أحمد سعيد أحمد
New member
الإسلام ومراعاة مشاعر الناس
من آداب الإسلام مراعاة مشاعر الآخرين
لقد شرع الله لنا ديناً قيماً؛ قيماً في العقيدة والعبادة والمعاملة، ومما جاء به الشرع الحنيف: التلطف، وحسن المعاملة، ومراعاة المشاعر والخواطر، فحث العباد على الانتقاء والاختيار، وهذا أمر يجمع القلوب. وهذا الأدب الرفيع نتعلمه من نبي الله يوسف عليه السلام لما حضر أخوته قال:{إذ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}[يوسف: من الآية100]، ولم يقل: الذي أخرجني من الجب؛ وذلك لأنهم هم الذين رموه في الجب، فلم يرد أن يواجههم، وعزا الأمر إلى السجن الذي لا دخل لهم فيه، وكذلك لئلا يحرجهم قال:{مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: من الآية100] فعزا الأمر إلى الشيطان، مع أنهم الذين باشروا إيذاءه، وقال:{وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}[يوسف: من الآية100]، ولم يقل وجاء بكم من الجوع والنصب والفقر؛ لئلا يظهر منته عليهم .. ثم أعاد الثناء على ربه " إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم " فتعالى من اصطفى لنبوته الكُمَّل من عباده ..
الشريعة تحث على هذه الخصلة :
نبينا -صلى الله عليه وسلم- لما قال: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، حتى تختلطوا بالناس)) [رواه البخاري ومسلم ] لماذا؟ مراعاة لشعور هذا الثالث الجالس؛ لئلا يظن أنهما يتآمران عليه، أو أنه دون مستوى الكلام قال -عليه الصلاة والسلام- في تعليل هذا: ((من أجل أنه يحزنه)) , طبعاً ولا خمسة دون السادس، ولا تسعة دون العاشر، ويدخل في الحديث أيضاً من جهة المعنى أن يتكلم اثنان بلغة أجنبية لا يفهمها الثالث في المجلس.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقوم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه)) (رواه البخاري) مراعاة لشعور من سبق إلى المكان، وأنه صاحب حق، وأن إقامته إيذاء ولذلك قال: ((وإذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به)) [رواه أحمد] يبين أن الذي سبق له حق، هذا إذا قام لغرض يسير، يتوضأ ويرجع، يقضي شغلاً يسيراً ويعود، فإذا طال غيابه سقط حقه.
ويأمر الله عز وجل بمراعاة حال صاحب المنزل فقال تعالى:{فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍٍ} [الأحزاب: من الآية53]؛ لأن ما يضايق صاحب المنزل يجتنب، فلما جاءوا في عرس النبي -عليه الصلاة والسلام- وأكلوا، النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يقوم إلى أهله، وهؤلاء جلوس، بعض الناس تهيأ للقيام؛ إشعاراً لهم ليقوموا، ما قاموا المرة الأولى والثانية والثالثة{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: من الآية53] الضيافة ثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهي صدقة، قال في الحديث: ((ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)) [رواه البخاري] إذاً لا يجوز أن يضيق على هذا المكرم الذي أضافه فلا يزيد عن هذه الثلاثة.
النبي – صلى الله عليه وسلم- يراعي المشاعر :
النبي -عليه الصلاة والسلام- يراعي مشاعر حتى المخطئ الذي جاء وبال في المسجد من جفائه وجهله، وقاموا عليه، أمرهم أن يتركوه ثم علمه، قال: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر وإنما هي لذكر الله -عز وجل- والصلاة وقراءة القرآن)) [رواه مسلم] الصحابي هذا لما فقه، وتعلم لما روى القصة هو نفسه بعد ذلك قال: "فلم يؤنب ولم يسب" النبي -صلى الله عليه وسلم- لا أنبني ولا سبني
مراعاة مشاعر أصحاب العاهات :
إذا ترك إنسان أمراً واجباً عليه ربما لو نبه بطريقة صريحة جداً أمام الناس يتأذى، فتستعمل الحيلة الطيبة، عطس رجل عند ابن المبارك ولم يحمد الله فقال ابن المبارك للرجل: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟ قال: الحمد لله، قال: يرحمك الله، لماذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إحداد النظر إلى أصحاب العلة وقال:((لا تديموا النظر إلى المجذومين)) [رواه ابن ماجه] فمن به عاهة لا يحد النظر إليه هذا من الأدب؛ لئلا يحرج، ولذلك الذكر الوارد في رؤية المبتلى:((الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً)) [رواه الترمذي] لا يقال جهراً؛ لئلا يحرج صاحب العاهة، بل يسر في نفسه إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كان الرجل يعمل منكراً جهراً أمام الناس، فيقال له ذلك جهراً؛ ليتأدب.
