الأمير شكيب أرسلان والقضية الجزائرية

إنضم
19/02/2009
المشاركات
207
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
...

5546alsh3er.jpg

الأمير شكيب أرسلان والقضية الجزائرية ([1])

كثيراً ما تردد أمامي اسم شكيب أرسلان أثناء أبحاثي في الحركات الوطنية المغاربية، وكنت أسأل نفسي أسئلة غير محددة منها: ما علاقة هذا الرجل المشرقي بحركات التحرير بالمغرب العربي ؟ وما قيمة هذه العلاقات إن كانت ؟ ثم عزمت أخيراً على تتبع نشاط الأمير شكيب أرسلان، لعلني أجيب على بعض تلك الأسئلة على الأقل بالنسبة للحركة الوطنية الجزائرية.
لقد اقترن اسم الأمير شكيب أرسلان بأعمال نجم شمال أفريقية في فرنسا وأوربا على العموم، وقيل الكثير عن علاثة هذا الأمير بمصالي الحاج زعيم النجم، ثم حزب الشعب، وعن علاقته بالشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء، وعن مراسلاته مع الشيخ الطيب العقبي باعث الفكر الإصلاحي الجديد، والأستاذ أحمد توفيق المدني الكاتب المعروف، والشيخ إبراهيم بن عيسى أبي اليقظان الصحفي الشهير، والشيخ محمد سعيد الزواوي الداعية الصريح، وأن اسم شكيب أرسلان لم يعد مرتبطاً بالبيان العربي الذي اشتهر به ولقب من أجله " أمير البيان" ، ولم يعد مقصوراً على قضية سورية وفلسطين التي كرَّس لها جزءاًَ كبيراً من حياته، ولكنه أصبح اسماً مرتبطاً أيضاً بقضية ليبيا والمغرب الأقصى والجزائر وتونس، بل بقضايا العروبة والإسلام في كل مكان، وإذا كان إخواننا في ليبيا قد اهتموا بدور الزعماء العرب ( و منهم شكيب أرسلان ) الذين اشتركوا في حرب طرابلس 1911ـ 1912م، وإذا كان إخواننا المغاربة ـ سيما أهل الشمال منهم ـ اهتموا بدور شكيب أرسلان في قضيتهم، فقد رأيت أن أتتبع دور الأمير أرسلان بالنسبة لقضية الجزائر بالذات.




وحياة شكيب أرسلان ليست مجهولة، فقد تناولها بالبحث والدراسة والتاريخ عدد من الكتاب العرب و الأجانب، ومن هذه الدراسات نعرف أنه قد ولد في الشوف بلبنان في 25 ديسمبر 1869، وبعد عمر طويل في النشاط السياسي والقومي و الأدبي توفي في بيروت في 9 ديسمبر 1946م، وكان قد تعلم في بيروت، ومن شيوخ الشيخ محمد عبده أثناء نفيه سنة 1886م، وأخذ الأمير أرسلان ينظم الشعر مبكراً وكان يكتب في الصحف المعاصرة مثل الأهرام و المؤيد، و تولى وظائف إدارية في الشام أثناء العهد العثماني، وشارك في حرب طرابلس ضد إيطاليا إلى جانب بعض زعماء لجنة الاتحاد والترقي من أمثال أنور باشا، وكان من أنصار الاتحاد بين العرب والترك، وانتخب للبرلمان العثماني، ودعم موقف تركيا خلال الحرب العالمية، ولكنه اختلف مع سياسة جمال باشا ( السفاح ) الذي حكم بالإعدام على عدد من الزعماء العرب، فغادر شكيب أرسلان سورية إلى استنابول سنة 1916م، وهي سنة الثورة العربية وسنة استشهاد القادة العرب من أجل قضيتهم على يد جمال باشا، وبعد الحرب استقر في لوزان ثم في جنيف حيث عصبة الأمم، ولم يرجع إلى سورية زائراً إلا سنة 1937م([2]) لا نعرف أن شكيب أرسلان قد دخل الجزائر قط، وأقرب نقطة اقترب فيها منها هي طرابلس وتونس، وتثبت بعض المصادر أن المخابرات الفرنسية علمت أن أرسلان قد دخل تونس سنة 1912م، أثناء الحرب ضد إيطاليا، وكان قد جاء هناك لجمع المواد الغذائية من تونس للجيش التركي، وقد ساعدة على ذلك جبارة التونسي([3])، ولكن صلة الأمير أرسلان بأبناء الجزائر ترجع إلى عهدٍ متقدم؛ فإقامة عائلة الأمير عبد القادر بالشام ونشاط أبنائه وأحفاده في القضايا السياسية المعاصرة جعلت شكيب أرسلان يلتقي مع بعضهم بل ربما يصطدم معهم في المواقف من الدولة العثمانية وفرنسا وألمانيا.. إلخ.



يبدو أن العلاقة مع الأمير علي بن الأمير عبد القادر كانت أقدم من حرب طرابلس، ومع ذلك نجدها تظهر بعد ذلك، فقد تحدث أرسلان عن الأمير عبد القادر، واحتلال الجزائر في فصل طويل من كتاب " حاضر العالم الإسلامي " ( ص 166 ـ 187/ 2) وإذا كان هذا الفصل لا يهمنا في تفاصيله؛ فإنه يهمنا منه العلاقة بين أرسلان والأمير علي بن الأمير عبد القادر بالخصوص، باعتبارهما كانا مقربين معاً من الدولة العثمانية في ظروف حرجة، يذكر أرسلان أن الأمير علي كان نائباً عن دمشق منذ 1914م، بينما كان أرسلان نائباً عن حوران في المجلس العثماني ( البرلمان ) باستنابول، وقد انتخب الأمير علي نائباً للرئيس ( وهو طلعت باشا " باقتراح من أرسلان نفسه. وأثناءالحرب العالمية توجه الأمير علي إلى ألمانيا بأمر من الدولة العثمانية، وقابل هناك الإمبراطور الألماني، وحرر مناشير موجهة إلى الجنود المغاربة ( الجزائريين بالخصوص ) في الجيش الفرنسي، وألقت الطائرة الألمانية هذه المناشير على جبهات القتال الفرنسية، فكان لها صدى بعيد حتى أن الفرنسيين أخروا الجنود المغاربة من الصفوف الأمامية التي كانوا فيها " وقوداً للنار " ـ كما يقول أرسلان ـ وكانت المناشير تحت الجنود على ترك الجيش الفرنسي، والالتحاق بألمانيا حليفة الدولة العثمانية.
ولما رجع الأمير علي من ألمانيا إلى استنابول ومنها إلى سورية، وجد الأحداث فيها تبعث على القلق، فقد وجد أخاه الأمير عمر مسجوناً من قبل جمال باشا الذي اتهمه بأنه كان على صلة بالقنصل الفرنسي في دمشق، وكانت الشرطة العثمانية قد وضعت بدها على أوراق القنصلية الفرنسية هناك، وتقدم الأمير علي من جمال باشا يتشفع في أخيه فلم يقبل شفاعته، وكان مصير الأمير عمر الشنق مع جموعة من الشهداء العرب كما أشرنا.
وقد علق الأمير شكيب أرسلان على ذلك بقوله أن جمال باشا قد نفى الأمير علي وأولاده، وسائر أسرة الأمير عبد القادر، من دمشق إلى برصا، ولم يرع حرمة جهاد والده ولا خدمة الأمير علي في ألمانيا من أجل الدولة العثمانية، ولا قبل ذلك في حرب طرابلس الغرب، ومن نتيجة هذه المعاملة اشتد الغم بالأمير علي فمرض ونقل إلى استنابول حيث توفي (1918م)، ويذهب الأمير أرسلان إلى أنه تشفع هو أيضاً في الأمير عمر من جمال باشا فلم يصغ إليه وحكم بشنقه([4])، وهذا الموقف لا تتفق فيه كل الروايات([5]).
والغريب أن شكيب أرسلان لم يكتب عن إعدام شهيد آخر من شهداء العرب سنة 1916م، وهو الضابط سليم الجزائري السمعوني ( من سمعون، نواحي بجاية ).
بينما نجده يذكر بالخير شخصية أخرى من أقارب الأمير عبد القادر وهو أبو طالب ابن أخي الأمير عبد القادر، ويصفه بالعلم و الورع، وذكر أنه سهر عنده في بيروت وقص عليه شكيب أرسلان رؤيا رآها، وكان الشيخ طاهر الجزائري السمعوني حاضراً ذلك المجلس([6]).
وقد أشاد أرسلان بأدوار أبناء الأمير عبد القادر، سيما الأمير محيي الدين الذي خالف والده وجاء لإثارة الجزائريين ضد فرنسا سنة 1870م، ومدحه بأنه كان أديباً شاعراً عالي الهمة([7]).
وقال عن عبد الرزاق بأنه كان نادراً في الذكاء وجمال الصورة والسيرة([8]).
أما الأمير عبد المالك فقد أخبر عنه أرسلان أنه قضى بِضْع عشرة سنة مجاهداً في المغرب الأقصى بين القبائل الثائرة على فرنسا وعلى إسبانيا وأنه لم يزل في تلك الديار يتحرك تارة ويسكن
أخرى إلى كتابة هذه السطور([9]).
ويبدو أن ذلك كان خلال سنة 1923م، لأن الأمير عبد المالك قد قتل سنة 1924م.
ومن جهة أخرى يذكر شكيب أرسلان عبارة عن الأمير خالد توحي بأنه كان ما يزال في الجزائر أي قبل نفيه منها. والمعروف أن الفرنسيين قد نفوا الأمير خالد سنة 1923م.
وهذه هي عبارة أرسلان عن الأمير خالد وهو على رأس الحركة الوطنية الحاضرة في الجزائر"([10]).
* * *
وهكذا نجد أن شكيب أرسلان كان على صلة بالحركة الوطنية الجزائرية منذ الحرب العالمية الأولى، وأثناء كتابة تعاليقه على كتاب " حاضر العالم الإسلامي" وجدناه يستعيد الأحداث الماضية عن تاريخ الجزائر مع الاستعمار ويذكر الشخصيات التي ساهمت في ذلك من أمثال عائلة الأمير عبد القادر كما وجدناه ينقل عن مؤلفات كتبها جزائريون مثل ما فعل مع إسماعيل حامد الي نقل عن فكرة التسامح الإسلامي([11])، وقد نقل عنه في عدة مناسبات، ويبدو أن الصلة بين شكيب أرسلان وأعيان الكتاب الجزائريين أخذت تتوطد منذ هذا التاريخ " عقد العشرينات "، ولعل هذا يؤكده قول الشيخ أحمد توفيق المدني بأنه كان على صلة بشكيب أرسلان منذ 1923، أي قبل نفيه ( المدني ) من تونس إلى الجزائر سنة 1925م([12]).
يذهب الأستاذ المدني إلى أنه كان يراسل شكيب أرسلان أدبياً وسياسياً واجتماعياً منذ كان في إدارة الحزب الدستوري بتونس، وأنه قد أمده طوال سنوات بمعلومات عن المغرب العربي ومشاكله السياسية ومقاومته للاستعمار، ويضيق المدني أن " الأخوة الصادقة قد ربطت بين قلبينا، وألفت بين روحينا منذ 1925م، بعد أن أبعدتني السلطة الاستعمارية الفرنسية عن تونس"([13])، ويؤكد هذا وصف شكيب أرسلان للمدني بأنه " المؤرخ الثقة "

