عبدالله عمر أحمد
New member
من كتاب(فتح البيان في تفسير القرآن)، للشيخ الدكتور عبدالله خضر حمد الكردسوري.
-------------------------:
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)} [البقرة : 53]
التفسير:
واذكروا نعمتنا عليكم حين أعطينا موسى الكتاب الفارق بين الحق والباطل -وهو التوراة-؛ لكي تهتدوا من الضلالة.
قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}[البقرة:53]، "أي واذكروا نعمتي أيضاً حين أعطيت موسى التوراة الفارقة بين الحق والباطل"[SUP]([1])[/SUP].
قال ابن عثيمين: " أي واذكروا إذ أعطينا موسى التوراة الفارق بين الحق والباطل"[SUP]([2])[/SUP].
روي " عن قتادة في قوله: {الكتاب}، قال التوراة"[SUP]([3])[/SUP]. وهو قول جمهور المفسرين[SUP]([4])[/SUP].
وقال مجاهد: " {الكتاب}: هو الفرقان ، فرقان بين الحق والباطل"[SUP]([5])[/SUP]. وروي عن أبي العالية[SUP]([6])[/SUP]، والربيع بن أنس[SUP]([7])[/SUP]، نحو ذلك.
واختلف في(الواو) في قوله تعالى: {الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}[البقرة:53]،على وجهين[SUP]([/SUP][8][SUP])[/SUP]:
أحدهما: أن(الواو) فيه زائدة، والمعنى : ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان.
قال ابن كثير:"وهذا غريب"[SUP]([/SUP][9][SUP])[/SUP].
والثاني: أن(الواو) حرف عطف، فعطف عليه وإن كان المعنى واحدًا، كما في قول عدي العبادي[SUP]([/SUP][10][SUP])[/SUP] :
وقدمت الأديم لراقشيه فألفى قولها كذبًا ومينا
وقال الحطيئة[SUP]([/SUP][11][SUP])[/SUP] :
ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد
فالكذب هو المين، والنأي: هو البعد، وقال عنترة[SUP]([/SUP][12][SUP])[/SUP] :
حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
قال الزجاج: " والقول الأول هو القول، لأن الفرقان قد ذكر لموسى في غير هذا الموضع - قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}[الأنبياء: 48]"[SUP]([13])[/SUP].
وَ{الْفُرْقَانَ}: الفصل بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وكان ذلك - أيضا - بعد خروجهم من البحر، كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف، ولقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [القصص : 43][SUP]([/SUP][14][SUP])[/SUP].
واختلف في تفسير {الْفُرْقَانَ}[البقرة:53]، هنا، على أربعة أوجه:
أحدها: أن {الفرقان}، معناه: الفصل بين الحق والباطل، قاله أبو العالية[SUP]([15])[/SUP]، ومجاهد[SUP]([16])[/SUP]، والربيع بن أنس[SUP]([17])[/SUP]، وهو قول جمهور أهل التفسير[SUP]([18])[/SUP].
واحتجوا من وجهين:
أحدهما: أن العرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه، ومنه قول عدي بن زيد[SUP]([19])[/SUP]:
وَقدَّدَت الأَدِيَم لِرَاهِشيْه وأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَينَا
فقوله (كذبًا ومينًا)، عطف (المين) على (الكذب)، وهو بمعناه.
وقال عنترة[SUP]([20])[/SUP]:
حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ
والثاني: أن الله تعالى ذكر لموسى الفرقان في غير هذا الموضع، وهو قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء: 48]. فعلى هذا الفرقان هو الكتاب، والكتاب هو الفرقان، ولكن ذكر بلفظين مختلفين[SUP]([21])[/SUP]، والعطف هنا من باب عطف الصفة على الموصوف؛ والعطف يقتضي المغايرة؛ والمغايرة يكتفى فيها بأدنى شيء؛ قد تكون المغايرة بين ذاتين؛ وقد تكون المغايرة بين صفتين؛ وقد تكون بين ذات وصفة؛ فمثلاً: قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض} [الأنعام: 1] : المغايرة بين ذاتين؛ وقوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى: 1 . 4] : المغايرة بين صفتين؛ وقوله تعالى هنا: { الكتاب والفرقان }: المغايرة بين ذات وصفة؛ فـ{ الكتاب } نفس التوراة؛ و{ الفرقان } صفته؛ فالعطف هنا من باب عطف الصفة على الموصوف[SUP] ([22])[/SUP].
والثاني: المراد بالفرقان: أن الله فرق بينهم بالنصر.
روي بأنه سئل ابن يزيد عن قول الله عز وجل : {وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان}، فقال : أما " الفرقان " الذي قال الله جل وعز :{يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[الأنفال : 41]، فذلك يوم بدر، يوم فرق الله بين الحق والباطل، والقضاء الذي فرق به بين الحق والباطل . قال : فكذلك أعطى الله موسى الفرقان، فرق الله بينهم، وسلمه وأنجاه، فرق بينهم بالنصر. فكما جعل الله ذلك بين محمد صلى الله عليه وسلم والمشركين، فكذلك جعله بين موسى وفرعون[SUP]([/SUP][23][SUP])[/SUP]. وروي عن ابن عباس[SUP]([24])[/SUP] نحو ذلك.
ومما يعضد هذا الوجه، قول عبدالله بن رواحة، وهو يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم -[SUP]([25])[/SUP]:
فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتاكَ مِنْ حَسَنٍ تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
فعلى هذا، سمى نصره على فرعون وقومه فرقانًا[SUP] ([26])[/SUP].
وعن يمان بن رباب: "{الفرقان}: انفراق البحر وهو من عظيم الآيات، يدلّ عليه قوله تعالى:{وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ}"[SUP]([27])[/SUP]. وهذا الوجه أيضا يدخل ضمن القول الثاني.
والثالث: أن الفرقان: هو "علم الكتاب وتبيانه وحكمته". قاله سعيد بن جبير[SUP]([28])[/SUP].
والرابع: وقيل: المعنى :وآتينا محمداً الفرقان، واستدل بقوله عزَّ وجلَّ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان : 1]، يعني به القرآن. وهذا قول قطرب، حكاه الزجاج عنه[SUP]([29])[/SUP].
والخامس: وقيل: إن الفرقان هو القرآن، ثم علّلوا قولهم ذلك من وجهين:
أحدهما: أن الفرقان القرآن وأن معنى إتيانه لموسى عليه السلام، نزول ذكره له حتى آمن به، حكاه ابن الأنباري[SUP]([30])[/SUP]. وضعّفه الآلوسي وقال: "وهو بعيد"[SUP]([31])[/SUP].
والثاني: حكي "عن الفراء وقطرب، أن الفرقان هو القرآن، والكلام على حذف مفعول، أي: ومحمدا الفرقان، لعلكم تهتدون بهذين الكتابين، فترك أحد الاسمين كقول الشاعر[SUP]([32])[/SUP]:
تَرَاهُ كَأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أَنْفَهُ وَعَيْنَيْهِ إِنْ مَوْلاَهُ ثَابَ لَهُ وَفْرُ
أراد ويفقأ عينيه، فاكتفى بـ (يجدع) من يفقأ[SUP] ([33])[/SUP].
وضعّفه الأنباري قائلا: هذا البيت لا يشاكل ما احتج به؛ لأن الشاعر اكتفى بفعل من فعل، وعلى ما ذكر في الآية اكتفى من اسم باسم، ولكنه يصح قول قطرب عندي من وجه آخر، وهو أنه لما ذكر الفرقان وهو اسم للقرآن، دل على محمد - صلى الله عليه وسلم - فحذف اتكالًا على علم المخاطبين[SUP]([34])[/SUP]. وكذا اعترض عليه الآلوسي وبعّده[SUP]([35])[/SUP].
والصحيح هو قول جمهور أهل التفسير أي الفرقان هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل، وهو نعت للتوراة وصفة لها. والله أعلم.
قوله تعالى:{ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، "أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها والعمل بما فيها من أحكام"[SUP]([36])[/SUP].
قال الطبري:" لتهتدوا بها ، وتتبعوا الحق الذي فيها"[SUP]([37])[/SUP].
روي "عن سعيد بن جبير في قول الله عز وجل :{لعلكم}، يعني (لكي)"[SUP]([38])[/SUP].
