكان في مجال اللفظ أو التركيب أوالصورة البيانية.
وقد ربط العلماء بين البلاغة والإعجاز ، فالبلاغة ما هي –عند بعضهم- إلا سبيلا لبيان مناط الإعجاز،
يقول يحيى بن حمزة العلوي في كتابه ذي العنوان الدال على دور البلاغة عنده ( الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز) " فإن العلوم الأدبية وإن عظم في الشرف شأنها، وعلا في أوج الشمس قدرها ومكانها ، خلا أن علم البيان هو أمير جنودها، وواسطة عقودها، فلكها المحيط الدائر ، وقمرها السامر الزاهر، وهو أبو عذرتها، وإنسان مقلتها، وشعلة مصباحها، وياقوتة وشاحها، ولولاه لم تر لسانا يحوك الوشي من حلل الكلام، وينفث السحر مفتر الأكمام ، وكيف لا وهو المطلع على أسرار الإعجاز "[10] .
بل إنه يعرف علم البلاغة بأنه " العلم الذي يمكن معه الوقوف على معرفة أحوال الإعجاز "[11]
ويقول محمد بن علي الجرجاني (ت 729هـ ) : " فإن علم البلاغة علم شريف عظيم الشأن ، لكونها كمال الإنسان وأصل البيان ، لأن أحكام الشرع تتوقف على صدق السنة والقرآن ، وصدق القرآن يتوقف على أنه منزل من عند الرحمن، وذلك يتوقف على غير مقدور للبشر للبلاغة والبيان، وإلا لوجد مثله قبل التحدي أو بعده في بعض الأزمان، ولو صرفهم الله عن المعارضة لتعجبوا من العجز بعد قدرتهم على الإتيان "[12]
ويبدو أن هذا المفهوم لدور البلاغة كان مستقرا حتى إن ابن خلدون ( ت 808هـ ) يذكر في معرض تأريخه للعلوم العربية أن " ثمرة هذا الفن إنما هي في فهم الإعجاز من القرآن "[13].
وقد استمر هذا المفهوم لدور البلاغة عند البلاغيين المحدثين فيذكر المراغي أن البلاغة " بها نعرف وجه إعجاز القرآن، وندرك ما فيه من خصائص البيان، ونفهم براعة أسلوبه، وانسجام تأليفه، وسهولة نظمه وسلامته وعذوبته وجزالته "[14] .
لم يخل تماما كلام البلاغيين من اعتبار الدور البلاغي في عملية فهم القرآن فقد ذكر السكاكي (ت 626هـ ) بعد تعريفه لعلمي المعاني والبيان " أن الواقف على تمام مراد الحكيم ـ تعالى وتقدس ـ من كلامه ، مفتقر إلى هذين العلمين كل الافتقار ، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل "[15]
يتضح مما سبق أن للبلاغة دورا في استنباط معاني القرآن الكريم، ومن ثم أرجع البلاغيون والمفسرون إعجاز القرآن إلى لغته وبلاغته ،فقضية إعجاز القرآن عندهم يتوقف إثبات صدق النبوة فيهاعلى إثبات إعجاز القرآن، ولهذا خاطب القرآن الشاكين في صحة الرسالة بأن تحداهم بالإتيان بمثل القرآن
فإثبات إعجاز القرآن متصل بإثبات الدين كله، وقد كان من الواضح أن مناط الإعجاز يكمن في تلك البلاغة القرآنية التي فاقت كل بلاغة، وعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثلها ، ومن ثم فقد سعى المفسرون والبلاغيون إلى تقديم (دلائل الإعجاز) من خلال إبراز مميزات البلاغة القرآنية وخصائصها، وكشف (أسرار البلاغة) القرآنية التي ميزتها عن بلاغة البشر .
وكان هذان الهدفان عنوني كتابين من أهم كتب البلاغة في العربية "دلائل الإعجاز"و"أسرار البلاغة "لعبد القاهر الجرجاني.
