البرقليط .. محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الكتب المقدسة ؛ وخاصة التوراة

إنضم
13/09/2006
المشاركات
847
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=right]البرقليط :
שילדה

IIEPIKAHTOE
محمد


ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ الشعراء: ١٩٦ – ١٩٧


إعداد الباحث زهدي جمال الدين محمد

النبي 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإن الله تعالى بقدرته وسلطانه بعث نبينا محمد  وخصّه وشرّفه تبليغ الرسالة فكان رحمةً للعالمين وإماماً للمتقين وجعله هادياً للطريق القويم فلزم على العباد طاعته وتوقيره والقيام بحقوقه، ومن حقوقه أن الله  اختصه بالصلاة عليه وأمرنا بذلك في كتابه الحكيم وسنة نبيه الكريم حيث كتب مضاعفة الأجر لمن صلّى عليه فما أسعد من وفق لذلك فاللهم صل وسلم على نبيك وخليلك محمد ما تعاقب الليل والنهار.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد، شُنّت حملة على الإسلام وعلى نبي الإسلام في الولايات المتحدة التي سعت لإلصاق اللوم في تلك المأساة المروعة بالإسلام أكثر منه بسياستها الخارجية.
ويبدو أن هناك قطاعا في المجتمع الأمريكي هم المسيحيون البروتستانت يسعون ـ نتيجة ما قيل إن تسعة عشر مسلما فعلوه في هجمات واشنطن ونيويورك ـ لوصم الإسلام بأنه دين شرير، وبأن نبيه داعية عنف وقد نسوا أنهم مأمورون بإتباع هذا النبي الكريم وذلك طبقاً للنبوءات التوراتية والإنجيلية المدونة عندهم بكتابهم المقدس كما سنرى بعد قليل.
وهذا المجهود الذي بين يديك الآن موجه إلى كل نصرانيّ يعي مسؤوليته الداخلية ويتوق لعبادة موجهة إلى الإله الحق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد.
عبادة لا تعتمد على معايير اجتماعية أو دنيوية أو عائلية، ولكن لأن حقه علينا سبحانه وتعالى أن نعبده وحده ولا نشرك بعبادته أحداً.

وهذه الدراسة هي عبارة عن مجموعة مقتطفات من عدة كتب تعالج قضية نبوءة سيدنا محمد  في العقيدة النصرانية والتي تسنت لي متعة قراءتها قبل أن أعرضها بالأسلوب الذي هو عليه الآن.

وهنا نتساءل هل من المعقول أن يخلو الكتاب المقدس من نبوءة عن ذلك الرجل الذي غيّر مسار التاريخ باسم الله، أما كان ينبغي أن يكون له في هذه النبوءات نصيب، ولو نبوءة واحدة تحذر من حاله ودعوته أو تبشر بها؟! .

إن من يتدخل في المباحث الدينية لاشك أنه يعرض نفسه لمصاعب وأخطار جمة ، وان من أكبر الأخطاء، التي قد يتعرض لها الباحث هي الاعتداء على شعور أرباب الأديان الأخرى ووجدانهم ، ولاسيما الذين يؤمّنون معيشتهم في ظل الدين ، والمباهاة بالانتساب إليه ، فإنهم لا يعفون عن مثل هذا التجاوز أبداً .

وعليه فيجب على المسلم الذي يتصدى لنشر عقيدة الإسلام بين أصحاب الديانات الأخرى أن يكون حائزاً على عدة صفات، أهمها،أن يكون قد أتقن حسب الأصول دراسة عقائد وأحكام الدين الذي يرد عليه وينتقده ، واستقرأ أصوله وفروعه ، وأن يبرهن على حسن نيته، وعلى أنه لا مقصد له غير خدمة الإنسانية لا بمجرد القول ، بل بأن يكون متصفاً بالأخلاق والآداب التي يلتزم نشرها وتعليمها، فان أقوال داعية الدين المتصف بهذه الصفات الجميلة يُصغى إليه دائماً بصورة حسنة، وأما إن كان على ضد ذلك فلاشك في أنه يزيد الاختلاف والعداوة الدينية شدة.
هذا، وان للعقل وحده الصلاحية في إدراك الدين الحق والتصديق بصحته، والقلوب مستعدة دائماً بفطرتها، ومهيأة بطبيعتها لحب الحقائق والميل الوجداني إليها.

