الإمام الأزهري مفسرا

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
72
الإقامة
تارودانت-المغرب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
جاء في لسان العرب :
"وقوله تعالى: فمَن عُفِيَ له من أَخيه شيءٌ فاتِّباعٌ بالمعروف وأَداءٌ إِليه بإِحسانٍ؛ قال الأَزهري: وهذه آية مشكلة، وقد فسَّرها ابن عباس ثم مَنْ بعدَه تفسيراً قَرَّبوه على قَدْر أَفْهام أَهل عصرهم، فرأَيتُ أَن أَذكُر قولَ ابن عباس وأُؤَيِّدَه بما يَزيدهُ بياناً ووُضوحاً، روى مجاهد قال: سمعت ابنَ عباسٍ يقول كان القصاصُ في بني إِسرائيلَ ولم تكن فيهم الدِّيَة، فقال الله عز وجل لهذه الأُمَّة: كتِب عليكم القِصاصُ في القَتْلى الحرُّ بالحُرِّ والعبدُ بالعبدِ والأُنثْى بالأُنْثى فمن عُفِيَ له من أَخيه شيءٌ فاتّباع بالمعروف وأَداءٌ إِليه بإِحسان؛ فالعَفْوُ: أَن تُقْبَلَ الديَةُ في العَمْدِ، ذلك تخفيفٌ من ربِّكم مما كُتِبَ على من كان قَبْلَكم، يطلُب هذا بإِحسانٍ ويُؤَدِّي هذا بإحسانٍ.
قال الأَزهري: فقول ابن عباس العَفْوُ أَن تُقْبَل الديَة في العَمْد، الأَصلُ فيه أَنَّ العَفْو في موضوع اللغة الفضلُ، يقال: عفا فلان لفلان بماله إِذا أَفضَلَ له،وعفا له عَمَّا له عليه إِذا تَرَكه، وليس العَفْو في قوله فمن عُفِيَ له من أَخيه عَفْواً من وليِّ الدَّمِ، ولكنه عفوٌ من الله عز وجل، وذلك أَنَّ سائرَ الأُمَم قبلَ هذه الأُمَّة لم يكن لهم أَخذُ الدِّية إِذا قُتِلَ قتيل، فجعَله الله لهذه الأُمة عَفْواً منه وفَضْلاً مع اختيار وَليِّ الدمِ ذلك في العمْد، وهو قوله عز وجل: فمن عُفِيَ له من أَخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف؛ أَي مَن عفا اللهُ جَلَّ اسمُه بالدّية حين أَباحَ له أَخْذَها، بعدما كانت مَحْظُورةً على سائر الأُمم مع اختياره إِيَّاها على الدَّمِ، فعليه اتِّباع بالمعروف أَي مطالبَة للدِّية بمعرُوف، وعلى القاتل أَداءُ الديَةِ إِليه بإحْسانٍ، ثم بَيَّنَ ذلك فقال: ذلك تخفيفٌ من ربكم لكم يا أُمَّة محمدٍ، وفَضْل جعله الله لأَوْلِياءِ الدم منكم، ورحمةٌ خصَّكم بها، فمن اعْتَدَى أَي فمن سَفَك دَمَ قاتل وليِّه بعدَ قبولِه الدِّيَة فله عذاب أَليم، والمعنى الواضح في قوله عز وجل: فمن عُفِيَ له من أَخيه شيء؛ أي من أُحِلَّ لَه أَخذُ الدِّية بدلَ أَخيه المَقتول عفْواً من الله وفَضْلاً مع اختياره، فلْيطالِبْ بالمَعْروف ."
ففي إقحام كلمة الفضل في شرح معنى العفو فيه تكلف ، مما جعل المعنى مشكلا في تفسير الآية . ألا يكون العفو مباشرا ، فنقول : عفا عنه : أسقط حقه .
جاء في مقدمة ابن جزي في تفسير معاني اللغات : عفا : له أربعة معان : عفا عن الذنب : أي صفح عنه ، وعفا : أسقط حقه ، ومنه : إلا أن يعفون أو يعفو الذي ، وعفا القوم : كثروا ، ومنه : حتى عفوا ، وعفا المنزل : إذا درس .
من خلال تفسير الأزهري فهل زاد تفسير ابن عباس بيانا ووضوحا كما ادعى في مقدمة كلامه . أم أن الأمر غير ذلك .
أرجو التوضيح مع قبول فائق التقدير والاحترام .
 
يقول أبو حيان (ت 754 هـ) في تفسيره البحر المحيط :

"وعفا يتعدى بعن إلى الجاني وإلى الجناية، تقول: عفوت عن زيد، وعفوت عن ذنب زيد، فإذا عديت إليهما معاً تعدت إلى الجاني باللام، وإلى الذنب بعن، تقول: عفوت لزيد عن ذنبه، وقوله: { فمن عفي له } من هذا الباب أي: فمن عفي له عن جنايته، وحذف عن جنايته لفهم المعنى، ولا يفسر عفي بمعنى ترك، لأنه لم يثبت ذلك معدّى إلاَّ بالهمزة، ومنه: «أعفوا اللحى» ولا يجوز أن تضمن عفي معنى ترك وإن كان العافي عن الذنب تاركاً له لا يؤاخذ به، لأن التضمين لا ينقاس.

قال الزمخشري. فإن قلت: فقد ثبت قولهم عفا أثره إذا محاه وأزاله، فهلا جعلت معناه: فمن محي له من أخيه شيء؟ قلت: عبارة قيلت في مكانها، والعفو في باب الجنايات عبارة متداولة مشهورة في الكتاب والسنة واستعمال الناس، فلا يعدل عنها إلى أخرى قلقة نائية عن مكانها،
وترى كثيراً ممن يتعاطى هذا العلم يجترىء إذا عضل عليه تخريج المشكل من كلام الله على اختراع لغة."
يقول سيد طنطاوي(ت 1431 هـ) في تفسيره : الوسيط في تفسير القرآن الكريم
"عُفِى: من العفو وهو الإِسقاط. والعفو عن المعصية، ترك العقاب عليها. والذى عفى له هو القاتل، و { أَخِيهِ } الذى عفا هو ولى المقتول. والمراد بلفظ { شَيْء } القصاص، وهو نائب فاعل { عُفِيَ }."
 
عودة
أعلى