البلاغة والإعجاز
د.أيمن أبومصطفى
إن الناظر في تراث العرب البلاغي يرى أن هناك علاقة وثيقة بين البلاغة والإعجاز القرآني ، فقد نظر وبحث المفسرون والبلاغيون حول لغة القرآن ، محاولين أن يقفوا على مطارح الجمال في النص القرآني ، وقد أشار إلى ذلك الشيخ أمين الخولي حيث ذكر أن " النظرة البلاغية هي النظرة الأدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في الأسلوب القرآني، وتستبين معارف هذا الجمال، وتستجلي قسماته في ذوق بارع ، قد استشف خصائص التراكيب العربية منضما إلى تلك التأملات العميقة في التراكيب والأساليب القرآنية لمعرفة مزاياها الخاصة بها بين آثار العربية، بل لمعرفة فنون القول القرآني وموضوعاته فناً فناً، وموضوعاً موضوعاً، معرفة تبين خصائص القرآن في كل فن منها، ومزاياه التي تجلو جماله " [1].
فالقرآن الكريم نزل بلغة العرب "إنا أنزلناه قرآنا عربيا" ولذا فقد بحث المفسرون والبلاغيون في القرآن متخذين اللغة العربية منارا وهاديا ، وهذا الكشف عن هذا الجمال لاينفصل عن لغة العرب وأعرافها في التعبير ، فالقرآن جاء موافقا لسنن العرب في التعبير ، وقد أشار إلى ذلك الباقلاني حيث أكد على أن " الذي ينقسم عليه الخطاب من البسط والاقتصار والجمع والتفريق والاستعارة والتصريح والتحقيق ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم موجود في القرآن "[2]
وإلى مثل هذا ذهب القاضي عبد الجبار في تعليله للبدء بالأحرف المقطعة ، حيث ذهب إلى أن الله افتتح بعض السور بالحروف المقطعة ليبين أن " كتابه المنزل مركب من هذه الحروف وأنه ليس بخارج عن هذا الجنس المعقول " [3] .وكأن أبا عبيدة في ( مجاز القرآن )ما جاء إلا ليقرر حقيقة مفادها " إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم "[4] .
وقد عاب ابن جني في ( باب ما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية ) من كتاب الخصائص على الذين لا يفسرون آيات الله بما يوجبه كلام العرب " ولو كان لهم أنس بهذه اللغة الشريفة أو تصرف فيها أو مزاولة لها لحمتهم السعادة بها وما أصارتهم الشقوة إليه بالبعد عنها "[5].
كذلك يعلن القاضي عبد الجبار المعتزلي " طريقتنا في سائر المتشابه أنه لابد من أن يكون له تأويل صحيح، يخرج على مذهب العرب من غير تكلف وتعسف"[6].
ومنذ نشأة علم أصول الفقه والشافعي يقول " فإنما يخاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشىء منه عاماً ظاهراً يراد به العام الظاهر، وعاماً ظاهراً يراد به الخاص، أو ظاهراً يعرف في سياقه أنه أراد به غير ظاهره، وتبتدي الشىء من كلامها يبين أول لفظها عن آخره "[7].
وقد تنبه الشوكاني إلى ضرورة موافقة التفسير لأصول اللسان العربي بقوله عن شروط التأويل " الأول : أن يكون موافقاً لوضع اللغة أو عرف الاستعمال "[8] .
وينص السرخسي على وجوب حمل الألفاظ على المعاني البلاغية وفق ما تعرفه العرب " وإنما طريق معرفة المجاز الوقوف على مذهب العرب في الاستعارة "[9] .
فلعلوم البلاغة في خدمة القرآن الكريم دور واضح في إظهار مايتمتع به القرآن الكريم من خصائص بلاغية فائقة سواء أكان في مجال اللفظ أو التركيب أوالصورة البيانية.
