الإعجاز العلمي في القرآن.. تصويب الاتجاه للكاتب غازي التوبة

إنضم
2 أبريل 2003
المشاركات
1,318
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
بلغت الآيات الكريمة التي تحدّثت عن مظاهر الكون والطبيعة والإنسان والحيوان والنبات ثلث القرآن الكريم، وهذا مبلغ عظيم، وقد ربط كثير من الباحثين في عصرنا الحاضر تلك الآيات ببعض النظريات العلمية والاكتشافات التي ظهرت في العصر الحديث، واعتبروا هذا إعجازًا علميًّا غير الإعجاز البياني الذي جاء به القرآن الكريم، والذي هو الأصل المجمع عليه في الإعجاز، ولكننا نجد عند البحث الدقيق أنّ هناك اعتسافًا في التعامل مع الآيات الكريمة التي ربطوها بالإعجاز العلمي.

فهم اقتلعوها من سياقها الذي وردت فيه من أجل تأدية غرض معيّن، وربطوها بالنظرية العلمية التي اكتشفت حديثًا دون النظر إلى ما قبلها وما بعدها، وهذا خطأ كبير في فهم القرآن الكريم وفي التعامل معه، وبالإضافة إلى هذا يعتبر ذلك تجاوزًا للمقاصد والحِكَم والأهداف التي جاءت من أجلها تلك الآيات في السياق القرآني. وبالغ بعضهم في الإشادة بالإعجاز العلمي، فاعتبر أنّ الربط بين الآية الكريمة والنظرية الحديثة هو الذي أفهمنا إيّاها، وهذا اتهام للقرآن بأنه طلاسم وألغاز ومغاليق، كانت تُتلى من المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا دون فهم أو استيعاب.

وهذا غير صحيح فالقرآن الكريم كتاب عربي مبين، ويتميّز عن الكتب السماوية الأخرى بأنه كتاب علم وعقل، وتوصف معجزة القرآن الكريم الخالدة بأنها معجزة بيانية عقلية، وأنا سأقدّم ثلاثة أمثلة توضّح بعض الأخطاء التي وقع فيها باحثو الإعجاز العلمي:

الأول: قال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات،47).

"
الحديث القرآني عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال، بل المقصود توجيه نظر الإنسان وقت نزول القرآن الكريم والآن وفي المستقبل إلى مشهد بديع يملأ العين والقلب بعشرات الأفكار والمشاعر
"

أشار باحثو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم إلى أنّ الآية "وإنّا لموسعون" أشارت إلى نظرية تمدّد الكون واتساعه التي اكتشفها العلم حديثًا، وهذا قول مجانب للصواب، وتحميل للآية ما لا يحتمله سياقها في السورة. فمن الواضح عند النظر إلى الآية في سياق سورة الذاريات أنّ الآية بدأت بمقطع يتحدّث عن بعض مظاهر قدرة الله تعالى في السماء والأرض، وعن حكمة الله في خلق الأزواج فقال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات،47-49).

وقد جاء هذا المقطع بعد إخبار الله لنا في المقطع السابق من السورة عن إهلاك عدّة أقوام، منها: قوم لوط، وقوم فرعون، وقوم عاد، وقوم ثمود، وقوم نوح، ثم يأتي أمران للعباد بعد آيات إهلاك الأقوام، وآيات السماء والأرض والأزواج، هما: الفرار إلى الله، والتحذير من الإشراك معه شيئًا آخر، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ" (الذاريات،50-51)، وهذان الأمران مطلوبان لأنّ الله هو ربهم ومليكهم وخالقهم، وهو العظيم القادر على أن يحفظهم ويرعاهم، وأن يمدّهم بكل أسباب النماء والقوّة إلخ...، فمن الجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء وما فيها من أفلاك ونجوم وكواكب ومجرّات إلخ... -وهي ظاهرة واضحة للعيان يراها الإنسان بشكل جليّ- يدل على عظمة الله وقدرته وجبروته وحكمته إلخ...، ويبني في قلب الإنسان تعظيم الله، وتقدير قدرته، ويدفعه للخضوع لله سبحانه وتعالى.

والجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال، بل المقصود توجيه نظر الإنسان وقت نزول القرآن الكريم والآن وفي المستقبل إلى مشهد بديع يملأ العين والقلب بعشرات الأفكار والمشاعر، ويبني الإنسان بناءً نفسيًّا إيجابيًّا نحو تعظيم الله والخضوع له والثقة به سبحانه وتعالى إلخ...، ويدفعه إلى الفرار إلى الله تعالى، وإلى عدم الإشراك به تعالى.

الثاني: قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء،30).

ربط كتّاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين قوله تعالى: "أنّ السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناها" وبين نظرية الانفجار العظيم (Big Bang) التي اكتشفت مؤخّرًا، والتي قالت إنّ انفجارًا عظيمًا حدث في الفضاء قبل ملايين السنين، انفصلت بعده الأرض، وبدأت التشكّل، واعتبروا أنّ هذه الآية تشير إلى هذه النظرية، وكما قلنا سابقًا إنّ هذا اعتساف في استعمال النصوص، لأنّ الآية يجب أن يُنظر إليها من خلال السياق القرآني أي من خلال النظر إلى ما قبلها وما بعدها من الآيات لنفهم المعنى الذي تشير إليه، فنجد أنّ الآيات التي سبقت الآيات السابقة تحدّثت عن نفي الشريك لله تعالى، ثم جاءت بعدها آيات تحدّثت عن الأرض والجبال الرواسي، وعن الفجاج في هذه الجبال، وعن السماء والليل والنهار، وعن الشمس والقمر، قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ . وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ . وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ . وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (الأنبياء،26-33).

"
بالنظر في السياق إلى آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى فتق السماوات والأرض, بل تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، من أجل استمرار الحياة
"
وبالنظر في سياق آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى مثل هذا بحال من الأحوال، بل إنها تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر من أجل استمرار الحياة، وأنّ وجود إله واحد هو الذي جعل الأمور السابقة متساوقة، ويكمل بعضها بعضًا، ولا يتناقض فيها أمران، ولا تتدافع ظاهرتان إلخ...، فالجليّ أنّ الحديث عن السماوات والأرض المقصود منه التدليل على وحدانية الله، ومما يؤكّد ذلك أنّ المفسّرين القدماء فسّروا الآية المذكورة فقالوا: إنّ السماوات والأرض كانت مغلقتين ففتحناهما، فالسماء فتحها الله بإنزال الماء منها، والأرض فتحها بأن انبثق النبات منها، ومما يدعم هذا التفسير هو انتهاء الآية بقوله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" وهي تشير إلى أنّ إنزال الماء من السماء هو السبب في حياة كل المخلوقات: الإنسان والحيوان والنبات.

الثالث: قال تعالى: "وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" (الحديد،25).

من المعلوم أنّ الحديد معدن وصل من النيازك والشهب التي تسقط على الأرض من كواكب السماء وليس من معادن الأرض المخبوءة فيها، وقد توصّل العلماء إلى هذه النتيجة مؤخّرًا، وربط باحثو الإعجاز العلمي بين هذا الاكتشاف العلمي والآية القرآنية التي تقول: "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس"، فلم يقل الله "وخلقنا الحديد" أو "وجعلنا الحديد"، فاعتبروا قوله تعالى: "وأنزلنا الحديد" إشارة إلى مجيئه من مكان آخر، وقالوا إنّ الآية تشير إلى هذه الحقيقة، لكنّ آخرين ردّوا عليهم فقالوا إنّ الله قال: "وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثمانية أزواج" (الزمر،6)، وقال: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا" (الأعراف،26)، فهل ذلك يعني أنّ الأنعام واللباس والريش أنزل من السماء؟ لا أحد يقول بذلك.

طالما أنّ هناك اعتسافًا وإسرافًا في الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فما هي الحِكَم والمقاصد والأهداف التي استهدفتها الآيات التي أشارت إلى الكون والطبيعة والإنسان والشمس والقمر والمطر والسحاب والجنين إلخ...؟ الحقيقة أنّ هناك عدّة حِكَم ومقاصد وأهداف من هذه الآيات، وهي قد تكون أجلّ وأسمى وأصوب وأجدى على الإنسان المسلم من الحديث عن الإعجاز العلمي، وهذه الحِكَم والمقاصد والأهداف هي:

الأول: البناء النفسي للمسلم:

استهدفت كثير من الآيات التي تحدّثت عن الطبيعة الإنسان والسماء والأرض والماء والريح إلخ... البناء النفسي للمسلم، وتوجيه قلبه إلى الله تعالى: تعظيمًا وخضوعًا وحبًّا وخوفًا ورجاء وثقة إلخ...، ويمكن أن نمثّل لذلك بآيات وردت في سورة إبراهيم، قال تعالى: "اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ . وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم،32-34).

بدأت هذه الآيات بتقرير عدّة أمور هي: أنّ الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو تعالى الذي أنزل المطر الذي كان سببًا في نمو الشجر ونضج الثمر الذي أضحى طعامًا لنا، وهو الذي هيّأ الأسباب لتبحر السُّفُن عباب البحر، وهو الذي سخّر لنا عدّة مخلوقات: الأنهار والشمس والقمر والليل والنهار، ثم يبيّن الله لنا فضله علينا: وهو أنه آتى العباد من كل ما سألوه، مع أنّ نِعَم الله أجلّ أوسع من أن تحصى، ومع ذلك فإنّ الإنسان لا يحمد الله حق الحمد ولا يشكره حق الشكر بل هو ظلوم كفّار.

"
كثير من الآيات التي تحدّثت عن الطبيعة الإنسان والسماء والأرض والماء والريح تستهدف البناء النفسي للمسلم، وتوجيه قلبه إلى الله تعالى: تعظيمًا وخضوعًا وحبًّا وخوفًا ورجاء وثقة
"
يقتضي تقرير الآية أنّ الله الذي خلق السماوات والأرض من العدم على غير مثال سابق وهو خلق عظيم يحوي ملايين النجوم والأفلاك التي تسبح في الفضاء منذ ملايين السنين وإلى ما شاء الله، يقتضي تعظيمه تعالى.

ويقتضي إنزاله تعالى الماء من السماء أن نعظّمه تعالى لأنّ إنزال المطر تطلّب تبخير الماء، وإرسال الرياح، وتحميل السحاب، وحدوث البرق والرعد، تطلّب كل هذا وكثيرًا غيره نجهله، وهذا كله يقتضي تعظيمه تعالى، ويقتضي أن نحبّه تعالى لأنه أنعم علينا بهذه النعمة التي ترتبط حياتنا بها أشدّ الارتباط طعامًا وشرابًا، وأن نرجوه تعالى في أن يستمرّ في إنزاله علينا، وأن نخافه تعالى من أن يحرمنا منه.

ويقتضي تسخيره تعالى لنا الفلك التي تمشي الهوينى على سطح الماء، أن نعظّمه تعالى لأنّ سيرها احتاج إلى عشرات الموافقات، وأن نحبّه تعالى لأنّ نعمة استخدام السفن نعمة عظيمة ندرك قيمتها لو تخيّلنا عدمها كم ستصبح الحياة شاقة وصعبة.

ثم يخبرنا تعالى أنه سخّر لنا الأنهار، ويقتضي هذا التسخير أن نحبّه تعالى لأنه هيّأ لنا هذه النعمة فنشرب ماءها، وتشرب منها بهائمنا، ونسقي بها زروعنا، ونركبها في انتقالنا.

ثم يخبرنا تعالى أنه سخّر لنا الشمس والقمر وما ينجم عنهما من ليل ونهار، ويصف الشمس والقمر بصفة "دائبين"، وهي صفة أصيلة ولصيقة بهما، فالإنسان ينشأ وهو يرى الشمس كل نهار، والقمر كل ليلة، ويموت مخلّفًًا وراءه تتابعهما، وكذلك الأجيال التي سبقته والأجيال التي تليه إلى أن يشاء الله.

ويقتضي هذا التسخير أن نحبّه تعالى وحده لأنه أنعم علينا بأن ذلّل لنا هذه الآيات الكبيرة: الشمس والقمر والليل والنهار، الشمس بحرارتها التي تعتبر أساسًا في حياتنا، والقمر الذي نمتّع به أبصارنا، ونستضيء به في ظلماتنا ونحسب به أيامنا، والنهار الذي يضيء أيامنا وحركتنا، والليل الذي يلفّ أجسادنا ليريحها من عناء النهار.

ثم يأتي التعقيب النهائي الذي يوضّح القصد من الحديث السابق: إنّ الإنسان لظلوم كفّار، شديد الظلم للحق، لا يُؤلِّه الله وحده، بل يُشرك معه آلهة أخرى، ولا يتوجّه إليه بالحبّ وحده بل يحبّ آلهة أخرى معه، وهو شديد الكفران والجحود، يقابل نِعَم الله التي لا تُحصى بالمعصية وعدم الطاعة.

الثاني: البناء العقلي للمسلم:

"
بنى القرآن الكريم عقل المسلم البناء الصحيح، وجعله يتعامل مع الكون المحيط به تعاملاً سليمًا، وهو من أجل تحقيق هذا استخدم آيات الكون والطبيعة والإنسان.. إلخ، ووظّفها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وليس من شك في أنّ هذه ثمرة عظيمة
"
قد بنى القرآن الكريم عقل المسلم البناء الصحيح، وجعله يتعامل مع الكون المحيط به تعاملاً سليمًا، وهو من أجل تحقيق هذا استخدم آيات الكون والطبيعة والإنسان إلخ...، ووظّفها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وليس من شك في أنّ هذه ثمرة عظيمة، ويتّضح ذلك من خلال إقرار قانون السببية، وهو أهم قانون قامت عليه حضارتنا وأخذته الحضارة الغربية من حضارتنا، وهو الذي نقل الإنسان من العقلية الخرافية إلى العقلية العلمية، ففي شأن نزول المطر قال تعالى: "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" (الروم، 48)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الأعراف،57). فالآيتان السابقتان توضّحان أنّ الرياح كانت سببًا في تكوين السحب، وكيف أنّ السحب كانت سببًا في نزول الماء، وكيف كان الماء سببًا في إنبات النبات إلخ...، وهذا بناء لعقل المسلم على الظاهرة السببية.

ويتضح البناء العقلي للمسلم من خلال أمر الآيات بالنظر في مظاهر الكون من طعام، ونزول مطر، وإنبات نبات، والشمس إلخ...، فقال تعالى: "فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا . فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا . وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً . وَحَدَائِقَ غُلْبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" (عبس، 24-32)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام، 99)، وحضّ القرآن الكريم المسلم على النظر في أحوال الأُمم السابقة وهلاكها، وأسباب ذلك فقال تعالى: "قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (الأنعام،11)، وقال تعالى أيضًا: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" (النمل، 69)، وحثّ القرآن الكريم على استعمال حاسّتي السمع والبصر اللتين هما الأصل في بناء العقل فقال تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء، 36)، وحثّ القرآن الكريم على التفكير فقال تعالى: "كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (البقرة، 219)، "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ" (الأنعام، 50)، "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الحشر، 21)، وحثّ القرآن الكريم على التعقّل فقال تعالى: "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" (الملك،10)، "وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (المؤمنون، 80)، وحثّ القرآن الكريم على العلم فقال تعالى: "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً" (طه، 114)، وامتدح العلماء "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" (فاطر، 28)، وحثّ الله على استعمال البصر فقال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ . ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ" (الملك، 3-4).

الثالث: التدليل على وحدانية الخالق:

استثمر القرآن الكريم آيات الطبيعة والكون للتدليل على وحدة الخالق، فذكرت الروايات أنّ الله أنزل على الرسول في المدينة قوله تعالى: "وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" (البقرة، 163)، فقالت قريش: كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (البقرة، 164)، تحدّثت الآيات السابقة عن مظاهر وألوان من آيات الله الباهرة، منها: خلق السماوات والأرض، والسُفُن التي تجري في البحر، ونزول المطر، وإنبات النبات، وخلق الدواب، وحركة الرياح والسُّحُب إلخ...

"
الظواهر الكونية التي وردت في القرآن رغم أنها متفرّقة فإنها متكاملة يكمّل بعضها بعضًا، ويخدم بعضها بعضًا، فلَمْ تصطدم أيّة ظاهرة مع أخرى بل الكل مسخّر للإنسان، متكامل معه، يحقّق هدفًا في منظومة الكون السائرة هو أنّ هناك خالقًا واحدًا، وربًّا واحدًا
"
إنّ تلك الظواهر الكونية السابقة مع أنها متفرّقة فإنها متكاملة يكمّل بعضها بعضًا، ويخدم بعضها بعضًا، فلَمْ تصطدم أيّة ظاهرة مع أخرى بل الكل مسخّر للإنسان، متكامل معه، يحقّق هدفًا في منظومة الكون السائرة إلى الأمام، وكل هذا يدل على أنّ هناك خالقًا واحدًا، وربًّا واحدًا، وهو ما قصدته الآيات. وقد أشارت آيات أخرى إلى وحدانية الخالق بالمفهوم المخالف بأنه لو كان أكثر من إله لفسدت السماوات والأرض فقال تعالى: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الأنبياء، 22)، وأشارت آية أخرى إلى أنه لو كان فيهما أكثر من إله لعلا بعضهم على بعض ولاضطرب نظام الكون فقال تعالى: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" (المؤمنون، 91).

