محمد كالو
New member
- إنضم
- 30/03/2004
- المشاركات
- 297
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 18
- الإقامة
- تركيا
- الموقع الالكتروني
- www.facebook.com
[align=center]الإعلام في القرآن وموقفه من شائعات السوء[/align]
الإعلام الإسلامي يفوق على ما يعرف اليوم بالإعلام الدولي المعاصر الذي يعاني من الاحتكاك والصراع الدولي وربما أدى هذا الصراع إلى الحرب والدمار ، ويغلب عليها طابع الحرب النفسية وتحطيم الروح المعنوية لدى الشعوب الأخرى ، على نحو ما يعرف اليوم من دلالات المصطلحات التي شاعت في عصرنا ـ وإن كان بعضها قد زال أو بدأ في الزوال ـ كالحرب الباردة والحرب الأيدلوجية وحرب الأعصاب والحرب السياسية وحرب القوة الفكرية وغير ذلك ، أما الإعلام الإسلامي فقد أرسى قواعده على أساس الخير الشامل ، وأكد على الاتصال والتفاهم بين الأمم والشعوب فقال الله تعالى :
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ( ).
فالإعلام الإسلامي أشمل من الإعلام الدولي بالمصطلح الاتصالي الحديث لأنه يؤكد أن الإنسانية كلها أمة واحدة فقال تعالى : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( )
من هنا نعلم أن الإعلام الإسلامي يقوم على أساس من صلة الرحم بين بني الإنسان ، وعلى أساس من التعارف والمودة والمساواة والعدالة وإقرار السلام لا العداوة والبغضاء ، على نحو ما نعرفه عن الغارة الإنجليزية على ( برلين ) أثناء إلقاء الوزير ( جورنج ) خطاباً له من الإذاعة ، إذ كانت أصوات القنابل الإنجليزية وهي تنفجر في سماء ( برلين ) تكذب ما كان يزعمه ( جورنج ) من أن سماء برلين لا يمكن أن تقهر ، فالإعلام الدولي المعاصر مفهوم متدهور للإعلام لا يرمي إلى الإقناع بقدر ما يرمي إلى انتهاك حقوق الإنسان ، فأصبح الإعلام الدولي يجعل الإنسان يعيش في فراغ وضياع ، وبذلك يتجاوز الإعلام الإسلامي الإعلام الدولي المعاصر إلى الإعلام الإنساني الشامل ، لأنه ينهل من الأخلاق المثلى التي وضعها الإسلام لتحقيق الخير المحض في كل زمان ومكان ، وإن اختلف الناس أجناساً وقبائل ، فقال الله تعالى : ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ( )
والصدق مبدأ أساسي للإعلام الإسلامي ، ومن هنا كانت أهم صفة اشتهر بها النبي هي صفة ( الصادق الأمين ).
وقال رسول الله (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )) ( ).
ولما سأل ( هرقل ) أبا سفيان ـ ولم يكن قد أسلم بعد ـ عن رسول الله محمد قائلاً : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
أجابه : لا
فقال هرقل : أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله ؟!( )
وهرقل هنا يمثل دور المستقبل الذي يشترط الصدق في المصدر ، وكان النبي يؤكد على هذا المعنى الاتصالي في بدء الدعوة حينما قال للناس : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ؟
قالوا : نعم ما جرَّبنا عليك إلا صدقاً ))( ) .
ولا شك في أن ظهور أثر الصدق في القائم بالإعلام الإسلامي يؤثر في الجمهور المتلقي ويحمله ذلك على قبول رسالته الإعلامية واحترامها.
والصبر والثبات أيضاً من أهم صفات الإعلامي المسلم ، لأن الإعلاميين والدعاة مبتلون بأذى الكفار والمارقين بالقول والكيد ، قال الله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ( ) .
فالصبر والثبات هما عدة الإعلاميين والدعاة في الإسلام ، وعليهم أن يقابلوا هذا الأذى بالصبر الجميل لا بالجزع ، وبالثبات لا بالفرار ، وإذا كان الإعلامي المسلم قادراً على توقي الأذى ، فعليه أن يتوقاه حسب الظروف والأحوال ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلّ نَفْسَهُ قالوا: وكَيْفَ يُذِلّ نَفْسَهُ؟ قال: يَتَعَرّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لا يُطِيقُ ))( ).
ولما هاجر المسلمون من مكة إلى الحبشة فراراً بدينهم وتخلصاً من أذى قريش ، دل ذلك على جواز دفع البلاء والأذى وعدم الاستسلام له ، لأن نفس المسلم ليست ملكه وإنما هي ملك الله فلا يجوز إتلافها بلا فائدة تعود إلى الإسلام .
ومن صفات الإعلام الإسلامي أنه إعلام علني عام للبشر جميعاً ، إذ ليس في الإسلام إعلام سري أو نصف سري قال الله تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( ) .
ومن صفات الإعلام الإسلامي مخاطبة الناس على قدر عقولهم ، وعدم الاستخفاف بعقول الناس واحترامهم بلا مَلَق ولا إسفاف في النقاش ، وإنما الجدال بالتي هي أحسن واحترام الرأي الآخر وعدم الاستهانة به ، وذلك سبيلاً للإقناع والاقتناع ، قال علي كرم الله وجهه : (( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكَذَّبَ الله ورسوله )) ( ).
ومن واجب الإعلاميين المسلمين كشف الزيف والكذب والافتراء على الإسلام والمسلمين بكل الوسائل المتاحة كالقنوات الفضائية وإصدار الكتب والمجلات والجرائد باللغات المختلفة حتى نحدَّ من إعلام العدو المخادع والكاذب .
أما الشائعات ودور الإعلام الإسلامي في مقاومتها :
فما الشائعة ؟ وماذا يقصد بالشائعة ؟ وكيف نقاوم الشائعات ؟
الشائعة لغة :
قال في المعجم الوسيط : خبر ينتشر دون تثبت من صحة وقوعه .
واصطلاحاً :
إن للباحثين وجهات نظر متباينة في تعريف الشائعات :
قال الدكتور محمود أبو زيد : الشائعة محض اختلاق يتناوله الناس من مصدر لا أساس له من الواقع ( ).
وقال الدكتور إبراهيم الإمام : تنطلق الشائعة من انتزاع خبر أو معلومة معينة ، والتهويل من شأنها ، بربطها بالأحداث والعُرف والقيَم السائدة .
وقال ( ألبور وبوتسمان ) : تأكيد عام يعرض بوصفه حقيقة دون أن توجد معطيات مشخصة تتيح التثبت من صحته.
