البرهان الجلي في ترجيح القراءات عند الطبري

إنضم
01/02/2006
المشاركات
25
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
البرهان الجلي في ترجيح القراءات عند الطبري
لقد حاولت جاهدةً تقصي الحقيقة في ترجيح إمام المفسرين ابن جرير الطبري للقراءات المتواترة في تفسيره، فوجدت أنها حسب إطلاعي تدور حول أربع حالات وهي كما يلي:
الحالة الأولى: ما صرح ابن جرير رحمه الله فيها بصحة القراءات الواردة في الآية دون ترجيح منه لقراءة على أخرى: وهو ما كانت القراءات فيه مختلفة ألفاظها، متقاربة معانيها بلغات مشهورات في العرب، وقراءات مستفيضات في الأمصار.
مثال ذلك: ما جاء في تفسيره لقوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} . قال ابن جرير رحمه الله: واختلفت القراء في قراءة قوله: {ْ وَلَمْ يَقْتُرُوا} فقرأته عامة قراء المدينة (ولم يقتروا) بضم الياء وكسر التاء من أقتر يقتر. وقرأته عامة قراء الكوفيين (ولم يقتروا) بفتح الياء وضم التاء من قتر يقتر. وقرأته عامة قراء البصرة (ولم يقتروا) بفتح الياء وكسر التاء من قتر يقتر.
والصواب من القول في ذلك أن كل هذه القراءات على اختلاف ألفاظها لغات مشهورات في العرب، وقراءات مستفيضات، وفي قراء الأمصار بمعنى واحد فبأيتها قرأ القارئ فمصيب.
مثال آخر:
قوله تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} . قال ابن جرير: واختلفت القراء في قراءة قوله { مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } فقرأته عامة قراء المدينة والشام وبعض الكوفيين (مودة) بنصب مودة بغير إضافة بينكم بنصبها، وقرأ ذلك بعض الكوفيين (مودة بينكم) بنصب المودة وإضافتها إلى قوله (بينكم) وخفض (بينكم) وكأن هؤلاء الذين قرؤوا قوله مودة نصبا، وجهوا معنى الكلام إلى إنما اتخذتم أيها القوم أوثانا مودة بينكم، فجعلوا إنما حرفا واحدا وأوقعوا قوله اتخذتم على الأوثان فنصبوها بمعنى اتخذتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا تتحابون على عبادتها وتتوادون على خدمتها فتتواصلون عليها. وقرأ ذلك بعض قراء أهل مكة والبصرة (مودة بينكم) برفع المودة وإضافتها إلى البين وخفض البين. وكأن الذين قرؤوا ذلك كذلك جعلوا إنما حرفين بتأويل إن الذين اتخذتم من دون الله أوثانا إنما هو مودتكم للدنيا فرفعوا مودة على خبر إن.
وقد يجوز أن يكونوا على قراءتهم ذلك رفعا بقوله إنما أن تكون حرفا واحدا ويكون الخبر متناهيا عند قوله (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا) ثم يبتدئ الخبر فيقال ما مودتكم تلك الأوثان بنافعتكم، إنما مودة بينكم في حياتكم الدنيا ثم هي منقطعة. وإذا أريد هذا المعنى كانت المودة مرفوعة بالصفة بقوله (في الحياة الدنيا) وقد يجوز أن يكونوا أرادوا برفع المودة رفعها على ضمير هي.
وهذه القراءات الثلاث متقاربات المعاني لأن الذين اتخذوا الأوثان آلهة يعبدونها اتخذوها مودة بينهم وكانت لهم في الحياة الدنيا مودة ثم هي عنهم منقطعة فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب لتقارب معاني ذلك وشهرة القراءة بكل واحدة منهن في قراء الأمصار.