مراعاة المشاعر في التناصح :
من أخلاق المؤمن أن يكون مرآة لأخيه ، إن رأى خيراً شجَّعه على الخير، ورغَّبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وإن رأى خللاً، أو خطأً، أو نقصاً، سعى في سده وجبره فقد قال تعالى في محكم تنزيله }: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لوفى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ) { العصر:1-3. (
والمنصوح امرؤ يحتاج إلى جبر نقص وتكميله، ولا يسلم المرء بذلك من حظ نفسه إلا لحظة خلوة وصفاء، وهذه اللحظة تكون عند المُسارة في السر، وعندها تؤتي النصيحة ثمرتها، ولا يكون الناصح عوناً للشيطان على أخيه، فإن الناصح في ملأٍ يعين الشيطان على صاحبه، ويوقظ في نفسه مداخل الشيطان، ويغلق أبواب الخير، وتضعف قابلية الانتفاع بالنصح عنده.
قال أحد الدعاة : ( لتكن نصيحتك لأخيك تلميحاً لا تصريحاً وتصحيحاً لا تجريحا) .
وقال الإمام الشافعي : " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه ".
وأنشد رحمه الله :
تعمدني بنصحك في انفـرادي * * * وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نـوع * * * من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولـي * * * فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة
الأمور المحرجة والتعامل معها وفق مبدأ "مرعاة المشاعر" :
الأشياء المخجلة إذا كانت مباحة ليست حراماً، لكن تخجل الإنسان يتعاطى معها أيضاً بكامل الدقة؛ لئلا يحرج ذلك الإنسان، مثلاً جاء في الحديث:((إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه، ثم لينصرف)) [رواه أبو داود] يأخذ بأنفه كأنه حصل له رعاف أثناء الصلاة، لماذا؟ حفظاً لشعوره، يقوم، ربما الذي يعلم هذا بعض الناس يقول: أصابه حدث، والذي لا يعلم وحتى الذي يعلم يقولون: ربما عنده رعاف فعلاً.
جاء في الحديث النهي عن الضحك من خروج الريح من الإنسان؛ لأن هذا شيء يقع من كل أحد، فلماذا يضحك من الشخص ويحرجه أمام الناس؟ يراعى الشعور في الإسلام حتى شعور الطفل، "سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة فأطال السجود، فبعض الناس قلق رفع رأسه، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال ساجداً، بعد الصلاة سألوه حدث أمر، أوحي أليك؟ قال:((كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني)) حفيدي ابني ارتحلني -جعلني كالراحلة-، جاء الصغير فامتطاني يلعب قال:((فكرهت أن أعجله)) [رواه النسائي]، هذا غرض الطفل من اللعب((فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته))، هكذا راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- مشاعر الناس.
مراعاة مشاعر الضعفاء والمرضى وذوي الحاجات:
إذا كان كل إنسان يحتاج إلى من يراعي مشاعره وأحاسيسه فإن أحاسيس ومشاعر المرضى والضعفاء وذوي الأعذار والحاجات أولى بالمراعاة والتقدير .
روى جابر رضي الله عنه قال : كانَ معاذٌ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤمُ قومَه ، فصلّى ليلةً معَ النبي صلى الله عليه وسلم العشاءَ ثم أتى قومَه فأمَّهم فافْتَتَحَ بسورةِ البقرةِ فانْحَرَفَ رجلٌ مسلمٌ ثم صلّى وحدَه وانصَرَفَ ، فقالوا له : أنافَقْتَ يا فلانُ ؟ قال : لا واللهِ، ولآتِيَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلأُخْبِرَنَّه ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله ، إنا أصحابُ نواضحَ نعملُ بالنهارِ ، وإنَّ معاذاً صلى معكَ العشاءَ ثم أتى فافتَتَح بسورةِ البقرةِ ، فأقبَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يا معاذُ أفتّانٌ أنتَ ؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا " (مسلم.
