الإمام الشوكاني يتعجبُ في تفسيره لسورة يونس مرتين

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قال رحمه الله في تفسيره لسورة يونس -الآية رقم 22 :
فَيَا عَجَبًا! لِمَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ طَوَائِفَ يَعْتَقِدُونَ في الأموات؟ فإذا عَرَضَتْ لَهُمْ فِي الْبَحْرِ مِثْلُ هَذِهِ الْحَالَةِ دَعَوُا الْأَمْوَاتَ، وَلَمْ يُخْلِصُوا الدُّعَاءَ لِلَّهِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُشْرِكُونَ كَمَا تَوَاتَرَ ذَلِكَ إِلَيْنَا تَوَاتُرًا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ، فَانْظُرْ هَدَاكَ اللَّهُ مَا فَعَلَتْ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتُ الشَّيْطَانِيَّةُ، وَأَيْنَ وَصَلَ بِهَا أَهْلُهَا، وَإِلَى أَيْنَ رَمَى بِهِمُ الشَّيْطَانُ، وَكَيْفَ اقْتَادَهُمْ وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ؟ حَتَّى انْقَادُوا لَهُ انْقِيَادًا مَا كَانَ يَطْمَعُ فِي مِثْلِهِ وَلَا فِي بَعْضِهِ مِنْ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،
ويقول رحمه الله عند تفسيره للآية 48:"
فَيَا عَجَبًا لِقَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى قُبُورِ الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ قَدْ صَارُوا تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُمْ مِنَ الْحَوَائِجِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ كَيْفَ لَا يَتَيَقَّظُونَ لِمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَلَا يَتَنَبَّهُونَ لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِمَعْنَى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَدْلُولِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؟ وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا اطِّلَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحُولُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ إِلَى الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، بَلْ إِلَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا، فَإِنَّ أُولَئِكَ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ، الرَّازِقُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، وَإِنَّمَا يَجْعَلُونَ أَصْنَامَهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَمُقَرِّبِينَ لَهُمْ إِلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ لَهُمْ قُدْرَةً عَلَى الضَّرِّ وَالنَّفْعِ، وَيُنَادُونَهُمْ تَارَةً عَلَى الِاسْتِقْلَالِ، وَتَارَةً مَعَ ذِي الْجَلَالِ. وَكَفَاكَ مِنْ شَرِّ سَمَاعِهِ، وَاللَّهُ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُطَهِّرٌ شَرِيعَتَهُ مِنْ أَوَضَارِ الشرك وأدناس الكفر، ولقد توسّل الشَّيْطَانُ، أَخْزَاهُ اللَّهُ، بِهَذِهِ الذَّرِيعَةِ إِلَى مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُهُ وَيَنْثَلِجُ بِهِ صَدْرُهُ مِنْ كُفْرِ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُبَارَكَةِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً إنا لله وإنا إليه راجعون-
 
الآيتان من سورة يونس -22 - و- 49
قوله تعالى :{ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)

وقوله تعالى :{ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}
 
قال تعالى في سورة الأعراف :{ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
قال الشوكاني رحمه الله :
قَوْلُهُ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِتَأْكِيدِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالسَّاعَةِ، أَيَّانَ تَكُونُ، وَمَتَى تَقَعُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ لَهُ، أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ عَنْهُ إِلَّا ما شاء الله سبحانه مع النَّفْعِ لَهُ وَالدَّفْعِ عَنْهُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى عِلْمِ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَفِي هَذَا مِنْ إِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِ الْعَبِيدِ وَالِاعْتِرَافِ بِالضَّعْفِ عَنِ انْتِحَالِ مَا لَيْسَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِيهِ أَعْظَمُ زَاجِرٍ، وَأَبْلَغُ وَاعِظٍ لِمَنْ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ مَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا، وَيَنْتَحِلُ عِلْمَ الْغَيْبِ بِالنَّجَّامَةِ، أو الرمل، أو الطرق بالحصى، أَوِ الزَّجْرِ، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا وَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ جِنْسَ الْغَيْبِ لَتَعَرَّضْتُ لِمَا فِيهِ الْخَيْرُ، فَجَلَبْتُهُ إِلَى نَفْسِي وَتَوَقَّيْتُ مَا فِيهِ السُّوءُ حَتَّى لَا يَمَسَّنِي، وَلَكِنِّي عَبْدٌ لَا أَدْرِي مَا عِنْدَ رَبِّي، وَلَا مَا قَضَاهُ فِيَّ وَقَدَّرَهُ لِي، فَكَيْفَ أَدْرِي غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَتَكَلَّفُ عِلْمَهُ؟ وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَوْ كُنْتُ أَعْلَمَ مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنِّي مِنْ قَبْلِ أَنْ يُعَرِّفَنِيهِ لِفَعَلْتُهُ وَقِيلَ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ مَتَى يَكُونُ لِي النَّصْرُ فِي الْحَرْبِ لَقَاتَلْتُ فَلَمْ أُغْلَبْ وَقِيلَ: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَأَجَبْتُ عَنْ كُلِّ مَا أُسْأَلُ عَنْهُ، وَالْأَوْلَى: حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ فَتَنْدَرِجُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَغَيْرُهَا تَحْتَهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، أَيْ: لَيْسَ بِي مَا تَزْعُمُونَ مِنَ الْجُنُونِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَالْمَعْنَى: لَوْ عَلِمْتُ الْغَيْبَ مَا مَسَّنِي السُّوءُ وَلَحَذِرْتُ عَنْهُ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ. قَوْلُهُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أَيْ: مَا أَنَا إِلَّا مُبْلِّغٌ عَنِ اللَّهِ لِأَحْكَامِهِ، أُنْذِرُ بِهَا قَوْمًا، وَأُبَشِّرُ بِهَا آخَرِينَ، وَلَسْتُ أَعْلَمُ بِغَيْبِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَاللَّامُ فِي لِقَوْمٍ مُتَعَلِّقٌ بِكِلَا الصِّفَتَيْنِ، أَيْ: بَشِيرٌ لِقَوْمٍ، وَنَذِيرٌ لِقَوْمٍ، وَقِيلَ: هُوَ متعلق ببشير، والمتعلق بنذير: مَحْذُوفٌ، أَيْ: نَذِيرٌ لِقَوْمٍ يَكْفُرُونَ، وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
 
عودة
أعلى