قال ابن عثيمين:" أي لعلكم تهتدون بهذا الكتاب الذي هو الفرقان؛ لأن الفرقان هدى يهتدي به المرء من الضلالة، و{ تهتدون } أي هداية العلم، والتوفيق؛ فهو نازل للهداية؛ ولكن من الناس من يهتدي، ومنهم من لا يهتدي "[SUP]([39])[/SUP].
قال الثعلبي: أي: "لهذين الكتابين، فترك أحد الاسمين، كقول الشاعر[SUP]([40])[/SUP]:
تراه كأن الله يجدع أنفه وعينيه إن مولاه بات له وفر"[SUP]([41])[/SUP]
ويطلق لفظ التوراة[SUP]([/SUP][42][SUP])[/SUP]: على الشريعة المكتوبة،كما يطلق لفظ التلمود: على الشريعة الشفهية.وأما لفظ العهد القديم: فيطلق على مجموعة الأسفار التي كتبت قبل عهد المسيح عليه السلام والتي تضم الأسفار التي جاء بها موسى وأنبياء بني إسرائيل وسميت كذلك -العهد القديم- للتميز بينها وبين العهد الجديد،الذي يزعمون أن الرب قطعه مع بني إسرائيل على يد المسيح عيسى عليه السلام[SUP]([43])[/SUP].
وإن من المعلوم أن التوراة الموجودة الآن بين يدي اليهود والنصارى محرفة[SUP]([44])[/SUP]، ومن خلال دراسة تاريخ التوراة يتبين لنا أن هذه الأسفار من صنع أجيال متعددة،وأن فترة التدوين بدأت من عهد عزرا واستمرت بعده،وأن الكهنة كانوا يعتمدون على ما سمعوه وما تلقاه الخلف عن السلف من أخبار وأساطير وأقوال،وكثيراً ما كان الكهنة يكتبون ما يجيش بصدورهم أو مايأملونه على أنه حقيقة واقعة،أو تاريخ سابق.
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن إنزال الله تعالى الكتب للناس من نعمه، وآلائه؛ بل هو من أكبر النعم؛ لأن الناس لا يمكن أن يستقلوا بمعرفة حق الخالق؛ بل ولا حق المخلوق؛ ولذلك نزلت الكتب تبياناً للناس..
.2 ومنها: أن موسى صلى الله عليه وسلم نبي رسول، لأن الله تعالى آتاه الكتاب..
.3 ومنها: فضيلة التوراة؛ لأنه أُطلق عليها اسم { الكتاب }؛ و "أل" هذه للعهد الذهني؛ فدل هذا على أنها معروفة لدى بني إسرائيل، وأنه إذا أُطلق الكتاب عندهم فهو التوراة؛ أيضاً سماها الله تعالى الفرقان، كما سمى القرآن الفرقان؛ لأن كلا الكتابين أعظم الكتب، وأهداهما؛ لقوله تعالى: {قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما} [القصص: 49] . يعني التوراة، والإنجيل . {أتبعه إن كنتم صادقين} [القصص: 49] ؛ ودل هذا على أن التوراة مشاركة للقرآن في كونها فرقاناً؛ ولهذا كانت عمدة الأنبياء من بني إسرائيل، كما قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدًى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} [المائدة: 44] ..
.4 ومن فوائد الآية: بيان عتوّ بني إسرائيل، وطغيانهم؛ لأنه إذا كانت التوراة التي نزلت عليهم فرقاناً، ثم هم يكفرون هذا الكفر دلّ على زيادة عتوهم، وطغيانهم؛ إذ من نُزِّل عليه كتاب يكون فرقاناً كان يجب عليه بمقتضى ذلك أن يكون مؤمناً مذعناً..
.5 ومنها: أن الله . تبارك وتعالى . يُنزل الكتب، ويجعلها فرقاناً لغاية حميدة حقاً . وهي الهداية؛ لقوله تعالى: ( لعلكم تهتدون )
.6 ومنها: أن من أراد الهداية فليطلبها من الكتب المنزلة من السماء . لا يطلبها من الأساطير، وقصص الرهبان، وقصص الزهاد، والعباد، وجعجعة المتكلمين، والفلاسفة، وما أشبه ذلك؛ بل من الكتب المنَزلة من السماء..
فعلى هذا ما يوجد في كتب الوعظ من القصص عن بعض الزهاد، والعباد، ونحوهم نقول لكاتبيها، وقارئيها: خير لكم أن تبدو للناس كتاب الله عزّ وجلّ، وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم وتبسطوا ذلك، وتشرحوه، وتفسروه بما ينبغي أن يفهم حتى يكون ذلك نافعاً للخلق؛ لأنه لا طريق للهداية إلى الله إلا ما جاء من عند الله عزّ وجلّ..
.7 ومن فوائد الآية: إثبات الأسباب، وتأثيرها في مسبَّباتها؛ وبسط ذلك مذكور في كتب العقائد..
.8 ومنها: أن الإيتاء المضاف إلى الله سبحانه وتعالى يكون كونياً، ويكون شرعياً؛ مثال الكوني قوله تعالى: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} [القصص: 76] ؛ ومثال الشرعي قوله تعالى: {وآتينا موسى الكتاب} (الإسراء: 2)
([1]) صفوة التفاسير: 1/50.
([2]) تفسير ابن عثيمين:1/!83.
([3]) أخرجه ابن أبي حاتم(520):ص1/109.
([4]) أنظر: روح المعاني: 1/260.
([5]) أنظر: تفسير الطبري(929)، و(930)، و(931):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([6]) أنظر: تفسير الطبر(928):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم(521):ص1/109.
([7]) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([8]) انظر: تفسير ابن كثير: 1/261.
([9]) تفسير ابن كثير: 1/261.
([10])ديوان عدي بن زيد العبادي، تحقيق: محمد جبار المعيبد، دار الجمهورية للنشر والطبع، بغداد، 1965م، ص 183، ويروى (وقدّمت الأديم)، والبيت ذكر في اللسان: (مين)، وقدت أي قطعت، والضمير فيه يعود على الزباء، وهي امرأة ورثت الملك عن أبيها - والأديم الجلد، ولراهشيه، أي: إلى أن وصل القطع للراهشين، وهما عرقان في باطن الذراع يتدفق الدم منهما عند القطع - والضمير في ألفى يعود على المقطوع راهشاه، وهو جذيمة الابرش، والمراد الاخبار بأن جذيمة غدرت به الزباء، وقطعت راهشيه، وسأل منه الدم حتى مات، وأنه وجد ما وعدته من تزوجه بها كذبا ومينا - وهما بمعنى واحد، واحدى الكلمتين زائدة فلا يتغير المعنى باسقاط أيهما شئت وكقول الشاعر:
ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها التأى والبعد
فالنأي والبعد بمعنى واحد، ولا يتعين أحدهما للزيادة.
([11]) ديوانه، طبعة بيروت: 39. وفي اللسان والصحاح والتهذيب والمقاييس 5 / 378 والأساس، بدون نسبة. و(هند): هي المخصوص بالمديح، فاعل. ولم ير الشاعر في نفسه حاجةً إلى تمييز، فاطّرحه، ولو ذكره لقال مثلاً: حبذا هندٌ امرأةً. وتأنيث الفاعل لم يغيّر من [حبذا] شيئاً، لأنه يلزم صيغة الإفراد والتذكير أبداً في كل حال.
([12])شرح المعلقات السبع، الزوزني:130. والإقواء والإقفار: الخلاء، جمع بينهما لضرب من التأكيد، وأم الهيثم: كنية عبلة. يقول: حييت من جملة الأطلال. أن خصصت بالتحية من بينها ثم أخبر أنه قدم عهده بأهله وقد خلا عن السكان بعد ارتحال حبيبته عنه.
([13]) معاني القرآن: 1/134.
([14]) انظر: الطبري: 2/70، وتفسير ابن كثير: 1/261.
([15]) أنظر: تفسير الطبر(928):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم(521):ص1/109.
([16]) أنظر: تفسير الطبري(929)، و(930)، و(931):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([17]) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([18])رجحه الطبري: 2/ 70، 71، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 225، "تفسير الثعلبي" 1/ 73 أ، وتفسير ابن عطية" 1/ 216، والبغوي في "تفسيره" 1/ 73، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 81، وتفسير ابن كثير" 1/ 97، و معاني القرآن للفراء: 1/37، ومعاني القرآن للزجاج: 1/105.
