" فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا "
لنتنبه إلى أن القرآنالكريميدعونا إلى جهاد الطلب بهببيانإعجازهاللغويالبلاغي؛لذايحتاجمثيرو الشبهاتإلىبناءسدٍّأمامعوامالناس(وبخاصة من أبناء ملتهم)،يحولبينهموالتأثر بالإعجاز، مما ينقل الداعية من جهاد الطلب إلى جهاد الدفع.
انتبه، هم لايهدفون فقط إلى نقد الإعجازالثابتالواضح، ولكنيكفيهمالتشويشعلىأذهانعوامالناس. يقولونلهم: "..لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ". فإنشَغَلوادعاةالمسلمينبتفنيدالأخطاءاللغويةالمزعومة، فقدنجحوافيتحقيق هدفهم الأكبر.
جزاكم الله خيرا على هذه اللفتة المهمة، وما أحسن لو قام المهتمون بموضوعات الدفاع عن القرآن بوضع خارطة موضوعية تتضمن مسارين:
المسار السلبي (إن صحَّ التعبير) والمراد: مسار نفي الشبهات
والمسار الايجابي: مسار الدفاع عن القرآن ببيان اعجازه وعظمته ونحوه
جاهدهم بالقرآن، وهو الفرقان؛ الآية في السورة، سورة الفرقان حيث يدور محورها حول إثبات النبوة والبعث، تأكيد التوحيد ونفي الشرك. السورة موجهة للباحث عن حقيقة الألوهية والوحي واليوم الآخر، من خلال الرد على المواقف الكفرية والتفاعل معها. أليس جهاد الكافر بالفرقان في هذا السياق هو توصيل الرسالة إلى أولئك المستهدفين من طرف الكفار؟ الكافر أصلا لا يؤمن {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} أي سواء جاهدته أم لم تجاهده، لا فرق؛ فيكون معنى الجهاد هو مواجهة الدعوة بالدعوة، مقارعة الظن بالآية، نقد التقليد بالحجة،. نحن نسأل أي نوع من الجهاد هذا إذ أن بيان إعجاز القرآن اللغوي والبلاغي ما هو إلا تأويل خارج الآية بل خارج موضوعات السورة. نعود إلى الآية فنجدها قد ذكرت بفي ثنايا الإشارة إلى آيات الله في الخلق وكلها تؤكد على الوحدانية، فالجهاد إذن دعوة إلى إعمال العقل، ودعوة إلى تدبر التاريخ المتلو، بالقصة التي تذكر أن النبوة ليست ببدعة في تاريخ البشرية مثلا. هذا الجهاد دعوة إلى التفريق بين الحق والباطل، بين الراجح والمرجوح، بين الأحوط والأخطر، بين البعيد والقريب، ثم عدم إلباس هذا بذاك. كيف نستفيد نحن من هذه القصة أو تلك ؟ أو كيف نستفيد من توظيف سورة الفرقان للتاريخ المتلو في مجاهدة الخطاب الكفري للوصول إلى الطالب: المستمع الباحث عن الحقيقة والمستمع الباحث عن الطمأنينة ؟
أولا: على المنتصر للقرآن والداعية أن يكون هو بذاته من طلاب الأصلح، والأصح، والأحق والأحسن، ليكون من {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}.
ثانيا: البحث تركيب وخطاب وسياق وأعماق السورة ومقاصدها العليا عن النماذج التي تتخطى الزمان والمكان للوصول إلى طريقة تناسب المتلقي الذي يستحضر في ذهنه التاريخ، تاريخ الإنسان بالخصوص، بطريقة مختلفة ومتنوعة، ويقف الموقف المتنوع والمختلف من أصول الملة الثلاثة (الألوهية، النبوة، والبعث)، ويؤول الظواهر الكونية بتصور للكون مختلف ومتنوع، معاكس للتصور الملي وللتصور الجاهلي على حد سواء.
عندها ستكون النتيجة مخاطبة الناس على قدر عقولهم، دون الميل عن إطار السورة، وتعليماتها الإلهية.
أما "ببيان إعجازه اللغوي والبياني" فطريقة ليست بعيدة عن فحوى السورة فحسب، وإن كانت تناسبها آيات في سور أخرى إن جاز فيها تأويل مفاهيم التحدي والآية والبرهان بالمعجزة اللغوية طبعا، بل بعيدة عن الواقع العام، بسبب فقر ثقافي، تخلف في تذوق العربية، تدني مستويات التعليم، إضافة إلى العجمة، ثم هي للمضنون به على غير أهله.
أو كما قال أستاذنا حاتم القرشي "زبدتها في آخرها" وأقول نعم: أهمها في آخرها، أستاذنا د. عبدالرحيم الشريف. وقلتها وما زلت أقولها، لابد من الجمع بين الدفع والطلب، بين نقد الأنا ونقد الآخر.
قال لي أنه لا يؤمن بشيء، إلحاده مبني على عدم الإيمان بالألوهية، فسألته هل أنت من اللاأدرية؟ فقال: لا؛ ثم سألته فما الفرق، إذ اللاأدري أيضا لا يؤمن بالألوهية .. إنتهى الحوار في النهاية إلى الإعتراف بأنه يؤمن بأن لا إله أبدع الخلق. فكانت نقطة للبداية، وهي نقطة مهمة. والآن: كيف أقرأ سورة الفرقان مع هذا الملحد ؟ هناك إجابة مطبوخة، هذا الملحد نرد على شبهاته في الإيمان بالمنفي، ندفع حجج نفيه، وفي نفس الوقت نطلب حجج الإيمان بالثابت؛ لا!! سورة الفرقان تخاطب كل مشرك. هنا سنسأل: هل المشرك الوثني يعبد الأوثان والأصنام، يعتقد في ألوهيتها الذاتية أو الخارجية، أم تراه يؤلّه الهوى الذي جعله لهذا أو ذاك السبب يخترع تلك العقائد أو ينافح عنها بسبب التقليد أو ما شابه ؟ هناك قصص وسير لأعلام خاضوا تجارب الإلحاد، وخرجوا عليها، وحدّثوا بأسباب طاعة ميول الإلحاد ثم الخروج عليها، وأن الإلحاد التبشيري لم يقف عند باب الألوهية بل خاض في الرسالات الدينية وفكرة بقاء الروح للعلاقة الاضطرارية بين مبدأ الألوهية والأصلين ..