الاختلاف في القراءات القرآنية وأثره في اتساع المعاني

إنضم
10/03/2005
المشاركات
387
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
العراق - سامراء
[align=center]الاختلاف في القراءات القرآنية وأثره في اتساع المعاني

بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين ، ورضي الله عن آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد حظيت القراءات القرآنية باهتمام المسلمين منذ نهضتهم الأولى على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام إلى يومنا هذا ، فلقد تجرد عدد كبير من علماء المسلمين لخدمة هذا الكتاب ، وافنوا أعمارهم بتتبع كل صغيرة وكبيرة حول هذا العلم ، وسطروا كل ما جادت به عقولهم وأفكارهم في مؤلفات أصبحت مفخرة المسلمين ومضان الدارسين من بعدهم في الدرس والتأليف .
والمتأمل في الدرس اللغوي العربي يجد أن الدرس العربي قد تأثر تأثراً واضحاً بهذه المؤلفات ، إذ لا يكاد يخلو كتابٌ في أصوات العربية وصرفها ونحوها من جملة كبيرة من القراءات وما يتصل بها من مسائل مثلت القواعد والضوابط التي أصلت ورفدت مفردات هذه العلوم التي سطرها علماء المسلمين.
وكان من بين المهتمين بتأريخ القرآن والقراءات طائفة كبيرة من المستشرقين ، درسوا تأريخ القرآن والقراءات ، وكتبوا في ذلك كتباً وأبحاثاً كثيرة ، كان بعضها يتسم بالجدية والنظرة العلمية ، وكثير منها لا يخلو من الطعن والتشكيك في القرآن وقراءاته ، وكانت مسألة الاختلاف في القراءات القرآنية من المسائل التي اتخذها عدد من المستشرقين مسوغاً للطعن في القرآن الكريم ، وراحوا يصفون القرآن وقراءاته بالتناقض والاضطراب وعدم الثبات ، وحاولوا تشكيك المسلمين في ذلك ، وكان وراء ذلك كله نفي النبوة والوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنكار أن يكون القرآن بقراءاته من الله سبحانه وتعالى .
من أجل هذا كله حاولت أن أبين حقيقة هذا الاختلاف ، وموقف علماء المسلمين منه ، ومفهومهم له ، ومقاصد الاختلاف في القراءات القرآنية ، وكيف ساهم الاختلاف في القراءات القرآنية في تعدد المعاني واتساعها .
فجاء هذا البحث ليلقي الضوء على جزء من هذا الموضوع ، ويكشف عن شيءٍ من أسرارهِ وذلك من خلال مباحثه الثلاثة :-
المبحث الأول : نشأة القراءات القرآنية والمراحل التي مرت بها .
المبحث الثاني : مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية عند العلماء .
المبحث الثالث : القراءات والمعنى .
إنَّ هذا البحث هو إسهامه متواضعة لخدمة القرآن الكريم ولغته ، من خلال بيان مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية ومقاصد هذا الاختلاف ، والله اسأل أن أكون قد وفقت في عرض الموضوع على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه ، والله من وراء القصد .
[line]
[align=center]المبحث الأول
نشأة القراءات القرآنية والمراحل التي مرت بها[/align]

الحديث عن القراءات القرآنية يرتبط بالمراحل الأولى التي تلقى فيها النبي صلى الله عليه وسلم آيات التنزيل ، ومن ثم تبليغها للصحابة صلى الله عليه وسلم ، وكيف تلقى الصحابة الكرام آيات هذا الكتاب وجهودهم في نشر معاني هذه الآيات ومراد الله منها مع العناية بالحفاظ على نقلها للناس كافة كما تلقوها من فم النبي صلى الله عليه وسلم .
وبهذه المعاني وهذا اللسان سار عدد كبير من الصحابة ومَن بعدهم من التابعين يعلمون الناس قراءة القرآن وأحكامه ، هذا المشهد يصوره لنا عطاء بن السائب فيما حدث به حماد بن زيد وغيره إنَّ أبا عبد الرحمن السلمي قال : إنا أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يتجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا مافيهن فكنا نتعلم القرآن والعمل به . (1)
ومن هذا يترتب الحديث بشكل موجز عن مراحل نقل القرآن وجمعه قبل الحديث عن القراءات والمراحل التي مرت بها ، لان علم القراءات القرآنية ثمرة من تلكم البذور المباركة .
لقد جاءت الآيات كثيرة تبين كيف كان النبي عليه أفضل الصلاة والسلام يتلقى هذا القرآن وحاله مع هذا التلقي ، وتؤكد أمر تكفل الله المطلق بحفظ هذا القرآن وجمعه وبيانه للناس ، ومن هذه الآيات التي تشير إلى هذه المعاني والتي سنقف عندها بالدرس والتحليل ، قوله تعالى :صلى الله عليه وسلملَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ صلى الله عليه وسلم[ القيامة : 16-19 ] .
فقد روي في الأثر تفسيراً لهذه الآيات في الصحيحين وغيرهما ، ولفظ الحديث للبخاري في صحيحه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً وكان مما يحرك شفتيه فقال ابن عباس فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما ، وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما ، فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* قال جمعه لك في صدرك وتقرأه * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } قال فاستمع له وأنصت{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ثم إن علينا أن تقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه . (2)
يقول ابن حجر ( ت852 هـ ) : (( وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء ، قاله الحسن وغيره ، ووقع في رواية للترمذي (يحرك به لسانه يريد أن يحفظ ) ، وللنسائي ( يعجل بقراءته ليحفظه ) ولابن أبي حاتم ( يتلقى أوله ، ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره ) ، وفي رواية الطبري عن الشعبي ( عجل يتكلم به من حبه إياه ) وكلا الأمرين مراد ، ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك ، فأمر بأن ينصت حتى يقضى إليه وحيه ، ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ، ونحوه قوله تعالى :{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ }[طه : 114 ] أي بالقراءة .)) (3)
فهذه الآيات والأحاديث تؤكد أمراً هاماً ، وهو أن ليس للرسول صلى الله عليه وسلم من أمر هذا القرآن إلاَّ تبليغه للناس كما سمعه ، دون أي تغيير ، وهذا ما أشار إليه الحديث بدقة بقوله : ( فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه جبريل ) فقد تكفل الله عز وجل بحفظ آيات هذا الكتاب وجمعه وبيانه للناس ، إذاً ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم إلاَّ اتباع الوحي في تبليغ آيات التنزيل دون أي زيادة أو نقصان أو تغيير ، ثم تأتي مرحلة تلقي الصحابة لهذه الآيات بعدما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنزل إليه من ربه ، وقرأ القرآن الكريم على أصحابه ، فحفظه منهم من حفظ، وكتبه منهم من كتب ، قال أبو شامة ( ت 665هـ) : (( وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة ، أقلهم بالغون حد التواتر .)) (4)
وكان من أشهر حُفَّاظ القرآن ومعلميه من الصحابة جماعة منهم بعد الخلفاء الراشدين : معاذ بن جبل وزيد بن ثابت ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأُبيّ بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو الدرداء ، وغيرهم . (5)
يقول ابن الجزري ( ت 833هـ ) : (( ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه وبذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه من النبي حرفاً حرفاً لم يهملوا منه حركة ولا سكوناً ولا إثباتاً ولا حذفاً ، ولا دخل عليهم في شيء منه شك ولا وهم وكان منهم من حفظه كله ومنهم من حفظ أكثره ومنهم من حفظ بعضه كل ذلك في زمن النبي .)) (6)
وما أنتقل رسول الله  إلى الرفيق الأعلى إلاَّ والقرآن مجموعاً ومكتوباً عند جمع من الصحابة، ولكن لم يجمع في مصحف منظم في حياته  ، وذلك لأنَّ القرآن كان ينزل مفرقاً ، ثم جمع في عهد الصديق  بين لوحين عقب معركة اليمامة حين استحر القتل بالمسلمين ، ولاسيما حملة القرآن ، وتفاصيل هذه المرحلة من جمع القرآن معروفة مشهورة في كتب الحديث والتأريخ وعلوم القرآن .(7)
وهكذا تلقى الصحابة القرآن من رسول الله  بغاية الإتقان والضبط ، وكان النبي  قد وجَّه بعضهم إلى البلدان ليعلموا الناس تلاوة القرآن وأحكام الدين ، (8) وظهر في قراءة الصحابة للقران تباين في نطق بعض الكلمات ، يرجع ذلك إلى ما أباح لهم به رسول الله وأقرهم عليه ، بسب أن الله  لم يجعل على عباده حرجاً في دينهم ولا ضيَّق عليهم فيما افترض عليهم ، إذ كانت لغات من أنزل عليهم القرآن مختلفة ، ولسان كلِّ صاحب لغة لا يقدر على ردِّه إلى لغةٍ أخرى إلاَّ بعد تكلُّفٍ ومئونةٍ شديدة ، ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل مُتسعاً في اللغات ومتصرفاً في الحركات ، فأمر رسوله بأن يقرىء كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عاداتهم ، فقوم جرت عاداتهم بالهمز وقوم بالتخفيف وقوم بالفتح وقوم بالإمالة وهكذا الإعراب واختلافه في لغاتهم وغير ذلك . (9)
فلاجل هذا أباح الله لنبيه أن ييسر على الناس ويقرئهم القرآن ما تيسر منه ، وهذا يدل عليه حديث أُبيّ بن كعب أنه قال :لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل ، فقال : يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ والكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط ، قال : يا محمد إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف . (10)، وفي رواية لمسلم أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسال الله معافاته ومغفرته ، وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين ، فقال أسال الله معافاته ومغفرته وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الثالثة فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف،فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الرابعة فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا. (11)
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة قراءة القرآن ويسمع منهم ، ويقرهم على قراءتهم ، تخفيفاً وتوسعة من الله تعالى عليهم ، ولم يحملهم أمام ذلك الوضع اللغوي المعقد على تعلم نطق لغة قريش ـ التي نزل بها القرآن ـ لقراءة القرآن بها ، وإنما أذن وأباح لهم بقراءة القرآن بوجوه من النطق التي اعتادوها و ألفوها ونشأوا عليها ، التي لاتضاد فيها بالمعني وتباين ، فالقراءات القرآنية ترتبط بهذا الأصل الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن للصحابة معه بتلك القراءات وأقرهم عليها . (12) ، ومن ثم أخذ التابعون قراءة القرآن من أكابر علماء الصحابة بالقراءة ، وحملوا عنهم قراءاتهم التي أخذوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما مشافهةً أو إقراراً ، وانطلقوا بها في أرجاء البلاد الإسلامية خارج الجزيرة العربية التي فتحت على أيدي المسلمين ، فكان الصحابة الذين نزلوا في الأمصار الإسلامية حريصين على تعليم المسلمين في تلك الأمصار أحكام الدين وتلاوة القرآن على ضوء ما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا ذاع صيت العشرات من التابعين ممن عرف بالقراءة والتلقي من أفواه الصحابة ، وأخذ المسلمون يتلقون عنهم القراءة بشكل كبير في تلك الأمصار ودارت معها حلقات قراءة القرآن ، مع ما فيها من تيسير مما يطيقه أهل تلك الأمصار التي دخلت تحت لواء الإسلام في محيط ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه واقرَّهم عليه بإذن الله ، وكانت مظاهر التنوع في القراءات بلغت أشدها في زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى خرجت عن إطارها العام والهدف الذي من اجله كان هذا التنوع في القراءات ، إذ اختلف عوام الناس في القرآن فصار أحدهم يقول للآخر : قراءتي خير من قراءتك أو اصح من قراءتك، أو قراءتنا أولى من قراءتكم ، حتى كاد أن يكفر بعضهم بعضا ، وهذا ما أدركه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عندما حضر فتح أرمينية وأذربيجان فرأى وسمع من الناس ما أفزعه ، فقدم على عثمان و أشار إليه بأن يتدارك هذا الأمر ويجمع الكلمة قبل تفاقم الأمر ، والواقعة كما يرويها كثير من المحدِّثين والمؤرخين وأصحاب كتب علوم القرآن هي : أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالمصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق . (13)
وكان هذا الأمر على ملأ من جمع الصحابة تلقوه بالرضى والقبول والاستحسان،فعن سويد بن غفلة قال : (( والله لا أحدثكم إلاَّ شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب ، سمعته يقول : يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلاَّ خيراً ـ أو قولوا له خيراً ـ في المصاحف ، وإحراق المصاحف ، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاَّ من ملأ منا جميعاً ، فقال : ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفراً ،قلنا : فما ترى ؟ قال: نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت ، قال : فقيل أي الناس أفصح ، وأي الناس أقرأ ؟ قالوا : أفصح الناس سعيد بن العاص ، و أقرؤهم زيد بن ثابت ، فقال : ليكتب أحدهما ويملي الآخر ، ففعلا ، وجمع الناس على مصحف ، قال : قال علي والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل .)) (14)
وهكذا أدرك الخليفة الراشد عثمان بن عفان الخلاف الذي كاد أن يتسع بين المسلمين في قراءة القرآن فالزمهم على قراءة القرآن بما يوافق خط المصحف، والذي كتب على ما أنزل عليه القرآن وهو لسان قريش ، وساعد شكل المصحف في ذلك الوقت من عدم النقط والشكل على بقاء جملة من القراءات مما لا تخالف خط المصحف ، فتعددت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط ، وسقط من قراءتهم ما يخالف الخط .
يقول مكي ( ت 437هـ ) : (( فلما كتب عثمان المصاحف وجَّهها إلى الأمصار وحملهم على ما فيها وأمرهم بترك ما خالفها ، قرأ أهل كل مصر مصحفهم الذي وجه إليهم على ما كانوا يقرؤون قبل وصول المصحف إليهم مما يوافق خط المصحف ، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها مما يخالف خط المصحف ، فاختلفت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط ، وسقط من قراءتهم كلهم ما يخالف الخط .
ونقل ذلك الآخر عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك ، حتى وصل النقل إلى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك فاختلفوا فيما نقلوا على حسب اختلاف أهل الأمصار ، لم يخرج واحد منهم عن خط المصحف فيما نقل ، كما لم يخرج واحد من أهل الأمصار عن خط المصحف الذي وجِّه إليهم.)) (15)
وقد يعرض لبعض المطلعين على تأريخ القرآن والقراءات إشكالاً يكمن في حرص عثمان بن عفان على كتابة القران بلسان قريش ، وتأكيده أن هذا القرآن أنزل بلسانهم هذا من جانب ، والأحاديث النبوية التي أوردناها سابقاً والتي تنص على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف من جانب أخر ، فكيف يمكن التوفيق بين هذين الأمرين ؟
المتتبع للأحاديث والنصوص الواردة بخصوص نزول القرآن يجد أن نزول القرآن على سبعة أحرف لم يكن من أول وهلة ، بل الظاهر أنه نزل أولاً بلغة قريش وهذا ما قصده عثمان بن عفان حين أمر القرشيين الثلاثة بكتابة المصاحف بلسان قريش في حال حصول خلاف بينهم وبين زيد بن ثابت ، لأنَّه بلسان قريش نزل، وبهذا صرح أبو شامة في المرشد الوجيز بقوله : (( يعني : أول نزوله قبل الرخصة في قراءته على سبعة أحرف.)) (16) ، ومن بعد ذلك جاءت الرخصة بقراءة القرآن على سبعة أحرف، وهذا يعني أن القرآن تكرر نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم وبالأحرف السبعة ، وهذا ما يجليه بوضوح الحافظ بن حجر بقوله : (( أن يقال : إنه نزل أولاً بلسان قريش أحد الأحرف السبعة ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلاً وتيسيراً كما سيأتي بيانه ، فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولاً بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه لكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولما له من الأولية المذكورة .)) (17) ، ثم يقول في موطن آخر وهو يدلل على كلام أبي شامة المتقدم : (( ويدل على ما قرره أنه أنزل أولاً بلسان قريش ثم سهل على الأمة أن يقرؤوه بغير لسان قريش ، وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام ، فقد ثبت أن ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة كما في حديث أبي بن كعب أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أضاة بني غِفار فقال : إن الله يأمرك أن تقريء أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسال الله معافاته مغفرته ، فإن أمتي لا تطيق …)) (18).
وأضاة بني غِفار هي موضع بالمدينة النبوية ينسب إلى بني غِفار ، فالتنوع في القراءات لم يعرف في العهد المكي ، وإنما كان التنوع بعد الهجرة النبوية المباركة ، لأنَّ الحاجة لم تكن قائمة لأن تتعدد القراءات في العهد المكي والقرآن أنزل بلسانهم وعلى ما جرت عليه عاداتهم في النطق الذي هو افصح ما انتهت إليه لغات العرب جميعاً ، ومع أن تعدد وجوه القراءات جاء لييسر القراءة للناس ، وحتى يستطيع كل عربي أن يقرأ القرآن بأحرفه وكلماته التي اعتاد عليها من لحن قومه ، فإنها تضمنت أيضاً ضرباً من ضروب الإعجاز ، وهو أن التحدي في معارضة هذا القرآن كان عامة لكل العرب ، فلو اقتصر إنزال القرآن على لغة واحدة هي أفصح لغات العرب جميعاً وأعلاها ، ما كان يستقيم التحدي للعربي من أهل غير قريش التي لغته أدنى من اللغة التي نزل بها القرآن أن يتحدى بها ، فكان من تمام إعجازه أن ينزل القرآن على أكثر من حرف ، ليعجز العرب كافة عن معارضته والإتيان بمثله ، بل بآية من مثله ، وفي هذا يقول الرافعي ـ رحمه الله ـ : (( وإذا تم هذا النظم للقرآن مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به، ومع اليأس من معارضته على ما يكون في نظمه من تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات بحسب ما يلائم الأحوال في مناطق العرب ، فقد تم له التمام كله ، وصار إعجازه إعجازاً للفطرة اللغوية في نفسها حيث كانت وكيف ظهرت ومهما يكن من أمرها .)) (19)
ومن هذا يتحصل أن عمل عثمان بن عفان يتلخص في حمل الناس على القراءة بوجه واحد على ضوء ما نزل به القرآن أول نزول ووافقه عليه الصحابة ، وترك للصحابة حرية القراءة فيما يخالف خط المصحف ، وذلك إذا تأكد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكون التعليم العام للمسلمين إلاَّ من المصحف الذي أجمع على ما فيه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وبهذا لم يلغِ عثمان بن عفان سائر الحروف إنما ترك الباب مفتوحاً لكل من كان يؤكد من الصحابة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بقراءة معينة أن يقرأ بها بحرية تامة ، ولكن بشكل خاص ونطاق ضيق ، ولذلك لم تحظ القراءات المخالفة لمصحف عثمان إلاّ بنقل الآحاد ، لأنه ألزم العامة بالقراءة بالمصحف الذي اختار حروفه ووافقه عليه إجماع الصحابة ، وبهذا يقول مكي : (( وسقط العمل بالقراءات التي تخالف خطَّ المصحف ، فكأنها منسوخة بالإجماع على خطِّ المصحف .
والنسخ للقرآن بالإجماع فيه اختلاف ، فلذلك تمادى بعض الناس على القراءة بما يخالف خط المصحف مما ثبت نقله ، وليس ذلك بجيد ولا بصواب ، لأن فيه مخالفة الجماعة ، وفيه أخذ القرآن بأخبار الآحاد ، وذلك غير جائز عند أحدٍ من الناس . )) (20)
وبهذا العمل المنظم والدقيق ، ومن خلال هذا الجهد العظيم اختزلت القراءات التي اتسعت وتنوعت في زمن عثمان وسقطت القراءة بكثير من القراءات لأنها خالفت خط المصحف الذي صار إليه الإجماع من قبل الصحابة ، ومضى المسلمون يتلقون القرآن بقراءاته من علماء التابعين وتابعي التابعين جيلاً بعد جيل متحرين الدقة في الرواية ، معتمدين في ذلك على المشافهة والسماع لا على الدراية والاجتهاد والاكتفاء بالمصاحف ، يقول ابن مجاهد ( ت 324 هـ ) : (( والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوَّليهم تلقِّياً ، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين ، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسَّكوا بمذهبه على مارُوِي عن عمر بن الخطاب،وزيد بن ثابت،وعروة بن الزبير،ومحمد بن المنكدر،وعمر بن عبد العزيز،وعامر الشعبي . )) (21)
وهكذا سارت مرحلة القراءة في مطلع القرن الأول الهجري في الاعتماد على الرواية المشافهة من أفواه الصحابة الذين أخذوا القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقروا في الأمصار الإسلامية التي بعثهم إليها الخليفة الراشد عثمان بن عفان مع المصاحف ، وقد توخى عثمان في اختيار هؤلاء الموفدين أن يكون مع كل مصحف قارىء توافق قراءة أهل ذلك المصر في الأكثر الأغلب . (22)
وبعد تلك المرحلة انتقلت القراءات من طور الرواية المجردة إلى طور التدوين والتأليف في القراءات ، وأول من ينسب إليه مؤلف في القراءات هو يحيى بن يعمر ( ت89 هـ ) ثم توالت المؤلفات في تدوين القراءات ، وكان ممن ألَّف في هذا المجال أبان بن تغلب ( ت 141 هـ ) ، ومقاتل بن سليمان ( ت 150 هـ ) ، وزائدة بن قدامة الثقفي ( ت 161 هـ ) ، وغيرهم ممن ألفوا الكتب في هذا المجال وكان اشهرها كتاب أبي عبيد القاسم بن سلاَّم ( ت 224 هـ ) الذي جعل القراء خمسة وعشرين قارءاً .(23)
وهكذا تتابعت المؤلفات في هذا العلم حتى عصر ابن مجاهد ( ت 324 هـ ) الذي كان له الأثر الكبير في توجيه الاهتمام والتأليف في القراءات القرآنية .
[line]
[align=center]المبحث الثاني
مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية عند العلماء[/align]