وقد نقل عن " كتاب الجزائر " للمدني في عدة مناسبات، ومن ذلك نقله لفكرة خطر التحول عن الإسلام بين سكان زواوة ([14]). وفي مكان آخر ذكر أرسلان أنه نقل عن المدني عدد سكان الجزائر و المسغبة التي واجهوها، وأشاد بـ " كتاب الجزائر " بقوله: أنه " جمع كل ما تلزم معرفته من شئون الجزائر بحيث لا يصح أن يخلو منه أحد ممن يريدون حق الاطلاع على أحوال المغرب الأوسط، وكرر التنويه بالمؤلف وسماه " الوطني الفاضل المحقق" أحمد توفيق المدني المقيم اليوم بالجزائر بعد أن أبعدته فرنسا عن تونس ([15])
ويذكر المدني أن أرسلان كتب عن " كتاب الجزائر " في مجلة الفتح ([16]) التي كان يصدرها محب الدين الخطيب في مصر، وكتب أرسلان إلى المدني رسالة تثبيت على الصبر بعد نفيه من تونس، حثه فيها على الجهاد وافتتحها بقوله {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ }
الآية، ويذهب المدني إلى أن مراسلاته مع أرسلان لم تنقطع إلى أن رجع هذا إلى سورية بعد استقلالها:" استمرت المراسلة بيننا دون انقطاع، بواسطة سيدة في لوزان، وصديق في الجزائر"، وكانت المراسلات كلها، كما يقول المدني، تدور حول المشاكل السياسية عامة والمغربية خاصة([17]).