فمن الضروري إذاً الحصول على العقل المهذب المثقف بالعلم والتربية، والوجدان الطاهر المشغوف بحب الخير والشعور المعتاد للمحاسن والفضائل.
قال تعالى في سورة طه:ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ طه: ١٣٣
ويقول سبحانه وتعالى في سورة المائدة 15:
ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ المائدة: ١٥

يقول سبحانه وتعالى في سورة الرعد: 43
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ الرعد: ٤٣




و يقول في سورة الشعراء 196 ـ 197:
ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ الشعراء: ١٩٦ - ١٩٧

وليس من بينة ابلغ من البشارة المذكورة في الصحف الأولى ، لأنها دائمة وبريئة من تهمة التزوير، خصوصاً إذا لم يمكن انطباقها على غير واحد، وان البشارات الدالة على أحقية رسالة محمد  كثيرة .
فلقد أرسل الله سبحانه و تعالى نبينا محمّداً  ليخرج الناس من غياهب الظلمات..إلى النور, وأكرمه سبحانه وتعالى بالآيات البينات والمعجزات الباهرات..
وكان الكتاب المبارك أعظمها قدراً، وأعلاها مكانة وفضلاً.

روى الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان حديث رقم 217:
[ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏لَيْثٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏
‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ].

إن القرآن الكريم.. كتاب الله ووحيه المبارك.

يقول سبحانه وتعالى في سورة فصلت:
ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ فصلت: ٣

القرآن.. كلام الله المنزل، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود..

يقول سبحانه وتعالي في سورة الشعراء:
ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥

أحسن الكتب نظاماً، وأبلغها بياناً، وأفصحها كلاماً، وأبينها حلالاً وحراماً..
يقول سبحانه وتعالى في سورة فصلت: ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ فصلت: ٤٢
ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ النساء: ١٦٦

أنزله الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين.. أعز الله مكانه، ورفع سلطانه، ووزن الناس بميزانه.. من رفعه؛ رفعه الله، ومن وضعه؛ وضعه الله.

[ ‏قَالَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَدْ قَالَ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ [رواه مسلم حديث رقم 1353.

وكتاب الله الكريم كما يقول النبي  فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم..
‏[ عَنْ ‏ ‏الْحَارِثِ ‏ ‏قَالَ ‏ مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا ‏ ‏تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ قَالَ وَقَدْ فَعَلُوهَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ‏ ‏فِتْنَةٌ ‏ ‏فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ ‏ ‏الْفَصْلُ ‏ ‏لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ ‏ ‏قَصَمَهُ ‏ ‏اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا ‏ ‏تَزِيغُ ‏ ‏بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا ‏ ‏يَخْلَقُ ‏ ‏عَلَى كَثْرَةِ ‏ ‏الرَّدِّ ‏ ‏وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا [ إ‏ِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ] ‏مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].

هكذا في سنن الدرامي ج 2 ص 435 ، كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج 11 ص 30 أبواب فضائل القرآن حديث رقم 2831.
وهو دليل النبي  على صدق نبوته ، وعلى أنه رسول الله جل علاه، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يعرف معنى إعجاز القرآن وكيف يُتَحَدى به ، وأن التحدي الذي تضمنته آيات التحدي المذكورة في سورتي البقرة وهود وغيرها ، إنما هو تحد بلفظ القرآن ونظمه وبيانه فقط ، وليس بشيء خارج عن ذلك، فما هو بتحد بالإخبار بالغيب المكنون ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهر من تنزيله ، ولا بعلم مالا يدركه علم المخاطبين به من العرب ،ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان وإن كان كل ذلك من بعض مكوناته، ولكن الله جل علاه طالب العرب بأن يعرفوا دليل نبوة رسوله  بمجرد سماع القرآن الكريم، نعم مجرد السماع، وقد بين الله سبحانه وتعالى في غير آية من كتابه الكريم أن سماع القرآن فقط يقتضيهم إدراك معاينته لكلامهم وأنه ليس من كلام البشر, بل هو من كلام رب العالمين.
ولقد انتهج القرآن الكريم في أسلوب التحدي مسارين اثنين:
المسار الأول: خاص بأهل التحدي من العرب وغيرهم.
والمسار الثاني: حقيقة الإعجاز وأسلوب التحدي.
وسنحاول خلال الصفحات القادمة تلمس بعض هذه النبوءات وذلك من خلال المسارين السالف ذكرهما، راجين من المولى  أن نوفق في إزالة الكثير مما أصابها من غبار التحريف، محترزين عن الكثير من سوء الفهم الذي وقع فيه النصارى في فهم هذه النبوءات.
وذلك على النحو الوارد تفصيلاً.

