الإقراء و القراءات في الجزائر

إنضم
13/04/2007
المشاركات
161
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
السلام عليكم و رحمة الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم و بعد:
الإقراء في الجزائر (منقول من مجلة المنبر)
بقلم: الأستاذ: مسعود بولجويجة

إن العنايـة بالقرآن الكريـم فـرض على كل مسلم ومسلمة، وحفاظاً على النـص القرآني وجبت العناية برسم المصحف وخطه وتلاوته حتى يوفق المسلمون إلى تلاوة القرآن كما أمر الله تعالى، مصداقاً لقوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)[المزمل:4]، وكما تواتر عن النبي ، وصحابته رواية وأداء ورسما.و قد حفظ الله تعالى كتابه بأن هيأ له رجالاً نذروا حياتهم لخدمة كتاب الله تعالى، من حيث لفظه وكتابته ورسمه وحفظه وتجويده، وهو ما أنبأ به تعالى في محكم تنزيله، فقال ( إِنا نحْنُ نزَّلـنا الذِّكْرَ وَإِنَّا لهُ لـَحَافِظـُونَ)[الحجر:9].فالتوفر على خدمة القرآن الكريم لم تنقطع منذ أنزله الله تعالى على نبيه طوال القرون التي مرّت على إنزاله، وهذا التوفر لم ينقطع إلى اليوم، وبعد اليوم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.

اهتمام علماء الجزائر بعلم القراءات
ومن الذين نذروا حياتهم لخدمة القرآن الكريم حتى وصل إلينا قرآنا واحداً - بينما هناك أناجيل كثيرة - علماء جزائريون. فقد اهتم علماء الجزائر بعلم القراءات، فدرسوه في مساجدهم ومدارسهم وزواياهم، كما ألفوا فيه الكتب نثراً ونظما.
غير أن الجزائريين الذين تناولوا موضوع القراءات ورسم القرآن الكريم قلة نسبيا، مقارنة مع العلوم الأخرى كالفقه والتصوف والتفسير …وغيرها.ويرجـع ضعف الاهتمام بالقراءات إلى أن علم القراءات من العلوم التي تحتاج إلى ثقافة واسعة وعميقة، فدارس القراءات يحتاج إلى ثقافة دينية ولغوية وبلاغية قوية حتى يقدم عليه بالإضافة إلى أن علم القراءات هو علـم الخاصة لا العامة، وما يؤكد هذا الكلام ما روي عن الشيـخ محمد التـواتي أنه لمـا أراد أن يرتحل إلى زواوة لقراءة السبع، اجتمع إليه خواص البلد لإمساكه، وقالوا له: عندك ما يكفيك من العلم وهذا فرض كفاية، وانشغالك بتعليم أولاد المسلمين ربما يكون أرجح، فأجاب عن نفسه: بأنه فرض كفايـة، تعيـن علي طلبه لما أحسست فـي نفسي من القابلية ورأيت غيري معرضاً عن أخذه وعدم القيام به، فترك، وارتحل إلى زواوة لتعلم القراءات على يد شيخه عبد الله أبي القاسم (1). ورغم ضعف الاهتمام بالقراءات ورسم القرآن الكريم لدى الجزائريين، إلا أننا لا نبالغ إذا قلنا إن الجزائريين كان لهم التبريز في التأليف فيه، كما سنرى.

