الأنبياء ودروس العظمة في القرآن الكريم (الحلقة الأولى)

إنضم
06/03/2015
المشاركات
51
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
** كليم الله.. القوى الأمين .. وعنوان الرجولة والبطولة **

بطولةٌ أخرى لقدوةٍ متجددةٍ من أصفياء الله تعالى وأنبيائه.. وما أحوجنا إلى في هذه الأيام التي أخفينا فيها النماذج الصالحة العظيمة من حياتنا واستبدلناها بكل خسيسٍ وردئٍ من نماذج الفساد والسفاهة.. بل لم نكتفِ بمَن ابتلانا الله بهم من السفهاء حتى استوردنا من الغرب كل غثٍ وسخيف...
ثم لا يأخذنا الإنفعال أسفاً على واقعنا السخيف، ونعود إلى الجمال والقوة والعفة والرجولة والأمانة والأدب الرباني الراقي الذي نتعلمه من ( موسى عليه السلام)..
هذه هى البطولة الحقيقية، وليست تلك الأوهام التي تعلق في أذهاننا عن هؤلاء المزيفين السخفاء من مشاهير السينما والكرة والسياسة..
إنها بطولة الأخلاق والمعاني الفاضلة التي تحيي في النفوس ذلك التكريم الإلهى للإنسان الذي خلقه الله بيديه ، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شئ، ثم استخلفه في الأرض .. فإذا سما بعبوديته لله تعالى وإعماره الأرض بعمله الصالح فهو خير من الملائكة ولا أعز من ذلك.. وإن هوى وأخلد إلى الطين واتبع الشهوات والشبهات فهو أرذل من الشياطين ولا كرامة..
وإن مَن يفهم حقيقة وجوده في ضوء هذه الحقائق ويتحقق من إنسانيته وإرادة الرحمة الإلهية العليا – سبحانه- تكريمه وهداه وردّه إلى الجنة التي خرج منها أبواه معززاً مكرماً وقد اكتمل وجدانه لحقيقته واكتملت أحقيته بها.. مَن يدرك هذا هو البطل حقاً.. وهو الرجل الذي اكتملت رجولته .... تلك هى الرجولة وهؤلاء هم الرجال الحقيقيون ؛ ومَن عداهم فليبحث لنفسه عن كلمة تصفه.. خصوصا وقد انتشر الشذوذ بيننا في الفكر والدين والروح وال.......
جرجرنا الحديث ولكن كان لابد.. ونعود إلى موسى عليه السلام في سورة القصص وبعد أن بلغ أشده ( أوان شبابه وفتوته) في بيت فرعون – وهذا من كيد الأقدار..
قال ابن كثير : أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى فما نفعه من ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلله وتتفداه وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه لتعلم أن رب السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

قال الله تعالى: " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14القصص)".. وهنا الدرس أن كل شئٍ بقدر.. فلولا ما حدث من موسى عليه السلام - ولم يكن يقصده من قتل القبطي على وجه الشهامة ونخوة الرجال في دفع الظلم- لما كان طريقه في الخروج من مصر ومروره بعد ذلك على الطور وتشريفه بمقام الرسالة والتكليم الإلهى..
وهكذا قدر الله غالب وقد أراد بموسى الحكمة( النبوة) والعلم.. وحكم له حكما مسبقا حتى لا يسبق إلى أفكارنا السوء بشأن قضيته مع القبطي.. حكم له بأرفع الأخلاق والآداب.. حكم له ربه بأنه من المحسنين.. وكل أنبيائه ورسله الكرام كذلك محسنون كما قال في يوسف عليه السلام ..
والإحسان درجةٌ يرتقي فيها المؤمنون عن مجرد الأخلاق الفاضلة والآداب الرفيعة إلى فضاء الجمال الأخلاقي والأدبي الواسع فتراهم يرتفعون بتصرفاتهم إلى الأحسن دائما، وليس مجرد الحسن الذي هو ضد القبيح..

