الإلمام بفقه الصيام

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
الإلمام بفقه الصيام ( 1 )​

الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه أولي التقى : أما بعد :​

فقد اقترب شهر رمضان ، شهر الخيرات والنفحات ، ولابد للمسلم أن يتهيأ له نفسيًّا وأسريًّا ومجتمعيًّا ، ليخرج المسلم منه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه ، فيستقبل ما بقي من العمر بصالح العمل ، كما كان في رمضان .​

من أجل ذلك ستكون هذه الإضاءات أو الومضات نلم فيها إن شاء الله بفقه الصيام .​

وأعني بالفقه المعنى العام :​

فقه الأحكام .​

فقه المعاني .​

فقه السلوك .... والله المستعان .​
 
[h=4]إن للعاقل من توالى الأيام وتكرار الأعوام عظة وعبرة ، فهو على يقين من أن عمره ينقص في كل يوم يمضي ، وبذلك يقترب من أجله ، ويدنو من حسابه ، وإنها لجنة نعيم ، أو عذاب أليم ؛ ولله در القائل :[/h]وما أدري وإن أملت عمرًا ... لعلي حين أصبح لست أمسي
أما ترى أن كل صباح يوم ... وعـمرك فيه أقصر منه أمسِ
فعلى العاقل أن ينتهز الفرص لنجاته ، ويستزيد من الخير في أيامه ، ليكون ذلك ذخرًا له يوم يلقى الله تعالى ، فيفوز بجنات النعيم ، وينجو من العذاب العظيم .

[h=4]وقد جعل الله تعالى في أيام عباده مواسم يرتجى الخير فيها ؛ وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعاته ، يُتقرب بها إليه ، ولله فيها لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته ، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والليالي والساعات ، وتقـرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات ، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات ، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار ، وما فيها من اللفحات .[/h][h=4]روى الطبراني في ( الكبير والأوسط ) ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) ، وابن عبد البر في ( التمهيد ) عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افعلوا الخير دهركم ، وتعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ، وأن يؤمن روعاتكم ".[/h][h=4]فعلى العاقل أن لا يضيع في هذه المواسم وقته ، بل يغتنم ليلها ونهارها في طاعة الله تعالى ، عسى أن ينال من فضل الله تعالى ما لا يشقى معه أبدًا .[/h]وها نحن – أيها المسلمون – على مقربة من شهر رمضان : شهر الخيرات ، شهر القربات ، شهر زيادة العبادات من صيام وقيام وذكر وتلاوة وصدقات ودعوات ، شهر المغفرة والرحمة والعتق من النيران ... شهر الانتصارات : على النفس ، وعلى الشيطان ، وعلى أعداء الله من مشركين ومنافقين وكفار ؛ فكيف يكون استقبالنا له ؟ إنه سؤال يحتاج إلى إجابة ، ومع الإجابة برنامج عمل ، فما أكثر الأقوال وأقل الأعمال ! وهل يفيد قول بلا عمل ؟! وللحديث صلة .
 
ما أسرع ما تنقضي الليالي والأيام ، تتبعها الأسابيع والشهور والأعوام ؛ هكذا قدَّر الله تعالى أمر الدنيا ، فجعلها سريعةَ الزوال ، لا تدوم على حال ، ولا يدوم فيها امرؤ وإن احتال ؛ وهذه سُنة الله في خلقه ، أدوارٌ وأطوارٌ تجري بأجل مسمى و{ لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ } [ الرعد : 38 ] .​

ولما كان أولو الألباب هم الذين يدركون تلك الحقائق ؛ كان حريًّا بهم أن يأخذوا من تعاقب الأزمان أعظم معتبر ، وأن يستلهموا من ذهاب الليالي والأيام أكبرَ مزدجر ، يقول الله  : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [ آل عمران : 190 ] .​

وهكذا يأتي على الناس شهر رمضان في كل عام ، ثم يذهب ليعود مرة أخرى على من كتبت له حياة ، فيأخذ منه المسلم ما يكون له زادًا إلى أخراه ؛ من تهذيبٍ لنفسه ، وتقويةٍ لإرادته ، وتطهيرٍ لقلبه ، ومغفرةٍ لذنبه ، ووعيٍ وإدراك لقضايا أمته .​

إنها مدرسة الصيام التي يتعلم فيها المسلم من رمضان ، فيترجم هذا التعليم في واقعه ، فيكون بذلك المسلم الرباني الذي يرجو بعمله وجه الله تعالى ، ويحتسب الأجر عند ربه  . وللحديث صلة .​



 
اعلموا – رحمكم الله – أن بلوغ رمضان نعمة عظيمة ، فاستقبلوه بحمد الله تعالى ، وعزم على القيام بحقه ، فكم ممن أمَّل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله ، فصار قبله إلى ظلمة القبر، وما أحسن قول من قال :
إذا رمضان أتـى مقبلا ... فأقبِل بالخير تستقبلُ
لعـــلك تخطئه قابلا ... وتــأتي بعــذر فلا يقبلُ
 
إذا تبين للمسلم أن بلوغ رمضان نعمة عظيمة ، فعليه أن يعلم أن النعم واجبها الشكر ؛ وأن عبادة الشكر تعم القلب واللسان والجوارح ؛ ومن هنا قال الله تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } ( سـبأ : 13 ) ، وقال الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا
فاليد للطاعة ، وهي كناية عن عمل الجوارح ، واللسان للثناء الجميل ، والضمير ، أي : القلب ، للحب والتعظيم ، والإقرار بالنعم .
قـال ابن تيمية - رحمه الله : مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الشُّكْرَ يَكُونُ بِالِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ؛ قَـالَ اللَّهُ تَعَالَى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا } ، وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : " أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " [SUP]( [1] )[/SUP] ... وَبَابُ سُجُودِ الشُّكْرِ فِي الْفِقْهِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَجْدَةِ سُورَةِ ( ص ) : " سَجَدَهَا داود تَوْبَةً ، وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا " . [SUP]( [2] ) [/SUP].ا.هـ .
فهيء نفسك أيها المسلم لشكر نعم ربك عليك ؛ فلابد في شكر النعم من أمور حتى يكون العبد شاكرًا أو شكورًا :
أحدها : معرفة الرب جل وعلا وتوحيده ، والعلم بأنه عز وجل مسدي هذه النعم ومسخرها لخلقه ؛ وأنه وحده المستحق للعبادة ، فيجتهد العبد في ذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، لأن الشكر هو استفراغ الوسع في طاعة الله .
ثانيا : اللهج بحمد الله وشكره بالقلب واللسان والجوارح .
ثالثا : أن تصرف النعمة في طاعة المنعم جل جلاله ؛ فالشكر تشاركت فيه طوائف الناس من مسلمين وغيرهم ، ومن سعة رحمة الباري سبحانه أن عدَّه شكرًا ، ووعد عليه الزيادة وأوجب فيه المثوبة ؛ لكن إذا علمت حقيقة الشكر ، وأن جزء حقيقته : الاستعانة بنعم المنعِم على طاعته ومرضاته ، علمت اختصاص أهل الإسلام بهذه الدرجة ، وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم ؛ نعم لغيرهم منها بعض أركانه وأجزائه ، كالاعتراف بالنعمة ، والثناء على المنعم بها ؛ فإن جميع الخلق في نعم الله ، وكل من أقر بالله ربًّا وتفرده بالخلق والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه ، لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر ، وهو الاستعانة بها على مرضاته ؛ وقد كتبت عائشة - رضي الله عنها - إلى معاوية - رضي الله عنه : إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم عليه : أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلا إلى معصيته[SUP] ( [3][/SUP] ) .ا.هـ

[1] - متفق عليه ، وتقدم تخريجه .

