الاستشراق والمستشرقون بين الأخذ والنبذ، حوار مع د. شوقي أبو خليل - رحمه الله-

إنضم
28/12/2010
المشاركات
77
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
الجزائر
الموقع الالكتروني
www.waqfeya.com
"الاستشراق والمستشرقون بين الآخذ والنبذ" حوار مع الدكتور شوقي أبو خليل -رحمه الله - أستاذ الحضارة العربية الإسلامية والاستشراق في معهد الفتح بدمشق، وقد نشر في جريدة " الوطن" العمانية، وموقع "دار الفكر".

...............................................................................
الصحافي: ماذا نعني بالاستشراق مصطلحا ومفهوما.. وهل يمكن القول: إن الكتابات الاستشراقية قد خضعت لمنهج علمي محدد، أو هي رؤية غربية للشرق وضمن حدود مرحلة تاريخية محددة انتهت بانتهائها؟
الدكتور شوقي أبو خليل: يقول العلماء: الاستشراق اصطلاحا حركة علمية أرادت دراسة تراث الشرق, ازدادت وضوحا في العصر الحديث, وهي حركة في ظاهرها علمية يراد بها دراسة الشرق معتقدات وآدابا ـ في معظمهاتهدف من هذا التعرف على منابع هذا التراث, لصرف أهله عنه, ليولوا وجوههم شطر الغرب, وليتعلقوا بركاب مدنيته.
ويقول البعض: إن الاستشراق هو البحث في علوم الشرق وعقائده وآدابه, وإعداد الدراسات الأدبية والدينية والعلمية فيها.
والمستشرق: من درس لغة أو اكثر من لغات الشرق, ثم من درس بهذه اللغة علوم تلك اللغة وفنونها وآدابها، إنه الغربي الذي اهتم بدراسات شرقية بعد أن عني بلغات الشرق وحضارته ومعتقداته, إنه الذي اهتم طول حياته بما دار ويدور في الشرق حضارة وسياسة.
منذ الفتح الإسلامي لبلاد الشام والشمال الإفريقي والأندلس.. نجد أن غير المسلمين درسوا حضارة المسلمين الفاتحين, حتى أن يوحنا الدمشقي الذي عاش في عصر الفتوحات, كانت صياغة كتبه كلها على شكل حوار (وإذا سألك العربي، أي المسلم)، (وإذا قال العربي، فأجبه)، وكذلك كتب الأسقف تيودور أبو قره، تلميذ القديس يوحناـ بعض المحاورات بين العقيدتين, واستمرت هذه المناظرات حتى أيام الرشيد الذي كان يحضر هذه المناظرات التي كان فيها طيماثاوس ويوسف مطران مرو. هذه جذور دراسة حضارتنا العربية ويمكن القول: إن بداية الاستشراق الفعلي كانت بعد فشل الحروب الصليبية, ولقد غادر لويس التاسع في 8 مايو عام 1250م مدينة دمياط متجها إلى عكا, وكانت صيحته بعد هزيمته: (لنبدأ حرب الكلمة, فهي وحدها القادرة على تمكننا من هزيمة المسلمين).
منهجهم: كتبوا تراثنا خدمة لمصالحهم, ومن وجهة نظرهم, وفق ما فهموا, أو بيتوا, فبعضهم لم يكن لينقصه الفهم ولا المنهج العلمي, ولكن نتاجهم موجه, يهدف إلى تجهيز جيوش المبشرين, وإرسالهم إلى العالم الإسلامي تمهيدا للاستعمار العسكري مع إيجاد التخاذل الروحي في نفوس المسلمين, وإيجاد الشعور بالنقص في نفوسهم.
كانت الأندلس محج الدارسين, كالراهب جربرت الذي أصبح بابا روما سنة999م باسم سلفستر الثاني, بالإضافة إلى البعثات الجماعية, وبدأت في هذه المرحلة ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية. وفي هذه المرحلة تمت أول عملية لترجمة القرآن الكريم سنة 1143م على يد الراهب الإنجليزي هرمان ولكنها بقيت مكتومة خوفا من الكنيسة في دير كلوني بجنوبي فرنسا حتى سنة 1543م.
المرحلة الفعلية، كما قلت، بدأت بعد المرحلة الصليبية وهي غزو فكري مدروس, حرب ضد الإسلام في معظمها وحرب ضد العربية وآدابها, وعرفت في هذه المرحلة كراسي الدراسات الشرقية في العديد من الجامعات الغربية، وتبع ذلك تأسيس معاهد أنيط بها حمل أعباء الدراسات العربية.
ومرحلة التنظيم الفعلي بدأت في مطلع القرن الثامن عشر مع بدء حركة الاستعمار، فأصدر المستشرقون العديد من المجلات بعد الاستيلاء على كنوز التراث العربي الإسلامي. وعقدوا مؤتمرا في باريس سنة 1783م أول مؤتمر لهم، حيث تدارسوا خطط عملهم وتنظيم جهودهم بغية الوصول إلى هدفهم المنشود ألا وهو الكيد للإسلام وأهله, ويثبت هذا التعاون الوثيق بين كبار المستشرقين والمسؤولين في وزارتي الخارجية والمستعمرات في البلدان الغربية. ونتيجة إنفاق الأموال الطائلة على أبحاث المستشرقين تميزت هذه المرحلة بظهور العدد الكبير من الكتب والموسوعات وهي كتب ـ يحمل معظمها ـ التشكيك والدس ولا تتورع من إظهار حقدها على الإسلام وأهله.