ومن الجدير بالذكر أنّ الحديث عن وحدانية الخالق من خلال استخدام مظاهر الطبيعة والإنسان يستهدف بالإضافة إلى إثبات حقيقة الوحدانية كحقيقة عقلية أمرًا آخر هو البناء النفسي، ويدلّ على ذلك أنّ الآية التالية للآية التي أثبتت وحدانية الخالق من خلال عرض مظاهر الخلق في السماوات والأرض والسُّفُن ونزول المطر وإنبات النبات إلخ... قالت: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ" (البقرة، 165)، وبيّنت أنّ المقصود من الكلام عن وحدانية الخالق هو: توجيه الحبّ إلى الله، وبيّنت ذلك من خلال الإشارة إلى خطأ بعض الناس بتوجيه الحبّ إلى أنداد لم تَخلق ولم تُنعِم على الناس بشيء.

الرابع: التدليل على وحدة المخلوقات:

استثمر القرآن الكريم آيات الكون والطبيعة والإنسان والحيوان إلخ... للتدليل على وحدة المخلوقات، وأبرز عدّة مبادئ تؤكّد ذلك منها:

أ – مبدأ الزوجية: أشارت الآيات إلى أنّ مبدأ الزوجية هو الذي يحكم الكون كله، فهناك: الذكر والأنثى في عالم الإنسان والحيوان، وهناك الطلع المذكّر والطلع المؤنّث في عالم النبات، وهناك الأرض والسماء، والشمس والقمر، والليل والنهار، والبر والبحر إلخ... في عالم الكون، فقال تعالى: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات، 49)، وقال تعالى: "وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (ق، 7).

ب- مبدأ إخراج الحي من الميّت والميّت من الحي: أشارت الآيات إلى أنّ الله يخرج الحي من الميّت والميّت من الحي في كل المخلوقات التي خلقها: الإنسان والحيوان والنبات، ففي شأن خلق النبات من النواة قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" (الأنعام، 95)، وفي شأن خلق الإنسان قال تعالى: "أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ" (يونس، 31).

ج- مبدأ المائية في كل المخلوقات: بيّنت الآيات أنّ الماء هو الأصل في كل المخلوقات فقال تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء، 30)، فالطفل يأتي من اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، وكذلك الحيوان يأتي من ماء الذكر والأنثى، وكذلك النبات فالماء هو الأصل في حياته، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا" (الأنعام،99)، ثم بيّنت العلوم الحديثة أنّ الماء يشكّل فوق تسعين بالمائة من أجسام المخلوقات جميعها: الإنسان، والحيوان، والنبات.

ومما تجدر ملاحظته أنّ التدليل على وحدة المخلوقات يستهدف أمرًا آخر غير إثبات الحقيقة العقلية هو البناء النفسي، ويدل على ذلك أنّ الآيات التي أبرزت المبادئ التي عرضنا والتي دلّت على وحدة المخلوقات انتهت بما يوجّه إلى ذلك، ولو أخذنا مبدأ الزوجية نجد أنّ الآية التي تحدّثت عن مبدأ الزوجية في سورة الذاريات انتهت بطلب الفرار إلى الله، والفرار يقتضي الرجاء فيمن يفر الإنسان إليه. ولو أخذنا الآية التي تحدّثت عن المبدأ الثاني فسنجد أنها انتهت بقول الله تعالى "أفلا تتقون"، وفيه توجيه وحضّ على التقوى، وهي أصل عظيم في البناء النفسي. وكذلك لو أخذنا الآية التي تحدّثت عن المبدأ الثالث لوجدنا أنها انتهت بقوله تعالى "أفلا يؤمنون"، وهذه النهاية توجيه إلى الإيمان وهو الهدف من البناء النفسي والعقلي.

الخامس: التدليل على ضرورة وجود اليوم الآخر:

"
كل شيء مخلوق لحكمة، وإذا كانت الحكمة والقصد والغاية والهدف قانونًا يحكم كل مخلوقات الكون، فلابد من أنّ يحكم الإنسان، لذلك لابد من اليوم الآخر
"
شكّل وجود اليوم الآخر مشكلة بالنسبة للمشركين، فردّ القرآن الكريم عليهم بأنّ عدم وجوده يعني العبثية فقال تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" (المؤمنون، 115-116)، وقال تعالى: "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى" (القيامة،36)، ودلّل على ضرورته بالنظر إلى كل الظواهر الكونية، فستجد الحكمة والقصد والهدف من وراء خلقها بالصورة التي خُلقت عليها فقال تعالى في سورة النبأ: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا . وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا . وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا . وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا . وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا . وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا . وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا . وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتًا . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا . إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا" (النبأ، 6-17)، فأشارت الآيات إلى أنّ الله جعل الأرض ممهّدة لحكمة تسهيل السير فيها، وجعل الجبال عالية شاهقة لتثبيتها ولتقوم مقام الأوتاد بالنسبة للخيمة، وخلق البشر أزواجًا من أجل السكن والمودّة واستمرار النوع، وجعل النوم سُباتًا من أجل الراحة، وجعل النهار مضيئًا من أجل الإنتاج والمعيشة، وجعل الشمس متوهّجة من أجل إنبات النبات وإمكانية عيش الإنسان، وجعل الماء ينزل من السُحُب من أجل إحياء النبات والحيوان والإنسان. إذن فكل شيء مخلوق لحكمة، وإذا كانت الحكمة والقصد والغاية والهدف قانونًا يحكم كل مخلوقات الكون، فلابد من أنّ يحكم الإنسان، لذلك لابد من اليوم الآخر، لذلك قال تعالى بعد تلك الآيات: "إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا" (النبأ، 17).

السادس: التدليل على إمكانية بعث الأموات:

تشكّك المشركون في بعث الأموات الذين صاروا ترابًا، فنقل عنهم تشكّكهم واستغرابهم النشر، في القرآن: "وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" (الواقعة، 47)، وقال تعالى أيضا: "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ" (ق، 3)، فردّ عليهم القرآن بأمرين:

الأول: أنّ الذي خلق أول مرّة قادر على أن يعيد خلقه مرّة ثانية فقال تعالى: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" (يس، 78-79).

الثاني: أنّ خلق السماوات والأرض وهي من خلق الله أكبر من خلق الإنسان، فالنتيجة أنّ الله قادر على أن يعيد خلق الإنسان بعد أن يموت، قال تعالى: "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (غافر، 57)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ" (الروم، 27).

السابع: التدليل على بعض صفات الله:

لم يتحدّث القرآن الكريم عن بعض صفات الله حديثًا نظريًّا، وإنما تحدّث عنها من خلال آيات الكون والإنسان، ففصّل في صفات الخلق والقدرة والعلم والحكمة والخبرة والقوّة من خلال عشرات الآيات
"
لم يتحدّث القرآن الكريم عن بعض صفات الله حديثًا نظريًّا، وإنما تحدّث عنها من خلال آيات الكون والإنسان، ففصّل في صفات الخلق والقدرة والعلم والحكمة والخبرة والقوّة إلخ... من خلال عشرات الآيات فقال تعالى عن صفات الخلق: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون، 12-14)، وقال تعالى: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الأعراف، 54). وأظنني في غنى عن استعراض آيات أخرى بيّنت صفات أخرى لله تعالى كالرزق والحكمة والخبرة والعلم إلخ...

والسؤال الآن: هل يعني ذلك ألاّ نستفيد من كل الاكتشافات العلمية الحديثة في مجال الفلك والطب والنبات والحيوان والإنسان والأنهار والجبال إلخ...؟ لا ليس هذا صحيحًا، بل يجب أن نستفيد، وأن نوسّع آفاق فهم الآيات ونعمّقه من خلال الربط بين الحقائق المكتشفة ومعاني الآيات، فيزداد المسلم تعظيمًا لله، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وحبًّا له سبحانه وتعالى، ويمكن أن نضرب على ذلك المثال التالي:

قال تعالى: "وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" (الطارق، 11-12). وقد فسّر العلماء قوله تعالى: "والسماء ذات الرجع" بأنها هي السماء التي ترجع المطر، وقوله تعالى: "والأرض ذات الصدع" بأنها الأرض التي تتشقّق فيخرج منها النبات، وليس من شك في أنّ ظاهرتي الإمطار والإنبات ظاهرتان عظيمتان، تؤثّران في قلب الإنسان وعقله، فيتوجّه إلى الله بالتعظيم لأنه أنزل المطر الذي ترتبط به حياته أشدّ الارتباط، ويحبّه تعالى لأنه أغاثه بهذا الماء، ويتفاعل عقله مع هاتين الظاهرتين فيجد في هاتين الظاهرتين علمًا لله، وحكمة وقدرة وخبرة ورحمة وقوّة إلخ...
ليس من شك في أنّ العصر الحديث أضاف لنا معلومات هائلة، وحقائق متعدّدة، ونظريّات مختلفة عن كل الظواهر المحيطة بنا، ومن الطبيعي أن يستفيد منها علماء المسلمين في تعاملهم مع القرآن
"

لكنّ العلوم الحديثة أضافت لنا معلومات حديثة حول دور السماء، فهي ليست السماء الماطرة فقط، بل تقوم بدور آخر، فهي ترجع لنا بالإضافة للمطر ثلاثة أشياء هي: الضوء، الحرارة، موجات البث الإذاعي والتلفزيوني. وترجع عنّا أربعة أشياء، هي: الأشعة فوق البنفسجية، الشُهُب، أشعة كونية قاتلة، الجُسيمات الذرية. ويمكن أن يضيف المفسّر هذه المعاني في شرح الآية، فتعطيها أُفُقًا أوسع وأرحب، وتجعل المسلم يزداد تعظيمًا لله، وحبًّا له، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وثقة به إلخ... ليس لأنّ السماء أرجعت المطر فقط، بل لأنّ السماء قامت بأشياء أخرى غير المطر، ولا تقل قيمة وأهمية وفائدة عن المطر.

الخلاصة: ليس من شك في أنّ العصر الحديث أضاف لنا معلومات هائلة، وحقائق متعدّدة، ونظريّات مختلفة عن كل الظواهر المحيطة بنا، ومن الطبيعي أن يستفيد منها علماء المسلمين في تعاملهم مع القرآن، لكنهم ركّزوا ذلك في الإعجاز العلمي، وقد رصدنا بعض الأخطاء التي وقع فيها باحثو الإعجاز العلمي في عدّة مجالات، وبيّنا أنّ هذا التعامل الخاطئ حجب الأهداف الرئيسية التي جاءت الآيات من أجلها، وهي: البناء النفسي، البناء العقلي، التدليل على وحدانية الخالق، التدليل على وحدانية المخلوقات إلخ...، وقلّل الثمرات التي يمكن أن يجنيها المسلم من تلاوته للقرآن الكريم، وتدبّره لآياته.




المصدر: الجزيرة
 
الأخوة الكرام،

1. لا إفراط ولا تفريط، ولا تعسف سلباً ولا إيجاباً. وجيد أن تكون دراسات نقدية تضع الأمور في نصابها. ولا يعني النقد تفنيد السلبيات بل يعني أيضاً تعزيز الإيجابيات.
2. يقول الكاتب الكريم:"بلغت الآيات الكريمة التي تحدّثت عن مظاهر الكون والطبيعة والإنسان والحيوان والنبات ثلث القرآن الكريم"، فإذا كان الأمر كذلك، وكان القائل هو محمد بن عبد الله، الذي عاش قبل أكثر من 1400 سنة، فمن البدهي أن نرصد الكثير من التناقض والاختلاف مع الحقائق العلمية المعاصرة. وإذا كان المتحدث محمد رسول الله، أي رسول من خلق الكون والكائنات، فمن البدهي أن نرصد الكثير من التوافقات الدالة على ربانية المصدر.
3. " وجعلنا من الماء كل شيء حي": كيف لا يكون هذا من دلائل النبوة، ونحن اليوم لا نرى استثناءً واحداً بين مليارات الكائنات الحية؟!
4. "وأنزلنا الحديد": نعم، حتى من يعيش في عصرنا اليوم لا يأخذ النص على ظاهره، بل يصرفه مستدلاً أعجب الاستدلال عندما يقول: وهل أنزلت الأنعام حيث قال تعالى:"أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج"؟!، وكأنهم استيقنوا أن الأنعام خُلقت في الأرض ولم تُنزل فصرفوا النص عن ظاهره، بل اعتبروا هذا الصرف هو الحقيقة التي تثبت أن الحديد نشأ في الأرض ولم ينزل من السماء !!!!!!
فالخلل ، كما يظهر، هو في منهجية الفهم والاستدلال.
 
قال تعالى: "وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" (الطارق، 11-12). وقد فسّر العلماء قوله تعالى: "والسماء ذات الرجع" بأنها هي السماء التي ترجع المطر، وقوله تعالى: "والأرض ذات الصدع" بأنها الأرض التي تتشقّق فيخرج منها النبات ... لكنّ العلوم الحديثة أضافت لنا معلومات حديثة حول دور السماء، فهي ليست السماء الماطرة فقط، بل تقوم بدور آخر، فهي ترجع لنا بالإضافة للمطر ثلاثة أشياء هي: الضوء، الحرارة، موجات البث الإذاعي والتلفزيوني. وترجع عنّا أربعة أشياء، هي: الأشعة فوق البنفسجية، الشُهُب، أشعة كونية قاتلة، الجُسيمات الذرية. ويمكن أن يضيف المفسّر هذه المعاني في شرح الآية، فتعطيها أُفُقًا أوسع وأرحب، وتجعل المسلم يزداد تعظيمًا لله، وحبًّا له، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وثقة به إلخ... ليس لأنّ السماء أرجعت المطر فقط، بل لأنّ السماء قامت بأشياء أخرى غير المطر، ولا تقل قيمة وأهمية وفائدة عن المطر.[/url]

اذا كان الكاتب يقبل بهذا المنهج العلمى فى تفسير" والسماء ذات الرجع " فلماذا يرفضه فى الآيات الأخرى المتعلقة بالسماء أيضا والتى ذكر منها آيتين أخرتين ؟!
لماذا هذه الانتقائية رغم أن المنهج واحد ، والموضوع كذلك واحد ؟
أما المبررات التى ساقها لتعليل هذا الرفض فانها تبدو غير مقنعة وتنطوى على لبس كبير وان كان غير مقصود ، فقوله مثلا :

والجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال

هذا القول من الكاتب ينطوى على لبس مؤكد ، لأن باحثى الاعجاز العلمى لم يدعوا أن الاية يراد بها طرح نظرية علمية ، أو أن هذا هو هدف السورة كما يقول الكاتب ، فهذا توسع فى الادعاء عليهم ، لأن غاية ما قالوه فحسب أن الآية فيها اشارة الى هذه المسألة العلمية ، مجرد اشارة لا أنها هى المقصود الأول والرئيس للسورة
وكما ترون فيوجد فارق كبير بين القولين
 
بارك الله فيكم . ومعذرة فقد نقلت هذه المقالة مرة أخرى في الملتقى العلمي . ولكن تم استبعادها تجنباً للتكرار فأكرر اعتذاري لكم .
 