مراجع الإقراء في الجزائر
لقد اشتهرت في الجزائر كتب في فن القراءات ألفها علماء جهابذة، وكانت محل ثقة عند الجميع، وقد تداولها المقرئون شرقا وغربا، وقد حاولنا حصر هذه الكتب التي كانت معتمدة في تدريس ودراسة القراءات وذلك في حلقات الدرس، أو عند الشرّاح والمعلقين على المصنفات خلال الفترات السابقة على بداية التأليف لدى الجزائريين، ولعل أشهر هذه الكتب التي شرحوها في دروسهم، أوعلقوا عليها أو اختصروها هي:منظومة الجزري، والخراز، وابن بري، والشاطبية...الخ (2)، كما عرفت مراجع أخرى ولكنها أقل شهرة. وسأتعرض في هذه المداخلة لمرجعين هامين، وهما:
"الشاطبية": وهو العنوان المشهـور بيـن الناس، واسمها الكامل "حرز الأماني ووجه التهاني"، وهي نظم مـن تأليف الإمام الشاطبي (3)، والإمام الشاطبي هو أبو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الشاطبي الأندلسي الضرير، ولد في آخر سنة 538 بشاطبة، حيث تلقى فيها القراءات وحذقها، ثم رحل إلى الحج وعند عودتـه استقر بالقاهرة وتصدر بها للإقراء، وحضر له أهل العلم من كل حدب وصوب ليتلقوا عنه علوم القرآن الكريم، وبالقاهرة نظم أربع قصائد:
الأولى:"حرز الأماني ووجه التهاني"، اختصر فيها كتاب "التيسير" في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، وقد نظمها تسهيلا لحفظه.
الثانية:"عقيلة أتراب القصائد في بيان رسم المصاحف العثمانية" اختصر فيها كتاب "المقنع" للإمام الداني المذكور.
الثالثة: "ناظمة الزهر في علم الفواصل"، اختصر فيها كتاب "البيان في عد آي القرآن" للإمام الداني أيضا.
الرابعة: قصيدة دالية لخص فيها كتاب التمهيد لابن عبد البّر.
وكان الشاطبي إماما ثبتا، حجة في علوم القرآن، وكان لا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وكان يمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن، وقد توفي الإمام في يوم 28جمادى الآخرة سنة 590هـ، ودفن بمقبرة المقطم بالقاهرة، وقبره معروف يقصد حتى الآن للزيارة (4) والذي يهمنا هنا هو "الشاطبية" وهو نظم بديع لكتاب "التيسير في القراءات السبع" للداني، نظمه تسهيلا لحفظه، وقد ابتدأ نظمه بقوله:
بدأت ببسـم الله في الـنظـم أولا
تبارك رحمانا رحيما وموئــلا
وثنيت صلى الله ربي على الرضا
محمدالمهدي إلى الناس موئـلا
وعترته ثـم الصحابـة ثم مـن
تلاهم على الإحسان بالخير وبلا
وثـلـثـت أن الحمـد لله دائمـا
وماليس مبدوءا به أجزم العـلا
إلى أن يقول في نظمه وهو يتحدث عن أئمة القرآن:
جزى الله بالخيـرات عنا أئمـة
لنانقلوا القرآن عذبـا وسلسـلا
فمنهم بدور سبعـة قد توسطـت
سماءالعلا والعدل زهـرا وكملا
وتتكون هذه القصيدة من ألف ومائة وثلاثة وسبعين بيتاً، أشار إلى ذلك في ختام نظمه بقوله:
وقد وفق الله الكريم بمنــه
لإكمالهاحسناء ميمونة الجلا
وأبياتهاألف تزيـد ثلاثــة
ومعً مائة سبعين زهر وكملا
فهذا الكتاب "الشاطبية" هو عمدة المقرئين للقراءات، فعلم القراءات انحصر السبيل إليه في الشاطبية وشروحها. وقد أشار إليها ابن خلدون في المقدمة بقـوله: "فاستوعب فيها الفـن استيعابا حسناً، وعني الناس بحفظها وتلقينها للولدان والمتعلمين، وجرى العمل على ذلك فـي أمصار المغرب والأندلس"(5) ولذلك فلا غرابة أن تقرر المعاهد الأزهرية بالديار المصرية، وكذا المعاهد الدينية في البلاد الإسلامية تدريس متن الشاطبية على طلابها.
وقد تصدى لشرح هذا المتن العديد من علماء القراءات، قديماً وحديثاً لعل أشهرهم من المعاصرين خادم العلم والقرآن الأستاذ عبد الفتاح القاضي، في كتابه المعنون: "الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع".(6)
"الخـراز": واسم الكتاب الكامل هو: "مورد الظمآن في رسم القرآن "، لمحمد بن محمد الأموي الشريشي، الشهير بالخراز، والمتوفى سنة 718هـ/1318 م، وهو عالم بالقراءات أصله من شريش مدينة بالعدوة الأندلسية، وسكناه بمدينة فاس، وكان يعلم الصبيان بها، وتوفي بها ودفن بها، وكان بارعاً في فن الرسم (7)وفن الضبط(8)،له عدة تآليف، من بينها: "مورد الضمآن في رسم القرآن"، وله نظم في الرسم سماه "عمدة البيان"، وله شرح على منظومة ابن بري المسماة: "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع"، وله شرح على "الحصرية" ويذكر أن له شرحا على "العقيلة" وكان قد فتح عليه في التأليف وسهل عليه نثره ونظمه(9) و قد ابتدأ الشريشي نظمه بقوله:
و بعد فاعلم أن أصــل الرسم
ثـبت عن ذوي النّهى والعلم
جمعه في الصحف الصديـــق
كمـاأشار عمـر الفـاروق

