ذياب بن غانم
New member
- إنضم
- 14/09/2009
- المشاركات
- 11
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
الإرشادات الذهبية في أعمال التحرير والتنسيق الاحترافية
بسم الله الرحمٰن الرحيم
تحية طيبة لكل الإخوة الكرام
ملاحظة: سبق لي نشر هذه المقالة قبل وقت قصير بمنتديين اثنين، ورأيت أن الفائدة من إعادة نشرها -مع بعض التعديلات- في هذا المنتدى الراقي كبيرة؛ لكون كثير من الإخوة فيه من الكتّاب والمؤلّفين، فنسأل الله أن ينفعهم بها جميعا.
كثيرا ما أعجبتني الكتب القديمة المطبوعة في مطابع مصر ولبنان، بما فيها من جمال الخط، وتناسق الفقرات، وقلة الأخطاء المطبعية- مما يشد القارئ إلى القراءة، ويرفع من قيمة الكتاب والكاتب في نظره، ويلمس فيه الإبداع من أوجه عدة.
وتتخذ معظم الكتب والمطبوعات الحديثة –في المقابل- مظهرا وإخراجا سيئين؛ بدءا من رداءة الخط، وانتهاءً بكثرة الأخطاء المطبعية، وما بين هذا وذاك من سوء تنسيق للفقرات والحواشي السفلية، وإنقاص مسافة هوامش الصفحة بدعوى الاقتصاد في الورق إلى غير ذلك من مظاهر السوء التي تزهد القارئ في الكتاب وكاتبه، وتحمله على مقت القراءة والمطالعة من حيث المبدأ. هذا مع أن المفترض أن تتحسن صنعة طباعة الكتب وإخراجها بتقدم التقنية وليس العكس.
وقد حاولت منذ سنوات أن ألم بتقنيات الطباعة الكلاسيكية الرائعة لتطبيقها عند العمل بالبرامج الحديثة على الحاسوب كالوورد، والإنديزاين (فيما بعد)، مع تطويرها إلى الأحسن إن شاء الله. وأعرض عليكم فيما يلي بعض الإرشادات المهمة في هذا الشأن من التي توصلت إليها أو طوّعت البرامج لاستخدامها كما يجب، ولكن سأكتفي هنا بالخطوط العريضة لضيق الوقت، مع استعدادي بإذن الله للرد على أي استيضاح. مع ملاحظة أن هذه الإرشادات خاصة بالكتب والرسائل والبحوث العلمية، ولا تناسب الصحف وبعض المطبوعات الأخرى التي لها قواعدها الخاصة.
نبدأ أولا بالحديث عن الهوامش المناسبة للطباعة، ثم الخطوط المفضلة، ثم العناوين، ثم تنسيق الفقرات والأسطر.
أولا – هوامش الصفحة:
من الملاحظ أن الهوامش العريضة تزيد من جمال المظهر وإلى حد بعيد؛ فمع اتباع إرشادات تنسيق الفقرات الواردة فيما بعد، ستجد أن زيادة حجم الهوامش لها شأن كبير في تحسين مظهر المطبوعة، وهذا أحد الأسرار الخفية لجمال الكتب القديمة.
والمفضل هو جعل الهامش السفلي مساويا للأيسر، وأعرضَ قليلا من نظيره العلوي. أما الهامش الأيمن (الداخلي) فينبغي دائما زيادته عليهم جميعا، وكلما زاد عدد الصفحات زادت نسبة هذه الزيادة؛ فإذا زدنا عرضه عن الهامش الأيسر (الخارجي) بمسافة نصف سنتيمتر في مطبوعة من 150 صفحة، فينبغي أن نزيد مسافة عرضه حتى سنتيمتر كامل إذا وصل عدد صفحات المطبوعة إلى 300 صفحة؛ وذلك لعلة ظاهرة؛ وهي أن مسافة من الجزء الأيمن سيتم استخدامها عند التجليد لضم صفحات المطبوعة بالخياطة أو المادة اللاصقة، فإذا جعلنا عرض الهامش الأيمن مساويا لعرض الهامش الأيسر كانت النتيجة زيادة الفقرات إلى الجانب الأيمن بعد التجليد في الصفحات الوسطى وما بعدها من المطبوعة، وربما زادت إلى الجانب الأيمن بدرجة قد يتعذر معها قراءة الكلمة أو الكلمات الأولى من كل سطر. وكل ما ذُكر في هذه الفقرة ينطبق -كما هو واضح- على المطبوعات التي يتم تجليدها بضم أطراف صفحاتها إلى بعضها مما يأخذ جزءا من مسافة عرض الصفحة، أما المطبوعات التي تُجلَّد تجليدا فاخرا يتحاشى ضم أطراف الأوراق إلى بعضها، فيُمَكِّن من رؤية الورقة بكاملها عن فتح المطبوعة- فلا حاجة فيها إلى زيادة عرض الهامش الأيمن بالكيفية المذكورة.