-: وهل انتهى الاستشراق الآن؟
-: منذ المؤتمر التاسع والعشرين للاستشراق الذي انعقد عام 1975 تقرر أن يطلق على مؤتمرات الاستشراق القادمة (مؤتمرات العلوم الإنسانية)، ولقد وصفت جريدة (le monde) الفرنسية هذا التحول بأنه موت الاستشراق وأدلى المستشرق الفرنسي جاك بيرك بالتصريحات عبر فيها عما يسمى (انتهي من الاستشراق)، كل هذا يجعلنا في حذر دائم إزاء تحول الاستشراق إلى ميدان العلوم الإنسانية، فالاستشراق يغير جلده, ليدخل في مرحلة جديدة أكثر خطرا.
فـ(برنارد لويس) ما زال يهاجم الأمة العربية ويصفها بالعنصرية!!، ويوجد اليوم جناح العنصرية الضخم من الصهيونية قوامه رودنسون, وبرنارد لويس يركز كل اهتمامه على قضايا فلسطين وإبراهيم وإسماعيل والقدس واليهود.
وجاك بيرك ما زال يمجد طه حسين ويدعو لدراسة كتبه, لأن طه حسين تحالف مع دوركهايم في تحطيم ابن خلدون وعلم الاجتماع الخلدوني زورا وبهتانا ولأن طه حسين دعا إلى فرعونية علمية.. وسرق أو نقل كتاب (الأدب الجاهلي) من زويمر ومرجليوث.

-: هل تعتقد أن عملية النقد الموجهة إلى الاستشراق ترتبط بما أفرزته المرحلة التاريخية من نتائج وانعكاسها على الشعوب المستعمرة وعلى الخصوص الشعوب الغربية؟
-: من يدرس نتاج المستشرقين يجد نفسه قبالة ثلاثة أصناف:
صنف كتب بحقد وكراهية مبتعدا عن المنهج العلمي, منهم: الأب القس لامانس, ويوليوس فلهاوزن، وجولدتسهير ومرجليوث ووليم مور.
وصنف كتب بروح علمية محاولا إفادة قومه بما يكتب عن حضارتنا وتراثنا، مبتعدا عن تأثير الكنيسة قدر المستطاع، ولكنه لم يسلم من بعض الأخطاء غير المقصودة مثل: زيجريد هونكه, وجوستاف لوبون, وتولستوي, وكارليل, وبرنارد شو,وجوته..... غير ان إعجاب هؤلاء بحضارتنا لم يقدهم إلى إعلان إسلامهم خوفا من حرب تشنها الكنيسة ومؤسساتها, يقول برنارد شو: (كنت دوما أضع دين محمد في مكانة كبيرة. إني أحسست أنه دين عظيم, وأعتقد أنه الدين الذي سوف يسود العالم في وقت مقبل إذا تعرف عليه العالم بلا تعصب، فإن التعصب يعمي القلوب عن الحقيقة، والإسلام هو الحقيقة التي جاء بها محمد ليجمع العالم مع الحب والسلام والحق والعدل).
والصنف الثالث هو الذي كتب بروح علمية صادقة, درس الشرق ونتاجه دراسة عميقة, حتى اهتدى إلى الإسلام واعتنقه وأصبح سيفا من السيوف الإسلام، يدافع عنه، ويرد الشبه والمكائد التي يثيرها أعداؤه، مثل اللورد هيدلي والفونس اتيان دينيه, ورينيه جينو, وموريس بوكاي.