وذاكحين قتلوا مسيـــلمـة
وانقلبت جيوشـه منهزمـة
وهو أرجوزة طويلة تتكون من 608 بيت، خصص منها صاحبها الخراز 454 بيت للرسم، والباقي وهو 154 بيت للضبط.
وقد اشتهر هذا النظم أيّما اشتهار، فدرسه المبتدئون والمنتهون، وقد تحدث ابن خلدون في المقدمة، في الفصل الخامس الخاص بعلوم القرآن من التفسير والقراءات عن الرسم والضبط، وأشار إلى أرجوزة الخراز، وقال عنها "واشتهرت بالمغرب، واقتصر على حفظها،و هجروا بها كتب أبي عمرو، والشاطبي في الرسم"(10) وقد قام بشرحها الكثير، ومن شروحها:
-شرح الإمام محمد التنسي، وقد شرح منها القسم الخاص بالضبط، تحت عنوان: "الطراز في شرح الخراز".
-شرح العلاّمة عبد الواحد بن عاشر، وقد شرح منها القسم الخاص بالرسم، تحت عنوان: "الإعلان بتكميل مورد الضمآن"
-شرح الشيخ إبراهيم بن أحمد المارغيني، والذي سماه "دليل الحيران على مورد الضمآن"، وهو شرح بديع الشأن، كشف عن أسرار النظم، وبين مقاصده، وغيرها من الشروح الأخرى.
"إنشاد الشريد": ولا ننتهي من الحديث عن مراجع الإقراء في الجزائر دون الحديث عن تأليف مهم اشتهر ببلادنا، وهو كتاب: "إنشاد الشريد" لمقرئ بلاد المغرب العربي على الإطلاق في عهده، الإمام محمد بن غازي المكناسي(11).
و نقتصر على ذكر هذه التآليف الثلاثة في فن القراءات التي لا يخلو كتاب من كتب القراءات في الجزائر من ذكرها والاعتماد عليها.

مدارس الإقراء بالجزائر
اشتهرت الجزائر كبقية البلاد الإسلامية بمقرئيها ومعاهدها المتخصصة في القراءات، وكان يقصدها الطلاب حتى من الأقطار المجاورة كتونس والمغرب الأقصى وغيرها من المناطق، وقد اشتهر الجزائريون بتدريس القراءات أكثر مما اشتهروا بالتأليف فيها، ومن أشهر المعاهد المتخصصة في القراءات: معهد زواوة، معهد تلمسان، معهد وهران … الخ، وسنتحدث عن بعضها في هذه المداخلة.