نالت مسألة الأحرف السبعة والأحاديث النبوية التي ذكرت الأحرف السبعة اهتمام علماء المسلمين ، ولا يكاد كتاب تناول القراءات أو علوم القرآن إلاَّ وقد عرض لهذا الموضوع بالبسط والتفصيل ، لهذا سوف أكون في منأى عن الخوض في هذه المسألة ، لانَّ الموضوع أُشبع بالدرس والتأليف ، كما أن هذا المبحث منعقد حول بيان موقف العلماء من اختلاف القراءات القرآنية ومفهومهم لهذا الاختلاف ، فهذا الموضوع من الأهمية بمكان ، ويحتاج إلى شيء من التفصيل والبيان ، لأنَّه أمر يتعلق بجانب اعتقادي في حياة المسلم ، إذ يجب على المسلم أن ينفي عن القرآن وقراءاته التناقض والاختلاف والتدافع ، وإن هذا الجانب من الموضوع تعرض للطعن والتشكيك من قبل بعض المستشرقين المغرضين ، وراحوا يصفون القرآن وقراءاته بالتناقض والاضطراب.
وكان من أجرئهم المستشرق جولد تسيهر(24)، الذي وصف القرآن والقراءات بالاضطراب وعدم الثبات، إذ يقول:(( لا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في نص القرآن .)) (25)
وهو يقصد هنا اختلاف القراءات كما صرح في كلامه بعد ذلك ، ويقول في موطن آخر وهو يعرض للقراءات الواردة في قوله تعالى: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) [ الروم : 1-3] ، ويشير للاختلاف في قراءة ( غلب الروم و سيغلبون ) بالبناء للمعلوم والمجهول فيهما ، واخذ يصف القراءتين بالتناقض ، إذ يقول : (( إنَّ القراءتين متناقضتان في المعني ، المغلوبون في القراءة المشهورة هم الغالبون في القراءة الأخرى . )) (26) ، ولا غرابة من هذا المستشرق الذي صرح بأقبح من ذلك واسفه ، مما يدل عن جهله في هذا الموضوع إنْ لم نقل فساد نيته وقصده السيء في الطعن بالقرآن والقراءات ، إذ يقول: (( وقد رأى قتادة أن الأمر بقتل النفس أو قتل العصاة في قوله تعالى:{فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}[البقرة :54] ، هو من القسوة والشدة بحيث لا يتناسب مع الفعل فقرأ ( فاقْيُّلُوا أنفسكم ) ، أي : حققوا الرجوع والتوبة من الفعل بالندم ، وفي هذا المثال نرى وجهة نظر موضوعية كانت سبباً أدى إلى القراءة المخالفة . )) (27)
فهو يطعن بالقراءة المشهورة ، ويصف قراءة قتادة ـ مع أنها شاذة (28) ـ بالموضوعية ، وهو من جانب آخر يتهم القراء بالقراءة بالتشهي والاجتهاد ، وكأن القراءة ليست سنة متبعة الأصل فيها التلقي والمشافهة لا الرأي والاجتهاد .
من أجل هذا كله كان بيان وجهة نظر علماء المسلمين حول هذه القضية له أهميته البالغة في الدراسات القرآنية والعربية، لذا سوف أعرض بشيء من الإجمال أقوال العلماء في هذه القضية مما يضع القاريء المهتم بالدرس القرآني في تصور صحيح لهذا الموضوع .
ذهب جمهور علماء المسلمين إلى أن الاختلاف في القراءات هو اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض ، وأن الاختلاف حاصل في الألفاظ المسموعة وليس في المعاني المفهومة ، وبهذا صرح المهدوي (ت في حدود 440هـ) حين عرض لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أُنزل القرآن على سبعة أحرف ، إذ قال : (( واختلف الناسُ في معنى الحديث اختلافاً كثيراً ، فأكثرهم على أن معناه في الألفاظ المسموعة لا في المعاني المفهومة .)) (29)
وقوله ( أكثرهم ) لا يعني أن القلة من العلماء قائلون بالتناقض أو التضاد أو التنافر في القراءات ، بل لهم تفسيرات مغايرة حول معنى الحديث ، فبعضهم فسر الأحرف السبعة باللغات ، وبعضهم فسرها بالحلال والحرام والمحكم والمتشابه وغيرها . (30)
وبين الداني (ت 444هـ ) ما ينبغي اعتقاده في القراءات ، إذ يقول : ((وجملة ما نعتقده من هذا الباب وغيره من إنزال القرآن وكتابته وجمعه وتأليفه وقراءته ووجوهه ونذهب إليه ونختاره فإن القرآن منزل على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ وحق وصواب وأن الله تعالى قد خير القراء في جميعها وصوبهم إذا قرؤوا بشيء منها وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى ليس فيها تضاد ولا تناف للمعنى ولا إحالة ولا فساد .)) (31)، وكان الداني من قبل هذا قد فصل القول في تعدد القراءات وبين المعاني التي تشتمل عليه اختلاف القراءات ، حيث قال : ((وأما على كم معنى يشتمل اختلاف هذه السبعة أحرف فإنه يشتمل على ثلاثة معانٍ يحيط بها كلها
أحدها:- اختلاف اللفظ والمعنى الواحد .
والثاني :- اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضاد اجتماعهما فيه . والثالث:- اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه ونحن نبين ذلك إن شاء الله . )) (32)، ثم ساق من بعد ذلك القراءات ودلل على القواعد التي أصل لها حول هذا الموضوع . (33)
وأفاد من هذا التأصيل الإمام ابن الجزري (ت 833 هـ) ولكن بشيء من التفصيل والبيان والاستقراء الأوسع ، فيقول : (( وأما حقيقة اختلاف هذه السبعة الأحرف المنصوص عليها من النبي وفائدته فإن الاختلاف المشار إليه في ذلك اختلاف تنوع وتغاير ، لاختلاف تضاد وتناقض ، فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى ، قال تعالى : أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا  [النساء : 82]،وقد تدبرنا اختلاف القراءات كلها فوجدناه لا يخلو من ثلاثة أحوال:
أحدها :- اختلاف اللفظ والمعنى واحد.
الثاني :- اختلافهما جميعاً مع جواز اجتماعهما في شيء واحد .
الثالث :- اختلافهما جميعاً مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد .
فأما الأول فكالاختلاف في ( الصراط ، وعليهم ، ويؤده ، والقدس ، ويحسب ) ونحو ذلك مما يطلق عليه أنه لغات فقط . (34)
وأما الثاني فنحو ( مالك ، وملك ) في الفاتحة ، لأن المراد في القراءتين هو الله تعالى ، لأنه مالك يوم الدين وملكه ، وكذلك ( يَكْذِبون ، ويُكَذِّبون ) لأن المراد بهما هم المنافقون ، لأنهم يُكذِّبون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويَكْذِبون في أخبارهم …
وأما الثالث فنحو (وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ ) بالتشديد والتخفيف ، وكذا (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى ،وبكسر الأولى وفتح الثانية … فإن ذلك كله وإن اختلف لفظاً ومعنى وامتنع اجتماعه في شيء واحد فإنه يجتمع من وجه آخر يمتنع فيه التضاد والتناقض . )) (35)
فحاصل ما ذكره ابن الجزري ومن قبله الداني أن اختلاف القراءات لا يلزم تناقض وتضاد واضطراب ، وهذا ما قرره علماء المسلمين ، بل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت728 هـ ) أن إجماع المسلمين منعقد على عدم تناقض القراءات أو تضادها ، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً من أن المهدوي لا يقصد بقوله : ( فأكثرهم ) أن غيرهم يقول بالتناقض والتضاد ، بل لا نزاع بين علماء المسلمين في أن القراءات لا تتضمن تناقض في المعنى ولا تضاد كما يقول ابن تيمية :(( ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده ، بل قد يكون معناها متفقا أو متقاربا كما قال عبد الله بن مسعود إنما هو كقول أحدكم أقبل وهلم وتعال ، وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر لكن كلا المعنيين حق وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إن قلت غفورا رحيما أو قلت عزيزا حكيما فالله كذلك ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة ، وهذا كما في القراءات المشهورة …
ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقا من وجه متباينا من وجه كقوله : ( يَخْدَعُون ويُخَادِعون ) ، و( يَكْذِبون ويُكَذِّبون )،و( لَمَسْتـُم ولامَسْتـُم )،و(حتى يَطْهُرْن ويَطَّهَرْن ) ونحو ذلك فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض ، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله .)) (36)، ثم يشير بعد ذلك إلى أن أئمة علماء السلف وطوائف من أهل الكلام والقراء متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضاً خلافاً يتضاد فيه المعنى ويتناقض ، بل يصدق بعضها بعضاً كما تصدق الآيات بعضها بعضاً . (37)
ونقل جملة من هذه الأقوال الإمام الزركشي( ت794 هـ ) في البرهان والإمام السيوطي(ت911 هـ ) في الإتقان (38) ،مما يدل على أن المراد بالاختلاف في القراءات القرآنية هو اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تناقض وتضاد ، بل رجح الإمام ابن حجر العسقلاني هذا المعنى وقواه على غيره ، إذ قال في شرح قوله تعالى:( فاقرؤوا ما تيسر منه ) : (( أي من المنزل ، وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور ، وأنه للتيسير على القارىء ، وهذا يقوي قول من قال : المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ، ولو كان من لغة واحدة ، لأنَّ لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر ، ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما ، نبه على ذلك ابن عبد البر ، ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالأحرف السبعة . )) (39)
معنى هذا أن نزول القرآن باختلاف قراءاته لا يلزم منه تناقض ولا تضاد ولا تدافع بين مدلولات معانيه يسبب اضطراباً واختلافاً بين آيات القرآن ، بل كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب قبولها والإيمان بها والعمل بمقتضاها ، وفي ذلك يقول ابن الجزري : (( كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد وجب قبوله ، ولم يسع أحد من الأمة رده ولزم الإيمان به ، وأن كله منزل من عند الله إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علماً وعملاً ، لا يجوز ترك موجب إحداهما لا جل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض .)) (40)
فمفهوم مصطلح ( الاختلاف ) في القراءات لا يعني التعارض والتباين كما يفهم هذا المعنى من المصطلح عند علماء الفقه ، فالقراءات على اختلافها وتنوعها لم يتطرق إليها تضاد ولا تناقض ، ولا تعارض وتباين كما يحصل ذلك في اختلاف وتنوع الفقهاء ، وإلى هذا نبه الإمام الجليل ابن الجزري ـ رحمه الله ـ وفرق بين اختلاف القراء واختلاف الفقهاء ، إذ يقول : (( وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء ، فإن اختلاف القراء كله حق وصواب نزل من عند الله وهو كلامه لا شك فيه ، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي ، والحق في نفس الأمر واحد ، فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر ، نقطع بذلك ونؤمن به.)) (41)
فالاختلاف في القراءات حق لا تضاد فيه ولا تدافع بين معاني الآيات ، وهذا ما دل عليه قوله تعالى:(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا )[ النساء :82] ، وما دل عليه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للمختلفين في القراءة بقوله : أصبتم ، أو كلاكما محسن ، أو أي ذلك قرأتم أصبتم ، وما دلت عليه نقولات علماء المسلمين من أن إحدى مقاصد القراءات الشاذة تفسير القراءات المشهورة وتبيين معانيها ، يقول الزركشي : (( قال أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن إن القصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها وذلك كقراءة عائشة وحفصة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) وكقراءة ابن مسعود ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) ومثل قراءة أبى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فيهن )وكقراءة سعد بن أبى وقاص (وإن كان له أخ أو أخت من أم فلكل )وكما قرأ ابن عباس( لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج)قلت وكذا قراءته (وأيقن أنه الفراق وقال ذهب الظن ) قال أبو الفتح : يريد أنه ذهب اللفظ الذي يصلح للشك وجاء اللفظ الذي هو مصرح باليقين انتهى ،وكقراءة جابر ( فإن الله من بعد إكراههن له غفور رحيم ) ،فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك فكيف إذا روى عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل على أنها من العلم الذي لا يعرف العامة فضله إنما يعرف ذلك العلماء ولذلك يعتبر بهما وجه القرآن . )) (42)
فإذا كانت القراءات الشاذة لا تقتضي تضاداً ولا تناقضاً، إنما هي مفسرة ومبينة للقراءات المشهورة ، فكيف بالقراءات الصحيحة التي تلقتها الأمة بالرضى والقبول ، فهل من المعقول أن تتضمن تناقضاً واختلافاً يقتضي التضاد يكون بها القرآن مضطرباً متبايناً ؟!.
إنَّ هذا الكلام لا يصدر إلاَّ من رجلٍ ساءت نيته وفسدت عقيدته ، لانَّ القرآن لا تناقض فيه ولا تباين ولا اضطراب ، إنما هو آيات محكمات يصدق بعضها بعضاً ، وإن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات من دون تناقض وتضاد ، وفي هذا يقول الشيخ الزرقاني ( ت 1367هـ ): (( إن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدىء من جمال هذا الإيجاز وينتهي إلى كمال الإعجاز ، أضف إلى ذلك ما في تنوع القراءات من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله ، فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء وتضاد ولا إلى تهافت وتخاذل ، بل القرآن كله على تنوع قراءاته يصدق بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير وهدف واحد من سمو الهداية والتعليم ، وذلك من غير شك يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف ، ومعنى هذا أن القرآن يعجز إذا قرىء بهذه القراءة ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثانية ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثالثة وهلم جرا، ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الوجوه والحروف ولا ريب أن ذلك أدل على صدق محمد لأنه أعظم في اشتمال القرآن على مناح جمة في الإعجاز وفي البيان على كل حرف ووجه وبكل لهجة ولسان  لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [ الأنفال :42] .)) (43)
إنَّ الاختلاف والتنوع في القراءات يقوم مقام تعدد الآيات ، وهو ضرب من ضروب الإعجاز انفرد به هذا الكتاب الكريم ، وسنبين في المبحث اللاحق جانب واحد من جوانب إعجازه في تعدد القراءات ،وما فيها من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن هذا القرآن بقراءاته كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه (( سلسلة واحدة متصلة الحلقات محكمة السور والآيات متآخذة المبادىء والغايات مهما تعددت طرق قراءته ومهما تنوعت فنون أدائه .)) (44)
[line]
[align=center]المبحث الثالث
القراءات والمعنى[/align]
من المعلوم أن الهدف الرئيس من تعدد القراءات واختلافها هو التيسير ورفع الحرج عن الأمة في قراءة كتاب ربها عز وجل ، ولكن إلى جانب هذا الهدف احتوت ظاهرة التنوع في القراءات جوانب أخرى أعطت للنص القرآني تميزه وسموه على الكتب السماوية الأخرى وعلى النصوص البشرية النثرية والشعرية على حدٍ سواء ، مما استحق أن يتصف هذا القرآن بالإعجاز .
وكان من بين هذه الجوانب جانب تعدد المعاني بتعدد القراءات ،إذ كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه أو توضحه القراءة الأخرى ، وبهذا اتسعت المعاني بتعدد القراءات ، إذ تعدد القراءات يقوم مقام تعدد الآيات القرآنية .
والاختلاف والتنوع في القراءات القرآنية يشبه إلى حدٍ كبير ظاهرة تكرار القصص القرآني ، فكل آية أو واقعة تبين معنى جديداً لم تبينه الآية أو الواقعة السابقة ، ففي قصة سيدنا إبراهيم مع ضيوفه ما يجلي هذا المقصد ، فقد ذكر الله عز وجل في سورة هود رسله وأنهم قدموا على إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى :(وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) [ هود : 69] ، وقال في سورة الذاريات :(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ )[ الذاريات : 24-26] .
فنلحظ أن الله تعالى يخبر في سورة هود أنه أرسل رسله إلى إبراهيم ، بينما نرى في سورة الذاريات أنه يبين جنس هؤلاء الرسل وهم الملائكة وأنهم منكرون لدى إبراهيم عليه السلام ، كما نرى في المشهد الأول أن إبراهيم عليه السلام يقدم لهم عجلاً يصفه الله بالحنيذ ، والحنيذ هو العجل المشوي على الرَّصف بحر الحجارة من غير أن تمسه النار مما يجعل شحمه يتقاطر حتى تنضجها (45) ، بينما نرى المشهد الثاني الذي صورته سورة الذاريات يبين أن العجل كان سميناً فهو ليس بالهزيل ، وهذا قمة إكرام الضيف ، فكل آية أعطت معنى جديداً لم تبينه الآية الأخرى .
وكذلك الأمر في قصة سيدنا موسى ، فقد ذُكِرَت في مواطن كثيرة من القرآن ، ومن هذه المواطن قوله تعالى :( فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ )[الأعراف : 107]، وفي موطن آخر قال :
(وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ)[ النمل : 10]، فالجان الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ، فهل تعارضت هاتان الآيتان ؟
لقد ذكر العلماء تفسيراً لهذا مما قد يظنه بعض المشككين أنه اختلاف وتعارض في آيات القرآن ، يقول الزركشي : (( وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .)) (46)
فآية الأعراف بينت شكلها وهيئتها وخلقتها ، وآية النمل بينت حال تحركها واهتزازها ، فكل آية أعطت معنى جديداً لم تبينه الآية الأخرى ،وعلى هذا كثير من الآيات والقصص القرآني ،لا اختلاف ولا تناقض بين الآيات ، إنما لكل آية مقصد وهدف وغاية يقتضيه السياق وجو السورة العام .
والاختلاف في القراءات القرآنية لا يختلف عن هذا المقصد ، إذ كل قراءة توضح وتبين معنى جديداً لم تبينه القراءة السابقة ، وبذلك تتسع المعاني وتتعدد بتعدد القراءات ، إذ كل قراءة بمقام آية ، وفي ذلك يقول ابن عاشور ( ت 1393هـ) : (( على أنه لا مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مراداً لله تعالى ، ليقرأ القراء بوجوه فتكثر من ذلك المعاني ، فيكون وجود الوجهين فأكثر في مختلف القراءات مجزءاً عن آيتين فاكثر ، وهذا نظير التضمين في استعمال العرب ، ونظير التورية والتوجيه في البديع … )) (47) ، وبهذا يكون من مقاصد الاختلاف في القراءات القرآنية تكثير المعاني واتساعها ، ولكن من غير تناقض أو تباين في المعاني ، وسوف ندلل على هذا الأمر بما سنعرضه من بعض القراءات ، لأن هذا المقام لا يتسع لذكر القراءات جميعها ، فالأمر يتطلب دراسة أشمل وأكبر من هذا البحث ، ولكن هذه القراءات التي سنختارها ونبين المعاني التي تضمنتها سوف ترسم ملامح واضحة للموضوع يكون الدارس معها على ركيزة ثابتة يمكن أن ينطلق من خلالها ويوجه جميع الاختلاف في القراءات القرآنية من غير تناقض أو تضاد .
1- قوله تعالى :(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) [ البقرة :10].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي ( يَكْذِبُونَ ) بفتح الياء وتسكين الكاف وتخفيف الذال ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ( يُكَذِّبونَ ) بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال . (48)
فالقراءة بالتخفيف معناها أنهم استحقوا العذاب الأليم بسبب كَذِبَهم في إظهار الإسلام والإيمان وهم في باطنهم كافرون ، فهم كاذبون في قولهم : ( آمنا بالله وباليوم الآخر ) .
والقراءة بالتشديد معناها أنهم استحقوا العذاب الأليم بسبب تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الزجاج ( ت 311 هـ ) : (( ويقرأ ( يُكَذِّبونَ ) ، فمن قرأ ( يَكْذِبُونَ ) بالتخفيف فإنَّ كَذِبَهُم قولهم أنهم مؤمنون ، قال عز وجل : ( وما هم بمؤمنين ) ، وأما يُكَذِّبونَ بالتثقيل فمعناه بتكذيبهم النبي  .)) (49)
فحاصل القراءتين أن المنافقين سيعذبون العذاب الأليم بسبب كذبهم وتكذيبهم ، ففي القراءتين تنوع في المعاني ، إذ بينت إحدى القراءتين أنهم كاذبون في أخبارهم ، وبينت القراءة الأخرى بأنهم يُكَذِّبون النبي وما جاء به من عند الله تعالى ، ومع هذا لا يقتضي هذا الاختلاف التضاد في المعنى ، لأن المراد بهما هم المنافقون ، يقول مكي ابن أبي طالب القيسي : (( والقراءتان متداخلتان ترجع إلى معنى واحد ، لأنَّ من كذب رسالة الرسل وحجة النبوة فهو كاذب على الله ، ومن كذب الله وجحد تنزيله فهو مكذب بما أنزل الله . )) (50) ، ونحو هذا ذهب الداني في باب اختلاف اللفظ والمعنى جميعاً مع جواز اجتماع القراءتين في شيء واحد من اجل عدم تضاد اجتماعهما فيه ، إذ يقول :(( وكذا ( بما كانوا يكذبون ) بتخفيف الذال وبتشديدها ، لأنَّ المراد بهاتين القراءتين جميعاً هم المنافقون ، وذلك أنهم كانوا يَكذِبون في أخبارهم ، ويُكذِّبون النبي فيما جاء به من عند الله تعالى ، فالأمران جميعاً مجتمعان لهم ، فأخبر الله تعالى بذلك عنهم وأعلمنا أنه معذبهم بهما .)) (51)،وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (( في (يكذبون ) قراءتان مشهورتان ، فإنهم كذبوا في قولهم ( آمنا بالله وباليوم الآخر ) وكذبوا الرسول في الباطن وإن صدقوه في الظاهر . )) (52) ، ويقول ابن كثير ( ت 774 هـ ) : ((وقولهم  بما كانوا يَكذِبون ) وقرىء ( يُكَذِّبون ) وقد كانوا متصفين بهذا وهذا ، فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا.)) (53)
وبهذا فإن كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه القراءة الأخرى مع عدم التناقض والتضاد بينهما.
2- قوله تعالى : يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ  [ البقرة : 219].
فقرأ حمزة والكسائي ( فيهما إثم كثير ) بالثاء ، وقرأ الباقون (إثم كبير ) بالباء . (54)
فمعنى قراءة حمزة والكسائي ( إثم كثير ) من الكثرة ، وذلك لأن شرب الخمر يحدث معه آثام كثيرة من لغط وتخليط وسب وأيمان وعداوة وخيانة وتفريط في الفرائض وفي غير ذلك ، فوصف بالكثرة ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى :  إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ  [ المائدة :91]، فذكر أشياء من الإثم . (55)
يقول أبو حيان ( ت 745 هـ ) : (( ووصف الإثم بالكثرة إما باعتبار الآثمين فكأنه قيل فيه : للناس آثام ، أي كل واحد من متعاطيها آثم ، أو باعتبار ما يترتب على شربها مما يصدر من شاربها من الأفعال والأقوال المحرفة ، أو باعتبار من زاولها من لدن كانت إلى أن بيعت وشريت فقد لعن رسول الله  الخمر ولعن معها عشرة بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها ومعتصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها ، فناسب وصف الإثم بالكثرة بهذا الاعتبار . )) (56)
أما معنى قراءة ( إثم كبير ) فهو من الكبر والعظم أ ي: فيها إثم عظيم ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ  [ الشورى : 37] ، فكذلك ينبغي أن يكون ( إثم كبير ) لأنَّ شرب الخمر والميسر من الكير ، وفي هذا يقول الزجاج : (( فأما الإثم الكبير الذي في الخمر فبين ، لأنها توقع العداوة والبغضاء ، وتحول بين المرءٍ وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه . )) (57) ، ويقول مكي : (( أجمعوا على أن شرب الخمر من الكبائر فوجب أن يوصف لإثمه بالكبر .)) (58)
فحاصل القراءتين هو التأكيد على تحريم الخمر وذمها لعظيم إثمها وعقوبتها ، وكذلك لكثرة آثامها ، فلا تناقض بين القراءتين ، لأنهما في ذم الخمر وتقبيح شاربها ، فكل قراءة بينت أمراً هو فيها ، وهو من باب الاتساع في المعاني الذي لا يقتضي التضاد والتباين ، وكلتا القراءتين مراد الله عز وجل ، وفي ذلك يقول أبو حيان : (( ذكر بعض الناس ترجيحاً لكل قراءة من هاتين القراءتين على الأخرى وهذا خطأ ، لأنَّ كلاً من القراءتين كلام الله تعالى ، فلا يجوز تفضيل شيء منه على شيء من قبل أنفسنا إذ كله كلام الله تعالى . )) (59)