وعن عثمانَ بنِ أبي العاصِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أُمَّ قومَكَ، فمنْ أمَّ قومَه فليُخَفَّفْ؛ فإن فيهم الكبيرَ وإن فيهم المريضَ وإن فيهم الضعيفَ وإن فيهم ذا الحاجة ، وإذا صلى أحدُكم وحدَه فليُصَلِّ كيفَ شاءَ " مسلم.
إن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم مما يزيد في الود ويؤلف بين القلوب ، فقد لا ينسى أحدنا موقفاً لشخص ما راعى فيه مشاعره وشاركه أحاسيسه .
فحينما تخلف كعب بن مالك عن غزوة " تبوك " ثم تاب الله عليه ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه وعلى من معه حين صلى الفجر ، يقول كعب : " فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس ، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام رجل إلي من المهاجرين غيره ، لا أنساها لطلحة ".
إن صاحب الإحساس والتأثر يراعي مشاعر إخوانه، ويحترمها، ويحذر أن يمسها بسوء.
ورد في صحيح مسلم أن أبا سفيان قبل إسلامه، مر على سلمان وصهيب وبلال، فأرادوا أن يسمعوه قولاً يغيظه، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فاستنكر عليهم أبو بكر ما قالوا، وقال لهم: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فكان أول أمر أهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تساءل عن مشاعرهم تجاه ما صدر من أبي بكر، فقال له:" يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك"، فأتاهم أبو بكر يسترضيهم، ويستعطفهم، قائلاً: يا إخوتاه ! أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك .
ولقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم : "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم "(الترمذي.
مشاعر لا بد أن تراعى :
مراعاة شعور أصحاب المهن الضعيفة، أصحاب المستويات الاجتماعية النازلة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أتى أحدكم خادمه بطعام، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين)) [رواه البخاري] لماذا؟ قال في الحديث الآخر: ((فإنه ولي حره ودخانه)) [رواه البخاري] من الذي طبخ وتعب حتى أنضج الطعام؟ فيناسب أن يناول، أما أن يبقى يتفرج على صاحب المنزل، وهو يأكل أمامه، وهذا الخادم والطباخ قد تعب ولا يتناول شيئاً، فليس من مكارم الأخلاق، حتى الذين يقام عليهم الحد الشرعي تراعى أحوالهم، فمرة أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- الحد على شخص، وأمر الناس بجلده، فتلفظ أحدهم عليه وقال: "أخزاه الله -لعنه الله- ما أكثر ما يؤتى به"[رواه البخاري]، فنهاه النبي -عليه الصلاة والسلام- ((لا يثرب)) [رواه البخاري ومسلم] الحد: كفارة لما فعل، فلماذا الزيادة؟، بلغت الحساسية المرهفة من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مراعاة مشاعر الناس أنه كان يراعي مشاعر الأم، الأم من أجل طفلها، قال:((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه)) [رواه البخاري ومسلم] يقصر الصلاة من أجلها؛ حتى لا يشتد الأمر عليها، حديث: ((لا تسبوا الأموات)) [رواه البخاري] لماذا؟ المسألة فيها تفصيل، ليس هذا وقته، لكن قال في آخر الحديث في رواية مهمة قال:((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)) [رواه الترمذي] فقد يكون الميت يستحق السب لكن له أقارب يتأذون بسبه، ولذلك نهانا عنها.
شعور البنت الحيية التي تقدم على الزواج وليس لها سابق عهد قال:((لا تنكح الأيم حتى تستأمر -يعني الثيب-ولا تنكح البكر حتى تستأذن))، قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال:((أن تسكت)) [رواه البخاري ومسلم] إذاً سكوتها كاف لماذا؟ مراعاة للحياء .
اللهم جنبنا الزلل في القول والعمل ، واجعلنا ممن يقول فيعمل ويعمل فيخلص ، ويُخلص فيُقبل منه .