أولاً- معهد زواوة: و قد عرفت منطقة زواوة بالحذق في القراءات، حتى إنها كانت مقصودة للعلماء للإتقان والبراعة. فهذا الشيخ محمد بن مزيان التواتي، الذي ورد على قسنطينة من المغرب، وبها انتشر علمه وأقبلت عليه الطلبة، وانتفعوا به وكثر بحثه، وعلت عارضته وحصلت له مشاركة في الأصول والمنطق والبيان، حتى أصبح يلقب بسيبويه زمانه، ومع ذلك لم يستغن عن الذهاب إلى زواوة لتعلم القراءات السبع، فقد أخبر عنه تلميذه الفكون أنه بقي في زواوة حوالي عام ثم عاد "وقد حصلت له ملكة عظيمة ومعرفة تامة لعلم القراءات"(12) وكانت القراءات بمنطقة زواوة تدرس في الألواح كما يدرس القرآن الكريم.
فقد ذكر عبد الكريم الفكون بأنه زار يوما شيخه التواتي بسكناه، فخرج إليه وبيده لوح به ما يزيد عن الخمسين بيتا من الشاطبية الكبرى(13) ومن أشهر أساتذة القراءات بزواوة أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر: محمد بن صولة، الذي قرأ عليه العالم التونسي أحمد بن مصــطفى برناز القراءات السبع أيضاً(14).
وقد عرفت زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي بزواوة بأنها معهد متخصص في تعليم القرآن الكريم وتفسيره، وتدريس القراءات بالروايات العشر المشهورة" حتى أن هيئتها المشرفة ومنذ عهد المؤسس لم تسمح بتدريس الفقه بحجة أن هذا العلم يمكن أن يشكل منافساً خطيراً على حساب حفظ القرآن الكريم والروايات"(15).

ثانياً- معهد تلمسان: ومن المعاهد التي عرفت بشدة اعتنائها بقراءات القرآن الكريم، هي معهد تلمسان فقد تواصلت الزيارات التي كان يقوم بها العلماء لتلمسان ومن المغرب خاصة، ومن الأندلس والمشرق الإسلامي نظراً لشدة عنايتهم بعلوم القرآن، وفي مقدمتها القراءات ورسم المصاحف.
و في البستان إشارات إلى بعض العلماء الذين اشتهروا بتدريس القراءات وحذقها من ذلك ما رواه ابن مريم من أن محمد الحاج المناوي قد تصدر للتدريس في عدة علوم، ولكنه مهر خصوصا في القراءات (16). وكان للعلامة أبي الحسن علي الأنصاري المتوفى شهيدا بالطاعون عام 1054هـ، درس في القراءات بتلمسان، وكان يشرح فيه ابن بري، وقد ترك مؤلفا في شرح "الدرر اللوامع" لأبي الحسن ابن بري (17). وأعظم درس في تلمسان في القراءات كان يشرف عليه محمد بن مرزوق الحفيد المتوفى سنة 842هـ، وقد كان يشرح فيه "الشاطبيتين" تفقها، و"ابن بري" وقد ترك تأليفا تحت عنوان"أرجوزة ألفية في محاذاة الشاطبية" (18).

ثالثاً- معهد القلعة بغليزان: من المعاهد المتخصصة في رسم القرآن الكريم وخطه، معهد القلعة وهي قلعة بني راشد، وكانت تسمى قلعة هوارة، إذ قبيلة هوارة هي التي أسستها في القرن الخامس الهجري، وكانت القلعة منذ أقدم العصور معلومة بقراءة القرآن، وسائر فنون العلم من حديث وتفسير قرآن وحساب وفرائض ونحو وتوحيد ومنطق وبيان، وبديع ومعاني واستعارات وأصول وشعر، وغير ذلك.
و لكن شهرة القلعة اكتسبت من خلال تخصصها في علوم القرآن من تفسير وقراءات، وكتابة المصاحف بخطوط جميلة معتمدة في ذلك على علم رسم القرآن الكريم، وضبطه.
فهذا الإمام سيدي عبد القادر بن يسعد المتوفى سنة 1055هـ بقلعة بني راشد، كان يأمر بكتابة نسخ المصحف الشريف ورسمه، وكان يجلب له النسّاخ من الأندلس والمغرب ويوظفهم في نسخ وكتابة المصاحف، وذلك لحذقهم في هذا الفن،حتى أصبحت القلعة بحق مدرسة متخصصة في رسم وضبط المصحف الشريف.