والله ولي التوفيق،،،،،


زهدي جمال الدين محمد
باحث في علم مقارنة الأديان


================================

هذه مجموعة من البحوث أعطانيها أخي الحبيب العلامة الفهامة
الباحث الجليل ؛ المهندس زهدي جمال الدين محمد
والذي يعمل منذ ثلاثين عاما في الرد على النصرانية
والشعوبية وما شابههم من الضالين المضلين
وقد تفضل ـ مشكورا ـ وأعطاني (هارد دسك) فيه جميع بحوثه ودراساته
وهأنذا أبدأ بأفضلها وأهمها ، ومما لم ينشر سابقا


وللعلم
فإن القرآن لاينزل هنا ؛ حتى يحمّل المنتدى الكريم (الفونط) الخاص
بمصحف المدينة المنورة !!


وشكرا لكم
[/align]



[align=center]للبحث بقية ،،،
يتبع ـ بمشيئة الله ـ
[/align]
 
[align=right]
النبي 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإن الله تعالى بقدرته وسلطانه بعث نبينا محمد  وخصّه وشرّفه تبليغ الرسالة فكان رحمةً للعالمين وإماماً للمتقين وجعله هادياً للطريق القويم فلزم على العباد طاعته وتوقيره والقيام بحقوقه، ومن حقوقه أن الله  اختصه بالصلاة عليه وأمرنا بذلك في كتابه الحكيم وسنة نبيه الكريم حيث كتب مضاعفة الأجر لمن صلّى عليه فما أسعد من وفق لذلك فاللهم صل وسلم على نبيك وخليلك محمد ما تعاقب الليل والنهار.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد، شُنّت حملة على الإسلام وعلى نبي الإسلام في الولايات المتحدة التي سعت لإلصاق اللوم في تلك المأساة المروعة بالإسلام أكثر منه بسياستها الخارجية.

ويبدو أن هناك قطاعا في المجتمع الأمريكي هم المسيحيون البروتستانت يسعون ـ نتيجة ما قيل إن تسعة عشر مسلما فعلوه في هجمات واشنطن ونيويورك ـ لوصم الإسلام بأنه دين شرير، وبأن نبيه داعية عنف وقد نسوا أنهم مأمورون بإتباع هذا النبي الكريم وذلك طبقاً للنبوءات التوراتية والإنجيلية المدونة عندهم بكتابهم المقدس كما سنرى بعد قليل.
وهذا المجهود الذي بين يديك الآن موجه إلى كل نصرانيّ يعي مسؤوليته الداخلية ويتوق لعبادة موجهة إلى الإله الحق الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد.

عبادة لا تعتمد على معايير اجتماعية أو دنيوية أو عائلية، ولكن لأن حقه علينا سبحانه وتعالى أن نعبده وحده ولا نشرك بعبادته أحداً.

وهذه الدراسة هي عبارة عن مجموعة مقتطفات من عدة كتب تعالج قضية نبوءة سيدنا محمد  في العقيدة النصرانية والتي تسنت لي متعة قراءتها قبل أن أعرضها بالأسلوب الذي هو عليه الآن.

وهنا نتساءل هل من المعقول أن يخلو الكتاب المقدس من نبوءة عن ذلك الرجل الذي غيّر مسار التاريخ باسم الله، أما كان ينبغي أن يكون له في هذه النبوءات نصيب، ولو نبوءة واحدة تحذر من حاله ودعوته أو تبشر بها؟! .
إن من يتدخل في المباحث الدينية لاشك أنه يعرض نفسه لمصاعب وأخطار جمة ، وان من أكبر الأخطاء، التي قد يتعرض لها الباحث هي الاعتداء على شعور أرباب الأديان الأخرى ووجدانهم ، ولاسيما الذين يؤمّنون معيشتهم في ظل الدين ، والمباهاة بالانتساب إليه ، فإنهم لا يعفون عن مثل هذا التجاوز أبداً .