ثانيا – الخطوط المفضلة:
تبيّن من خلال التجربة وجود بعض الخطوط التي يمكن استخدامها للطباعة في كتابة المتون، أي الفقرات الأساسية في المطبوعة غير العناوين والحواشي السفلية. ولكنني لم أقف حتى الآن على الخط الذي أنشده تماما.
من الخطوط المعروفة في الطباعة: العربي البسيط Simplified Arabic، ولكن مظهره سيء برأيي، ولا ينفع لطباعة الأعمال والبحوث الراقية، مع وضوحه الكبير. وينطبق هذا الكلام على الخطوط المشابهة له كالإيريل Arial، والتايمز Times New Roman. ويوجد أيضا العربي التقليدي Traditional Arabic، ومظهره رائع إلى حد ما، ولكن به بعض العيوب منها دمجه حرفي النون والزاي كما في كلمة (منزل)،كما أنه ليس بالجمال الكبير. ويوجد أيضا خط راتبRateb lotusb22، وهو خط جيد وواضح جدا، وأفضل من البسيط والإيريل والتايمز وحتى التقليدي، ولكنه يظل تحت المستوى والجمال المطلوب. ويوجد أيضا الخط صاحب الشهرة الكبيرة: اللوتس، وهو خط يفضله بعض أهل الصنعة على كثير من الخطوط؛ فهو واضح، وجميل التراكيب، ويحمل طابعا كلاسيكيا إلى حد ما، وإن كانت به بعض البساطة والعيوب.
الخط الذي لفت نظري كثيرا هو خط الطباعة العربي Arabic Typesetting الذي أنتجته شركة المايكروسوفت، وأصدرت منه حتى الآن ثلاثة إصدارات، وهو يتميز بجمال أخّاذ، ورسم أنيق، كالكاف السيفية، والمنحنيات الرائعة، والهاء المثلثة الكلاسيكية. ولكن به بعض المشاكل، منها أنه رفيع إلى حد ملحوظ ولا يقبل زيادة السمك عن طريق الأمر Bold (أسود عريض)، حيث يظهر مشوشا إذا تم ذلك. فالظاهر أنه مصمم للعمل على الفيستا وليس الإكس بي، أو أنه محمي بطريقة ما.
أفضل خط وجد حتى الآن في هذا المجال بحسب رأيي هو الخط الأميري Emiri الذي أنتجته شركة وينسوفت ضمن برنامج أو أداة "تصميم" الذي يعمل في بعض إصدارات الإنديزاين. وهو كما تقول الشركة إعادة إنتاج دقيقة للخط الذي صممته المطابع الأميرية قديما بالقاهرة والذي كانت تُطبع به الكتب القديمة. وهو خط أخّاذ رائع بمعنى الكلمة، به مميزات متقدمة جدا. ولكن مشكلته الكبيرة أنه لا يعمل إلا ضمن برنامج "تصميم" غالي الثمن وشديد الحماية.
واكتشفنا مؤخرا أن أحد أعضاء هذا المنتدى المحترم وهو الأخ/ أيمن مصطفى شعبان قد أعاد إنتاج الخط الأميري، وأمّنه بحماية خاصة. وهو كما يبدو من الصور المنشورة له لا يقل جمالا عن أميري وينسوفت، وبه ميزة أخرى هي إمكانية استخدامه في الوورد والإنديزاين معا. وهو عمل رائع وخطوة يشكر عليها صاحبه.
ثالثا – العناوين :-
لا تثير العناوين مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالخطوط المناسبة لها. ولكن ينبغي لكل محرر أن يراعي فيها بعض الأمور، منها ما يلي:
- من الأفضل كتابة العناوين الرئيسية في المنتصف وبخط عريض يتلاءم مع الخط المستخدم في المتن.
- يكتب تعريف التقسيم (الباب الأول، الفصل الأول، المبحث الأول) في سطر، وعنوانه (تاريخ صدر الإسلام، نبذة عن شعر المتنبي، قراءة في الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط...الخ) في السطر الذي بعده مباشرة بغير ترك سطر فارغ بينهما.
