الاستدلال في تفسير القرآن ، للدكتور نايف الزهراني - متابعة

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
73
الإقامة
تارودانت-المغرب
الاستدلال في التفسير ، محاضرة للدكتور نايف بن سعيد بن جمعان الزهراني .
بحكم تخصص الشيخ في هذا المجال ، حيث كتب فيه بحوثا ودراسات ، جاءت المحاضرة مركزة وغنية بالأفكار المتعلقة بالموضوع ، مما جعلني أسجل بعض الفقرات متتبعا ومستأنسا كباقي الحضور الكريم . كما أُذَكِّر أن هذه المشاركة لا تغني عن سماع المحاضرة ، لذا أحث المتتبعين على ذلك ، والله المستعان.
أورد السيد المحاضر أن أول أمر يتطرق إليه هو التنقل بين أمرين جليلين خطرين ، وهما :
الأول : أجل العلوم علوم التفسير
الثاني : أهم المباحث في مناهج العلوم هو (منهج النظر والاستدلال) ، الذي به تتميز العلوم . فلكل علم منهجه في التلقي والفهم والنظر والاستدلال ، وبه يستقل العلم بنفسه ويتميز عن غيره من العلوم ؛ فعلم اللغة له منهجه في النقل والتلقي والفهم والنظر ، وكذلك علم التاريخ ، وكذلك علم الحديث والفقه ، وهكذا .. وبالعلم بمنهج النظر والاستدلال يتفاضل العلماء في كل علم . فليس الفقيه - كما تعلمون – بالذي ينقل أقوال غيره من الفقهاء ، هذا مقلد وليس فقيها . إنما الفقيه من يمتلك قوة علمية تُؤهله وتمكنه من استخراج الحكم بنفسه ، وهنا يكون فقيها وليس مقلدا . وكذلك الأمر في التفسير . فليس المفسر على الحقيقة من يحفظ معاني الآيات ، وينقلها عن غيره دون بصر بمآخذها ، وما تثبت به ، وما يصح منها وما يُقبل ولماذا قُبِل ، وما يبطل منها وما يُرد ولماذا يُرد ، وما يُقدم من الأدلة وما يُؤخر ، والمعتبر منها وغير المعتبر . الحافظ الناقل فقط مشارك في التفسير وليس مفسرا . إنما المفسر من يمتلك آلة تُؤهله ، وقوة علمية تمكنه من معرفة المعنى بنفسه . وينسحب هذا المعنى أيضا على من وُصف بالمفسر لأنه ألف في التفسير ، وهذا موجود في كثير من الكتب التي ترجمت وكتبت في طبقات المفسرين ، يُكتب فيها من ألف في التفسير . كثير ممن يوصف بالمفسر لتأليفه تفسيرا ، لم يكتسب اسم المفسر إلا بعد أن ألف في التفسير ، وليس له فيه إلا النقل أو الاختصار ، ولو لم يؤلف كتابه ذلك لما كُتب في المفسرين . وليس الأمر كذلك في أهل التفسير الذين هم أهله . فإن أحدهم يكتسب اسم المفسر ، وتكتمل فيه آلته قبل أن يشرع في كتابة تفسيره . وإذا أردنا مثالا على هذا ، فأصح مثال وأجلاه وأظهره ابن جرير الطبري رحمه الله . فإنه اكتملت فيه آلة المفسر ، وانطبق عليه وصف المفسر قبل أن يشرع في تفسيره . فلما شرع فيه بعد ذلك تمت له فيه الإمامة . أما غيره فينقل من غيره في كتابه في التفسير ، أو يختصر من غيره ثم يظهر هذا الكتاب فيُقال فلان من المفسرين لأنه كتب في التفسير .

يتبع ..
 
تعليق :
يؤكد الشيخ المحاضر في هذا المدخل أن المفسر هو من يمتلك آلة تؤهله وقوة علمية تمكنه من معرفة التفسير بنفسه . وهذا ينافي من وُصف بالمفسر لأنه ألف في التفسير وليس له فيه إلا النقل أو الاختصار . ولو لم يؤلف كتابه ذلك لما كُتب في المفسرين . وليس الأمر كذلك في أهل التفسير الذين هم أهله ، فإن أحدهم يكتسب اسم المفسر ، وتكتمل فيه آلته قبل أن يشرع في كتابة تفسيره .

فمن خلال هذا الكلام يتبين أن الشيخ المحاضر قلل من أهمية النقل والاختصار في مجال التفسير . وخرج عن التصور العام للمفسر من خلال دارسي هذا العلم . مما يجعلنا نتساءل من جديد عن مصطلح المفسر .
 