كانت صلة أرسلان بالجزائر وشمال إفريقية إذن قد مرت بعدة قنوات قبل أن تتبلور وتصبح التزاماً بقضية واندماجاً في مصير المنطقة، بدأت بحرب طرابلس و الاختلاط بالجزائريين والتونسيين فيها، ومرت بالعلاقات مع أولاد الأمير عبد القادر وبعض أفراد الجالية الجزائرية مثل الشيخ طاهر الجزائري، وبالقراءات فيما كتب الجزائريون لمعرفة آرائهم في الاستعمار الفرنسي لبلادهم وردود الفعل مثل الرجوع إلى ما كتبه إسماعيل حامد ( بالفرنسية ) ([18])، وإلى ما كتبه أحمد توفيق المدني بعد حلوله بالجزائر ([19]).
ولا ندري إن كان أرسلان قد التقى بالأمير خالد بعد نفيه من الجزائر لأنه حل كما هو معروف في فرنسا ولعله قد ذهب أيضاً إلى سويسرا حيث كان أرسلان، ولعله التقى به في القاهرة أو في القدس، أما سورية فلم يلتقيا فيها لأن الأمير توفي في فاتح 1936م
ولم يزرها أرسلان إلا بعد أكثر من سنة من ذلك التاريخ، وقد تراسل أرسلان أيضاً مع شخصيات أخرى، غير المدني، قبل 1930، مثل الطيب العقبي، و الزواوي، وابن باديس، وأبي اليقظان... أما المراسلات مع مصالي فقد بدأت بعد تأسيس شكيب أرسلان لجريدته المعروفة ( الأمة العربية ـ لانسيون آراب ) كما سنرى.
تبدأ المرحلة الثانية من علاقة شكيب أرسلان بالجزائر وشمال إفريقيا عموماً بعد إنشاء جريدة " الأمة العربي " باللغة الفرنسية في مارس 1930، كان رفيقه في تأسيسها هو إحسان الجابري، ، وقد ظهرت في جنيف " سويسرا " وكان جريدة أسبوعية مؤقتاً لأنها في الحقيقة كانت غير منتظمة الظهور لأسباب مادية، حتى قال أحد الباحثين أنها لم تكن تظهر سوى مرتين أو ثلاث مرات في العام، وقد أعلنت تحت عنوانها أنها جريدة سياسية أدبية اقتصادية واجتماعية، وجاء فيها أنها لسان حال الوفد الفلسطيني ـ السوري لدى جمعية عصبة الأمم لخدمة مصالح البلاد العربية والشرق ([20]). ورغم أن ظاهر الحال يوحي بأن الجريدة لا علاقة لها بشئون المغرب العربي إلا أن تطور الأحداث جعل منبراً رفيعاً لقضية الجزائر وقضايا المغرب العربي عموماً.
ذلك أن سنة ظهور الجريدة تتوافق مع ثلاثة أحداث كبرى في المنطقة، ففي الجزائر وقع الاحتفال المئوي بالاحتلال، وهو مناسبة مشؤومة حفزت همم الوطنيين على المطالبة بالحقوق المشروعة وعلى البحث عن الأنصار في العالم، فكانت جريد " الأمة العربية " خير منبر لهذا الصوت سيما وأن الفرنسيين قد أصدروا قراراً بحل النجم الذي كان مقره باريس، واعتقلوا زعماءه، ومن الصدف أن النجم قد أصدر هو أيضاً في أكتوبر ( أي بعد سبعة أشهر فقط من جريدة " الأمة العربية " جريدة في فرنسا باسم " الأمة "ـ لاحظ التسمية ـ بالفرنسية أيضاً للدفاع عن مصالح أبناء المغرب العربي في فرنسا. أما الحدثان الآخران اللذان وقعا في المغرب وتونس فهما: الظهير البربري " المغرب "الذي أسال حبراً كثيراً وحرك الرأي العام الوطني والإسلامي، ثم المؤتمر الافخارستي " تونس " الذي نظمته الكنائس المسيحية تحدياً للمسلمين في عقر دارهم، وكان لجريدة الأمة العربية فيما يبدو جولات في كل هذه الموضوعات، والمعروف أن شيكب أرسلان زار شمال المغرب في أوت 1930م، بالتنسيق مع طلبة المغرب الذين كانوا يدرسون في فرنسا والذين كانوا يعجبون به ويزورونه في سويسرا.
وقد تجند لمساعدة أرسلان في نشر جريدة " الأمة العربية " نخبة من المثقفين الجزائريين منهم أحمد توفيق المدني ومحمد السعيد الزاهري، والطيب العقبي، فكانوا يجمعون لها الاشتراكات والتبرعات والإعلانات، ويقول المدني عن نفسه في هذا المجال:" كنت من بين العاملين على نشر تلك المجلة الراقية " لانسيون آراب " ودعمها مادياً([21]) " وتُثْبِتُ ذلك الرسالة التي بعث بها أرسلان إلى الحاج عبد السلام بنونة من برلين ( 15 يناير 1931م ) من أن أحمد توفيق المدني مجتهد في جمع الإشتراكات للجريدة، وفي رسالة أخرى منه إلى نفس الشخص بتاريخ 30 إبريل 1931 أن توفيق المدني قد جمع اشتراكات للمجلة " الأمة العربية " قدرها ثلاثة آلاف فرنك سويسري([22])
وقد وجدنا في إحدى المراسلات أن المدني كان يمثل صلة الوصل أيضاً بين أرسلان وبعض الزعماء المغاربة مثل محمد داود التطواني، فقد كتب أحمد توفيق المدني إلى محمد داود يخبره أن أرسلان عازم على زيارة تطوان، وكان ذلك بتاريخ 22 يوليو 1930م، وقد أبدى عبد السلام بنونة ارتياحه لهذا الخبر قائلاً في مراسلة لابنه " حبذا لو يصح هذا الخبر "؛ فالمدني إذن كان واسطة بين أرسلان وبعض زعماء المغرب([23])
وكانت بين العقبي وأرسلان أيضاً مراسلات عديدة وتبادل لعبارات الود والشعر.
ولا ندري إن كان العقبي قد عرف أرسلان قبل انتقاله إلى الجزائر سنة 1920، والمعروف أن العقبي قد نفته السلطات العثمانية من المدينة المنورة سنة 1917م، وأنه أقام في الروم إيلي وأزمير ولعله التقى عندئذ بأرسلان في استانبول أو غيرها، وما نملكه من إشارات
عن العلاقة بين الرجلين ترجع أيضاً إلى العشرينات، فقد جاء في كتاب " شعراء الجزائر " الذي صدر سنة 1927 أن بين العقبي وأرسلان " علاقة صداقة خاصة من نوعها "، وأن أرسلان أرسل إلى العقبي صورة له فكتب العقبي تحتها بيتيين "([24])، وقد وجدنا في بعض المراسلات أن الشيخ الطيب العقبي كان أيضاً يجمع الاشتراكات لجريدة الأمة العربية، ففي المراسلة المذكورة من أرسلان إلى الحاج بنونة أن الطيب العقبي وسعيد الزاهري و المدني يعملون على جمع الاشتراكات للجريدة، ومما جاء فيها عن العقبي أنه قد جمع مائتي فرنك سويسري في بسكرة لمشتركين جدد، ويفهم من السياق أن الجريدة " رائجة في المغرب الأوسط " وأن لها هناك نحو 150 مشتركاً قد دفع أكثرهم ما عليه "([25]).
أن الحديث عن هذه الشخصيات البارزة في الحركة الوطنية ـ الإصلاحية ـ بالذات ـ سيكون له انعكاسه على سير الأحداث بالجزائر، والمعروف أن العقبي لم ينتقل إلى العاصمة إلا حوالي 1929، فكونه كان يجمع الاشتراكات من بسكرة سنة 1931 فيه نظر عميق.
وأثناء اطلاعنا على مجلة الشهاب لسان حال حركة الإصلاح التي يقودها عبد الحميد بن باديس، وجدنا إعلاناً من صفحتين عن جريدة " الأمة العربية " فبعد أن يذكر الإعلان المعلومات المعروفة عنها، وعن محرريها وأهدافها واهتماماتها، ولغتها نجده يتوسع ليخبر القراء أن الأمة العربية تضم سبعين مليوناً وإنها أنجبت الكلدانيين والفينقيين والتتابعة... إلخ، وإنها الأمة التي نشرت الإسلام والمدنية، وإن محرر الجريدة هو " أكبر كاتب سياسي في الشرق"، وأن أبناء الأمة العربية يجهلون ماضيهم ودينهم وحضارتهم، وأن هناك ضرورة لكي يعرف الغربيون والمغتربون " أي النخبة المفرنسة " أيضاً ماضي الأمة العربية و حاضرها، وبعد أن ذكر الإعلان بمواضيع العدد الأول من الجريدة، دعا " كل من يمت للعروبة بعرف " أن يشترك في الجريدة بنفسه وأن يهديها إلى غيره من المغتربين، من أبناء جنسه، ولم يكتف صاحب " الشهاب "بالإعلان العريض بل أنه أهدى اشتراكاً سنوياً في الجريدة لشخصيتين من المتغربين، وهما الزبير بن باديس المحامي بقسطنطينة،و الهادي مصطفاي المحامي بسطيف، وقد انتهى الإعلان بذكر عنوان الجريدة الفرنسية في جنيف ([26])
وكأنه يدعو إلى مراسلاتها والاتصال بها.
وقد حفل عدد سبتمبر من الشهاب بأثرين لشكيب أرسلان أولهما: رسالة منه إلى المجلة حول الجزء الأول من كتاب " تاريخ الجزائر "، تأليف الشيخ مبارك الميلي وحول اتصاله بأعداد من الشهاب نفسها، وقد أثنى أرسلان على الكتاب والمجلة وتحدث عن نهضة الجزائر الأدبية، وربط بين هذه النهضة والإسلام والأخلاق، قائلاً: لا رقي بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون مدنية روحية تكون فيها الروح محركاً والمادة آلة..".
ويبدو أن الرسالة كانت موجهة إلى ابن باديس ( وهو غير مذكور فيها ) إذ جاء في آخرها:
" الله يأخذ بيدكم، ويفتح عليكم، ويجعلكم علماً منيراً، ويهدي بكم كثيراً"، وكان عنوان هذه المراسلة في الشهاب " درة غالية " ([27])، وفي نفس العدد مراسلة أخرى من شكيب أرسلان إلى الشهاب بعثها من الأندلس، وقد أخبر أنه وجد آثار العرب " فوق ما كنت أتصور " وحث على عدم اليأس " لأن اليأس هو السقوط الحقيقي، ومادام الأمل موجوداً فالحياة موجودة "([28])، وهناك الدلائل نشر مقالات وأخبار أرسلان في " الشهاب " وكتابات ابن باديس عنه بحماس.
وبالإضافة إلى ذلك جرت مراسلات بين شكيب أرسلان والشيخ أبي اليقظان ( إبراهيم بن عيسى )، وغيره من أعيان الجزائر، وقد أشار من ترجموا لأبي اليقظان إلى هذه المراسلات وأخبروا أن مجموعة منها توجد ضمن أوراق الشيخ أبي اليقظان، وهي مراسلات تدور في أغلبها حول مستقبل البلاد الإسلامية وحاضرها مع الاستعمار، وتدعو إلى وجوب تجنيد الرأي العام الأوربي لصالح الإسلام، " ووجوب تصفيته من السموم التي يمزجها به السواحون ضد الإسلام "([29])، وقد نشرت صحف أبي اليقظان مقالات لشكيب أرسلان كما
نشرت أخرى حوله، ومن ذلك مقالة " خذوا حذركم من السواحين" التي كتبها أرسلان