وقال (كناب ) : تصريح أُعدَّ ليصدق ، ذو علاقة بالأحداث الراهنة ، وينتشر دون التحقق من صحته رسمياً.
ويلاحظ ( بيترسون وجيست ) : أن مفهوم الشائعة في معناه الرائج يدل على تقرير أو شرح غير محققين ، ينتقلان من شخص إلى شخص ، ولهما علاقة بموضوع ، أو حدث أو مسألة تلقى اهتماماً عاماً ( ).
ويتفاقم خطر الإشاعة بالانضمام إليها والدفاع عنها ، فيصبح لها أنصار ومروِّجون ، وليست كل شائعة سيئة ، ولكن أخطر ما في إشاعة السوء ، سرعة انتشارها بالتناقل الشفوي ، إذ أنها تهدف لإحداث تأثير معنوي في الآخرين لتحقيق غرض معيَّن ، ويلجأ المروِّجون إلى تحريف المصادر ، أو المبالغة في حجمها ، بقصد أو بدون قصد.
والشائعات غير القصدية والتي تعتمد على العفوية وحسن النية ، أشد خطورة لسهولة انتشارها ، فتسري كالنار في الهشيم ، ولذلك نجد دعاة السوء يسخرون بنشر شائعاتهم القصدية ، أناساً بسطاء بعيدين عن الشك بهم ، فتثق العامة بهم ، ولا تقبل انتقاصاً من قدرهم .
وطائفة أخرى تعمل على ترويج الشائعات في عالم الاقتصاد والمعيشة ، ويبدو الأمر يسيراً إذا اقتصر على الباعة والمنتجين ، حين يدَّعون أن بضاعتهم غير مزجاة ، وأن زيتهم صاف وليس كغيره من الزيوت العكرة ، وحسبك الإعلانات التجارية والصناعية التي تبث عبر الشاشة الصغيرة ، فتنطلق بها ألسنة الصغار والكبار.
وطائفة ثالثة تعمل على إشاعة الأوهام الاجتماعية والسياسية بواسطة الصحافة والرسوم المرنة ( الكاريكاتيرية ) الساخرة ، والتي تبلغ حدَّ السلاح في المعارك ، وما زال جيل بين أظهرنا يذكر دَوْر الصحف الساخرة كالمضحك المبكي في سوريا ، والبعكولة في مصر الشقيقة ( ).
أما وسائل نقل الشائعات ، فأقواها الكلمة ، ثم الحركة ، ولها في معظم الأحيان وقع أشد من الكلمة ، كحركات النفي القاطع ، والبناء الجازم ، والتهديد والوعيد والخبر السعيد .
ولا تعجبوا فلكل جارحة لغة ، ولكل تعبير لسان ، وللعيون لغات ، وأكثر الإشاعات سيئة خطيرة ، وأخطرها وأفظعها إشاعة السوء لذلك حرم الإسلام إشاعات السوء.
فقال الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( ) .
وقال النبي : (( أيـما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء سبه بـها في الدنيا كان حقاً على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ
ما قال ))( ) .
والشائعات على ثلاثة أنواع ( ):
1ـ شائعات الرغبة أو شائعات الأحلام والأماني ، كان المرجفون والحاقدون والحالمون بالجاه والسلطة والمجد الزائف، وأصحاب الأماني ، يروجون بالشائعات للحط من قدْر من يقاوم باطلهم ، وللإيقاع بينهم ، فمن شائعات الوقيعة بين الأمة ، ما فعله ( شاس بن قيس اليهودي ) وكان شديد الطعن على المسلمين، شديد الحسد لهم، مرّ يوماً على الأنصار الأوس والخزرج وهم مجتمعون يتحدثون ، فغاظه ما رأى من ألفتهم بعد ما كان بينهم من العداوة، فقال: قد اجتمع بنو قيلة ، واللّه ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، فأمر فتى شاباً من اليهود فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث ـ أي الحرب الذي كان بينهم وما كان فيه ـ وأنشدهم ما كانوا يتقاولون به من الأشعار، ففعل فتكلم القوم عند ذلك ، وذكر كلٌّ أقوال شاعرهم ، وتنازعوا وتواعدوا على المقاتلة ، فنادى هؤلاء يا آل الأوس ، ونادى هؤلاء يا آل الخزرج ، ثم خرجوا للحرب وقد أخذوا السلاح واصطفوا للقتال.
فلما بلغ الخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إليهم فيمن كان معه من المهاجرين، فقال يا معشر المسلمين اللّه اللّه ؟ اتقوا اللّه، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم اللّه إلى الإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم، فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فبكوا وعانق الرجال من الأوس ، الرجال من الخزرج ، ثم انصرفوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأنزل اللّه تعالى في شاس بن قيس اليهودي:
ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّنَ عَنْ سَبِيلِ اللّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً ( ) .
وأنزل اللّه في الأنصار :
يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَامِكُمْ كَافِرِين ( )
وكذلك الإشاعة التي أشاعها المشركون بين المسلمين ( المهاجرين إلى الحبشة ) من تحسين الأحوال ، والمصالحة بين المشركين والمسلمين في مكة زوراً وبهتاناً ، وما أشاعوه في
( عمرة القضاء )( ) من ضعف المسلمين وهزالهم ، فأمرهم النبي بالهرولة في السعي والطواف ، إظهاراً للقوة ،وكان أعداء النبي يحلمون بالقضاء على النبي وأصحابه ، كأبي جهل وعتبة بن ربيعة ، وبعضهم كان يحلم بالسلطة كابن أبي سلول، وكان الردُّ الإلهي حاسماً جازماً .
قال الله تعالى : لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ( ) .
وهكذا ظل المشركون يروِّجون أخطر الشائعات لمحاربة الإسلام والمسلمين .
وإذا لم تكن شائعات الأحلام ضارة فهي غير سارة ، إذ تدخل في بوتقة الحرب النفسية ، وهذا ما تعالجه اليوم أجهزة التوجيه المعنوي في العالم.
والإعلام الإسلامي ـ فيما عدا حالة الحرب وإرهاب العدو وإضعاف معنوياته بالحرب النفسية ( ) ـ يسلك طريقاً وسطاً فهو لا يخدع ولا ينخدع ، ولا حاجة له إلى سلوك أي نوع من تلك الشائعات ، فالإسلام لا يخاف ولا يحقد ولا يحلم برزق تمطره السماء ذهباً ولا فضة .
والإعلام الإسلامي لا يشهِّر بالناس ولا يحقرهم ولا يفضح أحداً ، ولو كان عدواً ، أرأيت كيف ستر النبي على المنافقين ، هذا هو الإعلام الإسلامي القويم.
