البحث في مناهج التفسير والمفسرين ليس من علوم القرآن!

إنضم
20/04/2003
المشاركات
567
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
البحث في مناهج التفسيروالمفسرين ليس من علوم القرآن!


يخلط كثيرمن الناس – وليس عوامهم فقط – بين مرتبتين في العلم:
العلم في مرتبته الأولى...عندما يتجه إلى موضوعه قصدا أي كان هذا الموضوع..
العلم في مرتبته الثانية...عندما يجعل من العلم الأول موضوعا له...
وإن شئت قلت: موضوع العلم الأولي هو العالم،أما موضوع الثانوي فهو اللغة الواصفة للعالم...وإذا أردت أن تستوضح المطلب حتى لا يكون بعدها التباس فاستحضر ما تعرفه عن الشعر ونقد الشعرفأنت لا يختلط عليك شخص الشاعروشخص الناقد قطعا...ولا أراك تستسيغ أن تجمع في طبقة من طبقات فحول الشعراء المتنبي والجرجاني والبحتري والآمدي وأبا تمام وابن رشيق جنبا إلى جنب !
من هؤلاء مَن يحدثك عن العالم وإحساسه بهذا العالم فيصف حزنه وفرحه وخيبته وطموحه...اولئك الشعراء..ومن هؤلاء من ينتظر حتى إذا فرغ الأولون تناولوا كلامهم فتكلموا عنه..أولئك النقاد....
انتبه : الأول يشتغل بالكلمات..(أشتاق،راعني،عبراتي،دعد،دنانير،العقيق، حادي العيس،طلل....)
الثاني يشتغل بالمفاهيم والمصطلحات..(طبع،صنعة،هجاء،غرض،سرقة،استعارة،مولد،ط للية....)
فهنا مرتبتان في اللغة:
مرتبة اللغة الموضوع langue-objet
ومرتبة اللغة الشارحة metalangage
(عذرا إن العجمة لا مناص منها هنا...)
لعلك تعلم أن جل اللغات الغربية إلصاقية تعمد إلى زوائد تضيفها إلى المادة المعجمية على شكل سوابق ولواحق...هكذا تكون meta سابقة تعطي- من جملة ما تعطي- معنى الانعكاس.. metalangage تعنى لغة اللغة metatheorie تعني نظرية النظرية وmetadata تعن بيان البيانات...وهكذا....وإذا شئنا أن نضع معادلا لهذه السابقة ومدخولها في لغتنا الشريفة فخذ كلمة واحدة واجعل منها تركيبا من مضاف ومضاف إليه تظفر بالمطلوب..فلسفة الفلسفة(ميتافلسفة) علم العلم (ميتاعلم) ....وجدير بالتنبيه أن كلمة ميتا فزيقا الشائعة ليست مما نتحدث فيه فاللاصقة هنا تعني ما وراء أو ما بعد...وإذا فهمتها بالمعنى الأول جاز لغة فتقول فزياء الفزياء لكن المرجع سيكون محالا بالمعنى الحرفي...لأن المفروض أن الفزياء هي المادة الطبيعية وعلم الفزياء يشتغل بهذه المادة...أما علم علم الفزياء فلا يشتغل إلا بالذهنيات فموضوعه ليس ما يجري في الخارج الطبيعي..بل ما يجري في خيال انشتاين وذهن نيوتن وتوقعات بوهر....
ولعل هذا المثل الأخير يفصح لك عن الفرق العظيم بين موضوع العلم عندما يرتب أوليا وموضوعه عندما يرتب ثانويا...
...ذلك...
ونسرد بعض الفروق بين "التفسير" وبين الميتاتفسير:
- أولا أفضل أن تستعمل كلمة "التدبر" بدلا من كلمة "التفسير" ،بسبب من خصوصية الأول وعمومية الثاني..فالتدبرلا يكون إلا للقرآن أما التفسير فيكون موضوعه القرآن وغيره...فتقول أتدبر سورة "مريم"... ولا أراك تستسيغ أن يقال أتدبر" لامية الشنفرى" أو أتدبر ديوان "طفولة نهد" لنزار!! أما كلمة تفسيرفصالحة هنا وهناك....