الحالة الثانية: هو ما أختار فيها ابن جرير قراءة على أخرى مع تصريحه بصواب البقية، ثم يتبع ذلك بإيضاح سبب الاختيار الذي يتنوع بتنوع الآيات. ويكون ذلك في القراءات المختلفة لفظاً ومعناً، وغالباً ما يعبر عنها بقوله:أعجب القراءات إلينا......
مثال ذلك :قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} قال ابن جرير: واختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأ بعضهم (التي جعل الله لكم قيما) بكسر القاف وفتح الياء بغير ألف، وقرأه آخرون قياما بألف.
قال محمد والقراءة التي نختارها قياما بالألف لأنها القراءة المعروفة في قراءة أمصار الإسلام، وإن كانت الأخرى غير خطأ ولا فاسد. وإنما اخترنا ما اخترنا من ذلك لأن القراءات إذا اختلفت في الألفاظ واتفقت في المعاني فأعجبها إلينا ما كان أظهر وأشهر في قراءة أمصار الإسلام.
مثال آخر: قوله تعالى: {فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ} قال ابن جرير: واختلفت القراء في قراءة قوله (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض العراقيين بورقكم هذه بفتح الواو وكسر الراء والقاف. وقرأ عامة قراء الكوفة والبصرة (بورقكم) بسكون الراء وكسر القاف. وقرأه بعض المكيين بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف.
وكل هذه القراءات متفقات المعاني وإن اختلفت الألفاظ منها وهن لغات معروفات من كلام العرب غير أن الأصل في ذلك فتح الواو وكسر الراء والقاف لأنه الورق وما عدا ذلك فإنه داخل عليه طلب التخفيف. وفيه أيضا لغة أخرى وهو الورق كما يقال للكبد كبد. فإذا كان ذلك هو الأصل فالقراءة به إلي أعجب من غير أن تكون الأخريان مدفوعة صحتهما.
مثال آخر:
قوله تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبَ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} قال ابن جرير: اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء المدينة عالم الغيب على مثال فاعل بالرفع على الاستئناف إذ دخل بين قوله (وربي) وبين قوله (عالم الغيب) كلام حائل بينه وبينه. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة (عالم) على مثال فاعل غير أنهم خفضوا عالم ردا منهم له على قوله (وربي) إذ كان من صفته. وقرأ ذلك بقية عامة قراء الكوفة (علام الغيب) على مثال فعال وبالخفض ردا لإعرابه على إعراب قوله (وربي) إذ كان من نعته.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن كل هذه القراءات الثلاث قراءات مشهورات في قراء الأمصار متقاربات المعاني فبأيتهن قرأ القارئ فمصيب. غير أن أعجب القراءات في ذلك إلي أن أقرأ بها علام الغيب، على القراءة التي ذكرتها عن عامة قراء أهل الكوفة، فأما اختيار علام على عالم فلأنها أبلغ في المدح. وأما الخفض فيها فلأنها من نعت الرب وهو في موضع الجر.