2 ـ شائعات الخوف أو القلق: وهي أخطرها ،ويمكنها أن تتراوح بين القلق الخفيف والذعر الكامل ، مثال ذلك : ( يقال بأن لحم السلطعون( ) الذي يعلبه اليابانيون يحتوي على ديدان مهروسة ) أو ( ستقصف مدينتنا بالقنابل غداً ) .
ونجد أمثلتها أيضاً في أحداث غزوة أحد ، فقد لجأ المشركون إلى إشاعة الخوف في صفوف المسلمين باختلاق نبأ وفاة النبي ، وكاد هذا النبأ أن يستشري وينتشر لولا أن كعب بن مالك شاهد رسول الله بنفسه يصول ويجول وسط المعركة ، وعيناه تزهران من تحت المغفر( ).
وكذلك إشاعة مقتل عثمان بن عفان في بيعة الرضوان ، ولما لم يكن قتله محققاً فقد بايع النبي عنه على تقدير حياته ، وفي ذلك إشارة إلى أن عثمان لم يقتل ، وإنما بايع القوم أخذاً بثأر عثمان جرياً على ظاهر الإشاعة ، تثبيتاً وتقوية لأولئك القوم ، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال : اللهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك ( ).
3 ـ شائعات العدوان أو شائعات الحقد والكراهية : وأمثلتها كثيرة أوضحها ما افترته قريش على النبي وأصحابه ، وما فجَّرت عليهم من مراجل الحقد الدفين والكراهية العمياء ، فتناولوا شخصية رسول الله باتهامات كاذبة ، وافتراءات حاقدة ، وشائعات جائرة ، وما أشاعوه بعد توزيع غنائم هوازن أكبر دليل على ذلك ،حاولوا أن يذيعوا نبأ عزم النبي على البقاء في مكة المكرمة ، وعدم العودة مع الأنصار ، ولما ظهر زيف هذه الشائعة ، وتكشفت الحقائق ، وزهق الباطل ، لجئوا إلى ترويج شائعة أكثر خبثاً مفادها : الطعن في أمانته ، وأنه جمع الغنائم فوزعها على المؤلفة قلوبهم، وحرم الأنصار منها ، من أجل أن يوقعوا بين النبي وبين الأنصار من الأوس والخزرج ، فتناول النبي هذه الشائعات وهذا البهتان بالحجة والبرهان وبما أوتي من حكمة النبوة ، حتى عادت القلوب إلى صوابها وصفائها .
وكذلك ما تصرف به في القضاء على الأوضاع الخاطئة التي نتجت عن عصبية أثارها سنان الجهني الأنصاري حين صاح : يا للأنصار ، وصاح جهجاه المهاجر : ياللمهاجرين، فكان ردُّ المصطفى عملياً وحكيماً ، لاستجابتهم لشائعة ابن أبي سلول الخبيثة ، فقد مشى بهم النبي يوماً وليلة حتى أنهكتهم الشمس ،ثم نـزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياماً ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس ، من شائعة عبدالله بن أبي بن سلول ( ).
ثم لم يلبثوا أن فجَّروا حادثة الإفك الظالمة والمبهتة ، اتهموا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في شرفها ظلماً وعدواناً لينالوا من قدْر النبوة وسمعة النبي ودينه الحنيف
قال الله تبارك وتعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ( ) .
عوامل رواج الشائعات :
1ـ أهمية الموضوع عند الناقل والمنقول إليه وهما قطبا العملية الترويجية.
2 ـ درجة الوضوح أو الغموض المحيط بموضوع الإشاعة ذاتها ، وتكون العلاقة طردية إذا ارتفعت درجة الموضوع من الوضوح مع أهميته ، كما تكون عكسية كلما ارتفع مستوى أحد العاملين وانخفض الآخر( ).
3 ـ مدى التطابق بين موضوع الشائعة وقانون الاهتمام الفكري أو العاطفي للأفراد والجماعات ، فالرجال أكثر تصديقاً لشائعات الغلاء ، والنساء أكثر تجاوباً مع ما يذاع عن الأزياء ، وقس على ذلك فئات المجتمع من عمال وموظفين وتجار وحرفيين وأدباء وغيرهم.
4 ـ مقدار الثقة بالناقلين تبعاً للصداقة والتآلف معهم ، فالنتيجة طردية في المودة ، وعكسية في الكراهية .
موقف الإعلام الإسلامي من شائعات السوء :
ظهور الشائعات ينجم في الواقع من عدة عوامل منها : الإعلام غير المشبع ، وصعوبة الوصول المباشر إلى مصادر الإعلام ، وفقدان الثقة ، أو وجود رقابة رعناء .
وشائعات السوء سريعة الانتشار عادة ، أما الشائعة البريئة والهادفة التي تضع التوجيه الأخلاقي في قالب الطرفة والترفيه المنشط ، فإنها بطيئة الانتشار.
وقال الشاعر عبد اللطيف النشار :
خبر الشر مجنح يركب الجو ويسبح
خبر الخير بطـــــيء السير يمشي يترنح
والموقف الإسلامي من هذه شائعات السوء ، ونشر أخبار الجريمة ، موقف واضح وصريح، فهو يرفض تلك الشائعات رفضاً قاطعاً .
رقابة الشائعات :
1ـ التأكد من شخصية الناقل للشائعة : كما جاء في قوله تبارك وتعالى :
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( ) .
وهكذا وضع الإسلام حاجزاً قوياً في وجه تيار الشائعات الضارة بصالح المجتمع الإسلامي، فهو لا يبدأ كغيره بالتأكد من موضوع الشائعة ، بل يبدأ بالتأكد من شخصية ناقلها ، فالمصدر أهم من بضاعته التي يصدرها ، وربما كان الدافع لهذه الشائعة إتاحة الفرصة لشخصية ضعيفة أو ذات أهمية قليلة من الناحية الاجتماعية أو السياسية أن تتوطد وتزداد أهمية وقيمة .
2 ـ تشكيل عيادات للشائعات : هذه العيادات يوجهها مجلس ،كأن يتألف من جامعيين ورجال أعمال وصحفيين ، ولجنة تكلف بالكشف عن الشائعات المسموعة ، فتؤخذ هذه الشائعات وتنشر مجدداً ويعلق عليها ، ويبطل مفعولها ، وذلك كل أسبوع في مقال يظهر في الصحيفة المحلية.