مشاهير المؤلفين في القراءات في الجزائر
لقد اشتهر في علم القراءات علماء جهابذة، تركوا العديد من التآليف، إلا أن أكثر هذه التآليف لا تزال مخطوطة أو في حكم المفقودة، وسأذكر هنا في هذه المداخلة أشهر المؤلفين مع الإشارة إلى تآليفهم فقط، وأشهر المؤلفين في القراءات هم:
1-المقرئ الشهير الشيخ علي الزواوي: وهو أحد مشايخ عبد الرحمان الثعالبي، وقد اشتهر بالجزائر العاصمة، وأطلق اسمه على حي من أحياء العاصمة، خارج باب عزون، " قرب المركز الثقافي الإسلامي، التابع لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وقد احتفظ لنا التاريخ بتأليف من تآليفه العديدة في القراءات. وهو بالضبط في:"الوقف" (19).
2-محمد بن أحمد الوهراني: ومن المؤلفين في القراءات في نهاية القرن التاسع الهجري محمد شقرون بن أحمد المغراوي الوهراني، فقد ألف عملا في القراءات سماه: "تقريب النافع في الطرق العشر لنافع"، وهي عبارة عن قصيدة لامية، تحتوي على اثنين وثلاثمائة بيت (302)، تبدأ هكذا:
بـدأت بحمـد الله معتصما بـه
نظامابديعا مكـملا ومسهـلا
وثنيت بعد بالصلاة على الرضا
محمـد والآل والـصحب أشملا
وبعـد فلما كـان مقـرأ نـافع
أجل مقارئ القـرآن وأفضـلا
لما قيل فيه إنـه بـدار هجـرة
سنةخير المرسلــين وكيف لا
أتيـت بنظـم في روايتـه التي
بعشرسميت كيما يكون محصلا(20)