هذا القول من الكاتب ينطوى على لبس مؤكد ، لأن باحثى الاعجاز العلمى لم يدعوا أن الاية يراد بها طرح نظرية علمية ، أو أن هذا هو هدف السورة كما يقول الكاتب ، فهذا توسع فى الادعاء عليهم ، لأن غاية ما قالوه فحسب أن الآية فيها اشارة الى هذه المسألة العلمية ، مجرد اشارة لا أنها هى المقصود الأول والرئيس للسورة
وكما ترون فيوجد فارق كبير بين القولين
لا أتفق مع الكاتب على أن باحثي الإعجاز أرادوا استخراج النظرية العلمية من هذا النص بعينه، ولكن هذا المنهج في التعامل مع آي القرءان قد فتح - بالفعل - بابا أمام قوم جاءونا بأبحاث يريدون منها استخراج نظريات وحقائق الكون من النص القرءاني، وقد وقفتُ على أكثر من بحث لبعض المشتغلين بالعلوم الدنيوية يسلكون هذا المسلك فعلا، حتى ألف أحدهم كتابا كاملا بعنوان "العمارة والعمران في القرءان" (!!) يستخرج فيه أسس التخطيط العمراني الحديث من آيات القرءان، ويستدل بذلك على أن الله جعل في القرءان تفصيل كل شيء!!!
وقد فوجئت بأن هناك من يروج لمسابقات للإعجاز العلمي تنشر في الجامعات الدنيوية تحث الباحثين في مختلف المجالات على النظر في القرءان في ضوء اختصاصاتهم لعلهم يستخرجون منه ما يثبت إعجازه في مجالهم!!! فأين احترام التخصص في علوم القرءان وأين حفظ مهابة كتاب الله من اجتراء الجهال عليه وأي عدوان هذا ؟؟؟
وإن بحثت فستجد أبواب الباطنية بل والحسابات العددية (الجيماتريا والكبالا) تدخل أيضا وتوصف بأنها من الإشارات الإعجازية (وعندهم باب أسموه الإعجاز العددي كله من هذا الصنف)..
فهذا الخلط في فهم مقاصد التنزيل، وفهم حقيقة الإعجاز، وفهم ضرورة لزوم ما اتفقت عليه أفهام الأولين لمرادات ربهم من كلامه، هذا هو اللبس الذي يجب أن يتصدى له أهل العلوم القرءانية قبل أن تفسد تلك الصنعة على أهلها!
ولعلك إن أردتَ أن تحتج على صاحب هذا المسلك بأن القرءان لم ينزله الله لهذاه الغاية، وليست هذه مرادات الله تعالى من كلامه، ولا يصح أن نبحث في القرءان عن نظريات العلوم الدنيوية، أجابك بتسويغ كثير من أهل العلم لتوسعات الإعجازيين في اعتبار ما بين أيديهم من جملة "التفاسير" المقبولة ولو على سبيل الإشارة لتلك الآيات التي أسموها "بالكونية"!
فالأمر فعلا يحتاج إلى وقفة جادة، والله المستعان.
 
يعني تمثيلا على ما أقول، أنقل إليكم كلام بحاث من باحثي الإعجاز في مقدمته لبحث من أبحاثه حول ما اصطلحوا عليه بالآيات الكونية، وهو أستاذ في علوم الأرض في جامعة المنصورة. يقول الدكتور:
إننى أهدف من هذا البحث إلى بيان سمو النص القرآنى المتعلق بتأريخ الكون, وعلوه فوق ما نعتبره اليوم من حقائق العلم, وتقديم خدمة جليلة للعلم ذاته من خلال مراجعة وتصحيح مداخله لتتسق مع النصوص القرآنية ذات الصلة. كما أهدف إلى توضيح الرؤى العلمية الثاقبة لمفسرى القرآن الكريم والتى يجدر بعلماء الكون والفلك اليوم أن يستفيدوا منها فى استشراف آفاق العلم اليوم وفى المستقبل. كما أنه تولدت لدى قناعة راسخة بأن قمة الرسوخ فى علوم الكون تستلزم استخدام نفس المصطلح القرآنى. ومن خلال عرض حقائق أساسية عشر لعلم تأريخ الكون (الكسمولوجيا). وقد تبين لى أن تلك الحقائق القرآنية العلمية هى الأساس الذى يقوم عليه ذلك العلم
وهاكم رابط المقال:
http://www.55a.net/firas/arabic/print_details.php?page=show_det&id=1907
والناظر إلى هذا الكلام يجد أن فيه من الأخطاء المنهجية الشيء الكثير!

1 - "سمو النص القرءاني وعلوه فوق ما نعتبره اليوم من حقائق العلم"، لا يتأتى بأن نثبت توافقه مع ما نعتبره اليوم من حقائق العلم! غاية ما يحصل من ذلك = إثبات موافقة القرءان لما نعتبره اليوم من حقائق العلم، لا إثبات سموه عليها!

2 - قوله "وتقديم خدمة جليلة للعلم ذاته من خلال مراجعة وتصحيح مداخله لتتسق مع النصوص القرآنية ذات الصلة" يظهر فيه موطن الخلط الذي نبهتُ عليه في المشاركة الآنفة من كون القوم ينظرون الآن إلى القرءان بوصفه مرجعا للعلوم الطبيعية والصناعات الدنيوية!! فإشكالية تعيين النصوص القرءانية "ذات الصلة" إنما تكمن في توسعهم الشديد في مفهوم "الإشارة الكونية" في النص القرءاني حتى صار صنعة جديدة من صناعات التفسير يشتغل بها كل أحد!!
وصحيح أن ما كان مخالفا لما في القرءان مما وضعه الناس من النظريات فإنه مردود باطل بلا شك، ولكن من من الإعجازيين جرى على هذه الغاية فيما كتب؟ كلهم يسعى إلى إثبات صحة القرءان و"إعجازه" بإثبات موافقته لما توصل إليه وما وضعه الفلكيون وأصحاب العلوم الدنيوية من نظريات، وليس إثبات بطلان ما خالف نص القرءان من نظريات! ومجرد فهمهم لحقيقة الإعجاز العلمي يتضح منها هذا المنهج بما يغني عن بيانه! فدعوى صاحبنا هذه بعيدة عما يسلكه الإعجازيون من مسالك في الحقيقة!

3 - يؤكد على ما سبق قول الدكتور: "كما أهدف إلى توضيح الرؤى العلمية الثاقبة لمفسرى القرآن الكريم والتى يجدر بعلماء الكون والفلك اليوم أن يستفيدوا منها فى استشراف آفاق العلم اليوم وفى المستقبل"
فأولا، الباحثون في الإعجاز إلا ما رحم ربي عندهم افتتان بعلوم الدنيا - التي هي صناعتهم واختصاصهم بالأساس - فتراهم لا يطلقون لفظة "العلمية" أو "العلم" إلا ويريدون بها العلم الدنيوي! وفاتهم أن تفسير القرءان علمٌ، وعلم دقيق، وهو من أشرف العلوم على الإطلاق إذ شرف العلم يعرف بشرف معلومه، وما من معلوم أشرف من كلام الله رب العالمين! والدكتور في كلامه هذا يتكلم من منطلق من أوتي علما يريد أن يفتح به فتحا على "مفسري القرءان الكريم" وكأنهم كانوا في حيرة من أمرهم إزاء كتاب رب العالمين ينتظرون أن يأتيهم هؤلاء الباحثون "بالرؤية العلمية الثاقبة" التي بها يفهمون كلام الله عز وجل!!!

4 - قوله "كما أنه تولدت لدى قناعة راسخة بأن قمة الرسوخ فى علوم الكون تستلزم استخدام نفس المصطلح القرآنى" هذا خطأ منهجي واضح! إذ لا يسع أحدا أن يفرض على أهل صنعة من الصناعات الدنيوية (أو الشرعية) أن يستخدموا اصطلاحا غير اصطلاحهم أيا ما كان مصدره!! وإلا فماذا يقصد من "استخدام نفس المصطلح القرآني"؟؟ عند التأمل يتبين أن مراده سبغ نظريات علوم الكون بصبغة ألفاظ القرءان، من خلال أبحاثهم التي تحشر تلك العلوم في آيات الله حشرا!!! كأن نقول - مثلا - "فتق الرتق" بدلا من "الانفجار الكبير"، فهي عنده حقيقة قرآنية كما سيأتي!!!! وهذا تفريع على الأصل الذي تقدم نقده عندهم.

5 - ليس في علم تأريخ الكون ما يوصف بأنه حقائق.. والدكتور يقول: "ومن خلال عرض حقائق أساسية عشر لعلم تأريخ الكون (الكسمولوجيا). " فهذا يدخلنا في إشكالية من إشكاليات فلسفة العلوم وهي قضية حجية النظرية الطبيعية ومحلها ما بين الظن والقطع، ومحلها - أيا كانت درجتها - من حقائق القرءان .. فأول المشكلات تحويل الظنيات إلى حقائق "أساسية"، ثم العمل على استخراجها من نص القرءان، بغية إثبات إعجاز القرءان بموافقته لتلك الحقائق!! فتأمل إذ يقول بعدُ:
"وقد تبين لى أن تلك الحقائق القرآنية العلمية هى الأساس الذى يقوم عليه ذلك العلم"
فالدكتور قد توصل إلى جعل تلك "الحقائق" العشر التي ضرب عليها ختم "الحقيقة العلمية" في علم الكوزمولوجيا (ولعلها من أقوى النظريات حجية بالمقارنة بما سواها من نظريات تلك الصنعة عند أصحابها) = حقائق قرءانية، بناءا على سعيه لاستخراجها من نص القرءان، ثم الآن هو يدعي أن تلك النظريات أساسها القرءان!!!!

فتأملوا بارك الله فيكم مدى ما بلغه الخلط المنهجي العميق عند أصحاب أبحاث الإعجاز، والله المستعان!!
 
بارك الله فيك أبا الفداء ..
وأنبه على أن خطورة ما يسمى بالإعجاز تتبين بنقطتين هامتين :
الأولى : أنه رد صريح لفهم سلف الأمة لكتاب الله تعالى ، وهذا واضح في كتاباتهم والأمثلة عليه كثيرة .
فعندما يفسرون قوله تعالى "كأنما يصعد في السماء " بما يفسرونها به ؛ فما هو حكم تفسير السلف الصالح لها ، هل هو باطل ويجب رده ، وهل هو معارض بنتائج العلوم التجريبية وهي راجحة عليه. وقد بحثت هذه المسألة في هذا الملتقى المبارك تحت عنوان تهافت القول بالإعجاز في قوله تعالى : "كأنما يصعد في السماء"
وقس على ذلك قوله تعالى : "وأرسلنا الرياح لواقح" وغيرهما كثير.
الثانية : أنه تفسير لكتاب الله تعالى بمحض الرأي الذي لا يستند إلى دليل من كتاب أو سنة أو لغة أو فهم سلف أمة ..
أما ما يسمى بالإعجاز العددي فلا يحتاج إلى بحث ولا إلى نقاش لمن له أدنى قراءة لعلوم القرآن ومتعلقاتها.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
 
الأخوة الكرام،

1. كثر الكلام في الإعجاز العلمي والعددي حتى بات ما يكتب من المكرارات. وأنا شخصياً أرى أن مرد ذلك إلى الاختلاف في منهج التلقي والبحث والدراسة والفهم.
2. نحن نلتزم قول السلف في معاني الألفاظ، وما هو من صحيح النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ثبت من إجماع. أما المعاني التي تحتملها الألفاظ فليس للسلف عصمة في الفهم والاستنباط.
3. ثبتت خيريّة الصحابة في المجمل. وأتمنى على الأخوة أن يقدّموا دليلاً نصياً واحداً يثبت أفضلية الصحابة في الفهم والعلم، (دليل نصي).
 
نحن نلتزم قول السلف في معاني الألفاظ، وما هو من صحيح النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ثبت من إجماع. أما المعاني التي تحتملها الألفاظ فليس للسلف عصمة في الفهم والاستنباط.
أخي الكريم، قولك "معاني الألفاظ" وتفريقك بينه وبين "المعاني التي تحتملها الألفاظ" تفريق عجيب في الحقيقة، وفيه من التناقض ما لا يخفى! فالمعاني التي تحتملها الألفاظ، يلزمك إذ تقرر الالتزام بأقوال السلف في المعاني، أن تتقيد بما ورد عنهم منها! وإلا فما معنى الالتزام بأقوال السلف الذي تقرر الالتزام به؟!
 
الأخ الكريم أبو الفداء،

يبدو أن عبارتي ملتبسة وتحتاج إلى توضيح:

في كل الأمم تجد الصغير والكبير يفهم الكلام لأنه ابن اللغة. ولكن هل يتساوى الناس في فهم الكلام البليغ والكلام العميق. وهل كل أحد يستطيع أن يستنبط ويُفرّع؟!

والصحابة رضي الله عنهم هم أبناء اللغة العربية الفصحى، ولكنهم كأي بشر تتفاوت أفهامهم وقدراتهم العقلية والفكرية؛ فهذا عمرو بن العاص القائد العسكري الفذ يتعرى ويتمرغ في التراب لأنه هكذا فهم التيمم. وهذا صحابي آخر يضع تحت وساده خيطاً لونه أبيض وآخر لونه أسود وينظر بين الحين والآخر عملاً بقوله تعالى:" حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".

وإذا كان كل أحد من الصحابة يفهم القرآن والسنة فبماذا تميّز ابن عباس رضي الله عنه عن باقي الصحابة، وبماذا تميز معاذ؟! ثم لماذا تستدرك عائشة رضي الله عنها على أفهام الصحابة؟!

الصحابي ابن عصره وفهمه على قدر علمه ووعيه. وهو فقط يتفرد بما أخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما وراء ذلك يؤخذ من قوله ويرد إلا ما كان إجماعاً منهم رضي الله عنهم.

وهنا أكرر طلبي من الأخوة أن يأتوني بنص من قرآن أو السنة يشهد للصحابة بزيادة فهم وعلم، بل إن قول الرسول عليه السلام:" رب مبلغ أوعى من سامع" يدل على احتمال أن يكون غير الصحابي أوعى من الصحابي. كيف لا والكثير من الصحابة لا يقارن فهمهم بالشافعي وأحمد وابن تيمية والبخاري....
 
يبدو أن عبارتي ملتبسة وتحتاج إلى توضيح:

في كل الأمم تجد الصغير والكبير يفهم الكلام لأنه ابن اللغة. ولكن هل يتساوى الناس في فهم الكلام البليغ والكلام العميق. وهل كل أحد يستطيع أن يستنبط ويُفرّع؟!

الاستنباط بمعنى الاستدلال واستخراج الأحكام الفقهية من مجموع النصوص شيء، وتحقيق مراد المتكلم من كلامه في كل نص من النصوص شيء آخر. وجوابا على سؤالك: كلا بالطبع، ليس كل أحد يستطيع أن يستنبط ويفرع! ولكن ما علاقة هذا الكلام بالنظر في مصادر معرفة تفسير كلام الله؟؟ هل التفسير عندك استنباط وتفريع؟

والصحابة رضي الله عنهم هم أبناء اللغة العربية الفصحى، ولكنهم كأي بشر تتفاوت أفهامهم وقدراتهم العقلية والفكرية؛ فهذا عمرو بن العاص القائد العسكري الفذ يتعرى ويتمرغ في التراب لأنه هكذا فهم التيمم.

كل هذا خارج محل النزاع، بارك الله فيك.. هذا اجتهاد منه في الفقه والعمل لا في التفسير، فتأمل.

وهذا صحابي آخر يضع تحت وساده خيطاً لونه أبيض وآخر لونه أسود وينظر بين الحين والآخر عملاً بقوله تعالى:" حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".

ولو أنك في زمانه ولم يردك مزيد بيان من النبي عليه السلام بالمراد من هذا النص، لكنت معذورا بعذره، ولكن ما عذرك الآن إن خالفت ما استقر عليه فهم السلف في هذا النص؟؟؟ هذا بيت القصيد!

وإذا كان كل أحد من الصحابة يفهم القرآن والسنة فبماذا تميّز ابن عباس رضي الله عنه عن باقي الصحابة، وبماذا تميز معاذ؟!

لم يقل أحد من الناس بأن كل الصحابة كانوا سواءا في العلم بتأويل كلام الله! وليس هذا معنى قولنا بعدم الخروج على فهم السلف! إنما نقصد أن الحق في معرفة مراد الله تعالى من كلامه موجود فيما نقل عنهم لا محالة! ولا شك أننا إن أردنا أن نتحرى معرفة ذلك منهم، فإننا نبدأ بأعلمهم بالقرءان! ولهذا كانت أكثر المنقولات عن السلف في التأويل محصورة في قلة من الصحابة لأنهم هم الأعلم بكتاب الله، وهم الذين تلقوا الفهم فيه عن النبي عليه السلام، ومن بعدهم من تبعهم من التابعين.. وبما أننا نؤمن بأن الأمة أبدا ما أجمعت على ضلالة قط، وأنها لا يزال الحق فيها إلى قيام الساعة، فمراد الله تعالى من كل آية من آيات كتابه لا يزال موجودا فيما ورثناه عنهم (فيما اتفقوا عليه أو في بعض أقوالهم إن اختلفوا) ولابد!!

ثم لماذا تستدرك عائشة رضي الله عنها على أفهام الصحابة؟!

خارج النزاع.

الصحابي ابن عصره وفهمه على قدر علمه ووعيه. وهو فقط يتفرد بما أخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما وراء ذلك يؤخذ من قوله ويرد إلا ما كان إجماعاً منهم رضي الله عنهم.