وعليه فيجب على المسلم الذي يتصدى لنشر عقيدة الإسلام بين أصحاب الديانات الأخرى أن يكون حائزاً على عدة صفات، أهمها،أن يكون قد أتقن حسب الأصول دراسة عقائد وأحكام الدين الذي يرد عليه وينتقده ، واستقرأ أصوله وفروعه ، وأن يبرهن على حسن نيته، وعلى أنه لا مقصد له غير خدمة الإنسانية لا بمجرد القول ، بل بأن يكون متصفاً بالأخلاق والآداب التي يلتزم نشرها وتعليمها، فان أقوال داعية الدين المتصف بهذه الصفات الجميلة يُصغى إليه دائماً بصورة حسنة، وأما إن كان على ضد ذلك فلاشك في أنه يزيد الاختلاف والعداوة الدينية شدة.
هذا، وان للعقل وحده الصلاحية في إدراك الدين الحق والتصديق بصحته، والقلوب مستعدة دائماً بفطرتها، ومهيأة بطبيعتها لحب الحقائق والميل الوجداني إليها.

فمن الضروري إذاً الحصول على العقل المهذب المثقف بالعلم والتربية، والوجدان الطاهر المشغوف بحب الخير والشعور المعتاد للمحاسن والفضائل.

قال تعالى في سورة طه:ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ طه: ١٣٣
ويقول سبحانه وتعالى في سورة المائدة 15:
ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ المائدة: ١٥

يقول سبحانه وتعالى في سورة الرعد: 43
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ الرعد: ٤٣




و يقول في سورة الشعراء 196 ـ 197:
ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ الشعراء: ١٩٦ - ١٩٧

وليس من بينة ابلغ من البشارة المذكورة في الصحف الأولى ، لأنها دائمة وبريئة من تهمة التزوير، خصوصاً إذا لم يمكن انطباقها على غير واحد، وان البشارات الدالة على أحقية رسالة محمد  كثيرة .
فلقد أرسل الله سبحانه و تعالى نبينا محمّداً  ليخرج الناس من غياهب الظلمات..إلى النور, وأكرمه سبحانه وتعالى بالآيات البينات والمعجزات الباهرات..
وكان الكتاب المبارك أعظمها قدراً، وأعلاها مكانة وفضلاً.

روى الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان حديث رقم 217:
[ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏لَيْثٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏
‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ].

إن القرآن الكريم.. كتاب الله ووحيه المبارك.

يقول سبحانه وتعالى في سورة فصلت:
ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ فصلت: ٣

القرآن.. كلام الله المنزل، غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود..

يقول سبحانه وتعالي في سورة الشعراء:
ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥

أحسن الكتب نظاماً، وأبلغها بياناً، وأفصحها كلاماً، وأبينها حلالاً وحراماً..
يقول سبحانه وتعالى في سورة فصلت: ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ فصلت: ٤٢
ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ النساء: ١٦٦

أنزله الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، ومعجزة باقية لسيد الأولين والآخرين.. أعز الله مكانه، ورفع سلطانه، ووزن الناس بميزانه.. من رفعه؛ رفعه الله، ومن وضعه؛ وضعه الله.

[ ‏قَالَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَدْ قَالَ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ [رواه مسلم حديث رقم 1353.

وكتاب الله الكريم كما يقول النبي  فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم..
‏[ عَنْ ‏ ‏الْحَارِثِ ‏ ‏قَالَ ‏ مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا ‏ ‏تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ قَالَ وَقَدْ فَعَلُوهَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ‏ ‏فِتْنَةٌ ‏ ‏فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ ‏ ‏الْفَصْلُ ‏ ‏لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ ‏ ‏قَصَمَهُ ‏ ‏اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا ‏ ‏تَزِيغُ ‏ ‏بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا ‏ ‏يَخْلَقُ ‏ ‏عَلَى كَثْرَةِ ‏ ‏الرَّدِّ ‏ ‏وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا [ إ‏ِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ] ‏مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].