- يكون الخط المستخدم لكتابة تعريف التقسيم بحجم أصغر قليلا من الذي يكتب به عنوان التقسيم.
- يعدّل تباعد الفقرات بين السطر الذي يكتب به تعريف التقسيم والسطر الذي يكتب به عنوانه بقدر تكون فيه المسافة بينهما أقل من المسافة بين فقرات المتن. ومن شأن تطبيق هذا الإجراء والإجراء الذي قبله جعل العناوين الرئيسية بمظهر أنيق جدا كالهرم المتدرج.
- إذا كتبت بعض العناوين الرئيسية في صفحة تحتوي جزءا من موضوع سابق، كأن تكتب في منتصف الصفحة أو تحته بقليل- يراعى أن تترك بينها وبين الفقرات التي تسبقها مسافة أكبر من تلك المستخدمة في التباعد بين فقرات المتن؛ وذلك لتأكيد الدلالة على بدء موضوع جديد.
- تكتب تعريفات التقسيمات الفرعية وعناوينها في سطر واحد، وبخط يكون حجمه وسطا بين المستخدم في التقسيمات الكبرى والمستخدم في المتن، مع مراعاة إنقاص المسافة الفاصلة بين الفقرات بين السطر الذي يكتب فيه العنوان الفرعي والفقرة التابعة له التي تليه؛ فإذا كانت المسافة بين الفقرات في المطبوعة 12 نقطة أو 6 مم، نجعل المسافة بين العنوان الفرعي والفقرة التي تتبعه 6 نقاط أو 3 مم. ونقول: الفقرة التي بعده مباشرة فقط، أما المسافة التي تفصلها هي عن الفقرة التي بعدها والمسافة بين الفقرات الأخرى فتظل كما هي.
- ينبغي ألا يوضع أي عنوان في أسفل الصفحة، ويمكن ترك العناوين الفرعية أسفل الصفحة إذا كان تحتها في الصفحة ذاتها سطرين على الأقل، فإذا لم يمكن ذلك وجب نقل العنوان إلى الصفحة التالية. أما العناوين الأساسية فالكاتب مخيّر في تحديد أي منها يبدأ في صفحة جديدة وأي منها يمكن أن يوضع في صفحة تحتوي أسطر من الموضوع السابق. ولكن يجب ألا يتركها في أسفل الصفحة كما ذكرنا.
رابعا – الفقرات والأسطر:
وهي من أهم الأجزاء المتعلقة بحسن التنسيق؛ لأنها الجزء الأكبر من المطبوعة. ويراعى فيها ما يلي:
- يتم ضبط التباعد بين الكلمات بزيادة المسافة بينها وليس بتطويل الكشيدة؛ لأن استعمال الكشيدة في الضبط يسيء كثيرا إلى جمال الخط. ويمكن الضبط بزيادة المسافة بين الكلمات في الوورد بفتح مربع حوار الفقرة، ثم اختيار المحاذاة: مضبوطة. ويمكن ذلك في الإنديزاين بالنقر على كتابة ثم فقرة، ثم اختيار الضبط القياسي، لا الضبط العربي الذي يستعمل الكشيدة فيمدد الكلمات بما يسيء إلى المظهر.
- يناسب التباعد المفرد بين الأسطر في الوورد معظم الخطوط، ولكن ثمة خطوط تحتاج إلى استخدام تباعد آخر: متعدد أو سطر ونصف؛ لأن المسافة بين الأسطر جزء مهم جدا في جمال المطبوعة وتناسقها، فيجب العناية بها على أفضل وجه. وإذا احتاج الكاتب إلى إدخال رمز أو علامة أو غيرهما من خط آخر غير المستخدم في المتن، فقد يتسبب ذلك في زيادة التباعد في المسافة بين السطر المدرج به الرمز أو العلامة والسطر الذي فوقه عادة، بما يسيء إلى المظهر. ولعلاج هذه المشكلة حدد هذه الفقرة، ثم افتح مربع حوار الفقرة، واختر التباعد بين الأسطر: تام، وأدخل المسافة المناسبة (من 19 إلى 28 عادة للكتابة في المتن بحسب نوع الخط). فإذا كثر استخدام مثل هذه الرموز والعلامات في المطبوعة، فينبغي استخدام هذا التباعد لفقرات المتن كلها؛ لأن استخدامه في بعضها فقط قد يُخّل بالمسافة بينها وبين الفقرات التي تم ضبط تباعد أسطرها على أساس "مفرد". هذا في الوورد، أما في الإنديزاين فيكفي أن تحدد تباعد الأسطر، فيتولى البرنامج الباقي تلقائيا؛ أي أنه يعمل عمل الضبط "تام" في الوورد.
