الأنساق الثنائية في سورة (الرحمن).

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
723
مستوى التفاعل
38
النقاط
28
من الظواهر الأسلوبية في سورة (الرحمن ) هيمنة الأنساق الثنائية - تركيبيا ومعجميا ودلاليا - في كل أجزاء السورة الشريفة ، وسنحاول استقصاء هذه الثنائيات في آيات الافتتاح:

- استهلت السورة بإضفاء صفتين أو فعلين للرحمان: التعليم والخلق:

عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) – خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)

-الإنسان تعلقت به نعمتان : الإيجاد والعلم :

خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)

-آيات الرحمان موزعة في الفضائين : العلوي والسفلي

- في الفضاء العلوي آيتان : الشمس والقمر:

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)

في الفضاء السفلي آيتان : العشب والشجر:

وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)

الراجح أن المراد بالنجم نبات الأرض لا كوكب السماء... قال الطبري -رحمه الله- :

(اختلف أهل التأويل في معنى النجم في هذا الموضع، مع إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق، فقال بعضهم: عني بالنجم في هذا الموضع من النبات: ما نجم من الأرض، مما ينبسط عليها، ولم يكن على ساق مثل البقل ونحوه. وقال آخرون: عُنِي بالنجم في هذا الموضع: نجم السماء.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بالنجم: ما نجم من الأرض من نبت لعطف الشجر عليه، فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق وما لا يقوم على ساق يسجدان لله، بمعنى: أنه تسجد له الأشياء كلها المختلفة الهيئات من خلقه، أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره.)

فيكون في الثنائيات اتساق بديع : ما له ضياء (الشمس) وما له نور (القمر). ما يظهر بالنهار(الشمس) ما يظهر بالليل (القمر) ما له ساق (الشجر) ما ليس له ساق (النجم) ، ما ينمو عموديا (الشجر) ما ينتشر أفقيا (النجم).

ثم جاء ذكر الثنائية الكونية :السماء والأرض وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا- وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا...

الوضع تعلق بأمرين :الأرض والميزان :

وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)

وقد تكررت كلمة ميزان ثلاث مرات في ختام الآيات:

وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)

والطريف أن الميزان في المخيال البشري لا ينفك عن ثنائية الكفين: الكفة الصاعدة والكفة النازلة!

وجاء الميزان مرتبطا بالثنائية التشريعية : الأمر والنهي..

الأمر: (أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ.) النهي (لَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)



وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)

هنا تجد التنويع الثنائي البديع: فقد ذكر الثمرة ( فاكهة ) ولم يذكر الشجرة ، وذكر الشجرة (النخل) ولم يذكر الثمرة (التمر) ، وذكر الأولى بالتنكير والثانية بالتعريف ..وجاء التعريف ثنائيا ب لام التعريف (النَّخْلُ) وبالوصف (ذَاتُ الْأَكْمَامِ)...

وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)

قال الطبري:

( وقوله: (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) يقول تعالى ذكره: وفيها الحبّ، وهو حبّ البُرّ والشعير ذو الورق، والتبن: هو العَصْف)

فتكون الثنائية في المرسل إليه : الحب للإنسان والتبن للأنعام!

كما أن هناك ثنائية أخرى : ما هو موجه للفم (الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ) وما هو موجه للأنف ( الرَّيْحَانُ) ولك أن تعبر عن هذه الثنائية بصيغة أخرى : ماهو ضروري (الأكل) وما هو ترفيهي ( متعة الشم)

ثم تأتي الآية التي ستتكرر في السورة:

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)

الثنائية واضحة في المخاطبين....

وتتطرد الثنائيات إلى نهاية السورة وأدعو المتدبرين إلى رصدها فهي واضحة : المشرقان ، المغربان، البحران، اللؤلؤ والمرجان، الجنتان ، العينان ،وغيرها....
 
عودة
أعلى