هكذا في سنن الدرامي ج 2 ص 435 ، كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج 11 ص 30 أبواب فضائل القرآن حديث رقم 2831.

وهو دليل النبي  على صدق نبوته ، وعلى أنه رسول الله جل علاه، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يعرف معنى إعجاز القرآن وكيف يُتَحَدى به ، وأن التحدي الذي تضمنته آيات التحدي المذكورة في سورتي البقرة وهود وغيرها ، إنما هو تحد بلفظ القرآن ونظمه وبيانه فقط ، وليس بشيء خارج عن ذلك، فما هو بتحد بالإخبار بالغيب المكنون ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهر من تنزيله ، ولا بعلم مالا يدركه علم المخاطبين به من العرب ،ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان وإن كان كل ذلك من بعض مكوناته، ولكن الله جل علاه طالب العرب بأن يعرفوا دليل نبوة رسوله  بمجرد سماع القرآن الكريم، نعم مجرد السماع، وقد بين الله سبحانه وتعالى في غير آية من كتابه الكريم أن سماع القرآن فقط يقتضيهم إدراك معاينته لكلامهم وأنه ليس من كلام البشر, بل هو من كلام رب العالمين.
ولقد انتهج القرآن الكريم في أسلوب التحدي مسارين اثنين:
المسار الأول: خاص بأهل التحدي من العرب وغيرهم.

والمسار الثاني: حقيقة الإعجاز وأسلوب التحدي.
وسنحاول خلال الصفحات القادمة تلمس بعض هذه النبوءات وذلك من خلال المسارين السالف ذكرهما، راجين من المولى  أن نوفق في إزالة الكثير مما أصابها من غبار التحريف، محترزين عن الكثير من سوء الفهم الذي وقع فيه النصارى في فهم هذه النبوءات.
وذلك على النحو الوارد تفصيلاً.

والله ولي التوفيق،،،،،


زهدي حمال الدين محمد
باحث في علم مقارنة الأديان



يتبع ـ بمشيئة الله ـ
[/align]
 
[align=center]تــــــــــــــابع لما سبق ..

الباب الأول

الفصل الأول
أسلوب الخطاب للعرب


لقد تحدى الله سبحانه وتعالى أهل الفصاحة في آيات كثيرة أن يأتوا بمثله أو بعضه، وسلك في ذلك طريقاً كأنها قضية من قضايا التاريخ، فحكمة هذا التحدي وذكره في القرآن الكريم ـ ولم يأت على لسان النبي  في صورة حديث, بل في صورة آيات تتلى ـ إنما هي أن يشهد التاريخ في كل عصر بعجز العرب عنه وهم الفصحاء اللُسنْ والخطباء اللُدْ, وهم كانوا في العهد الذي لم يكن للغتهم خيرٌ منه ولا خير منهم في الطبع والقوة, فكانوا مظنة المعارضة والقدرة عليها, فالإعجاز كائن في رصف القرآن الكريم ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين, بالإضافة إلى أنه لم يكن لتحديهم به معنى إلا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها.

أولها: أن اللغة التي نزل بها القرآن الكريم تحتمل هذا القدر الهائل من المفارقة بين كلامين, كلام هو كلامهم وكلام هو كلام الله عز وجل.

ثانيها: أن أهلها قادرون على إدراك هذا الحاجز الفاصل بين الكلامين، وهذا إدراك دال على أنهم قد أوتوا من لطف تذوق البيان ومن العلم بأسراره ووجوهه قدرا وافراً يصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن وان يطالبهم بالشهادة عند سماعه وأن تاليه عليهم نبي مرسل من عند الله فرسول الله  عاش إلى سن الأربعين وما عُرف عنه أنه كان يقرض الشعر ولم تكن له مثلاً بلاغة ( قس بن ساعدة ) أو ( أكثم بن صيفي )، ولم يثبت عليه على مدي سني عمره أنه قال شعراً، بل من المعروف أن كل شاعر من الشعراء قد تخصص في لون معين من الشعر لا يجيده غيره حتى أنهم قالوا: إن شعر امرئ ألقيس يحسن عند الطرب وذكر النساء ووصف الخيل، وشعر نابغة الذبياني يحسن عند الخوف, وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء, وهكذا, فكل شاعر يحسن كلامه في فن معين فإن كلامه يضعف في غير هذا الفن, والرسول  لم يكن طوال الأربعين سنة له علاقة بهذه الدوائر أو ذلك المجال, وهكذا كانت مفاجأة السماء, لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يختار رجلاً لم يُعرف عنه التفوق في لغته وإن اشتهر بكل صفات الخلق الطيب, اختار الله جل علاه محمداً 