ونشرتها في جريدة " وادي ميزاب "([30])، سنة 1928م.
وكانت جريدة " البلاغ الجزائري " لسان حال الطريقة العليوية في الجزائر تنشر لشكيب أرسلان أيضاً. ولعل الشيخ أحمد المصطفى بن عليوة صاحب الطريقة المعروفة، كانت له مراسلات شخصية معه أيضاً([31])، ونكاد نجزك بأن شخصيات من أمثال عمر بن قدور وعمر راسم لا يخلو بريدهم من مراسلات مع شكيب أرسلان خلال العشرينات والثلاثينات، وقد عرفنا أن محمد سعيد الزاهري كان على صلة به، وكان الزاهري من كتاب مجلة الفتح، ومن أنصار حركة الإصلاح في أول أمره.
وكانت بين شكيب أرسلان وعلي الحمَّامِي صلات ومراسلات، وقد تردد اسم هذا الرجل الحمَّامِي في رسائل أرسلان إلى المغاربة أيضاً، وكان أرسلان يتدخل لصالحه في أوربا والمشرق، لأنه كما قال عنه، رجل بائس فقير رغم إمكاناته الفكرية وتقلباته السياسية، وقد لعب علي الحمامي أدوراً نشيطة لصالح الحركة الوطنية في المغرب العربي وتعرض من أجلها إلى البؤس والتشريد في أوربا و المشرق ([32])، وتعاون مع شكيب أرسلان في جنيف، وهو الذي سعى ليجد له عملاً في البلاد العربية.
ولشكيب أرسلان رأي في الشاعر الكبير محمد العيد آل خليفة رددته صحف ذلك




الوقت، إذ عبر أرسلان عن إعجابه بشعر محمد العيد قائلاً:
إن كان في هذا العصر شاعر يصح أن يمثل البهاء زهيراً في سلاسة نظمه وخفة روحه ورقة شعوره فهو محمد العيد([33])، والغريب أننا لا نكاد نسمع مراسلات بين الشيخ الإبراهيمي وشكيب أرسلان، رغم ما يبدو من الاتفقا بينهما في الأهداف([34]) بينما نجد شكيب أرسلان يكتب عن شخصيات فرنسية لها علاقة بالقضية الجزائرية من أمثال فيكتور سبيلمان الذي سماه " ملاك الجزائر الحارس" ، وأمثال ناصر الدين دينه الذي نوه به وعاونه على أداء الحج([35]) رغم أنه كان شخصية مشبوهة.
* * *











ولكن الشخصية السياسية التي كان لشكيب أرسلان مراسلات معها وعلاقة وطيدة بها، هي شخصية مصالي الحاج، زعيم نجم الشمال الإفريقي وحزب الشعب الجزائري، بزغم نجم مصالي وسط العشرينات ولاسيما بعد التصريح باستقلال الجزائر في مؤتمر بروكسل 1927، وقد بادرت فرنسا إلى حل النجم سنة 1929م عشية الاحتفال المئوي بالاحتلال
رغم أن مقر النجم في كان في فرنسا وليس في الجزائر، واضطهدت السلطات الفرنسية زعماء النجم فدخلوا في العمل السري، وأنشأوا جريدة الأمة الفرنسية ـ كما لاحظنا ـ، وأخذوا يبحثون عن الأنصار داخل فرنسا وخارجها، وكانت جنيف مقراً لجمعية عصبة الأمم، وملتقى الوطنيين السياسيين النشطين، ومنهم الأمير شكيب أرسلان وزميله إحسان الجابري، ولا نستطيع الآن تحديد الزمن الذي التقى فيه شكيب أرسلان ومصالي، ولا متى بدأت المراسلات بينهما، غير أن بانون اكلي أحد قادة النجم عندئذ، يذهب إلى أن هذه العلاقة بدأت حوالي سنة 1932م، وكان الواسطة في هذا الاتصال هو محمد سالم باي، وهو قاض مصري دولي كان يقيم في باريس، وهو يبدو صاحب فكرة عقد المؤتمر الإسلامي الأوروبي أيضاً([36]).
ومهما كان الأمر فقد تدعمت هذه العلاقة بين الرجلين: مصالي وأرسلان، وبين الحركتين: النجم





ولجنة سورية ـ فلسطين، وبين الاتجاهين: المشرق والمغرب العربيين، منذ 1935م، ففي هذا التاريخ وجدنا المؤتمر الإسلامي ينعقد في جنيف ويحضره مصالي الحاج إلى جانب شكيب أرسلان؛ فتبدأ مرحلة جديدة في العلاقة بين هذا المفكر الإسلامي والحركة الوطنية الجزائرية، يقول مصالي نفسه في مذكراته أنه لقي أرسلان في جنيف فوجده خبيراً بشئوون المسلمين وخلافاتهم، ومع ذلك لم يدعهم الخلاف الذي كان واقعاً بين الإصلاحيين والطرق الصوفية، وبناء على مصالي فإن أرسلان قد اعترف بفضل الطرق الصوفية في نشر الإسلام بين الطبقات الفقيرة وفي الجبال والصحاري، وقال أنهم كانوا يعانون في سبيل ذلك معاناة شديدة، بينما العلماء المصلحون يعيشون في الأوساط البرجوازية، ومن ثمة كان شكيب أرسلان يضع كل إمكاناته لوضع حد لسوء التفاهم بين العلماء والطرق الصوفية([37]). والمعروف أن مصالي نفسه كان ينتمي إلى إحدى هذه الطرق، وهي الدرقاوية، ولكن ما يلفت النظر حقاً في مذكرات مصالي هو عدم الحديث بصراحة عن الوجه السياسي ـ الوطني للقائه مع شكيب أرسلان.
و يذهب دارسو حياة مصالي ومحققو مذكراته إلى أن مصالي قد تعاون ابتداء من زيارته لشكيب أرسلان، مع جريدة الأمة العربية ومع لجنة سورية ـ فلسطين وهم ينسبون مصالي قوله أن أرسلان كان يعطي الطابع الديني للعمل السياسي، إذ يقول مصالي عن لقائه بأرسلان بأنه أعطى دفعاً جديداً وحاسماً للنجم؛ فأصبح من المستطاع الاعتماد على تضامن العالم العربي ـ الإسلامي بعد تضامن الحركة العمالية الفرنسية([38])، وبمعنى آخر أن دعم شكيب أرسلان لحركة النجم الوطنية قد أخرجها من الفلك الشيوعي ـ العمالي الوحيد، وجعلها تعتمد على تأييد مزدوج: عربي ـ إسلامي من جهة وعالمي ـ يساري من جهة أخرى، إن بعض المصادر الفرنسية تعطي أهمية قد يكون مبالغاً فيها للقاء مصالي مع شكيب أرسلان حتى أنها تتحدث عن " اعتناق " مصالي لفكر أرسلان القومي والديني، ويذهب جان قانياج إلى أن مصالي كان سيظل مناضلاً ماركسياً مغموراً لو لم يلجأ إلى جنيف في بداية 1936م هارباً من المتابعات القضائية الفرنسية.