فإن قلت لكن "التفسير" مصطلح درج عليه السلف والخلف، قلت وكذلك "التدبر" مصطلح جاء به القرآن أمرا وتحضيضا وتقريعا...ولعل ترجيح كلمة القرآن أولى من ترجيح غيرها ولو وردت عن الصحابة الكرام.
- ثانيا موضوع التدبر(أو التفسير)هو "العبارة القرآنية"،أما موضوع البحوث في التفاسير(أو الميتاتفسير) فهي "عبارات القوم"....
-ثالثا التدبر(أو التفسير) فعل تعبدي خالص لا يبتغى من ورائه إلا أجر رب العالمين...أما الثاني أعني البحث التفسيري فهو بحث أكاديمي يرجى من بعده نيل الشهادة واستكمال الدرجة العلمية وتضخيم اللقب...قل مطمئنا الأول للآخرة والثاني للدنيا إلا من رحم ربك.
-رابعا علم التفسيرفي زيه الأكاديمي يخضع لقواعد قد تقترب من "الطقوس"....أما التدبر فهو متحرر من كل شيء إلا من قاعدة "التقوى"، ألا نعمت أم القواعد!
فإن قلت لقد أخرجت ما أسميته "الميتاتفسير"من علوم القرآن فأين تدخله؟
قلت اختر ما تشاء من الأسماء التالية: فلسفة العلوم ،ابستملوجيا التفسير،فقه علوم الشرع،أصول العلم وهنا لا تخلط بين "أصول العلم" و"علم الأصول" فالثاني جزء من الأول...واسمه التام (علم أصول الفقه) وهي تسمية ذكية معبرة فلولا احتذاها أهل التفسير وجمعوا مباحثهم تحت لقب (علم أصول التفسير) كي لا يختلط علم التفسير بالمعنى الأولي أي تدبر كلام الله مع علم التفسير بالمعنى الثانوي أي دراسة تدبر المتدبرين!!
ونحن قلنا (علم أصول التفسير) ليس من علوم القرأن بالنظر إلى موضوع الاشتغال كما بيننا وسنزيد...
إن الضابط في اندراج البحث في علوم القرآن هو كونه يبحث في عبارة القرآن ذاتها وبالقصد الأول...فعلم التجويد مثلا من علوم القرآن قطعا، لأن موضوعه الصورة الصوتية للعبارة القرآنية...أما علم المقامات الموسيقية فمن المنكرإدراجه في علوم القرآن فهل يجتمع في مكان واحد كلام الله ومزمار الشيطان!!!
وكتب إعراب القرآن من علوم القرآن قطعا ،لأن الموضوع هوتركيب العبارة القرآنية ومعناها...
كما أن كتب أحكام القرآن من علوم القرآن قطعا ،لأن الموضوع هو استخلاص الحكم الشرعي من العبارة القرآنية..
في كل هذه العلوم يكون المرجع هو القرآن منه تستنبط وفيه تتأمل وإياه تتدبر....لكن البحث في قواعد الترجيح بين الأقوال عند القرطبي - مثلا- فأنت لا ترجع فيه إلى سورة "الإخلاص" أو سورة "غافر"أو سورة "الحشر" لتستخلص منها نتائج بحثك بل ترجع إلى كلام المفسرين والمؤرخين والنقاد ،وقد يكون مما استشهدت به، واعتمدت عليه، أقوال مستشرقين كذبة حاقدين!!
لكن حذار أن يلتبس عليك الأمر...فكلام القرطبي أو جله "تفسير" يصنف ضمن علوم القرآن أما كلامك أنت عن تفسير القرطبي فهو"ميتاتفسير" خارج عن دائرة علوم القرآن...ولا يعد منها إلا على سبيل المسامحة ...
 
مرحباً بأخي العزيز أبي عبدالمعز بعد الغيبة الطويلة، وقد أسعدتني كثيراً عودتُك للكتابة في الملتقى فحياك الله وبياك.

وأما الموضوع الذي أثرته فما أحوجه للبسط والتفصيل، وهو في غاية الأهمية، فليتك تزيده بسطاً وتتوسع في بعض مسائله لأهميتها، وللخلط الكثير في البحوث والدراسات بين هذه المستويات والمفاهيم.
 
عودة
أعلى