ثم نعود إلى موسى عليه السلام.. { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (القصص15)}

قال تعالى: "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها" أى في وقتٍ لا يكثر فيه الناس في شوارع المدينة.. وقال القرطبى : قيل : لما عرف موسى عليه السلام ما هو عليه من الحق في دينه , عاب ما عليه قوم فرعون ; وفشا ذلك , منه فأخافوه فخافهم , فكان لا يدخل مدينة فرعون إلا خائفا مستخفيا.. ولعل هذا يتلائم مع الآية قبلها ان الله عرفه الحق وآتاه الحكم والعلم فصار يرفض بعقله وقلبه ولسانه دين فوعون الفاسد وعبادته وأصنامه الهالكة، خاصةً وان موسى كان وقومه على دين يعقوب وبنيه يوسف وإخوته ..
قال الله تعالى :"فوجد فيها رجلين يقتتلان" أي يتضاربان ويتنازعان "هذا من شيعته" أي إسرائيلي من قومه بنى اسرائيل الذين كانوا يعاملهم الفراعنة الأقباط أسوا معاملة وكانوا مستذلين لا كرامة لهم ولا حقوق؛ "وهذا من عدوه" أي قبطي (مصري.. والقبط هم المصريون وليس النصارى وهو خطأ شائع)..
"فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذي مِنْ عَدُوِّهِ " أى : فطلب الرجل الإسرائيلى من موسى ، أن ينصره على الرجل القبطى .والظاهر ان القبطى كان قويا وكان يغلب الإسرائيلي ويذله.. وهنا تتحرك في موسى غريزة الشهامة والرجولة في نصرة المظلوم والدفع عن الضعيف وهى شيمة الرجال الأبطال ...
" فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ" أى : فاستجاب موسى لمن استنصر به ، فوكز القبطى ، أى : فضربه بيده مضمومة أصابعها فى صدره ، " فقضى عَلَيْهِ " أى : فقتله . وهو لا يريد قتله ، وإنما كان يريد دفعه ومنعه من ظلم الرجل الإسرائيلي.. والتعبير يشير إلى أن موسى - عليه السلام - كان على جانب عظيم من قوة البدن ، كما يشير - أيضا - إلى ما كان عليه من مروءة عالية . حملته على الانتصار للمظلوم بدون تقاعس أو تردد .
ولكن موسى - عليه السلام - بعد أن رأى القبطى جثة هامدة ، استرجع وندم ، وقال : " هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان " أى : قال موسى : هذا الذى فعلته وهو قتل القبطى ، من عمل الشيطان ومن وسوسته ، ومن تزيينه ." إِنَّهُ " أى : الشيطان " عَدُوٌّ " للإنسان " مُّضِلٌّ " له عن طريق الحق " مُّبِينٌ " أى : ظاهر العداوة والإضلال ..
وهذا يدل على علمه وحكمته عليه السلام.. فحين اقترف خطأً لم يتكبر على الاعتراف به والتوبة منه.. وقد علم بحكمته أن الإصرار والتبرير للاخطاء أكبر من أى خطأٍ مهما كان قدره.. ولذلك استغفر ربه { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } خصوصا للمخبتين، المبادرين للإنابة والتوبة، وهذه بطولة اخرى وقدوة جميلة يقصها علينا القرآن في هذا الموقف مع نبى الله موسى بجانب ما احتواه هذا الموقف من الشهامة والمروءة ونجدة الضعيف.
ثم اتخذ القرار العظيم بعد هذا الموقف الذي جعل من الخطأ قوةً ودفعة في طريق الحق والفتوة الأخلاقية والبطولة الإنسانية..
فبعد الخطأ ومعرفته والاعتراف به والتوبة منه والتوقي من العودة فيه تصبح روح الإنسان أقوى ويقف على مستوى أعلى مما كان فيه لأنه تحقق من حاجته الدائمة إلى ربه والاستعانة به والتوبة إليه ثم حاجته الدائمة إلى تهذيب نفسه ومعاتبتها ومحاسبتها للوصول للأحسن..
هذه هى الخطيئة التي تجعل الإنسان أحسن لا تلك التي تصمه بالعار والنجاسة والهلاك مدى الحياة كما يعتقد النصارى.. والدرس عندنا ( خطيئة + اعتراف وتوبة = نجاة وفلاح) أما ( خطيئة + استكبار وتبرير كما فعل إبليس = هلاك وضياع)..
نعم اتخذ موسى عليه السلام وقد أثنى على ربه في نعمه وهو يشير ان فعلته بغير أمر ربه وغن لم يقصدها كانت سوء أدب مع الله المنعم بجميل وكثير النعم "قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17)" .. أي معينا للكافرين بك المخالفين لأمرك.
وهكذا يستحق موسى أن يكون كليم الله وصفيه من خلقه.. لأنه عرف واعترف وحمل الكثير من جميل الشيم ومكارم الأخلاق التى يفصلها لنا القرآن لتكون لنا القدوة والمثل .. والعبرة والدليل..