فكان ذلك سبباً في لقائه بشكيب أرسلان الذي أدخله في فكرة القومية العربية([39]) وربما يأخذ جوليان أيضاً بهذا الرأي.
أما رأي شكيب أرسلان في مصالي الحاج فقد كان صريحاً في صالحه، ويبدو أن أرسلان أعجب بوطنية وحماس مصالي وإيمانه بقضية بلاده وبقدرته على التحكم في أتباعه ومناوراته مع الشيوعيين ومع الإدارة الفرنسية، ونلمس ذلك في الآراء التالية:
يروي أحمد توفيق المدني أن شكيب أرسلان كتب لمراسليه من الجزائريين والمغاربة مشيداً بمصالي الحاج مبدياً تأييده له في مسعاه، مبيناً رأيه لهم في هذا" الشاب الوطني المقدام المتحمس الذي " لو كان للإسلام مثله في مختلف الأوطان لتغير الحال غير الحال "([40])، وفي مكان آخر نجد أن أرسلان يصف مصالي بأنه " من خير الفتيان ونخبه الشبان، ولو كانت الشبيبة الإسلامية كلها على نمطه لتحرر الإسلام من زمن طويل، وليس في ذلك مبالغة، والله على ما أقول وكيل، ولقد خبرت بنفسي مدة ستة أشهر بالاجتماع الدائم حقيقة مصالي الحاج في أخلاقه وأدبه وعلو نفسه وفصاحة رأيه، فلم أجد شيئاً ينقصه، وغاية متمناي أن يحفظه الله، ويكثر من أمثاله والناسجين على منواله"([41]).
ومنذ 1936 أخذ شكيب أرسلان ينتصر لمصالي وحزبه ويدعمه على المستوى المغاربي والدولي فعند ظهور الجبهة الشعبية في فرنسا دعا شكيب أرسلان إلى " تآخي" مصالي الحاج والشيوعيين قائلاً: إن الشيوعيين وقفوا مدافعين عن مسلمي شمال إفريقيا، ومعتبراً مصالي مسلماً صالحاً وأن هذا " التآخي " يعني أن مصالي لم يكن شيوعياً.
والمعروف أن مصالي كان شديداً متحمساً للجبهة الشعبية أثناء إنشائها، وقد زار أرسلان باريس في 21 فيفري سنة 1937م، واجتمع بالطلبة المغاربة فيها ووجد ترحيباً بينهم، وقد حاول أثناء هذه الزيارة التوفيق أيضاً بين العلماء والمصاليين ([42]).
وفي هذا الصدد استنكرت جريدة " الأمة العربية " حل النجم من قبل حكومة الجبهة الشعبية
فقد كتبت مقالة يبدو أنها لشكيب أرسلان، خلال أبريل 1937 احتجت فيها على الحل، وقالت أننا لا ننازع في أن من بين الأعضاء شباناً متحمسين غير ناضجين من ناحية السن، وهذا موجود في كل المنظمات السياسية، ولكننا لا نتفق مع من يقول أن كل أعمال النجم تخريبية وأن سياسته تعني رمي الفرنسيين في البحر، ذلك أن سياسة النجم التي نعرفها تقوم على أن الشعب الجزائري يبقى على نفسه وأن لا يذوب في الجنسية الفرنسية إلى درجة ضياع ذاتيته ولكن هذا لا يعني وجوب فصله عن فرنسا ([43]).
ولعل هذه الصلة التي أصبحت " حميمة " بين شكيب أرسلان والاتجاه الوطني بقيادة مصالي هي التي جعت المخابرات الفرنسية تتهم النجم بأنه كان أيضاً على صلة بإيطاليا " الفاشيستية " عن طريق شكيب أرسلان ([44])، وقد ذكر لي أحد الباحثين أنه عثر على مراسلة من مصالي إلى شكيب أرسلان في الوثائق الفرنسية([45]).
إن سنة 1937م تعتبر مرحلة هامة في حياة أرسلان والحركة الطلابية المغاربية، حقاً أنه سبق لهؤلاء أن اتصلوا به أفراداً ومكاتبة، ولكن حضوره بينهم في باريس واحتفالهم به جماعة، والخطب المتبادلة و " النصائح " التي أسداها لهم كتنظيمات، كل ذلك كان أمراً جديداً، ويثبت بعض الباحثين أن مصالي الحاج " وهو ليس طالباً " قد أقام لشكيب أرسلان حفلة استقبال على شرفه بمناسبة الزيارة المذكورة، وقد زعم هذا المصدر أنه بينما كان شكيب أرسلان يتراسل مع ابن باديس والعقبي والمدني وغيرهم، كان لا ينفك يسدي نصائحه لمصالي الحاج " منشط الحركة البروليتارية الكبيرة المسماة نجم شمال إفريقية " وذهب في زعمه إلى القول بأن مقالات جريدة " الأمة " المصالية مستوحاة مباشرة في أغلب الأحيان من شكيب أرسلان ([46]).
وكانت النصائح التي يوجهها شكيب أرسلان إلى الطلبة لا تكاد تخرج عن توجههم إلى التضامن فيما بينهم واستغلال الظروف الداخلية والخارجية لإضعاف حلقة الاستعمار بإثارة الاضطرابات ضده، وعدم التنازل عن حقوقهم في وجه ما يسمي بالإصلاحات الفرنسية، والتضامن مع الحركات الإسلامية، وتنسيق الجهود مع مناضلي سورية ومصر وتونس والمغرب والجزائر([47])، ويمكن أن نقول أن اهتمام شكيب أرسلان نفسه بقضايا المغرب العربي كان اهتماماً جغرافيا على النحو التالي: ليبيا فالمغرب فتونس فالجزائر، رغم أن الصلة بالأفراد كانت تقريباً متوازية في الأقطار المذكورة كلها، وهناك من يرى بأن اهتمام جريدة " الأمة العربية" بالجزائر بدأ على أثر حادثة قسطنطينة بين المسلمين واليهود " أوت 1934م "([48]). ولكن هذا الرأي غير مسلم بع، فقد رأينا أن اهتمام شكيب أرسلان بقضية الجزائر بدأ منذ العشرينات عندما كان يكتب في تعاليقه على حاضر العالم الإسلامي، وحتى جريدة الأمة العربية وجدناها تكتب عن الاحتفال المئوي للاحتلال سنة 1930م، وهي السنة التي ظهرت فيها هي إلى الوجود.
* * *


أما بالنسبة لعلاقة شكيب أرسلان بجمعية العلماء ورجال الإصلاح فقد كانت أوضح مما يحتاج إلى برهان، فبالإضافة إلى المراسلات الشخصية مع العقبي " وتذهب بعض المصادر إلى أنها كانت مبكرة وأنه يفضلها وقع الاتصال مع الإصلاحيين عموماً في الجزائر والميلي، وأبي اليقظان، وابن باديس و الزاهري والزاووي وأضرابهم. نجد الشهاب " والبصائر أحياناً " قد نقلت مقالات شكيب أرسلان وتبنت أفكاره وأشادت بمواقفه وتصريحاته، ففي شهاب جوان 1930 مقالة عن " مركز المرأة في نظر أمير البيان ".
وقد انتهى فيها إلى أن المرأة متخلفة لأن الرجل أيضاً متخلف، ودعا إلى وجوب تعليم الجنسين ومنع الاختلاط المطلق([49]), وحوالي عام بعد ذلك نجد في " الشهاب " أيضاً تعليقاً هاماً عن كتاب أرسلان " لماذا تأخر المسلمون ؟ " . وقد أشاد الكاتب غير المصرح باسمه بالكتاب وبصاحبه معتبراً الكتاب أفضل رسالة ألفها مسلم على الإطلاق"([50]) .
وقد رأينا أن أرسلان كان يحاول التقريب بين المصلحين وأهل الطرق الصوفية من جهة وبين جمعية العلماء والنجم ثم حزب الشعب من جهة أخرة، ومن ذلك ما أعلنته جريدة " الأمة " من أنه أثناء حفل جرى في باريس خطب فيه الحبيب بورقيبة وأعلن فيه أن شكيب أرسلان قد وفق بين العلماء والنجم المنحل، لأن رفعة الجزائر ـ في نظر بورقيبة ـ تتوقف على الطرفين، أحدهما لحماية الماضي و الدين واللغة العربية والتاريخ، والآخر لتنظيم الكفاح([51])
وفي نفس السنة تحدث ممثلاً جمعية العلماء في فرنسا: سعيد صالحي، والفضيل الورتلاني عن نشاط جمعية التربية في باريس، ومما جاء في حديثهما أن شكيب أرسلان قد زار مقر الجمعية وأنه اندهش عندما وجد العرب والبربر يتكلمون جميعاً بالعربية الفصحى، كما لاحظ بكل سرور ارتفاع المعنويات لدى المسلمين الجزائريين([52])
وكانت جريدة " الجزيرة" الدمشقية قد نشرت حديثاً بتاريخ 6 أكتوبر 1937م لشكيب
أرسلان حول الوحدة العربية، كان له ضجة سواء في المشرق أو في المغرب، ويظهر أن شكيب أرسلان قسم فيه العالم العربي إلى ثلاث مناطق، هي: مصر وسورية والعراق وفلسطين والحجاز واليمن و الخليج والمغرب العربي، خلاصة الحديث أن العرب أمة واحدة وعظيمة بماضيها وبعددها، وأنها قد استيقظت من سباتها، واعتمدت على نفسها ورفعت السلاح للدفاع عن وجودها ضد الذين يريدون استعبادها، حتى ولو أنجزوا مشروع الوحدة السياسية.
وقد جرى النقاش حول هذا الحديث عدة أشهر، وشارك ابن باديس في هذا النقاش أيضاً فقال أنه إذا حقق عرب المشرق الوحدة السياسية فلا يمكن لأهل المغرب العربي إلا التوحد معهم دينياً ولغوياً وثقافياً، أما سياسياً فلا تكون وحدة للمغرب العربي مع المشرق العربي إلا بعد الاستقلال ([53]) وبينما أيد ابن باديس الفكرة في جوهرها، كما دعا إليها شكيب أرسلان، اعترض عليها سليمان الباروني باشا وهاجم شكيب أرسلان ورآه قد غض من قدر أهل المغرب العربي، وقد اشترك إبراهيم بيوض في مناقشة الموضوع أيضاً فكتب سلسلة من المقالات بعنوان" الفرقان بين أميري السيف والبيان، الباروني وشكيب أرسلان " ونشرها في جريدة الأمة التي كان يصدرها أبو اليقظان([54])، كما اشترك هذا في مناقشة رأي شكيب أرسلان في مجد العرب الغابر ([55]).