[2] - انظر مجموع الفتاوى : 11 / 135 ، 136 باختصار .

[3] - انظر ( مدارج السالكين ) : 2 / 253 .
 
بعد حمد الله وشكره على نعمه ، ومنها بلوغ رمضان – إن شاء الله تعالى – يستقبل المسلم رمضان بأمرين لابد منهما : توبة نصوح ، يمحو بها آثار ما قدَّم من الذنوب ؛ وعلم يصحح به عبادته .
أما الأول : فإياك أخي المسلم ، وإياكِ أختي المسلمة أن يدخل عليكما رمضان وأحدكما مصر على معصية ؛ فإن الإصرار ولو على الصغائر يمنع المغفرة ؛ قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 135 ] ؛ ومن معاني التوبة : حلُّ عقدة الإصرار .
ثم اعلموا أن صدق التوبة لابد فيه من عمل صالح بعدها ؛ قال الله تعالى : { وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] ؛ وهذا هو الذي به تغفر الذنوب ؛ قال الله تعالى : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [النحل: 119] .
فاستقبلوا رمضان بتوبة من الذنوب جميعها صغيرها وكبيرها ؛ ولا تحقروا من الذنوب شيئا ، فإن احتقار الذنب ذنب غير الذنب ، وعدم التوب منه ذنب ثالث ؛ فإذا تكرر منه فعل ذلك الذنب ، تراكمت عليه آثاره ؛ ولذلك ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ " .
فعلى العاقل أن يستقبل شهر رمضان بتوبة نصوح ، فإذا كان لا يصلي – مثلا – فليعقد العزم على المحافظة على الصلاة ؛ وإن كان يتعامل بالربا ، فليعقد العزم على تركه والتخلص من تباعته .. وإن كان يدخن ، فليقلع عن التدخين توبة لله تعالى ... وهكذا ، وليندم على ما سبق ، وليعزم على ألا يعود للذنب مرة أخرى ... وليتب من المظالم ، فيرد الحقوق إلى أهلها ، ويعزم على ألا يعود لظلم بعد ذلك ؛ وليعقد العزم على صيام وقيام يكونان سببًا لمغفرة ذنوبه .... وللحديث صلة .
 
تقدم أن المسلم يستقبل رمضان بأمرين مهمين : التوبة ، والعلم ؛ وتحدثنا عن الأمر الأول ، وهو التوبة ، وهو واجب يومي يتكرر في كل يوم مرارًا ، فكم من خطأ يقع فيه الإنسان ، وكم من تقصير في حق الله تعالى يلحقه ؛ من هنا نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلَى اللهِ ، وَاسْتَغْفِرُوهُ ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ " .​

والأمر الثاني : العلم الذي تصحح به عبادتك ؛ ومرادنا به ها هنا : ما يتعلق بالصيام ؛ فبدخول رمضان يصبح على كل بالغ من ذكر أو أنثى من المسلمين فرضًا عينيًّا أن يتعلم أحكام الصيام ؛ وهذا الذي يسميه العلماء ( علم الحال ) ، وهو العلم الذي يجب بحال الإنسان ؛ فالفقير – مثلا – لا يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة ؛ ويجب ذلك على الغني ، وعلم الحال يأثم من لم يجتهد في تعلمه مع قدرته على ذلك .​

ولا يقولن أحد : إني أصوم منذ كذا وكذا ، فربما وقع في صيامه ما يفسده لجهله ، فلنتق الله تعالى ، ولنحرص على تعلم ما يصح به صومنا ، فإن هذا من المعلوم من الدين بالضرورة ، الذي لا يعذر أحد بجهله فيه ، مع قدرته عليه .... وللحديث صلة .​



 
استعداد مرفوض​

يحلو للبعض أن يتهيأ لرمضان بملء مخازن الطعام بأشكال وألوان ؛ والسؤال : هل رمضان شهر صيام أم شهر طعام ؟!​

ويحلو للبعض أن يعد لليل رمضان سهرات في لعب ولهو ، وبعض ذلك فيما حرم الله تعالى من مشاهدات ؛ فمتى يُغفر ذنب هذا إن لم يتعرض لمغفرة ربه بالتوبة النصوح ، وصيام رمضان وقيامه إيمانًا واحتسابًا ؟!​

وقد يسأل سائل : أيمتنع في رمضان مباشرة المباح من المطعومات والمشروبات وألوان من الرياضات ؟ والإجابة : لا يمتنع ذلك ، شريطة أن لا يضيِّع فيها نفسه ، فينشغل بها عن التزود لمغفرة ذنبه .​

فقد رأينا أناسًا لم يتغير في رمضان عندهم إلا مواعيد الطعام ، حتى إنهم لم ينسوا أن يجعلوا لأنفسهم وجبة بين الفطور والسحور يسمونها العشاء ! فياللعجب ! إنه قدَّم إفطاره إلى ما قبل الفجر ، وأخر غداءه إلى بعد غروب الشمس ، ثم لم ينس أن يتعشى قبل أن ينام ! وليس في ذهن هؤلاء التزود من رمضان بزاد التقوى .​

فإياك ثم إياك أن تكون من هؤلاء ؛ قال ربنا جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة: 183 ] .​

ورأينا أناسا لا هم لهم بعد الإفطار من الصيام ، إلا التهيؤ للعبة ، أو مشاهدة معصية - عياذًا بالله تعالى ؛ فحذار حذار أن تكون من هؤلاء.​

عجيب أمر بعض الناس : السنة كلها لعب ولهو وأكل وشرب ، ثم في رمضان لا يتغير من أحوالهم شيء !!​

أيها الناس : لا تجعلوا يوم صومكم كيوم فطركم . من رُحم في رمضان فهو المرحوم ، ومن حُرم خيره فهو المحروم ، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم ؛ ولله در القائل :​