3- قوله تعالى :  أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  [ البقرة: 259 ] .
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ( ننشرها ) بالراء ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ( ننشزها ) بالزاي . (60)
فمعنى قراءة ( ننشرها ) أي : إحياؤها وبعثها بعد موتها ، أما قراءة ( ننشزها ) فمعناها نرفعها والإنشاز نقلها إلى موضعها برفع بعضها إلى بعض وتركبه على حالته الأولى ، فترفع العظام وتركب للإحياء ، ومنه نشوز المرأة وهو ارتفاعها على زوجها ، ومنه قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ  [ المجادلة :11] ، أي ارتفعوا .
يقول الفراء : (( الإنشاز نقلها إلى موضعها ، وقرأها ابن عباس ( ننشرها ) ، إنشاءها : إحياؤها ، واحتجَّ بقوله : ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ  [ عبس : 22] .)) (61)
وقال الزجاج : (( يقرا ( نٌنْشِزُها ) بالزاي و( نُنْشِرُها ، ونَنْشُرُها ) بالراء فمن قرأ نُنشزها كان معناه نجعلها بعد بِلاها وهجودها ناشزة ينشز بعضها إلى بعض ، أي يرتفع ، والنشز في اللغة ما أرتفع عن الأرض ، ومن قرأ ( نُنْشِرُها ، ونَنْشُرُها ) فهو من أنشر الله الموتى ونشرهم ، وقد يقال نَشَرهم الله أي بعثهم ، كما قال :  وَإِلَيْهِ النُّشُورُ  [ الملك : 18 ]. )) ( 62)
فحاصل القراءتين أن الله بين كيفية إحياء الموتى ، وذلك بإحياء العظام وبعثها من موتها التي كانت فيها كما دلت عليه القراءة بالراء ، وبينت القراءة بالزاي كيفية إحياء العظام ، وذلك برفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فضمن الله تعالى المعنيين في القراءتين ، وفي هذا يقول الداني : (( المراد بهاتين القراءتين جميعاً هي العظم ، وذلك أن الله تعالى أنشرها أي أحياها ، وأنشزها أي رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فأخبر سبحانه أنه جمع لها هذين الأمرين من إحيائها بعد الممات ورفع بعضها إلى بعض لتلتئم فضمن تعالى المعنيين في القراءتين تنبيهاً على عظيم قدرته . )) (63)
فدل بالقراءتين على عظيم قدرته سبحانه في البعث والإحياء والتركيب من غير تناقضٍ أو تباينٍ أو تضادٍ فيهما.
4- قوله تعالى :  وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ  [ الأنعام : 61] .
قرأ عامة العشرة ( وهم لا يُفَرِّطُون ) بتشديد الراء ، وقرأ الأعرج ( وهم لا يُفْرِطُون ) بتخفيف الراء وسكون الفاء . (64)
فمعنى قراءة العامة أن الملائكة لا يقصرون فيما يؤمرون به من توفي من تحضره المنية ولا يغفلون ولا يتوانون ، أما قراءة الأعرج ( لا يُفْرِطُون ) فهو من الإفراط أي الزيادة ، فهم لا يزيدون ولا يتوفون إلاَّ من أمروا بتوفيه لا يتجاوزن الحد في ذلك ، قال ابن جني ( ت 392 هـ ) : (( يقال أفرط في الأمر إذا زاد فيه ، وفرَّط فيه إذا قصَّر، فكما أن قراءة العامة ( لا يُفَرِّطُون )لا يقصرون فيما يؤمرون به من توفِّي من تحضر منيته ، فكذلك أيضاً لا يزيدون ، ولا يَتَوَفَّون إلاَّ من أُمِرُوا بتَوَفِّيه ، ونظيره قوله جل وعز :  وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ  [ الرعد : 8 ] . )) (65)
فدل بالقراءتين على أن الملائكة يفعلون ما يؤمرون به دون زيادة أو نقصان فكل قراءة وضحت معنى هو من مراد الله عز وجل دون تضاد أو تناقض ، وهو من باب التوسع في المعاني من غير تباين في معاني القراءات . (66) ، وفي هذا يقول الزمخشري ( ت538 هـ ) : (( و ( يفرطون ) بالتشديد والتخفيف ، فالتفريط التواني والتأخير عن الحدِّ ، والإفراط مجاوزة الحدِّ ، أي لا ينقصون مما أمروا به ولا يزيدون فيه .)) (67)
5- قوله تعالى :  وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ، وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ  [ التكوير : 22-25] .
قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة ( بِضنين ) بالضاد ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس ( بظنين ) بالظاء . (68)
فالقراءة بالضاد ( بضنين ) فمن الضنة وهي البخل ، أي معناها ما هو على الغيب ببخيل ، أما القراءة بالظاء ( بظنين ) فمن الظنة وهي الاتهام ، أي ما هو على الغيب بمتهم .
يقول الفراء : (( حدثني قيس بن الربيع عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : أنتم تقرءون ( بضنين ) ببخيل ، ونحن تقرأ ( بظنين ) بمتهم ، وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت ( بضنين ) وهو حسن ، يقول : يأتيه غيب السماء وهو منفوس فيه فلا يضن به عنكم ، فلو كان مكان على ، عن صلح أو الباء كما تقول : ما هو بضنين بالغيب ، والذين قالوا : بظنين احتجوا بأن على تقوي قولهم ، كما تقول : ما أنت على فلان بمتهم . )) (69) ، ونحو هذا ذهب الزجاج بقوله : ((فمن قرأ بظنين فمعناه ما هو على الغيب بمتهم وهو الثقة فيما أداه عن الله جل وعز ، يقال ظننت زيداً في معنى اتهمت زيداً ، ومن قرأ ( بضنين ) فمعناه ما هو على الغيب ببخيل ، أي هو  يؤدي عن الله ويُعَلِّمُ كتاب الله . )) (70)
ويقول ابن خالويه ( ت 370 هـ ) : (( قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ( بظنين ) بالظاء ، أي : بمتهم ، يقال : بئرٌ ظنينٌ ، إذا كان لا يُوثَقُ بها .
وقرأ الباقون ( بضنين ) بالضاد ، أي : ببخيل ، أي ليس بخيل بالوحي بما أنزل الله من القرآن فلا يكتمه أحداً ، تقول العرب : ضننت بالشيء أضن به : إذا بخلت به ، ويُنشد :
مَهْلاً أعَاذِلُ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي * إنِّي أجُوْدُ لأقوامٍ وإنْ ضَنَنُوا. )) (71)
ولم يشذ عن هذه المعاني جمهور المفسرين وأصحاب كتب علل القراءات (72) ،كما أورد أصحاب كتب النظائر بين الظاء والضاد ما يؤكد ما ذهب إليه أصحاب كتب التفسير ، ومعاني القرآن، وعلل القراءات ، لكن المفيد في الكتب التي اختصت بالحديث عن الظاء والضاد هو انفرادها برواية النظائر بشيء من التوسع والشمول والاعتماد على ما قرره علماء اللغة في معجماتهم ، كما أنها أصبحت مضان الدارسين في هذا الباب ، لأنها عالجت ما أصاب بعض المتأخرين من الخلط بين الحرفين في النطق مع أن معناهما مختلف في بناء الكلمة ، فوضعت هذه الكتب الضوابط للتفريق بين الحرفين مع ذكر المعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ .
يقول السرقوسي ( ت نهاية القرن السادس ) : (( ويكون الظَّنُّ بمعنى الشكَ والتهمة ، قال الله تعالى : مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ  [ النساء:157 ] ،  إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا  [ الجاثية : 32 ] .
واختلف في سورة التكوير في قوله :  وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ  ، فقُرىء بالظاء على معنى التهمة ، وقُرىء بالضاد على معنى البخيل ( وما هو على الغيب بضنين ) أي : ببخيل . )) (73)
ويقول ابن مالك ( ت 672 هـ ) : (( فأما ( الضنُّ ) بالضاد فمصدرُ ضنَّ بالشيء ضَنّاً وضِنّاً وضَنَانَةً إذا بَخِلَ به وشَحَّ ، واضنينُ : البخيلُ ، وقُرِىء : ( وما هو على الغيب بضنين ) …
وأما ( الظنُّ ) بالظاء : التُهمةُ ، وقُرىء ( وما هو على الغيب بظنين ) أي بمتهم ، وكلاهما بالظاء والضاد متوجهان في حقِّ النبي  ، لأنه ليس ببخيل ولا بمتهم . )) (74)
وبهذا يتحصل أن القراءتين وإن اختلف لفظهما فلم يتناقض أو يتضاد معناهما ، بل تصدق بعضهما بعضاً ، وكل قراءة تزيد معنى جديداً تكمل به القراءة الأخرى ، فالمراد بهاتين القراءتين جميعاً هو النبي  ، وذلك أنه كان غير متهم فيما أخبر به عن الله تعالى وغير بخيل بتعليم ما علمه الله وأنزله إليه فقد انتفى عنه الأمران جميعاً ، فأخبر الله تعالى عنه بهما في القراءتين . (75)
من خلال ما تقدم يتبين بشكل جلي أن الاختلاف في القراءات القرآنية هو اختلاف تنوع وتغاير ، وليس اختلاف تناقض أو تضاد ، إذ ليس في شيء من القراءات تنافٍ ولا تضاد ولا تناقض ولا تباين ، وإن من مقاصد هذا الاختلاف هو التكثير من المعاني في الآية الواحدة ، فكانت كل قراءة تلقي الضوء على جانب معين لم تبينه القراءة الأخرى ، وكأن الموضوع مجموعة صور لمسجد أو بيت كل صورة تبين أو تزيد شياً جديداً لم تبينه الصورة الأخرى ، مع أن جميع الصور هي لمكانٍ واحد .
[line]
[align=center]الخاتمة والنتائج[/align]
لن أطوي صفحات هذا البحث حتى أجمل بعض الحقائق التي خرجتُ بها من خلال دراسة هذا الموضوع والتي تتلخص في الأمور الآتية : -
(1) إنَّ موضوع القراءات القرآنية من الموضوعات المهمة في الدرس اللغوي العربي ، لأنَّ دراسة هذا الموضوع يكشف الكثير من القضايا اللغوية المهمة ( الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية )، ويلقي الضوء على الكثير من الخصائص اللهجية التي اتسمت بها القبائل العربية ، وبهذا تعد مادة القراءات القرآنية وما يتعلق بها من قضايا رافداً مهماً من روافد الدرس اللغوي العربي لا يمكن تجاهله أو التقصير فيه ،ولاسيما دارس العربية .
(2) تبين من خلال البحث أن علماء المسلمين أجمعوا على أن الاختلاف في القراءات إنما هو اختلاف تنوع وتغاير ، لا اختلاف تضاد وتناقض ، ودللنا على ذلك بجملة من أقوال علماء المسلمين والتي تثبت ذلك ، وتوضح بشكل قاطع جهل بعض المستشرقين في هذا الموضوع وهم يصفون الاختلاف في القراءات القرآنية بالاضطراب .
(3) اتضح من خلال عرض بعض الاختلاف في القراءات القرآنية اثر القراءات في تعدد المعاني واتساعها ، وإن الإكثار من المعاني في الآية الواحدة هو مقصد من مقاصد الاختلاف في القراءات القرآنية ، وهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق وكل قراءة مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعاني علماً وعملاً .
وهذا الموضوع لم يغفل عنه علماء المسلمين ، فكتب التفسير وتوجيه القراءات احتوت على جوانب كثيرة من هذا الموضوع إلاَّ أنها لم تدرس هذا الموضوع بالشكل الذي عرضناه دراسة استقصائية ، وإنما كانت توضح حجة أو علة كل قراءة وتورد بعض الأقوال مبثوثة هنا أو هناك ، كأنها ترجح قراءة على أخرى أو تبين العلة من القراءة بهذه اللفظة متجاهلة ـ في الأعم الأغلب ـ الفوائد واللطائف التي تتحقق من خلال الاختلاف في القراءات القرآنية ، لذا أرى من المفيد جمع كل ما يتعلق بهذا الموضوع وإفراده بتصنيف يبين المعاني والفوائد واللطائف التي تضمنتها القراءات ويبرز جانب الإعجاز في النص القرآني بكونه غير قابل للتناقض والتباين والاضطراب على الرغم من تعدد القراءات وتنوعها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
[line]
الهوامش
(1) ينظر : معرفة القراء الكبار 1/54.
(2) صحيح البخاري 1/6 و6/2736. والحديث في : مسند الإمام أحمد 1/343،وصحيح مسلم 1/330 ،وسنن الترمذي 5/430 ، وسنن النسائي 1/324و6/503 .
(3) فتح الباري 1/30.
(4) المرشد الوجيز 33.
(5) ينظر : جمال القراء 2/424.
(6) النشر 1/6.
(7) ينظر :مسند الإمام أحمد 1/10و13 ، وصحيح البخاري 4/1720و1907و6/2629 ، وسنن الترمذي 5/283 ،والنسائي 5/7 ، وكتاب المصاحف 1/170 ، والإبانة 23-25 ، و محاضرات في علوم القرآن 55-56.
(8) ينظر : الإبانة 15.
(9) ينظر : تأويل مشكل القرآن 39 ، والإبانة 42-43.
(01) الحديث في سنن الترمذي 5/194 رقم 2944 .
(11) صحيح مسلم 1/562.
(21) ينظر : محاضرات في علوم القرآن 109 .
(31) ينظر تمام الواقعة في:صحيح البخاري 4/1908 ، وسنن الترمذي 5/284، وسسن النسائي5/6، والإتقان 1/169-172.
(41) كتاب المصاحف 1/214 . وينظر الإتقان 1/170-171.
(51) الإبانة 16.
(61) المرشد الوجيز 92.
(71) الفتح 9/9.
(81) المصدر السابق 9/28.
(91) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية 41.
(02) الإبانة 10.
(12) السبعة 49.
(22) ينظر : مناهل العرفان 1/279و285.
(32) ينظر : القراءات القرآنية تاريخ وتعريف 27-32.
(42) هو مستشرق يهودي مجري الأصل ، له العديد من المصنفات رحل إلى سورية وفلسطين ومصر، وعين أستاذاً في جامعة بودابست ( عاصمة المجر ) ، توفي سنة 1921م . ينظر : الأعلام 1/84.
(52) مذاهب التفسير الإسلامي 4.
(62) المصدر السابق 18.
(72) المصدر السابق 5 .
(82) ينظر : مختصر في شواذ القراءات 6.
(92) بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات 240.
(03) ينظر : الأحرف السبعة للداني 57-59 ، و الإتقان 1/131-141 ، والقراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية 24-29.
(13) الأحرف السبعة 60.
(23) المصدر السابق 47.
(33) ينظر : المصدر السابق 50-51.
(43) في الأحرف السبعة للداني47-48 : (( (السراط)بالسين و(الصراط)بالصاد و(الزراط) بالزاي و (عليهم، و إليهم،ولديهم)بضم الهاء مع إسكان الميم وبكسر الهاء مع ضم الميم وإسكانها و(فيه هدى،و عليه كنز،و منه ءايت،وعنه ماله)بصلة الهاء وبغير صلتها و(يؤده إليك،ونؤته منها،وفألقه إليهم)بإسكان الهاء وبكسرها مع صلتها واختلاسها،و(أكلها،وفي الأكل)بإسكان الكاف وبضمها،و( إلى ميسرة)بضم السين وبفتحها،و(يعرشون)بكسر الراء وبضمها وكذلك ما أشبهه ونحو ذلك البيان والإدغام والمد والقصر والفتح والإمالة وتحقيق الهمز وتخفيفه وشبهه مما يطلق عليه أنه لغات فقط .))
(53) النشر 1/51.
(63) مجموعة الفتاوى 13/391-392.
(73) ينظر : المصدر السابق 13/401.
(83) ينظر : البرهان 1/221 ، و الإتقان 1/132-135.
(93) فتح الباري 9/26.
(04) النشر 1/51.
(14) المصدر السابق 1/52.
(24) البرهان 1/336-338.
(34) مناهل العرفان 1/105-106. وينظر: مقدمة تفسير التحرير والتنوير 1/54.
(44) مناهل العرفان 1/130.
(54) ينظر : تفسير القرطبي 9/23.
(64) البرهان 2/55.
(74) التحرير والتنوير 1/54.
(84) ينظر : السبعة 143 ، والتذكرة 2/310 ، والتيسير 72، والإقناع 2/597 ، والكنز 2/404 ، والنشر 2/207.
(94) معاني القران وإعرابه 1/87. وينظر : معاني القراءات 42 ، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/66 ، والحجة لأبي علي 1/255-257 ، والكشف 1/228 ، والموضح في تعليل وجوه القراءات 257-258.
(05) الكشف 1/229.
(15) الأحرف السبعة 48-49. وينظر : النشر 1/50.
(25) مجموعة الفتاوى 7/182.
(35) تفسير القرآن العظيم 1/88.
(45) ينظر : السبعة 182، والتذكرة 2/333 ، والتيسير 80 ، والإقناع 2/608 ، والكنز 2/424 ، والنشر 2/227.
(55) ينظر : حجة القراءات 133 ،والكشف 1/261 ، والموضح في تعليل وجوه القراءات 302.
(65) البحر المحيط 2/157-158.
(75) معاني القرآن وإعرابه 1/292.
(85) الكشف 1/291. وينظر الموضح في تعليل وجوه القراءات 302.
(95) البحر المحيط 2/185.
(06) ينظر : السبعة 189، ووالتذكرة2/339، والتيسير 82، والإقناع 2/611، والكنز 2/429، والنشر 2/231.
(16) معاني القرآن 1/173.
(26) معاني القرآن وإعرابه 1/344. وينظر : حجة القراءات 144، وإعراب القراءات السبع 1/97، ومعاني القراءات 86، والكشف 1/310-311، والموضح في تعليل وجوه القراءات 311-312.
(36) الأحرف السبعة 49. وينظر : النشر 1/50.
(46) ينظر : المحتسب 1/223.
(56) المصدر السابق.
(66) ينظر : إعراب القراءات الشواذ 1/483-484.
(76) الكشاف 2/32.
(86) ينظر : السبعة 673، والتذكرة 2/756، والتيسير 220، والإقناع 2/805، والكنز 2/707، والنشر 2/398.
(96) معاني القرآن 3/243.
(07) معاني القرآن وإعرابه 5/293.
(17) إعراب القراءات السبع 2/446 .
(27) ينظر : معاني القراءات 531، وحجة القراءات 752، والكشف 2/364، والموضح في تعليل وجوه القراءات 705، والكشاف 4/713، وتفسير القاسمي 9/342-343.
(37) ظاءات القرآن 317.
(47) الاعتماد في نظائر الظاء والضاد 38-39.
(57) الأحرف السبعة 49.
[line]
قائمة المصادر والمراجع
1- الإبانة عن معاني القراءات ـ لمكي بن أبي طالب القيسي ( ت 437 هـ ) تحقيق : الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي ـ مطبعة نهضة مصر ـ القاهرة (د0 ت) 0
2- الإتقان في علوم القرآن ـ لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ـ المكتبة العصرية ـ بيروت ـ (1408هـ = 1988م )0
3- الأحرف السبعة – لأبي عمرو الداني (ت 444هـ ) تحقيق : عبد المهيمن طحان ـ مكتبة المنارة ـ مكة المكرمة ـ الطبعة الأولى ( 1408هـ = 1988م) 0
4- الإعتماد في نظائر الظاء والضاد ـ لجمال الدين محمد بن مالك ( ت 672هـ ) تحقيق : الدكتور حاتم الضامن – مؤسسة الرسالة – بيروت ت الطبعة الثالثة ( 1406هـ = 1985م ) 0
5- إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ـ لمصطفى صادق الرافعي ، راجعه واعتنى به نجوى عباس ـ مؤسسة المختار ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى ( 1423هـ=2003) 0
6- إعراب القراءات السبع وعللها – لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370 هـ) ، حققه وقدم له : الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين – مكتبة الخانجي بالقاهرة – الطبعة الأولى (1413هـ = 1992م ) 0
7- إعراب القراءات الشواذ – لأبي البقاء العكبري (ت616هـ )، دراسة وتحقيق : محمد السيد أحمد عزوز – عالم الكتب – بيروت – الطبعة الأولى (1417هـ = 1996 ) 0
8- الأعلام ـ لخير الدين الزركلي ( ت1396هـ ) دار العلم للملايين ـ بيروت ـ الطبعة الخامسة ( 1400هـ =1980م ) 0
9- الإقناع في القراءات السبع – لأبي جعفر أحمد بن علي المعروف بابن الباذش (ت540 هـ)، حققه وقدم له : الدكتور عبد المجيد قطامش – منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى – مطبعة دار الفكر – دمشق – الطبعة الأولى (1403هـ = 1983م) 0
01- البحر المحيط في التفسير- لأبي حيان الأندلسي (ت745هـ ) دار الفكر – بيروت ـ الطبعة الثانية (1403هـ = 1983م ) 0
11- البرهان في علوم القرآن ـ لمحمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي ( ت 794 هـ )، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ( 1391هـ = 1972م ) 0
21- بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات ـ لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي ( ت في حدود 440هـ ) ضمن كتاب نصوص محققة في علوم القرآن الكريم ـ تحقيق : الدكتور حاتم الضامن ـ بغداد ( 1411هـ =1991م ) 0
31- تأويل مشكل القرآن ـ لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ( ت 276هـ ) تحقيق : سيد أحمد صقر ـ دار التراث ـ القاهرة ـ الطبعة الثانية ( 1393هـ= 1973م ) 0
41- التحرير والتنوير ( تفسير ابن عاشور التونسي ) لمحمد الطاهر بن عاشور (ت1392هـ) – مؤسسة التأريخ – بيروت – الطبعة الأولى ( 1420هـ = 2000م ) 0
51- التذكرة في القراءات ـ لأبي الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون ( ت 399 هت ) ـ تحقيق : الدكتور عبد الفتاح بحيري إبراهيم ـ الناشر ـ الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة ت الطبعة الثانية ( 1411هـ = 1991م ) .
61- تفسير القرآن العظيم ( تفسير ابن كثير ) – لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت774هـ) ، تخريخ وتعليق : أبو معاوية مازن بن عبد الرحمن الجصلي ـ جمعية إحياء التراث الإسلامي ـ الكويت ـ الطبعة الأولى ( 1425= 2004) 0
71- تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن ) ـ لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت671هـ) – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى ( 1408هـ =1988م ) 0
81- التيسير في القراءات السبع – لأبي عمرو الداني( ت444 هـ ) عنى بتصحيحه اوتو برتزل – استانبول – مطبعة الدولة (1350هـ = 1930م) أعادت طبعه مكتبة المثنى – بغداد 0
91- جمال القراء وكمال الإقراء ـ لعلم الدين أبو الحسن علي بن محمد السخاوي ( ت 643 هـ ) ، تحقيق : علي حسين البواب ـع مكتبة التراث ـ مكة ـ الطبعة الأولى ( 1408هت = 1988م ) 0
02- الحُجَّة في علل القراءات السبع – لأبي علي الفارسي – ج1 تحقيق : علي النجدي ناصف، والدكتور عبد الحليم النجار،والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي دار الكتاب العربي بمصر (1385هـ = 1965م ) 0
12- حجة القراءات – لأبي زُرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة (ت أواخر 400هـ) ، تحقيق : سعيد الأفغاني – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الخامسة (1422هـ = 2001م ) 0
22- السبعة في القراءات – لأبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد (ت 324 هـ)، تحقيق : الدكتور شوقي ضيف – دار المعارف بمصر – الطبعة الثالثة (1408هـ= 1988م) 0
32- سنن أبي داود ـ لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني ( ت 275 هـ ) تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ـ دار الفكر ـ بيروت ( د.ت ) 0
42- سنن الترمذي – لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت297هـ )، تحقيق وشرح : أحمد محمد شاكر وآخرين – دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى (1408 هـ = 1987م ) 0
52- سنن النسائي ـ لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ( ت 303 هـ )، تحقيق : الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري ، وسيد كسروي حسن ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ( 1411هـ = 1991م ) 0
62- صحيح البخاري – لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) ، تحقيق : الدكتور مصطفى البغا ـ دار ابن كثير واليمامة ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ( 1407هـ = 1987م ) 0
72- صحيح مسلم ـ لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ( ت 261 هـ )، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ( د.ت ) 0
82- ظاءات القرآن ـ لأبي الربيع سلمان بن أبي القاسم السرقوسي ( ت أوآخر السادس الهجري ) ضمن كتاب نصوص محققة في علوم القرآن الكريم ، تحقيق: الدكتور حاتم الضامن ـ بغداد ( 1411هـ = 1991م ) 0
92- فتح الباري ـ لأحمد بن علي بن حجر العسقلني ( ت 852هـ ) ، تحقيق : محب الدين الخطيب ـ دار المعرفة ـ بيروت ( د.ت ) 0
03- القراءات القرآنية تأريخ وتعريف ـ للدكتور عبد الهادي الفضلي ـ دار القلم بيروت ـ الطبعة الثالثة ( 1405هـ = 1985م ) 0
13- القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية ـ للدكتور عبد العال سالم مكرم مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ الطبعة الثالثة ( 1417هـ = 1996م ) 0
23- كتاب المصاحف – لأبي بكر عبد الله بن سليمان بن الاشعث السجستاني (ت316هـ) ، دراسة وتحقيق ونقد : الدكتور محب الدين عبد السبحان واعظ ـ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر – الطبعة الأولى (1416هـ= 1995م)0
33- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل – لأبي القاسم محمد بن عمر الزمخشري ( ت538هـ) ، تحقيق وتخريج وتعليق : عبد الرزاق المهدي – دار إحياء التراث العربي – بيروت – الطبعة الثانية (1421هـ= 2001م) 0
43- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها – لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق:الدكتور محيي الدين رمضان – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الثانية (1401هـ = 1981م ) 0
53- الكنز في القراءات العشر ـ لعبد الله بن عبد المؤمن الواسطي( ت740 هـ) دراسة وتحقيق : الدكتور خالد احمد المشهداني ـ مكتبة الثقافة الدينية ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى ( 1425هـ = 2004م ) 0
63- مجموعة الفتاوى ـ لابن تيمية ( ت 728 هـ ) ، جمع : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ـ مطبعة الرسالة ـ سورية ـ الطبعة الأولى ( 1398هـ = 1978م ) 0
73- محاضرات في علوم القرآن ـ لغانم قدوري الحمد ـ دار الكتاب للطباعة ـ بغداد ـ الطبعة الأولى ( 1401هـ = 1981م ) 0
83- المُحتَسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها ـ لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392هـ) ، تحقيق: علي النجدي ناصف، والدكتور عبد الحليم النجار، والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي ـ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة (1424هـ =2004م)0
93- مختصر في شواذ القراءات من كتاب البديع لابن خالويه – عنى بنشره : ج0 برجشتراسر – دار الهجرة (د0ت)0
04- مذاهب التفسير الإسلامي ـ لجولد تسيهر ، ترجمة : الدكتور عبد الحليم النجار ـ مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة ( 1375هـ = 1955م ) 0
14- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ـ لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي ( ت 665 هـ ) ، تحقيق : طيار آلتي قولاج ـ دار صادر بيروت ( 1395هـ = 1975م ) 0
24- مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني ( ت 241 هـ ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ـ دار الحديث ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى ( 1415هـ = 1995م ) 0
34- معاني القراءات – لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت370هـ) ، حققه وعلق عليه – الشيخ أحمد فريد المزيدي – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى (1420 هـ = 1999م) 0
44- معاني القرآن – لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت207هـ) ، تحقيق : محمد علي النجار ، وأحمد يوسف نجاتي – عالم الكتب – بيروت – الطبعة الثانية (1400هـ = 1980م ) 0
54- معاني القرآن وإعرابه – لأبي إسحاق الزجاج (ت311هـ)، شرح وتحقيق : الدكتور عبد الجليل عبده شلبي – عالم الكتب – بيروت – الطبعة الأولى (1408هـ = 1988م ) 0
64- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار – للذهبي ، تحقيق : بشار عواد معروف ، وشعيب الأرناؤوط ، وصالح مهدي عباس – مؤسسة الرسالة- بيروت الطبعة الأولى (1984م = 1404هـ) 0
74- مناهل العرفان في علوم القرآن ـ لمحمد عبد العظيم الزرقاني ( ت 1367 هـ ) ـ دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ( 1417 هـ = 1996م ) 0
84- الموضح في تعليل وجوه القراءات السبع – لأبي العباس المهدوي (ت440هـ) ، دراسة وتحقيق : سالم قدوري الحمد – رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الآداب – جامعة بغداد – تحت إشراف الدكتور حاتم صالح الضامن (1988م = 1408هـ) 0
94- النشر في القراءات العشر – لابن الجزري ، تصحيح ومراجعة : علي محمد الضباع – دار الفكر – بيروت (د0ت ).
 