3 ـ سخاء الأجهزة الرسمية ببث معلومات تفصيلية ، قادر على أن يقضي على بذور الشائعات ، وينبغي لهذه المعلومات أن تكون سهلة المنال ، وبمقدور الناس أن يطَّلعوا عليها بسهولة ، لذا ينصح بالإكثار من البث المعزز لوسائل الإعلام الجماهيرية.
4 ـ تجهيز حملة ضد نقل الشائعات ، وذلك بوصفها أداة ماكرة في دعاية العدو ، تتوخى تحطيم الروح المعنوية بنشر أنباء تثير الذعر( عمل الطابور الخامس )( ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والهوامش :
1 ـ الحجرات : 13 .
2 ـ البقرة : 213 .
3 ـ الروم : 22.
4 ـ رواه البخاري في كتاب الأدب باب قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين برقم : / 5629 ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب برقم : / 4721 / والترمذي في كتاب البر والصلة عن رسول الله باب ما جاء في الصدق والكذب برقم : / 1894 / وأبو داود في كتاب الأدب باب في التشديد في الكذب برقم : / 4337 / وأحمد في مسند عبد الله بن مسعود برقم : / 3456 / .
5 ـ رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام والنبوة برقم : / 2723 / ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام برقم : / 3322 / وأحمد في مسند عبد الله بن عباس برقم : / 2252 / .
6 ـ رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب وأنذر عشيرتك الأقربين برقم : / 4397 / ومسلم في كتاب الإيمان باب في قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين برقم : / 307 / .
7 ـ الأنعام : 34 .
8 ـ رواه الترمذي في كتاب الفتن عن رسول الله باب ما جاء في النهي عن سب الرياح برقم : / 2180 / وابن ماجه في كتاب الفتن باب قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم برقم : / 4006 / وأحمد في مسند حذيفة بن اليمان برقم ك / 22347 / .
9 ـ البقرة : 159 .
10 ـ البخاري في كتاب العلم باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا برقم : / 124 / .
11 ـ انظر الشائعات والضبط الاجتماعي د. محمود أبو زيد ـ طبعة القاهرة 1980 م.
12 ـ انظر الشائعات ، د. ميشال لويس روكيت ، ترجمة : وجيه أسعد ، الطبعة الأولى 1994 ، دمشق ـ دار البشائر :13 .
13 ـ انظر في نظرات في علم الإعلام الإسلامي ، إعداد نادر شرابي ، دمشق ، الحلقة السابعة .
14 ـ النور : 19 .
15 ـ قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني ولا يحضرني الآن حال إسناده : 3 / 138 .
16 ـ انظر بحوث في الإعلام الإسلامي د. محمد فريد عزة ـ جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
17 ـ آل عمران : 99 .
18 ـ آل عمران : 100.
19 ـ عمرة القضاء : كان في ذي القعدة سنة سبع ، قال ابن إسحاق : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر ، أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجباً وشعبان وشهر رمضان وشوالاً ، يبعث فيما بين ذلك من غزوة وسراياه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء ، مكان عمرته التي صدوه عنها .
20 ـ النساء : 123 .
21 ـ كما حدث مع نعيم بن مسعود في غزوة الخندق أتى رسول الله ، فقال : يا رسول الله: إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ؛فقال رسول الله : إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة .
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديماً في الجاهلية ، فقال : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت ، لست عندنا بمتهم ؛ فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تحَولوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونسائهم بغيره ، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهَزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رُهُناً من أشرافهم ، يكونوا بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه ؛ فقالوا له : لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشاً ، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً ، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقاً أن أبلغكموه ، نصحاً لكم ، فاكتموا عني ؛ فقالوا : نفعل ؛ قال : تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه إنَّا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين ، من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم ، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم : أن نعم . فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً .
م خرج حتى أتى غطفان ، فقال : يا معشر غطفان ، إنكم أصلي وعشيرتي ، وأحب الناس إلي ، ولا أراكم تتهموني ؛ قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمهتم ؛ قال : فاكتموا عني ؛ قالوا : نفعل ، فما أمرك ؟ ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم ما أنزل الله بالمشركين .
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس ، وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ، في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً ، ونفرغ مما بيننا وبينه ؛ فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً ، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً ، فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب ، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة لنا بذلك منه . فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى بني قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ؛ فقالت بنو قريظة : حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم . وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم ، فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً ؛ فأبوا عليهم ، وخذَّل الله بينهم ، وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدورهم ، وتطرح أبنتيهم .اهـ انظر سيرة النبي لابن إسحاق تهذيب ابن هشام تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الاتحاد العربي للطباعة ، 1971م : 3 / 712 .
22 ـ السلطعون : أو السرطان هو حيوان مائي من القشريات الرخوة من رتبة عشاريات الأقدام ذو بطن صغير ملتف تحت جسمه, وذبل (أو درع) قرني مسطح, وقرون استشعار قصيرة، وللسرطان خمسة أزواج من الأقدام, واثنا عشر فكاً, وعينان قابلتان للانكماش داخل الذبل، معظم السراطين بحري, وبعضها نهري أو بري، وهي تقتات بالقمامة غالباً، ومن مزاياها أنها تتحرك على نحو جانبي وإن يكن في ميسورها التحرك في أي اتجاه، وهي تصطاد لقيمتها الغذائية.
23 ـ انظر سيرة النبي لابن إسحاق تهذيب ابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، 1971 : 3 / 601 .
24 ـ انظر المعجم الكبير للطبراني : 7 / 23 برقم : / 6263 / وفي الأوسط : 7 / 209 برقم : / 7291 / .
25 ـ انظر سيرة النبي لابن إسحاق تهذيب ابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، 1971 : 3 / 760 .
26 ـ النور : 11.
27 ـ انظر بحوث في الإعلام الإسلامي د. محمد فريد عزة ـ جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
28 ـ الحجرات : 6 .
29 ـ الرتل الخامس أو الطابور الخامس : جماعة من أنصار العدو السريين يقومون بأعمال التجسس أو التخريب ضمن خطوط الدفاع أو حدود البلاد ، استخدم التعبير أول ما استخدم عام 1936 خلال الحرب الأهلية الإسبانية ، وقد قصد به آنذاك بعض مؤيدي الجنرال ( فرانكو) المتواجدين في مدريد الخاضعة لسيطرة الحكومة الجمهورية ، والذين كان يتوقع منهم أن يثوروا على تلك الحكومة ، حالما تصبح فرق ( فرانكو ) العسكرية الأربع ( أو طوابيره الأربعة ) الزاحفة لاحتلال العاصمة ، على مقربة دانية منها . اهـ موسوعة المورد الحديثة 1995.
