محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الإعلام ببعض فوائد حديث : قل لي في الإسلام
عَنْ أَبِي عَمْرٍو - وقيل : أَبِي عَمْرَةَ - سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ ؛ قَالَ : " قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ، ثُمَّ اسْتَقِمْ ".
رواه أحمد : 3 / 413 ، 4 / 384 ، ومسلم ( 38 ) ؛ والترمذي ( 2410 ) ، والنسائي في الكبرى ( 11489 ) ، وابن ماجة ( 3972 ) ؛ ولفظ الترمذي وابن ماجة : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ ؛ قَالَ : " قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ، ثُمَّ اسْتَقِمْ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ : " هَذَا " .
هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام ، من حيث أنه شمل أمور الاعتقاد وأمور الظاهر والباطن ، أعمال القلوب وأعمال الجوارح ، وشمل الحث على الثبات على هذه الطاعات ، فهذه الوصية صارت إذن وصية جامعة ، وما أعظمها من وصية .
فمعنى قوله : قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ؛ أي : علمني قولاً جامعًا لمعاني الإسلام ، واضحًا في نفسه ، بحيث لا يحتاج إلى تفسير غيرك ؛ أعمل عليه وأتقي به فأجابه e بقوله : " قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ " ؛ قال ابن رجب - رحمه الله : والاستقامة : هي سلوكُ الصِّراط المستقيم ، وهو الدِّينُ القيِّم من غير تعريج عنه يَمنةً ولا يَسرةً ، ويشمل ذلك فعلَ الطَّاعات كلِّها ، الظاهرة والباطنة ، وتركَ المنهيات كُلِّها كذلك ، فصارت هذه الوصيةُ جامعةً لخصال الدِّين كُلِّها ( [1] ) ؛ فالاستقامة لَفْظٌ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَمْرًا أَوْ فَعَلَ نَهْيًا فَقَدْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ حَتَّى يَتُوبَ .
فهذا من بدائع جوامع الكلم التي أوتيها e ، فإنه جمع لهذا السائل في هاتين الكلمتين معاني الإسلام والإيمان كلها ؛ فإنه أمره أن يجدد إيمانه بلسانه متذكرًا بقلبه ، وأمره أن يستقيم على أعمال الطاعات والانتهاء عن جميع المخالفات ، إذ لا تتأتى الاستقامة مع شيء من الإعوجاج ، فإنها ضده ؛ وهذا منتزع من قوله U: ] إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اِسْتَقَامُوا [ [ فصلت : 30 ، الأحقاف : 13 ] ، أي : آمنوا بالله وحده ، ثم استقاموا على ذلك وعلى الطاعة إلى أن توفاهم الله عليها ؛ قال عمر بن الخطاب t : استقاموا والله لله على طاعته ولم يروغوا روغان الثعالب ( [2] ) ؛ ومعناه : اعتدلوا على أكثر طاعة لله اعتقادًا وقولاً وفعلاً ؛ وداموا على ذلك .
وفي قوله U : ] فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ [ [ فصلت : 6 ] ، إشارةٌ إلى أنَّه لابُدَّ من تقصيرٍ في الاستقامة المأمور بها ، فيُجبَرُ ذلك بالاستغفار المقتضي للتَّوبة والرُّجوع إلى الاستقامة ، فهو كقول النَّبيِّ e لمعاذ : " اتَّقِ الله حيثُما كُنت ، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمحُها " .
قال ابن القيم - رحمه الله : والمطلوب من العبد الاستقامة وهي السداد ، فإن لم يقدر عليها فالمقاربة ، فإن نزل عنها فالتفريط والإضاعة ؛ كما في صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t عن النبي e قَالَ : " قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْتَ ؟ قَالَ : " وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ " ( [3] ) ؛ فجمع في هذا الحديث مقامات الدين كلها ، فأمر بالاستقامة وهي السداد والإصابة في النيات والأقوال والأعمال ؛ وأخبر في حديث ثوبان ( [4] ) أنهم لا يطيقونها فنقلهم إلى المقاربة ، وهي أن يقربوا من الاستقامة بحسب طاقتهم ، كالذي يرمي إلى الغرض فإن لم يصبه يقاربه ، ومع هذا فأخبرهم أن الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة ، فلا يركن أحد إلى عمله ولا يعجب به ، ولا يرى أن نجاته به ، بل إنما نجاته برحمة الله وعفوه وفضله .
فالاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين ، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء بالعهد ؛ والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات ؛ فالاستقامة فيها : وقوعها لله وبالله وعلى أمر الله ( [5] ) ... اللهم اجعلنا ممن يقول آمنت بالله ثم يستقيم .. آميييييين .
[1] - انظر جامع العلوم ص 205 .
[2] - رواه ابن المبارك في الزهد ( 325 ) ، ومن طريقه ابن جرير في تفسيره : 24 / 73 .
[3] - مسلم ( 2816 ) ، ورواه - أيضًا - البخاري ( 5673 ، 6463 ) عن أبي هريرة ؛ ورواه بنحوه البخاري ( 6464 ) ، ومسلم ( 2818 ) ، عن عائشة رضي الله عنها .
[4] - روى أحمد : 5/ 276 ، 280 ، وابن ماجه ( 277 ) عن ثوبانَ عن النَّبيِّ e قال : "اسْتَقِيمُوا وَلَنْتُحْصُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ " ، وفي روايةٍ لأحمد : "سَدِّدواوقاربوا ، ولايحافظُ على الوضوء إلاَّمؤمن".
[5] - انظر مدارج السالكين : 2 / 105 .