بحث ممتاز يستحق التدبر ، وفيه فوائد مهمة .
شكراً جزيلاً للأستاذ إياد السامرأئي
 
جزى الله كاتب هذا البحث خير الجزاء ،لكن عندى ملاحظة وهي أن الصواب فى كتاب أبى عبيد (القراءات )أنه فى الخمسة عشر ،وليس فى الخمسة والعشرين كما ذكر ابن الجزرى رحمه الله ونقلها عنه من جاء بعده ،ومصدري فى هذه المعلومة هو الرسالة العلمية للماجستير التى أشرف عليها أستاذى الدكتور إبراهيم الدوسرى حفظه الله لطالب افريقي فى قسم القرآن وعلومه سنة 1421،ومع الأسف لايحضرنى الآن عنوانها ولا اسم الباحث لكنها فى صميم كتاب أبى عبيد هذا ،ويا حبذا لو أفادنا شيخنا إبراهيم بذلك والله يحفظ الجميع 0
 
جزاكم الله خيراً. لعلك تعني رسالة (اختيارات أبي عبيد في القراءات) للزميل الفاضل عبدالباقي سيسي .
 
السلام عليكم ورحمة الله
هذا الموضوع قد طرقه شيخنا العلامة فضل عباس من قديم في بحث له بعنوان القراءات القرانية من الوجهة البلاغية وهو فيما اعتقد يستحق القراءة والنظر
 
القراءات القرآنية

من الوجهة البلاغية



بقلم : أ.د. فضل حسن عباس

أستاذ الدراسات العليا

في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية/ جامعة اليرموك

___________________________________________________




أراد بعض النحويين -وقد جعلوا من قواعدهم أصولاً لا ينبغي أن تخالف- أن يخضعوا القراءات المتواترة لأصولهم وقواعدهم، فإذا رأوا قراءة تتعارض مع هذه القواعد والأصول، ردّوها أو حكموا عليها بالضعف. ومن توفيق الله ومن حسن الحظ أنهم لم يجمعوا على قاعدة، فما يراه البصريون ملزماً ينقضه الكوفيون، وما يرتئيه الأخفش لا يجيزه غيره. ومن رحمة الله أن هيّأَ لهذه القراءات من يذبّ عن قدسيتها، ويدافع عن حماها. وكان هؤلاء الذابّون المدافعون فئات كثيرة منهم المفسرون والمتكلمون والأصوليون، بل وجدنا من اللغويين والنحويين أنفسهم من ينبري لهذا الواجب.

ولم تقتصر اعتراضات المعترضين على القضايا الإعرابية، بل وجدناها تتعدى ذلك إلى اللهجات والأمور اللغوية المتعلقة بمتن اللغة كذلك. وأمام كل هذه الشقشقات وجدنا الأئمة ينبرون لرد هذه التخرصات. وصار ذلك ديدن العلماء فيما بعد، أن يذبوا عن هذه القراءات. وإذا كان بعض النحاة اقتحموا أسوار قدسية القراءات المتواترة، من حيث القواعد النحوية واللغوية، فإننا قد وجدنا بعض الأئمة يقتحم أسوار هذه القدسية، ولكن من جانب آخر، ذلك هو جانب المعنى، فقد تصح عنده القراءة من حيث اللغة والنحو ولكنها لا تصح من حيث المعنى، ولحسن الحظ فإن هذا الصنف من الناس لم يبلغ من الكثرة ما بلغه الصنف الأول. وكان جلّ ما كتبه العلماء منصبّاً على الناحية الأولى، وهي الدفاع عن القراءات لغة ونحواً. حتى المحدثون من ذوي الغيرة على هذا الكتاب وقراءاته المتواترة كانت عنايتهم بهذه الجهة كذلك.

هذا كله جعلني منساقاً برغبة ملحة أن أخوض غمار هذا الموضوع الشاق الشائق، محاولاً أن أجلي ما استطعت، وأبرز دقة هذه القراءات وإحكامها من حيث معانيها وغاياتها.

وإذا كانت الأحرف السبعة كما يرى كثير من العلماء قد اشتملت عليها المصاحف العثمانية، وكان ما لا يحتمله الرسم موزعاً على هذه المصاحف، إذا كان الأمر كذلك فإن إعجاز هذا القرآن لا بد أن يكون في هذه القراءات جميعها، فليست قراءة أَولى بهذا الإعجاز من قراءة ما دام الكل متواتراً وما دام الكل قرآناً من عند الله.

وقد رأيت أن أتتبع بعض أوجه الخلاف التي فسرت بها الأحرف السبعة عند الجمهور، كالاختلاف من حيث الحروف والتنقيط، ومن حيث الحركات والإعراب، ومن حيث الحذف والذكر. مراعياً الإيجاز والاختصار.

- قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة) (البقرة: 51): قرأ أبو عمرو بن العلاء البصري: (وعدنا) بدون ألف، وقرأها الباقون بألف (واعدنا).

وقراءة الجمهور فيها معنى المفاعلة، فالمواعدة تكون بين اثنين، فهناك وعد من الله لموسى بإعطائه التوراة، ووعد من موسى بالتنفيذ والالتزام والحضور. أما قراءة أبي عمرو فإنها تدل على أن الوعد كان من الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام، فهو من جهة واحدة، فإذا كانت قراءة الجمهور دالة على ما كان يطمح إليه كليم الله تبارك وتعالى من فرحة اللقاء، ونور المؤانسة التي ذاق حلاوتها من قبل وهو عائد من مدين حينما خوطب: (إني أنا ربك)، وحين سئل: (وما تلك بيمينك يا موسى) فأطال القول: (هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى) (طه: 18). أقول إذا كانت قراءة الجمهور دالة على ذلك كله فإن قراءة أبي عمرو تدل على أن الوعد كان فيه إكرام وتكليف لموسى عليه السلام.

- ولنتدبر ما قصّه علينا القرآن حديثاً عن نوح عليه السلام: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعُمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) (هود: 28)، وقوله سبحانه: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين . فَعَمِيَت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون) (القصص: 65-66). فلقد تعددت القراءات في الآية الأولى، فقرأ حفص وحمزة والكسائي (فعمّيت) بالتشديد على بناء الفعل للمفعول، وقرأ الباقون بالتخفيف وبناء الفعل للفاعل، ولكنهم أجمعوا على قراءة آية القصص بالتخفيف، ولو كانت القراءة اجتهاداً لاختلفوا في القراءتين أو اتفقوا عليهما.

ونحن إذا أنعمنا النظر في الآيتين الكريمتين أدركنا حكمة الاختلاف والاتفاق، فآية سورة هود التي اختلفت فيها القراءات يصح توجيهها على كلتا القراءتين، فقراءة التشديد تبين أن الرحمة قد عمّيت، وقد يكون الذي عمّاها عليهم هو الله تبارك وتعالى لأن قلوبهم غلف، فأضلهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم، وقد يكون غيره سبحانه، وهو خلاف مشهور بين المفسرين. قال تعالى: (زيّن للناس حب الشهوات) (آل عمران: 14)، وقال: (زيّن للذين كفروا الحياة الدنيا) (البقرة: 212)، فقد قيل إن المزيّن هو الله سبحانه، وقيل إن المزيّن هو الشيطان، ولكلٍّ وجهة فيما ذهب إليه. وهذا يصدق على الآية التي نتحدث عنها.

وقراءة التخفيف تدل على أن الرحمة هي التي عميت عليهم وهو أسلوب في العربية شائع مشتهر، يقال: أدخلت الأصبع في الخاتم، وأدخلت الخاتم في الإصبع. فمعنى عميت عليهم الرحمة أنهم هم عموا عنها، أو تكون عميت بمعنى خفيت، ويكون ذلك من باب المجاز. قال الشيخ زاده رحمه الله: "وقرأ الباقون بفتح العين وتخفيف الميم. والمعنى فعميت عليكم البينة فلم تهدكم كما لو عمى دليل القوم عليهم في المفازة فإن الحجة كما توصف بالإبصار إذا كانت معلومة لأنها هادية كالبصر. قال تعالى: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة). كذلك توصف بالعمى إذا كانت مجهولة خفية لكونها غير هادية. قال الله تعالى: (فعميت عليهم الأنباء)"([1]).

أما آية القصص وقد اتفقوا على قراءتها بالتخفيف، فإن التشديد فيها غير ممكن من جهة المعنى، فإنها تتحدث عن يوم القيامة، وهو اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما كسبت، وهو اليوم الذي تتحقق فيه العدالة (لا ظلم اليوم). وعلى هذا فلا يعقل ولا يصح أن يعمى على هؤلاء شيء، فإن التعمية لا تتفق ولا تنسجم مع العدل المطلق الذي يتحقق في ذلك اليوم كيف وهم لا يظلمون فتيلاً، ويعلم الله أن تدبر هاتين الآيتين فيه رد حاسم وتقرير جازم على كل أولئك الذين أرادوا أن يثيروا زوبعة حول هذه القراءات، وهو مع ذلك برهان ساطع على مظهر الإعجاز لتلك القراءات المتواترة.

- قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم . ذي قوة عند ذي العرش مكين . مطاع ثَمّ أمين . وما صاحبكم بمجنون . ولقد رآه بالأفق المبين . وما هو على الغيب بضنين...) ([2])( التكوير: 19-24). فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء (بظنين) ومعناه (بمتهم)، وقرأ الباقون بالضاد ومعناه ببخيل. فقراءة الظاء منسجمة مع الوصف السابق وهو قوله سبحانه (أمين)، أما قراءة الضاد فمعناها أنه ليس بخيلاً بما أمر بتبليغه فلا يكتم ما عنده تلقاء أجر يتلقاه، كما يفعل الكهّان. وعلى هذا فهذه القراءة منسجمة مع ما بعدها من قوله: (وما صاحبكم بمجنون)؛ فإن نفي الكهانة والجنون جاء في مثل قوله سبحانه: (فذكّر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون). وهكذا تتفق القراءة الأولى مع ما قبلها، وتنسجم الثانية مع ما بعدها.

وهناك أمر آخر يظهر لي من اختلاف القراءتين وهو أن هذه الآيات الكريمة اختلف فيها المفسرون، فبعضهم ذهب إلى أن المقصود جبريل عليه السلام، وآخرون قالوا إن المقصود هو النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الأمر كذلك وكان كلٌّ من المعنيين صحيحاً، فإن الذي أراه أن قراءة الضاد ترجح أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي ليس بخيلاً بوحي الله كما هو شأن الكهان الذين يبخلون بتخرصات الشياطين، وقراءة الظاء ترجح أنه جبريل عليه السلام الذي اتهمه اليهود، كما حكى لنا القرآن المدني فيما بعد: (قل من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله). هذا ما يبدو لي في توجيه هاتين القراءتين من حيث النظم، ولله درّ التنزيل!

- قوله تعالى: (ليس البر أن تولّوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب) (البقرة: 177): قرأ حمزة وحفص بنصب البر، وقرأ الباقون برفعه. ونستطيع أن نفهم القراءتين من الجهة البلاغية إذا نظرنا في سبب النزول، فقد قال قتادة والربيع ومقاتل وعوف الأعرابي: إنها نزلت في اليهود حينما اعترضوا على المسلمين يوم أن حُوّلت القبلة. وقال ابن عباس وعطاء والضحاك وجماعة: إنها نزلت في المؤمنين؛ فقد سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ عن البر فنزلت([3]).

ولا ريب أن السبب الأول يتفق اتفاقاً تامّاً ويتسق اتساقاً كاملاً مع قراءة النصب؛ لأن نظم الآية على هذا يكون هكذا: ليست توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب البر، فـ (أن) والفعل موّل بمصدر هو اسم ليس. أما السبب الآخر فهو منسجم مع القراءة الثانية وهو أن يكون البر مبتدأ، والمعنى: ليس البر توليتكم وجوهكم قبل المشرق والمغرب، وهذا يتفق مع السؤال عن البر.

ولكي نقرب هذا المعنى يجمل أن نتصور الفرق بين قولنا: أخو زيد أحمد، وقولنا: أحمد أخو زيد. فأخو زيد في الجملة الأولى هو المبتدأ، وأحمد هو المبتدأ في الجملة الثانية. وبين الجملتين فرق شاسع؛ لأن المبتدأ لا بد أن يكون معروفاً للمخاطَب، ففي الجملة الأولى يَعْرِف المخاطب أخا زيد، ولكنه لا يعرف أنه أحمد، وفي الجملة الثانية يعرف المخاطب أحمد، ولكنه لا يعرف أنه أخو زيد. فتولية المشرق والمغرب كانت هي الأساس عند أولئك الذين أثاروا ضجة على المسلمين يوم أن تحولت القبلة، فكانت هذه التولية عندهم هي الجوهر والمرتكز، فناسب أن تكون مبتدأً، فجعلت اسم ليس. أما في السبب الثاني فالبر هو الركيزة وهو المسؤول عنه فناسب أن يكون هو المبتدأ.

هكذا أعطت كلٌّ من القراءتين معنى بيانيّاً منسجماً مع ما قيل في الآية من أسباب النزول. أما ما أثاره النحويون من أولوية لأحد الوجهين من حيث الإعراب فغير مسلّم لهم، وليس من غرضنا الخوض فيه كذلك.

- يقول سبحانه: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) (النساء: 1): قرأ حمزة بجر الأرحام، والباقون بنصبها. ولقد أثار بعض النحويين والمفسرين إثارات كثيرة حول قراءة حمزة، وردّوها بحجة مخالفتها القواعد العربية، وبأن العرب لا تنسق اسماً ظاهراً على ضمير -كما يقول الطبري([4])- أي لا تعطف. وذهب بعضهم يفتّش وينقّب عن أبيات من شعر ليصحح بها قراءة حمزة، ولم يحسنوا صنعاً فلا يجوز أن نردّ قراءة متواترة من أجل قاعدة قعّدها بعض النحويين.