الإعلام الإسلامي يفوق على ما يعرف اليوم بالإعلام الدولي المعاصر الذي يعاني من الاحتكاك والصراع الدولي وربما أدى هذا الصراع إلى الحرب والدمار ، ويغلب عليها طابع الحرب النفسية وتحطيم الروح المعنوية لدى الشعوب الأخرى ، على نحو ما يعرف اليوم من دلالات المصطلحات التي شاعت في عصرنا ـ وإن كان بعضها قد زال أو بدأ في الزوال ـ كالحرب الباردة والحرب الأيدلوجية وحرب الأعصاب والحرب السياسية وحرب القوة الفكرية وغير ذلك ، أما الإعلام الإسلامي فقد أرسى قواعده على أساس الخير الشامل ، وأكد على الاتصال والتفاهم بين الأمم والشعوب فقال الله تعالى :
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ( ).
فالإعلام الإسلامي أشمل من الإعلام الدولي بالمصطلح الاتصالي الحديث لأنه يؤكد أن الإنسانية كلها أمة واحدة فقال تعالى : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( )
من هنا نعلم أن الإعلام الإسلامي يقوم على أساس من صلة الرحم بين بني الإنسان ، وعلى أساس من التعارف والمودة والمساواة والعدالة وإقرار السلام لا العداوة والبغضاء ، على نحو ما نعرفه عن الغارة الإنجليزية على ( برلين ) أثناء إلقاء الوزير ( جورنج ) خطاباً له من الإذاعة ، إذ كانت أصوات القنابل الإنجليزية وهي تنفجر في سماء ( برلين ) تكذب ما كان يزعمه ( جورنج ) من أن سماء برلين لا يمكن أن تقهر ، فالإعلام الدولي المعاصر مفهوم متدهور للإعلام لا يرمي إلى الإقناع بقدر ما يرمي إلى انتهاك حقوق الإنسان ، فأصبح الإعلام الدولي يجعل الإنسان يعيش في فراغ وضياع ، وبذلك يتجاوز الإعلام الإسلامي الإعلام الدولي المعاصر إلى الإعلام الإنساني الشامل ، لأنه ينهل من الأخلاق المثلى التي وضعها الإسلام لتحقيق الخير المحض في كل زمان ومكان ، وإن اختلف الناس أجناساً وقبائل ، فقال الله تعالى : ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ( )
والصدق مبدأ أساسي للإعلام الإسلامي ، ومن هنا كانت أهم صفة اشتهر بها النبي هي صفة ( الصادق الأمين ).
وقال رسول الله (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )) ( ).
ولما سأل ( هرقل ) أبا سفيان ـ ولم يكن قد أسلم بعد ـ عن رسول الله محمد قائلاً : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟
أجابه : لا
فقال هرقل : أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله ؟!( )
وهرقل هنا يمثل دور المستقبل الذي يشترط الصدق في المصدر ، وكان النبي يؤكد على هذا المعنى الاتصالي في بدء الدعوة حينما قال للناس : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ؟
قالوا : نعم ما جرَّبنا عليك إلا صدقاً ))( ) .
ولا شك في أن ظهور أثر الصدق في القائم بالإعلام الإسلامي يؤثر في الجمهور المتلقي ويحمله ذلك على قبول رسالته الإعلامية واحترامها.
والصبر والثبات أيضاً من أهم صفات الإعلامي المسلم ، لأن الإعلاميين والدعاة مبتلون بأذى الكفار والمارقين بالقول والكيد ، قال الله تعالى : ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ( ) .
فالصبر والثبات هما عدة الإعلاميين والدعاة في الإسلام ، وعليهم أن يقابلوا هذا الأذى بالصبر الجميل لا بالجزع ، وبالثبات لا بالفرار ، وإذا كان الإعلامي المسلم قادراً على توقي الأذى ، فعليه أن يتوقاه حسب الظروف والأحوال ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلّ نَفْسَهُ قالوا: وكَيْفَ يُذِلّ نَفْسَهُ؟ قال: يَتَعَرّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لا يُطِيقُ ))( ).
ولما هاجر المسلمون من مكة إلى الحبشة فراراً بدينهم وتخلصاً من أذى قريش ، دل ذلك على جواز دفع البلاء والأذى وعدم الاستسلام له ، لأن نفس المسلم ليست ملكه وإنما هي ملك الله فلا يجوز إتلافها بلا فائدة تعود إلى الإسلام .
ومن صفات الإعلام الإسلامي أنه إعلام علني عام للبشر جميعاً ، إذ ليس في الإسلام إعلام سري أو نصف سري قال الله تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( ) .
ومن صفات الإعلام الإسلامي مخاطبة الناس على قدر عقولهم ، وعدم الاستخفاف بعقول الناس واحترامهم بلا مَلَق ولا إسفاف في النقاش ، وإنما الجدال بالتي هي أحسن واحترام الرأي الآخر وعدم الاستهانة به ، وذلك سبيلاً للإقناع والاقتناع ، قال علي كرم الله وجهه : (( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكَذَّبَ الله ورسوله )) ( ).
ومن واجب الإعلاميين المسلمين كشف الزيف والكذب والافتراء على الإسلام والمسلمين بكل الوسائل المتاحة كالقنوات الفضائية وإصدار الكتب والمجلات والجرائد باللغات المختلفة حتى نحدَّ من إعلام العدو المخادع والكاذب .
أما الشائعات ودور الإعلام الإسلامي في مقاومتها :
فما الشائعة ؟ وماذا يقصد بالشائعة ؟ وكيف نقاوم الشائعات ؟
الشائعة لغة :
قال في المعجم الوسيط : خبر ينتشر دون تثبت من صحة وقوعه .
واصطلاحاً :
إن للباحثين وجهات نظر متباينة في تعريف الشائعات :
قال الدكتور محمود أبو زيد : الشائعة محض اختلاق يتناوله الناس من مصدر لا أساس له من الواقع ( ).
وقال الدكتور إبراهيم الإمام : تنطلق الشائعة من انتزاع خبر أو معلومة معينة ، والتهويل من شأنها ، بربطها بالأحداث والعُرف والقيَم السائدة .
وقال ( ألبور وبوتسمان ) : تأكيد عام يعرض بوصفه حقيقة دون أن توجد معطيات مشخصة تتيح التثبت من صحته.
وقال (كناب ) : تصريح أُعدَّ ليصدق ، ذو علاقة بالأحداث الراهنة ، وينتشر دون التحقق من صحته رسمياً.