- من المهم جدا ضبط فقرات المتن بحيث تترك مسافة معينة (1 سم مثلا) قبل السطر الأول من كل فقرة؛ فهذه المسافة تُفهِم القارئ أن الكاتب بدأ فقرة جديدة عندما يصل آخر سطر في الفقرة السابقة إلى النهاية. فإذا لم تكن هذه المسافة موجودة، لَتَوّهَّمَ القارئ أن هذه الفقرة مجرد أسطر تابعة للفقرة التي فوقها، وخصوصا عند عدم وجود مسافة زائدة بين الفقرات، مما قد يخل بالمعنى الذي يريده الكاتب. يمكن ضبط البرنامج ليقوم بترك هذه المسافة تلقائيا كلما ضغط الكاتب على مفتاح Enter، ففي الوورد يمكن ذلك بفتح مربع حوار الفقرة، وأمام "خاص" يختار: السطر الأول، ثم يدخل المسافة المناسبة (من نصف سنتيمتر إلى سنتيمتر كامل عادة)، ويمكن ذلك في الإنديزاين بالنقر على كتابة ثم الفقرة ثم اختيار الرمز الذي يشير إلى المسافة البادئة لأول سطر، وإدخال المسافة المناسبة.
- من المهم جدا كذلك ترك مسافات بين فقرات المتن تزيد بشكل ظاهر على المسافات بين الأسطر؛ كأن تكون 12 نقطة أو 5 مم؛ ففي هذه المسافات راحة لعيني القارئ، وتأكيدا لبدء فقرة جديدة، وزيادة كبيرة في جمال تنسيق المطبوعة. ويمكن ضبط ذلك في الوورد بفتح مربع حوار الفقرة، وتحت "تباعد" اختر "قبل" ثم ادخل المسافة المناسبة المذكورة أعلاه. ويمكن ذلك في الإنديزاين بالنقر على كتابة ثم الفقرة ثم اختيار الرمز الذي يشير إلى "فراغ قبل". وهكذا عندما تريد بدء فقرة جديدة بالضغط على مفتاح Enter ستجد أن البرنامج قد ترك المسافة التي حددتها بين الفقرة الجديدة والتي قبلها، إضافة إلى المسافة البادئة للسطر الأول.
- لا حاجة في الفقرات التي يتم ترقيمها آليا إلى التنسيقات الخاصة بالمسافات بين الفقرات، والمسافة البادئة للسطر الأول.
- يجب فصل علامات الترقيم كالفواصل والقواطع والشارحات ونحوها عن الكلمات؛ وذلك بترك مسافة بينهما. وأنا لا أطبق ذلك الآن لأنني لا أتحكم في المظهر النهائي للمقالة على الإنترنت، فإذا لم أفعل ذلك ربما جاءت فاصلة أو قاطعة في بداية سطر مما يضر بالمظهر أشد الضرر. ولكن في المطبوعات التي تطبع بشكلها النهائي فيجب ترك مسافة بين الكلمة وعلامة الترقيم؛ فهكذا كانت الكتب القديمة التي اطلعت عليها، وهكذا يقتضي المنطق؛ لأن لصق علامة الترقيم بالكلمة يعني أنها جزء منها، ولم تفعل ذلك العرب قط. ولكن قد يؤدي تطبيق ذلك إلى هروب علامة الترقيم إلى السطر التالي، ولعلاج هذه المشكلة في الوورد ضع نقطة الإدراج قبل الكلمة التي تقع قبل علامة الترقيم مباشرة، ثم أدرج فاصل أسطر يدوي بالضغط على Shift+Enter، فتكون النتيجة نزول تلك الكلمة هي أيضا إلى السطر التالي فتنتهي المشكلة. ويمكن في الإنديزاين فوق ذلك إعادة علامة الترقيم ذاتها إلى السطر الذي نزلت منه بوضع نقطة الإدراج بعدها ثم الضغط على المفتاحين المذكورين فتنتهي المشكلة أيضا. ويجب في الحالتين وضع نقطة الإدراج ملاصقة للكلمة أو علامة الترقيم بغير مسافة بينهما. وإذا أضيفت أسطر أو كلمات إلى الفقرة قبل فاصل الأسطر الذي تم إدراجه فينبغي حذفه.
إلى هنا نكون قد انتهينا من هذه المقالة.