قال الله سبحانه : " فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18القصص)"
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن موسى لما قتل ذلك القبطي أنه أصبح "في المدينة خائفا" أي من معرة ما فعل "يترقب" أي يتلفت ويتوقع ما يكون من هذا الأمر فمر في بعض الطرق فإذا ذلك الذي استنصره بالأمس على ذلك القبطي يقاتل آخر فلما مر عليه موسى استصرخه على الآخر فقال له موسى "إنك لغوي مبين" أي ظاهر الغواية كثير الشر ثم عزم على البطش بذلك القبطي فاعتقد الإسرائيلى لخوره وضعفه وذلته أن موسى إنما يريد قصده لما سمعه يقول ذلك فقال يدفع عن نفسه.
"يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس" وذلك لأنه لم يعلم به إلا هو وموسى عليه السلام فلما سمعها ذلك القبطي لقفها من فمه ثم ذهب بها إلى باب فرعون وألقاها عنده فعلم فرعون بذلك فاشتد حنقه وعزم على قتل موسى فطلبوه فبعثوا وراءه ليحضروه لذلك.

ولعلى هنا أتوقف أمام قول الاسرائيلي لموسى عليه السلام " إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)".. لأستشف منه أن موسى عليه السلام كان قد بدأ الإصلاح في مجتمعه بالفعل ونشر الأخلاق الفاضلة والآداب الرفيعة قبل حتى ان تأتيه الرسالة.. وهو ما يؤكد ما اعطاه الله حين بلغ أشده من الحكمة والعلم..كما قال ربنا " اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ" ( الأنعام124).

نعود لقصة موسى عليه السلام: قال تعالى: "وجاء رجل".. لعل وصفه بالرجولة لأنه خالف قومه في باطلهم واعجب ببطولة ورجولة موسى فقرر ان يدافع عنه وينصحه وهذه هى صفة الرجال في الدفاع عن الحق حتى وصفه ربه تعالى بحرصه الشديد على نصح موسى ونجاته بأنه " من أقصى المدينة يسعى" أى يسرع ويجري من أبعد حى في المدينة دفاعا عن حبه لموسى وأخلاقه.. والعجيب انك تجد نفس الوصف مكررا في سورة يس لذلك الرجل الذي جاء ينصح قومه والمعنى الجميل واحد فيهما.. قال الرجل يا موسى "إن الملأ يأتمرون بك" أي يتشاورون فيك "ليقتلوك فاخرج" أي من البلد "إني لك من الناصحين".

" فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)".. قال ابن كثير: لما أخبره ذلك الرجل بما تمالأ عليه فرعون دولته في أمره خرج من مصر وحده ولم يألف ذلك قبله بل كان في رفاهية ونعمة ورياسة "فخرج منها خائفا يترقب" أي يتلفت "قال رب نجني من القوم الظالمين" أي من فرعون وملئه فذكروا أن الله سبحانه وتعالى بعث إليه ملكا على فرس فأرشده إلى الطريق فالله أعلم..

قلت: هنا يبدا مشوار الرسالة والنبوة الطويل الذي يمتلأ بالمشقة والتعب والصبر والتحمل.. لقد انتقل موسى من النعمة والاستقرار والرياسة إلى التشرد والتعب والصبر والخوف.. لأن طريق الله ليس بالسهل وأهل كرامته لا تلقى إليهم الهداية والتكريم دون تعب وجهاد في الحق ..
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].. وهذه الآية الكريمة جاءت في ختام سورة العنكبوت، والتي افتتحت بقوله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3]. وكأن ختام سورة العنكبوت بهذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} هو جواب عن التساؤل الذي قد يطرحه المؤمن ـ وهو يقرأ صدر سورة العنكبوت التي ذكرنا مطلعها آنفاً ـ تلك الكلمات العظيمة ـ التي تقرر حقيقة شرعية وسنة إلهية ـ في طريق الدعوة إلى الله تعالى، وذلك السؤال هو: ما المخرج من تلك الفتن التي حدثتنا عنها أول سورة العنكبوت؟! فيأتي الجواب في آخر السورة، في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فلا بد من الجهاد ـ بمعناه العام؛ جهاد النفس عن الشهوات وجهاد الشيطان ومكابدة الصبر في الدعوة إلى الله ـ ولا بد من الإخلاص، عندها تأتي الهداية، ويتحقق التوفيق بإذن الله..
ولا بد لكل من أراد أن يسلك طريقاً أن يتصور صعوباته؛ ليكون على بينة من أمره، وهكذا هو طريق الدعوة إلى الله، فلم ولن يكون مفروشاً بالورود والرياحين، بل هو طريق "تعب فيه آدم, وناح لأجله نوح, ورمى في النار الخليل, وأضجع للذبح إسماعيل, وبيع يوسف بثمن بخس, ولبث في السجن بضع سنين".