ويلاحظ ( بيترسون وجيست ) : أن مفهوم الشائعة في معناه الرائج يدل على تقرير أو شرح غير محققين ، ينتقلان من شخص إلى شخص ، ولهما علاقة بموضوع ، أو حدث أو مسألة تلقى اهتماماً عاماً ( ).
ويتفاقم خطر الإشاعة بالانضمام إليها والدفاع عنها ، فيصبح لها أنصار ومروِّجون ، وليست كل شائعة سيئة ، ولكن أخطر ما في إشاعة السوء ، سرعة انتشارها بالتناقل الشفوي ، إذ أنها تهدف لإحداث تأثير معنوي في الآخرين لتحقيق غرض معيَّن ، ويلجأ المروِّجون إلى تحريف المصادر ، أو المبالغة في حجمها ، بقصد أو بدون قصد.
والشائعات غير القصدية والتي تعتمد على العفوية وحسن النية ، أشد خطورة لسهولة انتشارها ، فتسري كالنار في الهشيم ، ولذلك نجد دعاة السوء يسخرون بنشر شائعاتهم القصدية ، أناساً بسطاء بعيدين عن الشك بهم ، فتثق العامة بهم ، ولا تقبل انتقاصاً من قدرهم .
وطائفة أخرى تعمل على ترويج الشائعات في عالم الاقتصاد والمعيشة ، ويبدو الأمر يسيراً إذا اقتصر على الباعة والمنتجين ، حين يدَّعون أن بضاعتهم غير مزجاة ، وأن زيتهم صاف وليس كغيره من الزيوت العكرة ، وحسبك الإعلانات التجارية والصناعية التي تبث عبر الشاشة الصغيرة ، فتنطلق بها ألسنة الصغار والكبار.
وطائفة ثالثة تعمل على إشاعة الأوهام الاجتماعية والسياسية بواسطة الصحافة والرسوم المرنة ( الكاريكاتيرية ) الساخرة ، والتي تبلغ حدَّ السلاح في المعارك ، وما زال جيل بين أظهرنا يذكر دَوْر الصحف الساخرة كالمضحك المبكي في سوريا ، والبعكولة في مصر الشقيقة ( ).
أما وسائل نقل الشائعات ، فأقواها الكلمة ، ثم الحركة ، ولها في معظم الأحيان وقع أشد من الكلمة ، كحركات النفي القاطع ، والبناء الجازم ، والتهديد والوعيد والخبر السعيد .
ولا تعجبوا فلكل جارحة لغة ، ولكل تعبير لسان ، وللعيون لغات ، وأكثر الإشاعات سيئة خطيرة ، وأخطرها وأفظعها إشاعة السوء لذلك حرم الإسلام إشاعات السوء.
فقال الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( ) .
وقال النبي : (( أيـما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء سبه بـها في الدنيا كان حقاً على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ
ما قال ))( ) .
والشائعات على ثلاثة أنواع ( ):
1ـ شائعات الرغبة أو شائعات الأحلام والأماني ، كان المرجفون والحاقدون والحالمون بالجاه والسلطة والمجد الزائف، وأصحاب الأماني ، يروجون بالشائعات للحط من قدْر من يقاوم باطلهم ، وللإيقاع بينهم ، فمن شائعات الوقيعة بين الأمة ، ما فعله ( شاس بن قيس اليهودي ) وكان شديد الطعن على المسلمين، شديد الحسد لهم، مرّ يوماً على الأنصار الأوس والخزرج وهم مجتمعون يتحدثون ، فغاظه ما رأى من ألفتهم بعد ما كان بينهم من العداوة، فقال: قد اجتمع بنو قيلة ، واللّه ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، فأمر فتى شاباً من اليهود فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم اذكر يوم بعاث ـ أي الحرب الذي كان بينهم وما كان فيه ـ وأنشدهم ما كانوا يتقاولون به من الأشعار، ففعل فتكلم القوم عند ذلك ، وذكر كلٌّ أقوال شاعرهم ، وتنازعوا وتواعدوا على المقاتلة ، فنادى هؤلاء يا آل الأوس ، ونادى هؤلاء يا آل الخزرج ، ثم خرجوا للحرب وقد أخذوا السلاح واصطفوا للقتال.
فلما بلغ الخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إليهم فيمن كان معه من المهاجرين، فقال يا معشر المسلمين اللّه اللّه ؟ اتقوا اللّه، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم اللّه إلى الإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم، فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فبكوا وعانق الرجال من الأوس ، الرجال من الخزرج ، ثم انصرفوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأنزل اللّه تعالى في شاس بن قيس اليهودي:
ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّنَ عَنْ سَبِيلِ اللّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً ( ) .
وأنزل اللّه في الأنصار :
يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَامِكُمْ كَافِرِين ( )
وكذلك الإشاعة التي أشاعها المشركون بين المسلمين ( المهاجرين إلى الحبشة ) من تحسين الأحوال ، والمصالحة بين المشركين والمسلمين في مكة زوراً وبهتاناً ، وما أشاعوه في
( عمرة القضاء )( ) من ضعف المسلمين وهزالهم ، فأمرهم النبي بالهرولة في السعي والطواف ، إظهاراً للقوة ،وكان أعداء النبي يحلمون بالقضاء على النبي وأصحابه ، كأبي جهل وعتبة بن ربيعة ، وبعضهم كان يحلم بالسلطة كابن أبي سلول، وكان الردُّ الإلهي حاسماً جازماً .
قال الله تعالى : لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ( ) .
وهكذا ظل المشركون يروِّجون أخطر الشائعات لمحاربة الإسلام والمسلمين .
وإذا لم تكن شائعات الأحلام ضارة فهي غير سارة ، إذ تدخل في بوتقة الحرب النفسية ، وهذا ما تعالجه اليوم أجهزة التوجيه المعنوي في العالم.
والإعلام الإسلامي ـ فيما عدا حالة الحرب وإرهاب العدو وإضعاف معنوياته بالحرب النفسية ( ) ـ يسلك طريقاً وسطاً فهو لا يخدع ولا ينخدع ، ولا حاجة له إلى سلوك أي نوع من تلك الشائعات ، فالإسلام لا يخاف ولا يحقد ولا يحلم برزق تمطره السماء ذهباً ولا فضة .
والإعلام الإسلامي لا يشهِّر بالناس ولا يحقرهم ولا يفضح أحداً ، ولو كان عدواً ، أرأيت كيف ستر النبي على المنافقين ، هذا هو الإعلام الإسلامي القويم.