يقول الدكتور مساعد الطيار في كتابه (مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر) : " ولا شك أن من كتب في طبقات المفسرين لم يكن قصده تعريف المفسر . بل كان قصده إيراد من له كتابة في التفسير ، دون تحليل لنوع هذه الكتابة من حيث كونها نقل أو اجتهاد من المفسر "
ومن خلال استقرائه لعمل المفسرين قسم المفسرين إلى أربعة أنواع :
الأول : طبقة المجتهدين الأول
الثاني : نقلة التفسير
الثالث : المفسر الناقد
الرابع : المفسر المتخير قولا واحدا
وخلص إلى تعريف المفسر بأنه : " من كان له رأي في التفسير ، وكان متصديا له "
وهذا التعريف في نظري فيه نوع من الإقصاء لكثير من المفسرين باعتبار التفسير علم من العلوم .
فعلم التفسير يحتاج إلى جهود متضافرة لتغطية كل القنوات المؤدية إلى المراد من هذا العلم . وكل الذين يشتغلون ضمن هذه القنوات ، هم مفسرون باعتبار خدماتهم في ميدان التخصص .
ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " فرُب مبلَّغ أوعى من سامع "
إن العلم لا يقوم إلا بأهله كل في اختصاصه . لذلك لا يحق أن نقصي الكثير من الذين أسدوا خدمات جلى في سبيل تبليغ هذا العلم الشريف .
ولهذا يكون لزاما علينا أن نعيد النظر في تعريف المفسر من خلال جهود الأمة في هذا العلم .
وأقرب تعريف منطقي للمفسر هو ما ذكره الدكتور حسين الحربي في كتابه (قواعد الترجيح عند المفسرين) بـأنه : " من له أهلية تامة يعرف بها مراد الله تعالى بكلامه المتعبد بتلاوته ، قدر الطاقة البشرية ، وراض نفسه على مناهج المفسرين ، مع معرفته جملا كثيرة من تفسير كتاب الله ، ومارس التفسير عمليا بتعليم أو تأليف "


والله أعلم وأحكم
 
يقول الدكتور حسين الحربي : " كل أهل فن عرَّفوا بمن اشتغل بفنهم . فالفقهاء عرَّفوا بالفقيه ، وكذا الأصوليون عرفوا بالأصولي ، وهكذا . ولم أر - على قصور مني - من عرف بالمفسر بمن اشتغل بهذا المفن . غير أنه يمكن استيحاء ذلك من الضوابط العامة التي جعلت للمفسر ، ومن تعريفات أصحاب الفنون لأهلها .
فالمفسر هو من له أهلية تامة يعرف بها مراد الله تعالى بكلامه المتعبد بتلاوته ، قدر الطاقة البشرية ، وراض نفسه على مناهج المفسرين ، مع معرفته جملا كثيرة من تفسير كتاب الله ، ومارس التفسير عمليا بتعليم أو تأليف .
فقولي : (من له أهلية تامة ..) أدخل كل من استكمل المؤهلات التي تؤهله لتفسير كلام الله ، وذلك بأن يكون عالما باللغة وما يندرج تحتها من شرح مفردات ، وفهم تراكيب ودلالات الألفاظ ، والنحو والتصريف ، والاشتقاق ، والبلاغة ، وكذلك علم القراءات ، وعلم أصول الفقه ، والفقه ، ومعرفة أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وما يحتاج إليه من ذلك . وخرج بهذا القيد من لم يستكمل تلك العلوم .
وقولي : ( ومارس ذلك بتعليم أو تأليف ) قيد أخرج مَنْ عَلِمَ جملةً من تفسير كتاب الله ولم يُمارس تعليمه أو التأليف فيه . فإنه لا يكون مفسرا بمجرد العلم بجملة من التفسير ، يل يكون بها وحدها وعاءاً ناقلا لتلك الجمل التي حفظها وعلمها . ووضعت هذا القيد ليدخل في مسمى (المفسِّر) من عرف جملا من التفسير ، ومارسه بالتعليم دون التأليف ، وهم كثير من علماء الأمة . فكثيرا ما يجد القارئ في كتب التراجم وطبقات المفسرين من كان ينتصب لتدريس تفسير كتاب الله في المساجد والمدارس ، ولم يُعرف عنه أنه ألف في التفسير كتابا "
 
فالشيخ المحاضر عرف المفسر تعريفا فيه نظر دون أن ينبه على أن ذلك اعتبارا للمنهجية المتبعة من خلال مشروعه بصفة عامة ، وفي محاضرته بصفة خاصة .
فكان عليه أن يوضح ذلك كما فعل عندما قرر أن أجل العلوم علم التفسير وعقب عليه بعبارة : ( ويجب أن نسَلِّم بهذا على الأقل في مركز تفسير) .
ولهذا قد نفهم من قوله المسكوت عنه أن تعريف المفسر له علاقة بموضوع الاستنباط كمشروع وكمحاضرة ؛ لأن الذي يستنبط هو الذي يمتلك آلة تؤهله ، وقوة علمية تمكنه من معرفة المعى بنفسه . وبهذا يكون المفسر في عرف الشيخ المحاضر هو الذي يستنبط لا غيره . وهذه طريقة منهجية متبعة ، ولا نريد إلا أن يصرح بها عوض التعميم الذي يوهمنا بالمخالفة .

من خلال هذه الملاحظة أردت أن ألفت النظر إلى قضية تعريف المفسر . بينما كانت المحاضرة شاملة ومركزة وغنية بالأفكار الجديرة بالدراسة والمتابعة ، وخصوصا إذا عرفنا أن الشيخ يعتبر مرجعا في تخصصه .
نفعنا الله بعلمه وجعل جهوده في ميزان حسناته .
والحمد لله رب العالمين
 
عودة
أعلى