([19])في "معاني القرآن" للفراء 1/ 37، "الشعر والشعراء" ص 132، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 175، "تفسير الثعلبي" 1/ 19 أ، 73 أ، "أمالي المرتضى" 2/ 258، "المستقصى" 1/ 243، "مغني اللبيب" 2/ 357، "الهمع" 5/ 226، "معاهد التنصيص" 1/ 310، "اللسان" (مين) 7/ 4311، والقرطبي في "تفسيره" 1/ 399، "الدر المصون" 1/ 358.
والبيت ضمن قصيدة قالها عدي بن زيد، في قصة طويلة مشهورة بين الزَّباء وجذيمة وردت في كتب التاريخ والأدب.
ويروي (قدمت) و (الراهش) عرق في باطن الذراع و (المين) بمعنى: الكذب، ورد البيت.
([20])ورد البيت في "تهذيب اللغة" (شرع) 2/ 1857، "اللسان" (شرع) 4/ 2238، "تفسير الثعلبي" 1/ 73 أ، "تفسير القرطبي" 1/ 341، "الدر المصون" 1/ 358، "فتح القدير" 1/ 135، و"ديوان عنترة" ص 189.
و(الطلل): ما شخص من الدار من وتد وغيره، (تقادم): طال عهده بأهله فتغير، (أقوى): خلا من أهله.
([21]) أنظر: معاني القرآن للزجاج: 1/105، والتفسير البسيط: 2/526.
([22]) أنظر: تفسير ابن عثيمين:1/183.
([23]) أخرجه الطبري (932):ص 2/71.
([24])ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 73 أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" عن عباس وابن زيد 1/ 81، وذكر الطبري نحوه عن ابن زيد 1/ 285، وذكره أبو الليث في "تفسيره" ولم يعزه 1/ 354، وكذا ابن عطية في "تفسيره" 1/ 295.
([25]) ديوانه: 159. وانظر: طبقات ابن سعد" 3/ 528، "سيرة ابن هشام" 3/ 428، "سير أعلام النبلاء" 1/ 234، و"الاستيعاب" 3/ 35، "الدر المصون" 1/ 591، "البحر المحيط" 2/ 311، 227، 6/ 84.
([26]) أنظر: التفسير البسيط: 2/527.
([27]) ذكره الثعلبي في تفسير: 1/197، والبغوي: في تفسيره: 1/73، وحكاه الواحدي عن الزجاج عن يمان بن رباب، ولم أجد هذا القول في "معاني القرآن" للزجاج، وممن نسبه للزجاج ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 81، وهذا القول ذكره الفراء في "المعاني" 1/ 37، وأبو الليث في "تفسيره" 1/ 354، انظر: "تفسير ابن عطية" ونسبه لابن زيد 1/ 295, "تفسير القرطبي" 1/ 341.
([28]) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم(522):ص1/!09.
([29]) أنظر: معاني القرآن للزجاج: 1/134.
([30])قول ابن الأنباري ذكره المرتضى في "أماليه" 2/ 260.
([31]) روح المعاني: 1/260.
([32])البيت ينسب إلى خالد بن الطيفان، ونسبه بعضهم إلى الزبرقان بن بدر، ورد البيت في "الزاهر" 1/ 119، و"أمالي المرتضى" 2/ 259، 375، "تفسير الثعلبي" 1/ 73 أ، "الخصائص" 2/ 431، "الإنصاف" 1/ 406، "اللسان" (جدع) 1/ 567. والوفر: المال الكثير الوافر.
([33]) أنظر: تفسير الثعلبي: 1/73، ووذكره الزجاج في "المعاني" 1/ 104، 105، وهو قول للفراء كما في المعاني 1/ 37، وانظر: "أمالي المرتضى" 2/ 259، "تفسير ابن عطية" 1/ 296، "زاد المسير" 1/ 81، "البحر المحيط" 1/ 202، والتفسير البسيط: 2/528، وروح المعاني: 1/260.
([34])ذكره المرتضى في "أماليه" 2/ 260.
([35]) روح المعاني: 1/260.
([36]) صفوة التفاسير: 1/50.
([37]) تفسير الطبري: 2/72.
([38]) أخرجه ابن أبي حاتم(523):ص1/109.
([39]) تفسير ابن عثيمين:1/183.
([40]) لم أتعرف على قائله، والبيت في لسان العرب: 8/41، وتفسير الثعلبي: 1/197.
([41]) تفسير الثعلبي: 1/197.
([42])التوراة التاء فيه مقلوب، وأصله من الورى، بناؤها عند الكوفيين: ووراة تفعلة (قال في اللسان: التوراة عند أبي العباس تفعلة، وعند الفارسي فوعلة، قال: لقلة تفعلة في الأسماء وكثرة فوعلة)، وقال بعضهم: هي تفعلة نحو تنفلة (انظر: معاني القرآن للزجاج 1/374. والتنفلة: أنثثى الثعلب)، وليس في كلامهم تفعلة اسما. وعند البصريين وورية، هي فوعلة نحو حوصلة. قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} [المائدة/44]، {ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل} [الفتح/29](انظر: مفردات ألفاظ القران، الراغب: 121).
(1) المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم لمحمد البار ص (111).
([44])وأما تحريف التوراة، فإليك الأدلة على ذلك:
1- أدلة من القرآن الكريم:
لقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ما يدل على تحريف اليهود لكتابه الذي أنزله إليهم،وأنهم أضافوا وبدلوا منه الشيء الكثير،حتى لم يبقى في كتابهم المزعوم شيء مما أنزل الله على موسى عليه السلام ومن الآيات التي تخبرنا بذلك:
خاطب الله رسوله والصحابة رضوان الله عليهم بقوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 75] .
وقال تعالى مخبراً عن تحريفهم للكتاب ومتوعداً لهم بالعقاب {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة : 79] .
وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : 78] .
وفي هذه الآيات دلالة على أنهم أدخلوا في كلام الله ما ليس منه، وافتروا على الله الكذب بأن نسبوا إليه سبحانه مالم يقله وهم يعلمون ذلك فجورا منهم وجراءة على الله تعالى.
كما أخبرنا تعالى بأنهم قد أخفوا وكتموا ما عندهم من الحق يقول تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران : 71]، وقال تعالى {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 46]، وغيرها من الآيات التي يخبرنا بها القرآن الكريم عن كتابهم وأنه لم يسلم من أيدي المحرفين.
2-أدلة من التوراة نفسها
والأمثلة على وقوع التحريف في التوراة كثيرة نذكر بعضاً منها:
أولاً- الاختلاف في عدد الأسفار:
مما هو معلوم أن بين يدي اليهود والنصارى ثلاث نسخ مشهورة من التوراة والعهد القديم،ومن هذه النسخ تتفرع سائر الترجمات تقريباً وهي:
النسخة العبرية: وهي المقبولة والمعتبرة لدى اليهود وجمهور علماء البروستانت وهي مأخوذة من الماسورية.
النسخة اليونانية: وهي المعتبرة لدى النصارى الكاثوليك،والأرثوذكس وهي التي تسمى السبعينية.
النسخة السامرية: وهي المعتبرة والمقبولة لدى اليهود السامريين.
وإذا عقدنا مقارنة بين هذه النسخ الثلاثه من ناحية عدد الأسفار نجد أن النسخة العبرية تسعة وثلاثون سفراً فقط.
أما النسخة اليونانية فهي ستة وأربعون سفراً حيث تزيد سبعة أسفار عن النسخة العبرية ويعتبرها النصارى الكاثوليك والأرذثوكس مقدسة.
أما النسخة السامرية فلا تضم إلا أسفار موسى الخمسة فقط وقد يضمون إليها سفر يوشع فقط وما عداه فلا يعترفون به ولا يعدونه مقدساً.
فهذا الاختلاف الهائل بين النسخ لكتاب واحد والكل يزعم أنه موحى به من الله، ويدعي أن كتابه هو الحق وما عداه هو الباطل!!