من آداب الإسلام مراعاة مشاعر الآخرين
لقد شرع الله لنا ديناً قيماً؛ قيماً في العقيدة والعبادة والمعاملة، ومما جاء به الشرع الحنيف: التلطف، وحسن المعاملة، ومراعاة المشاعر والخواطر، فحث العباد على الانتقاء والاختيار، وهذا أمر يجمع القلوب. وهذا الأدب الرفيع نتعلمه من نبي الله يوسف عليه السلام لما حضر أخوته قال:{إذ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}[يوسف: من الآية100]، ولم يقل: الذي أخرجني من الجب؛ وذلك لأنهم هم الذين رموه في الجب، فلم يرد أن يواجههم، وعزا الأمر إلى السجن الذي لا دخل لهم فيه، وكذلك لئلا يحرجهم قال:{مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: من الآية100] فعزا الأمر إلى الشيطان، مع أنهم الذين باشروا إيذاءه، وقال:{وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}[يوسف: من الآية100]، ولم يقل وجاء بكم من الجوع والنصب والفقر؛ لئلا يظهر منته عليهم .. ثم أعاد الثناء على ربه " إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم " فتعالى من اصطفى لنبوته الكُمَّل من عباده ..
الشريعة تحث على هذه الخصلة :
نبينا -صلى الله عليه وسلم- لما قال: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، حتى تختلطوا بالناس)) [رواه البخاري ومسلم ] لماذا؟ مراعاة لشعور هذا الثالث الجالس؛ لئلا يظن أنهما يتآمران عليه، أو أنه دون مستوى الكلام قال -عليه الصلاة والسلام- في تعليل هذا: ((من أجل أنه يحزنه)) , طبعاً ولا خمسة دون السادس، ولا تسعة دون العاشر، ويدخل في الحديث أيضاً من جهة المعنى أن يتكلم اثنان بلغة أجنبية لا يفهمها الثالث في المجلس.
وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقوم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه)) (رواه البخاري) مراعاة لشعور من سبق إلى المكان، وأنه صاحب حق، وأن إقامته إيذاء ولذلك قال: ((وإذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به)) [رواه أحمد] يبين أن الذي سبق له حق، هذا إذا قام لغرض يسير، يتوضأ ويرجع، يقضي شغلاً يسيراً ويعود، فإذا طال غيابه سقط حقه.
ويأمر الله عز وجل بمراعاة حال صاحب المنزل فقال تعالى:{فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍٍ} [الأحزاب: من الآية53]؛ لأن ما يضايق صاحب المنزل يجتنب، فلما جاءوا في عرس النبي -عليه الصلاة والسلام- وأكلوا، النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يقوم إلى أهله، وهؤلاء جلوس، بعض الناس تهيأ للقيام؛ إشعاراً لهم ليقوموا، ما قاموا المرة الأولى والثانية والثالثة{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: من الآية53] الضيافة ثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهي صدقة، قال في الحديث: ((ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)) [رواه البخاري] إذاً لا يجوز أن يضيق على هذا المكرم الذي أضافه فلا يزيد عن هذه الثلاثة.
النبي – صلى الله عليه وسلم- يراعي المشاعر :
النبي -عليه الصلاة والسلام- يراعي مشاعر حتى المخطئ الذي جاء وبال في المسجد من جفائه وجهله، وقاموا عليه، أمرهم أن يتركوه ثم علمه، قال: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر وإنما هي لذكر الله -عز وجل- والصلاة وقراءة القرآن)) [رواه مسلم] الصحابي هذا لما فقه، وتعلم لما روى القصة هو نفسه بعد ذلك قال: "فلم يؤنب ولم يسب" النبي -صلى الله عليه وسلم- لا أنبني ولا سبني
مراعاة مشاعر أصحاب العاهات :
إذا ترك إنسان أمراً واجباً عليه ربما لو نبه بطريقة صريحة جداً أمام الناس يتأذى، فتستعمل الحيلة الطيبة، عطس رجل عند ابن المبارك ولم يحمد الله فقال ابن المبارك للرجل: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟ قال: الحمد لله، قال: يرحمك الله، لماذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إحداد النظر إلى أصحاب العلة وقال:((لا تديموا النظر إلى المجذومين)) [رواه ابن ماجه] فمن به عاهة لا يحد النظر إليه هذا من الأدب؛ لئلا يحرج، ولذلك الذكر الوارد في رؤية المبتلى:((الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً)) [رواه الترمذي] لا يقال جهراً؛ لئلا يحرج صاحب العاهة، بل يسر في نفسه إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كان الرجل يعمل منكراً جهراً أمام الناس، فيقال له ذلك جهراً؛ ليتأدب.