الحالة الثالثة: ما اختاره ابن جرير من القراءات، وجعلها أولى من الأخرى، دون أن يصرح يرد أو إثبات. وهو ما كانت فيه القراءات مختلفة لفظاً ومعناً. وغالباً ما يعبر عن ذلك بقوله :وأولى القراءتين بالصواب.....
وهذه الحالة تحتاج إلى إيضاح وبيان حتى لا يتوهم أن ابن جرير قد رد بعض القراءات المتواترة،فنقول بأن هذا الترجيح ممكن أن يحمل على أن ابن جرير لم يرد القراءة لخطأ فيها أو شذوذ ولكن يختار ما كان مناسباً للتأويل الذي ذهب إليه ليتم التوافق بين القراءة والتأويل فلا يحصل للقارئ لبس عند التلاوة بهذه القراءة.
مثال ذلك:
قوله تعالى فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِين قال أبو جعفر اختلف القراء في قراءة ذلك فقرأته عامتهم فأزلهما بتشديد اللام، بمعنى استزلهما من قولك زل الرجل في دينه إذا هفا فيه وأخطأ، فأتى ما ليس له إتيانه فيه، وأزله غيره إذا سبب له ما يزل من آجله في دينه أو دنياه.
ولذلك أضاف الله تعالى ذكره إلى إبليس خروج آدم وزوجته من الجنة، فقال: فأخرجهما يعني إبليس مما كانا فيه، لأنه كان الذي سبب لهما الخطيئة التي عاقبهما الله عليها بإخراجهما من الجنة. وقرأه آخرون فأزالهما بمعنى إزالة الشيء عن الشيء وذلك تنحيته عنه .
وقد روي عن بن عباس في تأويل قوله( فأزلهما) ما حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج عن بن جريج قال ا بن عباس في تأويل قوله تعالى( فأزلهما الشيطان )قال: أغواهما .
وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ فأزلهما لأن الله جل ثناؤه قد أخبر في الحرف الذي يتلوه بأن إبليس أخرجهما مما كانا فيه، وذلك هو معنى قوله فأزالهما فلا وجه إذ كان معنى الإزالة معنى التنحية والإخراج أن يقال فأزالهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه، فيكون كقوله فأزالهما الشيطان عنها فأزالهما مما كانا فيه، ولكن المعنى المفهوم أن يقال فاستزلهما إبليس عن طاعة الله كما قال جل ثناؤه فأزلهما الشيطان، وقرأت به القراء فأخرجهما..
توجيه القراءات
قرأ حمزة فأزالهما بحذف الألف، وقرأ الباقون فأزلهما بإثبات الألف.
مثال آخر:
قال تعالى:{وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والكوفة وليقولوا درست، يعني قرأت أنت يا محمد بغير ألف .
وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين، منهم بن عباس، على اختلاف عنه فيه، وغيره، وجماعة من التابعين، وهو قراءة بعض قراء أهل البصرة، وليقولوا دارست بألف بمعنى قارأت وتعلمت من أهل الكتاب. وروى عن قتادة أنه كان يقرؤه درست بمعنى قرئت وتليت، وعن الحسن أنه كان يقرؤه درست بمعنى انمحت.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه وليقولوا درست، بتأويل قرأت وتعلمت، لأن المشركين كذلك كانوا يقولون للنبي  ،وقد أخبر الله عن قيلهم ذلك بقوله( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) فهذا خبر من الله ينبئ عنهم أنهم كانوا يقولون إنما يتعلم محمد ما يأتيكم به من غيره. فإذ كان ذلك كذلك فقراءة وليقولوا درست يا محمد بمعنى تعلمت من أهل الكتاب أشبه بالحق وأولى بالصواب من قراءة من قرأه دارست بمعنى قارأتهم وخاصمتهم وغير ذلك من القراءات.
توجيه القراءات
قرأ ابن كثير وأبو عمرو دارست بألف بعد الدال وسكون السين وفتح التاء ،وقرأ ابن عامر ويعقوب درست بغير ألف مع فتح السين وسكون التاء، وقرأ الباقون درست بغير ألف وإسكان السين وفتح التاء.
الحالة الرابعة/يصرح فيها ابن جرير برد القراءة ويعبر عنها بالشاذة،وهذه هي الحالة التي تحتاج إلى دراسة وبحث لخطورتها. وقبل ذلك نذكر الأمثلة:
قوله تعالى  فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ .قال ابن جرير رحمه الله: وقد قرأ بعضهم( فتلقى آدم من ربه كلمات) فجعل الكلمات هي المتلقية آدم، وذلك وإن كان من وجهة العربية جائزا إذ كان كل ما تلقاه الرجل فهو له متلق وما لقيه فقد لقيه فصار للمتكلم أن يوجه الفعل إلى أيهما شاء، ويخرج من الفعل أيهما أحب، فغير جائز عندي في القراءة إلا رفع آدم، على أنه المتلقي الكلمات لإجماع الحجة من القراء وأهل التأويل من علماء السلف والخلف على توجيه التلقي إلى آدم دون الكلمات، وغير جائز الاعتراض عليها فيما كانت عليه مجمعة بقول من يجوز عليه السهو والخطأ .