مع تحيات أخيكم المحب
ذياب بن غانم
بسم الله الرحمٰن الرحيم
تحية طيبة لكل الإخوة الكرام
ملاحظة: سبق لي نشر هذه المقالة قبل وقت قصير بمنتديين اثنين، ورأيت أن الفائدة من إعادة نشرها -مع بعض التعديلات- في هذا المنتدى الراقي كبيرة؛ لكون كثير من الإخوة فيه من الكتّاب والمؤلّفين، فنسأل الله أن ينفعهم بها جميعا.
كثيرا ما أعجبتني الكتب القديمة المطبوعة في مطابع مصر ولبنان، بما فيها من جمال الخط، وتناسق الفقرات، وقلة الأخطاء المطبعية- مما يشد القارئ إلى القراءة، ويرفع من قيمة الكتاب والكاتب في نظره، ويلمس فيه الإبداع من أوجه عدة.
وتتخذ معظم الكتب والمطبوعات الحديثة –في المقابل- مظهرا وإخراجا سيئين؛ بدءا من رداءة الخط، وانتهاءً بكثرة الأخطاء المطبعية، وما بين هذا وذاك من سوء تنسيق للفقرات والحواشي السفلية، وإنقاص مسافة هوامش الصفحة بدعوى الاقتصاد في الورق إلى غير ذلك من مظاهر السوء التي تزهد القارئ في الكتاب وكاتبه، وتحمله على مقت القراءة والمطالعة من حيث المبدأ. هذا مع أن المفترض أن تتحسن صنعة طباعة الكتب وإخراجها بتقدم التقنية وليس العكس.
وقد حاولت منذ سنوات أن ألم بتقنيات الطباعة الكلاسيكية الرائعة لتطبيقها عند العمل بالبرامج الحديثة على الحاسوب كالوورد، والإنديزاين (فيما بعد)، مع تطويرها إلى الأحسن إن شاء الله. وأعرض عليكم فيما يلي بعض الإرشادات المهمة في هذا الشأن من التي توصلت إليها أو طوّعت البرامج لاستخدامها كما يجب، ولكن سأكتفي هنا بالخطوط العريضة لضيق الوقت، مع استعدادي بإذن الله للرد على أي استيضاح. مع ملاحظة أن هذه الإرشادات خاصة بالكتب والرسائل والبحوث العلمية، ولا تناسب الصحف وبعض المطبوعات الأخرى التي لها قواعدها الخاصة.
نبدأ أولا بالحديث عن الهوامش المناسبة للطباعة، ثم الخطوط المفضلة، ثم العناوين، ثم تنسيق الفقرات والأسطر.
أولا – هوامش الصفحة:
من الملاحظ أن الهوامش العريضة تزيد من جمال المظهر وإلى حد بعيد؛ فمع اتباع إرشادات تنسيق الفقرات الواردة فيما بعد، ستجد أن زيادة حجم الهوامش لها شأن كبير في تحسين مظهر المطبوعة، وهذا أحد الأسرار الخفية لجمال الكتب القديمة.
والمفضل هو جعل الهامش السفلي مساويا للأيسر، وأعرضَ قليلا من نظيره العلوي. أما الهامش الأيمن (الداخلي) فينبغي دائما زيادته عليهم جميعا، وكلما زاد عدد الصفحات زادت نسبة هذه الزيادة؛ فإذا زدنا عرضه عن الهامش الأيسر (الخارجي) بمسافة نصف سنتيمتر في مطبوعة من 150 صفحة، فينبغي أن نزيد مسافة عرضه حتى سنتيمتر كامل إذا وصل عدد صفحات المطبوعة إلى 300 صفحة؛ وذلك لعلة ظاهرة؛ وهي أن مسافة من الجزء الأيمن سيتم استخدامها عند التجليد لضم صفحات المطبوعة بالخياطة أو المادة اللاصقة، فإذا جعلنا عرض الهامش الأيمن مساويا لعرض الهامش الأيسر كانت النتيجة زيادة الفقرات إلى الجانب الأيمن بعد التجليد في الصفحات الوسطى وما بعدها من المطبوعة، وربما زادت إلى الجانب الأيمن بدرجة قد يتعذر معها قراءة الكلمة أو الكلمات الأولى من كل سطر. وكل ما ذُكر في هذه الفقرة ينطبق -كما هو واضح- على المطبوعات التي يتم تجليدها بضم أطراف صفحاتها إلى بعضها مما يأخذ جزءا من مسافة عرض الصفحة، أما المطبوعات التي تُجلَّد تجليدا فاخرا يتحاشى ضم أطراف الأوراق إلى بعضها، فيُمَكِّن من رؤية الورقة بكاملها عن فتح المطبوعة- فلا حاجة فيها إلى زيادة عرض الهامش الأيمن بالكيفية المذكورة.