مراعاة المشاعر في التناصح :
من أخلاق المؤمن أن يكون مرآة لأخيه ، إن رأى خيراً شجَّعه على الخير، ورغَّبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وإن رأى خللاً، أو خطأً، أو نقصاً، سعى في سده وجبره فقد قال تعالى في محكم تنزيله }: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لوفى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ) { العصر:1-3. (
والمنصوح امرؤ يحتاج إلى جبر نقص وتكميله، ولا يسلم المرء بذلك من حظ نفسه إلا لحظة خلوة وصفاء، وهذه اللحظة تكون عند المُسارة في السر، وعندها تؤتي النصيحة ثمرتها، ولا يكون الناصح عوناً للشيطان على أخيه، فإن الناصح في ملأٍ يعين الشيطان على صاحبه، ويوقظ في نفسه مداخل الشيطان، ويغلق أبواب الخير، وتضعف قابلية الانتفاع بالنصح عنده.
قال أحد الدعاة : ( لتكن نصيحتك لأخيك تلميحاً لا تصريحاً وتصحيحاً لا تجريحا) .
وقال الإمام الشافعي : " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه ".
وأنشد رحمه الله :
تعمدني بنصحك في انفـرادي * * * وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نـوع * * * من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولـي * * * فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة
الأمور المحرجة والتعامل معها وفق مبدأ "مرعاة المشاعر" :
الأشياء المخجلة إذا كانت مباحة ليست حراماً، لكن تخجل الإنسان يتعاطى معها أيضاً بكامل الدقة؛ لئلا يحرج ذلك الإنسان، مثلاً جاء في الحديث:((إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه، ثم لينصرف)) [رواه أبو داود] يأخذ بأنفه كأنه حصل له رعاف أثناء الصلاة، لماذا؟ حفظاً لشعوره، يقوم، ربما الذي يعلم هذا بعض الناس يقول: أصابه حدث، والذي لا يعلم وحتى الذي يعلم يقولون: ربما عنده رعاف فعلاً.
جاء في الحديث النهي عن الضحك من خروج الريح من الإنسان؛ لأن هذا شيء يقع من كل أحد، فلماذا يضحك من الشخص ويحرجه أمام الناس؟ يراعى الشعور في الإسلام حتى شعور الطفل، "سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة فأطال السجود، فبعض الناس قلق رفع رأسه، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال ساجداً، بعد الصلاة سألوه حدث أمر، أوحي أليك؟ قال:((كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني)) حفيدي ابني ارتحلني -جعلني كالراحلة-، جاء الصغير فامتطاني يلعب قال:((فكرهت أن أعجله)) [رواه النسائي]، هذا غرض الطفل من اللعب((فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته))، هكذا راعى النبي -صلى الله عليه وسلم- مشاعر الناس.
مراعاة مشاعر الضعفاء والمرضى وذوي الحاجات:
إذا كان كل إنسان يحتاج إلى من يراعي مشاعره وأحاسيسه فإن أحاسيس ومشاعر المرضى والضعفاء وذوي الأعذار والحاجات أولى بالمراعاة والتقدير .
روى جابر رضي الله عنه قال : كانَ معاذٌ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤمُ قومَه ، فصلّى ليلةً معَ النبي صلى الله عليه وسلم العشاءَ ثم أتى قومَه فأمَّهم فافْتَتَحَ بسورةِ البقرةِ فانْحَرَفَ رجلٌ مسلمٌ ثم صلّى وحدَه وانصَرَفَ ، فقالوا له : أنافَقْتَ يا فلانُ ؟ قال : لا واللهِ، ولآتِيَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلأُخْبِرَنَّه ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله ، إنا أصحابُ نواضحَ نعملُ بالنهارِ ، وإنَّ معاذاً صلى معكَ العشاءَ ثم أتى فافتَتَح بسورةِ البقرةِ ، فأقبَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يا معاذُ أفتّانٌ أنتَ ؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا " (مسلم.
