إذا تبين للمسلم أن بلوغ رمضان نعمة عظيمة ، فعليه أن يعلم أن النعم واجبها الشكر ؛ وأن عبادة الشكر تعم القلب واللسان والجوارح ؛ ومن هنا قال الله تعالى : {
اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } ( سـبأ : 13 ) ، وقال الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
فاليد للطاعة ، وهي كناية عن عمل الجوارح ، واللسان للثناء الجميل ، والضمير ، أي : القلب ، للحب والتعظيم ، والإقرار بالنعم .
قـال ابن تيمية - رحمه الله : مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ
الشُّكْرَ يَكُونُ بِالِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ؛ قَـالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } ، وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : "
أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " [SUP](
[1] )[/SUP] ... وَبَابُ سُجُودِ الشُّكْرِ فِي الْفِقْهِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَجْدَةِ سُورَةِ ( ص ) : "
سَجَدَهَا داود تَوْبَةً ، وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا " . [SUP](
[2] ) [/SUP].ا.هـ .
فهيء نفسك أيها المسلم لشكر نعم ربك عليك ؛ فلابد في شكر النعم من أمور حتى يكون العبد شاكرًا أو شكورًا :
أحدها : معرفة الرب جل وعلا وتوحيده ، والعلم بأنه عز وجل مسدي هذه النعم ومسخرها لخلقه ؛ وأنه وحده المستحق للعبادة ، فيجتهد العبد في ذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، لأن الشكر هو استفراغ الوسع في طاعة الله .
ثانيا : اللهج بحمد الله وشكره بالقلب واللسان والجوارح .
ثالثا : أن تصرف النعمة في طاعة المنعم جل جلاله ؛ فالشكر تشاركت فيه طوائف الناس من مسلمين وغيرهم ، ومن سعة رحمة الباري سبحانه أن عدَّه شكرًا ، ووعد عليه الزيادة وأوجب فيه المثوبة ؛ لكن إذا علمت حقيقة الشكر ، وأن جزء حقيقته : الاستعانة بنعم المنعِم على طاعته ومرضاته ، علمت اختصاص أهل الإسلام بهذه الدرجة ، وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم ؛ نعم لغيرهم منها بعض أركانه وأجزائه ، كالاعتراف بالنعمة ، والثناء على المنعم بها ؛ فإن جميع الخلق في نعم الله ، وكل من أقر بالله ربًّا وتفرده بالخلق والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه ، لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر ، وهو الاستعانة بها على مرضاته ؛ وقد كتبت عائشة - رضي الله عنها - إلى معاوية - رضي الله عنه : إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم عليه : أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلا إلى معصيته[SUP] (
[3][/SUP] ) .ا.هـ
[1] - متفق عليه ، وتقدم تخريجه .
[2] - انظر مجموع الفتاوى : 11 / 135 ، 136 باختصار .
[3] - انظر ( مدارج السالكين ) : 2 / 253 .