ثانيا – الخطوط المفضلة:
تبيّن من خلال التجربة وجود بعض الخطوط التي يمكن استخدامها للطباعة في كتابة المتون، أي الفقرات الأساسية في المطبوعة غير العناوين والحواشي السفلية. ولكنني لم أقف حتى الآن على الخط الذي أنشده تماما.
من الخطوط المعروفة في الطباعة: العربي البسيط Simplified Arabic، ولكن مظهره سيء برأيي، ولا ينفع لطباعة الأعمال والبحوث الراقية، مع وضوحه الكبير. وينطبق هذا الكلام على الخطوط المشابهة له كالإيريل Arial، والتايمز Times New Roman. ويوجد أيضا العربي التقليدي Traditional Arabic، ومظهره رائع إلى حد ما، ولكن به بعض العيوب منها دمجه حرفي النون والزاي كما في كلمة (منزل)،كما أنه ليس بالجمال الكبير. ويوجد أيضا خط راتبRateb lotusb22، وهو خط جيد وواضح جدا، وأفضل من البسيط والإيريل والتايمز وحتى التقليدي، ولكنه يظل تحت المستوى والجمال المطلوب. ويوجد أيضا الخط صاحب الشهرة الكبيرة: اللوتس، وهو خط يفضله بعض أهل الصنعة على كثير من الخطوط؛ فهو واضح، وجميل التراكيب، ويحمل طابعا كلاسيكيا إلى حد ما، وإن كانت به بعض البساطة والعيوب.
الخط الذي لفت نظري كثيرا هو خط الطباعة العربي Arabic Typesetting الذي أنتجته شركة المايكروسوفت، وأصدرت منه حتى الآن ثلاثة إصدارات، وهو يتميز بجمال أخّاذ، ورسم أنيق، كالكاف السيفية، والمنحنيات الرائعة، والهاء المثلثة الكلاسيكية. ولكن به بعض المشاكل، منها أنه رفيع إلى حد ملحوظ ولا يقبل زيادة السمك عن طريق الأمر Bold (أسود عريض)، حيث يظهر مشوشا إذا تم ذلك. فالظاهر أنه مصمم للعمل على الفيستا وليس الإكس بي، أو أنه محمي بطريقة ما.
أفضل خط وجد حتى الآن في هذا المجال بحسب رأيي هو الخط الأميري Emiri الذي أنتجته شركة وينسوفت ضمن برنامج أو أداة "تصميم" الذي يعمل في بعض إصدارات الإنديزاين. وهو كما تقول الشركة إعادة إنتاج دقيقة للخط الذي صممته المطابع الأميرية قديما بالقاهرة والذي كانت تُطبع به الكتب القديمة. وهو خط أخّاذ رائع بمعنى الكلمة، به مميزات متقدمة جدا. ولكن مشكلته الكبيرة أنه لا يعمل إلا ضمن برنامج "تصميم" غالي الثمن وشديد الحماية.
واكتشفنا مؤخرا أن أحد أعضاء هذا المنتدى المحترم وهو الأخ/ أيمن مصطفى شعبان قد أعاد إنتاج الخط الأميري، وأمّنه بحماية خاصة. وهو كما يبدو من الصور المنشورة له لا يقل جمالا عن أميري وينسوفت، وبه ميزة أخرى هي إمكانية استخدامه في الوورد والإنديزاين معا. وهو عمل رائع وخطوة يشكر عليها صاحبه.
ثالثا – العناوين :-
لا تثير العناوين مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالخطوط المناسبة لها. ولكن ينبغي لكل محرر أن يراعي فيها بعض الأمور، منها ما يلي:
- من الأفضل كتابة العناوين الرئيسية في المنتصف وبخط عريض يتلاءم مع الخط المستخدم في المتن.
- يكتب تعريف التقسيم (الباب الأول، الفصل الأول، المبحث الأول) في سطر، وعنوانه (تاريخ صدر الإسلام، نبذة عن شعر المتنبي، قراءة في الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط...الخ) في السطر الذي بعده مباشرة بغير ترك سطر فارغ بينهما.