ولقد ردّ كثير من العلماء والأئمة والمفسرين واللغويين على هذه الإثارات مبينين أن حمزة بن حبيب لم يقرأها لحناً وإنما نقلها مشافهة نقلاً ثَبُت تواتره. ومن هؤلاء: الفخر الرازي والآلوسي وصاحب المنار، ونثبت هنا كلمة الآلوسي، يقول: "وقرأ حمزة بالجر، وخرجت في المشهور على العطف على الضمير المجرور، وضعّف ذلك أكثر النحويين بأن الضمير المجرور كبعض الكلمة لشدة اتصاله بها، فكما لا يعطف على جزء الكلمة لا يعطف عليه.

وأول من شنّع على حمزة في هذه القراءة أبو العباس المبرد حتى قال: لا تحل القراءة بها، وتبعه في ذلك جماعة -منهم ابن عطية-، وزعم أنه يردّها وجهان: أحدهما أن ذكر أن الأرحام مما يتساءل بها، وهذا مما يغضّ من الفصاحة، والثاني أن في ذكرها على ذلك تقرير التساؤل بها، والقسم بحرمتها، والحديث الصحيح يردّ ذلك، فقد أخرج الشيخان عنه صلى الله تعالى عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله تعالى أو ليصمت).

وأنت تعلم أن حمزة لم يقرأ كذلك من نفسه ولكن أخذ ذلك بل جميع القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش، والإمام بن أعين، ومحمد بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد الصادق -وكان صالحاً ورعاً ثقة في الحديث- من الطبقة الثالثة.

وقد قال الإمام أبو حنيفة والثوري ويحيى بن آدم في حقه: غلب حمزة الناس على القراءة والفرائض، وأخذ عنه جماعة وتلمذوا عليه، منهم إمام الكوفة -قراءةً وعربيةً- أبو الحسن الكسائي، وهو أحد القراء السبعة الذين قال أساطين الدين: إن قراءتهم متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يقرأ بذلك وحده بل قرأ به جماعة من غير السبعة كابن مسعود وابن عباس وإبراهيم النخعي والحسن البصري وقتادة، ومجاهد وغيرهم -كما نقله ابن يعيش- فالتشنيع على هذا الإمام في غاية الشناعة ونهاية الجسارة والبشاعة، وربما يخشى من الكفر، وما ذكر من امتناع العطف على الضمير المجرور وهو مذهب البصريين ولسنا متعبدين باتباعهم. وقد أطال أبو حيان في "البحر" الكلام في الرد عليهم، وادعى أن ما ذهبوا إليه غير صحيح، بل الصحيح ما ذهب إليه الكوفيون من الجواز، وورد ذلك في لسان العرب نثراً ونظماً، وإلى ذلك ذهب ابن مالك، وحديث أن ذكر الأرحام -حينئذ لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى- ساقط من القول لأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصة -وهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم- فالتساؤل بالأرحام مما يقتضيه بلا ريب، وإن أريد الأعم فلدخوله فيها. وأما شبهة أن في ذكرها تقرير التساؤل بها، والقسم بحرمتها، والحديث يرد ذلك للنهي فيه عن الحلف بغير الله تعالى، فقد قيل في جوابها: لا نسلّم أن الحلف بغير الله تعالى مطلقاً منهي عنه، بل المنهي عنه ما كان مع اعتقاد وجوب البر، وأما الحلف على سبيل التأكيد مثلاً فممّا لا بأس به، ففي الخبر: (أفلح وأبيه إن صدق)، وقد ذكر بعضهم أن قول الشخص الآخر: أسألك بالرحم أن تفعل كذا ليس الغرض منه سوى الاستعطاف. وليس هو كقول القائل: والرحم لأفعلنّ كذا، ولقد فعلت كذا. فلا يكون متعلق النهي في شيء"([5]). وأما صاحب المنار فلقد أطال النفس، وصال وجال([6])، ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن السؤال بالرحم ليس قسماً واستشهد على ذلك بشواهد كثيرة.

قراءة حمزة -إذن- مستقيمة من حيث اللغة ومن حيث المعنى، من الوجهة النحوية والوجهة البلاغية، فقراءة النصب تحث على صلة الأرحام وتحذّر من قطعها؛ إذ أكثر اللغويين على أن التقدير: واتقوا الله، واتقوا الأرحام. وليس معنى اتقائها إلا صلتها وعدم قطعها والإحسان إليها. وأما قراءة الجر ففيها رفعٌ من شأن الرحم وتذكير لهم بصنيعهم إذ كانوا في عظائم أمورهم يتساءلون بالأرحام. "وقد ثبت عن علي كرم الله وجهه أن ابن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه. وليس هذا من باب الأقسام، فإن الأقسام بغير جعفر أعظم، بل من باب حق الرحم؛ لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر، وجعفر حقه على علي"([7]).

- ونختم بهذه الآية الكريمة: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون): قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بالإضافة، وقرأ الباقون بالتنوين ونصب (نوره). وربما يظن لأول وهلة أن القراءتين شيء واحد، إلا أن من يدرك أسرار العربية في إحكامها وأحكامها ودقتها تتشوّف نفسه إلى ما تعطيه هذه الحركات من فروق بين المعاني ناتجة عن الفروق بين الألفاظ.

إن من روعة العربية أنها تفرق بين المعنيين بالحركة تارة فيقولون: ضُحْكَة وضُحَكَة، فبإسكان الحاء هو الذي يُضحَك منه, وبفتحها هو الذي يَضحك من غيره. وقد يكون التفريق بحرف من حروف المعاني كتفريقهم بين (اللام) و(إلى)، فشتّان بين قولنا: أحمد أحبّ لأبيه. و: أحمد أحبّ إلى أبيه. قال تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منّا) (يوسف: 8).

وقد يكون التفريق بحرف من حروف المعجم فقد فرّقوا بين النضج والنضح، والقبص والقبض، وقد يكون التفريق بالتنوين. يقال: هذا ضاربُ زيدٍ. وضاربٌ زيداً، والأول يفيد تحقق الضرب ووقوعه. قال ابن قتيبة: "ولها الإعراب الذي جعله الله وشياً لكلامها وحلية لنظامها، وفارقاً في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين المختلفين كالفاعل والمفعول لا يفرق بينهما إذا تساوت حالاهما في إمكان الفعل أن يكون لكل واحد منهما بالإعراب، ولو أن قائلاً قال: هذا قاتلٌ أخي -بالتنوين-، وقال آخر: هذا قاتلُ أخي -بالإضافة-؛ لدلّ التنوين على أنه لم يقتله، ودلّ حذف التنوين على أنه قد قتله"([8]).

وعلى هذا يجب أن نفهم الآية الكريمة، فقراءة الإضافة ترشد إلى أن الله تبارك وتعالى قد أتم نوره، وقد يكون هذا الإتمام بإكمال الدين، وقد يكون بنصر أهله والتمكين لهم ودحر أعدائهم.

قراءة الإضافة -إذن- فيها المنة الإلهية على نبيه والمؤمنين معه بما أكرمهم الله به من إتمام هذا النور، ولكن القرآن الكريم ليس لهذه الفئة وحدها، بل هو للمسلمين جميعاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإذا كانت قراءة الإضافة فيها منّة إلهية، فإن قراءة التنوين فيها عدة ربانية ووعد الله لا يتخلف، فيها طمأنينة للمؤمنين عندما تَدْلَهِمُّ ظلمة، ويُوحش ليل، ويستنسر بغاث، بأن حالاً مثل هذا لن يدوم أبداً، ولا بد أن يتم الله نوره كما أتمه من قبل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً) (النور: 55). فما أسدّ كلاًّ من القراءتين في معناها، وما أصدق كل قراءة فيما ترشد إليه!




--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش:

[1] الشيخ زاده: محمد عبد الوهاب بن عبد الكريم (ت 975هـ( 1568م)، حاشية زاده على البيضاوي (أربعة أجزاء)، دار الطباعة الباهرة ببولاق مصر، 1263هـ، جـ3، ص 42.

[2] يمكن أن تكون هذه الآية الكريمة مثالاً لاختلاف الأحرف من حيث التبديل والتغيير.

[3] أبوحيان: البحر المحيط: جـ2، ص2.

[4] الطبري: جامع البيان جـ4، ص 152.

[5] الآلوسي: روح المعاني: 4/ 184-185.

[6] محمد رشيد رضا: تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار، 12 جزءاً، مكتبة القاهرة، جـ4، ص332، وسيشار إليه عند وروده هكذا: رشيد رضا: المنار.

[7] رشيد رضا: المنار جـ4/ 332.

[8] ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت276هـ - 889م) تأويل مشكل القرآن، تحقيق السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية ص11.
 
[align=justify]بارك الله في الباحث الكريم،

لعلّي أن أعود إلى قراءة البحث قراءة متأنية للاستفادة منه؛ ولكنّي لاحظت في منتصف المقدمة عبارة قد لا يستقيم معناها. أرجو من الباحث مراجعتها، وتصحيحها إن كان الأمر كما فهمتها. والعبارة المقصودة مبينة في الأسطر التالية المقتبسة من المقدّمة:

"وراحوا يصفون القرآن وقراءاته بالتناقض والاضطراب وعدم الثبات ، وحاولوا تشكيك المسلمين في ذلك ، وكان وراء ذلك كله نفي النبوة والوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنكار أن يكون القرآن بقراءاته من الله صلى الله عليه وسلم".[/align]
 
أرحب بأخي الكريم الأستاذ الدكتور ظافر بن علي القرني في ملتقى أهل التفسير ، وأشكره على هذا التصويب وهو وهم ظاهر أصلحته نيابة عن أخي الكريم الأستاذ إياد السامرائي ، ونحن في انتظار مشاركاتكم يا أبا ماجد في الملتقى وفقكم الله ونفع بكم .
 
إلى أخينا الكريم ( الأستاذ أياد )

إلى أخينا الكريم ( الأستاذ أياد )

الأستاذ الكريم أياد سالم السامرائي
جزاك الله خير الجزاء على هذا الإيضاح أيها الأخ الكريم
ووفقك لما يحب ويرضى
 
السلام عليكم
هل يوجد حتى الآن كتاب جمع الصفات التالية:
الأولى: اقتصاره على القراءات الصحيحة الواردة في طيّبة النشر دون زيادة قراءات شاذة أو مُنكرة
الثانية: إلمامه بكل القراءات والروايات الواردة في طيبة النشر وليس ذكر بعضها دون الآخر
الثالثة: اقتصاره على القراءات التي تؤثر في المعنى مما ورد في طيبة النشر دون القراءات التي تدخل في اختلاف اللهجات غير المؤثرة في المعنى
الرابعة: بيان أثر المعنى الناتج عن اختلاف القراءتين وتوضيح أنه اختلاف تنوّع لا اختلاف تضاد
الخامسة: أن يشمل ذلك القرآن كله من الفاتحة إلى الناس
السادسة: ألا يدخل في الكتاب أي شئ آخر غير ما سبق، كبيان غريب الألفاظ أو أسباب النزول أو تفسير الآيات .

إن كان يوجد فأرجو بيان اسمه ومؤلفه وإن لم يكن يوجد فادعوا الله لي أن يعينني على السير في ذلك.
 
ينظر في الكتب الآتية فلها علاقة بالموضوع:

1- التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية / أحمد سعد محمد

التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية - Download - 4shared - م.ع.الشرعية1 مكتبة

2- البلاغة القرآنية في القراءات الشاذة عند ابن جني عبد المنعم الأشقر


3- التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية / عبد الله حسين عليوه

4- مدخل القراءات القرآنية في الإعجاز البلاغي/ محمد إبراهيم شادي

5- الوجوه البلاغية في توجيه القراءات القرآنية المتواترة/ محمد أحمد الجمل

الوجوه البلاغية في توجيه القراءات القرآنية المتواترة - محمد أحمد عبد العزيز الجمل | مركز تفسير للدراسات القرآنية

6- التوجيه البلاغي للقراءات في تفسير الزمخشري/ عمارية شيخاوي


التوجيه البلاغي للقراءات في الكشاف للزمخشري (نماذج) - عمارية شيخاوي | مركز تفسير للدراسات القرآنية
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل عمر محمد
هل شرعتم في السير في تأليف كتاب يتضمن ما ذكرتم من نقاط؟
 
[align=center]الاختلاف في القراءات القرآنية وأثره في اتساع المعاني

بسم الله الرحمن الرحيم
[/align]
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين ، ورضي الله عن آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين ، أما بعد :
فقد حظيت القراءات القرآنية باهتمام المسلمين منذ نهضتهم الأولى على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام إلى يومنا هذا ، فلقد تجرد عدد كبير من علماء المسلمين لخدمة هذا الكتاب ، وافنوا أعمارهم بتتبع كل صغيرة وكبيرة حول هذا العلم ، وسطروا كل ما جادت به عقولهم وأفكارهم في مؤلفات أصبحت مفخرة المسلمين ومضان الدارسين من بعدهم في الدرس والتأليف .
والمتأمل في الدرس اللغوي العربي يجد أن الدرس العربي قد تأثر تأثراً واضحاً بهذه المؤلفات ، إذ لا يكاد يخلو كتابٌ في أصوات العربية وصرفها ونحوها من جملة كبيرة من القراءات وما يتصل بها من مسائل مثلت القواعد والضوابط التي أصلت ورفدت مفردات هذه العلوم التي سطرها علماء المسلمين.
وكان من بين المهتمين بتأريخ القرآن والقراءات طائفة كبيرة من المستشرقين ، درسوا تأريخ القرآن والقراءات ، وكتبوا في ذلك كتباً وأبحاثاً كثيرة ، كان بعضها يتسم بالجدية والنظرة العلمية ، وكثير منها لا يخلو من الطعن والتشكيك في القرآن وقراءاته ، وكانت مسألة الاختلاف في القراءات القرآنية من المسائل التي اتخذها عدد من المستشرقين مسوغاً للطعن في القرآن الكريم ، وراحوا يصفون القرآن وقراءاته بالتناقض والاضطراب وعدم الثبات ، وحاولوا تشكيك المسلمين في ذلك ، وكان وراء ذلك كله نفي النبوة والوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنكار أن يكون القرآن بقراءاته من الله سبحانه وتعالى .
من أجل هذا كله حاولت أن أبين حقيقة هذا الاختلاف ، وموقف علماء المسلمين منه ، ومفهومهم له ، ومقاصد الاختلاف في القراءات القرآنية ، وكيف ساهم الاختلاف في القراءات القرآنية في تعدد المعاني واتساعها .
فجاء هذا البحث ليلقي الضوء على جزء من هذا الموضوع ، ويكشف عن شيءٍ من أسرارهِ وذلك من خلال مباحثه الثلاثة :-
المبحث الأول : نشأة القراءات القرآنية والمراحل التي مرت بها .
المبحث الثاني : مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية عند العلماء .
المبحث الثالث : القراءات والمعنى .
إنَّ هذا البحث هو إسهامه متواضعة لخدمة القرآن الكريم ولغته ، من خلال بيان مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية ومقاصد هذا الاختلاف ، والله اسأل أن أكون قد وفقت في عرض الموضوع على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه ، والله من وراء القصد .
[line]
[align=center]المبحث الأول
نشأة القراءات القرآنية والمراحل التي مرت بها[/align]