2 ـ شائعات الخوف أو القلق: وهي أخطرها ،ويمكنها أن تتراوح بين القلق الخفيف والذعر الكامل ، مثال ذلك : ( يقال بأن لحم السلطعون( ) الذي يعلبه اليابانيون يحتوي على ديدان مهروسة ) أو ( ستقصف مدينتنا بالقنابل غداً ) .
ونجد أمثلتها أيضاً في أحداث غزوة أحد ، فقد لجأ المشركون إلى إشاعة الخوف في صفوف المسلمين باختلاق نبأ وفاة النبي ، وكاد هذا النبأ أن يستشري وينتشر لولا أن كعب بن مالك شاهد رسول الله بنفسه يصول ويجول وسط المعركة ، وعيناه تزهران من تحت المغفر( ).
وكذلك إشاعة مقتل عثمان بن عفان في بيعة الرضوان ، ولما لم يكن قتله محققاً فقد بايع النبي عنه على تقدير حياته ، وفي ذلك إشارة إلى أن عثمان لم يقتل ، وإنما بايع القوم أخذاً بثأر عثمان جرياً على ظاهر الإشاعة ، تثبيتاً وتقوية لأولئك القوم ، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال : اللهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك ( ).
3 ـ شائعات العدوان أو شائعات الحقد والكراهية : وأمثلتها كثيرة أوضحها ما افترته قريش على النبي وأصحابه ، وما فجَّرت عليهم من مراجل الحقد الدفين والكراهية العمياء ، فتناولوا شخصية رسول الله باتهامات كاذبة ، وافتراءات حاقدة ، وشائعات جائرة ، وما أشاعوه بعد توزيع غنائم هوازن أكبر دليل على ذلك ،حاولوا أن يذيعوا نبأ عزم النبي على البقاء في مكة المكرمة ، وعدم العودة مع الأنصار ، ولما ظهر زيف هذه الشائعة ، وتكشفت الحقائق ، وزهق الباطل ، لجئوا إلى ترويج شائعة أكثر خبثاً مفادها : الطعن في أمانته ، وأنه جمع الغنائم فوزعها على المؤلفة قلوبهم، وحرم الأنصار منها ، من أجل أن يوقعوا بين النبي وبين الأنصار من الأوس والخزرج ، فتناول النبي هذه الشائعات وهذا البهتان بالحجة والبرهان وبما أوتي من حكمة النبوة ، حتى عادت القلوب إلى صوابها وصفائها .
وكذلك ما تصرف به في القضاء على الأوضاع الخاطئة التي نتجت عن عصبية أثارها سنان الجهني الأنصاري حين صاح : يا للأنصار ، وصاح جهجاه المهاجر : ياللمهاجرين، فكان ردُّ المصطفى عملياً وحكيماً ، لاستجابتهم لشائعة ابن أبي سلول الخبيثة ، فقد مشى بهم النبي يوماً وليلة حتى أنهكتهم الشمس ،ثم نـزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياماً ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس ، من شائعة عبدالله بن أبي بن سلول ( ).
ثم لم يلبثوا أن فجَّروا حادثة الإفك الظالمة والمبهتة ، اتهموا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في شرفها ظلماً وعدواناً لينالوا من قدْر النبوة وسمعة النبي ودينه الحنيف
قال الله تبارك وتعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ( ) .
عوامل رواج الشائعات :
1ـ أهمية الموضوع عند الناقل والمنقول إليه وهما قطبا العملية الترويجية.
2 ـ درجة الوضوح أو الغموض المحيط بموضوع الإشاعة ذاتها ، وتكون العلاقة طردية إذا ارتفعت درجة الموضوع من الوضوح مع أهميته ، كما تكون عكسية كلما ارتفع مستوى أحد العاملين وانخفض الآخر( ).
3 ـ مدى التطابق بين موضوع الشائعة وقانون الاهتمام الفكري أو العاطفي للأفراد والجماعات ، فالرجال أكثر تصديقاً لشائعات الغلاء ، والنساء أكثر تجاوباً مع ما يذاع عن الأزياء ، وقس على ذلك فئات المجتمع من عمال وموظفين وتجار وحرفيين وأدباء وغيرهم.
4 ـ مقدار الثقة بالناقلين تبعاً للصداقة والتآلف معهم ، فالنتيجة طردية في المودة ، وعكسية في الكراهية .
موقف الإعلام الإسلامي من شائعات السوء :
ظهور الشائعات ينجم في الواقع من عدة عوامل منها : الإعلام غير المشبع ، وصعوبة الوصول المباشر إلى مصادر الإعلام ، وفقدان الثقة ، أو وجود رقابة رعناء .
وشائعات السوء سريعة الانتشار عادة ، أما الشائعة البريئة والهادفة التي تضع التوجيه الأخلاقي في قالب الطرفة والترفيه المنشط ، فإنها بطيئة الانتشار.
وقال الشاعر عبد اللطيف النشار :
خبر الشر مجنح يركب الجو ويسبح
خبر الخير بطـــــيء السير يمشي يترنح
والموقف الإسلامي من هذه شائعات السوء ، ونشر أخبار الجريمة ، موقف واضح وصريح، فهو يرفض تلك الشائعات رفضاً قاطعاً .
رقابة الشائعات :
1ـ التأكد من شخصية الناقل للشائعة : كما جاء في قوله تبارك وتعالى :
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( ) .
وهكذا وضع الإسلام حاجزاً قوياً في وجه تيار الشائعات الضارة بصالح المجتمع الإسلامي، فهو لا يبدأ كغيره بالتأكد من موضوع الشائعة ، بل يبدأ بالتأكد من شخصية ناقلها ، فالمصدر أهم من بضاعته التي يصدرها ، وربما كان الدافع لهذه الشائعة إتاحة الفرصة لشخصية ضعيفة أو ذات أهمية قليلة من الناحية الاجتماعية أو السياسية أن تتوطد وتزداد أهمية وقيمة .
2 ـ تشكيل عيادات للشائعات : هذه العيادات يوجهها مجلس ،كأن يتألف من جامعيين ورجال أعمال وصحفيين ، ولجنة تكلف بالكشف عن الشائعات المسموعة ، فتؤخذ هذه الشائعات وتنشر مجدداً ويعلق عليها ، ويبطل مفعولها ، وذلك كل أسبوع في مقال يظهر في الصحيفة المحلية.
3 ـ سخاء الأجهزة الرسمية ببث معلومات تفصيلية ، قادر على أن يقضي على بذور الشائعات ، وينبغي لهذه المعلومات أن تكون سهلة المنال ، وبمقدور الناس أن يطَّلعوا عليها بسهولة ، لذا ينصح بالإكثار من البث المعزز لوسائل الإعلام الجماهيرية.