أتى رمضـان مـزرعة العباد .... لتطهير القلوب من الفساد​

فأدِّ حقوقـه قـولا وفــــــعلا .... وزادك فاتخـذه للمـعــــــــاد​

فمن زرع الحبوب وما سقاها .... تأوه نادمًـا يوم الحصـــــــاد​
 
احذروا قطاع الطريق
احذروا قطاع طريق الآخرة ، فإنهم يقطعون على العبد كل طريق فيه نجاته ، وقطاع طريق الآخرة تكثر حيلهم وأساليبهم في رمضان .
قديما قال الشاعر :
إني بليت بأربعٍ ما سلطوا ... إلا لأجل شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى ... كيف السبيل وكلهم أعدائي
اعلموا - رحمكم الله - أن شياطين الإنس والجن يعدون من رمضان الماضي لقطع الطريق على أتباعهم ، من أن يغفر الله لهم في رمضان ... فاحذروا قطاع الطريق ووسائلهم :
تمثيليات وفوازير وبرامج إلهاء ودورات رياضية ليلا ؛ فيفسدون الليل على من تشغله نفسه بشهواتها ، ويميل بهواه نحو متابعة هذه المفسدات .
وكذلك لهم بالنهار برامج ومشاهدات لإفساد صيام من يمسك عن المباحات ، من طعام وشراب وزوجة ... ثم يعمل جوارحه في متابعة هذه المفسدات ...... احذروا قطاع الطريق .
هيئ نفسك -عبد الله - وهيئي نفسك - أمة الله - على أن تجعلا رمضان هذا أفضل رمضان مر بكم ؛ واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَه " ، إذا لم يغفر للعبد في رمضان ... فمتى ؟ وللحديث بقية .
 
الإلمام بفقه الصيام ( 10 )
الحكمة من الصيام
كثير من النفوس تبحث عن العلة في كل عمل ، لا لشيء إلا لمحاولة الوقوف على السبب فقط ؛ والبعض يسأل : لماذا أفعل كذا ؟ بغية الوصول إلى سبب قد يحفزه إلى العمل ؛ والبعض يورد السؤال لا ليقف على العلة ، ولا لتحفيز نفسه ، وإنما لإيراد شبهة يصد بها عن سبيل الله تعالى .
والصنف الأول يحتاج إلى فهم حقيقة التكاليف ، والصنف الأخير يحتاج إلى فهمٍ لحقيقة خلقه : لماذا خلقه الله ؟ إن كان يؤمن بالله !
ونقول للجميع : للصيام حكم عظيمة ، وأسرار كريمة ، ومقاصد شريفة ، وغايات حقيق أن يُسعى إليها ؛ منها ما ظهر وانكشف ، ومنها ما خفي واستتر ، ولكن لا بد أولا أن يُفهم : أن العلة الأولى في التكاليف الشرعية هي الامتثال والإذعان لأمر الله تعالى ، فالمؤمن مصدق بما جاء عن الله تعالى ، يعلم أن ما أمر الله به أو أمر به رسوله فلابد من قبوله ، والانقياد له ، والقيام به على ما أمر الله تعالى ، ولا خيار له في ذلك ؛ لأن ذلك مقتضى عقد الإيمان ؛ قال الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } (الأحزاب: 36) .
فهذه أول الحكم والأسباب : إذعان العبد لأمر ربه وإلهه ، فلا يعلق المؤمن العمل على علة فيه ، فإذا ظهر أن العلة قد انتفت قال : لا حاجة لي بالعمل ؛ كما سمعنا من بعض السفهاء يقول : إذا كانت علة الصيام الشعور بالفقراء ، فأنا أشعر بهم ، وأعطف عليهم فلا حاجة لي بالصيام ... ونحو ذلك مما يقوله من لا إيمان له على الحقيقة ، وليست الحكمة من الصيام هي الشعور بالمساكين والمعوزين فقط ، وإن كان ذلك قد يكون من الحكم الكثيرة للصيام ... وللحديث صلة .
 
الحكمة من الصيام ( 2 )
تقدم أن الحكمة الأولى للصيام أنه فرض فرضه الله تعالى على من آمن به ، والفرض لا بد أن يؤدى على الوجه الذي أمر به الله تعالى ، ومن لم يؤد الفرض تهاونًا به فقد أتى كبيرة عظيمة من الذنوب ، وهو على خطر عظيم إلا أن يتوب ؛ أما من لم يؤده إنكارًا له فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين .
وما يتعلق بالحكم الأخرى للصيام ، فقد تحدث عنها أهل العلم والفقه والطب ، وهاك بعض ما ظهر منها :
1 – تقوى الله تعالى : وأول الأهداف السامية والحكم الجليلة من الصيام بعد الامتثال والإذعان هو ما ذكره الله تعالى بقوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
قال ابن رجب - رحمه الله : فإذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله تعالى في موضع لا يطلع عليه إلا الله تعالى ، كان ذلك دليلا على صحة الإيمان ، فإن الصائم يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته ، وقد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة فأطاع ربه وامتثل أمره واجتنب نهيه خوفا من عقابه ورغبة في ثوابه، فشكر الله تعالى له ذلك، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله ا.هـ . روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَقُولُ اللَّهُ تعالى : الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي " .
واعلم – أيها القارئ الكريم - أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام ، إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأعراضهم ، وهذا هو معنى التقوى : فعل المأمورات وترك المنهيات ، وهو الغاية من عبادة الصيام ، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " . فيه دلالة على نقصان الصوم بذلك ، وربما عدم قبوله وردُّه على صاحبه وإن كان صحيحًا في ظاهره ؛ ولهذا المعنى – والله أعلم – ورد في القرآن بعد آيات الصيام ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل ، قال الله تعالى: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة: 188). فإن تحريم هذا عام في كل زمان ومكان ، بخلاف الطعام والشراب، فكان إشارة إلى أن من امتثل أمر الله في اجتناب الطعام والشراب في نهار صومه ، فليمتثل أمره في اجتناب أكل الأموال بالباطل ؛ فإنه محرم بكل حال لا يباح في وقت من الأوقات . وهذا هو سبيل التقوى . وللحديث صلة .
 
الحكمة من الصيام ( 4 )
3 – شكر المنعم سبحانه وتعالى : ذلك بأن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح ، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص ، وحصول المشقة له بذلك ، يتذكر به من مُنع من ذلك على الإطلاق ، فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى ، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك .
فهي تجربة لمقاساة الجوع والظمأ والحرمان ، ليتذكر فيها الموسرون ما يقاسيه المعسرون مدى الدهر ، فيشكرون نعمة الله تعالى عليهم ، ويجودون على إخوانهم بفضول أموالهم ؛ قال الله تعال: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون } [ التغابن : 16 ] .
 
الحكمة من الصيام ( 4 )
3 – شكر المنعم سبحانه وتعالى : ذلك بأن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح ، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص ، وحصول المشقة له بذلك ، يتذكر به من مُنع من ذلك على الإطلاق ، فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى ، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك .
فهي تجربة لمقاساة الجوع والظمأ والحرمان ، ليتذكر فيها الموسرون ما يقاسيه المعسرون مدى الدهر ، فيشكرون نعمة الله تعالى عليهم ، ويجودون على إخوانهم بفضول أموالهم ؛ قال الله تعال: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون } [ التغابن : 16 ] .
 