الحديث عن القراءات القرآنية يرتبط بالمراحل الأولى التي تلقى فيها النبي صلى الله عليه وسلم آيات التنزيل ، ومن ثم تبليغها للصحابة صلى الله عليه وسلم ، وكيف تلقى الصحابة الكرام آيات هذا الكتاب وجهودهم في نشر معاني هذه الآيات ومراد الله منها مع العناية بالحفاظ على نقلها للناس كافة كما تلقوها من فم النبي صلى الله عليه وسلم .
وبهذه المعاني وهذا اللسان سار عدد كبير من الصحابة ومَن بعدهم من التابعين يعلمون الناس قراءة القرآن وأحكامه ، هذا المشهد يصوره لنا عطاء بن السائب فيما حدث به حماد بن زيد وغيره إنَّ أبا عبد الرحمن السلمي قال : إنا أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يتجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا مافيهن فكنا نتعلم القرآن والعمل به . (1)
ومن هذا يترتب الحديث بشكل موجز عن مراحل نقل القرآن وجمعه قبل الحديث عن القراءات والمراحل التي مرت بها ، لان علم القراءات القرآنية ثمرة من تلكم البذور المباركة .
لقد جاءت الآيات كثيرة تبين كيف كان النبي عليه أفضل الصلاة والسلام يتلقى هذا القرآن وحاله مع هذا التلقي ، وتؤكد أمر تكفل الله المطلق بحفظ هذا القرآن وجمعه وبيانه للناس ، ومن هذه الآيات التي تشير إلى هذه المعاني والتي سنقف عندها بالدرس والتحليل ، قوله تعالى :صلى الله عليه وسلملَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ صلى الله عليه وسلم[ القيامة : 16-19 ] .
فقد روي في الأثر تفسيراً لهذه الآيات في الصحيحين وغيرهما ، ولفظ الحديث للبخاري في صحيحه ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً وكان مما يحرك شفتيه فقال ابن عباس فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما ، وقال سعيد أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما ، فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* قال جمعه لك في صدرك وتقرأه * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } قال فاستمع له وأنصت{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ثم إن علينا أن تقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه . (2)
يقول ابن حجر ( ت852 هـ ) : (( وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء ، قاله الحسن وغيره ، ووقع في رواية للترمذي (يحرك به لسانه يريد أن يحفظ ) ، وللنسائي ( يعجل بقراءته ليحفظه ) ولابن أبي حاتم ( يتلقى أوله ، ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره ) ، وفي رواية الطبري عن الشعبي ( عجل يتكلم به من حبه إياه ) وكلا الأمرين مراد ، ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك ، فأمر بأن ينصت حتى يقضى إليه وحيه ، ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ، ونحوه قوله تعالى :{وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ }[طه : 114 ] أي بالقراءة .)) (3)
فهذه الآيات والأحاديث تؤكد أمراً هاماً ، وهو أن ليس للرسول صلى الله عليه وسلم من أمر هذا القرآن إلاَّ تبليغه للناس كما سمعه ، دون أي تغيير ، وهذا ما أشار إليه الحديث بدقة بقوله : ( فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه جبريل ) فقد تكفل الله عز وجل بحفظ آيات هذا الكتاب وجمعه وبيانه للناس ، إذاً ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم إلاَّ اتباع الوحي في تبليغ آيات التنزيل دون أي زيادة أو نقصان أو تغيير ، ثم تأتي مرحلة تلقي الصحابة لهذه الآيات بعدما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنزل إليه من ربه ، وقرأ القرآن الكريم على أصحابه ، فحفظه منهم من حفظ، وكتبه منهم من كتب ، قال أبو شامة ( ت 665هـ) : (( وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة ، أقلهم بالغون حد التواتر .)) (4)
وكان من أشهر حُفَّاظ القرآن ومعلميه من الصحابة جماعة منهم بعد الخلفاء الراشدين : معاذ بن جبل وزيد بن ثابت ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأُبيّ بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو الدرداء ، وغيرهم . (5)
يقول ابن الجزري ( ت 833هـ ) : (( ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه وبذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه من النبي حرفاً حرفاً لم يهملوا منه حركة ولا سكوناً ولا إثباتاً ولا حذفاً ، ولا دخل عليهم في شيء منه شك ولا وهم وكان منهم من حفظه كله ومنهم من حفظ أكثره ومنهم من حفظ بعضه كل ذلك في زمن النبي .)) (6)
وما أنتقل رسول الله  إلى الرفيق الأعلى إلاَّ والقرآن مجموعاً ومكتوباً عند جمع من الصحابة، ولكن لم يجمع في مصحف منظم في حياته  ، وذلك لأنَّ القرآن كان ينزل مفرقاً ، ثم جمع في عهد الصديق  بين لوحين عقب معركة اليمامة حين استحر القتل بالمسلمين ، ولاسيما حملة القرآن ، وتفاصيل هذه المرحلة من جمع القرآن معروفة مشهورة في كتب الحديث والتأريخ وعلوم القرآن .(7)
وهكذا تلقى الصحابة القرآن من رسول الله  بغاية الإتقان والضبط ، وكان النبي  قد وجَّه بعضهم إلى البلدان ليعلموا الناس تلاوة القرآن وأحكام الدين ، (8) وظهر في قراءة الصحابة للقران تباين في نطق بعض الكلمات ، يرجع ذلك إلى ما أباح لهم به رسول الله وأقرهم عليه ، بسب أن الله  لم يجعل على عباده حرجاً في دينهم ولا ضيَّق عليهم فيما افترض عليهم ، إذ كانت لغات من أنزل عليهم القرآن مختلفة ، ولسان كلِّ صاحب لغة لا يقدر على ردِّه إلى لغةٍ أخرى إلاَّ بعد تكلُّفٍ ومئونةٍ شديدة ، ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل مُتسعاً في اللغات ومتصرفاً في الحركات ، فأمر رسوله بأن يقرىء كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عاداتهم ، فقوم جرت عاداتهم بالهمز وقوم بالتخفيف وقوم بالفتح وقوم بالإمالة وهكذا الإعراب واختلافه في لغاتهم وغير ذلك . (9)
فلاجل هذا أباح الله لنبيه أن ييسر على الناس ويقرئهم القرآن ما تيسر منه ، وهذا يدل عليه حديث أُبيّ بن كعب أنه قال :لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل ، فقال : يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ والكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط ، قال : يا محمد إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف . (10)، وفي رواية لمسلم أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسال الله معافاته ومغفرته ، وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين ، فقال أسال الله معافاته ومغفرته وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الثالثة فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف،فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك ، ثم جاءه الرابعة فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا. (11)
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة قراءة القرآن ويسمع منهم ، ويقرهم على قراءتهم ، تخفيفاً وتوسعة من الله تعالى عليهم ، ولم يحملهم أمام ذلك الوضع اللغوي المعقد على تعلم نطق لغة قريش ـ التي نزل بها القرآن ـ لقراءة القرآن بها ، وإنما أذن وأباح لهم بقراءة القرآن بوجوه من النطق التي اعتادوها و ألفوها ونشأوا عليها ، التي لاتضاد فيها بالمعني وتباين ، فالقراءات القرآنية ترتبط بهذا الأصل الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن للصحابة معه بتلك القراءات وأقرهم عليها . (12) ، ومن ثم أخذ التابعون قراءة القرآن من أكابر علماء الصحابة بالقراءة ، وحملوا عنهم قراءاتهم التي أخذوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما مشافهةً أو إقراراً ، وانطلقوا بها في أرجاء البلاد الإسلامية خارج الجزيرة العربية التي فتحت على أيدي المسلمين ، فكان الصحابة الذين نزلوا في الأمصار الإسلامية حريصين على تعليم المسلمين في تلك الأمصار أحكام الدين وتلاوة القرآن على ضوء ما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا ذاع صيت العشرات من التابعين ممن عرف بالقراءة والتلقي من أفواه الصحابة ، وأخذ المسلمون يتلقون عنهم القراءة بشكل كبير في تلك الأمصار ودارت معها حلقات قراءة القرآن ، مع ما فيها من تيسير مما يطيقه أهل تلك الأمصار التي دخلت تحت لواء الإسلام في محيط ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه واقرَّهم عليه بإذن الله ، وكانت مظاهر التنوع في القراءات بلغت أشدها في زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى خرجت عن إطارها العام والهدف الذي من اجله كان هذا التنوع في القراءات ، إذ اختلف عوام الناس في القرآن فصار أحدهم يقول للآخر : قراءتي خير من قراءتك أو اصح من قراءتك، أو قراءتنا أولى من قراءتكم ، حتى كاد أن يكفر بعضهم بعضا ، وهذا ما أدركه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عندما حضر فتح أرمينية وأذربيجان فرأى وسمع من الناس ما أفزعه ، فقدم على عثمان و أشار إليه بأن يتدارك هذا الأمر ويجمع الكلمة قبل تفاقم الأمر ، والواقعة كما يرويها كثير من المحدِّثين والمؤرخين وأصحاب كتب علوم القرآن هي : أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالمصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق . (13)
وكان هذا الأمر على ملأ من جمع الصحابة تلقوه بالرضى والقبول والاستحسان،فعن سويد بن غفلة قال : (( والله لا أحدثكم إلاَّ شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب ، سمعته يقول : يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلاَّ خيراً ـ أو قولوا له خيراً ـ في المصاحف ، وإحراق المصاحف ، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاَّ من ملأ منا جميعاً ، فقال : ما تقولون في هذه القراءة ؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفراً ،قلنا : فما ترى ؟ قال: نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت ، قال : فقيل أي الناس أفصح ، وأي الناس أقرأ ؟ قالوا : أفصح الناس سعيد بن العاص ، و أقرؤهم زيد بن ثابت ، فقال : ليكتب أحدهما ويملي الآخر ، ففعلا ، وجمع الناس على مصحف ، قال : قال علي والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل .)) (14)
وهكذا أدرك الخليفة الراشد عثمان بن عفان الخلاف الذي كاد أن يتسع بين المسلمين في قراءة القرآن فالزمهم على قراءة القرآن بما يوافق خط المصحف، والذي كتب على ما أنزل عليه القرآن وهو لسان قريش ، وساعد شكل المصحف في ذلك الوقت من عدم النقط والشكل على بقاء جملة من القراءات مما لا تخالف خط المصحف ، فتعددت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط ، وسقط من قراءتهم ما يخالف الخط .
يقول مكي ( ت 437هـ ) : (( فلما كتب عثمان المصاحف وجَّهها إلى الأمصار وحملهم على ما فيها وأمرهم بترك ما خالفها ، قرأ أهل كل مصر مصحفهم الذي وجه إليهم على ما كانوا يقرؤون قبل وصول المصحف إليهم مما يوافق خط المصحف ، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها مما يخالف خط المصحف ، فاختلفت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط ، وسقط من قراءتهم كلهم ما يخالف الخط .
ونقل ذلك الآخر عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك ، حتى وصل النقل إلى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك فاختلفوا فيما نقلوا على حسب اختلاف أهل الأمصار ، لم يخرج واحد منهم عن خط المصحف فيما نقل ، كما لم يخرج واحد من أهل الأمصار عن خط المصحف الذي وجِّه إليهم.)) (15)
وقد يعرض لبعض المطلعين على تأريخ القرآن والقراءات إشكالاً يكمن في حرص عثمان بن عفان على كتابة القران بلسان قريش ، وتأكيده أن هذا القرآن أنزل بلسانهم هذا من جانب ، والأحاديث النبوية التي أوردناها سابقاً والتي تنص على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف من جانب أخر ، فكيف يمكن التوفيق بين هذين الأمرين ؟
المتتبع للأحاديث والنصوص الواردة بخصوص نزول القرآن يجد أن نزول القرآن على سبعة أحرف لم يكن من أول وهلة ، بل الظاهر أنه نزل أولاً بلغة قريش وهذا ما قصده عثمان بن عفان حين أمر القرشيين الثلاثة بكتابة المصاحف بلسان قريش في حال حصول خلاف بينهم وبين زيد بن ثابت ، لأنَّه بلسان قريش نزل، وبهذا صرح أبو شامة في المرشد الوجيز بقوله : (( يعني : أول نزوله قبل الرخصة في قراءته على سبعة أحرف.)) (16) ، ومن بعد ذلك جاءت الرخصة بقراءة القرآن على سبعة أحرف، وهذا يعني أن القرآن تكرر نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم وبالأحرف السبعة ، وهذا ما يجليه بوضوح الحافظ بن حجر بقوله : (( أن يقال : إنه نزل أولاً بلسان قريش أحد الأحرف السبعة ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلاً وتيسيراً كما سيأتي بيانه ، فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولاً بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه لكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولما له من الأولية المذكورة .)) (17) ، ثم يقول في موطن آخر وهو يدلل على كلام أبي شامة المتقدم : (( ويدل على ما قرره أنه أنزل أولاً بلسان قريش ثم سهل على الأمة أن يقرؤوه بغير لسان قريش ، وذلك بعد أن كثر دخول العرب في الإسلام ، فقد ثبت أن ورود التخفيف بذلك كان بعد الهجرة كما في حديث أبي بن كعب أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أضاة بني غِفار فقال : إن الله يأمرك أن تقريء أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسال الله معافاته مغفرته ، فإن أمتي لا تطيق …)) (18).
وأضاة بني غِفار هي موضع بالمدينة النبوية ينسب إلى بني غِفار ، فالتنوع في القراءات لم يعرف في العهد المكي ، وإنما كان التنوع بعد الهجرة النبوية المباركة ، لأنَّ الحاجة لم تكن قائمة لأن تتعدد القراءات في العهد المكي والقرآن أنزل بلسانهم وعلى ما جرت عليه عاداتهم في النطق الذي هو افصح ما انتهت إليه لغات العرب جميعاً ، ومع أن تعدد وجوه القراءات جاء لييسر القراءة للناس ، وحتى يستطيع كل عربي أن يقرأ القرآن بأحرفه وكلماته التي اعتاد عليها من لحن قومه ، فإنها تضمنت أيضاً ضرباً من ضروب الإعجاز ، وهو أن التحدي في معارضة هذا القرآن كان عامة لكل العرب ، فلو اقتصر إنزال القرآن على لغة واحدة هي أفصح لغات العرب جميعاً وأعلاها ، ما كان يستقيم التحدي للعربي من أهل غير قريش التي لغته أدنى من اللغة التي نزل بها القرآن أن يتحدى بها ، فكان من تمام إعجازه أن ينزل القرآن على أكثر من حرف ، ليعجز العرب كافة عن معارضته والإتيان بمثله ، بل بآية من مثله ، وفي هذا يقول الرافعي ـ رحمه الله ـ : (( وإذا تم هذا النظم للقرآن مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به، ومع اليأس من معارضته على ما يكون في نظمه من تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات بحسب ما يلائم الأحوال في مناطق العرب ، فقد تم له التمام كله ، وصار إعجازه إعجازاً للفطرة اللغوية في نفسها حيث كانت وكيف ظهرت ومهما يكن من أمرها .)) (19)
ومن هذا يتحصل أن عمل عثمان بن عفان يتلخص في حمل الناس على القراءة بوجه واحد على ضوء ما نزل به القرآن أول نزول ووافقه عليه الصحابة ، وترك للصحابة حرية القراءة فيما يخالف خط المصحف ، وذلك إذا تأكد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكون التعليم العام للمسلمين إلاَّ من المصحف الذي أجمع على ما فيه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وبهذا لم يلغِ عثمان بن عفان سائر الحروف إنما ترك الباب مفتوحاً لكل من كان يؤكد من الصحابة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بقراءة معينة أن يقرأ بها بحرية تامة ، ولكن بشكل خاص ونطاق ضيق ، ولذلك لم تحظ القراءات المخالفة لمصحف عثمان إلاّ بنقل الآحاد ، لأنه ألزم العامة بالقراءة بالمصحف الذي اختار حروفه ووافقه عليه إجماع الصحابة ، وبهذا يقول مكي : (( وسقط العمل بالقراءات التي تخالف خطَّ المصحف ، فكأنها منسوخة بالإجماع على خطِّ المصحف .
والنسخ للقرآن بالإجماع فيه اختلاف ، فلذلك تمادى بعض الناس على القراءة بما يخالف خط المصحف مما ثبت نقله ، وليس ذلك بجيد ولا بصواب ، لأن فيه مخالفة الجماعة ، وفيه أخذ القرآن بأخبار الآحاد ، وذلك غير جائز عند أحدٍ من الناس . )) (20)
وبهذا العمل المنظم والدقيق ، ومن خلال هذا الجهد العظيم اختزلت القراءات التي اتسعت وتنوعت في زمن عثمان وسقطت القراءة بكثير من القراءات لأنها خالفت خط المصحف الذي صار إليه الإجماع من قبل الصحابة ، ومضى المسلمون يتلقون القرآن بقراءاته من علماء التابعين وتابعي التابعين جيلاً بعد جيل متحرين الدقة في الرواية ، معتمدين في ذلك على المشافهة والسماع لا على الدراية والاجتهاد والاكتفاء بالمصاحف ، يقول ابن مجاهد ( ت 324 هـ ) : (( والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوَّليهم تلقِّياً ، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين ، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسَّكوا بمذهبه على مارُوِي عن عمر بن الخطاب،وزيد بن ثابت،وعروة بن الزبير،ومحمد بن المنكدر،وعمر بن عبد العزيز،وعامر الشعبي . )) (21)
وهكذا سارت مرحلة القراءة في مطلع القرن الأول الهجري في الاعتماد على الرواية المشافهة من أفواه الصحابة الذين أخذوا القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقروا في الأمصار الإسلامية التي بعثهم إليها الخليفة الراشد عثمان بن عفان مع المصاحف ، وقد توخى عثمان في اختيار هؤلاء الموفدين أن يكون مع كل مصحف قارىء توافق قراءة أهل ذلك المصر في الأكثر الأغلب . (22)
وبعد تلك المرحلة انتقلت القراءات من طور الرواية المجردة إلى طور التدوين والتأليف في القراءات ، وأول من ينسب إليه مؤلف في القراءات هو يحيى بن يعمر ( ت89 هـ ) ثم توالت المؤلفات في تدوين القراءات ، وكان ممن ألَّف في هذا المجال أبان بن تغلب ( ت 141 هـ ) ، ومقاتل بن سليمان ( ت 150 هـ ) ، وزائدة بن قدامة الثقفي ( ت 161 هـ ) ، وغيرهم ممن ألفوا الكتب في هذا المجال وكان اشهرها كتاب أبي عبيد القاسم بن سلاَّم ( ت 224 هـ ) الذي جعل القراء خمسة وعشرين قارءاً .(23)
وهكذا تتابعت المؤلفات في هذا العلم حتى عصر ابن مجاهد ( ت 324 هـ ) الذي كان له الأثر الكبير في توجيه الاهتمام والتأليف في القراءات القرآنية .
[line]
[align=center]المبحث الثاني
مفهوم الاختلاف في القراءات القرآنية عند العلماء[/align]