وعن عثمانَ بنِ أبي العاصِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أُمَّ قومَكَ، فمنْ أمَّ قومَه فليُخَفَّفْ؛ فإن فيهم الكبيرَ وإن فيهم المريضَ وإن فيهم الضعيفَ وإن فيهم ذا الحاجة ، وإذا صلى أحدُكم وحدَه فليُصَلِّ كيفَ شاءَ " مسلم.
إن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم مما يزيد في الود ويؤلف بين القلوب ، فقد لا ينسى أحدنا موقفاً لشخص ما راعى فيه مشاعره وشاركه أحاسيسه .
فحينما تخلف كعب بن مالك عن غزوة " تبوك " ثم تاب الله عليه ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه وعلى من معه حين صلى الفجر ، يقول كعب : " فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس ، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام رجل إلي من المهاجرين غيره ، لا أنساها لطلحة ".
إن صاحب الإحساس والتأثر يراعي مشاعر إخوانه، ويحترمها، ويحذر أن يمسها بسوء.
ورد في صحيح مسلم أن أبا سفيان قبل إسلامه، مر على سلمان وصهيب وبلال، فأرادوا أن يسمعوه قولاً يغيظه، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فاستنكر عليهم أبو بكر ما قالوا، وقال لهم: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فكان أول أمر أهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تساءل عن مشاعرهم تجاه ما صدر من أبي بكر، فقال له:" يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك"، فأتاهم أبو بكر يسترضيهم، ويستعطفهم، قائلاً: يا إخوتاه ! أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك .
ولقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم : "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم "(الترمذي.
مشاعر لا بد أن تراعى :
مراعاة شعور أصحاب المهن الضعيفة، أصحاب المستويات الاجتماعية النازلة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أتى أحدكم خادمه بطعام، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين)) [رواه البخاري] لماذا؟ قال في الحديث الآخر: ((فإنه ولي حره ودخانه)) [رواه البخاري] من الذي طبخ وتعب حتى أنضج الطعام؟ فيناسب أن يناول، أما أن يبقى يتفرج على صاحب المنزل، وهو يأكل أمامه، وهذا الخادم والطباخ قد تعب ولا يتناول شيئاً، فليس من مكارم الأخلاق، حتى الذين يقام عليهم الحد الشرعي تراعى أحوالهم، فمرة أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- الحد على شخص، وأمر الناس بجلده، فتلفظ أحدهم عليه وقال: "أخزاه الله -لعنه الله- ما أكثر ما يؤتى به"[رواه البخاري]، فنهاه النبي -عليه الصلاة والسلام- ((لا يثرب)) [رواه البخاري ومسلم] الحد: كفارة لما فعل، فلماذا الزيادة؟، بلغت الحساسية المرهفة من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مراعاة مشاعر الناس أنه كان يراعي مشاعر الأم، الأم من أجل طفلها، قال:((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه)) [رواه البخاري ومسلم] يقصر الصلاة من أجلها؛ حتى لا يشتد الأمر عليها، حديث: ((لا تسبوا الأموات)) [رواه البخاري] لماذا؟ المسألة فيها تفصيل، ليس هذا وقته، لكن قال في آخر الحديث في رواية مهمة قال:((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)) [رواه الترمذي] فقد يكون الميت يستحق السب لكن له أقارب يتأذون بسبه، ولذلك نهانا عنها.
شعور البنت الحيية التي تقدم على الزواج وليس لها سابق عهد قال:((لا تنكح الأيم حتى تستأمر -يعني الثيب-ولا تنكح البكر حتى تستأذن))، قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال:((أن تسكت)) [رواه البخاري ومسلم] إذاً سكوتها كاف لماذا؟ مراعاة للحياء .
اللهم جنبنا الزلل في القول والعمل ، واجعلنا ممن يقول فيعمل ويعمل فيخلص ، ويُخلص فيُقبل منه .