لتنزل عليه الرسالة التي يتحدى بها أكبر أهل عصره بلاغة رغم أنه لم يشهد له أحد أو عنه قبل الرسالة بأي شيء من البلاغة, لقد أُعطِىَ البلاغة وجوامع الكلم بعد ذلك, والقرآن الكريم يحسم هذه المسألة في أكثر من موضع فيقول جل علاه في سورة العنكبوت :
ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ العنكبوت: ٤٨
إن الوحي الرباني يخاطب المعاندين على الرسالة فيقول لهم قل يا محمد إنني قد عشت بينكم أربعين عاماً لم أقل شعراً ولم ألق خطباً ولم أشارك في مجالس البلاغة, ألا تعقلون أن ما أقوله ليس من عندي ولكنه من وحي الخالق الذي لو شاء ما عرفتم بهذا الوحي.
يقول جل شأنه وعز مقداره في سورة يونس:
ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ يونس: ١٦
يقول سبحانه وتعالى في آخر سورة الفتح :
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭼ الفتح: ٢٩
ﭽ ﭑ ﭼ .. الذي تعرفونه... ﭽ ﭒ ﭓﭔ ﭼ.
فأي تحد أكثر من هذا... ﭽ ﭑ ﭼ...بصفاته عندكم ... ﭽ ﭒ ﭓﭔ ﭼ.
مرة أخرى:
ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ يونس: ١٦

والذي يقرأ أي كلام بليغ منثور لأي كاتب ثم جاء هذا الكاتب فاستشهد ببيت من الشعر في كلامه ثم عاد إلى النثر من جديد، فإن الأذن والذوق لا يخطئان هذا الانتقال، وهذه العودة خصوصاً طبقة الشعراء الذين جبل كلامهم على الأوزان والتفاعيل أو ما يعرف بالميزان الشعري ، فمثلاً في رسالة ( ابن زيدون ) الشهيرة والتي يستعطف فيها الوزير( ابن جَهْور) والتي يقول فيها: " ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك ، والجهل الذي لم يأت من وراءه حلمك، والتطاول الذي لم تستغرقه تطولك، والتحمل الذي لم يف به احتمالك ولا أخلو من أن أكون بريئاً فأين العدل؟ أو مسيئاً فأين الفضل؟ .
إلا يكن ذنب فعدلك أوسع أو كان لي فضل ففضلك أوسع
حنانيك..... فقد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي وكفى ..." .

هنا وفي هذا النص نلتفت إلى أننا قد انتقلنا من النثر إلى الشعر في كلام هو في غاية البلاغة والفصاحة والانسجام وندرك هذا الانتقال ببساطة شديدة، ولكننا حينما نقرأ القرآن الكريم والذي فيه آيات على أوزان الشعر لا نحس أبداً بالانتقال من النثر إلى الشعر والعودة إلى النثر مرة أخرى لأن القرآن الكريم ليس شعراً على رصف الشعر وليس نثراً على رصف النثر, ولكنه نسيج وحده ، ولنأخذ على سبيل المثال الآيات 45ـ 52 من سورة الحجر فهذه الآيات الكريمة بها آيات على وزن الشعر وبها آيات على وزن النثر الخالص ولكن القارئ أو المستمع لا يحس بالانتقال من نثر إلى شعر ثم العودة إلى النثر مرة أخرى، كما لاحظنا في النص السابق من رسالة ابن زيدون، ولا يستطيع إدراك ذلك إلا من عنده ملكة الشعر بالفطرة، أو الدارس للميزان الشعري .
ولنتناول الآيات البينات من سورة الحجر45ـ 52:
ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ الحجر: ٤٥ - ٥٢

في هذا النص الكريم نجد انتقال من النثر إلى الشعر وعودة من الشعر إلى النثر مرة أخرى, ولكن القارئ أو المستمع إلى القرآن الكريم لا يحس بهذا الانتقال من فن مرسل من الكلام إلى فن مقيد بالوزن الشعري والعودة مرة أخرى إلى الفن المرسل، ولننظر في قوله تعالى في هذه الآيات : [ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ].