نالت مسألة الأحرف السبعة والأحاديث النبوية التي ذكرت الأحرف السبعة اهتمام علماء المسلمين ، ولا يكاد كتاب تناول القراءات أو علوم القرآن إلاَّ وقد عرض لهذا الموضوع بالبسط والتفصيل ، لهذا سوف أكون في منأى عن الخوض في هذه المسألة ، لانَّ الموضوع أُشبع بالدرس والتأليف ، كما أن هذا المبحث منعقد حول بيان موقف العلماء من اختلاف القراءات القرآنية ومفهومهم لهذا الاختلاف ، فهذا الموضوع من الأهمية بمكان ، ويحتاج إلى شيء من التفصيل والبيان ، لأنَّه أمر يتعلق بجانب اعتقادي في حياة المسلم ، إذ يجب على المسلم أن ينفي عن القرآن وقراءاته التناقض والاختلاف والتدافع ، وإن هذا الجانب من الموضوع تعرض للطعن والتشكيك من قبل بعض المستشرقين المغرضين ، وراحوا يصفون القرآن وقراءاته بالتناقض والاضطراب.
وكان من أجرئهم المستشرق جولد تسيهر(24)، الذي وصف القرآن والقراءات بالاضطراب وعدم الثبات، إذ يقول:(( لا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً أنه نص منزل أو موحى به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطراب وعدم الثبات كما نجد في نص القرآن .)) (25)
وهو يقصد هنا اختلاف القراءات كما صرح في كلامه بعد ذلك ، ويقول في موطن آخر وهو يعرض للقراءات الواردة في قوله تعالى: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) [ الروم : 1-3] ، ويشير للاختلاف في قراءة ( غلب الروم و سيغلبون ) بالبناء للمعلوم والمجهول فيهما ، واخذ يصف القراءتين بالتناقض ، إذ يقول : (( إنَّ القراءتين متناقضتان في المعني ، المغلوبون في القراءة المشهورة هم الغالبون في القراءة الأخرى . )) (26) ، ولا غرابة من هذا المستشرق الذي صرح بأقبح من ذلك واسفه ، مما يدل عن جهله في هذا الموضوع إنْ لم نقل فساد نيته وقصده السيء في الطعن بالقرآن والقراءات ، إذ يقول: (( وقد رأى قتادة أن الأمر بقتل النفس أو قتل العصاة في قوله تعالى:{فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}[البقرة :54] ، هو من القسوة والشدة بحيث لا يتناسب مع الفعل فقرأ ( فاقْيُّلُوا أنفسكم ) ، أي : حققوا الرجوع والتوبة من الفعل بالندم ، وفي هذا المثال نرى وجهة نظر موضوعية كانت سبباً أدى إلى القراءة المخالفة . )) (27)
فهو يطعن بالقراءة المشهورة ، ويصف قراءة قتادة ـ مع أنها شاذة (28) ـ بالموضوعية ، وهو من جانب آخر يتهم القراء بالقراءة بالتشهي والاجتهاد ، وكأن القراءة ليست سنة متبعة الأصل فيها التلقي والمشافهة لا الرأي والاجتهاد .
من أجل هذا كله كان بيان وجهة نظر علماء المسلمين حول هذه القضية له أهميته البالغة في الدراسات القرآنية والعربية، لذا سوف أعرض بشيء من الإجمال أقوال العلماء في هذه القضية مما يضع القاريء المهتم بالدرس القرآني في تصور صحيح لهذا الموضوع .
ذهب جمهور علماء المسلمين إلى أن الاختلاف في القراءات هو اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض ، وأن الاختلاف حاصل في الألفاظ المسموعة وليس في المعاني المفهومة ، وبهذا صرح المهدوي (ت في حدود 440هـ) حين عرض لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أُنزل القرآن على سبعة أحرف ، إذ قال : (( واختلف الناسُ في معنى الحديث اختلافاً كثيراً ، فأكثرهم على أن معناه في الألفاظ المسموعة لا في المعاني المفهومة .)) (29)
وقوله ( أكثرهم ) لا يعني أن القلة من العلماء قائلون بالتناقض أو التضاد أو التنافر في القراءات ، بل لهم تفسيرات مغايرة حول معنى الحديث ، فبعضهم فسر الأحرف السبعة باللغات ، وبعضهم فسرها بالحلال والحرام والمحكم والمتشابه وغيرها . (30)
وبين الداني (ت 444هـ ) ما ينبغي اعتقاده في القراءات ، إذ يقول : ((وجملة ما نعتقده من هذا الباب وغيره من إنزال القرآن وكتابته وجمعه وتأليفه وقراءته ووجوهه ونذهب إليه ونختاره فإن القرآن منزل على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ وحق وصواب وأن الله تعالى قد خير القراء في جميعها وصوبهم إذا قرؤوا بشيء منها وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة وألفاظها تارة مع اتفاق المعنى ليس فيها تضاد ولا تناف للمعنى ولا إحالة ولا فساد .)) (31)، وكان الداني من قبل هذا قد فصل القول في تعدد القراءات وبين المعاني التي تشتمل عليه اختلاف القراءات ، حيث قال : ((وأما على كم معنى يشتمل اختلاف هذه السبعة أحرف فإنه يشتمل على ثلاثة معانٍ يحيط بها كلها
أحدها:- اختلاف اللفظ والمعنى الواحد .
والثاني :- اختلاف اللفظ والمعنى جميعا مع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لعدم تضاد اجتماعهما فيه . والثالث:- اختلاف اللفظ والمعنى مع امتناع جواز أن يجتمعا في شيء واحد لاستحالة اجتماعهما فيه ونحن نبين ذلك إن شاء الله . )) (32)، ثم ساق من بعد ذلك القراءات ودلل على القواعد التي أصل لها حول هذا الموضوع . (33)
وأفاد من هذا التأصيل الإمام ابن الجزري (ت 833 هـ) ولكن بشيء من التفصيل والبيان والاستقراء الأوسع ، فيقول : (( وأما حقيقة اختلاف هذه السبعة الأحرف المنصوص عليها من النبي وفائدته فإن الاختلاف المشار إليه في ذلك اختلاف تنوع وتغاير ، لاختلاف تضاد وتناقض ، فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى ، قال تعالى : أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا  [النساء : 82]،وقد تدبرنا اختلاف القراءات كلها فوجدناه لا يخلو من ثلاثة أحوال:
أحدها :- اختلاف اللفظ والمعنى واحد.
الثاني :- اختلافهما جميعاً مع جواز اجتماعهما في شيء واحد .
الثالث :- اختلافهما جميعاً مع امتناع جواز اجتماعهما في شيء واحد بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد .
فأما الأول فكالاختلاف في ( الصراط ، وعليهم ، ويؤده ، والقدس ، ويحسب ) ونحو ذلك مما يطلق عليه أنه لغات فقط . (34)
وأما الثاني فنحو ( مالك ، وملك ) في الفاتحة ، لأن المراد في القراءتين هو الله تعالى ، لأنه مالك يوم الدين وملكه ، وكذلك ( يَكْذِبون ، ويُكَذِّبون ) لأن المراد بهما هم المنافقون ، لأنهم يُكذِّبون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويَكْذِبون في أخبارهم …
وأما الثالث فنحو (وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ ) بالتشديد والتخفيف ، وكذا (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى ،وبكسر الأولى وفتح الثانية … فإن ذلك كله وإن اختلف لفظاً ومعنى وامتنع اجتماعه في شيء واحد فإنه يجتمع من وجه آخر يمتنع فيه التضاد والتناقض . )) (35)
فحاصل ما ذكره ابن الجزري ومن قبله الداني أن اختلاف القراءات لا يلزم تناقض وتضاد واضطراب ، وهذا ما قرره علماء المسلمين ، بل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت728 هـ ) أن إجماع المسلمين منعقد على عدم تناقض القراءات أو تضادها ، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً من أن المهدوي لا يقصد بقوله : ( فأكثرهم ) أن غيرهم يقول بالتناقض والتضاد ، بل لا نزاع بين علماء المسلمين في أن القراءات لا تتضمن تناقض في المعنى ولا تضاد كما يقول ابن تيمية :(( ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده ، بل قد يكون معناها متفقا أو متقاربا كما قال عبد الله بن مسعود إنما هو كقول أحدكم أقبل وهلم وتعال ، وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر لكن كلا المعنيين حق وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إن قلت غفورا رحيما أو قلت عزيزا حكيما فالله كذلك ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بآية رحمة ، وهذا كما في القراءات المشهورة …
ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقا من وجه متباينا من وجه كقوله : ( يَخْدَعُون ويُخَادِعون ) ، و( يَكْذِبون ويُكَذِّبون )،و( لَمَسْتـُم ولامَسْتـُم )،و(حتى يَطْهُرْن ويَطَّهَرْن ) ونحو ذلك فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض ، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله .)) (36)، ثم يشير بعد ذلك إلى أن أئمة علماء السلف وطوائف من أهل الكلام والقراء متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضاً خلافاً يتضاد فيه المعنى ويتناقض ، بل يصدق بعضها بعضاً كما تصدق الآيات بعضها بعضاً . (37)
ونقل جملة من هذه الأقوال الإمام الزركشي( ت794 هـ ) في البرهان والإمام السيوطي(ت911 هـ ) في الإتقان (38) ،مما يدل على أن المراد بالاختلاف في القراءات القرآنية هو اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تناقض وتضاد ، بل رجح الإمام ابن حجر العسقلاني هذا المعنى وقواه على غيره ، إذ قال في شرح قوله تعالى:( فاقرؤوا ما تيسر منه ) : (( أي من المنزل ، وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور ، وأنه للتيسير على القارىء ، وهذا يقوي قول من قال : المراد بالأحرف تأدية المعنى باللفظ المرادف ، ولو كان من لغة واحدة ، لأنَّ لغة هشام بلسان قريش وكذلك عمر ، ومع ذلك فقد اختلفت قراءتهما ، نبه على ذلك ابن عبد البر ، ونقل عن أكثر أهل العلم أن هذا هو المراد بالأحرف السبعة . )) (39)
معنى هذا أن نزول القرآن باختلاف قراءاته لا يلزم منه تناقض ولا تضاد ولا تدافع بين مدلولات معانيه يسبب اضطراباً واختلافاً بين آيات القرآن ، بل كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب قبولها والإيمان بها والعمل بمقتضاها ، وفي ذلك يقول ابن الجزري : (( كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقد وجب قبوله ، ولم يسع أحد من الأمة رده ولزم الإيمان به ، وأن كله منزل من عند الله إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعنى علماً وعملاً ، لا يجوز ترك موجب إحداهما لا جل الأخرى ظناً أن ذلك تعارض .)) (40)
فمفهوم مصطلح ( الاختلاف ) في القراءات لا يعني التعارض والتباين كما يفهم هذا المعنى من المصطلح عند علماء الفقه ، فالقراءات على اختلافها وتنوعها لم يتطرق إليها تضاد ولا تناقض ، ولا تعارض وتباين كما يحصل ذلك في اختلاف وتنوع الفقهاء ، وإلى هذا نبه الإمام الجليل ابن الجزري ـ رحمه الله ـ وفرق بين اختلاف القراء واختلاف الفقهاء ، إذ يقول : (( وبهذا افترق اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء ، فإن اختلاف القراء كله حق وصواب نزل من عند الله وهو كلامه لا شك فيه ، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي ، والحق في نفس الأمر واحد ، فكل مذهب بالنسبة إلى الآخر صواب يحتمل الخطأ ، وكل قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر ، نقطع بذلك ونؤمن به.)) (41)
فالاختلاف في القراءات حق لا تضاد فيه ولا تدافع بين معاني الآيات ، وهذا ما دل عليه قوله تعالى:(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا )[ النساء :82] ، وما دل عليه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للمختلفين في القراءة بقوله : أصبتم ، أو كلاكما محسن ، أو أي ذلك قرأتم أصبتم ، وما دلت عليه نقولات علماء المسلمين من أن إحدى مقاصد القراءات الشاذة تفسير القراءات المشهورة وتبيين معانيها ، يقول الزركشي : (( قال أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن إن القصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها وذلك كقراءة عائشة وحفصة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) وكقراءة ابن مسعود ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) ومثل قراءة أبى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فيهن )وكقراءة سعد بن أبى وقاص (وإن كان له أخ أو أخت من أم فلكل )وكما قرأ ابن عباس( لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج)قلت وكذا قراءته (وأيقن أنه الفراق وقال ذهب الظن ) قال أبو الفتح : يريد أنه ذهب اللفظ الذي يصلح للشك وجاء اللفظ الذي هو مصرح باليقين انتهى ،وكقراءة جابر ( فإن الله من بعد إكراههن له غفور رحيم ) ،فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك فكيف إذا روى عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل على أنها من العلم الذي لا يعرف العامة فضله إنما يعرف ذلك العلماء ولذلك يعتبر بهما وجه القرآن . )) (42)
فإذا كانت القراءات الشاذة لا تقتضي تضاداً ولا تناقضاً، إنما هي مفسرة ومبينة للقراءات المشهورة ، فكيف بالقراءات الصحيحة التي تلقتها الأمة بالرضى والقبول ، فهل من المعقول أن تتضمن تناقضاً واختلافاً يقتضي التضاد يكون بها القرآن مضطرباً متبايناً ؟!.
إنَّ هذا الكلام لا يصدر إلاَّ من رجلٍ ساءت نيته وفسدت عقيدته ، لانَّ القرآن لا تناقض فيه ولا تباين ولا اضطراب ، إنما هو آيات محكمات يصدق بعضها بعضاً ، وإن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات من دون تناقض وتضاد ، وفي هذا يقول الشيخ الزرقاني ( ت 1367هـ ): (( إن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدىء من جمال هذا الإيجاز وينتهي إلى كمال الإعجاز ، أضف إلى ذلك ما في تنوع القراءات من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله ، فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء وتضاد ولا إلى تهافت وتخاذل ، بل القرآن كله على تنوع قراءاته يصدق بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير وهدف واحد من سمو الهداية والتعليم ، وذلك من غير شك يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف ، ومعنى هذا أن القرآن يعجز إذا قرىء بهذه القراءة ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثانية ويعجز أيضا إذا قرىء بهذه القراءة الثالثة وهلم جرا، ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الوجوه والحروف ولا ريب أن ذلك أدل على صدق محمد لأنه أعظم في اشتمال القرآن على مناح جمة في الإعجاز وفي البيان على كل حرف ووجه وبكل لهجة ولسان  لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [ الأنفال :42] .)) (43)
إنَّ الاختلاف والتنوع في القراءات يقوم مقام تعدد الآيات ، وهو ضرب من ضروب الإعجاز انفرد به هذا الكتاب الكريم ، وسنبين في المبحث اللاحق جانب واحد من جوانب إعجازه في تعدد القراءات ،وما فيها من البراهين الساطعة والأدلة القاطعة على أن هذا القرآن بقراءاته كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنه (( سلسلة واحدة متصلة الحلقات محكمة السور والآيات متآخذة المبادىء والغايات مهما تعددت طرق قراءته ومهما تنوعت فنون أدائه .)) (44)
[line]
[align=center]المبحث الثالث
القراءات والمعنى[/align]
من المعلوم أن الهدف الرئيس من تعدد القراءات واختلافها هو التيسير ورفع الحرج عن الأمة في قراءة كتاب ربها عز وجل ، ولكن إلى جانب هذا الهدف احتوت ظاهرة التنوع في القراءات جوانب أخرى أعطت للنص القرآني تميزه وسموه على الكتب السماوية الأخرى وعلى النصوص البشرية النثرية والشعرية على حدٍ سواء ، مما استحق أن يتصف هذا القرآن بالإعجاز .
وكان من بين هذه الجوانب جانب تعدد المعاني بتعدد القراءات ،إذ كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه أو توضحه القراءة الأخرى ، وبهذا اتسعت المعاني بتعدد القراءات ، إذ تعدد القراءات يقوم مقام تعدد الآيات القرآنية .
والاختلاف والتنوع في القراءات القرآنية يشبه إلى حدٍ كبير ظاهرة تكرار القصص القرآني ، فكل آية أو واقعة تبين معنى جديداً لم تبينه الآية أو الواقعة السابقة ، ففي قصة سيدنا إبراهيم مع ضيوفه ما يجلي هذا المقصد ، فقد ذكر الله عز وجل في سورة هود رسله وأنهم قدموا على إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى :(وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) [ هود : 69] ، وقال في سورة الذاريات :(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ )[ الذاريات : 24-26] .
فنلحظ أن الله تعالى يخبر في سورة هود أنه أرسل رسله إلى إبراهيم ، بينما نرى في سورة الذاريات أنه يبين جنس هؤلاء الرسل وهم الملائكة وأنهم منكرون لدى إبراهيم عليه السلام ، كما نرى في المشهد الأول أن إبراهيم عليه السلام يقدم لهم عجلاً يصفه الله بالحنيذ ، والحنيذ هو العجل المشوي على الرَّصف بحر الحجارة من غير أن تمسه النار مما يجعل شحمه يتقاطر حتى تنضجها (45) ، بينما نرى المشهد الثاني الذي صورته سورة الذاريات يبين أن العجل كان سميناً فهو ليس بالهزيل ، وهذا قمة إكرام الضيف ، فكل آية أعطت معنى جديداً لم تبينه الآية الأخرى .
وكذلك الأمر في قصة سيدنا موسى ، فقد ذُكِرَت في مواطن كثيرة من القرآن ، ومن هذه المواطن قوله تعالى :( فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ )[الأعراف : 107]، وفي موطن آخر قال :
(وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ)[ النمل : 10]، فالجان الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ، فهل تعارضت هاتان الآيتان ؟
لقد ذكر العلماء تفسيراً لهذا مما قد يظنه بعض المشككين أنه اختلاف وتعارض في آيات القرآن ، يقول الزركشي : (( وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .)) (46)
فآية الأعراف بينت شكلها وهيئتها وخلقتها ، وآية النمل بينت حال تحركها واهتزازها ، فكل آية أعطت معنى جديداً لم تبينه الآية الأخرى ،وعلى هذا كثير من الآيات والقصص القرآني ،لا اختلاف ولا تناقض بين الآيات ، إنما لكل آية مقصد وهدف وغاية يقتضيه السياق وجو السورة العام .
والاختلاف في القراءات القرآنية لا يختلف عن هذا المقصد ، إذ كل قراءة توضح وتبين معنى جديداً لم تبينه القراءة السابقة ، وبذلك تتسع المعاني وتتعدد بتعدد القراءات ، إذ كل قراءة بمقام آية ، وفي ذلك يقول ابن عاشور ( ت 1393هـ) : (( على أنه لا مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مراداً لله تعالى ، ليقرأ القراء بوجوه فتكثر من ذلك المعاني ، فيكون وجود الوجهين فأكثر في مختلف القراءات مجزءاً عن آيتين فاكثر ، وهذا نظير التضمين في استعمال العرب ، ونظير التورية والتوجيه في البديع … )) (47) ، وبهذا يكون من مقاصد الاختلاف في القراءات القرآنية تكثير المعاني واتساعها ، ولكن من غير تناقض أو تباين في المعاني ، وسوف ندلل على هذا الأمر بما سنعرضه من بعض القراءات ، لأن هذا المقام لا يتسع لذكر القراءات جميعها ، فالأمر يتطلب دراسة أشمل وأكبر من هذا البحث ، ولكن هذه القراءات التي سنختارها ونبين المعاني التي تضمنتها سوف ترسم ملامح واضحة للموضوع يكون الدارس معها على ركيزة ثابتة يمكن أن ينطلق من خلالها ويوجه جميع الاختلاف في القراءات القرآنية من غير تناقض أو تضاد .
1- قوله تعالى :(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) [ البقرة :10].
فقرأ عاصم وحمزة والكسائي ( يَكْذِبُونَ ) بفتح الياء وتسكين الكاف وتخفيف الذال ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ( يُكَذِّبونَ ) بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال . (48)
فالقراءة بالتخفيف معناها أنهم استحقوا العذاب الأليم بسبب كَذِبَهم في إظهار الإسلام والإيمان وهم في باطنهم كافرون ، فهم كاذبون في قولهم : ( آمنا بالله وباليوم الآخر ) .
والقراءة بالتشديد معناها أنهم استحقوا العذاب الأليم بسبب تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الزجاج ( ت 311 هـ ) : (( ويقرأ ( يُكَذِّبونَ ) ، فمن قرأ ( يَكْذِبُونَ ) بالتخفيف فإنَّ كَذِبَهُم قولهم أنهم مؤمنون ، قال عز وجل : ( وما هم بمؤمنين ) ، وأما يُكَذِّبونَ بالتثقيل فمعناه بتكذيبهم النبي  .)) (49)
فحاصل القراءتين أن المنافقين سيعذبون العذاب الأليم بسبب كذبهم وتكذيبهم ، ففي القراءتين تنوع في المعاني ، إذ بينت إحدى القراءتين أنهم كاذبون في أخبارهم ، وبينت القراءة الأخرى بأنهم يُكَذِّبون النبي وما جاء به من عند الله تعالى ، ومع هذا لا يقتضي هذا الاختلاف التضاد في المعنى ، لأن المراد بهما هم المنافقون ، يقول مكي ابن أبي طالب القيسي : (( والقراءتان متداخلتان ترجع إلى معنى واحد ، لأنَّ من كذب رسالة الرسل وحجة النبوة فهو كاذب على الله ، ومن كذب الله وجحد تنزيله فهو مكذب بما أنزل الله . )) (50) ، ونحو هذا ذهب الداني في باب اختلاف اللفظ والمعنى جميعاً مع جواز اجتماع القراءتين في شيء واحد من اجل عدم تضاد اجتماعهما فيه ، إذ يقول :(( وكذا ( بما كانوا يكذبون ) بتخفيف الذال وبتشديدها ، لأنَّ المراد بهاتين القراءتين جميعاً هم المنافقون ، وذلك أنهم كانوا يَكذِبون في أخبارهم ، ويُكذِّبون النبي فيما جاء به من عند الله تعالى ، فالأمران جميعاً مجتمعان لهم ، فأخبر الله تعالى بذلك عنهم وأعلمنا أنه معذبهم بهما .)) (51)،وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (( في (يكذبون ) قراءتان مشهورتان ، فإنهم كذبوا في قولهم ( آمنا بالله وباليوم الآخر ) وكذبوا الرسول في الباطن وإن صدقوه في الظاهر . )) (52) ، ويقول ابن كثير ( ت 774 هـ ) : ((وقولهم  بما كانوا يَكذِبون ) وقرىء ( يُكَذِّبون ) وقد كانوا متصفين بهذا وهذا ، فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا.)) (53)
وبهذا فإن كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه القراءة الأخرى مع عدم التناقض والتضاد بينهما.
2- قوله تعالى : يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ  [ البقرة : 219].
فقرأ حمزة والكسائي ( فيهما إثم كثير ) بالثاء ، وقرأ الباقون (إثم كبير ) بالباء . (54)
فمعنى قراءة حمزة والكسائي ( إثم كثير ) من الكثرة ، وذلك لأن شرب الخمر يحدث معه آثام كثيرة من لغط وتخليط وسب وأيمان وعداوة وخيانة وتفريط في الفرائض وفي غير ذلك ، فوصف بالكثرة ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى :  إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ  [ المائدة :91]، فذكر أشياء من الإثم . (55)
يقول أبو حيان ( ت 745 هـ ) : (( ووصف الإثم بالكثرة إما باعتبار الآثمين فكأنه قيل فيه : للناس آثام ، أي كل واحد من متعاطيها آثم ، أو باعتبار ما يترتب على شربها مما يصدر من شاربها من الأفعال والأقوال المحرفة ، أو باعتبار من زاولها من لدن كانت إلى أن بيعت وشريت فقد لعن رسول الله  الخمر ولعن معها عشرة بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها ومعتصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها ، فناسب وصف الإثم بالكثرة بهذا الاعتبار . )) (56)
أما معنى قراءة ( إثم كبير ) فهو من الكبر والعظم أ ي: فيها إثم عظيم ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ  [ الشورى : 37] ، فكذلك ينبغي أن يكون ( إثم كبير ) لأنَّ شرب الخمر والميسر من الكير ، وفي هذا يقول الزجاج : (( فأما الإثم الكبير الذي في الخمر فبين ، لأنها توقع العداوة والبغضاء ، وتحول بين المرءٍ وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه . )) (57) ، ويقول مكي : (( أجمعوا على أن شرب الخمر من الكبائر فوجب أن يوصف لإثمه بالكبر .)) (58)
فحاصل القراءتين هو التأكيد على تحريم الخمر وذمها لعظيم إثمها وعقوبتها ، وكذلك لكثرة آثامها ، فلا تناقض بين القراءتين ، لأنهما في ذم الخمر وتقبيح شاربها ، فكل قراءة بينت أمراً هو فيها ، وهو من باب الاتساع في المعاني الذي لا يقتضي التضاد والتباين ، وكلتا القراءتين مراد الله عز وجل ، وفي ذلك يقول أبو حيان : (( ذكر بعض الناس ترجيحاً لكل قراءة من هاتين القراءتين على الأخرى وهذا خطأ ، لأنَّ كلاً من القراءتين كلام الله تعالى ، فلا يجوز تفضيل شيء منه على شيء من قبل أنفسنا إذ كله كلام الله تعالى . )) (59)