-: هل تعتقد أنه من الضروري وجود حركة استغراب أمام حركة الاستشراق في محاولة فهم الآخر وللوصول إلى فهم مختلف، ولكي تكون هذه الحركة متبادلة؟
-: من الضروري رصد كل ما يطرحه الاستشراق في ساح الإسلام، لأن الاستشراق رافقه غزو فكري متمم للغزو العسكري، والغزو الفكري يستهدف الجذور منا لا القشور, ويحاول القضاء على الجوهر لا العرض، ويشوه الأصول لا الفروع. الغزو الفكري: حملة تغريب, خصوصا بعد أن سيطر المبشرون والمستشرقون على مراكز التربية الأساسية في العالم الإسلامي للقضاء على القيم بدعوى التطوير والتنمية.. ولعل الدراسات الجادة للإسلام من قبل بعض الأوروبيين الذين أسلموا كموريس بوكايه وروجيه جارودي تفتح القلوب والعقول لفهمنا على حقيقتنا.

-: هل يمكن أن نعتبر الرؤية الأدبية تجاه الإسلام والعرب قد تطورت نسبيا وما حدود هذا التطور؟
-: لا شك أنها تطورت نسبيا, وقد بدأ هذا التطور باحتكاكها مع الطلاب العرب المسلمين, وبعض المراكز الإسلامية, وما ينشر عن أثر الإسلام شكل قناعة بضرورة إعادة النظم بما قدم لها عن الإسلام. قال روجيه جارودي: لم يدرس الغرب الإسلام دراسة صحيحة حتى في الجامعات الغربية وربما كان هذا مقصودا مع الأسف. لذلك ألف البريطاني جان دوانبورت كتابا بعنوان (اعتذار لمحمد والقرآن)، اعتذر فيه عن التصورات الشائعة في الغرب حول نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. إنني أرى ان المرحلة القادمة, مرحلة الانتفاع من الخير أينما وجد, ولو كان عند الإسلام ونبيه, وخاصة بعد اعتراف الفاتيكان في المجمع المسكوني الثاني1965 بالإسلام دينا سماويا.
-: هل ترى أن الاستشراق في حالة ركود الآن؟

-: لا. اهتمام الغرب بالشرق مستمر وباق، والاستشراق غزو نراه أحيانا، وأحيانا أخرى لا نراه. وأذكر كتابا صادرا عن جامعة كمبردج يهاجم الإسلام تحت عنوان " الهاجرية وتكوين العالم الإسلامي" بقلم باتريشيا كرون، مايكل كول، وخلاصته:الإسلام دين وضعي(كذا)، أسست قواعده في عهد الخليفة الملك بن مروان, أما ما كان قبل ذلك فقد كان شيئا اسمه" الهاجرية"، والهاجرية هي عبارة عن كلام كتبه الأسقف ذيبوس يقول فيه: إن النبي محمدا يبشر بدين يعد استكمالا للديانة الهاجرية، وإن هذا الاسم ينسب إلى السيدة هاجر زوجة إبراهيم عليه السلام أم إسماعيل. ويصل التمويه والتلفيق والكذب بالكاتبين إلى حد التضليل والتشكيك في حدوث الهجرة النبوية من المدينة المنورة ويقولون: إن اسم هاجر هذا تم تحريره بعد ذلك في القرن الثامن الميلادي ليعطي معنى الهجرة من مكة الى المدينة. مصادر الكتابين يهودية قطعا، الخطر يكمن في أن الغرب بنى بيته بأفكاره، فهل سنبني بيوتنا بأفكارنا وأيدينا وأصالتنا؟ لا ندري ما سيكون الجواب، ولكن يجب أن نعلم أن الأمة التي تريد البقاء تحمي تاريخها وتراثها ولغتها بسياج متين من الحراسة.
 
