د محمد الجبالي
Well-known member
إن قولنا: الإعراب فرع المعنى: تعنى أن النحو فرع المعنى، وابن له، وناتج عنه.
أما قول: المعنى فرع الإعراب: فتعنى غير ذلك، إذ تعنى أن المعنى تابع للنحو، وهذا غير صحيح.
لقد رأى البعض أن المعنى فرع النحو، وقد ساقوا من الحجج ما يؤيد هذا الرأي، ونرد على هؤلاء بحجتين:
الحجة الأولى:
إن اللغة ككل متكامل قد نضجت نضوجا، واستوت استواء، وانتظمت على ألسنة العرب انتظاما، من دون أن يعلموا تلك القواعد النحوية، فكيف يكون المعنى فرعا للإعراب؟!
لقد كان الفيصل عند العرب في نظم اللغة والحَكَم هو الفطرة والسليقة التي تميز الصحيح السليم وتميل إليه، وتنفر وترفض الشاذ السقيم، فلما بلغت اللغة العربية أسمى درجاتها، وأحكم العرب أدواتها، نزل القرآن الكريم بما عجزت عنه قرائح العرب جميعا، فسما باللغة سموا، وارتقى بها ارتقاء.
وبقيت الفطرة والسليقة هي التي تضبط لسان العرب، حتى فشا الإسلام وانتشر، واختلط العرب بالعجم، فَدَبَّ اللَّحْنُ في لسان العرب، فقام للعربية رجال استشعروا عليها الخطر، فنظروا في كلام الله - القرآن الكريم - ثم فيما صَحَّ من حديث رسول الله، ثم في ديوان العرب مما سلف من كلامهم شعرا ونثرا، فاستنبطوا لمن يأتي بعدهم قواعد يضبطون بها لسانهم، إذ لم تعد الفطرة اللغوية سَوِيَّة، ولم تعد السليقة نَقِيَّة، فاحتجنا نحن المتأخرين لقواعد تضبط كلامنا.
ومن هنا نقول: إن المعنى هو الذي ضبط النحو أولا، وهو الذي أقامه، ولو ظلَّت الفطرة العربية، والسليقة العربية على ما كانتا عليه لما احتجنا إلى تقعيد النحو،
فكيف تقولون: إن المعنى فرع الإعراب؟!
لعل الذي دفع القائلين بذلك حاجتنا نحن المتأخرين إلى النحو وقواعده، لنضبط به كلامنا، والمعاني التي نرمي إليها.
ثانيا: حجة أخرى نرد بها على القائلين بأن المعنى فرع الإعراب:
من المعلوم أن المعنى أسبق في الوجود من اللفظ، إذ يقع المعنى في خاطر وذهن الإنسان أولا ثم يسوقه ويعبر عنه لفظا، ولعل المتكلم يجتهد في تقويم وضبط لفظه، ليعبر عن المعنى الذي يريده أفضل تعبير، لكنه حين يُقَوِّم ويضبط إنما يفعل ذلك باللفظ، وليس بالمعنى، فالفكرة قائمة في الذهن، ويبقى التعبير عنها، فإنْ قَصَر عن التعبير عنها، فإنما ذلك يرجع إلى قدرته اللغوية التعبيرية، وليس إلى قصور المعنى.
والله أعلم
بقلم د. محمد الجبالي
أما قول: المعنى فرع الإعراب: فتعنى غير ذلك، إذ تعنى أن المعنى تابع للنحو، وهذا غير صحيح.
لقد رأى البعض أن المعنى فرع النحو، وقد ساقوا من الحجج ما يؤيد هذا الرأي، ونرد على هؤلاء بحجتين:
الحجة الأولى:
إن اللغة ككل متكامل قد نضجت نضوجا، واستوت استواء، وانتظمت على ألسنة العرب انتظاما، من دون أن يعلموا تلك القواعد النحوية، فكيف يكون المعنى فرعا للإعراب؟!
لقد كان الفيصل عند العرب في نظم اللغة والحَكَم هو الفطرة والسليقة التي تميز الصحيح السليم وتميل إليه، وتنفر وترفض الشاذ السقيم، فلما بلغت اللغة العربية أسمى درجاتها، وأحكم العرب أدواتها، نزل القرآن الكريم بما عجزت عنه قرائح العرب جميعا، فسما باللغة سموا، وارتقى بها ارتقاء.
وبقيت الفطرة والسليقة هي التي تضبط لسان العرب، حتى فشا الإسلام وانتشر، واختلط العرب بالعجم، فَدَبَّ اللَّحْنُ في لسان العرب، فقام للعربية رجال استشعروا عليها الخطر، فنظروا في كلام الله - القرآن الكريم - ثم فيما صَحَّ من حديث رسول الله، ثم في ديوان العرب مما سلف من كلامهم شعرا ونثرا، فاستنبطوا لمن يأتي بعدهم قواعد يضبطون بها لسانهم، إذ لم تعد الفطرة اللغوية سَوِيَّة، ولم تعد السليقة نَقِيَّة، فاحتجنا نحن المتأخرين لقواعد تضبط كلامنا.
ومن هنا نقول: إن المعنى هو الذي ضبط النحو أولا، وهو الذي أقامه، ولو ظلَّت الفطرة العربية، والسليقة العربية على ما كانتا عليه لما احتجنا إلى تقعيد النحو،
فكيف تقولون: إن المعنى فرع الإعراب؟!
لعل الذي دفع القائلين بذلك حاجتنا نحن المتأخرين إلى النحو وقواعده، لنضبط به كلامنا، والمعاني التي نرمي إليها.
ثانيا: حجة أخرى نرد بها على القائلين بأن المعنى فرع الإعراب:
من المعلوم أن المعنى أسبق في الوجود من اللفظ، إذ يقع المعنى في خاطر وذهن الإنسان أولا ثم يسوقه ويعبر عنه لفظا، ولعل المتكلم يجتهد في تقويم وضبط لفظه، ليعبر عن المعنى الذي يريده أفضل تعبير، لكنه حين يُقَوِّم ويضبط إنما يفعل ذلك باللفظ، وليس بالمعنى، فالفكرة قائمة في الذهن، ويبقى التعبير عنها، فإنْ قَصَر عن التعبير عنها، فإنما ذلك يرجع إلى قدرته اللغوية التعبيرية، وليس إلى قصور المعنى.
والله أعلم
بقلم د. محمد الجبالي