- يكون الخط المستخدم لكتابة تعريف التقسيم بحجم أصغر قليلا من الذي يكتب به عنوان التقسيم.
- يعدّل تباعد الفقرات بين السطر الذي يكتب به تعريف التقسيم والسطر الذي يكتب به عنوانه بقدر تكون فيه المسافة بينهما أقل من المسافة بين فقرات المتن. ومن شأن تطبيق هذا الإجراء والإجراء الذي قبله جعل العناوين الرئيسية بمظهر أنيق جدا كالهرم المتدرج.
- إذا كتبت بعض العناوين الرئيسية في صفحة تحتوي جزءا من موضوع سابق، كأن تكتب في منتصف الصفحة أو تحته بقليل- يراعى أن تترك بينها وبين الفقرات التي تسبقها مسافة أكبر من تلك المستخدمة في التباعد بين فقرات المتن؛ وذلك لتأكيد الدلالة على بدء موضوع جديد.
- تكتب تعريفات التقسيمات الفرعية وعناوينها في سطر واحد، وبخط يكون حجمه وسطا بين المستخدم في التقسيمات الكبرى والمستخدم في المتن، مع مراعاة إنقاص المسافة الفاصلة بين الفقرات بين السطر الذي يكتب فيه العنوان الفرعي والفقرة التابعة له التي تليه؛ فإذا كانت المسافة بين الفقرات في المطبوعة 12 نقطة أو 6 مم، نجعل المسافة بين العنوان الفرعي والفقرة التي تتبعه 6 نقاط أو 3 مم. ونقول: الفقرة التي بعده مباشرة فقط، أما المسافة التي تفصلها هي عن الفقرة التي بعدها والمسافة بين الفقرات الأخرى فتظل كما هي.
- ينبغي ألا يوضع أي عنوان في أسفل الصفحة، ويمكن ترك العناوين الفرعية أسفل الصفحة إذا كان تحتها في الصفحة ذاتها سطرين على الأقل، فإذا لم يمكن ذلك وجب نقل العنوان إلى الصفحة التالية. أما العناوين الأساسية فالكاتب مخيّر في تحديد أي منها يبدأ في صفحة جديدة وأي منها يمكن أن يوضع في صفحة تحتوي أسطر من الموضوع السابق. ولكن يجب ألا يتركها في أسفل الصفحة كما ذكرنا.
رابعا – الفقرات والأسطر:
وهي من أهم الأجزاء المتعلقة بحسن التنسيق؛ لأنها الجزء الأكبر من المطبوعة. ويراعى فيها ما يلي:
- يتم ضبط التباعد بين الكلمات بزيادة المسافة بينها وليس بتطويل الكشيدة؛ لأن استعمال الكشيدة في الضبط يسيء كثيرا إلى جمال الخط. ويمكن الضبط بزيادة المسافة بين الكلمات في الوورد بفتح مربع حوار الفقرة، ثم اختيار المحاذاة: مضبوطة. ويمكن ذلك في الإنديزاين بالنقر على كتابة ثم فقرة، ثم اختيار الضبط القياسي، لا الضبط العربي الذي يستعمل الكشيدة فيمدد الكلمات بما يسيء إلى المظهر.
- يناسب التباعد المفرد بين الأسطر في الوورد معظم الخطوط، ولكن ثمة خطوط تحتاج إلى استخدام تباعد آخر: متعدد أو سطر ونصف؛ لأن المسافة بين الأسطر جزء مهم جدا في جمال المطبوعة وتناسقها، فيجب العناية بها على أفضل وجه. وإذا احتاج الكاتب إلى إدخال رمز أو علامة أو غيرهما من خط آخر غير المستخدم في المتن، فقد يتسبب ذلك في زيادة التباعد في المسافة بين السطر المدرج به الرمز أو العلامة والسطر الذي فوقه عادة، بما يسيء إلى المظهر. ولعلاج هذه المشكلة حدد هذه الفقرة، ثم افتح مربع حوار الفقرة، واختر التباعد بين الأسطر: تام، وأدخل المسافة المناسبة (من 19 إلى 28 عادة للكتابة في المتن بحسب نوع الخط). فإذا كثر استخدام مثل هذه الرموز والعلامات في المطبوعة، فينبغي استخدام هذا التباعد لفقرات المتن كلها؛ لأن استخدامه في بعضها فقط قد يُخّل بالمسافة بينها وبين الفقرات التي تم ضبط تباعد أسطرها على أساس "مفرد". هذا في الوورد، أما في الإنديزاين فيكفي أن تحدد تباعد الأسطر، فيتولى البرنامج الباقي تلقائيا؛ أي أنه يعمل عمل الضبط "تام" في الوورد.