الحكمة من الصيام ( 5 )​

4 – إضافة إلى ما سبق ؛ في الصيام درس عملي على تقوية الإرادة ، وتمرين على ضبط النفس والسيطرة عليها ، وتدريب تطبيقي على تحمل الشدائد ، ومعاناة الأمور الصعاب ؛ وفيه حجة على من إذا قيل له : اترك الدخان ، وتب إلى الله تعالى منه ، قال : لا أستطيع ؛ فقد أقيمت عليه الحجة بتركه في نهار رمضان ، وفي هذا دليل على إمكانية تركه بالكلية ، خاصة ومدة الصيام في هذه الأزمنة ( وقت الصيف ) تتجاوز الخمسة عشرة ساعة ؛ فليستعن بالله تعالى في ليله ، وليقطع هذه العادة السيئة .​

5 – التحلي بفضيلة الصبر ، تلك الفضيلة التي ما وجدت إلا وجدت معها الفضائل ، ولا فقدت أو ضعفت إلا حضرت الرذائل ؛ وأنواع الصبر الثلاثة مجتمعة في الصيام : ففيه الصبر على الطاعة ، والصبر عن المعصية ، والصبر على أقدار الله المؤلمة .​

6 – في الصيام إراحة للجهاز الهضمي فترة من الزمن ليستجم فيها من توالي الأطعمة عليه وتخمرها فيه، فيستعيد نشاطه وقوته، وقد قيل: المعدة بيت الداء والحمية أصل الدواء؛ والحمية هي الامتناع عن الطعام ؛ وقد تحدث كثير من الأطباء عن فوائد الصيام الصحية ، وأنه علاج لكثير من أمراض الجهاز الهضمي وغيره .​

فما أعظم حكمة الله تعالى وأبلغها، وما أنفع شرائعه للعباد وأصلحها.​



 
فضل الصيام ( 1 )
للصيام فضائل عظيمة ، جاءت بها الأحاديث الكثيرة ، نذكر منها :
1 – أنه وقاية من النار ، روى أحمد ومسلم واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الصِّيَامُ جُنَّةٌ " ، وفي رواية عند أحمد: " الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ " ؛ قال ابن عبد البر - رحمه الله : والجنة الوقاية والستر من النار ، وحسبك بهذا فضلا للصيام .ا.هـ .
وروى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " .
2 – فضائل مجموعة فيما روى الجماعة عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " قَالَ اللهُ عز وجل : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ ، وَلا يَسْخَبْ ؛ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " .
في هذا الحديث جمع من الفضائل : تضعيف الأجر والثواب ، ونسبة الصيام إلى الله تعالى ، وهي نسبة تشريف ؛ لأنه من أخلص الأعمال ، وخلوف الصائم عند الله تعالى أطيب من ريح المسك ، وما يجده الصائم من فرحة عند قضاء فريضة ربه ، وأخرى عندما يلقاه تعالى ، فيفرح بما أعده سبحانه للصائمين من عظيم الأجر وجزيل الثواب .
فما أعظمه من فضل، وما أعظمه من أجر . وللحديث بقية .
 
الإلمام بفقه الصيام ( 16 )
فضل الصيام ( 2 )
3 – الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة ، روى أحمد والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ " .
4 - للصائمين باب خاص يدخلون الجنة منه هو باب الريان، روى الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، يُقَالُ : أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " .
والريان مبالغة من الري ، وفيه مقابلة لما كان يحصل للصائم في الدنيا من الظمأ ، فمن يظمأ لله في الدنيا لا يصيبه عطش يوم القيامة .
5 – الصيام من أبواب الخير؛ فعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ له : " أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ" ... وللحديث صلة .
 
فضل الصيام ( 3 )​

6 – الصيام لا عدل له في الأعمال الصالحة ، روى أحمد والنسائي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ ، قَالَ : " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لا عِدْلَ لَهُ " ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ ، قَالَ : " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لا عِدْلَ لَهُ " ، وفي رواية : " عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ " .​

7 - الصيام عبادة مشتركة بين جميع المؤمنين السابقين واللاحقين ، كما دلت عليه الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } (البقرة : 183) ، وإن كان الأمر قد يختلف في الكيفية والوقت .​

وما ذكرناه إنما هو بعض الفضائل ، نشحذ به الهمم وننشط به النفس ؛ اللهم بلغنا رمضان ، وأعنَّا فيه على الصيام والقيام ، وتقبله منا .... يا سميع الدعاء .​
 
بما يثبت دخول الشهر ؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم اهتمامًا خاصًّا بهلال رمضان ، فقد روى الترمذي والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَحْصُوا هِلَالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ " ؛ ومعنى الحديث كما قال العلماء : أَيْ اِجْتَهَدُوا فِي إِحْصَائِهِ وَضَبْطِهِ ، بِأَنْ تَتَحَرَّوْا مَطَالِعَهُ وَتَتَرَاءَوْا مَنَازِلَهُ ، لأَجْلِ أَنْ تَكُونُوا عَلَى بَصِيرَةٍ فِي إِدْرَاكِ هِلالِ رَمَضَانَ عَلَى الحَقِيقَةِ ، حَتَّى لا يَفُوتَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ . وذلك لما يتعلق به من فريضة الصوم . وجاءت الأدلة الصحيحة الصريحة التي تبين أن دخول شهر رمضان يثبت بأحد أمرين :
الأول : رؤية الهلال ؛ ولو من واحد عدل ، فقد روى أبو داود والدارمي عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ . وقد روى الترمذي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شهادة الأعرابي برؤية الهلال متصلاً ومُرْسلاً ثم قال : وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، قَالُوا : تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الصِّيَامِ ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ... قَالَ : وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الإِفْطَارِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ .
الثاني : إكمال عدة شعبان : ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : " لا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلالَ ، وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ " وفي رواية لهما : " الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً ، فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ " ؛ وفيه بيان أن معنى : " اقْدُرُوا لَهُ " هو إكمال عدة شعبان ثلاثين ؛ ويؤكده ما رواه الشيخان عن أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ " ؛ وروى أحمد وأهل السنن إلا ابن ماجة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَايَةٌ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا " ؛ وعند مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ قَالَ : أَهْلَلْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ بِذَاتِ عِرْقٍ ، فَأَرْسَلْنَا رَجُلا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَسْأَلُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ " .
فهذه أدلة صحيحة صريحة تدل على أن ثبوت شهر رمضان إما برؤية الهلال ، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين ، وفي الباب غيرها ، وفيما ذكرنا كفاية .
ما يقول إذا رأى الهلال
روى أحمد والترمذي والدارمي عن طلحة بن عبيد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : " اللهم أهله علينا باليمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، ربي وربك الله " .
ويتعلق برؤية الهلال مسائل :
الأولى : لا يصام رمضان قبل رؤية الهلال ، فإن لم ير الهلال أكمل شعبان ثلاثين يوما ؛ ولا يصام يوم الثلاثين منه سواء أكانت الليلة صحوًا أم غيمًا ، لما روى أهل السنن عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ ، فَقَالَ : كُلُوا ، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ : إِنِّي صَائِمٌ ، فَقَالَ عَمَّارٌ : مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم ؛ قال الترمذي – رحمه الله : وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ ؛ كَرِهُوا أَنْ يَصُومَ الرَّجُلُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ .ا.هـ. اللهم إلا إذا كان وافق يوما اعتاد صومه ، كأن يكون من عادته صيام الاثنين والخميس ، فيوافق أحدهما ، أو صيام يوم ويوم ، فيوافق اليوم الذي يصومه ، فلا حرج عندئذ من صيامه ، لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ " ؛ أما إذا صامه ولم يكن يوافق صومًا يعتاده فرَأَى أَكْثَرُ أهل العلم أنه إِنْ صَامَهُ فَكَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ .
الثانية : تبييت النية لصيام رمضان ، وذلك في كل ليلة ؛ كما ينبغي عليه أن يستقبل الشهر بنية صيامه كله ، حتى إذا جاءه أجله ولم يستكمله أُثيب بنيته .
الثالثة: يسن صلاة التراويح لهذه الليلة لأنها أول ليلة من رمضان .
الرابعة : حسن استقبال الشهر بتوبة نصوح ، وعزم على صيامه وقيامه إيمانُا واحتسابًا .... وللحديث صلة .
 