ولعل هذه المناقشة جرت بشأن مقالة شكيب أرسلان التي نشرها في جريدة" الجزيرة " و التي أثارت ضجة كما أسلفنا.
ومن ثمة يظهر تأثير شكيب أرسلان في أوساط الحركة الوطنية الجزائرية بجميع فعاليتها ـ حتى عندما كتب أرسلان رأيه في مصطفى أتاتورك بشكل ذكريات رواها عنه، وجدنا "الشهاب " تنقل هذا الرأي إلى قرائها، وبناء عليه فإن أتاتورك مهما كان منه في ظاهر الأمر؛ فإنه في الحقيقة كان متمسكاً بالإسلام وعاملاً على نصرة المسلمين ([56]).
والغريب أننا وجدنا رأياً شبيهاً بذلك عند ابن بايس أيضاً، فقد كتب يشيد بأعمال مصطفى أتاتورك ويعتب على المسلمين الجامدين الذين وقفوا في طريقه ([57]).
لقد كان الفرنسيون يتهمون شكيب أرسلان بأنه يتعامل مع ألمانيا وإيطاليا، ويصنفون من يتعاطف معه أو يتبعه بأنه عميل مثله للدولتين المذكورتين، وكانت الصحف الفرنسية تكيل التهم لأرسلان لأنه ضد الاستعمار في المغرب العربي بالتعاون مع حركات التحرير فيه، ويدخل في





ذلك الأفراد والجماعات، فقد اتهمت جمعية العلماء وحزب الشعب مثلاً بأنهما على اتصال بالفاشيستية والنازية، ولاشك أن ذلك الاتهام صادر عن دوائر الحركة الصهيونية، وهي التي كانت وراء اتهام الشيخ الطيب العقبي 1936 بالتحريض على اغتيال الشيخ محمود كحول مما أدى إلى سجن العقبي وتوقفه عن مهاجمة السياسة الصهيونية في فلسطين، وقد عرفنا أن العقبي من أقوى أنصار شكيب أرسلان، وكان أرسلان يشكو من إرجاع بريده المرسل إلى الجزائر من قبل مصالح البريد الفرنسية، واتهم صحيفة " لاديباش ألجيريان " بالكذب عليه أثناء خطبته في تطوان([58]).
ومن الغريب أن بعض الكتاب الفرنسيين لا يتوقفون عن اتهام شكيب أرسلان بالتآمر ضدهم خلال الثلاثينات فقط، بل إنهم يذهبون إلى أن أحداث مايو 1945 الدامية في الجزائر، كان وراءها شكيب أرسلان أيضاً، فهم يقولون أن صلته بألمانيا كانت تستثمر لصالح الجزائريين والتأثير عليهم، ومن ثمة كان له ضلع فيما حدث بالجزائر بعد الحرب ([59]).
ومادام الحديث عن أثر شكيب أرسلان في القضية الجزائرية فلنشر إلى أن هناك شخصيات أخرى تعرض لها أرسلان من قريب أو بعيد، وكانت ذات صلة هي أيضاً، بما حدث في المغرب العربي على العموم، من هذه الشخصيات ناصر الدين ديني " ويسميه أرسلان: دينه " فبعد أن سمع أرسلان بوفاة ديني كتب كلمة عنه في جريدة " كوكب الشرق " سرعان ما تناقلتها عنها جريدة العقبي " الإصلاح "، والمعروف أن العقبي والمدني وغيرهما كانوا من بين من حضروا دفن ديني في بوسعادة، قالت الإصلاح، وهي تقدم مقالة أرسلان عن ديني، أنها " بقلم كاتب الشرق الأكبر في رجل عظيم، علم الكاتب من أمره ما لم يعلمه الكثير من الكاتبين"، وفي المقالة روى أرسلان ما قرأ لديني وزميله أو تلميذه سليمان بن إبراهيم من كتب ورسائل وردود، وذكر أن بعض ذلك نشر مترجماً في مصر من قبل صديق لديني اسمه عبد الباقي بك العمري الفاروقي، كما أشار أرسلان إلى أنه عرف ديني أثناء الحج إلى مكة، " وقد مر بنا أن المدني هو الذي توسط لديني لدى أرسلان ليسهل هذا مهمته في الشرق والحجاز ويوصي به " وأن أرسلان قام فعلاً بالكتابة إلى أهل الأمر في الحجاز ليسهلوا مهمته ففعلوا، ولعل ديني كان يخشى أن يفتضح أمره باعتباره رجلاً فرنسيا فيعتبره المسؤولون في الحجاز من الجواسيس لا من الحجاج، ويبدو أن كلا من المدني وأرسلان كان منخدعاً فيه، ومهما كان الأمر فإن أرسلان يذكر أن ديني قد أرسل إليه التمر من بوسعادة قبل وفاته بقليل رداً لجميله "([60]).
وقد مرّ بنا ما فعله أرسلان أيضاً بالنسبة لعلي الحمامي وتدخلاته من أجله لرفع بؤسه، حتى أوصله في إحدى المرات إلى العراق بعد أن كان مضطهداً في إيطاليا سنة 1932م، وكان في ضائقة مالية شديدة ([61]). وهناك رأي أدلى به أرسلان حول شخصية المعمري والمقري اللذين كانا من المقربين لدى بلاط السلطان المغربي عندئذ 1931، فقال إن أحد الثقات أخبره:" أنه ما أحد أضرّ الإسلام في المدة الأخيرة مثل المعمري و المقري وهما اللذان شددا الفرنسيين في قضية الظهير " البربري "، وأن المعمري أشد ضرراً من ابن غبريط، فيا ويح من ابن غبريط أحسن منه ! "([62]).
و الظهير المذكور هنا هو الذي أحدث سنة 1930م اضطراباً في الرأي العام بالمغرب، وكان له أصداء قوية مضادة في الجزائر أيضاً، وبناء على هذا المصدر فإن الحاج بنونة كان يرى في المعمري رجلاً " لا بأس به ".
* * *