وهل خاطب الله تعالى الصحابة في كتابه بكلام قصرت أفهامهم عن إدراكه وما كان يناسب عصرهم ووعيهم، فتخلفوا عن فهم مراده منه حتى ظهر أصحاب الإعجاز في زماننا هذا؟؟ ما هذا الكلام يا أخي؟؟ "ابن عصره" هذه تقال في علم من العلوم المادية القائمة على المشاهدة والنظر، وليس في كتاب عربي مبين نزل عليهم بلسانهم ليهديهم إلى أقوم السبل!!

بل إن قول الرسول عليه السلام:" رب مبلغ أوعى من سامع" يدل على احتمال أن يكون غير الصحابي أوعى من الصحابي. كيف لا والكثير من الصحابة لا يقارن فهمهم بالشافعي وأحمد وابن تيمية والبخاري....

لو سلمت لك بفهمك لهذا النص، للزمني أن أقرر أن كتاب الله تعالى فيه من الكلام ما نقله جميع الصحابة دون أن يعيه أحد منهم، حتى وعاه فلان وفلان من باحثي الإعجاز في زماننا هذا، وفهم حقيقة مراد الله منه كما لم يفهمه أحد منهم!! فهل تعي لازم هذا الكلام يا أخي الكريم؟
دليلنا على بطلان هذا المعنى هو ببساطة أن من يدعي أن تفسيرا أو تأويلا جديدا قد ظهر في زماننا لمراد الله تعالى من بعض كلامه بخلاف ما كان يعلمه السابقون، هذا لازم كلامه تجهيل سائر القرون السالفة بحقيقة مراد الله من كلامه، وتخلية تلك القرون جميعا من قائل بمراد الله الحق فيها!! وهذا باطل ولابد إذ معناه إجماع الأمة على ضلالة، ولازمه غياب الحق الذي أجمعت الأمة على أنه باق فيها إلى قيام الساعة وإن قل القائلون به، فتأمل بارك الله فيك.
 
إخوتي الكرام :
هذه المقارنات لا تخلو من مجاوزة للحد ..
فالحق - كما قال الأخ أبا منقذ - أن أهل السنة لا يختلفون في أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا معصومين ، ولكنهم كذلك متفقون أن الحق لا يوجد خارج فهمهم من حيث الجملة .هذا أولا .
ثانيا : فهم علماء الأمة إنما هو مبني على فهم من سبقهم من الصحابة وأهل العلم ، وإن زاد أحدهم أو وسع في أمر ما فهي زيادة تعتبر امتدادا لفهم من سبقه وليست مناقضة لها بحيث يستحيل الجمع بينهما ، وإن وقع ذلك ففهم الصحابة أولى من فهم غيرهم مهما بلغ من العلم .
ثالثا : مشكلة أهل الإعجاز أن فهمهم وتفسيرهم للآيات القرآنية بالظواهر العلمية أو لنسمها - تنزلا - حقائق علمية هو فهم مخالف لما فهمه الرعيل الأول من هذه الأمة والجمع بينهما مستحيل في كثير من الآيات ؛ بل حتى في الأسس والأصول التي ينبني عليها تفسير كتاب الله تعالى ، وهذه هي الطامة الكبرى ، فماذا سنفعل هل نغرق كل التفاسير الموجودة عندنا في اليم ثم نكتب تفسير أهل الإعجاز وندرسه لأبنائنا ؟ لا أظن عاقلا يقول بهذا .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
[align=center]وهذه دراسة للدكتور يوسف القرضاوي - حفظه الله - لعلها تضيف شيئاً في الموضوع أو تسهم في بيان يجلي حقيقة الأمر نرجو بضمها زيادة بيان عسى أن تكون ذات فائدة [/align]

قراءة في آراء معارضي التفسير العلمي للقرآن

اشتهر في عصرنا لون جديد من التفسير، أطلق عليه "التفسير العلمي للقرآن"، ويقصد به التفسير الذي تستخدم فيه العلوم الكونية الحديثة: حقائقها ونظرياتها، لبيان مراميه، وتوضيح معانيه. والذين يُعنون بهذا اللون من التفسير في الغالب ويتحمسون له هم علماء الكون والطبيعة، وليسوا من علماء الدين والشريعة.
وعلماء الدين والشريعة يختلفون فيما بينهم حول جواز هذا اللون من التفسير، ومدى شرعيته، وفي الخمسينيات من القرن العشرين ثارت معركة جدلية على صفحات الصحف المصرية بين فريقين من علماء الدين حول هذه القضية، وأحسب أن الخلاف فيها لم يزل إلى يومنا بين منتصر لهذا الرأي ومنتصر لمخالفه. وقبل ذلك وجدنا من كبار العلماء الباحثين المحدثين المؤيدين والمعارضين، وإن كان المعارضون أكثر وأوفر.
معارضة الشيخ شلتوت
وجدنا من المعارضين الإمام الأكبر محمود شلتوت رحمه الله، الذي أنكر في مقدمة تفسيره على طائفة من المثقفين أخذوا بطرف من العلم الحديث، وانتقلوا أو تلقفوا شيئا من النظريات العلمية والفلسفية وغيرها، وأخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة، ويفسرون آيات القرآن على مقتضاها، قال الشيخ عن هؤلاء:
(نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38) فتأولوها على نحو زيَّن لهم أن يفتحوا في القرآن فتحًا جديدًا، ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية، وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.
نظروا في القرآن على هذا الأساس، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صورة من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله.
هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك؛ لأن الله لم يُنزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.
وهي خاطئة؛ لأنها تعرّض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العالم ما يصبح غدًا من الخرافات.
فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة، لعرضناه للتقلب معها، وتَحَمّل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفا حرجا في الدفاع عنه. فلندع للقرآن عظمته وجلالته، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخلق وظواهر الطبيعة إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر، ليزداد الناس إيمانا مع إيمانهم.
وحسبنا أن القرآن لم يصادم الفطرة، ولم يصادم –ولن يصادم– حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول.
قيل: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون على حالة واحدة؟ فنزل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة: 189).
وإنك لتجد هذا في سؤالهم عن الروح حيث يقول الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85) أليس في هذا دلالة واضحة على أن القرآن ليس كتابا يريد الله به شرح حقائق الكون، وإنما هو كتاب هداية وإصلاح وتشريع؟)[1].
معارضة الشيخ الخولي وآخرين
ووجدنا من المعارضين الأستاذ الشيخ أمين الخولي في بحثه المركّز (التفسير: معالم حياته، منهجه اليوم) وقد نقل فيه رأي الشاطبي، واعتراضه على الذين أرادوا أن يخرجوا بالقرآن عن نهجه في مخاطبة العرب بما يفهمون، وفي إطار ما يعهدون من علوم ومعارف، ورد على الذين زعموا أن في القرآن علوم الأولين والآخرين، دينية ودنيوية، شرعية وعقلية.
وهو رأي الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الأسبق، قاله في تقديمه لكتاب عبد العزيز (باشا) إسماعيل (الإسلام والطب الحديث)[2].
وهو رأي د.عبد الحليم محمود، والشيخ عبد الله المشد، والشيخ أبو بكر ذكري، أعلنوه في مقدمة تفسيرهم الموجز للقرآن، والذي كان ينشر في مجلة (نور الإسلام) لسان علماء الوعظ والإرشاد في الأزهر.

معارضة سيد قطب
وينحو صاحب (الظلال) سيد قطب -رحمه الله– هذا المنحى في تفسيره لآية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ)[3]، إذ يقول بقلمه البليغ: وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها... كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه!.
إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها... لأنه هو الإنسان ذاته الذي يكتشف هذه المعلومات وينتفع بها.. والبحث والتجريب والتطبيق من خواص العقل في الإنسان. والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان –بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره– كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح بأن يحسن استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه. وبعد أن يوجد الإنسان السليم التصور والتفكير والشعور، ويوجد المجتمع الذي يسمح له بالنشاط، يتركه القرآن يبحث ويجرب، ويخطئ ويصيب، في مجال العلم والبحث والتجريب. وقد ضمن له موازين التصور والتدبر والتفكير الصحيح.
كذلك لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانا عن الكون في طريقة لإنشاء التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه، وطبيعة التناسق بين أجزائه.. لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن بفرض العقل البشري ونظرياته، ولا حتى بما نسميه (حقائق علمية) مما ينتهي إليه بطريق التجربة القاطعة في نظره.
إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة، أما ما يصل إليه البحث الإنساني –أيا كانت الأدوات المتاحة له- فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها... فمن الخطأ المنهجي –بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته– أن نعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية. وهي كل ما يصل إليه العلم البشري.
هذا بالقياس إلى (الحقائق العلمية)... والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى (علمية).. ومن هذه النظريات والفروض كل النظريات الفلكية، وكل النظريات الخاصة بنشأة الإنسان وأطواره، وكل النظريات الخاصة بنفس الإنسان وسلوكه.. وكل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها... فهذه كلها ليست (حقائق علمية) حتى بالقياس الإنساني. وإنما هي نظريات وفروض كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية، وإلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرا أكبر من الظواهر، أو يفسر تلك الظواهر تفسيرا أدق! ومن ثم فهي قابلة للتغيير والتعديل والنقص والإضافة، بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب، وبظهور أداة كشف جديدة، أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة!.

وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة –أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسفلنا– تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي. كما أنها تنطوي على معانٍ ثلاثة كلها لا يليق بالقرآن الكريم:

المعنى الأول:

الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم. على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم لا يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس، وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق؛ لأنه مقيد بوسع الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.

والمعنى الثاني:
سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق –بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي؛ حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره، ويستخدم بعض نواميسه في خلافته. نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق، وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة!.
والمعنى الثالث:
هو التأويل المستمر –مع التمحل والتكلف– لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يوجد جديد، وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن، كما أنه يحتوي على خطأ منهجي، كما أسلفنا[4].

الإمام الغزالي والتفسير العلمي

والموضوع قد أثير من قديم، ويبدو أن أول من أثاره هو الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله، فقد ذكر في (الإحياء) قول ابن مسعود: من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن، ونحو ذلك من الأقوال، ثم قال: (وبالجملة، فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها)[5].
وفي كتاب (جواهر القرآن) وهو مؤلف بعد (الإحياء) عاد إلى الموضوع وتوسع فيه. وفيه ذكر أن جميع العلوم (مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه لا ساحل له)[6].
ثم ذكر من أفعال الله تعالى الشفاء والمرض، كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء:80)، قال: وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا من يعرف الطب بكماله؛ إذ لا معنى للطب إلا معرفة المرض بكماله وعلاماته، ومعرفة الشفاء وأسبابه... إلى أن قال: (لا يعرف كمال معنى قوله: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:6-8) إلا من عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرًا وباطنا، وعددها وأنواعها، وحكمتها ومنافعها... إلخ).. فهذان مثالان لتخريج الغزالي العلوم المختلفة من القرآن.
ومن هنا نفهم معنى قول الغزالي: إن علوم الأولين والآخرين ليست خارجة عن القرآن، فكأنه يقول: إن العلوم كلها خادمة لحسن فهم القرآن، كما أن القرآن نفسه يشير إليها، ويدل عليها، بصورة من الصور الضمنية أو الكلية.
وقد قال في الإحياء: (بل كل ما أشكل فهمه على النُّظَّار (علماء المعقول) واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات، ففي القرآن إليه رموز، ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بدركها)[7].

ابن أبي الفضل المرسي والسيوطي
وجاء بعد الغزالي ابن أبي الفضل المرسي، والذي سجل السيوطي رأيه في (الإتقان)[8] وهو أشبه برأي الغزالي، فقد ذكر –فيما ذكر– أن أصول الصنائع مذكورة في القرآن كالخياطة في قوله: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ) (الأعراف:22)، والحدادة: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) (الكهف: 96)، والبناء في آيات[9]، والنجارة: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) (هود: 37)، والغزل: (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا) (النحل92)، والملاحة: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ) (الكهف: 79)، والفخارة: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) (القصص: 38)... وهكذا.
وقد أيد السيوطي في (الإتقان) وكتاب (إكليل التأويل في استنباط التنزيل) هذا التوجه، واستدل له بالقرآن والحديث، وبقول ابن مسعود والحسن والشافعي وغيرهم.

أبو إسحاق الشاطبي والتفسير العلمي
ولقد رأينا الإمام أبا إسحاق الشاطبي رحمه الله، قد عارض هذا التوجه في كتابه (الموافقات) معتمدا على أن الشريعة نزلت في الأساس لقوم أميين، فهي –على حد تعبيره- شريعة أمية، فلا ينبغي أن نخرجها إلى حد التكلف والتعقيد والتفلسف. وإن بالغ في ذلك، حتى تعقبه العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير)، كما تعقب بعضه العلامة الشيخ عبد الله دراز في تعليقه على الموافقات[10].
بيّن الشاطبي أن الشريعة الإسلامية شريعة أمية؛ لأن الله بعث بها رسولاً أميًّا إلى قوم أميين كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ) (الجمعة: 2)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) (متفق عليه، عن ابن عمر) فيلزم أن تكون الشريعة على معهودهم وفي مستواهم.
ثم بعد هذا البيان أوضح الشاطبي أن الشريعة – في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت– قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه، ثم يتوجه باللوم إلى قوم أضافوا للقرآن كل علوم الأولين والآخرين، مفندًا هذه الدعوى قائلاً:
ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها –وهم العرب– ينبني عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا -في الدعوى على القرآن– الحدَّ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم [كالهندسة وغيرها من الرياضيات] والمنطق وعلوم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح[11].
ثم يدلل الشاطبي على رأيه هذا ويحتج له بما عرف عن السلف من نظرهم في القرآن فيقول: (إن السلف الصالح -من الصحابة والتابعين ومن يليهم- كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه شيء مما زعموا، نعم تضمن علوما من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودهم مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا)[12].
ثم شرع الشاطبي بعد هذا في ذكر الأدلة التي استند إليها أرباب هذا التفسير (التفسير العلمي) فقال: (وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، وقوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38).. ونحو ذلك، وبفواتح السور –وهي لم تعهد عند العرب– وبما نقل عن الناس فيها، وربما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أشياء).
بعد ذلك طفق الشاطبي ينقض هذه الأدلة، واحدا بعد الآخر بمنطقه القوي، فقال رحمه الله: (فأما الآيات: فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ): اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.

وأما فواتح السور: فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدا، كعدد الجُمّل الذي تعرفوه من أهل الكتاب، حسبما ذكره أصحاب السير، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى، وغير ذلك, أما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون, ولم يدّعِهِ أحد ممن تقدم، فلا دليل فيها على ما ادعوا، وما ينقل عن علي أو غيره في هذا لا يثبت، فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه وتقوّل على الله ورسوله فيه، والله أعلم، وبه التوفيق)[13].
ومنطق الشاطبي هنا منطق قوي، وأدلته لا مطعن فيها، إلا ما كان من اعتماده على (أمية الشريعة) بناء على أمية الأمة. ذلك أن أمية الأمة ليست أمرًا مطلوبًا ولا مرغوبا فيه، بل بعث الله رسوله في الأميين رسولاً ليخرجهم من الأمية إلى باحة العلوم والنور، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2) فهذه مهمة الرسول مع الأميين: التلاوة والتزكية وتعليم الكتاب والحكمة ولا عجب أن كانت الآيات الأولى من الوحي تنبئ بذلك: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1-5)، وأقسم سبحانه بالقلم فقال: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم: 1).
فالأمية ممدوحة في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها أدل على الإعجاز وليست ممدوحة في الأمة، وعلى الأمة أن تتحرر منها ولتتعلم وتتفقه وتنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء، وقد قال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9).
ولقد كان الرسول الكريم هو أول من حارب الأمية، كما رأينا ذلك حين قبل في أسرى بدر أن يفتدي بعضهم نفسه إذا كان كاتبا، وأن يعلم عشرة من أولاد المسلمين الكتابة. من أجل هذا لا نقبل فكرة أمية الشريعة إلا إذا حملت على معنى الفطرية والسهولة، والبعد عن التكلف والتعقيد، وبالله التوفيق.


----------------------------

[1] مقدمة تفسير الشيخ شلتوت ص11-14 طبعة دار الشروق بمصر

[2] ذكر ذلك الدكتور الذهبي في الجزء الثاني من كتابه (التفسير والمفسرون) ص495،496 طبعة المختار الإسلامي سنة 1985 نشر مكتبة وهبة.

[3]وهي قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة، قل: هي مواقيت للناس والحج...) البقرة : الآية 189

[4] في ظلال القرآن ج 1 م 180- 182 طبعة دار الشروق

[5] الإحياء 1/289 دار المعرفة بيروت.

[6] انظر جواهر القرآن ص32-34.

[7] إحياء علوم الدين، الموضع السابق.

[8] في النوع الخامس والستين: في العلوم المستنبطة من القرآن، 4/27-31.