ثانيا- الاختلاف والتباين بين معلومات النسخ المدونة:
فإذا عقدنا مقارنة بين النسخ الثلاثة فيما اتفقت في ذكره من أخبار وقصص نجد يبنهما تبايناً شديداً واختلافاً كبيراً ومن ذلك:
1-أن اليهود ذكروا تاريخ مواليد بني آدم إلى نوح عليه السلام، ونصوا على عمر كل واحد منهم، وكذلك عمره حين ولد له أول مولود ، وبعقد مقارنة بين أعمار من ذكروا حين ولد لهم أول مولود تتبين اختلافات واضحة بين النسخ الثلاثة:
فعمر آدم في نسخةِ العبرانية والسامرية130بينما عند النسخة اليونانية 230 .
وعمر شيث في نسخةِ العبرانية والسامرية105بينما اليونانية205 .
وعمر آنوش في نسخةِ العبرانية والسامرية 90 بينما اليونانية 190 .
فهذا دليل على تحريفهم لكلام الله إن ثبت أن ما سبق هو كلام الله المنزل حيث لا يمكن الجمع بين الروايات المتناقضة
2- ورد في سفر التكوين والتثنية والعدد ما يقرر أن الأبناء يؤخذون بذنب الآباء، بينما في سفر حزقيال ما يعارض هذا من أن الأبناء لا يحملون ذنب الآباء.
3- في نسخة العبرانية من الزبور وردت عبارة(لم يعصوا كلامه) بينما في النسخة اليونانية(وقد عصوا كلامه).
وعن تباين النسخ واختلافها يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله:"وقولهم ان نسخ التوراة متفقة في شرق الأرض وغربها كذب ظاهر فهذه التوراة التي بأيدى النصارى تخالف التوراة التي بأيدي اليهود والتي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه وهذه نسخ الإنجيل يخالف بعضها بعضا ويناقضه فدعواهم أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقا وغربا من البهت والكذب الذي يرجونه على أشباه الأنعام حتى أن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم وهم يعلمون قطعا ان ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى".[ هداية الحيارى لابن القيم الجوزية (48)].
ثالثا- الاختلاف بالمقارنة مع ما ذكروه في مواضع أخرى من نفس السفر:
1- فنجد أنهم في سفر التكوين يذكرون أن سفينة نوح استقرت بعد الطوفان على جبال أراراط بعد سبعة أشهر وسبعة عشر يوما، ثم ذكروا أن رؤوس الجبال بعد الطوفان لم تظهر إلا في أول الشهر العاشر: "واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم ا السابع عشر من الشهر على جبال أراراط وكانت المياه تنقص نقصاً مواليا إلى الشهر العاشر وفي الشهر العاشر في أول الشهر ظهرت رؤس الجبال".[ الإصحاح 8من سفر التكوين ص(6)].
ففي هذا تناقض ظاهر فكيف رست السفينة على الجبال بعد سبعة أشهر مع أن رؤوس الجبال لم تظهر ألا في أول الشهر العاشر!!
2- ذكروا في سفر الخروج أن موسى عليه السلام رأى الله "ويكلم الرب موسى وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه".[ الإصحاح 33من سفر الخروج ص(72)].
فهم هنا يزعمون أن الكلام يتم مقابلة مما يوحي بأن موسى عليه السلام يرى وجه الله تعالى حين يكلمه، وفي نص آخر من نفس السفر بعد هذا يقولون إن الله قال لموسى لما طلب أن يراه (لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش".[ الإصحاح 33من سفر الخروج ص(72)]. وفي هذا تناقض واضح.
والحق كما جاء في القرآن الكريم أن موسى عليه السلام لم ير الله عز وجل قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 143].
3- ذكروا في سفر التكوين أن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام" خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أح الجبال"[ الإصحاح22من سفر التكوين ص(16).]، فلاشك أن هذا خطأ،لأن إسحاق عليه السلام لم يكن وحيد إبراهيم عليه السلام بل الذي كان وحيده هو بكره إسماعيل عليه السلام،حيث نص اليهود في كتابهم على أن إسماعيل عليه السلام ولد قبل إسحاق عليه السلام حيث ختن وعمره ثلاث عشرة سنة ولم يكن إسحاق ولد بعد وفي هذا قالوا(وكان إسماعيل ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته، في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل ابنه".[ الإصحاح17من سفر التكوين ص( 11).وأنظر: اليهودية ص(269-270),ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية للخلف ص(96- 98- 99-100-101)].
رابعاً- ذكر وفاة موسى عليه السلام:
فنجد أن سفر التثنية يخبرنا بوفاة موسى عليه السلام وعمره(فمات هنا موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فخور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم..وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته..".[ الإصحاح 34من سفر التثنية ص(170)].
ويقول الإمام ابن حزم رحمه الله معلقاً على هذا النص :هذه آخر توراتهم وتمامها،وهذا الفصل شاهد عدل،وبرهان تام،ودليل قاطع،وحجة صادقة في أن توراتهم مبدلة،وأنها تاريخ مؤلف كتبه لهم من تخرص بجهله، أو تعمد بفكره، وأنها غير منزلة من عند الله تعالى،إذ لا يمكن أن يكون هذا الفصل منزلاً على موسى في حياته..وبيان أنه تاريخ ألف بعد دهر طويل ولابد".[ الفصل في الملل والأهواء لابن حزم(1/186) ,وأنظر:دراسات في اليهودية والمسيحية لمحمد الأعظمي ص(132).].
وغيرها من التحريفات التي أمتلئ بها كتابهم المقدس ذكرنا بعضاً منها هنا على سبيل الذكر لا الحصر .
وقد تعددت أنواع التحريف في التوراة، إذ يفصل بعض العلماء في أنواع التحريف الذي قام به أحبار اليهود في التوراة، ويستدلون على ذلك بما ورد في القرآن الكريم من آيات تخبر بذلك، وهذه الأنواع هي :
أولا: تحريف بالتبديل.
ثانيا: تحريف بالزيادة
ثالثا: تحريف بالنقصان
رابعا: تحريف بتغيير المعنى دون اللفظ
وهذه الأنواع تكون بعدة أمور منها:
أ- إلباس الحق بالباطل والباطل بالحق: وفي هذا قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران : 71].
يقول ابن عباس رضي الله عنه:(لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب)، ومن ذلك أنهم كانوا يكتبون في التوراة ما ليس فيها ومثاله اتهام هارون عليه السلام بأنه الذي صنع العجل وأمرهم بعبادتهم.
ب- كتمان الحق وإخفاءه: يقول تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 42]، ومن كتمانهم للحق إنكارهم لصفة الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة، وهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 146]
وقد كتموا حكم رجم الزاني والزانية ولكن الله فضحهم على يد حبرهم حين أسلم الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأظهر حكم التوراة وهو الرجم.
ج- تحريف الكلام عن مواضعه: بوضع كلمة مكان كلمة وهذا هو تحريف التبديل،وقد يكون بإسقاط كلمة وهو تحريف النقص،أو بزيادة كلمه وهو تحريف الزيادة، ومن قرأ كتابه وجده ملئ بذلك وفي هذا قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 46].
د- ليّ اللسان: وهو أن يقولوا كلمة ظاهرها حسن وباطنها سيئ، ومثاله قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم(واسمع غير مسمع) وقولهم(راعنا) وظاهر الكلام حسن وباطنه سيئ حيث يتهمونه صلى الله عليه وسلم بالرعونة وإنك تُسمع قوماً لا يسمعونك لتفاهة كلامك، ومن ذلك أيضاً أنهم إذا سلموا على الرسول لى الله عليه وسلم قالوا: "السام عليكم"[ ينظر: المدخل لدراسة التوراة والعهدالقديم ص(120-121-122)]، قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : 78].
ومن ليهم باللسان أن الله أمرهم إذا دخلوا القرية أن يقولوا حطة، لكي يغفر الله لهم خطاياهم فقالوا حنطة،قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة : 59].[ انظر: العهد القديم عند اليهود، أ.د. سليمان بن قاسم العيد و رفعة العنزي، جامعة الملك سعود كلية التربية، قسم الثقافة الأسلامية، مسار العقيدة:(بحث منشور في الشبكة الألكترونية)].
---------
المصدر: فتح البيان في تفسير القرآن، للشيخ الدكتور عبدالله خضر حمد الكردسوري، الجزء الثاني.