4 ـ تجهيز حملة ضد نقل الشائعات ، وذلك بوصفها أداة ماكرة في دعاية العدو ، تتوخى تحطيم الروح المعنوية بنشر أنباء تثير الذعر( عمل الطابور الخامس )( ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والهوامش :
1 ـ الحجرات : 13 .
2 ـ البقرة : 213 .
3 ـ الروم : 22.
4 ـ رواه البخاري في كتاب الأدب باب قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين برقم : / 5629 ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب برقم : / 4721 / والترمذي في كتاب البر والصلة عن رسول الله باب ما جاء في الصدق والكذب برقم : / 1894 / وأبو داود في كتاب الأدب باب في التشديد في الكذب برقم : / 4337 / وأحمد في مسند عبد الله بن مسعود برقم : / 3456 / .
5 ـ رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام والنبوة برقم : / 2723 / ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام برقم : / 3322 / وأحمد في مسند عبد الله بن عباس برقم : / 2252 / .
6 ـ رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب وأنذر عشيرتك الأقربين برقم : / 4397 / ومسلم في كتاب الإيمان باب في قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين برقم : / 307 / .
7 ـ الأنعام : 34 .
8 ـ رواه الترمذي في كتاب الفتن عن رسول الله باب ما جاء في النهي عن سب الرياح برقم : / 2180 / وابن ماجه في كتاب الفتن باب قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم برقم : / 4006 / وأحمد في مسند حذيفة بن اليمان برقم ك / 22347 / .
9 ـ البقرة : 159 .
10 ـ البخاري في كتاب العلم باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا برقم : / 124 / .
11 ـ انظر الشائعات والضبط الاجتماعي د. محمود أبو زيد ـ طبعة القاهرة 1980 م.
12 ـ انظر الشائعات ، د. ميشال لويس روكيت ، ترجمة : وجيه أسعد ، الطبعة الأولى 1994 ، دمشق ـ دار البشائر :13 .
13 ـ انظر في نظرات في علم الإعلام الإسلامي ، إعداد نادر شرابي ، دمشق ، الحلقة السابعة .
14 ـ النور : 19 .
15 ـ قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني ولا يحضرني الآن حال إسناده : 3 / 138 .
16 ـ انظر بحوث في الإعلام الإسلامي د. محمد فريد عزة ـ جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
17 ـ آل عمران : 99 .
18 ـ آل عمران : 100.
19 ـ عمرة القضاء : كان في ذي القعدة سنة سبع ، قال ابن إسحاق : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر ، أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجباً وشعبان وشهر رمضان وشوالاً ، يبعث فيما بين ذلك من غزوة وسراياه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء ، مكان عمرته التي صدوه عنها .
20 ـ النساء : 123 .
21 ـ كما حدث مع نعيم بن مسعود في غزوة الخندق أتى رسول الله ، فقال : يا رسول الله: إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ؛فقال رسول الله : إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة .
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديماً في الجاهلية ، فقال : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت ، لست عندنا بمتهم ؛ فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تحَولوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونسائهم بغيره ، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهَزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رُهُناً من أشرافهم ، يكونوا بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه ؛ فقالوا له : لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشاً ، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً ، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقاً أن أبلغكموه ، نصحاً لكم ، فاكتموا عني ؛ فقالوا : نفعل ؛ قال : تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه إنَّا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين ، من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم ، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم : أن نعم . فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً .
م خرج حتى أتى غطفان ، فقال : يا معشر غطفان ، إنكم أصلي وعشيرتي ، وأحب الناس إلي ، ولا أراكم تتهموني ؛ قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمهتم ؛ قال : فاكتموا عني ؛ قالوا : نفعل ، فما أمرك ؟ ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم ما أنزل الله بالمشركين .
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس ، وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ، في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً ، ونفرغ مما بيننا وبينه ؛ فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً ، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً ، فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب ، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة لنا بذلك منه . فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى بني قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ؛ فقالت بنو قريظة : حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم . وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم ، فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً ؛ فأبوا عليهم ، وخذَّل الله بينهم ، وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدورهم ، وتطرح أبنتيهم .اهـ انظر سيرة النبي لابن إسحاق تهذيب ابن هشام تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الاتحاد العربي للطباعة ، 1971م : 3 / 712 .
22 ـ السلطعون : أو السرطان هو حيوان مائي من القشريات الرخوة من رتبة عشاريات الأقدام ذو بطن صغير ملتف تحت جسمه, وذبل (أو درع) قرني مسطح, وقرون استشعار قصيرة، وللسرطان خمسة أزواج من الأقدام, واثنا عشر فكاً, وعينان قابلتان للانكماش داخل الذبل، معظم السراطين بحري, وبعضها نهري أو بري، وهي تقتات بالقمامة غالباً، ومن مزاياها أنها تتحرك على نحو جانبي وإن يكن في ميسورها التحرك في أي اتجاه، وهي تصطاد لقيمتها الغذائية.
23 ـ انظر سيرة النبي لابن إسحاق تهذيب ابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، 1971 : 3 / 601 .
24 ـ انظر المعجم الكبير للطبراني : 7 / 23 برقم : / 6263 / وفي الأوسط : 7 / 209 برقم : / 7291 / .
25 ـ انظر سيرة النبي لابن إسحاق تهذيب ابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، 1971 : 3 / 760 .
26 ـ النور : 11.
27 ـ انظر بحوث في الإعلام الإسلامي د. محمد فريد عزة ـ جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
28 ـ الحجرات : 6 .
29 ـ الرتل الخامس أو الطابور الخامس : جماعة من أنصار العدو السريين يقومون بأعمال التجسس أو التخريب ضمن خطوط الدفاع أو حدود البلاد ، استخدم التعبير أول ما استخدم عام 1936 خلال الحرب الأهلية الإسبانية ، وقد قصد به آنذاك بعض مؤيدي الجنرال ( فرانكو) المتواجدين في مدريد الخاضعة لسيطرة الحكومة الجمهورية ، والذين كان يتوقع منهم أن يثوروا على تلك الحكومة ، حالما تصبح فرق ( فرانكو ) العسكرية الأربع ( أو طوابيره الأربعة ) الزاحفة لاحتلال العاصمة ، على مقربة دانية منها . اهـ موسوعة المورد الحديثة 1995.