معنى الصيام
الصيام في اللغة مطلق الإمساك ؛ فالإمساك عن الكلام صيام ، وعن الحركة صيام ، وعن الأكل والشرب كذلك ؛ ولكنه في شرع الله المطهر قد عرفه العلماء بقولهم : الإمساك عن المفطرات من شهوتي البطن والفرج ، من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية . فهو إمساك مخصوص عن شيء مخصوص، في وقت مخصوص بشرائط مخصوصة.
فالإمساك المخصوص هو : إمساك بنية الصيام لله رب العالمين ، ولابد في الفريضة من تبييت النية، وذلك في كل ليلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " ، وفي رواية : " مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " رواه أحمد وأهل السنن عن حفصة رضي الله عنها ، قال الترمذي – رحمه الله : وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ [أنه] لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ ، أَوْ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ فِي صِيَامِ نَذْرٍ ، إِذَا لَمْ يَنْوِهِ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يُجْزِهِ ؛ وَأَمَّا صِيَامُ التَّطَوُّعِ فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَنْوِيَهُ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ .ا.هـ.
قال العلماء: ويكفي في ذلك قصد الإنسان القيام للسحور ، إذ وجبة السحر لا تكون إلا للصيام ؛ ولكن ينبغي أن يحرك الإنسان قلبه لله تعالى ، فالنية عمل القلب ، والقلب إذا صلح صلحَ الجسد كله كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فينبغي أن يخلص العبد نيته لله تعالى ، ويروض قلبه على الحضور في العمل ، وعلى احتساب الأجر عند الله تعالى .
والشيء المخصوص هو : شهوتا البطن والفرج ، من طعام وشراب وجماع ؛ فيمسك الصائم عن إيصال شيء إلى الجوف عمدًا مع ذكر الصوم ؛ وما يصل إلى الجوف بغير قصد من غبار الطريق أو ذبابة أو ما يسبق إلى جوفه في المضمضة من غير تعمد فلا يفسد صومه .
كما يمسك عن إخراج القيء ، فالاستقاء يفسد الصوم ، وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه ، وإذا ابتلع نخامة من حلقه أو صدره لم يفسد صومه لعموم البلوى به ، إلا أن يبتلعه متعمدا بعد وصوله إلى فمه ؛ فإنه يفطر عند ذلك . كما يمسك أيضا عن الجماع ؛ فإن جامع ليلا أو احتلم فأصبح جنبًا ، لم يفطر ، وعليه أن يسارع بالاغتسال من أجل الصلاة .
والوقت المخصوص هو : من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس ؛ قال الله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ( البقرة : 187 ) ، والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود : بياض النهار وسواد الليل ؛ فقد روى الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ { حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } قَالَ لَهُ عَدِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ : عِقَالًا أَبْيَضَ ، وَعِقَالًا أَسْوَدَ ، أَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ ، إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ " ؛ وفي الصحيحين عَنْ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " .
والشرائط المخصوصة هي : أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلا صحيحًا مقيمًا ؛ وخلو المرأة من الحيض والنفاس .
والصغار يدربون على الصيام ، ويعلمهم الآباء كيفيته ، وقد كان الصحابة يصوِّمون أبناءهم ، فإذا بكي الصغير من الجوع كانوا يلهونه باللعب حتى يدخل وقت الإفطار ، فيفطر معهم .
والمريض والمسافر إذا أفطرا قضيا ما أفطراه بعد رمضان ، وكذلك الحائض والنفساء، ويصح من المريض والمسافر الصوم إذا استطاعاه ، ولا يصح من الحائض والنفساء ... وللحديث صلة .
 
صيام الصغير
من المعلوم أن أهم حقوق الأبناء على الآباء أن يعرفوهم بالله تعالى وبحقه سبحانه على عباده ؛ وأن يعودوهم على طاعته صغارًا ؛ فيعلمونهم الصلاة والصيام والذكر والتلاوة والدعاء .. إلى غير ذلك من العبادات التي يستطيعها الصغير والكبير ؛ وكم رأينا صغارًا لا يدركون حاكوا آباءهم وهم يصلون ، وقلدوهم وهم يذكرون أو يتلون ..
على أنه يتبادر إلى الذهن سؤال .. منذ متى يتعلم صغارنا الصيام ويؤمرون به ؟ والجواب : لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم السن التي نأمر فيها أولادنا بالصلاة ؛ فقد روى أحمد وأبو داود عَنْ ابن عَمْرٍو – رضي الله عنهما - قَال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ".
ورأى كثير من العلماء أن هذه هي سن الأمر والتعويد للعبادات عمومًا بالنسبة للصغار ؛ لأن الصلاة هي أهم العبادات بعد التوحيد ، إلا أنه ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصغار يؤمروا بالصيام إذا أطاقوه ، فقد روى عبد الرزاق عن ابن سيرين قال : يؤمر الصبي بالصلاة إذا عرف يمينه من شماله ، وبالصوم إذا أطاقه . وروى - أيضًا - عن هشام بن عروة قال: كان أبي يأمر الصبيان بالصلاة إذا عقلوها ، والصيام إذا أطاقوه .
ذلك لأن للصيام مشقة فوق مشقة الصلاة فيراعى فيها الطاقة .. وفي الصحيحين عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ – رضي الله عنها - قَالَتْ : أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ : " مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ " فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ . وفي رواية لمسلم : وَنَصْنَعُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْــــــنِ ، فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ .... وللحديث صلة .
 
