الاحتباك في الآية ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾:

إنضم
16/03/2020
المشاركات
25
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
30
الإقامة
السعودية
في هذه الآية نرى الاحتباك (علم البديع):
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَٰرِ﴾ [آل عمران: 3:13]
1 ذكر ﴿فِئَةٌ﴾ في الأول والمعنى: "فِئَةٌ مُؤْمِنَةٌ"، لكن لم يذكر كلمة "مُؤْمِنَةٌ".
ذكر ﴿كَافِرَةٌ﴾ في الثاني والمعنى: "وَأُخْرَىٰ فِئَةٌ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم"، لكن لم يذكر كلمة "فِئَةٌ".
ذكر الضد وحذف مقابله وترك ذلك للقارئ ليقدره.

2 ذكر ﴿فِئَةٌ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ في الأول.
لم يذكر عكس القتال في سبيل الله، والمعنى: "وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ يَرَوْنَهُم"، لكن لم يذكر "تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ".

الكلمات التي ننظر إليها:
1 ﴿فِئَةٌ﴾ و "فِئَةٌ"
2 "مُؤْمِنَةٌ" و ﴿كَافِرَةٌ
3 ﴿تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ و"تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ"

الآن قد يسأل سائل: لماذا ذكر في الأولى ﴿فِئَةٌ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لكنه لم يذكر "مُؤْمِنَةٌ"، وفي الثاني ذكر ﴿كَافِرَةٌ﴾ لم يذكر "فِئَةٌ" ولا "تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ

أجيب وأقول:
1 ذكر ﴿فِئَةٌ﴾ للمؤمنين أكثر فائدة من ذكر "فِئَةٌ" للكفار لأن المؤمنين هم أحسن من الكفار. إذن، ذكر ﴿فِئَةٌ﴾ للفريق الإيجابي أفضل.
2 ذكر ﴿تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ سبيل الحق الإيجابي أكثر فائدة من ذكر السبيل السلبي إذا كنت لديك الخيار بين ذكر واحد من السبيلين فقط. لا قيمة ل "سَبِيلِ الشَّيْطَانِ"، إسقاطها في الكلام هو إسقاطها في الواقع:
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَٰطِلُ إِنَّ الْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 17:81]

3 لم يذكر "مُؤْمِنَةٌ" لكنه ذكر ﴿كَافِرَةٌ﴾ لأنّه
أولا: لو ذُكر "مُؤْمِنَةٌ" ولم يذكر ﴿كَافِرَةٌ﴾ لكان هناك إشكال في المعنى، ولكان أصعب الفهم بأن الفئة الثانية كافرة، فهنا ذكر ﴿كَافِرَةٌ﴾ أكثر أهمّية لسبب إزالة الإشكال والتوضيح.
ثانيا: لم يذكر "مُؤْمِنَةٌ" لأنه ذكر الصفة العليا ﴿تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، فاكتفى القرآن بذكر ذلك، ولا حاجة في ذكر صفة "مُؤْمِنَةٌ" لأنه يُفهم أنّ الفئة ستكون مؤمنة إذا كانت ﴿تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أصلا.

وللاحتباك فائدة كبير، غير المثال الذي ذكر، وهو اقتصار الكلام بدون ضياع المعنى المهمَ:
الكلمات في الآية بدون أسلوب الاحتباك، قد يقول قائل بأن الكلام زاد بدون فائدة:
الكلمات الزائدة:
1 "مُؤْمِنَةٌ"
2 "فِئَةٌ"
3 "تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ"
"قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ فِئَةٌ كَافِرَةٌ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَٰرِ"

الآية الأصلية:
﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَٰرِ﴾ [آل عمران: 3:13]
هذا مثال من الأمثلة الكثيرة من إعجازات القرآن علينا أن نتدبّرها.

مصدر جيد:
https://www.youtube.com/watch?v=UJSNvYU7mLw&list=PLpho5aD11t7a-jmArI4eZ_hh3VXJXaFrM&index=19
 
صراحة لست متأكدا من الفرق بين الإضمار والاحتباك، أنا أركز على المواضيع وعلى ما يحصل في الواقع أكثر من التعمق في المصطلحات، لكن ربما الفرق هو أن مسألة الاحتباك يتكوّن من أطراف. قد يعتبر المثال الذي ذكرته يتكون من ستة أطراف:
1 ﴿فِئَةٌ﴾ و "فِئَةٌ"
2 "مُؤْمِنَةٌ" و ﴿كَافِرَةٌ
3 ﴿تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ و "تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ". قد يعتبر "سَبِيلِ الطَّاغُوتِ" أدقّ من "سَبِيلِ الشَّيْطَانِ" في سياق الآية لأنه يوجد آية يذكر القتال ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ والقتال ﴿فِي سَبِيلِ الطَّٰغُوتِ﴾ (مسألة جانبية):
﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَٰنِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]

أما الإضمار فقد لا يتكون من أطراف، ويكون متلّقة فقط بكلمة واحدة وضع في مكانها، قرأت أمثلة:

المثال الأول:
﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: 59]
لم يقل تعالى: "فَأَنزَلْنَا عَلَيْهِم رِجْزًا" على الرغم بأنه ذكر ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ سابقا.

المثال الثاني:
﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَٰئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة: 98]
لم يقل تعالى: "عَدُوٌّ لَهُمْ". طبعا الأمر واضح لماذا لم يقل ذلك، وهو لأن:
1 الله يثبت بأن العدوان ﴿لِّلَّهِ وَمَلَٰئِكَتِهِ...﴾ يعتبر كفر
2 يكون غريب جدا انتهاء الآية ب"لَهُمْ" في هذا السياق بالذات لأن الآيات السابقة والتي بعدها لم تنتهي مثل ذلك. سأعطي مثالا لكي أوضح ماذا أقصد (مسألة جانبية):
﴿قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّٰحِرُونَ﴾ [يونس: 77]
﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَٰحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ [طه: 69]

في سورة يونس نرى بأن الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها تنتهي ب﴿ونَ﴾ و ﴿ينَ﴾، فقد يكون أحد أسباب انتهاء الآية ب﴿السَّٰحِرُونَ﴾ لأنه أنسب للسياق.
أما في سورة طه فالآيات في سياقها تنتهي بالألف المقصورة، فقد يكون أحد أسباب انتهاء الآية ب﴿حَيْثُ أَتَىٰ﴾ لأنه أنسب للسياق، على الرغم بأن الآيتين الذي ذكرتهما يعطيان نفس المعنى في نهاية الآية.

المثال الثالث:
﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَٰبِ وَأَقَامُوا الصَّلَوٰةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: 170]
طبعا انتهاء الآية ب"أَجْرَهُمْ" ستكون غريبة لنفس سبب 2 للمثال الثاني.

في هذه الأمثلة الثلاث المتعلّقة بمسألة الإضمار لا نرى أطراف مثل مثال الاحتباك الذي يتَكَوَّن من ستة أطراف.
والله أعلم.

كتاب جيد للاحتباك في القرآن:
https://berj.mosuljournals.com/article_7723_1e01c69769cc9d295bcbf5f199db7288.pdf
(طبعا الكتاب أمثلته مرتبة بطريقة جيدة، لكنني أختلف مع بعض الأمثلة الموجودة في الكتاب)

مصادر ملتقى أهل التفسير الذي قرأته في الإضمار (قراءة سريعة):
قواعد في التفسير ....الإظهار في موضع الإضمار
https://vb.tafsir.net/tafsir28512/#.XqE2GcgzaUk
 
عودة
أعلى