[9] أي في مثل قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) (البقرة 127).

[10] انظر الموافقات وتعليقات دراز 2/69 وما بعدها.

[11] الموافقات 2/79.

[12] الموافقات 2/79-80.

[13] الموافقات 2/81-82
 
عندما يكون الطرح بهذه الدرجة من العلمية والدقة في اختيار الألفاظ والجودة في النقل والبراعة في اختيار المنقول عنه ؛ فإن القلم يعجز عن شكر ناقله ؛ وتتعب يداه في الضراعة بالدعاء له ..
جزاك الله خيرا ؛ فقد أجدت وأفدت وأسمعت من تنادي..
 
أيها الأفاضل

سأكتب لكم بلهجة مختلفة بعض الشيء وأقول:

خلوا عنكم هذا الجدال العقيم والمكرور والدوران في حلقات مفرغة تنتهون حيث بدأتم.

مللنا التنظير والله مللنا ، الذي يعترض على تفسير ما بناء على القول بالإعجاز العلمي فليأت بالمثال ويقول هذا القول لا يصح ويقيم الأدلة على ذلك ومن ثم نناقش قوله مستندين إلى قواعد التفسير والاستدلال.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
اتمنى من الدكتور أحمد البريدي أن يُبدي لنا وجهة نظره حول هذا الكلام الذي نقله

فقد جرت العادة أن من ينقل فإنه يعلق ويبدي وجهة نظره على الكلام الذي ينقله إلا إذا كان لا يفقه ما ينقل وأتمنى أن لا يكون الناقل هنا كذلك
 
الإخوة الأفاضل :
ليس المهم هو تعليق الناقل من عدمه .
وليس المهم هو الدوران وراء الأشخاص ..
الأخ الكريم نقل كلاما علميا عن فطاحلة من العلماء ؛ فمن عنده القدرة العلمية على تفنيد ما قالوه أو تصويبه إن كان يراه خطأ فليتفضل ؛ ومن ليس عنده إلا الكلام العام ؛ أو التجريح الشخصي ؛ فهذا ليس مجاله ..
والله الموفق وهو الهادي إلى سوءا السبيل.
 
[align=center]جزاك الله خيراً أخي ابراهيم الحسني لحسن البيان فالدكتور أحمد جزاه الله خيراً نقل مبحثا علمياً يبين فيه وجهة نظر علمية مدللا عليها فمن كان لديه ما يدعم فحياه الله ومن كان لديه ما ينقد ويفند فحياه الله ومن يخرج مما عرض بوجهة نظر تقريبية يراعي فيها إيجابيات الموافق والمتبني للإعجاز العلمي ويتجنب سلبياته والمآخذ عليه فحياه الله
أما التجريح بما لايليق بحملة العلم وناقليه فمما يجب ألا يكون له ثمة وجود بيننا
فجزاكم الله خير الجزاء [/align]
 
يقول الدكتور:

الثاني: قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء،30).

"ربط كتّاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين قوله تعالى: "أنّ السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناها" وبين نظرية الانفجار العظيم (Big Bang) التي اكتشفت مؤخّرًا، والتي قالت إنّ انفجارًا عظيمًا حدث في الفضاء قبل ملايين السنين، انفصلت بعده الأرض، وبدأت التشكّل، واعتبروا أنّ هذه الآية تشير إلى هذه النظرية، وكما قلنا سابقًا إنّ هذا اعتساف في استعمال النصوص "

نقول إذا صحت النظرية واكتشف العلم من خلال سنن الله المودعة في الكون أن الكون " السماء والأرض والكواكب" كان شيئاً واحدا ثم فصل إلى هذه المكونات المتشابهة في مادتها ألا يجوز أن نقول نحن المسلمين إن القرآن قد سبق اكتشافكم هذا ؟
إنه أمر غريب أن يوصف مثل هذا القول بالتعسف !!!

ثم يقول الدكتور معللاً حكمه بقوله:

"لأنّ الآية يجب أن يُنظر إليها من خلال السياق القرآني أي من خلال النظر إلى ما قبلها وما بعدها من الآيات لنفهم المعنى الذي تشير إليه، فنجد أنّ الآيات التي سبقت الآيات السابقة تحدّثت عن نفي الشريك لله تعالى، ثم جاءت بعدها آيات تحدّثت عن الأرض والجبال الرواسي، وعن الفجاج في هذه الجبال، وعن السماء والليل والنهار، وعن الشمس والقمر، قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ . وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ . وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ . وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (الأنبياء،26-3""

وأقول : المتكلمون في الإعجاز لا ينكرون شيئاً من هذا ، ولا يغفلون السياق إطلاقاً والآيات غرضها إقرار توحيد الإلهية وهذا لا نزاع فيه .

ثم يقول الدكتور:

"بالنظر في السياق إلى آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى فتق السماوات والأرض, بل تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، من أجل استمرار الحياة"

وهذا كلام عجيب من الدكتور كيف لا تشير إلى فتق السماوات والأرض والله يقول:
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا" !!!!؟؟؟

ثم يقول الدكتور مؤكداً:

"وبالنظر في سياق آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى مثل هذا بحال من الأحوال"

ونقول نفس التساؤل:
وهذا كلام عجيب من الدكتور كيف لا تشير إلى فتق السماوات والأرض والله يقول:
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا" !!!!؟؟؟

ثم يقول الدكتور:

" بل إنها تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر من أجل استمرار الحياة، وأنّ وجود إله واحد هو الذي جعل الأمور السابقة متساوقة، ويكمل بعضها بعضًا، ولا يتناقض فيها أمران، ولا تتدافع ظاهرتان إلخ...، فالجليّ أنّ الحديث عن السماوات والأرض المقصود منه التدليل على وحدانية الله،"

وأقول لا أحد ينازع في هذا أن الآيات واردة في التدليل على وحدانية الله.
وأقول: إذا كان الدكتور الفاضل وقف عند هذا الحد في فهمه للآيات فأقول : إن غيره رأى أن في قول الله تعالى متوجها بالخطاب للكفار على وجه الخصوص أمراً أبعد مما وقف عنده الدكتور ، ومن حق المخاطب بهذا القرآن أن يتدبر نصوصه ويختبر مدلولاتها ومصداقيتها ، فإذا فعل ذلك وتوصل بما وهبه الله من عقل وإعمال النظر في صدق هذا القرآن وأن الآيات المسطورة موافقة للآيات المنظورة فهل يصح أن نقول هذا من التعسف وتحميل الآيات ما لا تحتمل ؟
إنه أمر عجيب ومنطق غريب فعلاً!!!

ثم يقول الدكتور:
"ومما يؤكّد ذلك أنّ المفسّرين القدماء فسّروا الآية المذكورة فقالوا: إنّ السماوات والأرض كانت مغلقتين ففتحناهما، فالسماء فتحها الله بإنزال الماء منها، والأرض فتحها بأن انبثق النبات منها، ومما يدعم هذا التفسير هو انتهاء الآية بقوله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" وهي تشير إلى أنّ إنزال الماء من السماء هو السبب في حياة كل المخلوقات: الإنسان والحيوان والنبات."

فأقول:
أولاً: أن هذا تفسير وقول من الأقوال وفي الآية أقوال أخرى ، فهذا الطبري يقول:

"يقول تعالى ذكره: أو لم ينظر هؤلاء الذي كفروا بالله بأبصار قلوبهم، فيروا بها، ويعلموا أن السماوات والأرض كانتا رَتْقا: يقول: ليس فيهما ثقب، بل كانتا ملتصقتين، يقال منه: رتق فلان الفتق: إذا شدّه، فهو يرتقه رتقا ورتوقا، ومن ذلك قيل للمرأة التي فرجها ملتحم: رتقاء، ووحد الرتق، وهو من صفة السماء والأرض، وقد جاء بعد قوله(كانَتا) لأنه مصدر، مثل قول الزور والصوم والفطر.
وقوله(فَفَتَقْناهُما) يقول: فصدعناهما وفرجناهما.

ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله السماوات والأرض بالرتق:وكيف كان الرتق، وبأيْ معنى فتق؟

فقال بعضهم: عنى بذلك أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما بالهواء.

* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ) يقول: كانتا ملتصقتين.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله( أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)... الآية، يقول: كانتا ملتصقتين، فرفع السماء ووضع الأرض.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله( أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) كان ابن عباس يقول: كانتا ملتزقتين، ففتقهما الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) قال: كان الحسن وقتادة يقولان: كانتا جميعا، ففصل الله بينهما بهذا الهواء.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أن السماوات كانت مرتتقة طبقة، ففتقها الله فجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت كذلك مرتتقة، ففتقها، فجعلها سبع أرضين*
ذكر من قال: ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى( رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) من الأرض ستّ أرضين معها فتلك سبع أرضين معها، ومن السماء ستّ سماوات معها، فتلك سبع سماوات معها، قال: ولم تكن الأرض والسماء متماسَّتين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) قال: فتقهنّ سبع سماوات، بعضهنّ فوق بعض، وسبع أرضين بعضهنّ تحت بعض.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: سألت أبا صالح عن قوله( كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) قال: كانت الأرض رتقا والسماوات رتقا، ففتق من السماء سبع سماوات، ومن الأرض سبع أرضين.

وقال آخرون: بل عنى بذلك أن السماوات كانت رتقا لا تمطر، والأرض كذلك رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) قال: كانتا رتقا لا يخرج منهما شيء، ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات. قال: وهو قوله( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ) .
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي، قال: ثنا أبي، عن الفضيل بن مرزوق، عن عطية، في قوله( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) قال: كانت السماء رتقا لا تمطر، والأرض رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات، وجعل من الماء كل شيء حيّ، أفلا يؤمنون؟
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) قال: كانت السماوات رتقا لا ينزل منها مطر، وكانت الأرض رتقا لا يخرج منها نبات، ففتقهما الله، فأنزل مطر السماء، وشقّ الأرض فأخرج نباتها، وقرأ( فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ).
وقال آخرون: إنما قيل(فَفَتَقْنَاهُما) لأن الليل كان قبل النهار، ففتق النهار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خلق الليل قبل النهار، ثم قال: كانتا رتقا ففتقناهما.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا من المطر والنبات، ففتقنا السماء بالغيث والأرض بالنبات.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله: ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) على ذلك، وأنه جلّ ثناؤه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبابه."

وهذه الأقوال التي أوردها الطبري ورجح أحدها تدل على أن الأفهام اختلفت في معنى الآية وهي محل اجتهاد وقول أحد المجتهدين ليس حجة على الآخر ، وعلى أي من الأقوال حملت الآية لا يمنع من أنها تحتمل معاني أخرى وجوانب أخرى من الفهم منطوقا ومفهوما وإشارة.

وهنا نلاحظ أن الدكتور حجر واسعا حيث اختار أحد الأقوال ومنع بقية الفهوم والاجتهادات وهذا في نظري لا يمت إلى البحث العلمي الجاد بصله .

والله أعلى وأعلم
وللحديث بقية
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
 
إن هناك ركنا أساسيا في هذا المجال يغفل عنه دعاة الإعجاز ..
ولن أطيل ولن أقتص من المواضيع ما يحلو لي ، وما أستطيع - ولو بشيء من التعسف الرد عليه - ولكن أقول :
هذا القرآن نزل على أمة معينة ، ولا شك أنها مخاطبة به .
هذا أولا .
ثانيا : هل الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يفهمون نظرية الإنفجار الكبير .؟
أم أنهم كانوا يفهمون ما قال الله تعالى : أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين أو مغلقتين ثم فرق بينهما ؟
ثالثا : إن نظرية الإنفجار الكبير لا تقول حتى ما يقوله أهل الإعجاز ؛ فإنها تنص على أن الكون كله ، وليس السماوات والأرض فقط ؛ بل كل موجود ، كان عبارة عن نقطة يجهلون ما قبلها ؛ وما الذي دعاها للإنفجار ؛ والمهم أنها انفجرت ؛ فنتج عنها هذا الكون الذي يتمدد من لحظة الإنفجار تلك - مع عدم إدراك لحظة الانفجار وعدم تحديد أقل مقياس زمني لها .
رابعا : وأنبه عليها دائما :
1 - تفاسير السلف مناقضة لتفاسير أهل الإعجاز مناقضة لا يصح الجمع معها .
2- فهل نكذب تفاسير أهل الإعجاز ، ويصدق تفاسير السلف الصالح ، أم نعكس.
الله تعالى هو وحده القادر على هداية التوفيق نسأله ذلك للجميع .
 
يقول الدكتور غازي التوبة :
"ولكننا نجد عند البحث الدقيق أنّ هناك اعتسافًا في التعامل مع الآيات الكريمة التي ربطوها بالإعجاز العلمي.

فهم اقتلعوها من سياقها الذي وردت فيه من أجل تأدية غرض معيّن، وربطوها بالنظرية العلمية التي اكتشفت حديثًا دون النظر إلى ما قبلها وما بعدها، وهذا خطأ كبير في فهم القرآن الكريم وفي التعامل معه"

وأقول:
هذه دعوى من الدكتور لا دليل عليها.
 
يقول الدكتور غازي التوبة:

" وبالغ بعضهم في الإشادة بالإعجاز العلمي، فاعتبر أنّ الربط بين الآية الكريمة والنظرية الحديثة هو الذي أفهمنا إيّاها، وهذا اتهام للقرآن بأنه طلاسم وألغاز ومغاليق، كانت تُتلى من المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا دون فهم أو استيعاب"

وهذا كلام يفتقر إلى الدقة لأنه إذا كشف العلم عن معنى يحتمله اللفظ القرآني فلا يعني هذا أن القرآن كان طلاسم وألغازا ومغاليق.

ثم يقول:

"وهذا غير صحيح فالقرآن الكريم كتاب عربي مبين، ويتميّز عن الكتب السماوية الأخرى بأنه كتاب علم وعقل، وتوصف معجزة القرآن الكريم الخالدة بأنها معجزة بيانية عقلية"

أقول: هذا كلام يفتقر إلى الدقة وإن الدكتور تكلم به أو كتبه دون أن يمحصه وينظر في مدى صحته فكل الكتب السماوية كتب علم وعقل لأن مصدرها واحد وهو الله تعالى ، إلا إذا كان يقصد بالكتب السماوية الكتب المحرفة المزعومة المنسوبة إلى السماء فحينها لا يجوز له أن ينسبها هو إلى السماء ولا يقارن بينها وبين القرآن كلام الله.

ثم يقول الدكتور:
وتوصف معجزة القرآن الكريم الخالدة بأنها معجزة بيانية عقلية"

وأقول:
هذا تناقض من الدكتور فهو يصف القرآن بأنه معجزة بيانية عقلية ، ثم يحجر على العقل أن يتدبر ويستنبط ويفهم ويدعوه إلى أن يكون بليدا مقلدا يردد قول الآخرين بلا حجة .
 
يقول الدكتور غازي التوبة:

"الأول: قال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات،47).
"الحديث القرآني عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال، بل المقصود توجيه نظر الإنسان وقت نزول القرآن الكريم والآن وفي المستقبل إلى مشهد بديع يملأ العين والقلب بعشرات الأفكار والمشاعر"

أقول:
لم يقل أحد إن الحديث القرآني عن سعة السماء المقصود منه طرح نظرية علمية.
ونتفق مع الدكتور أن "المقصود توجيه نظر الإنسان ........... بعشرات الأفكار" ومنها التفكر في مدلول هذه اللفظة.


ويقول الدكتور غازي التوبة:

"أشار باحثو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم إلى أنّ الآية "وإنّا لموسعون" أشارت إلى نظرية تمدّد الكون واتساعه التي اكتشفها العلم حديثًا، وهذا قول مجانب للصواب، وتحميل للآية ما لا يحتمله سياقها في السورة. فمن الواضح عند النظر إلى الآية في سياق سورة الذاريات أنّ الآية بدأت بمقطع يتحدّث عن بعض مظاهر قدرة الله تعالى في السماء والأرض، وعن حكمة الله في خلق الأزواج فقال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات،47-49).