[h=1]الترهيب من الفطر في رمضان :[/h] اعلموا - رحمكم الله - أن التقصير في صيام رمضان مع اعتقاد فرضيته إثم عظيم من كبائر الذنوب ، وقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحذر من الإفطار في رمضان من غير عذر ولا رخصة ، منها : ما رواه النسائي وابن حبان والحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي - وساق الحديث - وقال فيه : " انطلقا بي فإذا قوم معلقون بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم دمًا ، قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم "[SUP] ([1]).[/SUP] قال المنذري رحمه الله : وقوله : " قبل تحلة صومهم " معناه : يفطرون قبل وقت الإفطار[SUP] ([2]).[/SUP]
قال الذهبي - رحمه الله – في كتاب (الكبائر): وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صيام رمضان بلا مرض ولا عذر أنه شر من المكاس والزاني ومدمن الخمر ، بل يشكُّون في إسلامه ، ويظنون به الزندقة والانحلال .

[1] - النسائي في الكبرى (3286)، وصححه ابن حبان (7491)، والحاكم (1568).

[2] - الترغيب والترهيب: 2 / 66.
 
المعذورون في رمضان ( 1 )
قال الله تعالى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } ( البقرة : 184 ) ؛ هذه الآية هي الأصل في هذا الباب ، فالذين يرخص لهم في الفطر في رمضان : المريض ، والمسافر ، ومن يشق عليه الصيام مشقة غير محتملة ، من كبار السن والحوامل والمرضعات ومن في حكمهم .
أما الحائض والنفساء فتفطران وجوبًا ، ولا يصح منهما الصوم . وإليك بيان ما يختص بكلٍ .
المريض ؛ وله حالتان : إحداهما : أن يرجى زوال مرضه ، فهذا إذا خاف مع الصيام زيادة مرضه أو تأخر شفائه فله الفطر إجماعًا ؛ بل جعله بعض أهل العلم مستحبًا لقوله تعالى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ، ولما رواه الإمام أحمد وغيره عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ " .
فإن تيقن أن الصوم يضره ، فإنه يجب عليه أن يفطر ويحرم عليه الصيام لقوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } ( النساء : 29 ) ؛ وإذا أفطر لمرضه الذي يرجى زواله قضى بعدد الأيام التي أفطرها ولا كفارة عليه .
الحالة الثانية : أن يكون المرض لا يرجى زواله ، كالسرطان والسكر ونحو ذلك ، فإذا كان الصوم يشق عليه مشقة لا تحتمل ، فإنه لا يجب عليه ؛ لأنه لا يستطيعه ، وقد قال الله تعالى : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلا وُسْعَهَا } ( البقرة : 286 ) ، بل يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا ، ولا قضاء عليه ؛ لأنه ليس له حال يصير بها متمكنا من القضاء ؛ وفي هذا وأمثاله يقول تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } ( البقرة : 184 ) .
وروى البخاري عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا . ورواه النسائي وفيه : لَا يُرَخَّصُ فِي هَذَا إِلَّا لِلَّذِي لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ أَوْ مَرِيضٍ لَا يُشْفَى .
قال ابن القيم - رحمه الله : وإنما يصار إلى الفدية عند اليأس من القضاء ؛ فإن أطعم مع يأسه ثم قدر على الصيام احتمل أن لا يلزمه ، لأن ذمته قد برئت بأداء الفدية التي كانت هي الواجب ، فلم تعد إلى الشغل بما برئت منه ا.هـ .
الشيخ والشيخة : إذا بلغ المسلم أو المسلمة سنًا من الشيخوخة لا يقوى معه على الصوم لهرمه وضعفه ، فإن كان معه عقله وتمييزه ، ولكن يشق عليه الصيام ، فقد أفتى ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا ، ولا قضاء عليه ، رحمة من الله وتخفيفًا . وروى أبو يعلى عن أيوب بن أبي تميمة قال : ضعف أنس عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد ، فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم .
أما إذا كان الكبير قد فقد التمييز ، وحصل منه التخريف والهذيان ، فهذا لا يجب عليه صيام ولا إطعام ، لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه ، فأشبه الصبي قبل التمييز ، وأما إذا كان يميز أحيانًا ، ويخرف أحيانًا ؛ فإنه يجب عليه الصوم أو الإطعام في حال تمييزه .... وللحديث صلة .
 
المعذورون في رمضان ( 2 )
المسافر : المسافر في رمضان سفرًا يجوز قصر الصلاة فيه شرعًا يجوز له أن يفطر ، ويقضي عدد الأيام التي أفطرها ، سواء أدخل عليه الشهر وهو في سفره ، أو سافر في أثنائه ، لعموم قوله تعالى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر } ( البقرة : 185 ) ، وفي الصحيحين عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ : سُئِلَ أَنَسٌ رضي الله عنه عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ ؟ فَقَالَ : سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ . فلذلك ذهب الجمهور إلى أن الأمر في الآية على التخيير ، وليس بحتم ، فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر صلى الله عليه وسلم عليهم الصيام ، بل الذي ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في مثل هذه الحالة صائمًا ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللهِ ابْنُ رَوَاحَةَ .
وعلى ذلك فالصيام في السفر جائز لمن قدر عليه ، وقد يكون أفضل اغتنامًا لشرف الزمان ، ولأن صيامه مع الناس أنشط له ، وأسرع في براءة ذمته ، ولأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، ولقوله تعالى : { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ( البقرة : 184 ) .
وقيل : إن شق الصيام فالإفطار أفضل ، لما في الصحيحين عَنْ جَابِرِ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : " مَا لَهُ ؟ " قَالُوا : رَجُلٌ صَائِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ " .
وذهب الإمام أحمد وجماعة من أهل العلم أن الفطر للمسافر أفضل أخذًا بالرخصة . وللمسافر أن يفطر مادام في سفره ما لم يقصد بسفره التحايل على الفطر ، فإن قصد ذلك فالفطر عليه حرام معاملة له بنقيض قصده ؛ والجمهور على أن الشخص إذا قرر الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام فإنه يصوم لانقطاع أحكام السفر في حقه .
قال ابن كثير - رحمه الله : فأما إن رغب عن السنة ، ورأى أن الفطر مكروه إليه ، فهذا يتعين عليه الإفطار ، ويحرم عليه الصيام والحالة هذه ؛ لما رواه أحمد وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا : " من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة "… وللحديث صلة .
 