-------------------------:
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)} [البقرة : 53]
التفسير:
واذكروا نعمتنا عليكم حين أعطينا موسى الكتاب الفارق بين الحق والباطل -وهو التوراة-؛ لكي تهتدوا من الضلالة.
قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}[البقرة:53]، "أي واذكروا نعمتي أيضاً حين أعطيت موسى التوراة الفارقة بين الحق والباطل"[SUP]([1])[/SUP].
قال ابن عثيمين: " أي واذكروا إذ أعطينا موسى التوراة الفارق بين الحق والباطل"[SUP]([2])[/SUP].
روي " عن قتادة في قوله: {الكتاب}، قال التوراة"[SUP]([3])[/SUP]. وهو قول جمهور المفسرين[SUP]([4])[/SUP].
وقال مجاهد: " {الكتاب}: هو الفرقان ، فرقان بين الحق والباطل"[SUP]([5])[/SUP]. وروي عن أبي العالية[SUP]([6])[/SUP]، والربيع بن أنس[SUP]([7])[/SUP]، نحو ذلك.
واختلف في(الواو) في قوله تعالى: {الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}[البقرة:53]،على وجهين[SUP]([/SUP][8][SUP])[/SUP]:
أحدهما: أن(الواو) فيه زائدة، والمعنى : ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان.
قال ابن كثير:"وهذا غريب"[SUP]([/SUP][9][SUP])[/SUP].
والثاني: أن(الواو) حرف عطف، فعطف عليه وإن كان المعنى واحدًا، كما في قول عدي العبادي[SUP]([/SUP][10][SUP])[/SUP] :
وقدمت الأديم لراقشيه فألفى قولها كذبًا ومينا
وقال الحطيئة[SUP]([/SUP][11][SUP])[/SUP] :
ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد
فالكذب هو المين، والنأي: هو البعد، وقال عنترة[SUP]([/SUP][12][SUP])[/SUP] :
حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
قال الزجاج: " والقول الأول هو القول، لأن الفرقان قد ذكر لموسى في غير هذا الموضع - قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}[الأنبياء: 48]"[SUP]([13])[/SUP].
وَ{الْفُرْقَانَ}: الفصل بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وكان ذلك - أيضا - بعد خروجهم من البحر، كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف، ولقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [القصص : 43][SUP]([/SUP][14][SUP])[/SUP].
واختلف في تفسير {الْفُرْقَانَ}[البقرة:53]، هنا، على أربعة أوجه:
أحدها: أن {الفرقان}، معناه: الفصل بين الحق والباطل، قاله أبو العالية[SUP]([15])[/SUP]، ومجاهد[SUP]([16])[/SUP]، والربيع بن أنس[SUP]([17])[/SUP]، وهو قول جمهور أهل التفسير[SUP]([18])[/SUP].
واحتجوا من وجهين:
أحدهما: أن العرب تكرر الشيء إذا اختلفت ألفاظه، ومنه قول عدي بن زيد[SUP]([19])[/SUP]:
وَقدَّدَت الأَدِيَم لِرَاهِشيْه وأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَينَا
فقوله (كذبًا ومينًا)، عطف (المين) على (الكذب)، وهو بمعناه.
وقال عنترة[SUP]([20])[/SUP]:
حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ
والثاني: أن الله تعالى ذكر لموسى الفرقان في غير هذا الموضع، وهو قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء: 48]. فعلى هذا الفرقان هو الكتاب، والكتاب هو الفرقان، ولكن ذكر بلفظين مختلفين[SUP]([21])[/SUP]، والعطف هنا من باب عطف الصفة على الموصوف؛ والعطف يقتضي المغايرة؛ والمغايرة يكتفى فيها بأدنى شيء؛ قد تكون المغايرة بين ذاتين؛ وقد تكون المغايرة بين صفتين؛ وقد تكون بين ذات وصفة؛ فمثلاً: قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض} [الأنعام: 1] : المغايرة بين ذاتين؛ وقوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى: 1 . 4] : المغايرة بين صفتين؛ وقوله تعالى هنا: { الكتاب والفرقان }: المغايرة بين ذات وصفة؛ فـ{ الكتاب } نفس التوراة؛ و{ الفرقان } صفته؛ فالعطف هنا من باب عطف الصفة على الموصوف[SUP] ([22])[/SUP].
والثاني: المراد بالفرقان: أن الله فرق بينهم بالنصر.
روي بأنه سئل ابن يزيد عن قول الله عز وجل : {وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان}، فقال : أما " الفرقان " الذي قال الله جل وعز :{يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}[الأنفال : 41]، فذلك يوم بدر، يوم فرق الله بين الحق والباطل، والقضاء الذي فرق به بين الحق والباطل . قال : فكذلك أعطى الله موسى الفرقان، فرق الله بينهم، وسلمه وأنجاه، فرق بينهم بالنصر. فكما جعل الله ذلك بين محمد صلى الله عليه وسلم والمشركين، فكذلك جعله بين موسى وفرعون[SUP]([/SUP][23][SUP])[/SUP]. وروي عن ابن عباس[SUP]([24])[/SUP] نحو ذلك.
ومما يعضد هذا الوجه، قول عبدالله بن رواحة، وهو يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم -[SUP]([25])[/SUP]:
فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتاكَ مِنْ حَسَنٍ تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
فعلى هذا، سمى نصره على فرعون وقومه فرقانًا[SUP] ([26])[/SUP].
وعن يمان بن رباب: "{الفرقان}: انفراق البحر وهو من عظيم الآيات، يدلّ عليه قوله تعالى:{وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ}"[SUP]([27])[/SUP]. وهذا الوجه أيضا يدخل ضمن القول الثاني.
والثالث: أن الفرقان: هو "علم الكتاب وتبيانه وحكمته". قاله سعيد بن جبير[SUP]([28])[/SUP].
والرابع: وقيل: المعنى :وآتينا محمداً الفرقان، واستدل بقوله عزَّ وجلَّ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان : 1]، يعني به القرآن. وهذا قول قطرب، حكاه الزجاج عنه[SUP]([29])[/SUP].
والخامس: وقيل: إن الفرقان هو القرآن، ثم علّلوا قولهم ذلك من وجهين:
أحدهما: أن الفرقان القرآن وأن معنى إتيانه لموسى عليه السلام، نزول ذكره له حتى آمن به، حكاه ابن الأنباري[SUP]([30])[/SUP]. وضعّفه الآلوسي وقال: "وهو بعيد"[SUP]([31])[/SUP].
والثاني: حكي "عن الفراء وقطرب، أن الفرقان هو القرآن، والكلام على حذف مفعول، أي: ومحمدا الفرقان، لعلكم تهتدون بهذين الكتابين، فترك أحد الاسمين كقول الشاعر[SUP]([32])[/SUP]:
تَرَاهُ كَأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أَنْفَهُ وَعَيْنَيْهِ إِنْ مَوْلاَهُ ثَابَ لَهُ وَفْرُ
أراد ويفقأ عينيه، فاكتفى بـ (يجدع) من يفقأ[SUP] ([33])[/SUP].
وضعّفه الأنباري قائلا: هذا البيت لا يشاكل ما احتج به؛ لأن الشاعر اكتفى بفعل من فعل، وعلى ما ذكر في الآية اكتفى من اسم باسم، ولكنه يصح قول قطرب عندي من وجه آخر، وهو أنه لما ذكر الفرقان وهو اسم للقرآن، دل على محمد - صلى الله عليه وسلم - فحذف اتكالًا على علم المخاطبين[SUP]([34])[/SUP]. وكذا اعترض عليه الآلوسي وبعّده[SUP]([35])[/SUP].
والصحيح هو قول جمهور أهل التفسير أي الفرقان هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل، وهو نعت للتوراة وصفة لها. والله أعلم.
قوله تعالى:{ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، "أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها والعمل بما فيها من أحكام"[SUP]([36])[/SUP].
قال الطبري:" لتهتدوا بها ، وتتبعوا الحق الذي فيها"[SUP]([37])[/SUP].
روي "عن سعيد بن جبير في قول الله عز وجل :{لعلكم}، يعني (لكي)"[SUP]([38])[/SUP].