وقد جاء هذا المقطع بعد إخبار الله لنا في المقطع السابق من السورة عن إهلاك عدّة أقوام، منها: قوم لوط، وقوم فرعون، وقوم عاد، وقوم ثمود، وقوم نوح، ثم يأتي أمران للعباد بعد آيات إهلاك الأقوام، وآيات السماء والأرض والأزواج، هما: الفرار إلى الله، والتحذير من الإشراك معه شيئًا آخر، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ" (الذاريات،50-51)، وهذان الأمران مطلوبان لأنّ الله هو ربهم ومليكهم وخالقهم، وهو العظيم القادر على أن يحفظهم ويرعاهم، وأن يمدّهم بكل أسباب النماء والقوّة إلخ...، فمن الجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء وما فيها من أفلاك ونجوم وكواكب ومجرّات إلخ... -وهي ظاهرة واضحة للعيان يراها الإنسان بشكل جليّ- يدل على عظمة الله وقدرته وجبروته وحكمته إلخ...، ويبني في قلب الإنسان تعظيم الله، وتقدير قدرته، ويدفعه للخضوع لله سبحانه وتعالى. "

وأقول :
لا أحد ينازع أن المراد من الآيات وهدفها هو التدليل على قدرة الله وعظمته ووحدانيته ومن ثم الدعوة إلى عبادته وحده لا شريك له ، وهذا لا يتعارض مع القول إن فيها دلالة على توسع الكون وتمدده ، فإذا ثبت أن لفظ "لموسعون" يحتمل معنى التوسيع والتمديد فلماذا لا يكون سبقا قرآنياً إذا ما ثبت أن التمدد حقيقة كونية؟.
 
الأخوة الكرام،

لا شك أننا نكرر ونكرر، ولا بأس أن نذكّر:

1. مقال الأستاذ القرضاوي ينص على أن من الرافضين للإعجاز العلمي كبار علماء، ومن المؤيدين كبار علماء. فالأمر فيه فسحة.
2. كلما قرأت لحجة الإسلام الغزالي أدهشني بسبقه لعصره، بل وسبقه للكثير ممن يعيشون عصرنا. وهذا لا يعني أن نقبل منه كل قول، لا هو ولا أي إنسان ليس بنبي.
3. لا شك أن للشاطبي عقلية جبارة وعلى الرغم من ذلك يدهشك بتهافته رحمه الله عند حديثة عن أمية المرسل إليهم. وإذا كان كلامه صحيحاً فأين نضع فكره هو؟!!
4. رسالة الإسلام لم تنزل إلى قوم بعينهم ولا إلى عصر بعينه بل هي إلى البشرية إلى يوم القيامة. وهي بلسان عربي وليست للعرب فقط. وكلٌ يأخذ بقدر وعيه وعلمه وتجاربه....ألخ.
5. ما للسلف وللعلوم الكونية؟! لا نشك لحظة أنهم كانوا أعجز من أن يفهموا دلالات الآيات والأحاديث التي فيها إشارات علمية. وقد شهد لهم القرآن الكريم بالخيرية ولم يشهد لهم بالعلم.
6. أما آن لنا ندرك أن أعلم الناس باللغة العربية قد يكون أجهلهم بالعلوم الكونية. وأن أعلمهم باللغة قد يكون أصغرهم في علوم السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو النفس أو التاريخ أو أو ...ألخ.
 
يقول الدكتور غازي التوبة:

"طالما أنّ هناك اعتسافًا وإسرافًا في الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فما هي الحِكَم والمقاصد والأهداف التي استهدفتها الآيات التي أشارت إلى الكون والطبيعة والإنسان والشمس والقمر والمطر والسحاب والجنين إلخ...؟ الحقيقة أنّ هناك عدّة حِكَم ومقاصد وأهداف من هذه الآيات، وهي قد تكون أجلّ وأسمى وأصوب وأجدى على الإنسان المسلم من الحديث عن الإعجاز العلمي، وهذه الحِكَم والمقاصد والأهداف هي:
الأول: البناء النفسي للمسلم:.......
الثاني: البناء العقلي للمسلم:..............
الثالث: التدليل على وحدانية الخالق:...............
الرابع: التدليل على وحدة المخلوقات:................
الخامس: التدليل على ضرورة وجود اليوم الآخر:.....................
السادس: التدليل على إمكانية بعث الأموات:...................
السابع: التدليل على بعض صفات الله:.............................

وأقول:
كل ما ذكره الدكتور لا يمنع من القول بالإعجاز العلمي إطلاقا، بل إنه يدعم حقيقة وجود الإعجاز العلمي.

ثم إنه بعد ذلك في آخر مقاله يرجع إلى بعض الأقوال في الإعجاز العلمي ويقبلها ولا يرى في ذلك بأس حيث يقول:

والسؤال الآن: هل يعني ذلك ألاّ نستفيد من كل الاكتشافات العلمية الحديثة في مجال الفلك والطب والنبات والحيوان والإنسان والأنهار والجبال إلخ...؟ لا ليس هذا صحيحًا، بل يجب أن نستفيد، وأن نوسّع آفاق فهم الآيات ونعمّقه من خلال الربط بين الحقائق المكتشفة ومعاني الآيات، فيزداد المسلم تعظيمًا لله، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وحبًّا له سبحانه وتعالى، ويمكن أن نضرب على ذلك المثال التالي:

قال تعالى: "وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" (الطارق، 11-12). وقد فسّر العلماء قوله تعالى: "والسماء ذات الرجع" بأنها هي السماء التي ترجع المطر، وقوله تعالى: "والأرض ذات الصدع" بأنها الأرض التي تتشقّق فيخرج منها النبات، وليس من شك في أنّ ظاهرتي الإمطار والإنبات ظاهرتان عظيمتان، تؤثّران في قلب الإنسان وعقله، فيتوجّه إلى الله بالتعظيم لأنه أنزل المطر الذي ترتبط به حياته أشدّ الارتباط، ويحبّه تعالى لأنه أغاثه بهذا الماء، ويتفاعل عقله مع هاتين الظاهرتين فيجد في هاتين الظاهرتين علمًا لله، وحكمة وقدرة وخبرة ورحمة وقوّة إلخ...
ليس من شك في أنّ العصر الحديث أضاف لنا معلومات هائلة، وحقائق متعدّدة، ونظريّات مختلفة عن كل الظواهر المحيطة بنا، ومن الطبيعي أن يستفيد منها علماء المسلمين في تعاملهم مع القرآن
"

لكنّ العلوم الحديثة أضافت لنا معلومات حديثة حول دور السماء، فهي ليست السماء الماطرة فقط، بل تقوم بدور آخر، فهي ترجع لنا بالإضافة للمطر ثلاثة أشياء هي: الضوء، الحرارة، موجات البث الإذاعي والتلفزيوني. وترجع عنّا أربعة أشياء، هي: الأشعة فوق البنفسجية، الشُهُب، أشعة كونية قاتلة، الجُسيمات الذرية. ويمكن أن يضيف المفسّر هذه المعاني في شرح الآية، فتعطيها أُفُقًا أوسع وأرحب، وتجعل المسلم يزداد تعظيمًا لله، وحبًّا له، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وثقة به إلخ... ليس لأنّ السماء أرجعت المطر فقط، بل لأنّ السماء قامت بأشياء أخرى غير المطر، ولا تقل قيمة وأهمية وفائدة عن المطر.

نخلص إلى أنه مع القول بالإعجاز ولكنه يقبل البعض ويرفض البعض ولم يبين على أي أساس فعل هذا.
 
الإخوة الأفاضل :
ما لنا نتكب الطريق ؛ ونحتال على أنفسنا :
الذي نتكلم عنه الآن هو المقال الأخير الذي أضافه الأخ طارق عبد الله ، ونقله عن الدكتور القرضاوي .
هذا هو محل النقاش أما الموضوع الآخر فقد أشبعناه نقاشا من قبل ؛ ولم نتوصل من خلاله إلى نتيجة لأسباب كثيرة ..
أما من يثني على الغزالي ، ويصفه بما وصفه به المتصوفة من أنه حجة الإسلام فعليه أن يقرأ عن الغزالي كثيرا ليرى أنه من أجهل الأمة بالشريعة الإسلامية ؛ صحيح أنه متفلسف ، وأن له كتبا مليئة بالبدع ، والتأصيل للحلول والاتحاد ، ولكن هذا لا يعني العلم في شيء ؛ فالعلم هو قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم قال الصحابة ؛ وهذه الهرطقات الأخرى يستطيع أي عامي أن يتكلم فيها ، والرأي ليس علما ولا يمت إلى العلم بصلة ..
أما من يتجرأ على السلف ويقول عنهم : "ما للسلف وللعلوم الكونية؟! لا نشك لحظة أنهم كانوا أعجز من أن يفهموا دلالات الآيات والأحاديث التي فيها إشارات علمية. وقد شهد لهم القرآن الكريم بالخيرية ولم يشهد لهم بالعلم"
فلا أعرف كيف أجيبه ؛ إن أجبته بالحقيقة والواقع ؛ فسوف ينتقل الكلام إلى تجريح شخصي ، وإن سكت سكت على غيظ لسبيين :
الأول : اتهامه للسلف بأنهم كانوا أعجز من أن يفهموا هذه الدلالاات الكونية ، وهذا جهل عظيم بالسلف ؛ فإنهم قد فهموا واستوعبوا أصعب من هذا النقير من العلم ، وأحاطوا علما بما لو اجتمع جميع النصارى ومن معهم ومن يسير على نهجهم ومن تعجبه آراؤهم لم يستطيعوا فهم أقل قليل منه.
الثاني : أنه يقول ولم يشهد القرآن لهم بالعلم ، ما هذا التجرؤ ، والجهل بكتاب الله تعالى .
ألم يقل الله تعالى : "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم"
وقال جل من قائل : "حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم"
إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحضرني الآن .
فما أجرأ من يقول هذا الكلام يمثل هذه البساطة .
والله المستعان وعليه التكلان..
 
ثم بعد تصفحي للمواضيع المفيدة في هذا الملتقى المبارك وجدت تنبيها للأخ أبي مجاهد العبيدي في موضوع له بعنوان : دراسة أقوال المفسرين في قوله تعالى : "أمرنا مترفيها" ..
فوجدته يصب في موضوعنا ؛ فأضفته تعميما للفائدة :
وهذا نصه :
تنبيه : من قواعد التفسير : ( إذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها ، فخرج عن قولهم لم يلتفت إلى قوله ، ولم يعدّ خلافاً .)([26])

وعبر بعضهم عن هذه القاعدة بقوله : ( إذا اختلف السلف في تفسير الآية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم .)([27])

وقد بيّن ابن القيم سبب رد القود المحدث بقوله : ( إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين : إما أن يكون خطأً في نفسه ، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأً ؛ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف.)([28])

والقول المحدث يُرد إذا كان يلزم منه ردّ أقوال السلف ، وأما إذا كانت الآية تحتمله مع أقوال السلف ، وهو غير مخالف لها ؛ فلا وجه لرده ، ولا مانع من قبوله إذا كان صحيحاً في نفسه . اتنهى كلامه حفظه الله
فهل تدخل أقوال أهل الإعجاز في هذا التنبيه أم لا ؟
 
الأخ الكريم إبراهيم،

1. هل عجز القدماء عن فهم ما يتعلق بالعلوم الكونية تهمة؟! يعني إذا قلت: كان ابن عباس رضي الله عنه يجهل علوم الكيمياء أكون قد اتهمته بما هو منزه عنه.
لا يا أخي، لن نكون كأهل الجاهلية الأولى الذين يقولون بل وجدنا آباءنا. وقد سبق لي في أكثر من مداخلة أن طلبت إعطائي دليلاً نصياً واحداً يشهد للصحابة والتابعين بالعلم دون غيرهم من الأجيال، أما الشهادة بالخيريّة فنعم. وتاريخ الصحابة والتابعين يشهد أنهم كانوا يقبلون الاختلاف في الفهم ويمارسونه، ويستدرك بعضهم على بعض، ولم يشهدوا لأنفسهم بالعصمة في الفهم، ونحن على سنّتهم.
2. وأرى أنه من تحريف الكلم أن تفهم قوله تعالى:"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم"، أنه شهادة للسلف دون الخلف، فالذين أوتوا العلم لا زمان لهم معيّن.
3. مسيرة جماهير المفسرين عبر 1400 سنة لا تعترف بقواعد يريد أن يمليها علينا بعض من أتقنوا علم النحو والصرف وهمهم حفظ المتون وشروحها ليبقوا في دائرة التقليد وتقديس الآباء.
 
[align=center]إخوتي في الله
ماهكذا تناقش الأفكار !!!!
نحن في منتدى علمي!!! فلنلتزم بمنهجية أهل العلم وأدبهم في الطرح والنقاش
لكل منا أن يناقش ولكن بالدليل والحجة والبرهان ... أما أن يجرح بمسلم بمثل هذا التجريح...الذي نيل به من ذمة ودين وعلم الإمام العزالي رحمه الله .... فلا نرضى !!! أخي الكريم ناقش قوله ...رده بالدليل أما أن تقول أنه (( أجهل الأمة بالشريعة الإسلامية)) فما أظن أن مسلماً يرضى بما قيل... فضلا أن يكون من أهل وطلابه ولو كان ممن يخالفه في بعض أو كثير مما يذهب إليه... أو مما ينسب إليه رحمه الله تعالى!!!!
ولو لم يكن له إلا تهافت الفلاسفة لكفاه ...!!!!
فهذا باب يجب ألا يفتح ولغة يتنزه عنها أهل العلم ....!!![/align]
 
أخي الكريم : طارق عبد الله .
جزاك الله خيرا على التنبيه ، ولكن ألم تنتبه لما قال الأخ البيراوي في شأن السلف الصالح ، وأولهم الصحابة .
إنما انتبهت لما قلت أنا في الغزالي .
أنت أفضل عندي من هذا .
ولعلمك وعلم غيرك فإني لم أقل هذا الكلام عن الغزالي ؛ بل قاله أئمة الهدى ، وكلامهم على الغزالي مدون في كتبهم لمن أراد الرجوع إليه .
والذي دعاني لما قلت - وإن كنت ناقلا له - هو تهجم الأخ على السلف وقوله فيهم وهو مدون في مداخلته ؛ ثم مدحه للغزالي ، وشتان بين السلف والغزالي .
والغزالي نفسه تهجم على علماء السلف كمالك وغيره ؛ ونعت فهمه للأسماء والصفات بأنه فهم العوام ؛ بل وتهجم على إماميه الأشعري والجويني ؛ فلماذا لا يسمح لطلبة العلم بنقل كلام أهل العلم عليه .
ألا يكفي الغزالي شهادة تلميذه أبي بكر حين قال :"دخل شيخنا أبو حامد في بطون الفلاسفة فما قدر أن يخرج منها "
إذا كان ذلك لا يكفيه ؛ أفلا تكفيه شهادته على نفسه بقوله :"بضاعتي مزجاة في الحديث".
لا يهمني هنا تتبع أقوال أهل العلم في الغزالي ؛ فمن أراد أن يدافع عنه فكلام أهل العلم عليه موجود .
فمن أراد أن يرد عليهم فليؤلف كتابا يجمع فيه أقواله ومآخذ السلف عليه ؛ وسأكون أول القارئين له ، وأول المؤمنين بما فيه إن كان حقا.
أما قول البيراوي بأن الآيتين اللتين ذكرت له لا تدلان على علم الصحابة ؛ فليرد هو الآخر على المفسرين الذين يقول إنهم فهموا ما لم يفهمه الصحابة ؛ فليرد على القرطبي وابن جرير والشنقيطي وغيرهم فكلهم قالوا إن هاتين الآيتين وردتا في الصحابة ، وأنهم هم أهل العلم إن كان له أهل .
 
الأخ الكريم إبراهيم،

1. مداخلاتي موجودة ويستطيع كل أحد أن يرجع إليها ليعلم أنها تخلو تماماً من التهجّم.
2. ولكن يبدو أنّ قناعاتك قد مُسّت من قِبلي فاعتبرتَ ذلك تهجماً. ثم نتهجم على من؟!! على السلف أم على العلماء في أي عصر؟! أقول لك إنه لم يصدر مني في حياتي كلها أن تهجّمت على عالم يخالف في فهم. وحتى أولئك الذين يعلمون طلابهم كيف يشتمون العلماء المخالفين نستغفر لهم لما نلمس منهم من الصدق وقوة العاطفة. أما علماء السوء فشأنهم مختلف.
3. لا أكتمك أخي إبراهيم أنني أدرك موقفك تماماً من خلال مداخلاتك في أكثر من موضوع، ومن هنا أصبح كلامي مباشر في مناقشة ما أعتبره من الخطأ، وأنت اعتبرت الوضوح والمباشرة من التهجم.
 
5. ما للسلف وللعلوم الكونية؟! لا نشك لحظة أنهم كانوا أعجز من أن يفهموا دلالات الآيات والأحاديث التي فيها إشارات علمية. وقد شهد لهم القرآن الكريم بالخيرية ولم يشهد لهم بالعلم.
.

