البلاغة عند المفسرين من إبراز الصنعة إلى بيان المعنى وتمكينه

توفيق علي

New member
إنضم
23/05/2010
المشاركات
14
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم
عرَّف العلماء التفسير بأنه : بيان معاني القرآن الكريم.
وعرّفَ العسكري-رحمه الله - البلاغة بقوله :" : كل ما تُبَلِّغ به المعنى قلب السامع، فتمكّنه في نفسه كتمكّنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن".
وقال أحمد حسن الزيات : البلاغة : بمعناها الشامل هي ملكة يؤثر بها صاحبها في عقول الناس وقلوبهم .
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل استطاع المفسرون البلاغيون بيان وإيصال معاني القرآن الكريم في عقول قراء التفاسير وقلوبهم ؟ أم سيطرت عليهم الصنعة البلاغية على بيان وإيصال المعنى؟
لقد لاحظت أن بعض المفسرين، وكذلك طلاب العلم الذين تحدثوا في رسائلهم العلمية عن الجهود البلاغية لمفسر من المفسرين على إبراز للصنعة البلاغية عند المفسر ولم يتطرقوا لقدرة المفسر البلاغي على بيان المعنى وتمكينه.
مثال : تحدث العلامة السيوطي في رسالتها المعنونة (فتح الجليل للعبد الذليل ) رسالة في قوله تعالى (الله ولي الذين آمنوا ) استخرج منها (120) نوعا من أنواع البديع.
ولم يتطرق لبيان المعنى وإيصاله .
فهل البلاغة وسيلة أم غاية ؟
وهل وُجِدَ من المفسرين من حقق غرض البلاغة من : بيان معاني القرآن ووتمكينهافي عقول القراء وقلوبهم.
هذا الموضوع أحب إثارته؛ للاستفادة من علم أهل الملتقى؛ لأنه شغلني كثيراً.




[1]) كتاب الصناعتين للعسكري ، تحقيق ابراهيم البجّاوي ، ص 12.
 
السلام عليكم ورحمة الله -
هذا كلامٌ حسنٌ -والسؤالُ زاده حُسنا-
قالَ صاحبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
كَانَ مِنْ سُوءِ حَظِّ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا كُتِبَ فِي التَّفْسِيرِ يَشْغَلُ قَارِئَهُ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْعَالِيَةِ، وَالْهِدَايَةِ السَّامِيَةِ، فَمِنْهَا مَا يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ بِمَبَاحِثِ الْإِعْرَابِ وَقَوَاعِدِ النَّحْوِ، وَنُكَتِ الْمَعَانِي وَمُصْطَلَحَاتِ الْبَيَانِ، وَمِنْهَا مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ بِجَدَلِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَتَخْرِيجَاتِ الْأُصُولِيِّينَ، وَاسْتِنْبَاطَاتِ الْفُقَهَاءِ الْمُقَلِّدِينَ، وَتَأْوِيلَاتِ الْمُتَصَوِّفِينَ، وَتَعَصُّبِ الْفِرَقِ وَالْمَذَاهِبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَبَعْضُهَا يَلْفِتُهُ عَنْهُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ، وَمَا مُزِجَتْ بِهِ مِنْ خُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَقَدْ زَادَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ صَارِفًا آخَرَ عَنِ الْقُرْآنِ هُوَ مَا يُورِدُهُ فِي تَفْسِيرِهِ مِنَ الْعُلُومِ الرِّيَاضِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ الْحَادِثَةِ فِي الْمِلَّةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ، كَالْهَيْئَةِ الْفَلَكِيَّةِ الْيُونَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَقَلَّدَهُ بَعْضُ الْمُعَاصِرِينَ بِإِيرَادِ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ هَذَا الْعَصْرِ وَفُنُونِهِ الْكَثِيرَةِ الْوَاسِعَةِ، فَهُوَ يَذْكُرُ فِيمَا يُسَمِّيهِ تَفْسِيرَ الْآيَةِ فُصُولًا طَوِيلَةً بِمُنَاسَبَةِ كَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ عُلُومِ الْفَلَكِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، تَصُدُّ قَارِئَهَا عَمَّا أَنْزَلَ اللهُ لِأَجْلِهِ الْقُرْآنَ .
نَعَمْ إِنَّ أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ مِنْ وَسَائِلِ فَهْمِ الْقُرْآنِ، فُنُونُ الْعَرَبِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَاصْطِلَاحَاتُ الْأُصُولِ وَقَوَاعِدُهُ الْخَاصَّةُ بِالْقُرْآنِ ضَرُورِيَّةٌ أَيْضًا، كَقَوَاعِدِ النَّحْوِ وَالْمَعَانِي، وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْكَوْنِ وَسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِيهِ - كُلُّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمَأْثُورَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَعُلَمَاءِ التَّابِعِينَ فِي التَّفْسِيرِ فَمِنْهَا مَا هُوَ ضَرُورِيٌّ أَيْضًا لِأَنَّ مَا صَحَّ مِنَ الْمَرْفُوعِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَلِيهِ مَا صَحَّ عَنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ أَوْ عَمَلِ عَصْرِهِمْ، وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا وَذَاكَ قَلِيلٌ.
وفي ظني أن من التفاسير التي وفق اللهُ أصحابها في هذه المسألة من التفاسير الحديثة - هو تفسير الطاهر بن عاشور رحمه الله - فلقد استفاد كثيرا ممن سبقه -وزاد - حيث ظل في تفسيره حوالي أربعين عاما.
ولو كتبَ اللهُ للشيخ محمد رشيد رضا بقاءً لكان له السبقُ فيما ذكرت.
وحقيقةُ الأمرِ أن الفضلَ كلَّه لله ولرسوله أولا - ثم للصحابة والتابعين وأصحابِ التفاسير الطيبة كالطبري وابن عطية والقرطبي والبغوي وابن كثير-فلولا هؤلاء وغيرهم ما انفتحَ البابُ للمعاصرينَ.ولن يجعلَ الله الأمرَ كلَّه مقصورا على شخصٍ أو زمانٍ بعينه .
 
الأستاذ/ بشير عبد العال شكر الله لك مشاركتك.
لو أتيت لنا بأمثلة تطبيقية من مسالك المفسرين اللغويين في بيان المعنى وتمكينه في عقل القارئ وقلبه.
 
هذا إن شاء الله أمر يسير لكنه يحتاج إلى وقت - ولنبدأ في ذلك قريبا جدا- وليكن اليوم إن شاء الله :
 
عودة
أعلى