الإيمان ... والبخل ، هل يمكن أن يجتمعا في قلب مسلم؟

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
البخل ........... والإيمان
هل يجتمع البخل والإيمان في قلب مسلم؟

قال الله عز وجل:
(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)
فكأن الشح صفة أصيلة في النفس الإنسانية، ومن الناس من يقهرها ويتغلب عليها، ومنهم من تغلبه طبيعته، قال الله تعالى:
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ما أكثر الأحاديث التي تعوذ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من البخل!
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَالْبُخْلِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»
لقد قرَن النبي بين البخل وبين الفتن العظيمة: عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفي روايات أخرى جمعه وفتنة المسيح الدجال.

وجاء في الحديث الصحيح: « شر ما في رجل شُح هالع وجُبن خالع» .

والشُّحُّ هو البخل مع حرص شديد، فهو أشد من البخل وأعم.

أما اجتماع الإيمان والبخل في قلب امرئ فينفي هذا الاجتماع
ما رواه النسائي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم: ((ولا يجتمع شحٌّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدًا)) صححه الألباني.

والظاهر في الحديث بعد جمعه إلى حديث: (هل يكون المؤمن بخيلا؟ قال نعم) الظاهر نفي كمال الإيمان - والله أعلم - لكن الأمر خطير، فكأن الشح والبخل يطردان الإيمان من القلب، ولعل ذلك لأن حال الإيمان نقيض لحال الشح والبخل ، فالإيمان رحمة وبذل وعطاء وتضحية ، أما البخل فمنع وقسوة ، فهما نقيضان ، فأنى لهما أن يجتمعا؟!

وبيَّن ابن عبد الباقي الفرق بين البخل والشح قال: "الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل وقيل هو البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور والشح عام وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده"

ولابن القيم كلام بديع في التفريق بين البخل والشح قال :
" الفرق بين الشحِّ والبخل: أنَّ الشحَّ هو شدة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه، وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشحِّ، والشحُّ يدعو إلى البخل، والشحُّ كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحَّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحَّه ووقي شرَّه."
رحم الله ابن القيم وشيخه رحمة واسعة.

والشح يحمل على العداء وسفك الدماء ويفضي إلى الهلاك

روى مسلم عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: ((اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم))

وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متّبع، وإعجاب المرء بنفسه"

ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البخيل لا يصلح للقيادة ؛
روى البخاري عن جَابِرٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟» قُلْنَا: جُدُّ بْنُ قَيْسٍ، عَلَى أَنَّا نُبَخِّلُهُ،
قَال صلى الله عليه وسلمَ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ؟ بَلْ سَيِّدُكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ»

فإن خصلة البخل دليل على تجرد صاحب هذه الخصلة من كريم الخصال، فمن يبخل بقليل ماله لن يجود بما هو أعز من المال.

وكرم الأخلاق لا يجتمع والبخل ؛ لأن كرم الأخلاق يستلزم البذل والتضحية.
وأنى للبخيل أن يبذل ويضحي؟!

بقلم د. محمد الجبالي
 
بارك الله فيك، ونفع بك،،،

يحضرني هنا مفتتح سورة البقرة، فبعد أن قسم الله سبحانه وتعالى العلوم إلى:
1- علم شرعي (الكتاب والسنة).
2- وعلم فطري مركب مع الإنسان وهو نطفة.

وبين أن العلم الأول الشرعي أنزله الله ليزداد الناس تقوى فقال:
{ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}،

ثم ذكر سبحانه العلم الفطري أنه إيضا الغرض منه التقوى، فقال:
{يا أيها الناس عبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}،

ثم سارت الآيات تبين أن الله ينزل في كل زمان كلمات وهدايات للبشر (علم شرعي) ليتقوا سخط الله والنار التي أعدها للكافرين، فقال سبحانه:
{...فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًۭى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}

ثم ضربت السورة المثل ببعض بني إسرائيل في أن قلوبهم قاسية، ثم أخذت في علاج هذه القسوة،