وقد ربط العلماء بين البلاغة والإعجاز ، فالبلاغة ما هي –عند بعضهم- إلا سبيلا لبيان مناط الإعجاز،
يقول يحيى بن حمزة العلوي في كتابه ذي العنوان الدال على دور البلاغة عنده ( الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز) " فإن العلوم الأدبية وإن عظم في الشرف شأنها، وعلا في أوج الشمس قدرها ومكانها ، خلا أن علم البيان هو أمير جنودها، وواسطة عقودها، فلكها المحيط الدائر ، وقمرها السامر الزاهر، وهو أبو عذرتها، وإنسان مقلتها، وشعلة مصباحها، وياقوتة وشاحها، ولولاه لم تر لسانا يحوك الوشي من حلل الكلام، وينفث السحر مفتر الأكمام ، وكيف لا وهو المطلع على أسرار الإعجاز "[10] .
بل إنه يعرف علم البلاغة بأنه " العلم الذي يمكن معه الوقوف على معرفة أحوال الإعجاز "[11]
ويقول محمد بن علي الجرجاني (ت 729هـ ) : " فإن علم البلاغة علم شريف عظيم الشأن ، لكونها كمال الإنسان وأصل البيان ، لأن أحكام الشرع تتوقف على صدق السنة والقرآن ، وصدق القرآن يتوقف على أنه منزل من عند الرحمن، وذلك يتوقف على غير مقدور للبشر للبلاغة والبيان، وإلا لوجد مثله قبل التحدي أو بعده في بعض الأزمان، ولو صرفهم الله عن المعارضة لتعجبوا من العجز بعد قدرتهم على الإتيان "[12]
ويبدو أن هذا المفهوم لدور البلاغة كان مستقرا حتى إن ابن خلدون ( ت 808هـ ) يذكر في معرض تأريخه للعلوم العربية أن " ثمرة هذا الفن إنما هي في فهم الإعجاز من القرآن "[13].
وقد استمر هذا المفهوم لدور البلاغة عند البلاغيين المحدثين فيذكر المراغي أن البلاغة " بها نعرف وجه إعجاز القرآن، وندرك ما فيه من خصائص البيان، ونفهم براعة أسلوبه، وانسجام تأليفه، وسهولة نظمه وسلامته وعذوبته وجزالته "[14] .
لم يخل تماما كلام البلاغيين من اعتبار الدور البلاغي في عملية فهم القرآن فقد ذكر السكاكي (ت 626هـ ) بعد تعريفه لعلمي المعاني والبيان " أن الواقف على تمام مراد الحكيم ـ تعالى وتقدس ـ من كلامه ، مفتقر إلى هذين العلمين كل الافتقار ، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل "[15]
يتضح مما سبق أن للبلاغة دورا في استنباط معاني القرآن الكريم، ومن ثم أرجع البلاغيون والمفسرون إعجاز القرآن إلى لغته وبلاغته ،فقضية إعجاز القرآن عندهم يتوقف إثبات صدق النبوة فيهاعلى إثبات إعجاز القرآن، ولهذا خاطب القرآن الشاكين في صحة الرسالة بأن تحداهم بالإتيان بمثل القرآن
فإثبات إعجاز القرآن متصل بإثبات الدين كله، وقد كان من الواضح أن مناط الإعجاز يكمن في تلك البلاغة القرآنية التي فاقت كل بلاغة، وعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثلها ، ومن ثم فقد سعى المفسرون والبلاغيون إلى تقديم (دلائل الإعجاز) من خلال إبراز مميزات البلاغة القرآنية وخصائصها، وكشف (أسرار البلاغة) القرآنية التي ميزتها عن بلاغة البشر .
وكان هذان الهدفان عنوني كتابين من أهم كتب البلاغة في العربية "دلائل الإعجاز"و"أسرار البلاغة "لعبد القاهر الجرجاني.