والكتاب ما يزال مخطوطا ضمن مخطوطات باريس، وبالمكتبة الملكية بالرباط(21) ويبدو أن محمد الوهراني قد شرح هذه القصيدة بعد ذلك في رسالة مبتورة، لا تزال مخطوطة بالمكتبة الوطنية بباريس إلى يومنا هذا (22).
3-محمد ابن مرزوق الحفيد: ولد في تلمسان سنة 766هـ/1365م، وتوفي في تلمسان سنة 842هـ/1439م، نعته المؤرخون بأنه "الفقيه، المجتهد الأبرع، الأصولي، المفسّر، المحدث الحافظ، المسند الراوية، الأستاذ المقرئ المجوّد، النحوي البياني العروضي، الصوفي المسلك …"(23) من أشهر تلاميذه أبو يحيى الشريف التلمساني، المازوني، القلصادي، التنسي، كلهم قرأوا عليه جملة من العلوم والكتب، ومن بينها قصيدة الشاطبي في القراءات وقد ذكر ابن مريم في البستان أن ابن مرزوق الحفيد قد ألف عدداً كبيراً من الأعمال من بينها "أرجوزة ألفية في محاذاة الشاطبية"(24).
4-محمد بن عبد الله التنسي: ولد بمدينة تنس، ثم نزل تلمسان، درس على ابن مرزوق الحفيد قصيدة الشاطبي في القراءات، اشتغل بالتعليم والإفتاء توفي سنــة 889هـ/1494 م، وقد ترك عدة مؤلفات في مختلف الفنون.
وقد ساهم محمد التنسي في التأليف في علم القراءات بمؤلف تحت عنوان: "الطراز في شرح الخراز"، وهو شرح على "مورد الضمآن في رسم أحرف القرآن "، وهو أرجوزة في ضبط رسم القرآن الكريم، وما قام بشرحه محمد التنسي هو قسم من أرجوزة طويلة خصص منها صاحبها الخراز 454 بيتا للرسم، والباقي وهو 154 بيتا للضبط، وقد شرح التنسي كما يدل على ذلك عنوان تأليفه، القسم الخاص بالضبط وقد استهل التنسي شرحه بالباعث على هذا التأليف، حيث يذكر أنه رأى من تناول نظم الشريشي المعروف بالخراز، إما اختصره اختصارا مخلا، وإما أطال فيه إطالة مملة، لذلك عزم هو على وضع شرح على نظم الخراز يكون وسطا بين الاختصار والإسهاب ويكون أنشط لقارئه وأقرب لفهم طالبه(25).
5-محمد ابن أحمد المصمودي: ومن المؤلفين أيضا في القراءات محمد بن أحمد المصمودي المتوفى سنة 897هـ الذي وضع رجزا في القراءات سماه، "المنحة المحكية للمبتدئ القراءة المكية"، تناول فيه أوجه الخلاف بين قراءة عبد الله المكي وقراءة الإمام نافع، وقد ابتدأه بسورة البقرة وانتهى بسورة الناس، وهو رجز سهل، ومما جاء فيه:
يقول عبد العظيـم الجـودي
محمــد بن أحمـد المصمودي
وبعد فالقصـد بـذا النظام
تقريب فـهـم مقـرأ الإمــام
الفاضل السنــي عبـد الله
نجل كثـير ذي الثنـا والجـاه
نزيل مكة التي قـد شـرفت
بالبيت ذي الأمن العميم واكتفت
وذا كفيما خـالف الإمـاما
المرتضى نافـعاً على مـا(26)
6-عبد الكريم الفكون: كما أسهم عبد الكريم الفكون صاحب "منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية" المتوفى سنة 1073هـ/1662م، أيضاً بالتأليف في القراءات فقد ذكر أنه ألف عملا سماه "سربال الردة في من جعل السبعين لرواة الإقراء عدة"(27)، وهو تأليف غني بالآراء والنقول، عالج فيه أنواع القراءات ورواتها وغير ذلك مما يتصل بهذا الموضوع (28).
7-أحمد بن ثابت التلمساني: ومن المؤلفين في القراءات أيضاً، أحمد بن ثابت المتوفى في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، وقد درس على يد شيخه محمد بن توزينت التلمساني، وهو من مشاهير القراء، وقد تخرج على يده العديد من التلاميذ، كما ألف تقييدا في القراءات، وهو في حكم المفقود الآن، ذكره تلميذه أحمد بن ثابت، ونوّه به. وقد ألف أحمد بن ثابت هذا رسالة في القراءات، لا تزال مخطوطة بالمكتبة الوطنية، وقد سماها: "الرسالة الغراء في ترتيب أوجه القراء" (29).
اعتمد فيها على المؤلفين السابقين في هذا العلم أمثال الشاطبي وابن الجزري وغيرهم كما ألف أحمد ابن ثابت التلمساني أيضا رسالة في علم القراءات هي عبارة عن منظومة شعرية مطلعها:
إذا أردت الختـم للمكي
من الضحى يـروى عن النبي
كما قام بشرح هذه الأبيات تلبية لمن طلب منه ذلك، في رسالة مبتورة، لا تزال مخطوطة بالمكتبة الوطنية إلى يومنا هذا (30).
8-الشيخ محمد أبو القاسم البوجليلي(1829م-1898م): وهو من أبرز المتخرجين المجازين في علم القراءات من زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي وقد ألف كتابا تحت عنوان: "التبصرة في القراءات العشر"، وذلك في أواخـر القرن الثالث عشـر هجري (31) وهو على صغر حجمه يزخر بالفوائد، وأبرز ما فيه استعراضه لمعظم المقرئين ببلاد زواوة في عهده والكتاب ما يزال مخطوطا.
9-علي بن الحفاف: ومن أواخر المقرئين في الجزائر هو العلامة علي بن الحفاف، المفتي المالكي بالجزائر في عهده، أدركه الاحتلال الفرنسي في ريعان الشباب فالتحق بجيش الأمير عبد القادر، فعينه الأمير كاتبه الخاص، وبعد عودته من الحج ألف رسالة في القراءات، وبالضبط في حكم البسملة في الفاتحة في الصلاة، سماها "الدقائق المفصلة في تحرير آية البسملة"، كما ألف مترجمنا علي بن الحفاف تأليفا ضخما قيما في القراءات، سماه: "منة المتعال في تكميل الاستدلال" تناقله المقرئون والطلاب، وواظب مدة حياته على تدريسه(32).
10-محمد بن يوسف طفيش: وهو من بني ميزاب وقد ترك لنا تأليفا ضخما في علم القراءات لا يزال مخطوطا وهو تحت عنوان: "تلقين التالي لآيات المتعالي". وقد شرح فيه منظومة نظمها بنفسه سماها" جامعة حرف ورش "، طبعت سابقا طبعة حجرية، أما الكتاب فلا يزال مخطوطا.
و في الختام، فإن التاريخ قد احتفظ لنا بتآليف عديدة في فن القراءات، ألفها علماء جهابذة، كتب لتآليفهم الخلود، فلا تزال مخطوطاتهم النادرة موجودة في الخزانات العامة والخاصة تنتظر من ينقذها من الضياع والتلف.فنرجو من الجهات المعنية أن تسعى سعيا حثيثا من أجل جمع هذه المخطوطات الجزائرية المتخصصة في فن القراءات، من مختلف المكتبات في العالم، وتعمل على تحقيقها وطبعها ونشرها، حتى تتم الاستفادة منها.والله ولي التوفيق.
والله ولي التوفيق.