قال ابن عثيمين:" أي لعلكم تهتدون بهذا الكتاب الذي هو الفرقان؛ لأن الفرقان هدى يهتدي به المرء من الضلالة، و{ تهتدون } أي هداية العلم، والتوفيق؛ فهو نازل للهداية؛ ولكن من الناس من يهتدي، ومنهم من لا يهتدي "[SUP]([39])[/SUP].
قال الثعلبي: أي: "لهذين الكتابين، فترك أحد الاسمين، كقول الشاعر[SUP]([40])[/SUP]:
تراه كأن الله يجدع أنفه وعينيه إن مولاه بات له وفر"[SUP]([41])[/SUP]
ويطلق لفظ التوراة[SUP]([/SUP][42][SUP])[/SUP]: على الشريعة المكتوبة،كما يطلق لفظ التلمود: على الشريعة الشفهية.وأما لفظ العهد القديم: فيطلق على مجموعة الأسفار التي كتبت قبل عهد المسيح عليه السلام والتي تضم الأسفار التي جاء بها موسى وأنبياء بني إسرائيل وسميت كذلك -العهد القديم- للتميز بينها وبين العهد الجديد،الذي يزعمون أن الرب قطعه مع بني إسرائيل على يد المسيح عيسى عليه السلام[SUP]([43])[/SUP].
وإن من المعلوم أن التوراة الموجودة الآن بين يدي اليهود والنصارى محرفة[SUP]([44])[/SUP]، ومن خلال دراسة تاريخ التوراة يتبين لنا أن هذه الأسفار من صنع أجيال متعددة،وأن فترة التدوين بدأت من عهد عزرا واستمرت بعده،وأن الكهنة كانوا يعتمدون على ما سمعوه وما تلقاه الخلف عن السلف من أخبار وأساطير وأقوال،وكثيراً ما كان الكهنة يكتبون ما يجيش بصدورهم أو مايأملونه على أنه حقيقة واقعة،أو تاريخ سابق.
الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن إنزال الله تعالى الكتب للناس من نعمه، وآلائه؛ بل هو من أكبر النعم؛ لأن الناس لا يمكن أن يستقلوا بمعرفة حق الخالق؛ بل ولا حق المخلوق؛ ولذلك نزلت الكتب تبياناً للناس..
.2 ومنها: أن موسى صلى الله عليه وسلم نبي رسول، لأن الله تعالى آتاه الكتاب..
.3 ومنها: فضيلة التوراة؛ لأنه أُطلق عليها اسم { الكتاب }؛ و "أل" هذه للعهد الذهني؛ فدل هذا على أنها معروفة لدى بني إسرائيل، وأنه إذا أُطلق الكتاب عندهم فهو التوراة؛ أيضاً سماها الله تعالى الفرقان، كما سمى القرآن الفرقان؛ لأن كلا الكتابين أعظم الكتب، وأهداهما؛ لقوله تعالى: {قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما} [القصص: 49] . يعني التوراة، والإنجيل . {أتبعه إن كنتم صادقين} [القصص: 49] ؛ ودل هذا على أن التوراة مشاركة للقرآن في كونها فرقاناً؛ ولهذا كانت عمدة الأنبياء من بني إسرائيل، كما قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدًى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} [المائدة: 44] ..
.4 ومن فوائد الآية: بيان عتوّ بني إسرائيل، وطغيانهم؛ لأنه إذا كانت التوراة التي نزلت عليهم فرقاناً، ثم هم يكفرون هذا الكفر دلّ على زيادة عتوهم، وطغيانهم؛ إذ من نُزِّل عليه كتاب يكون فرقاناً كان يجب عليه بمقتضى ذلك أن يكون مؤمناً مذعناً..
.5 ومنها: أن الله . تبارك وتعالى . يُنزل الكتب، ويجعلها فرقاناً لغاية حميدة حقاً . وهي الهداية؛ لقوله تعالى: ( لعلكم تهتدون )
.6 ومنها: أن من أراد الهداية فليطلبها من الكتب المنزلة من السماء . لا يطلبها من الأساطير، وقصص الرهبان، وقصص الزهاد، والعباد، وجعجعة المتكلمين، والفلاسفة، وما أشبه ذلك؛ بل من الكتب المنَزلة من السماء..
فعلى هذا ما يوجد في كتب الوعظ من القصص عن بعض الزهاد، والعباد، ونحوهم نقول لكاتبيها، وقارئيها: خير لكم أن تبدو للناس كتاب الله عزّ وجلّ، وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم وتبسطوا ذلك، وتشرحوه، وتفسروه بما ينبغي أن يفهم حتى يكون ذلك نافعاً للخلق؛ لأنه لا طريق للهداية إلى الله إلا ما جاء من عند الله عزّ وجلّ..
.7 ومن فوائد الآية: إثبات الأسباب، وتأثيرها في مسبَّباتها؛ وبسط ذلك مذكور في كتب العقائد..
.8 ومنها: أن الإيتاء المضاف إلى الله سبحانه وتعالى يكون كونياً، ويكون شرعياً؛ مثال الكوني قوله تعالى: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} [القصص: 76] ؛ ومثال الشرعي قوله تعالى: {وآتينا موسى الكتاب} (الإسراء: 2)
([1]) صفوة التفاسير: 1/50.
([2]) تفسير ابن عثيمين:1/!83.
([3]) أخرجه ابن أبي حاتم(520):ص1/109.
([4]) أنظر: روح المعاني: 1/260.
([5]) أنظر: تفسير الطبري(929)، و(930)، و(931):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([6]) أنظر: تفسير الطبر(928):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم(521):ص1/109.
([7]) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([8]) انظر: تفسير ابن كثير: 1/261.
([9]) تفسير ابن كثير: 1/261.
([10])ديوان عدي بن زيد العبادي، تحقيق: محمد جبار المعيبد، دار الجمهورية للنشر والطبع، بغداد، 1965م، ص 183، ويروى (وقدّمت الأديم)، والبيت ذكر في اللسان: (مين)، وقدت أي قطعت، والضمير فيه يعود على الزباء، وهي امرأة ورثت الملك عن أبيها - والأديم الجلد، ولراهشيه، أي: إلى أن وصل القطع للراهشين، وهما عرقان في باطن الذراع يتدفق الدم منهما عند القطع - والضمير في ألفى يعود على المقطوع راهشاه، وهو جذيمة الابرش، والمراد الاخبار بأن جذيمة غدرت به الزباء، وقطعت راهشيه، وسأل منه الدم حتى مات، وأنه وجد ما وعدته من تزوجه بها كذبا ومينا - وهما بمعنى واحد، واحدى الكلمتين زائدة فلا يتغير المعنى باسقاط أيهما شئت وكقول الشاعر:
ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها التأى والبعد
فالنأي والبعد بمعنى واحد، ولا يتعين أحدهما للزيادة.
([11]) ديوانه، طبعة بيروت: 39. وفي اللسان والصحاح والتهذيب والمقاييس 5 / 378 والأساس، بدون نسبة. و(هند): هي المخصوص بالمديح، فاعل. ولم ير الشاعر في نفسه حاجةً إلى تمييز، فاطّرحه، ولو ذكره لقال مثلاً: حبذا هندٌ امرأةً. وتأنيث الفاعل لم يغيّر من [حبذا] شيئاً، لأنه يلزم صيغة الإفراد والتذكير أبداً في كل حال.
([12])شرح المعلقات السبع، الزوزني:130. والإقواء والإقفار: الخلاء، جمع بينهما لضرب من التأكيد، وأم الهيثم: كنية عبلة. يقول: حييت من جملة الأطلال. أن خصصت بالتحية من بينها ثم أخبر أنه قدم عهده بأهله وقد خلا عن السكان بعد ارتحال حبيبته عنه.
([13]) معاني القرآن: 1/134.
([14]) انظر: الطبري: 2/70، وتفسير ابن كثير: 1/261.
([15]) أنظر: تفسير الطبر(928):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم(521):ص1/109.
([16]) أنظر: تفسير الطبري(929)، و(930)، و(931):ص2/70، وتفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([17]) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم:1/109.
([18])رجحه الطبري: 2/ 70، 71، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 225، "تفسير الثعلبي" 1/ 73 أ، وتفسير ابن عطية" 1/ 216، والبغوي في "تفسيره" 1/ 73، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 81، وتفسير ابن كثير" 1/ 97، و معاني القرآن للفراء: 1/37، ومعاني القرآن للزجاج: 1/105.