إننا هنا أمام شعر من الممكن معرفة وزنه العروضي وهو بحر المجتث ( مستفعلن فاعلات ... مستفعلن فاعلات ) ومع ذلك لا تحس الأذن بهذا الانتقال من النثر إلى الشعر ثم العودة مرة أخرى، وهذا كثير جداً في القرآن جمعه العلامة عباس محمود العقاد في كتابه اللغة الشاعرة.ولا يعرف هذا كله إلا من كان له إمام بهذا الفن, والسؤال الآن هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك؟ إن التاريخ ينفي ذلك تماماً.

ثالثاً: أن البيان كان في أنفسهم أجلّ من أن يخونوا الأمانة أو يجوروا عن الإنصاف في الحكم عليه، فلقد قرعهم وعيّرهم وسفه أحلامهم وأديانهم حتى استخرج أقصى الضراوة في عداوتهم له , وظل مع ذلك يتحداهم، فنهتهم أمانتهم على البيان عن معارضته ومناقضته.
أما الطريقة التي سلكها إلى ذلك فهي أن التحدي كان مقصوراً على طلب المعارضة بمثل القرآن، ففي يونس:
ﭽ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ يونس: ٣٨

ثم بعشر سور مثله مفتريات ـ مختلفات ـ لا يلتزمون فيها الحكمة ولا الحقيقة، وليس إلا النظم والأسلوب، وهم أهل اللغة ولن تضيق أساطيرهم وعلومهم أن تسعها عشر سور ففي هود13: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ هود: ١٣

ثم قرن التحدي بالتأنيب والتقريع ثم استفزهم بعد ذلك جملة واحدة فقال لهم البقرة:ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ البقرة: ٢٣ - ٢٤

فقطع لهم أنهم لن يفعلوا, وهي كلمة يستحيل أن تصدر من عربي إطلاقاً، لا يقولها عربي في العرب أبداً, وقد سمعوها واستقرت فيهم ودارت على ألسنتهم، وعرفوا أنها تنفي عنهم الدهر نفياً, وأنها تعجزهم آخر الأبد، فما فعلوا ولا طمعوا قط أن يفعلوا، بل إنه قد بالغ في اهتياجهم واستفزازهم ليثبت أن القدرة فيهم على المعارضة كقدرة الميت على أعمال الحياة، لن تكون ولن تقع، فقال لهم [ﯺ ﯻ ].

وهذا التحدي يمكننا أن نستخرج منه سبعة حقائق ألا وهي:

الأولى: أن قليل القرآن الكريم وكثيره في شأن الإعجاز سواء.

الثانية: أن الإعجاز كان في بيان القرآن الكريم ونظمه ومبانيه.
الثالثة: أن الذين تحداهم بهذا القرآن قد أُتوا القدرة على الفصل بين الذي هو كلام الله عز وجل و كلام البشر.

الرابعة: أن الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طُلِبوا به من الإتيان بمثله أو بعشر سور مثله مختلفات, هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه خارج عن بيان البشر.

الخامسة: أن هذا التحدي لم يقصد به الإتيان بمثله مطابقاً لمعانيه، بل أن يأتوا بما يستطيعون افتراءه واختلاقه من كل معنى أو غرض مما يعتلج في نفوس البشر.

السادسة: أن هذا التحدي للثقلين جميعهم، انسهم وجنهم متظاهرين وهو تحد مستمر قائم إلى يوم الدين.

السابعة: أن ما في القرآن الكريم من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه, كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز, وإن كان ما فيه من ذلك كله ليعد دليلاً على أنه من عند الله جل وعلا.
[/align]


[align=center]>>>>>>>>>>>>>>
يتبع ـ بمشيئة الله ـ
[/align]
 
عودة
أعلى