الإمام أبو بكر الصِّدِّيق ثاني اثنين في الحياة وبعد الممات

إنضم
13/05/2025
المشاركات
23
مستوى التفاعل
3
النقاط
3
الإقامة
صنعاء - اليمن
أبو بكر الصِّدِّيق، اسمه عبد الله بن عثمان القُرَشي التَّيمي، أول من أسلم من الرجال، الصحابي الوحيد الذي ذكره الله بصحبة نبيه في القرآن، قال الله سبحانه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، قال له النبي عليه الصلاة والسلام حين خاف أن يرى المشركون رسول الله وهو في غار ثور: (لا تحزن إن الله معنا)، ولم يقل: إن الله معي فقط، فالله مع رسوله ومع أبي بكر بالحفظ والنصر والتأييد، وبدأت الآية بضمير المفرد الغائب إخبارًا عن نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم رجع الضمير إلى النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الآية فقال سبحانه: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].

قال الحافظ ابن حجر: "صحب أبو بكر النبيَّ صلى اللَّه عليه وسلم قبل البِعثة، وسبق إلى الإيمانِ به، واستمر معه طولَ إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحجَّ بالناس في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سنة تسع، واستقر خليفة بعده، ولقَّبه المسلمون خليفة رسول اللَّه، وروى عنه العلم: عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وعقبة بن عامر، ومعقل بن يسار، وأنس، وأبو هريرة، وأبو أمامة، وأبو برزة، وأبو موسى، وابنتاه: عائشة، وأسماء، وغيرهم من الصحابة".

وكان أبو بكر ممن ترك الخمر في الجاهلية قبل الإسلام، وكان عاقلًا يحبه قومه ويعرفون قدره، قال محمد بن إسحاق: "كان أبو بكر محبَّبًا سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلمهم مما كان منها من خير أو شر، وكان تاجرًا ذا خُلُقٍ ومعروف، وكانوا يألفونه لعِلمه وتجارتِه وحُسنِ مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام مَنْ وثِق به، فأسلم على يديه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف".

قال الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21]، أجمع المفسرون أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهي تعم كل من كان تقيًا متصدقًا مخلصًا.

وأجمع المفسرون أن هذه الآية نزلت في أبي بكر: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، وذلك حين حلف أبو بكر أن يترك النفقة على مِسْطح بن أُثاثة حين خاض مع أهل الإفك في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها، وكان ينفق عليه أبو بكر لكونه من أقاربه، وكان مسكينًا من المهاجرين، فأنزل الله هذه الآية، فقال أبو بكر: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي)، فرجع إلى الإنفاق على مِسْطح رضي الله عنه، ومعنى الآية: ولا يحلف أهل الفضل في الدِّين وأصحاب السَّعة في المال على ترك إعطاء أقربائهم المحتاجين، فأخبر الله تعالى أن أبا بكر من أهل الفضل في الدين، وهذه منقبة عظيمة.

وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ))، فبكى أبو بكر، وقال: (هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!).

وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: كان أبو بكر أعلَمَنا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ)).

وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدِ اتَّخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا)).

وروى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عَائِشَة))، فقلت: من الرجال؟ فقال: ((أَبُوهَا))، قلت: ثم من؟ قال: ((ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ)).

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن عمر رضي الله عنه قال: (أبو بكر سيِّدُنا، وخيرُنا، وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وفضائل أبي بكر كثيرة، وهو أكثر صحابي صَحِب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد صَحِبه في مكة 13 سنة قبل الهجرة، ثم صَحِبه في هجرته، وصَحِب النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة حضرًا وسفرًا، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وغزوة حنين حين ولى الناس، وكان أبو بكر من أعلم الصحابة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وكان فقيها عالمًا بالقضاء والأنساب وتعبير الرؤى، وكان من الخطباء، وكان من العُبَّاد الزُّهَّاد، شديد الورع، كثير البكاء من خشية الله، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع غزواته، وأمَّره النبي عليه الصلاة والسلام على الحج سنة 9 للهجرة، وفي مرض موته اختاره ليصلي بالناس دون غيره، وحين توفي النبي صلى الله عليه وسلم شك بعض الصحابة في موته فقال أبو بكر: (من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وقرأ قول الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وقوله سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمَّر أبا بكر فأمَّ الناس، فأيكم تطيب نفسُه أن يتقدم أبا بكر؟! فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر رضي الله عنه.

وبايع علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا بكر الصديق، وكان من وزرائه ومستشاريه، وكان يعرف فضل أبي بكر، وصح عنه أنه قال: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر)، وقال ابنه محمد ابن الحنفية: قلت لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أبو بكر)، قلت: ثم من؟ قال: (ثم عمر).

وقال علي رضي الله عنه: (أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين).

وأبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، وأول من أمر بجمع المصحف الشريف، وأول من أمر بالجهاد بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام، فحين ارتد كثير من العرب بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام ومنع بعضهم الزكاة جهَّز أبو بكر الصديق الجيوش لقتالهم، وبعد أن انتصر عليهم ورجع غالب المرتدين إلى الإسلام جهَّز أبو بكر الجيوش لغزو فارس والروم، فهو أول من بدأ الفتوح الإسلامية التي استمرت بعد موته، وله أجرها وأجر من أسلم في تلك البلدان، كما له أجر جمع القرآن الكريم في المصاحف وأجر من تلا القرآن وتعلمه إلى يوم القيامة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والإمام أبو بكر هو الثاني في الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الأول، وأبو بكر هو الثاني كما قال الله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ}، فكان في حياة النبي عليه الصلاة والسلام الثاني، وبعد موت النبي كان هو الثاني في القيام بالإمامة وأمر الأمة، وسُمِّي خليفة رسول الله ولم يُسمَّ بذلك أحدٌ سواه، فهو إمام المسلمين بعد رسول الله، واستمر خليفة سنتين وثلاثة أشهر، وحين توفي دُفِن جوار النبي عليه الصلاة والسلام، فقبره هو القبر الثاني، اختاره الله لصحبة نبيه في حياته ومجاورته بعد موته، قال الجاحِظ: "في قول الله: {ثاني اثنين} معنى عظيم، فهو ثاني اثنين في التقدم في الإسلام، وثاني اثنين في الدعاء إلى الله ورسوله، وثاني اثنين في الغار، وثاني اثنين في الهجرة، وأمرُ الغار وقصةُ أبي بكر وصحبتُه مع النبي صلى الله عليه وسلم وكونُه معه فيه نَطَق به القرآن، وصح به الإجماع كالصلوات الخمس، حتى إنَّ من أنكر ذلك عند الأمة مجنون أو كافر، وقد سماه الله صاحبًا في كتابه، ثم سماه النبي صلى الله عليه وسلَّم صِدِّيقَه من بين خلق الله حتى غلب على اسمه".

قال أبو بكر الصديق: (والله ما كنتُ حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة، ولا سألتُها الله في سرٍّ ولا علانية).

ومن أقوال أبي بكر الصديق: (ارقُبُوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) أي: احفظوه فلا تسبوهم ولا تؤذوهم.

وقال أبو بكر: (إياكم والكذبَ، فإنَّ الكذب مجانبُ الإيمان).

توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه في المدينة النبوية سنة 13 للهجرة، وعمره 63 عامًا كعُمْرِ النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يترك دينارًا ولا درهمًا، ودُفِن بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أحد أقرب منه من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد موته، ويوم القيامة يُبعث من نفس البقعة التي يَبعث الله منها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيكون أقربَ الناس من النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، فهو صاحب النبي عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، رضي الله عنه وأرضاه.
 
عودة
أعلى