الدور الذي كان يلعبه الاستشراق المدرسي و الإستشراق الحركي تقلّص كثيرا بسبب الإستشراق الإعلامي ووسائل هذا الإعلام المختلفة والشيء الوحيد الذي بدأ ينافس هذا الإستشراق الإعلامي في الآونة الأخيرة هو بداية صحوة إسلامية من الداخل وهذا هو المستقبل ولابد من تشجيع معاهد إسلامية في طور النمو وهناك إقبال كبير على دراسة اللغة العربية واللغة التركية بتزامن مع تغييرات كبيرة تشهدها تركيا على المستوى الثقافي تناظر التطورات السياسية والدبلوماسية والإقتصادية، وما تنظيم تركيا لكبرى المحافل الثقافية إلا غيض من فيض. جامعة ليدن التي كانت بالأمس أم المعاهد الأكاديمية في (الدراسات الإسلامية) على المستوى العالمي درس ودرّس فيها كبار المستشرقين وتخرج منها شيوخ كبار المستشرقين أصبحت اليوم تتدحرج رويدا رويدا نحو دراسة الإسلام لا في الشرق لكن في أوروبا عامة والأراضي المنخفضة خاصة. وبركات الصحوة والنهضة الإسلامية ستزداد يوما بعد يوم إن شاء الله.
 
تعقيب

تعقيب

الأخ الفاضل ابن مبخوت حفظه الله
هناك في الكلام أعلاه هفوات منها على سبيل المثال:
أن الفرنسي موريس بوكاي لم يكن مستشرقا، طبيب له كتاب معروف... أما مستشرق فلا أعتقد.
المؤتمر الدولي 29 للمستشرقين عقد في باريس 1973م ... ولفهم ما وقع فيه دع عنك J.BERQUE فهو ضابط مخابرات سابق في المغرب تسلق الاستشراق حين مات مشاهير المستشرقين وأول ما ركب عليه (معهد العالم العربي) في باريس الممول من ميزانية جامعة الدول العربية ...وارجع الى ما كتبه د .ع بدوي في (سيرة حياتي) عن هذا المؤتمر فقد شارك فيه
ولي اقتراح ادافع عنه دوما وهو توجيه الجهود لدراسة الاستشراق الحي الذي يمشي على قدمين في أيامنا وزماننا وليس الاستشراق الذي ينتمي الى القرن19م أو بداية20م
ماذا نعرف اليوم والآن عن هذه المؤسسات الموجودة بالقاهرة مثلا:
- مركز التوثيق الاقتصادي والقانوني C.E.D.E.J ؟
- المعهد الألماني للآثار D.A.I.K ؟؟
- معهد (الآباء) الدومنيكان للدراسات الشرقية I.D.E.O ؟؟
وفي صنعاء واستمبول وتونس العاصمة ودمشق... مؤسسات أخرى تعمل الآن .
هذا فضلا عن المؤسسات الأم في الغرب، وفضلا عن المراكز التي تعمل بالنيابة مثل مركز الأهرام للدراسات الممول من قبل usa...
انها مؤسسات تعمل الى جانبنا وفي مدننا لكن لانعرف عنها شيئا لأننا شغلنا "بأطلال" الحركة الاستشراقية أي الاستشراق الميت الذي ينتمي تاريخيا الى عصر مضى..
ولذلك لا غرابة في أن نجد من يكتب عن الاستشراق ينقل عن السباعي الذي توفي1384هـ أي قبل نصف قرن ولا يفكر في معرفة الاستشراق الذي يسكن بيته أو غرفة نومه...
 
عودة
أعلى