أخي الكريم : بماذا تسمي هذا ، وبماذا تفهمه؟
الذي أفهم من هذا الكلام ما يلي :
1 - أنه تهجم على السلف.
2 - أنه اتهام لهم بأنهم كانوا يجهلون معاني بعض آيات القرآن الكريم ، وأن دعاة الإعجاز فهموها.
3 - أنه افتراء على كتاب الله تعالى بأنه لم يشهد لهم بالعلم ؛ في حين أنه شهد لهم بالعلم في كثير من الآيات ، وعرفه بالألف واللام ؛ حتى يبين أنه هو العلم الحقيقي.
أما فهمك لموقفي وفكري ؛ فلا يحتاج إلى ذكاء كبير ؛ لأنه مكتوب بلغة بسيطة مفهومة لأبسط العوام .
وعندك من الفضائل في نظري ما هو أكثر من مجرد فهم موقفي ..
بارك الله فيك وهدانا وإياك للانتصار لآرائنا دون طعن في سلف الأمة ، أو تقويل كتاب الله تعالى ما لم يقله.
 
الأخ الكريم إبراهيم،

1. تقول:"أنه اتهام لهم بأنهم كانوا يجهلون معاني بعض آيات القرآن الكريم": هذا يعني أنك تقول إنهم كانوا يعلمون كل معاني القرآن الكريم. فمن أين لك هذا؟! ثم أين هذا التفسير لكل معاني القرآن الكريم المنقول عن الصحابة؟! أم أن الأمر من قبيل الرجم بالغيب.
2. تقول إن القرآن قد شهد للصحابة بالعلم في آيات كثيرة، وأنا يكفيني آية واحدة، فأين هي؟!
3. يبدو أننا إما أن نشهد للصحابة الكرام بكمال العلم أو نُتهم بالتهجم عليهم. لا والله لا نقول بعصمة أئمة الشيعة ولا بعصمة الصحابة، ثم الله يحكم بيننا.
4. أما تحليلي الشخصي لمثل هذه المواقف: فإنها بذور الوثنية التي جعلت البشرية تنحرف عن منهج أنبياء الله.
 
أخي الكريم : هذا الطرح فيه ضعف شديد ، ومع ذلك سوف أتحمل العناء لأجيبك عنه بما أرجو أن تحصل منه فائدة :
أولا : أنت ترد على نفسك ؛ لأن الشهادة بالخيرية تتضمن الشهادة بالعلم ؛ وأي خيرية تكون بالجهل .
ثانيا : طلبت آية تشهد للصحابة رضوان الله تعالى عليهم بالعلم وليس عندي الوقت للبحث في مظان ذلك ؛ ولكن تحضرني الآن آيتان :
الآية الآولى : قوله تعالى : {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ : 6]
الآية الثانية : قوله تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد : 16]
ولعل فيهما ما يكفي لإقناعك بأن الصحابة هم أعلم الأمة ؛ وأن علم التابعين والمفسرين إنما نالوه من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم .
ووصفهم بالعلم ليس فيه غلو وليست فيه وثنية كما تتصور ؛ بل هو محض الإنصاف ، والإيمان بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
أرجو أن لا ينحرف نقاشنا عن الموضوع ، ويجدنا زوار الملتقى في نقاش هل الصحابة علماء أم لا ؟
لأن هذا مجرد عبث ؛ بل أقل شأنا من العبث .
 
الأخ الكريم إبراهيم،

1. تقول إن الشهادة بالخيرية تعني الشهادة بالعلم، وهذا يعني أنه كلما ازداد المرء علماً ازداد خيرية. وعليه أصبح معنى:" كنتم خير أمة": أي أعلم أمة أخرجت للناس. بارك الله فيك، هل لك من سلف في هذا التفسير؟!
2. سبق أن قلنا إن (الذين أوتوا العلم) تشمل كل من أوتي العلم في أي عصر من العصور. وفي الصحابة من أوتي العلم على تفاوت بينهم، كأي أمة من الأمم؛ أي أن أهل العلم يوجدون في كل العصور إلى أن يأذن الله برفع العلم. والمسلمون في كل عصر يتفاوتون في درجاتهم العلمية.
3. ارجع إلى الآية 80 من سورة القصص لتجد أن الذين أوتوا العلم موجودون قبل الإسلام. ثم ماذا تقول في قوله تعالى:" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، هل المقصود الصحابة دون غيرهم من أجيال الأمة الإسلامية؟!!
 
اخي الكريم : البيراوي
لقد قلت ، ولا زلت أقول : إن الشهادة بالخيرية تتضمن الشهادة بالعلم ، وأنه لا خيرية مع الجهل .
أما تمثيلك الصحابة بأي امة أخرى ؛ فتلك نظرتك الخاصة .
والذي أدين الله تعالى به أنهم ليسوا كأي أمة ؛ بل لا توجد أمة ولا قرن يماثلهم علما وورعا وتقى ..
أما طلبك الرجوع إلى آية القصص ؛ فلا احتاج إلى ذلك ؛ لأني لم أنف أن في الذين قبلنا من أوتي العلم .
أما قولك في تفسير آية "كنتم خير أمة أخرجت للناس " بأنها تعني أعلم أمة ؛ فذلك لم أقله ؛ وإن كان هو الحق ؛ فهذه الأمة هي أعلم أمة وخير أمة.
أما الأخ حجازي الهوى ؛ وتدخلاته في توقيت جيد لمساندة الموافقين له ؛ فأقول له .
العلم عندما أقولها إنما أقصد بها العلم الشرعي ، وعندما يطلقها علماء السلف إنما يعنون بها العلم الشرعي لا غير .
وهو مناط الخيرية في الدنيا والآخرة .
ولا زلت أرجو وآمل أن لا ننصب أنفسنا محل سخرية الجميع بنقاشنا علم الصحابة ؛ فالبحث فيه بالنسبة لي غير مفيد ؛ لأن عقيدتي في علمهم ، وأنهم أعلم هذه الأمة وغيرها من الأمم ؛ لن يتزحزح إلا بقول معصوم ، ولا أخال أحدا من طلبة العلم يدعي العصمة ، أو يدعي أن عنده نقلا عن المعصوم في أنهم من أجهل الناس بعلوم معينة أو غير ذلك من الأوصاف ..
 
الأخ الكريم إبراهيم،

كل واحد منا على قناعاته قائم، والذي يهمني هنا أهل الملتقى، فكل مهتم منهم يطلع ويحكم بما أعطاه الله من نعمة العلم والفقه.
بارك الله لك في علمك وسددك بإخلاصك.
 
أخي : البيراوي .
أما أنا فتهمني أنت كما يهمني أهل الملتقى .
بارك الله فيك وفي علمك ؛ وهدانا وإياك لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
 
أما الأخ حجازي الهوى ؛ وتدخلاته في توقيت جيد لمساندة الموافقين له ؛ فأقول له .
العلم عندما أقولها إنما أقصد بها العلم الشرعي ، وعندما يطلقها علماء السلف إنما يعنون بها العلم الشرعي لا غير .
وهو مناط الخيرية في الدنيا والآخرة .
ولا زلت أرجو وآمل أن لا ننصب أنفسنا محل سخرية الجميع بنقاشنا علم الصحابة ؛ فالبحث فيه بالنسبة لي غير مفيد ؛ لأن عقيدتي في علمهم ، وأنهم أعلم هذه الأمة وغيرها من الأمم ؛ لن يتزحزح إلا بقول معصوم ، ولا أخال أحدا من طلبة العلم يدعي العصمة ، أو يدعي أن عنده نقلا عن المعصوم في أنهم من أجهل الناس بعلوم معينة أو غير ذلك من الأوصاف ..

الأخ إبراهيم لماذا هذه الحدة؟
لماذا لا تحسن الظن بإخوانك؟
أنا لا أتدخل لمساندة أحد لأنه ذلك الأحد ، وإنما أتدخل لعلي أشارك في المساعدة للوصل إلى الحق.

ثم إن الخيرية قد تكون با لإيمان والعلم ، وبالإيمان وحده.
وأما علم الصحابة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فليس محل نقاش ، فهم في الجملة أعلم الناس بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولكن نقول إن الله قد استودع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من العلوم والمعارف والإشارات بحيث يستنبط كل جيل بقدره وحاجته وبما يتناسب مع الأحداث المستجدة في الحياة الإنسانية ومن ثم يكون الجيل اللاحق قد ظهر له من دلالة الكتاب والسنة ما لم يظهر لمن سبقهم.

وهذا الأمر لا ينتقص من منزلة الصحابة ولا من تبعهم.

وأما طلبك نقلا عن المعصوم يبين أن الصحابة من أجهل الناس بعلوم معينة فهذا طلب عجيب لا أدري كيف صدر منك ؟
 
ثم إن الخيرية قد تكون با لإيمان والعلم ، وبالإيمان وحده.
وأما علم الصحابة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فليس محل نقاش ، فهم في الجملة أعلم الناس بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولكن نقول إن الله قد استودع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من العلوم والمعارف والإشارات بحيث يستنبط كل جيل بقدره وحاجته وبما يتناسب مع الأحداث المستجدة في الحياة الإنسانية ومن ثم يكون الجيل اللاحق قد ظهر له من دلالة الكتاب والسنة ما لم يظهر لمن سبقهم.

وهذا الأمر لا ينتقص من منزلة الصحابة ولا من تبعهم.

وأما طلبك نقلا عن المعصوم يبين أن الصحابة من أجهل الناس بعلوم معينة فهذا طلب عجيب لا أدري كيف صدر منك ؟

أولا : قولك إن الخيرية قد تكون بالإيمان وحده ؛ فلا أدري أيؤمن أحد بما يجهله ؛ هذا الطرح ينبغي لك مراجعته ؛ فهو بعيد عما عهدناه منك .
أما علم الصحابة ؛ فقد قلت لك إن خلافي مع الأخ البيراوي إنما هو في وصف القرآن الكريم للصحابة بالعلم ؛ والعلم إذا أطلق إنما يقصد به العلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه ، وهو العلم حقا ؛ أما شطحات العلوم التجريبية ، وما ينبثق عنها من فلك ونحوه فلا يسمى علما عند السلف ، وإنما جدت تسميته بالعلم مع ما جد ؛ فهو خارج عن محل النقاش .
وأما قولك إن الله استودع كتابه ...إلخ.
فالمهم عندي أن نتفق أنه لم يوجد ولن يوجد جيل أعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما استغرابك لطلبي نصا من المعصوم ..
فلو راجعت المداخلات بإنصاف ، غير إنصافك الحالي والسابق ، فستعرف سببه .
بارك الله في عقلك وعلمك .
 
أولا : قولك إن الخيرية قد تكون بالإيمان وحده ؛ فلا أدري أيؤمن أحد بما يجهله ؛ هذا الطرح ينبغي لك مراجعته ؛ فهو بعيد عما عهدناه منك .
.

لا مانع عندي من مراجعة ما أطرحه ولكني أدعوك أنت أيضا أن تكون منصفا وأن تحترم عقل المحاور والقاريء.

طرحي لا غبار عليه إذ أنت تعلم ماهو "العلم" الذي نتحدث عنه.
إذا كان كل مؤمن عالماً عندك فليس لأحد أن يرجع في مسألة إلى أحد ، ولا فضل لأحد على أحد.
 
أخي الكريم : لو بينت لأحد ما ضعف طرحه العلمي ؛ فإنما أقصد بذلك نصحه ..
وعهدي بك تنهى عن سوء الظن بالإخوان في مداخلتك السابقة ؛ فما بالك تنهى عن شيء وتأتي مثله .
أما الذي كنت أتكلم عنه ، وشعبته أنت وجماعتك فهو واضح ؛ وهو : هل شهد الله تعالى للضحابة بالعلم أم لا ؟ فالأخ البيراوي نفى شهادة الله تعالى لهم بالعلم ، وأنا أثبتها .
ثم أدخلت أنت الإيمان في موضوع نقاشنا ، وقلت إنه لا يستلزم العلم فقلت لك إنه يستلزمه ولا شك ..
فلا إيمان بلا علم قطعا إذ كيف يؤمن أحد بما يجهل ؟..
ومرة اخرى أدخلتمونا في قلت وقال وقالوا وحسن الظن وسوء الظن واحترام المحاور ومعايب المجادل وهلم جرا ..
أرى أنه من الأفضل أن نركز على الموضوع ونترك الهروب إلى الأمام ..
 
[align=center]قالوا للذين أوتوا العلم [/align]

العلم علمان:
علم مطلق ، وهو علم الله تعالى سبحان من ( وسع كل شيء علماً ).
وعلم مقيد ، وهو علم البشر.
ونعوذ بالله أن يكون عندنا اعتقاد أن العلم المطلق يكون عند المخلوقين ولو كانوا أنبئاء، وهذا الخلط بين الاثنين يضر أكثر مما ينفع.
والعلم الوارد في الآية هو العلم البشري بالوحي المسموع في ذلك المجلس المبارك (ومنهم من يستمع إليك...).
وهو علم مقيد بقيود كثيرة:
1) قيد الطبيعة البشرية ؛ فهم بشر لا يحيطون بكل شيء علماً، وليس معصومين من أن يتطرق إليهم جهل أو غضب أو معصية .
وليس كل الناس في العلم سواء (فسالت أودية بقدرها) ، وقد ذكر النبيء أنصباء الناس من العلم في تشبيهه إياه بالماء النازل وأنواع الأرض القابلة فمنها الروابي ومنها القيعان ومنها الصخور.
ورضي الله عن عمر قال حين وفاة النبيء، صلى الله عليه وسلم، في آية آل عمران (وما محمد إلا رسول...) لما تلاها عليهم أبو بكر: "كأنني ما سمعتها".. فلما سمعوها ثابوا إلى الحق.. رضي الله عنهم.
ومعلوم تقسيم الصحابة إلى طبقات من جهة العلم، وتقسيمهم هذا على تلك الطبقات شاهد على اختلافهم .
وهذه الآية الكريمة لا تنفي أن الكفار قد فهموا المراد من القرآن، وقد صرح بذلك أبو جهل (نعلم أن محمداً على حقّ)، ولكنهم رفضوا الإيمان عناداً.
2) قيد السياق ؛ فالآية نزلت تعرض بالكفار المنافقين الذين استمعوا إلى النبيء صلى الله عليه وسلم ، فلا يعُون ولا يفقهون تهاوناً منهم ، بما يُتلى عليهم من كتاب الله ، وتغافلاً عما يقوله لهم الرسول ويدعوهم إليه من الإيمان.. حتى إذا انقضى المجلس قالوا لمن سمع منه تلك الموعظة وفهم منه تلك الآية إنهم يتجاهلون ما أخبرهم به، على سبيل الهزء والاستخفاف؛ أي لم نفهم ما يقول ولم نر ما نفع ذلك الذي يقوله..
فهي تثبت موقفاً واحد، والحاضرون فيه معروفون، كابن عباس وأبي الدرداء وابن مسعود.
ولعل مثل هذه الآية قول قوم شعيب عليه السلام: (ما نفقه كثيراً مما تقول).
3) قيد الهدي القرآني وتربيته للصحابة ؛ ثَمّ آيات كثيرة وسنن لم يفعلها النبيء بعدُ إبان تنزل سورة القتال التي منها هذه الآية، فكيف يوصفون بالعلم المطلق المستغرق العام أو بعلم الكتاب بكماله، ولا زال القرآن لم ينقطع عنهم.. وما فائدة تعليم المتعلم؟!. ما هو إلا علم تعلّموه من الوحي، " أو فهماً يؤتاه أحدنا في كتاب الله " كما علي رضي الله عنه..
4) قيد اللغة ؛ اللام في كلمة العلم عهدية.. لا للاستغراق ولا للعموم..
وكلمة ( أوتوا العلم ) لا تعني بالضرورة أن الآخذ قد أخذه بكماله.. فهو قد قامت عليه من الله الحجة أنه قد أوتي علماً، وعليه أن يعمل به بعد ذلك.
وهي قريبة من (أوتوا الكتاب) (آتيناهما الكتاب المستبين)
وانسلخ منها بلعام (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها).
5) قيد الحضور لذلك المجلس؛ والحضور قرينة عهدية معروفة في لغة العرب. قال ابن مسعود: أنا منهم ، وسئلت فيمن سئل. وابن مسعود من علماء الصحابة رضي الله عنهم.
ثم هناك علوم حصلت للصحابة بعد وفاته، وللتابعين ولمن بعدهم، فهل هي منزوعة العلم.
والعلم في عرف الصحابة هو الملازم للعمل به والتقوى والشكران لله والقيام به (إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، هو هيئة كاملة، (إيمان + عمل) وهذا هو مناط الخيرية، وليس هو كثرة المعلومات التي تكون في أصغر حاسوب أو أصغر طالب علم من طلابنا (قارن بين مسند ابن عباس (1500 حديث) وطالب منا يحفظ البخاري مثلا (6000 حديث)، مع فقه ابن عباس وإيمانه! شتان).

ومثل آية القتال قوله تعالى في سورة سبأ:
(ويرى الذين أوتوا العلم...)
وزيادة ؛ أن (يرى) فعل مضارع يفيد التجدد الصالح لكل زمان ومكان ولكل عالم بالشرع من بني الإنسان.