المعذورون في رمضان ( 3 )
الحائض والنفساء : أجمع أهل العلم أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم ، وأنهما تفطران وتقضيان ، وأنهما إذا صامتا لم يجزئهما الصوم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة : " أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ " ؛ فمتى رأت دم الحيض أو النفاس فسد صومها سواء في أول النهار أم في آخره ، ولو قبيل الغروب بلحظة .
وفي الصحيحين عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ : سَأَلَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقُلْتُ : مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ ؟ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ قُلْتُ : لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ ! قَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ .
ومعنى قول عائشة : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ نِسْبَة إِلَى حَرُورَاء , وَهِيَ قَرْيَة بِقُرْبِ الْكُوفَة كَانَ أَوَّل اِجْتِمَاع الْخَوَارِج بِها ؛ وطَائِفَة مِنْ الْخَوَارِج يُوجِبُونَ عَلَى الْحَائِض قَضَاء الصَّلَاة الْفَائِتَة فِي زَمَن الْحَيْض , وَهُوَ خِلَاف إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ ؛ وَهَذَا الِاسْتِفْهَام الَّذِي اِسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَة هُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار ، أَيْ : هَذِهِ طَرِيقَة الْحَرُورِيَّة , وَبِئْسَ الطَّرِيقَة ؛ أفاده النووي - رحمه الله - في شرح مسلم .
الحامل والمرضع : إذا كانت المرأة حاملاً أو مرضعًا ، وخافت على نفسها الضرر من الصيام ، فإنها تفطر وتقضي ما أفطرته من أيام أخر . وأما إذا خافت على ولدها لا على نفسها فأفطرت ، فالجمهور على أنها تطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينًا ، وقال جماعة من أهل العلم : إن عليها القضاء فقط دون الكفارة ، حالها حال المسافر والمريض ، وهو الراجح ؛ وبه أفتت اللجنة الدائمة ، وإليك نص الفتوى : إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من صوم رمضان أفطرت وعليها القضاء فقط ، شأنها في ذلك شأن المريض الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه مضرة ، قال الله تعالى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ( البقرة : 185 ) ، وكذا المرضع إذا خافت على نفسها إن أرضعت ولدها في رمضان ، أو خافت على ولدها إن صامت ولم ترضعه ، أفطرت وعليها القضاء فقط .... وللحديث صلة .
 
سنن وآداب الصيام
للصوم آداب وسنن نوجزها فيما يلي :
1 – السحور ( وجبة السحر ) : أجمعت الأمة على استحبابه ، وورد في فضله ووقته أحاديث منها : ما رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً ".
وعند مسلم عَنْ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ ".
وروى أبو داود والنسائي عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ : دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّحُورِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: " هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ " .
وسبب البركة أنه يقوي الصائم وينشطه ويهون عليه الصيام ؛ وقد يدرك الإنسان في وقت السحر دعوة مستجابة ؛ لأن وقت السحر يرجى فيه الإجابة ، كما قد يدرك فيه - أيضًا - عبادة مقبولة من صلاة أو ذكر أو استغفار ؛ وتأخير السحور مما يعين على حضور صلاة الفجر .
ويستحب تأخير السحور ، فعند مسلم عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلالٍ ، وَلا بَيَاضُ الأُفُقِ الْمُسْتَطِيلُ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا " ، وَحَكَاهُ حَمَّادٌ ( رواي الحديث ) بِيَدَيْهِ قَالَ : يَعْنِي مُعْتَرِضًا .
وفي الصحيحين عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ : تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاةِ ، قُلْتُ : كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : خَمْسِينَ آيَةً .
وفيهما عَنْ ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ " .
2 – تعجيل الفطور ؛ ومعناه : المبادرة إلى الفطر عند العلم بغروب الشمس ؛ ففي الصحيحين عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ " .
وعند أحمد وأهل السنن إلا الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ ؛ لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ " .
ويستحب أن يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم يكن فتمرات ، وإلا حسا حسوات من ماء ثم يذهب للصلاة ، ثم يعود فيتناول حاجته من الطعام ، فقد روى أحمد وأبو داود والترمذي عن أَنَسَ رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ .
وروى أحمد وأهل السنن عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ ؛ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ " .... وللحديث صلة .
 
3 – الدعاء أثناء الصيام وعند الإفطار وبعده ، فإنه مظنة الإجابة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر " .
وروى أحمد والترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلَاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ : الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ؛ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " .
وعند ابن ماجة عن عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قال : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ " ؛ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي .
وروى أبو داود والنسائي عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَفْطَرَ قَالَ : " ذَهَبَ الظَّمَأُ ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللهُ " .
4 – صيانة الصيام عما يتنافى معه من المحرمات والمكروهات ، قال بعض السلف : أهون الصيام ترك الشراب والطعام .
5 – الجود ومدارسة القرآن ، وهما وإن كانا مستحبين في كل وقت إلا أنهما آكد في رمضان ، ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ؛ إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ .
وأبواب الكرم والجود كثيرة؛ ومن الجود في رمضان إفطار الصائم، وله أجر عظيم، فروى أحمد والترمذي وابن ماجة عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" .
6 – يسن للصائم إن شُتم أن يقول: إني صائم، ويقولها جهرا في رمضان وغيره .
 
مبطلات الصيام (1)
مبطلات الصيام نوعان : الأول ما يوجب القضاء فقط ، وهو ما يأتي :
1 - الأكل أو الشرب عمدًا , وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف من طريق الفم أو الأنف ؛أيًّا كان نوع المأكول أو المشروب ، سواء أكان مما يتغذى به أو ما لا يُتغذى به .
2 - ما كان بمعنى الأكل أو الشرب وهو شيئان :
أحدهما : حقن الدم في الصائم ، مثل أن يصاب بنزيف فيحقن به دم ، فيفطر بذلك ؛ لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب وقد حصل ذلك بحقن الدم فيه .
الثاني : الإبر المغذية التي يكتفي بها عن الأكل والشرب ، فإذا تناولها أفطر ؛ لأنها وإن لم تكن أكلا وشربًا حقيقة , فإنها بمعناهما فثبت لها حكمهما .
3 - إنزال المني باختياره ، بتقبيل ، أو لمس ، أو استمناء أو فكر ؛ أو غير ذلك , لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها ؛ كما جاء في الحديث القدسي : " يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " . فأما التقبيل واللمس بدون إنزال فلا يفطر .
4 – التقيؤ عمدًا ، فإن غلبه القيء فلا شيء عليه ، لما رواه أحمد وأهل السنن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَإِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ " .
5 - الحيض أو النفاس ، ولو في اللحظة الأخيرة قبيل غروب الشمس .
6 – رفض نية الصوم ، بأن ينوي الفطر وهو صائم ؛ فإنه يبطل صومه وإن لم يتناول مفطرًا ، لأن النية شرط أو ركن في الصوم فمن نقضها عالما بالحكم ، متعمدًا للفطر ، قاصدًا له انتقض صيامه ولا محالة .
7 – الردة عن الإسلام وإن عاد إليه ، لقول الله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ } ( الزمر : 65 ) .
فهذه المبطلات تفسد الصوم ، وتوجب قضاء اليوم الذي فسد بها ، كما توجب التوبة على من فعل شيئًا منها غير الحيض والنفاس .... وللحديث صلة .
 