توجيه القراءات

قرأ ابن كثير بنصب ميم آدم ورفع تاء كلمات، وقرأ الباقون برفع ميم آدم ونصب تاء كلمات بالكسرة.
وقد رد ابن جرير قراءة النصب ولم يجوز إلا قراءة الرفع.
قال تعالى: إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق وعامة القراء( إلا أن تكون تجارة حاضرة) بالرفع، وانفرد بعض قراء الكوفيين فقرأه بالنصب. وذلك وإن كان جائزا في العربية إذ كانت العرب تنصب النكرات، والمنعوتات، مع كان وتضمر معها في كان مجهولا، فتقول: إن كان طعاما طيبا فأتنا به، وترفعها فتقول :إن كان طعام طيب فأتنا به، فتتبع النكرة خبرها بمثل إعرابها .
فإن الذي أختار من القراءة ثم لا أستجيز القراءة بغيره الرفع في التجارة الحاضرة ،لإجماع القراء على ذلك ،وشذوذ من قرأ ذلك نصبا عنهم، ولا يعترض بالشاذ على الحجة.
توجيه القراءات
قرأ عاصم تجارة حاضرة بنصب التاء فيهما، وقرأ الباقون برفع التاء فيهما.
وقد صرح ابن جرير بعدم جوازه لقراءة النصب مع أنها متواترة.ووصفها بالشاذة.فلا نستطيع في هذه الحالة أن نقول ما قلناه في الحالة السابقة،بل لابد من البيان والإيضاح.
وقبل أن نشرع في ذلك لا بد من معرفة نشأة علم القراءات ليكون لدينا تصور كامل عن المسألة.
نشأة علم القراءات:
أتى على علم القراءات حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، ثم أهل عهد التدوين للقراءات ولم يكن لهذه القراءات السبع وجود بل كان أول من صنف في القراءات أمثال أبي عبيد بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل القاضي، وقد ذكروا في القراءات شيئاً كثيراً وعرضوا روايات تربو على أضعاف قراءة هؤلاء السبعة، ثم اشتهرت بعد ذلك قراءة هؤلاء السبعة ولكنها لم تدون حتى خاتمة القرن الثالث الهجري إذ نهض ببغداد الإمام المجاهد أحمد بن موسى بن عباس فجمع قراءات هؤلاء الأئمة السبعة .
ومن المعروف لدينا أن القراءة لا تكون قرآناً إلا إذا كانت متواترة، والمعروف أيضاً عند المحققين أن القراءات العشرة الذائعة في هذه العصور متواترة.
وقبل أن تذاع هذه القراءات بين الناس ويحكم بتواترها كانت بعض هذه القراءات متواترة عند قوم وغير متواترة عند آخرين، كما رد الشافعي رواية مالك مع صحتها لمخالفتها ما تواتر عنده، حيث أن التواتر هو رواية الجمع عن الجمع، وأحياناً لا يكون متوفراً في هذا المصر الجمع الغفير الذي يروي عن الجمع الغفير لهذه القراءة وإنما تكون القراءة عن طريق الآحاد فلا يلتفت إليها.
ومن باب حسن الظن بالمسلم-ولاسيما من كان في مكانة ابن جرير من العلم وسيره على نهج السلف- أن نعد رده للقراءة المتواترة من باب كون هذه القراءة لم تكن متواترة عنده، وغير مشتهرة في المصر الذي هو فيه، ولاسيما أن ابن جرير عاش قبل اشتهار القراءات العشر المتواترة. ومن الممكن أن نعد مثل هذا الفعل ميزة للإمام الطبري ودليل على أمانته في النقل حيث أنه رد القراءة التي لم يسمعها من الجمع الغفير عن الجمع الغفير.
والخلاصة في ذلك أن طريق الآحاد وعدم وصول التواتر أو عدم علم ابن جرير بتواتر القراءة التي حكم بعدم جوازها كان السبب في طعنه فيها وردها.

هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
هذا وإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
 