عند وفاة الأمير شكيب أرسلان كان معم قادة الحركة الوطنية الجزائرية في السجون والمنافي على أثر حوادث 8 مايو 1945. وكانت الصحف معطلة والأحزاب منحلة، وكان المد الاستعماري قوياً بعد انتصار الحلفاء على ألمانيا وإيطاليا، ولم تكن الحرب الباردة قد وصلت درجة الغليان، لذلك لم تنل وفاة أرسلان حظها من الإعلام في الأوساط الوطنية بالجزائر، ولم ينوه بدوره فيما يظهر إلا في وقت لاحق.
وفي العدد الأول من البصائر لسان حال جمعية العلماء نجد قصيدة لأحمد سحنون بعنوان " حارس الشرق "، قالها بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاة شكيب أرسلان، ومما جاء فيها قوله:
حارس الشرق * * غاب في خضم العدم
وقضى ليث غاب* * هوى بدر تـــــم
ولعل الشيخ سحنون هو أول من أبَّن شكيب أرسلان وذكر نضاله من أجل العروبة والإسلام وخصاله ومساهمته في القضية الوطنية ([63]).
وقد احتوى العدد الثالث عشر من البصائر على كلمة فيها تنويه بما قام به محمد علي الطاهر صاحب جريدة الشورى إذ جمع في كتاب ما قيل في الأمير شكيب أرسلان من كلمات ومراث بعد وفاته، وسمى عمله " ذكرى الأمير شكيب أرسلان "، وقد أهدى منه نسختين إحداهما للإبراهيمي، والأخرى أمانة يوصلها إلى صاحبها دون الكشف عن اسمه، والجدير بالملاحظة أن كلمة البصائر بدون توقيع، ولكن يغلب على الظن أنها من تحرير الشيخ البشير الإبراهيمي لأنه كان رئيس تحرير البصائر، ولأن الأسلوب والإشارات تدل على ذلك، ومما يلفت النظر أن الإبراهيمي لم يكتب أبداً، حسب علمنا، عن الأمير شكيب أرسلان سواء أثناء حياته أو بعد وفاته، وفي تعليقه على كتاب محمد علي الطاهر لم يتحدث الإبراهيمي عند دور شكيب أرسلان، وإنما نوه بما قام به صاحب الشورى من جهد في جمع " دموع الباكين على صديقه وأستاذه في الجهاد الأمير شكيب أرسلان، وحسرات المتفجعين على مصاب العروبة والإسلام لفقده، وما أكثر الباكين على الأمير شكيب وما أكثر المتحسرين !".
فإذا ثبت أن الكلمة أعلاه من تحرير الإبراهيمي فهي تكون أول و آخر ما كتبه عن شكيب أرسلان، ونلاحظ من جهة أخرى على أنها كلمة كتبت في شيء من اللامبالاة إذ اقتصر فيها كاتبها على القول بأن ما جمعه محمد علي الطاهر ما هو إلا جزء قليل مما قيل في شكيب أرسلان، وتمنى بأن يكتب محمد علي الطاهر تاريخ شكيب أرسلان " بقلمه هو لقضاء دين لأبناء العروبة في أعناقهم لأميرهم" ([64]).
وتوالت الذكريات وتوالى الحديث معها عن الأمير شكيب أرسلان في الصحف الجزائرية على لسان الشعراء، وقد أقيمت في العاصمة الذكرى الثانية لشكيب أرسلان.
وخطب فيها الخطباء وألقى الشعراء، ومن بينهم عبد الكريم العقون، ومطلع قصيدة:
هوى كوكب الشرق أرسلان ** فكل فؤاد فيه همّ وأحزان ([65]).
ومن جهتها نشرت جريدة الإصلاح التي كان يرأسها الشيخ الطيب العقبي صورة الأمير أرسلان وقصيدة للشاعر المهجري جورج صيدح نقلاً عن جريدة " العالم العربي " التي تصدر في بيونس أيرس، ونلاحظ أن العقبي رغم صداقته ومراسلاته مع شكيب أرسلان لم يكتب أيضاً




تأبيناً ولا سيرة لحياة صديقه بعد وفاته، رغم أن جريدة الإصلاح كانت تصدر عند وفاة الأمير، خلافاً للصحف الأخرى([66]). ولعل غضب السلطات الفرنسية على شكيب أرسلان هو الذي جعل العقبي وغيره يحجمون عن ذلك، ويذكر أحد المعاصرين أنهم أقاموا حفلة تأبين في نادي الترقي بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الأمير أرسلان 1947، وكان خطيبا الحفل هما الطيب العقبي وأحمد توفيق المدني، وكانت خطبة العقبي طويلة ومؤثرة، أما المدني فقد أطلع الحاضرين أيضاً على مجموعة من مؤلفات الأمير أرسلان، وعلق عليها، وذكرهم بجهاده من أجل قضية العروبة والإسلام.
* * *
نستطيع أن نحكم على تجربة شكيب أرسلان مع القضية الجزائرية من وجهين:
الوجه الأول: حكمه هو على الجزائريين، و الوجه الثاني: حكم الجزائريين عليه هو.
إن قناعة أرسلان بأيديولوجية الجامعة الإسلامية والقومية العربية جعلته ينظر إلى القضايا العربية والإسلامية نظرة شاملة وعميقة وموحدة، وكانت بداية أرسلان الفكريى مع فكرة حزب اللامركزية في الدولة العثمانية الذي يعني عدم الفصل بين العرب والترك، ولكن ممارسات لجنة الاتحاد والترقي، وظهور التيار الطوراني وتصرفات القادة الأتراك نحو العرب كتصرف جمال باشا في سورية، ثم سقوط الخلافة نفسها، كل ذلك جعل أرسلان يعدل من نظرته ويصبح هو المدافع القوي على الاستقلال العربي والرابطة الإسلامية.
وقد تمثل ذلك في معاداته للاستعمار الفرنسي في سورية والإنكليزي في فلسطين والعراق، وفي وقوفه ضد الحركة الصهيونية التي كانت تبني الجسور إلى فلسطين على حساب العرب، وكان من الطبيعي أن تشمل نظرته المعادية للاستعمار منطقة المغرب العربي أيضاً حيث تحتل فرنسا أجزاء كبيرة منها.
وكانت الحركات الوطنية في المغرب العربي أثناء فترة ما بين الحربين تبحث أيضاً عن نصير لها في المحافل المشرقية و الدولية، سيما بعد تعديات الاستعمار الفرنسي على كرامة الجزائر بالاحتلال بمرور قرن على الاحتلال " سنة 1930 "، و على وحدة المغرب بإصدار ما سمي بالظهير البربري، وعلى روح تونس بانعقاد المؤتمر الأفخارستي فيها.
وكانت هذه الحركات الوطنية تعاني من التمزق بوجود النجم في فرنسا وحله سنة 1929م ومتابعة رجاله قضائياً، وكذلك كانت حركة الإصلاح تعاني من المضايقات في الجزائر، ونفس الشيء كان يواجه الحزب الدستوري التونسي الذي انقسم على نفسه سنة 1934م، ولم يكن حظ حركة المغرب بأسعد حالاً، وكانت المنظمات الطلابية في بلدان المغرب العربي واقعة تحت ضغط شديد، ولكنها في فرنسا نفسها كانت تتمتع بحرية أكثر رغم أنها لم تكن متسيسة بصراحة، ومن خلال الحركات الوطنية و المنظمات الطلابية في فرنسا استطاع شكيب أرسلان أن يسرب أفكاره التوحيدية التي كانت تقوم في شكل " نصائح " ومساعي للتوفيق بين المتخالفين، وفي شكل أفكار قومية وإسلامية شاملة، وقد جعل من جريدة الأمة العربية، لساناً مدافعً ليس فقط عن قضية سورية وفلسطين، ولكن عن قضية المغرب العربي أيضاً، وكانت صلة شكيب أرسلان بإيطاليا وألمانيا عدوتي فرنسا وبريطانيا، تشجعه على المضي في مدّ يد العون للحركات الوطنية في المغرب العربي، بما فيها الحركة الليبية طبعاً.
وقد رأينا من خلال الوثائق أن صلة شكيب أرسلان بالجزائر قديمة تعود أصلاً إلى معايشته لجاليتها في الشام، ثم لقاء بعض الجزائريين في حرب طرابلس، ثم التعمق في التعرف على أفكار الكتاب الجزائريين ومشاكلهم عند تعليق أرسلان على كتاب " حاضر العالم الإسلامي "
كما تعود صلته بالجزائر إلى المراسلات العديدة التي تبادلها مع رجالها ولقاءاته الشخصية مع بعض زعمائها، وكان هناك اهتمام مشترك وثقة متبادلة بينه وبين هؤلاء الجزائريين، مما جعله يقدم خدمة جليلة لقضية الجزائر في إطارها العربي الإسلامي، فبقدر ما ساهم في إنقاذ الجزائريين من الإندماج في الكيان الفرنسي أو العالمية الشيوعية بقدر ما ساهم في توجيههم نحو العروبة والإسلام والوطنية الصادقة.