3- قوله تعالى :  أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  [ البقرة: 259 ] .
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ( ننشرها ) بالراء ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ( ننشزها ) بالزاي . (60)
فمعنى قراءة ( ننشرها ) أي : إحياؤها وبعثها بعد موتها ، أما قراءة ( ننشزها ) فمعناها نرفعها والإنشاز نقلها إلى موضعها برفع بعضها إلى بعض وتركبه على حالته الأولى ، فترفع العظام وتركب للإحياء ، ومنه نشوز المرأة وهو ارتفاعها على زوجها ، ومنه قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ  [ المجادلة :11] ، أي ارتفعوا .
يقول الفراء : (( الإنشاز نقلها إلى موضعها ، وقرأها ابن عباس ( ننشرها ) ، إنشاءها : إحياؤها ، واحتجَّ بقوله : ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ  [ عبس : 22] .)) (61)
وقال الزجاج : (( يقرا ( نٌنْشِزُها ) بالزاي و( نُنْشِرُها ، ونَنْشُرُها ) بالراء فمن قرأ نُنشزها كان معناه نجعلها بعد بِلاها وهجودها ناشزة ينشز بعضها إلى بعض ، أي يرتفع ، والنشز في اللغة ما أرتفع عن الأرض ، ومن قرأ ( نُنْشِرُها ، ونَنْشُرُها ) فهو من أنشر الله الموتى ونشرهم ، وقد يقال نَشَرهم الله أي بعثهم ، كما قال :  وَإِلَيْهِ النُّشُورُ  [ الملك : 18 ]. )) ( 62)
فحاصل القراءتين أن الله بين كيفية إحياء الموتى ، وذلك بإحياء العظام وبعثها من موتها التي كانت فيها كما دلت عليه القراءة بالراء ، وبينت القراءة بالزاي كيفية إحياء العظام ، وذلك برفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فضمن الله تعالى المعنيين في القراءتين ، وفي هذا يقول الداني : (( المراد بهاتين القراءتين جميعاً هي العظم ، وذلك أن الله تعالى أنشرها أي أحياها ، وأنشزها أي رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فأخبر سبحانه أنه جمع لها هذين الأمرين من إحيائها بعد الممات ورفع بعضها إلى بعض لتلتئم فضمن تعالى المعنيين في القراءتين تنبيهاً على عظيم قدرته . )) (63)
فدل بالقراءتين على عظيم قدرته سبحانه في البعث والإحياء والتركيب من غير تناقضٍ أو تباينٍ أو تضادٍ فيهما.
4- قوله تعالى :  وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ  [ الأنعام : 61] .
قرأ عامة العشرة ( وهم لا يُفَرِّطُون ) بتشديد الراء ، وقرأ الأعرج ( وهم لا يُفْرِطُون ) بتخفيف الراء وسكون الفاء . (64)
فمعنى قراءة العامة أن الملائكة لا يقصرون فيما يؤمرون به من توفي من تحضره المنية ولا يغفلون ولا يتوانون ، أما قراءة الأعرج ( لا يُفْرِطُون ) فهو من الإفراط أي الزيادة ، فهم لا يزيدون ولا يتوفون إلاَّ من أمروا بتوفيه لا يتجاوزن الحد في ذلك ، قال ابن جني ( ت 392 هـ ) : (( يقال أفرط في الأمر إذا زاد فيه ، وفرَّط فيه إذا قصَّر، فكما أن قراءة العامة ( لا يُفَرِّطُون )لا يقصرون فيما يؤمرون به من توفِّي من تحضر منيته ، فكذلك أيضاً لا يزيدون ، ولا يَتَوَفَّون إلاَّ من أُمِرُوا بتَوَفِّيه ، ونظيره قوله جل وعز :  وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ  [ الرعد : 8 ] . )) (65)
فدل بالقراءتين على أن الملائكة يفعلون ما يؤمرون به دون زيادة أو نقصان فكل قراءة وضحت معنى هو من مراد الله عز وجل دون تضاد أو تناقض ، وهو من باب التوسع في المعاني من غير تباين في معاني القراءات . (66) ، وفي هذا يقول الزمخشري ( ت538 هـ ) : (( و ( يفرطون ) بالتشديد والتخفيف ، فالتفريط التواني والتأخير عن الحدِّ ، والإفراط مجاوزة الحدِّ ، أي لا ينقصون مما أمروا به ولا يزيدون فيه .)) (67)
5- قوله تعالى :  وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ، وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ  [ التكوير : 22-25] .
قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة ( بِضنين ) بالضاد ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس ( بظنين ) بالظاء . (68)
فالقراءة بالضاد ( بضنين ) فمن الضنة وهي البخل ، أي معناها ما هو على الغيب ببخيل ، أما القراءة بالظاء ( بظنين ) فمن الظنة وهي الاتهام ، أي ما هو على الغيب بمتهم .
يقول الفراء : (( حدثني قيس بن الربيع عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : أنتم تقرءون ( بضنين ) ببخيل ، ونحن تقرأ ( بظنين ) بمتهم ، وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت ( بضنين ) وهو حسن ، يقول : يأتيه غيب السماء وهو منفوس فيه فلا يضن به عنكم ، فلو كان مكان على ، عن صلح أو الباء كما تقول : ما هو بضنين بالغيب ، والذين قالوا : بظنين احتجوا بأن على تقوي قولهم ، كما تقول : ما أنت على فلان بمتهم . )) (69) ، ونحو هذا ذهب الزجاج بقوله : ((فمن قرأ بظنين فمعناه ما هو على الغيب بمتهم وهو الثقة فيما أداه عن الله جل وعز ، يقال ظننت زيداً في معنى اتهمت زيداً ، ومن قرأ ( بضنين ) فمعناه ما هو على الغيب ببخيل ، أي هو  يؤدي عن الله ويُعَلِّمُ كتاب الله . )) (70)
ويقول ابن خالويه ( ت 370 هـ ) : (( قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ( بظنين ) بالظاء ، أي : بمتهم ، يقال : بئرٌ ظنينٌ ، إذا كان لا يُوثَقُ بها .
وقرأ الباقون ( بضنين ) بالضاد ، أي : ببخيل ، أي ليس بخيل بالوحي بما أنزل الله من القرآن فلا يكتمه أحداً ، تقول العرب : ضننت بالشيء أضن به : إذا بخلت به ، ويُنشد :
مَهْلاً أعَاذِلُ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي * إنِّي أجُوْدُ لأقوامٍ وإنْ ضَنَنُوا. )) (71)
ولم يشذ عن هذه المعاني جمهور المفسرين وأصحاب كتب علل القراءات (72) ،كما أورد أصحاب كتب النظائر بين الظاء والضاد ما يؤكد ما ذهب إليه أصحاب كتب التفسير ، ومعاني القرآن، وعلل القراءات ، لكن المفيد في الكتب التي اختصت بالحديث عن الظاء والضاد هو انفرادها برواية النظائر بشيء من التوسع والشمول والاعتماد على ما قرره علماء اللغة في معجماتهم ، كما أنها أصبحت مضان الدارسين في هذا الباب ، لأنها عالجت ما أصاب بعض المتأخرين من الخلط بين الحرفين في النطق مع أن معناهما مختلف في بناء الكلمة ، فوضعت هذه الكتب الضوابط للتفريق بين الحرفين مع ذكر المعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ .
يقول السرقوسي ( ت نهاية القرن السادس ) : (( ويكون الظَّنُّ بمعنى الشكَ والتهمة ، قال الله تعالى : مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ  [ النساء:157 ] ،  إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا  [ الجاثية : 32 ] .
واختلف في سورة التكوير في قوله :  وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ  ، فقُرىء بالظاء على معنى التهمة ، وقُرىء بالضاد على معنى البخيل ( وما هو على الغيب بضنين ) أي : ببخيل . )) (73)
ويقول ابن مالك ( ت 672 هـ ) : (( فأما ( الضنُّ ) بالضاد فمصدرُ ضنَّ بالشيء ضَنّاً وضِنّاً وضَنَانَةً إذا بَخِلَ به وشَحَّ ، واضنينُ : البخيلُ ، وقُرِىء : ( وما هو على الغيب بضنين ) …
وأما ( الظنُّ ) بالظاء : التُهمةُ ، وقُرىء ( وما هو على الغيب بظنين ) أي بمتهم ، وكلاهما بالظاء والضاد متوجهان في حقِّ النبي  ، لأنه ليس ببخيل ولا بمتهم . )) (74)
وبهذا يتحصل أن القراءتين وإن اختلف لفظهما فلم يتناقض أو يتضاد معناهما ، بل تصدق بعضهما بعضاً ، وكل قراءة تزيد معنى جديداً تكمل به القراءة الأخرى ، فالمراد بهاتين القراءتين جميعاً هو النبي  ، وذلك أنه كان غير متهم فيما أخبر به عن الله تعالى وغير بخيل بتعليم ما علمه الله وأنزله إليه فقد انتفى عنه الأمران جميعاً ، فأخبر الله تعالى عنه بهما في القراءتين . (75)
من خلال ما تقدم يتبين بشكل جلي أن الاختلاف في القراءات القرآنية هو اختلاف تنوع وتغاير ، وليس اختلاف تناقض أو تضاد ، إذ ليس في شيء من القراءات تنافٍ ولا تضاد ولا تناقض ولا تباين ، وإن من مقاصد هذا الاختلاف هو التكثير من المعاني في الآية الواحدة ، فكانت كل قراءة تلقي الضوء على جانب معين لم تبينه القراءة الأخرى ، وكأن الموضوع مجموعة صور لمسجد أو بيت كل صورة تبين أو تزيد شياً جديداً لم تبينه الصورة الأخرى ، مع أن جميع الصور هي لمكانٍ واحد .
[line]
[align=center]الخاتمة والنتائج[/align]
لن أطوي صفحات هذا البحث حتى أجمل بعض الحقائق التي خرجتُ بها من خلال دراسة هذا الموضوع والتي تتلخص في الأمور الآتية : -
(1) إنَّ موضوع القراءات القرآنية من الموضوعات المهمة في الدرس اللغوي العربي ، لأنَّ دراسة هذا الموضوع يكشف الكثير من القضايا اللغوية المهمة ( الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية )، ويلقي الضوء على الكثير من الخصائص اللهجية التي اتسمت بها القبائل العربية ، وبهذا تعد مادة القراءات القرآنية وما يتعلق بها من قضايا رافداً مهماً من روافد الدرس اللغوي العربي لا يمكن تجاهله أو التقصير فيه ،ولاسيما دارس العربية .
(2) تبين من خلال البحث أن علماء المسلمين أجمعوا على أن الاختلاف في القراءات إنما هو اختلاف تنوع وتغاير ، لا اختلاف تضاد وتناقض ، ودللنا على ذلك بجملة من أقوال علماء المسلمين والتي تثبت ذلك ، وتوضح بشكل قاطع جهل بعض المستشرقين في هذا الموضوع وهم يصفون الاختلاف في القراءات القرآنية بالاضطراب .
(3) اتضح من خلال عرض بعض الاختلاف في القراءات القرآنية اثر القراءات في تعدد المعاني واتساعها ، وإن الإكثار من المعاني في الآية الواحدة هو مقصد من مقاصد الاختلاف في القراءات القرآنية ، وهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق وكل قراءة مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنته من المعاني علماً وعملاً .
وهذا الموضوع لم يغفل عنه علماء المسلمين ، فكتب التفسير وتوجيه القراءات احتوت على جوانب كثيرة من هذا الموضوع إلاَّ أنها لم تدرس هذا الموضوع بالشكل الذي عرضناه دراسة استقصائية ، وإنما كانت توضح حجة أو علة كل قراءة وتورد بعض الأقوال مبثوثة هنا أو هناك ، كأنها ترجح قراءة على أخرى أو تبين العلة من القراءة بهذه اللفظة متجاهلة ـ في الأعم الأغلب ـ الفوائد واللطائف التي تتحقق من خلال الاختلاف في القراءات القرآنية ، لذا أرى من المفيد جمع كل ما يتعلق بهذا الموضوع وإفراده بتصنيف يبين المعاني والفوائد واللطائف التي تضمنتها القراءات ويبرز جانب الإعجاز في النص القرآني بكونه غير قابل للتناقض والتباين والاضطراب على الرغم من تعدد القراءات وتنوعها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
[line]
الهوامش
(1) ينظر : معرفة القراء الكبار 1/54.
(2) صحيح البخاري 1/6 و6/2736. والحديث في : مسند الإمام أحمد 1/343،وصحيح مسلم 1/330 ،وسنن الترمذي 5/430 ، وسنن النسائي 1/324و6/503 .
(3) فتح الباري 1/30.
(4) المرشد الوجيز 33.
(5) ينظر : جمال القراء 2/424.
(6) النشر 1/6.
(7) ينظر :مسند الإمام أحمد 1/10و13 ، وصحيح البخاري 4/1720و1907و6/2629 ، وسنن الترمذي 5/283 ،والنسائي 5/7 ، وكتاب المصاحف 1/170 ، والإبانة 23-25 ، و محاضرات في علوم القرآن 55-56.
(8) ينظر : الإبانة 15.
(9) ينظر : تأويل مشكل القرآن 39 ، والإبانة 42-43.
(01) الحديث في سنن الترمذي 5/194 رقم 2944 .
(11) صحيح مسلم 1/562.
(21) ينظر : محاضرات في علوم القرآن 109 .
(31) ينظر تمام الواقعة في:صحيح البخاري 4/1908 ، وسنن الترمذي 5/284، وسسن النسائي5/6، والإتقان 1/169-172.
(41) كتاب المصاحف 1/214 . وينظر الإتقان 1/170-171.
(51) الإبانة 16.
(61) المرشد الوجيز 92.
(71) الفتح 9/9.
(81) المصدر السابق 9/28.
(91) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية 41.
(02) الإبانة 10.
(12) السبعة 49.
(22) ينظر : مناهل العرفان 1/279و285.
(32) ينظر : القراءات القرآنية تاريخ وتعريف 27-32.
(42) هو مستشرق يهودي مجري الأصل ، له العديد من المصنفات رحل إلى سورية وفلسطين ومصر، وعين أستاذاً في جامعة بودابست ( عاصمة المجر ) ، توفي سنة 1921م . ينظر : الأعلام 1/84.
(52) مذاهب التفسير الإسلامي 4.
(62) المصدر السابق 18.
(72) المصدر السابق 5 .
(82) ينظر : مختصر في شواذ القراءات 6.
(92) بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات 240.
(03) ينظر : الأحرف السبعة للداني 57-59 ، و الإتقان 1/131-141 ، والقراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية 24-29.
(13) الأحرف السبعة 60.
(23) المصدر السابق 47.
(33) ينظر : المصدر السابق 50-51.
(43) في الأحرف السبعة للداني47-48 : (( (السراط)بالسين و(الصراط)بالصاد و(الزراط) بالزاي و (عليهم، و إليهم،ولديهم)بضم الهاء مع إسكان الميم وبكسر الهاء مع ضم الميم وإسكانها و(فيه هدى،و عليه كنز،و منه ءايت،وعنه ماله)بصلة الهاء وبغير صلتها و(يؤده إليك،ونؤته منها،وفألقه إليهم)بإسكان الهاء وبكسرها مع صلتها واختلاسها،و(أكلها،وفي الأكل)بإسكان الكاف وبضمها،و( إلى ميسرة)بضم السين وبفتحها،و(يعرشون)بكسر الراء وبضمها وكذلك ما أشبهه ونحو ذلك البيان والإدغام والمد والقصر والفتح والإمالة وتحقيق الهمز وتخفيفه وشبهه مما يطلق عليه أنه لغات فقط .))
(53) النشر 1/51.
(63) مجموعة الفتاوى 13/391-392.
(73) ينظر : المصدر السابق 13/401.
(83) ينظر : البرهان 1/221 ، و الإتقان 1/132-135.
(93) فتح الباري 9/26.
(04) النشر 1/51.
(14) المصدر السابق 1/52.
(24) البرهان 1/336-338.
(34) مناهل العرفان 1/105-106. وينظر: مقدمة تفسير التحرير والتنوير 1/54.
(44) مناهل العرفان 1/130.
(54) ينظر : تفسير القرطبي 9/23.
(64) البرهان 2/55.
(74) التحرير والتنوير 1/54.
(84) ينظر : السبعة 143 ، والتذكرة 2/310 ، والتيسير 72، والإقناع 2/597 ، والكنز 2/404 ، والنشر 2/207.
(94) معاني القران وإعرابه 1/87. وينظر : معاني القراءات 42 ، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/66 ، والحجة لأبي علي 1/255-257 ، والكشف 1/228 ، والموضح في تعليل وجوه القراءات 257-258.
(05) الكشف 1/229.
(15) الأحرف السبعة 48-49. وينظر : النشر 1/50.
(25) مجموعة الفتاوى 7/182.
(35) تفسير القرآن العظيم 1/88.
(45) ينظر : السبعة 182، والتذكرة 2/333 ، والتيسير 80 ، والإقناع 2/608 ، والكنز 2/424 ، والنشر 2/227.
(55) ينظر : حجة القراءات 133 ،والكشف 1/261 ، والموضح في تعليل وجوه القراءات 302.
(65) البحر المحيط 2/157-158.
(75) معاني القرآن وإعرابه 1/292.
(85) الكشف 1/291. وينظر الموضح في تعليل وجوه القراءات 302.
(95) البحر المحيط 2/185.
(06) ينظر : السبعة 189، ووالتذكرة2/339، والتيسير 82، والإقناع 2/611، والكنز 2/429، والنشر 2/231.
(16) معاني القرآن 1/173.
(26) معاني القرآن وإعرابه 1/344. وينظر : حجة القراءات 144، وإعراب القراءات السبع 1/97، ومعاني القراءات 86، والكشف 1/310-311، والموضح في تعليل وجوه القراءات 311-312.
(36) الأحرف السبعة 49. وينظر : النشر 1/50.
(46) ينظر : المحتسب 1/223.
(56) المصدر السابق.
(66) ينظر : إعراب القراءات الشواذ 1/483-484.
(76) الكشاف 2/32.
(86) ينظر : السبعة 673، والتذكرة 2/756، والتيسير 220، والإقناع 2/805، والكنز 2/707، والنشر 2/398.
(96) معاني القرآن 3/243.
(07) معاني القرآن وإعرابه 5/293.
(17) إعراب القراءات السبع 2/446 .
(27) ينظر : معاني القراءات 531، وحجة القراءات 752، والكشف 2/364، والموضح في تعليل وجوه القراءات 705، والكشاف 4/713، وتفسير القاسمي 9/342-343.
(37) ظاءات القرآن 317.
(47) الاعتماد في نظائر الظاء والضاد 38-39.
(57) الأحرف السبعة 49.
[line]
قائمة المصادر والمراجع
1- الإبانة عن معاني القراءات ـ لمكي بن أبي طالب القيسي ( ت 437 هـ ) تحقيق : الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي ـ مطبعة نهضة مصر ـ القاهرة (د0 ت) 0
2- الإتقان في علوم القرآن ـ لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ـ المكتبة العصرية ـ بيروت ـ (1408هـ = 1988م )0
3- الأحرف السبعة – لأبي عمرو الداني (ت 444هـ ) تحقيق : عبد المهيمن طحان ـ مكتبة المنارة ـ مكة المكرمة ـ الطبعة الأولى ( 1408هـ = 1988م) 0
4- الإعتماد في نظائر الظاء والضاد ـ لجمال الدين محمد بن مالك ( ت 672هـ ) تحقيق : الدكتور حاتم الضامن – مؤسسة الرسالة – بيروت ت الطبعة الثالثة ( 1406هـ = 1985م ) 0
5- إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ـ لمصطفى صادق الرافعي ، راجعه واعتنى به نجوى عباس ـ مؤسسة المختار ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى ( 1423هـ=2003) 0
6- إعراب القراءات السبع وعللها – لأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه (ت 370 هـ) ، حققه وقدم له : الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين – مكتبة الخانجي بالقاهرة – الطبعة الأولى (1413هـ = 1992م ) 0
7- إعراب القراءات الشواذ – لأبي البقاء العكبري (ت616هـ )، دراسة وتحقيق : محمد السيد أحمد عزوز – عالم الكتب – بيروت – الطبعة الأولى (1417هـ = 1996 ) 0
8- الأعلام ـ لخير الدين الزركلي ( ت1396هـ ) دار العلم للملايين ـ بيروت ـ الطبعة الخامسة ( 1400هـ =1980م ) 0
9- الإقناع في القراءات السبع – لأبي جعفر أحمد بن علي المعروف بابن الباذش (ت540 هـ)، حققه وقدم له : الدكتور عبد المجيد قطامش – منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى – مطبعة دار الفكر – دمشق – الطبعة الأولى (1403هـ = 1983م) 0
01- البحر المحيط في التفسير- لأبي حيان الأندلسي (ت745هـ ) دار الفكر – بيروت ـ الطبعة الثانية (1403هـ = 1983م ) 0
11- البرهان في علوم القرآن ـ لمحمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي ( ت 794 هـ )، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ( 1391هـ = 1972م ) 0
21- بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات ـ لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي ( ت في حدود 440هـ ) ضمن كتاب نصوص محققة في علوم القرآن الكريم ـ تحقيق : الدكتور حاتم الضامن ـ بغداد ( 1411هـ =1991م ) 0
31- تأويل مشكل القرآن ـ لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ( ت 276هـ ) تحقيق : سيد أحمد صقر ـ دار التراث ـ القاهرة ـ الطبعة الثانية ( 1393هـ= 1973م ) 0
41- التحرير والتنوير ( تفسير ابن عاشور التونسي ) لمحمد الطاهر بن عاشور (ت1392هـ) – مؤسسة التأريخ – بيروت – الطبعة الأولى ( 1420هـ = 2000م ) 0
51- التذكرة في القراءات ـ لأبي الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غلبون ( ت 399 هت ) ـ تحقيق : الدكتور عبد الفتاح بحيري إبراهيم ـ الناشر ـ الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة ت الطبعة الثانية ( 1411هـ = 1991م ) .
61- تفسير القرآن العظيم ( تفسير ابن كثير ) – لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت774هـ) ، تخريخ وتعليق : أبو معاوية مازن بن عبد الرحمن الجصلي ـ جمعية إحياء التراث الإسلامي ـ الكويت ـ الطبعة الأولى ( 1425= 2004) 0
71- تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن ) ـ لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (ت671هـ) – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى ( 1408هـ =1988م ) 0
81- التيسير في القراءات السبع – لأبي عمرو الداني( ت444 هـ ) عنى بتصحيحه اوتو برتزل – استانبول – مطبعة الدولة (1350هـ = 1930م) أعادت طبعه مكتبة المثنى – بغداد 0
91- جمال القراء وكمال الإقراء ـ لعلم الدين أبو الحسن علي بن محمد السخاوي ( ت 643 هـ ) ، تحقيق : علي حسين البواب ـع مكتبة التراث ـ مكة ـ الطبعة الأولى ( 1408هت = 1988م ) 0
02- الحُجَّة في علل القراءات السبع – لأبي علي الفارسي – ج1 تحقيق : علي النجدي ناصف، والدكتور عبد الحليم النجار،والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي دار الكتاب العربي بمصر (1385هـ = 1965م ) 0
12- حجة القراءات – لأبي زُرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة (ت أواخر 400هـ) ، تحقيق : سعيد الأفغاني – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الخامسة (1422هـ = 2001م ) 0
22- السبعة في القراءات – لأبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد (ت 324 هـ)، تحقيق : الدكتور شوقي ضيف – دار المعارف بمصر – الطبعة الثالثة (1408هـ= 1988م) 0
32- سنن أبي داود ـ لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني ( ت 275 هـ ) تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ـ دار الفكر ـ بيروت ( د.ت ) 0
42- سنن الترمذي – لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت297هـ )، تحقيق وشرح : أحمد محمد شاكر وآخرين – دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى (1408 هـ = 1987م ) 0
52- سنن النسائي ـ لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ( ت 303 هـ )، تحقيق : الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري ، وسيد كسروي حسن ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ( 1411هـ = 1991م ) 0
62- صحيح البخاري – لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ) ، تحقيق : الدكتور مصطفى البغا ـ دار ابن كثير واليمامة ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ( 1407هـ = 1987م ) 0
72- صحيح مسلم ـ لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ( ت 261 هـ )، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ( د.ت ) 0
82- ظاءات القرآن ـ لأبي الربيع سلمان بن أبي القاسم السرقوسي ( ت أوآخر السادس الهجري ) ضمن كتاب نصوص محققة في علوم القرآن الكريم ، تحقيق: الدكتور حاتم الضامن ـ بغداد ( 1411هـ = 1991م ) 0
92- فتح الباري ـ لأحمد بن علي بن حجر العسقلني ( ت 852هـ ) ، تحقيق : محب الدين الخطيب ـ دار المعرفة ـ بيروت ( د.ت ) 0
03- القراءات القرآنية تأريخ وتعريف ـ للدكتور عبد الهادي الفضلي ـ دار القلم بيروت ـ الطبعة الثالثة ( 1405هـ = 1985م ) 0
13- القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية ـ للدكتور عبد العال سالم مكرم مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ الطبعة الثالثة ( 1417هـ = 1996م ) 0
23- كتاب المصاحف – لأبي بكر عبد الله بن سليمان بن الاشعث السجستاني (ت316هـ) ، دراسة وتحقيق ونقد : الدكتور محب الدين عبد السبحان واعظ ـ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر – الطبعة الأولى (1416هـ= 1995م)0
33- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل – لأبي القاسم محمد بن عمر الزمخشري ( ت538هـ) ، تحقيق وتخريج وتعليق : عبد الرزاق المهدي – دار إحياء التراث العربي – بيروت – الطبعة الثانية (1421هـ= 2001م) 0
43- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها – لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق:الدكتور محيي الدين رمضان – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الثانية (1401هـ = 1981م ) 0
53- الكنز في القراءات العشر ـ لعبد الله بن عبد المؤمن الواسطي( ت740 هـ) دراسة وتحقيق : الدكتور خالد احمد المشهداني ـ مكتبة الثقافة الدينية ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى ( 1425هـ = 2004م ) 0
63- مجموعة الفتاوى ـ لابن تيمية ( ت 728 هـ ) ، جمع : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ـ مطبعة الرسالة ـ سورية ـ الطبعة الأولى ( 1398هـ = 1978م ) 0
73- محاضرات في علوم القرآن ـ لغانم قدوري الحمد ـ دار الكتاب للطباعة ـ بغداد ـ الطبعة الأولى ( 1401هـ = 1981م ) 0
83- المُحتَسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها ـ لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 392هـ) ، تحقيق: علي النجدي ناصف، والدكتور عبد الحليم النجار، والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي ـ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة (1424هـ =2004م)0
93- مختصر في شواذ القراءات من كتاب البديع لابن خالويه – عنى بنشره : ج0 برجشتراسر – دار الهجرة (د0ت)0
04- مذاهب التفسير الإسلامي ـ لجولد تسيهر ، ترجمة : الدكتور عبد الحليم النجار ـ مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة ( 1375هـ = 1955م ) 0
14- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز ـ لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي ( ت 665 هـ ) ، تحقيق : طيار آلتي قولاج ـ دار صادر بيروت ( 1395هـ = 1975م ) 0
24- مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني ( ت 241 هـ ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ـ دار الحديث ـ القاهرة ـ الطبعة الأولى ( 1415هـ = 1995م ) 0
34- معاني القراءات – لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت370هـ) ، حققه وعلق عليه – الشيخ أحمد فريد المزيدي – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى (1420 هـ = 1999م) 0
44- معاني القرآن – لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت207هـ) ، تحقيق : محمد علي النجار ، وأحمد يوسف نجاتي – عالم الكتب – بيروت – الطبعة الثانية (1400هـ = 1980م ) 0
54- معاني القرآن وإعرابه – لأبي إسحاق الزجاج (ت311هـ)، شرح وتحقيق : الدكتور عبد الجليل عبده شلبي – عالم الكتب – بيروت – الطبعة الأولى (1408هـ = 1988م ) 0
64- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار – للذهبي ، تحقيق : بشار عواد معروف ، وشعيب الأرناؤوط ، وصالح مهدي عباس – مؤسسة الرسالة- بيروت الطبعة الأولى (1984م = 1404هـ) 0
74- مناهل العرفان في علوم القرآن ـ لمحمد عبد العظيم الزرقاني ( ت 1367 هـ ) ـ دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ( 1417 هـ = 1996م ) 0
84- الموضح في تعليل وجوه القراءات السبع – لأبي العباس المهدوي (ت440هـ) ، دراسة وتحقيق : سالم قدوري الحمد – رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الآداب – جامعة بغداد – تحت إشراف الدكتور حاتم صالح الضامن (1988م = 1408هـ) 0
94- النشر في القراءات العشر – لابن الجزري ، تصحيح ومراجعة : علي محمد الضباع – دار الفكر – بيروت (د0ت ).
جزاك الله خيرا وبارك فيكم
 
عودة
أعلى