مبطلات الصيام ( 2 )
النوع الثاني من المبطلات ما يوجب القضاء والكفارة ، وهو الجماع ؛ وهو إيلاج الذكر في الفرج أنزل أو لم ينزل , وهو أعظمها وأكبرها إثمًا , فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضًا كان أو نفلا , ثم إن كان في نهار رمضان والصوم واجب عليه ، لزمه مع القضاء الكفارة المغلظة ، وهي على الترتيب : عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي كأيام العيدين والتشريق ، أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر ؛ فإن أفطر لغير عذر ولو يومًا واحدا لزمه استئناف الصيام من جديد ، ليحصل التتابع .
فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين فإطعام ستين مسكينا ؛ وعند الإمام أحمد لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو غيره ؛ ونصف الصاع يقدر بكيلو ونصف الكيلو تقريبًا ؛ وذهب الإمام الشافعي إلى أن مدًا من أي أنواع الطعام يجزئ , ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : " وَمَا أَهْلَكَكَ " قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ ، قَالَ : " هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً ؟ " قَالَ : لَا ، قَالَ : " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ " قَالَ : لَا ، قَالَ : " فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ " قَالَ : لَا ، قَالَ : ثُمَّ جَلَسَ ؛ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ : " تَصَدَّقْ بِهَذَا " قَالَ : أَفْقَرَ مِنَّا ؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا ! فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ، ثُمَّ قَالَ : " اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ " ، وفي رواية عند مسلم أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً " قَالَ : لَا ، قَالَ : " وَهَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ " قَالَ : لَا ، قَالَ : " فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا ".
قال النووي – رحمه الله : والفَرَقُ والعَرَقُ عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعًا ، وهي ستون مدًّا لستين مسكينًا ، لكل مسكين مد .ا.هـ . فإن أطعمه وجبة طعام كاملة أجزأه .
ودل الحديث على أن الوطء في نهار رمضان كبيرة من كبائر الذنوب المهلكات ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الرجل على قوله : ( هلكت ) ، ورتب على فعله الكفارة المغلظة .
والعلم عند الله تعالى ... وللحديث صلة .
 
ما يباح للصائم ( 1 )​

يباح للصائم أمور نوجزها فيما يلي :​

1- السواك ؛ وهو سنة للصائمين وغيرهم ، لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ " ، وغيره من الأحاديث ، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحا النهي عنه للصائم ؛ وإنما كرهه بعض العلماء للصائم بعد الزوال لحديث : " لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ " قالوا : وإنما يظهر ذلك بعد الزوال ؛ ورد المجيزون بأن العلة من خلوف فم الصائم خلو المعدة ، فهو وإن أزيلت الرائحة بالتسوك يتجدد ، فيبقى أثره مع التسوك ، فيجمع بين سنة السواك وبين طيب الرائحة ، والعلم عند الله تعالى.​

2- التبرد بالماء من شدة الحر ، وسواء بصبه على البدن أو الانغماس فيه ؛ لما رواه أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ ( اسم موضع ) يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ .​

وكان ابن عمر رضي الله عنهما وهو صائم يبل الثوب ثم يلقيه عليه .​

3- مضغ الطعام لطفل صغير لا يجد من يمضغ له طعامه ، الذي لا غنى له عنه ؛ بشرط ألا يصل إلى جوف الماضغ منه شيء .​

4- السفر لحاجة مباحة ، وإن كان يعلم أن سفره سيلجئه إلى الإفطار .​

وللحديث صلة .​
 
ما يباح للصائم ( 2 )
5- شم الروائح الطيبة ، وذلك لعدم ورود النهي عن ذلك مع أنه مما تعم به البلوى ، إلا أنه يتجنب دخان البخور ؛ لأن له أجزاء تصعد ، فإذا استنشقها تكثفت ، وربما دخل إلى المعدة منه شيء .
6 – التداوي بالدواء الحلال الذي لا يدخل إلى الجوف منه شيء ، عدا الإبر المغذية التي يُكتفى بها عن الطعام والشراب ، فإن تناولها أفطر ؛ لأنها في معنى الأكل والشرب فيثبت لها حكمهما .
7 – القبلة لمن قدر على ضبط نفسه ؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رَضِي اللَّه عَنْهَا - قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ . ولا فرق بين الشيخ والشاب في ذلك ، والعبرة بتحريك الشهوة وخوف الإنزال ، فإن حركت الشهوة كرهت ، وإن لم تحركها لم تكره ، والأولى تركها .
8 – يباح للصائم أن يصبح جنبًا ، ولا يؤثر ذلك على صيامه ، غير أنه يسارع بالتطهر لأجل الصلاة ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا قَالَتَا : إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ ، غَيْرِ احْتِلَامٍ ، فِي رَمَضَانَ ، ثُمَّ يَصُومُ .
9 – يباح للصائم أن يأكل ويشرب ويجامع حتى يطلع الفجر ؛ فإذا طلع الفجر وفي فمه شيء وجب عليه أن يلفظه ، وإن كان مجامعًا وجب عليه أن ينزع ، فإن فعل صح صومه ، وإن ابتلع ما في فمه مختارًا ، أو استدام الجماع متعمدًا أفطر .
 
ما يباح للصائم ( 3 )
اختلف في الاكتحال والقطرة في العين والإحليل ، وما شابه ذلك ، فأباحها بعض العلماء لأنه لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا ؛ ومنعها آخرون لأن العين منفذ للجوف ؛ وخروجًا من هذا الخلاف فللصائم أن يفعل من ذلك ما يشاء طوال الليل ، وليجتنبه في وقت الصيام إلا لضرورة تستدعي ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
كما اختلف في الحجامة - أيضًا ، لما رواه أحمد والترمذي عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " .
قَالَ الترمذي : وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ احْتَجَمَ بِاللَّيْلِ مِنْهُمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عُمَرَ ، وَبِهَذَا يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ ؛ قَالَ الترمذي : سَمِعْت إِسْحَقَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ : مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ؛ قَالَ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ : وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ . .. وقَالَ الشَّافِعِيُّ : قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ ؛ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " وَلَا أَعْلَمُ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ ثَابِتًا ؛ وَلَوْ تَوَقَّى رَجُلٌ الْحِجَامَةَ وَهُوَ صَائِمٌ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ ، وَلَوِ احْتَجَمَ صَائِمٌ لَمْ أَرَ ذَلِكَ أَنْ يُفْطِرَهُ . قَالَ الترمذي : هَكَذَا كَانَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِبَغْدَادَ ، وَأَمَّا بِمِصْرَ فَمَالَ إِلَى الرُّخْصَةِ ، وَلَمْ يَرَ بِالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ .ا.هـ مختصرًا .
فالأولى تركها في وقت الصيام ، وفعلها بالليل إن احتاج إلى ذلك ، فإن احتجم في نهار رمضان فيقض هذا اليوم احتياطًا وخروجًا من خلاف أهل العلم في ذلك ، والعلم عند الله تعالى .
 
عودة
أعلى