([19])في "معاني القرآن" للفراء 1/ 37، "الشعر والشعراء" ص 132، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 175، "تفسير الثعلبي" 1/ 19 أ، 73 أ، "أمالي المرتضى" 2/ 258، "المستقصى" 1/ 243، "مغني اللبيب" 2/ 357، "الهمع" 5/ 226، "معاهد التنصيص" 1/ 310، "اللسان" (مين) 7/ 4311، والقرطبي في "تفسيره" 1/ 399، "الدر المصون" 1/ 358.
والبيت ضمن قصيدة قالها عدي بن زيد، في قصة طويلة مشهورة بين الزَّباء وجذيمة وردت في كتب التاريخ والأدب.
ويروي (قدمت) و (الراهش) عرق في باطن الذراع و (المين) بمعنى: الكذب، ورد البيت.
([20])ورد البيت في "تهذيب اللغة" (شرع) 2/ 1857، "اللسان" (شرع) 4/ 2238، "تفسير الثعلبي" 1/ 73 أ، "تفسير القرطبي" 1/ 341، "الدر المصون" 1/ 358، "فتح القدير" 1/ 135، و"ديوان عنترة" ص 189.
و(الطلل): ما شخص من الدار من وتد وغيره، (تقادم): طال عهده بأهله فتغير، (أقوى): خلا من أهله.
([21]) أنظر: معاني القرآن للزجاج: 1/105، والتفسير البسيط: 2/526.
([22]) أنظر: تفسير ابن عثيمين:1/183.
([23]) أخرجه الطبري (932):ص 2/71.
([24])ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 73 أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" عن عباس وابن زيد 1/ 81، وذكر الطبري نحوه عن ابن زيد 1/ 285، وذكره أبو الليث في "تفسيره" ولم يعزه 1/ 354، وكذا ابن عطية في "تفسيره" 1/ 295.
([25]) ديوانه: 159. وانظر: طبقات ابن سعد" 3/ 528، "سيرة ابن هشام" 3/ 428، "سير أعلام النبلاء" 1/ 234، و"الاستيعاب" 3/ 35، "الدر المصون" 1/ 591، "البحر المحيط" 2/ 311، 227، 6/ 84.
([26]) أنظر: التفسير البسيط: 2/527.
([27]) ذكره الثعلبي في تفسير: 1/197، والبغوي: في تفسيره: 1/73، وحكاه الواحدي عن الزجاج عن يمان بن رباب، ولم أجد هذا القول في "معاني القرآن" للزجاج، وممن نسبه للزجاج ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 81، وهذا القول ذكره الفراء في "المعاني" 1/ 37، وأبو الليث في "تفسيره" 1/ 354، انظر: "تفسير ابن عطية" ونسبه لابن زيد 1/ 295, "تفسير القرطبي" 1/ 341.
([28]) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم(522):ص1/!09.
([29]) أنظر: معاني القرآن للزجاج: 1/134.
([30])قول ابن الأنباري ذكره المرتضى في "أماليه" 2/ 260.
([31]) روح المعاني: 1/260.
([32])البيت ينسب إلى خالد بن الطيفان، ونسبه بعضهم إلى الزبرقان بن بدر، ورد البيت في "الزاهر" 1/ 119، و"أمالي المرتضى" 2/ 259، 375، "تفسير الثعلبي" 1/ 73 أ، "الخصائص" 2/ 431، "الإنصاف" 1/ 406، "اللسان" (جدع) 1/ 567. والوفر: المال الكثير الوافر.
([33]) أنظر: تفسير الثعلبي: 1/73، ووذكره الزجاج في "المعاني" 1/ 104، 105، وهو قول للفراء كما في المعاني 1/ 37، وانظر: "أمالي المرتضى" 2/ 259، "تفسير ابن عطية" 1/ 296، "زاد المسير" 1/ 81، "البحر المحيط" 1/ 202، والتفسير البسيط: 2/528، وروح المعاني: 1/260.
([34])ذكره المرتضى في "أماليه" 2/ 260.
([35]) روح المعاني: 1/260.
([36]) صفوة التفاسير: 1/50.
([37]) تفسير الطبري: 2/72.
([38]) أخرجه ابن أبي حاتم(523):ص1/109.
([39]) تفسير ابن عثيمين:1/183.
([40]) لم أتعرف على قائله، والبيت في لسان العرب: 8/41، وتفسير الثعلبي: 1/197.
([41]) تفسير الثعلبي: 1/197.
([42])التوراة التاء فيه مقلوب، وأصله من الورى، بناؤها عند الكوفيين: ووراة تفعلة (قال في اللسان: التوراة عند أبي العباس تفعلة، وعند الفارسي فوعلة، قال: لقلة تفعلة في الأسماء وكثرة فوعلة)، وقال بعضهم: هي تفعلة نحو تنفلة (انظر: معاني القرآن للزجاج 1/374. والتنفلة: أنثثى الثعلب)، وليس في كلامهم تفعلة اسما. وعند البصريين وورية، هي فوعلة نحو حوصلة. قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} [المائدة/44]، {ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل} [الفتح/29](انظر: مفردات ألفاظ القران، الراغب: 121).
(1) المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم لمحمد البار ص (111).
([44])وأما تحريف التوراة، فإليك الأدلة على ذلك:
1- أدلة من القرآن الكريم:
لقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ما يدل على تحريف اليهود لكتابه الذي أنزله إليهم،وأنهم أضافوا وبدلوا منه الشيء الكثير،حتى لم يبقى في كتابهم المزعوم شيء مما أنزل الله على موسى عليه السلام ومن الآيات التي تخبرنا بذلك:
خاطب الله رسوله والصحابة رضوان الله عليهم بقوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 75] .
وقال تعالى مخبراً عن تحريفهم للكتاب ومتوعداً لهم بالعقاب {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة : 79] .
وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : 78] .
وفي هذه الآيات دلالة على أنهم أدخلوا في كلام الله ما ليس منه، وافتروا على الله الكذب بأن نسبوا إليه سبحانه مالم يقله وهم يعلمون ذلك فجورا منهم وجراءة على الله تعالى.
كما أخبرنا تعالى بأنهم قد أخفوا وكتموا ما عندهم من الحق يقول تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران : 71]، وقال تعالى {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 46]، وغيرها من الآيات التي يخبرنا بها القرآن الكريم عن كتابهم وأنه لم يسلم من أيدي المحرفين.
2-أدلة من التوراة نفسها
والأمثلة على وقوع التحريف في التوراة كثيرة نذكر بعضاً منها:
أولاً- الاختلاف في عدد الأسفار:
مما هو معلوم أن بين يدي اليهود والنصارى ثلاث نسخ مشهورة من التوراة والعهد القديم،ومن هذه النسخ تتفرع سائر الترجمات تقريباً وهي:
النسخة العبرية: وهي المقبولة والمعتبرة لدى اليهود وجمهور علماء البروستانت وهي مأخوذة من الماسورية.
النسخة اليونانية: وهي المعتبرة لدى النصارى الكاثوليك،والأرثوذكس وهي التي تسمى السبعينية.
النسخة السامرية: وهي المعتبرة والمقبولة لدى اليهود السامريين.
وإذا عقدنا مقارنة بين هذه النسخ الثلاثه من ناحية عدد الأسفار نجد أن النسخة العبرية تسعة وثلاثون سفراً فقط.
أما النسخة اليونانية فهي ستة وأربعون سفراً حيث تزيد سبعة أسفار عن النسخة العبرية ويعتبرها النصارى الكاثوليك والأرذثوكس مقدسة.
أما النسخة السامرية فلا تضم إلا أسفار موسى الخمسة فقط وقد يضمون إليها سفر يوشع فقط وما عداه فلا يعترفون به ولا يعدونه مقدساً.
فهذا الاختلاف الهائل بين النسخ لكتاب واحد والكل يزعم أنه موحى به من الله، ويدعي أن كتابه هو الحق وما عداه هو الباطل!!