فائدة: العلم الذي هو الإدراك والتمييز ليس هو شرط الإيمان.. فالإنسان قد يؤمن بما لا يعلم حقيقته، وقد يؤمن بما لا يحسن تصوره جملة وتفصيلاً، ويؤمن بما لا يستطيع التعبير عنه ولا الدعوة إليه.. وهو مع ذلك مؤمن .. وإن سرق وإن زنا.. فلماذا سمي إيماناً إذن (الذين يؤمنون بالغيب)، ولم يقول: يعلمون الغيب..

لقد ترك لنا الصحابة الكرام حملاً ثقيلاً من الإيمان الغامر الراسخ الذي وقر في أعماق القلوب الإيمان بمصداقية الرسالة والرسول والمرسل، ومن طرائق التفكير المتنورة ومن العزائم القوية المصابرة ومن نماذج الخير البشرية التي كانت تناصر الله بحق وتأخذ القرآن بقوة وتتبع الرسول بيقين .. في حركة دائمة بذلك آناء الليل وأطراف النهار.. فاستحقوا بذلك أن يكونوا خير القرون.
ولكن التقصير والخذلان والجمود هو ما كافأناهم بهم .. وأسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
 
هناك مشكلة وهي أن من شروط التوبة العزم على عدم العود .
وأعلم أني لو عدت ألف مرة ؛ ثم تبت أن باب التوبة مفتوح بشروطه .
ولكن أرجو أن لا أعود لما تبت منه .
 
قرأت الموضوع كله وما تلاه من مناقشة ومباحثة..
جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم..
أنا أؤيد الأخ الكريم (إبراهيم الحسني) في تأكيده على أفضلية فهم الجيل الإسلامي الأول للقرآن، فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضي الله عنهم).
يجب أن يكون لفهم القرآن الكريم معيار، بل يجب ـ أولا ـ أن ننتبه إلى أن للقرآن ـ كأي نص ـ معنى ثابتا وواحدا، فلا يمكن الآخذ بتصورات البعض التي تفيد أن للقرآن معنى متغيرا بتغير المخاطب والعصر، وبالتالي معنى متعددا بتعدد المخاطبين والعصور.
وهذا المعنى الواحد والثابت للقرآن، لا بد لاكتشافه وتشخيصه من معيار ومنهجية .
وهذا المعيار هو فهم الجيل الذي عايش نزول القرآن آية آية، جيل الذين نزلت فيهم الآيات وعاشوا مضامينها تجربة حية ، جيل الذين كانوا ـ عموما ـ يقرؤون القرآن ويفهمونه كما نحن نقرأ ونفهم كلام الناس بسهولة . جيل الذين كانت أحاديثهم اليومية هي مثل اللسان العربي الذي نزل به القرآن. جيل الذين كانت ثقافتهم وذهنيتهم هي تلك التي خاطبها القرآن وانتقدها وأصلحها وأقرّ منها..
الأخوان (البيراوي) والـ (حجازي الهوى) ، لا يدركان هذه القضية ، التي هي أن الصحابي هو الشخص الذي كان في المجلس ، مجلس نزول الوحي ، هو أحيانا يكون المتلقي الأول ـ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، هو سمع القرآن غضا أول ما يتلى . هو ينتمي للوسط الثقافي واللغوي الذي خاطبه القرآن وعمل فيه إصلاحا وانتقادا وإقرارا لما هو جيد وصحيح فيه..
وهذه القضية لا يمكن الفرار منها باللجوء إلى حسابات بسيطة مثل القول بأن أفضلية الصحابة في العلم والفهم لم يأت فيها نص . هذا الأمر بديهي ولا يحتاج إلى نص. الأمر أوضح من أن يذكره نص بل وأكبر .
لماذا كان علماؤنا القدامى يرجعون إلى أقوال الصحابة والتابعين والكلام العربي والشعر (ديوان العرب) في التفسير وشرح ألفاظ الآيات والأحاديث؟ لأنهم كانوا ينتبهون جيدا للقضية المذكورة آنفا .
وهي قضية علمية ودينية في آن واحد . العالم المستقل يبحث عن معاني القرآن بحسبها، فيحاول العثور على شواهد فهم الجيل الإسلامي الأول والوسط الثقافي والذهنية والذخيرة اللغوية . وهي قضية دينية أيضا، وهي أن التفسير المأثور أو التفسير بالمأثور هو المفضل وله قيمة دينية واضحة ، فهو يمثل ـ عموما ـ فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام.
لنتجاوز الحديث عن فهم الصحابة وعلمهم، باعتبار أن هذا مما وقع فيه التباس لكونه لم يرد فيه نص (!) ، ولكن لنتحدث عن فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلمه : أكثر التفسيرات المسماة بالعلمية تخالف فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) . وقد مثـّلتُ لهذا في مداخلة سابقة لي بتفسير آية (والشمس تجري لمستقر لها) حيث فسّر النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الجريان بجريان الشمس اليومي والاستقرار باستقرار الشمس الليلي ، ولكن سادة الإعجاز العلمي يفسرونها بحقيقة دوران الشمس حول مركز المجرة التي تنتمي الشمس إليها . إذن؛ ماذا نختار: تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) أم تفسيرهم؟ المفسّر المسلم المحترف يختار تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) ، والباحث المستقل (مثل المستشرقين) يختار تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) . وأما كتاب التفسير العلمي فيصرّون على التفسير الذي لا ينتمي إلى النص ولا إلى لغته ولا إلى سياقه ولا إلى الشاهد المأثور الذي يدلّ على الفكرة المعينة التي وراء تعبير النص .
ولا تفيد مناقشة كتاب التفسير العلمي بتنبيههم إلى الجانب اللغوي وجانب (السياق) المهمّ ، فهم يتملـّصون كل مرة ويؤوّلون ويصرّون على التفسير الملتوي الذي لا يقبله أي صاحب ذوق لغوي سليم في فهم النصوص ... ولكننا ننبّههم إلى أن تفسيراتهم مخالِفة لفهم الجيل الإسلامي الأول الذي كان ـ على الأقلّ الأقلّ ـ صاحب الدار وهم أدرى بما فيها (وأعتذر عن هذا التعبير الذي قد يكون غير مناسب لمقام المذكورين ولكنه يناسب ما أريد تبليغه من فكرة) .
 
الأخ جمال بارك الله فيك
مقدمة كلامك عن فهم الصحابة وسليقتهم وأحوال تنزل القرآن كانت رائعة جداً .
ولكن النتيجة التي انتهيت إليها بتعميم ذلك على أنهم أدركوا كل شيء من القرآن وأنهم وسعوه فقها وعلماً وأنهم هم أصحاب الدار ومن سواهم الضيوف !!! حتى نضطر بذلك إلى نبذ ما أتت به المكتشفات الحديثة الظاهرة للعيان والبادية في الواقع.. فهذا مما لا يقبله من يحترم نعمة العقل التي جعلها الله تعالى محلاً قابلاً لفهم القرآن نفسه.
ألا فاعلم أن صاحب الدار والزمان والناس هو الله عز وجل.. ولا قداسة لبشر.
أنزل الله القرآن لكل الناس ولكل الأزمان ولكل الديار .. فلماذا يجعلونه وقفاً على جيل واحد ودار واحدة وزمن واحد..
وهذا الجعل مع اختلاف معاييرهم في تحديد هذا الجيل، وهذا الزمن ، وهذه الدار..
أحياناً يلزمنا هؤلاء برأي رجل معاصر نراه بأعيننا بحجة أنه من السلف.. وينبذ آخر من القرن الثاني أو الثالث بحجة أنه ليس من السلف!!.. وأحيانا نلزم بخبر راوه صحابي متجوزاً عن أهل الكتاب.. فيقال هذا من هدي السلف.. وما هو من الحق في شيء..
القائلون بالإعجاز العلمي في الغالب لا يتجاوزون فهم السلف للقرآن الذي وصل إلى أن يرتقي إلى أن يكون (سنة): "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"..
وما فارق الغالب فهو محل ردّ وقبول .
فأنت تسمع أنهم ينقلون الأحاديث والآيات والآثار والسنن عن السلف الصالح الثابت منها والصحيح وليس يقبلون الشاذ من تلك الأقاويل المناقضة لشواهد التنزيل والعيان .. حتى تكون الأخبار الصحيحة والثابتة والمستقيمة مع القرآن الذي هو الحاكم ، في كثير من الأحيان ، هي مدار البحث..
وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب ذلك القبر..
مثال على خلل الفهم عند المعاصرين :
ولكن من الذي قال من السلف: إن الشمس هي التي تدور على الأرض؟؟..
أما الآيات فلا تدل على ذلك قطعاً.. إلا في حالة الجهل بدلالات اللغة وسياقات القرآن.
آية البقرة:
(إن الله يأتي بالشمس بالمشرق)
لم تقل الآية: أتت الشمسُ من المشرق ، بل أسندت الآية الفعل إلى الله تعالى أنه هو الذي أتى بها، فانتفى أن تكون هي الفاعل للحركة. وفرق بين يأتي ويأتي به ويأتيني...
وإذا كان الإتيان دالّاً عند المنكِر على الدوران فهناك ما يدل على أن الأرض تأتي أيضا مع ما يأتي من أفلاك السماء..
قال تعالى : (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين)..
فها هي الأرض أتت بل أتى معها كل العالم ..
كيف تجعلون الإتيان دالاً على دوران الشمس في آية وتنفونه عن آية أخرى..
ودعونا من التأويلات.. وأعتقد أن السياق القرآني غير عاجز عن تصوير ذلك بل هو الأبلغ والأقوم.
آية الكهف:
(وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم)
واضح أن الذي احتج بهذه الآية عمي عن الفعل الذي في صدرها (ترى) .. فكل أحد من السلف إلى ما لا يعلمه إلا الله يرى الشمس بعينيه تطلع من جهة المشرق وتغيب من جهة المغرب.
والذي قال في ( نظر الناظر ) من المفسرين إنما فهم الآية بنصها الكامل لا فهماً مبتوراً ..
أما الدلالات الصحيحة للغة فهي:
أن الله تعالى ذكر الليل والنهار اللذان هما من خصائص الكوكب الأرض ينعكس عليه ضياء الشمس من بعيد فيكون النهار فإذا غاب ذلك الضياء كان الليل..
والقرآن يذكر لنا أن الليل والنهار اللذان هما السبب في إظهار ضياء الشمس وغيابها هما الفاعل..
آية سورة الشمس
(والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها) ومثلها آية سورة الليل (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى).
واضح أن النهار في الآية الكريمة هو الذي يجلي ضياء الشمس وأن الليل هو الذي يجعلها تغيب حين يغشاها ، هو الذي يفعل بها ذلك المغيب فهي مغيبة لا غائبة.. أليس هذا نصاً في الآية؟.
والليل والنهار ضدان لا يلتقيان، فكيف يجتمعان ( خلفة ) على مفعول واحد النهار يجليه والليل يغشيه؟..
قال تعالى: ( وهو جعل الذي الليل والنهار خلفة )
الخلفة : يخلف بعضهما بعضاً ؛ يفعلان ذلك بالمخالفة والتناوب؛ هما فاعلان لهذا التنواب..
بل نجد الآية في سورة الزمر تتحدث عن خصائص في سلخ الليل من النهار الأرضيين باعتبار أن الأرض هي الكوكب الذي يحيط به غلاف جويّ تختلط فيه الأضواء المتعاكسة .. فهذا يبين لزومية الليل والنهار المسلوخ بعضهما من بعض للأرض.
ثم آية الأعراف التي تجعل الليل والنهار يحثان السير (يطلبه حثيثاً).
ونحن لا نشعر أن الشمس فيها ذلك الطلب الحثيث.. بل نراها تكاد تكون بطيئة السير جداً..
وكلام القرآن عن الظلال (ج ظل) المتفيئة أو الساكنة أو الممدودة هو من آثار حركة الأرض وتقلب الليل والنهار عليها.
بل انظر (يتفيأ ظلالُه) لماذا جاءت (الظلال) فاعلاً والظاهر المرئي منها يجعلنا نقول إنها منفعلة..
وقارنها بقوله تعالى : (ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً).. ونحن في الواقع المرئي نجعل الظل دليلا على الشمس بعكس الآية.
هل هذا الدليل هو معيار الثبات حتى يقاس به غيره من الأشياء أم المدلول عليه هو الثابت؟.
والسؤال المهم .. هل هناك في أقوال السلف الصحيحة والثابتة وغير الشاذة ما يتناقض مع ما اكتشف من هذه الحقائق؟.
أم نريد أن نثبت شيئاً لا ندرك أبعاده على دعوة الإسلام.. من حيث ندري ولا ندري؟
أم أنه قول أشربته القلوب فلا تريد أن تسمع غيره؟.. كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها.
 
الأخوان (البيراوي) والـ (حجازي الهوى) ، لا يدركان هذه القضية ، التي هي أن الصحابي هو الشخص الذي كان في المجلس ، مجلس نزول الوحي ، هو أحيانا يكون المتلقي الأول ـ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، هو سمع القرآن غضا أول ما يتلى . هو ينتمي للوسط الثقافي واللغوي الذي خاطبه القرآن وعمل فيه إصلاحا وانتقادا وإقرارا لما هو جيد وصحيح فيه..
.

من قال لك أخانا الكريم أنا لا ندرك هذه القضية!!!؟
 
بارك الله في الأخ الكريم عصام فقد أضاف فأجاد،

وأضيف بدوري للتوضيح:

1 . إذا كان النص سطحياً يفهمه الناس فهماً متقارباً. وكلما ازداد النص عمقاً اختلفت الأفهام باختلاف الوعي والتجربة والخبرة والعلم ....ألخ.
2. إذن يأخذ الإنسان من النص العميق بقدر وعيه وعلمه هو وليس بقدر ما في النص من معاني. ولا علاقة لفهم معاني المفردات بما نقول.
3. قدرة الصحابة على استنطاق النص الكريم محدودة بوعيهم العلمي وخبراتهم وأفقهم الشخصي وأفقهم الاجتماعي..... ومن هنا وجدنا أن ما نقل عنهم من تفسير قليل نسبياً ويتصف ببساطة المعاني، على تفاوت بينهم رضي الله عنهم.
4. ما أجمع عليه الصحابة من أحكام شرعية حجة وليس محلاً للنقاش. من هنا نرفض ما يناقض إجماع الصحابة بغض النظر استند هذا الإجماع إلى نص أم لم يستند.
5. يقول الرسول عليه السلام:"....فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعى له "، ويقول عليه السلام:"رب مبلغ أوعى من سامع "، فهذا نص صريح بأن المُبلَّغ قد يكون أوعى من السامع. ويقول عليه السلام:" وإنما أنا قاسم والله يعطي"، أي يعطي الفهم والفقه في الدين بمفهومه الواسع.
 
على كل حال ما دام أنكم مصرون على الخروج عن الموضوع ؛ فما أنا إلا من غزية .
الأخ البيراوي :
من قال لك إن المراد بالقرآن الكريم أن يكون نصا عميقا لا بد له من عباقرة في قمة الذكاء والفهم ممن فاقوا جيل الصحابة والتابعين كأهل الإعجاز مثلا ؟
القرآن الكريم يا أخي الكريم : كتاب ميسر نزل ليفهمه الأعرابي العامي ، ونزل لتعمل بما فيه المرأة التي تحمل حطبها على رأسها وتطبخ في قدر فخاري ..
وذكر رب العالمين في عدد من آياته أنه بلسان عربي مبين ، وذكر أنه يسره للذكر في عدد من الآيات ..
فلا تتصور أن معيار الجمال والجودة هو الغموض فتلك نظرة صوفية مقيتة فهمتها منك عند أول وهلة ثم أوضحتها عند ثنائك على الغزالي ، ثم صرحت بها هنا .
قولك : إن الشخص يأخذ من القرآن بقدر وعيه وعلمه هو بمعزل عن النص ، لو قبلناها منك على ما فيها أليس جيل الصحابة هم أكمل وعيا وعلما من هؤلاء أصحاب الإعجاز ، وعذرا على هذه المقارنة فليست مقصودة .
أما إجماع الصحابة الذي قلت إنكم تؤمنون به ؛ فأي إجماع تقصد ؟ وهل تعتبر بالإجماع السكوتي أم لا ؟ وهل تعتبر بالإجماع على قولين أو ثلاثة ؟ فصل في الأمر حتى نأتيك بإجماعات الصحابة في فهم الآيات التي صرفها أهل الإعجاز عما أجمع عليه الصحابة .
أما نقطتك الخامسة فالله عز وجل هو الذي أعطى الصحابة الفهم والعلم من حيث الجملة .
 
عودة
أعلى