- من المهم جدا ضبط فقرات المتن بحيث تترك مسافة معينة (1 سم مثلا) قبل السطر الأول من كل فقرة؛ فهذه المسافة تُفهِم القارئ أن الكاتب بدأ فقرة جديدة عندما يصل آخر سطر في الفقرة السابقة إلى النهاية. فإذا لم تكن هذه المسافة موجودة، لَتَوّهَّمَ القارئ أن هذه الفقرة مجرد أسطر تابعة للفقرة التي فوقها، وخصوصا عند عدم وجود مسافة زائدة بين الفقرات، مما قد يخل بالمعنى الذي يريده الكاتب. يمكن ضبط البرنامج ليقوم بترك هذه المسافة تلقائيا كلما ضغط الكاتب على مفتاح Enter، ففي الوورد يمكن ذلك بفتح مربع حوار الفقرة، وأمام "خاص" يختار: السطر الأول، ثم يدخل المسافة المناسبة (من نصف سنتيمتر إلى سنتيمتر كامل عادة)، ويمكن ذلك في الإنديزاين بالنقر على كتابة ثم الفقرة ثم اختيار الرمز الذي يشير إلى المسافة البادئة لأول سطر، وإدخال المسافة المناسبة.
- من المهم جدا كذلك ترك مسافات بين فقرات المتن تزيد بشكل ظاهر على المسافات بين الأسطر؛ كأن تكون 12 نقطة أو 5 مم؛ ففي هذه المسافات راحة لعيني القارئ، وتأكيدا لبدء فقرة جديدة، وزيادة كبيرة في جمال تنسيق المطبوعة. ويمكن ضبط ذلك في الوورد بفتح مربع حوار الفقرة، وتحت "تباعد" اختر "قبل" ثم ادخل المسافة المناسبة المذكورة أعلاه. ويمكن ذلك في الإنديزاين بالنقر على كتابة ثم الفقرة ثم اختيار الرمز الذي يشير إلى "فراغ قبل". وهكذا عندما تريد بدء فقرة جديدة بالضغط على مفتاح Enter ستجد أن البرنامج قد ترك المسافة التي حددتها بين الفقرة الجديدة والتي قبلها، إضافة إلى المسافة البادئة للسطر الأول.
- لا حاجة في الفقرات التي يتم ترقيمها آليا إلى التنسيقات الخاصة بالمسافات بين الفقرات، والمسافة البادئة للسطر الأول.
- يجب فصل علامات الترقيم كالفواصل والقواطع والشارحات ونحوها عن الكلمات؛ وذلك بترك مسافة بينهما. وأنا لا أطبق ذلك الآن لأنني لا أتحكم في المظهر النهائي للمقالة على الإنترنت، فإذا لم أفعل ذلك ربما جاءت فاصلة أو قاطعة في بداية سطر مما يضر بالمظهر أشد الضرر. ولكن في المطبوعات التي تطبع بشكلها النهائي فيجب ترك مسافة بين الكلمة وعلامة الترقيم؛ فهكذا كانت الكتب القديمة التي اطلعت عليها، وهكذا يقتضي المنطق؛ لأن لصق علامة الترقيم بالكلمة يعني أنها جزء منها، ولم تفعل ذلك العرب قط. ولكن قد يؤدي تطبيق ذلك إلى هروب علامة الترقيم إلى السطر التالي، ولعلاج هذه المشكلة في الوورد ضع نقطة الإدراج قبل الكلمة التي تقع قبل علامة الترقيم مباشرة، ثم أدرج فاصل أسطر يدوي بالضغط على Shift+Enter، فتكون النتيجة نزول تلك الكلمة هي أيضا إلى السطر التالي فتنتهي المشكلة. ويمكن في الإنديزاين فوق ذلك إعادة علامة الترقيم ذاتها إلى السطر الذي نزلت منه بوضع نقطة الإدراج بعدها ثم الضغط على المفتاحين المذكورين فتنتهي المشكلة أيضا. ويجب في الحالتين وضع نقطة الإدراج ملاصقة للكلمة أو علامة الترقيم بغير مسافة بينهما. وإذا أضيفت أسطر أو كلمات إلى الفقرة قبل فاصل الأسطر الذي تم إدراجه فينبغي حذفه.
إلى هنا نكون قد انتهينا من هذه المقالة.
مع تحيات أخيكم المحب
ذياب بن غانم