ثانيا- الاختلاف والتباين بين معلومات النسخ المدونة:
فإذا عقدنا مقارنة بين النسخ الثلاثة فيما اتفقت في ذكره من أخبار وقصص نجد يبنهما تبايناً شديداً واختلافاً كبيراً ومن ذلك:
1-أن اليهود ذكروا تاريخ مواليد بني آدم إلى نوح عليه السلام، ونصوا على عمر كل واحد منهم، وكذلك عمره حين ولد له أول مولود ، وبعقد مقارنة بين أعمار من ذكروا حين ولد لهم أول مولود تتبين اختلافات واضحة بين النسخ الثلاثة:
فعمر آدم في نسخةِ العبرانية والسامرية130بينما عند النسخة اليونانية 230 .
وعمر شيث في نسخةِ العبرانية والسامرية105بينما اليونانية205 .
وعمر آنوش في نسخةِ العبرانية والسامرية 90 بينما اليونانية 190 .
فهذا دليل على تحريفهم لكلام الله إن ثبت أن ما سبق هو كلام الله المنزل حيث لا يمكن الجمع بين الروايات المتناقضة
2- ورد في سفر التكوين والتثنية والعدد ما يقرر أن الأبناء يؤخذون بذنب الآباء، بينما في سفر حزقيال ما يعارض هذا من أن الأبناء لا يحملون ذنب الآباء.
3- في نسخة العبرانية من الزبور وردت عبارة(لم يعصوا كلامه) بينما في النسخة اليونانية(وقد عصوا كلامه).
وعن تباين النسخ واختلافها يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله:"وقولهم ان نسخ التوراة متفقة في شرق الأرض وغربها كذب ظاهر فهذه التوراة التي بأيدى النصارى تخالف التوراة التي بأيدي اليهود والتي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه وهذه نسخ الإنجيل يخالف بعضها بعضا ويناقضه فدعواهم أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقا وغربا من البهت والكذب الذي يرجونه على أشباه الأنعام حتى أن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم وهم يعلمون قطعا ان ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى".[ هداية الحيارى لابن القيم الجوزية (48)].
ثالثا- الاختلاف بالمقارنة مع ما ذكروه في مواضع أخرى من نفس السفر:
1- فنجد أنهم في سفر التكوين يذكرون أن سفينة نوح استقرت بعد الطوفان على جبال أراراط بعد سبعة أشهر وسبعة عشر يوما، ثم ذكروا أن رؤوس الجبال بعد الطوفان لم تظهر إلا في أول الشهر العاشر: "واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم ا السابع عشر من الشهر على جبال أراراط وكانت المياه تنقص نقصاً مواليا إلى الشهر العاشر وفي الشهر العاشر في أول الشهر ظهرت رؤس الجبال".[ الإصحاح 8من سفر التكوين ص(6)].
ففي هذا تناقض ظاهر فكيف رست السفينة على الجبال بعد سبعة أشهر مع أن رؤوس الجبال لم تظهر ألا في أول الشهر العاشر!!
2- ذكروا في سفر الخروج أن موسى عليه السلام رأى الله "ويكلم الرب موسى وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه".[ الإصحاح 33من سفر الخروج ص(72)].
فهم هنا يزعمون أن الكلام يتم مقابلة مما يوحي بأن موسى عليه السلام يرى وجه الله تعالى حين يكلمه، وفي نص آخر من نفس السفر بعد هذا يقولون إن الله قال لموسى لما طلب أن يراه (لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش".[ الإصحاح 33من سفر الخروج ص(72)]. وفي هذا تناقض واضح.
والحق كما جاء في القرآن الكريم أن موسى عليه السلام لم ير الله عز وجل قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 143].
3- ذكروا في سفر التكوين أن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام" خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أح الجبال"[ الإصحاح22من سفر التكوين ص(16).]، فلاشك أن هذا خطأ،لأن إسحاق عليه السلام لم يكن وحيد إبراهيم عليه السلام بل الذي كان وحيده هو بكره إسماعيل عليه السلام،حيث نص اليهود في كتابهم على أن إسماعيل عليه السلام ولد قبل إسحاق عليه السلام حيث ختن وعمره ثلاث عشرة سنة ولم يكن إسحاق ولد بعد وفي هذا قالوا(وكان إسماعيل ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته، في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل ابنه".[ الإصحاح17من سفر التكوين ص( 11).وأنظر: اليهودية ص(269-270),ودراسات في الأديان اليهودية والنصرانية للخلف ص(96- 98- 99-100-101)].
رابعاً- ذكر وفاة موسى عليه السلام:
فنجد أن سفر التثنية يخبرنا بوفاة موسى عليه السلام وعمره(فمات هنا موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فخور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم..وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته..".[ الإصحاح 34من سفر التثنية ص(170)].
ويقول الإمام ابن حزم رحمه الله معلقاً على هذا النص :هذه آخر توراتهم وتمامها،وهذا الفصل شاهد عدل،وبرهان تام،ودليل قاطع،وحجة صادقة في أن توراتهم مبدلة،وأنها تاريخ مؤلف كتبه لهم من تخرص بجهله، أو تعمد بفكره، وأنها غير منزلة من عند الله تعالى،إذ لا يمكن أن يكون هذا الفصل منزلاً على موسى في حياته..وبيان أنه تاريخ ألف بعد دهر طويل ولابد".[ الفصل في الملل والأهواء لابن حزم(1/186) ,وأنظر:دراسات في اليهودية والمسيحية لمحمد الأعظمي ص(132).].
وغيرها من التحريفات التي أمتلئ بها كتابهم المقدس ذكرنا بعضاً منها هنا على سبيل الذكر لا الحصر .
وقد تعددت أنواع التحريف في التوراة، إذ يفصل بعض العلماء في أنواع التحريف الذي قام به أحبار اليهود في التوراة، ويستدلون على ذلك بما ورد في القرآن الكريم من آيات تخبر بذلك، وهذه الأنواع هي :
أولا: تحريف بالتبديل.
ثانيا: تحريف بالزيادة
ثالثا: تحريف بالنقصان
رابعا: تحريف بتغيير المعنى دون اللفظ
وهذه الأنواع تكون بعدة أمور منها:
أ- إلباس الحق بالباطل والباطل بالحق: وفي هذا قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران : 71].
يقول ابن عباس رضي الله عنه:(لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب)، ومن ذلك أنهم كانوا يكتبون في التوراة ما ليس فيها ومثاله اتهام هارون عليه السلام بأنه الذي صنع العجل وأمرهم بعبادتهم.
ب- كتمان الحق وإخفاءه: يقول تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 42]، ومن كتمانهم للحق إنكارهم لصفة الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة، وهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 146]
وقد كتموا حكم رجم الزاني والزانية ولكن الله فضحهم على يد حبرهم حين أسلم الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأظهر حكم التوراة وهو الرجم.
ج- تحريف الكلام عن مواضعه: بوضع كلمة مكان كلمة وهذا هو تحريف التبديل،وقد يكون بإسقاط كلمة وهو تحريف النقص،أو بزيادة كلمه وهو تحريف الزيادة، ومن قرأ كتابه وجده ملئ بذلك وفي هذا قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 46].
د- ليّ اللسان: وهو أن يقولوا كلمة ظاهرها حسن وباطنها سيئ، ومثاله قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم(واسمع غير مسمع) وقولهم(راعنا) وظاهر الكلام حسن وباطنه سيئ حيث يتهمونه صلى الله عليه وسلم بالرعونة وإنك تُسمع قوماً لا يسمعونك لتفاهة كلامك، ومن ذلك أيضاً أنهم إذا سلموا على الرسول لى الله عليه وسلم قالوا: "السام عليكم"[ ينظر: المدخل لدراسة التوراة والعهدالقديم ص(120-121-122)]، قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران : 78].
ومن ليهم باللسان أن الله أمرهم إذا دخلوا القرية أن يقولوا حطة، لكي يغفر الله لهم خطاياهم فقالوا حنطة،قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة : 59].[ انظر: العهد القديم عند اليهود، أ.د. سليمان بن قاسم العيد و رفعة العنزي، جامعة الملك سعود كلية التربية، قسم الثقافة الأسلامية، مسار العقيدة:(بحث منشور في الشبكة الألكترونية)].
---------
المصدر: فتح البيان في تفسير القرآن، للشيخ الدكتور عبدالله خضر حمد الكردسوري، الجزء الثاني.