جاء في ظلال القرآن: إن "الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب".

وقال الأديب البارع مصطفى لطفى المنفلوطي: "فيا من نصبت نفسك للدعوة، وأقمت نفسك مقام الرسل الدعاة الهداة تحمَّل كلَّ ما يلاقيك من المحن بقلب ثابت، وجأش رابط، ولا تزعزعنَّك الكروب؛ فإنها مربِّية الرجال، ومهذِّبة الأخلاق، ومكوِّنة النفوس.
وإن رجلاً لم تعركه الحوادث، ولم تجرِّبه البلايا لا يكون رجل إصلاح ولا داعي خَلْقٍ إلى حقٍّ؛ فوطِّن النفس على تحمُّل المكروه، وابذل كل ما تستطيع من قوة ومال يهدك الله طريقاً رشداً، ويصلح بك جماعات بل أمماً [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]"..

وإن في محمد صلوات الله وسلامه عليه لأقرب وخير وأرقى مثال للصبر من أجل نشر كلمة الحق والجهاد فيها حق الجهاد وهو القدوة والمثل لكل مَن حمل لواء الحق من بعده...

صلى الله على محمد وآله وعلى موسى وآله وسلم تسليما كثيرا.
 
جزاك الله خيرا جميل جدا
لكن اشعر ان هناك خطأ في هذه الجملة "وهذا من كيد الأقدار.. "
اليس الله هو من قدر هذه الاقدار فكيف يكون لها كيد ؟؟

واعلم اني اسأل فقط لاني حقا لا اعلم ما حكم قولها
 
الكيد = التدبير في خفاء
وقد يقع في الخير، كسقيك ابنك دواء مراً بعد وضعه في عصير فاكهة حلو المذاق.
ومنه قوله تعالى:
" كذلك كدنا ليوسف "
 
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على رسول الله وآله أجمعين. وبعد.
أشكر إلى إخوتي اهتمامهم. ثم تكملة لقول أخي ( عبد الرحيم) أضيف:
أن "الكيد" و"المكر" وغيرها مما قد تُوهم معنى مشكلا قد أضيفت إلى الله سبحانه وتعالى على باب " المشاكلة" و"المقابلة" كما يقول اهل المعاني.
بمعنى أن أن ذكر الكيد من المخلوق وإضافته إليه حقيقةً، وهو في حق الله تعالى إبطال سوء الكيد ورده ، وسمى كيدا مشاكلةً ومقابلةً لفعلهم؛ فهى في حقه تعالى مجاز.
وكذا يعامل نسبة المكر إليه سبحانه كما تطالع في قوله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}( الأنفال 30)
قال ابن أبي زمنين : وَالْمَكْرُ مِنَ اللَّهِ: الْجَزَاءُ وَالْمَثُوبَةُ؛ أَنْ يُجَازِيَهُمْ جَزَاءَ مَكْرهمْ.
وكما في قوله تعالى {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54]
قلت: ويرى بعض اهل المعاني أن المكر في حقه تعالى حقيقة إذ لا نقص في وصفه به سبحانه، فله سبحانه من صفة كمالها وجمالها، ونقصها يليق بالمخلوق لا بالخالق.
فقد جاز ذلك من غير مقابلة في قوله سبحانه: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله} [الأعراف: 99] والمكر في اللغة أصله الستر، يقال: مكر اللَّيْلُ، أي أظلم وستر بظلمته ما فيه.
وذلك ضربان: محمود، وهو ان يتحرَّى به فِعْلَ جَميلٍ، وعلى ذلك قوله: {والله خَيْرُ الماكرين} . ومذموم، وهو أن يتحرَّى به فعل قبيح، نحو: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] ٍ.
ومثله في الكيد.
قلت: والأول عندي أولى والله وحده المستعان
 
عودة
أعلى