فكان الشح السبب الأول لقسوة القلب وقدمه الله سبحانه وتعالى على غيره من الأسباب، ووضع العلاج في قوله:
{ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتِىَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}،
فمن أراد أن يعالج قلبه من قسوة القلوب وأن يردها إلى روضة الخاشعين عليه أن يعمل بهذه الكلمة بكل من تحمله من معان:

ومنها النفقة في سبيل الله،
فالنفقة في سبيل الله تحيي القلب الميت،
ويظهر ذلك جليا في قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا۟ يَفْعَلُونَ {٧١} وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًۭا فَٱدَّٰرَءْتُمْ فِيهَا ۖ وَٱللَّهُ مُخْرِجٌۭ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {٧٢} فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْىِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {٧٣} ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم...}

فقوله تعالى ثم قست قلوبكم تعني أن تعنتهم مع نبي الله موسى عليه السلام كان بسببا لقسوة القلوب والشح، ثم لما ذبحونها أحيى الله قلوبهم، ثم لما تركوا النفقة قست قلوبهم مرة أخرى،

وهذا واضح في الالتفات، فبعد أن كان الضمير للغائب {...قَالُوٓا۟ أَتَتَّخِذُنَا ...{٦٧} قَالُوا۟ ٱدْعُ ...{٦٨} قَالُوا۟ ٱدْعُ ...{٦٩} قَالُوا۟ ٱدْعُ ...قَالُوا۟ ٱلْـَٰٔنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا۟ يَفْعَلُونَ}
انتقل الضمير إلى أسلوب المخاطب{وَإِذْ قَتَلْتُمْ...فَٱدَّٰرَءْتُم...ما كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}
فالتفت بالضمير والتفت من المفرد إلى الجمع لأن القاتل واحد، وقال عنهم أنهم قتلة، وهم لم يقتلوا الميت إنما جاؤوا ليظهر الله لهم القاتل، فهنا ذكرت الآية أنهم قتلة يعني قتلوا أنفسهم بالشح.
وهذا واضح في آخر السورة قبل آية الكرسي بدأت الآيات تتحدث على النفقة فقال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم ...{٢٥٤} }، ثم تحدثت الآيات في ستة آيات عن الحياة والموت، ثم عادت للنفقة مرة أخرى فقالت: {مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ...{٢٦١} }

هذا المعنى الخفي ظاهر في سورة الحديد، قال تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌۭ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ {١٦} ٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {١٧} إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقْرَضُوا۟ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًۭا يُضَٰعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌۭ كَرِيمٌۭ {١٨} }، فحياة القلوب بذكر الله، وعلاجها بالنفقة، فالمداومة على الصدقة مدامة على الخشوع.

ومن لا يملك الصدقة، فكل معروف صدقة، والنفقة على زوجته وأولاده يحتسبها صدقة، والكف عن الأذى صدقة،
وتذكر نعمة الله من الأمن والأمان والعافية والعفو والقرآن والإسلام والإيمان والهداية، والمال والزوجة والبنين وغير ذلك، من ذكر نعمة الله،
ومن ذكر نعمة الله التي وردت في السورة:
الأمر بالمعروف، {وَٱذْكُرُوا۟ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {٦٣} }.

فالشح معناه واسع، وعلاجه الشكر، وأما البخل فمعناه ضيف وعلاجه النفقة في سبيل الله،

هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم،،،
 
جزاك الله خيرا دكتور محمد على هذا الموضوع المميز .. و أحب أن أضيف لك سبب هلاك قوم لوط عليه السلام هو البخل ..فبعدما رأووا أن االه أعطاهم الأمان في بلدهم و كان المسافر يمر عليهم كعابر سبيل قبلها فتجدهم يكرمونه ، حدث في جيل الأبناء فتنة أن هذه أموالنا و نحن أحق بها من غيرنا من عابري السبيل و لئن دخل علينا أحد لنفعلن به كذا و كذا ( يقصدون الفاحشة ) حتى حاد عابروا السبيل عن طريق القوم لما شيع عنهم من أمر الفاحشة بين القبائل ..هذا مما أعرفه عن قصتهم .
 
عودة
أعلى