شكراً جزيلاً للأخت الكريمة على هذه المشاركة حول القراءات عند الإمام الطبري ، وأحسب الأخت الكريمة وضعت هذه المشاركة لنتشارك في التقويم والمدارسة لنستفيد جميعاً ، وفي نظري أن المديح الذي يكيله بعضنا لبعض دوماً لا ينفعنا كالنقد العلمي الهادف الذي يبصرنا بمواطن النقص في تفكيرنا وأساليبنا وبحوثنا. ولذلك فإنني أستميح أختي الكريمة عذراً في هذه النقاط ، فكلنا في هذا الملتقى نتعلم ونتدرب على البحث والنقد الهادف إن شاء الله :
1- لم أجد خلال البحث رجوع للمصادر العلمية الكثيرة التي تناولت موضوع القراءات عند الطبري ، ولا إشارة إلى أن هذه المقالة ملخصة من بحوث أخرى ، مع إن هذا الموضوع قد بحث كثيراً في الملتقى ، وسأشير لها في نهاية المشاركة ، وخلو مثل هذا البحث ولو كان قصيراً عن المصادر والتوثيق يفقده قيمته العلمية ، لأن القارئ يرغب في الاطمئنان لمصدر النقل الذي ينقل منه الباحث ، ومن حقه أن يرجع للمصدر للتحقق ، فإذا خلا البحث من التوثيق لم يتيسر له ذلك ، وإن كان في مقدمة المقال إشارة إلى أنك راجعتي عدداً من الكتب ثم لخصتي المقصود ، غير أن هذا لا يكفي في البحث العلمي.

2- في قولك :(أتى على علم القراءات حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) لعلك تقصدين التدوين في علم القراءات ، لا القراءات المروية نفسها.

3- في قولك :(ثم أهل عهد التدوين للقراءات ولم يكن لهذه القراءات السبع وجود بل كان أول من صنف في القراءات أمثال أبي عبيد بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل القاضي، وقد ذكروا في القراءات شيئاً كثيراً وعرضوا روايات تربو على أضعاف قراءة هؤلاء السبعة، ثم اشتهرت بعد ذلك قراءة هؤلاء السبعة ولكنها لم تدون حتى خاتمة القرن الثالث الهجري إذ نهض ببغداد الإمام المجاهد أحمد بن موسى بن عباس فجمع قراءات هؤلاء الأئمة السبعة . ومن المعروف لدينا أن القراءة لا تكون قرآناً إلا إذا كانت متواترة، والمعروف أيضاً عند المحققين أن القراءات العشرة الذائعة في هذه العصور متواترة). خلطٌ يبدو أن الذي دعاك إليه الاستعجال أو طلب الاختصار.
فقولك :(ثم أهل عهد التدوين للقراءات ولم يكن لهذه القراءات السبع وجود) ليس صحيحاً بهذا اللفظ ، فأنت تقصدين لم يكن الاقتصار على القراءات السبع موجوداً قبل ابن مجاهد . وهذا صحيح بهذا التعبير دون الأول.

عندما ذكرت أبا عبيد القاسم بن سلام (224هـ) وأبا حاتم السجستاني(255هـ) ، وأبا جعفر الطبري(224هـ)، وإسماعيل القاضي(282هـ) لم تذكري ولو في الحاشية عناوين كتبهم ، أو من ذكر أن لهم مصنفات في القرآءات ، مع صحة هذا الكلام .
في قولك :(ومن المعروف لدينا أن القراءة لا تكون قرآناً إلا إذا كانت متواترة ، والمعروف أيضاً عند المحققين أن القراءات العشرة الذائعة في هذه العصور متواترة) هذا اختصار لكلام حقه البسط والإيضاح .
أسأل الله لك التوفيق والعلم النافع .

موضوعات مهمة ذات صلة :
- هل أنكر ابن جرير قراءة متواترة أو ردَّها ؟ د.مساعد الطيار .
- رواية حفص عن عاصم ليست من مرويات الطبري في القراءات. د.مساعد الطيار.
- الإمام محمد بن جرير في ملتقى أهل التفسير .
 
الدكتور الفاضل أشكر لك تقويمك لما كتبت فهذا والله ما أردت، وبالنسبة للمراجع فماكتبته عن القراءات عند ابن جرير كان استقراء مني . ولم أرجع لأي كتاب غير كتاب ابن جرير نفسه وكتاب يخص القراءات المتواترة . وبالنسبة لماكتبت حول تدوين القراءات كان ملخص يسيراً من خلال اطلاعي على بعض كتب القراءات. وسبب كتابتي للموضوع سؤال أستاذ لي في الجامعة وقد سلمت الموضوع له ولكن لم يصححه لي لانشغاله. جزاك الله خير الجزاء
 
عودة
أعلى