الهوامش
(1) عبد الكريم الفكون، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية، ص: 58.
(2) أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج1، ص: 357
(3) محمود بوعياد، جوانب من الحياة في المغرب الأوسط، ص: 69.
(4) عبد الفتاح عبد الغني القاضي، الوافي في شـرح الشـاطبية في القراءات الســبع، ص: 3و 4. المدينة المنورة: مكتبة الدار، الطبعة الأولة، 1983.
(5) عبد الرحمان بن خلدون، كتاب العبر، ج1، ص: 469.
(6) عبد الفتاح القاضي، الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع.
(7)و(8) فن الرسم، الخط والكتابة، وموضوعه حروف المصاحف من حيث الحذف والزيادة والإبدال والفصل والوصل ونحو ذلك.أما فن الضبط فهو علم يعرف به ما يدل على عوارض الحرف، التي هي الفتح والضم والسكون والكسر والشدّ والمدّ ونحو ذلك، ويرادف الضبط الشكل.
(9) إبراهيم بن أحمد المارغيني، دليل الحيران على مورد الضمآن، ص:11.
(10) المرجع السابق، ص: 469.
(11) المهدي البوعبدلي، اهتمام علماء الجزائر بعلم القراءات في القديم والحديث، كتاب الأصالة ج1، ص: 149.
(12) عبد الكريم الفكون، مرجع سابق، ص:58.
(13) المرجع نفسه، ص: 58، وهي قصيدة "حرز الأماني ووجه التهاني" وتسمى الشاطبية الكبرى، لأن لناظمها قصيدة أخرى أصغر منها.
(14) أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج1، ص: 21.
(15) محمد ميمون، زاوية سيدي عبد الرحمان اليلولي، ص: 41.
(16) أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج2، ص: 22.
(17) أبو القاسم الحفناوي، تعريف الخلف برجال السلف، ص: 74 و75.
(18) المرجع نفسه ص: 136.
(19) المهدي البوعبدلي، مرجع سابق، ص: 149.
(20) المرجع نفسه، ص: 151 و152.
(21) أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج 1، ص: 22-23.
(22) المرجع نفسه، ج1، ص: 115.
(23) محمد التنسي، تاريخ بني زيان ملوك تلمسان، ص: 14 و15.
(24) محمود بوعياد، مرجع سابق، ص: 69.
(25) أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ص: 114و 115، وذكر بأنه يوجد مخطوط "الطراز" بالخزانة العامة بالرباط، وخطها جيد، وفيها المتن والشرح.و انظر كذلك: محمد التنسي، تابع بني زيان ملوك تلمسان، تحقيق: محمود بوعياد، ص: 25و 26 وذكر بأنه يوجد مخطوطان "للطراز" تملكها المكتبة الوطنية، ويحملان رقم: 390 ورقم: 391.
(26) أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج1، ص: 115.
(27) وذكر أن الكتاب مخطوط بباريس.
(28) المرجع نفسه، ص: 25.
(29) المرجع نفسه ص: 23و24 و25.
(30) المرجع نفسه، ج2، ص: 25.
(31) محمد ميمون، مرجع سابق، ص: 42.
(32) المهدي البوعبدلي، مرجع سابق، ص:160و161.
 
بارك الله فيك يا أخ أبا مريم على هذه المعلومات القيمة وجزاك خيرا
 
عودة
أعلى