ومن جهتهم اعتبر الجزائريون شكيب أرسلان شخصية مخلصة لقضيتهم، بل وللقضية العربية الإسلامية عموماً، فقد كانوا يبحثون فعلاً عن أمثاله من الرجال الذين يعينونهم على شق الطريق الصعب، وهو التخلص من الاستعمار وتثبيت هويتهم الوطنية والقومية والإسلامية، فكان شكيب أرسلان هو ذلك الرجل المنتظر، ولذلك احتفظوا له بمكانة سامية في قلوبهم، فأشادوا به أثناء الحياة، وبكوه بعد الوفاة وخلدوا ذكراه في شتى المناسبات، وسجلوا اسمه في الكتب المدرسية والمؤسسات، وقد برهن هذا المثال على أن الجزائر تبقى دائماً وفية لمن خدمها في قضيتها، وواساها في محنتها، والاعتراف بالجميل من شيم كرام الأفراد والأمم.
الجزائر في 31/7/1991"([67]).
========================

[1] - بحثٌ ساهمنا به في الكتاب التذكاري المخصص للدكتور نقولا زيادة، بطلب من اللجنة المشرفة على إعداد الكتاب المذكور في عمّان ـ الأردن ـ . ( أبو القاسم سعد الله ).

[2] - انظر؛ ليفي بروفنصال ( الأمير شكيب أرسلان 1896 ـ 1946م ) في كراسات الشرق المعاصر C.O.C، 9ـ 10 ( 1948).

[3] - حاضر العالم الإسلامي 1/ 312، ط:4، ( الكتاب من تأليف لوثروب ستودارد، وتعليق شكيب أرسلان ).

[4] - حاضر العالم الإسلامي، 2/ 172 ـ 173.

[5] - سهيل الخالدي، دور المهجرين الجزائريين إلى بلاد الشام، مخطوط، يتهم أرسلان بالتورط في إلقاء القبض على عمر باشا بن الأمير عبد القادر.

[6] - الطيب بنونة ( نضالنا القومي )، ص 198.

[7] - حاضر العالم الإسلامي، 2/172.

[8] - نفسه، ويقول الطيب بنونة " نضالنا القومي "، ص 168 هامش 8، أن الأمير عبد المالك حارب فرنسا أولاً، ثم انتقل إلى الريف وحارب في صفوف الإسبان ضد الثورة الريفية، ومات مقتولاً في الريف، ودفن بتطوان، ولا شك أن الجزء الأخير من الخبر في حاجة إلى تدقيق وإثبات، لأن الأمير عبد المالك أختلف مع الأمير عبد الكريم الخطابي في الصديق والعدو: فرنسا أو إسبانيا فحلت النكبة بهما معا.

[9] - نفسه، ص 173، انظر دراستنا عن الأمير عبد المالك في الحركة الوطنية، 2/ ط4، الفصل 4، وكذلك أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر ج1، ط.3.

[10] - حاضر العالم الإسلامي، 2/172.

[11] - حاضر... 3/ 211.

[12] - أحمد توفيق المدني، حياة كفاح، 2/232.

[13] - المدني ( شكيب أرسلان بطل الجهاد في كل مكان )، مجلة الثقافة، عدد 76، يوليو ـ غشت، 1983، ص 74.

[14] - حاضر... 3/ 361.

[15] - حاضر... 4/ 105.

[16] - المدني، حياة كفاح، 2/ 207.

[17] - المدني ( شكيب أرسلان... )، الثقافة، 1983، ص 74، لكن المدني يعترف بأنه قد اختلف مع شكيب أرسلان إزاء موقفه من إيطاليا وألمانيا.

[18] - يبدو أن الإشارة ترجع إلى كتاب حامد الذي أصدره سنة 1906 بعنوان" فرنسا ومسلمو شمال إفريقيا " وهو كتاب يمثل أحد وجوه " النخبة " الجزائرية في حل قضية الأهالي بمفهوم ذلك الوقت.

[19] - أصدر المدني " كتاب الجزائر " في طبعته الأولى سنة 1931م بالجزائر.

[20] - المدني، ( شكيب أرسلان.... )، في مجلة الثقافة 1983، ص 74، انظر أيضاً " حياة كفاح "، 2/ 232 ـ 236.

[21] - المدني ( شكيب أرسلان.... ) في مجلة الثقافة 1983م، ص 74، انظر أيضاً: " حياة كفاح " 2/ 232 ـ 236.

[22] - الطيب بنونة " نضالنا القومي "، ص 223.

[23] - انظر؛ محمد بن عزوز حكيم كتاب " وثائق سرية حول زيارة الأمير شكيب أرسلان للمغرب " ط، تطوان، 1980م، ص 22، انظر أيضاً الطيب بنونة ( نضالنا القومي )، ص 18.

[24] - محمد الهادي السنوسي ( شعراء الجزائر ) 1/ 148، انظر أيضاً أطروحة أحمد مريوش ( مخطوطة ) بصدد التحضير، والبيتان هما:
رسم صغير الحجم لكنه ** شكل أبي غالب الأكبر
ذكرني لما بدا قولهم ** ليس على الله بمستكثر
و ( أبو غالب ) كنية شكيب أرسلان، إذ أنه له ابناً سماه غالب.

[25] - الطيب بنونة ( نضالنا القومي )، ص 145.

[26] - مجلة الشهاب، مايو 1930م، وهذا يدل على أن الاهتمام بجريدة الأمة العربية بدأ مبكراً من قيادة الإصلاح، إذ ظهر عددها الأول كما ذكرنا في مارس 1930، كما يدل على قدم العلاقة بين ابن باديس وشكيب أرسلان التي قد تكون بدأت في العشرينات أيضاً.

[27] - الشهاب، عدد سبتمبر 1930، ص 468.

[28] - نفس المصدر، ص 438، وعنوان المراسلة هنا " درة أخرى من درر أمير البيان ".

[29] - محمد ناصر: أبو اليقظان ونضال الكلمة، ص 119.

[30] - نفس المصدر، عن وادي ميزاب في عدد 86، تاريخ 8 يونيو 1928.

[31] - انظر؛ سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج2، ط:4، ص 395، ويبدو أن العلاقة بين أرسلان وجريدة " البلاغ " لم تكن دائماً جيدة، سيما بعد وفاة الشيخ ابن عليوة، فقد قال بعض الباحثين أن البلاغ قد اتهمت أرسلان في عددها 29 نوفمبر 1935م بالعمالة لموسوليني، انظر؛ بسيس، مرجع سابق، ص 482، انظر الملحق.

[32] - عن قصة علي الحمامي باختصار كما لخصها علال الفاسي، انظر الطيب بنونة ( نضالنا القومي )، 299 ـ 300، وقد قتل علي الحمامي في حادث طائرة رفقة الدكتور الحبيب الثامر " تونس " و محمد بن عبود " المغرب " أثناء رجوعهم من حضور المؤتمر الاقتصادي الإسلامي الذي عقد في الباكستان وذلك في شهر ديسمبر 1949م.

[33] - انظر؛ العبارة كاملة في جريدة " البصائر " 63، ( 30 أبريل 1937م)، وقد نشرتها أيضاً " الشهاب " وجريدة النهضة التونسية، وانظر أيضاً صالح خرفي " صفحات من الجزائر"، ص 190، وسعد " شاعر الجزائر: محمد العيد"، ط:3، ص 36.

[34] - سنذكر شيئاً عن ردود فعل الإبراهيمي بعد وفاة شكيب أرسلان في موضع آخر من البحث.

[35] - المدني، حياة كفاح، 2/69.

[36] - سعد الله، الحركة الوطنية، ج3/ 125، ط:4.

[37] - مصالي، المذكرات، 299.

[38] - بنجامين ستورا " حياة مصالي"، ص 137 ـ 138.

[39] - نقل عنه ذلك ستوراً في نفس المصدر.

[40] - المدني، حياة كفاح، 2/137.

[41] - جريدة " تونس الفتاة " عدد ممتاز بالصور، أول إبريل، السنة الثانية، عدد 12، 1939، مقالة بعنوان" الحركة الوطنية بالجزائر" بإمضاء " الفتى الوطني " من الجزائر، في العدد نفسه رسالة أرسلان عن مصالي، وصورة لمصالي الحاج وأخرى لعلم النجم، انظر: أيضاً سعد الله، الحركة الوطنية ج3، ط4، ص 69.

[42] - جوليات بسيس " المجلة التاريخية " 1978، ص 526، وحاول أيضاً التوفيق بين الدستوريين التونسيين القدماء و الجدد، وبين الوزاني وعلال الفاسي من المغاربة.

[43] - مصالي، المذكرات، ص 242.

[44] - سعد الله، الحركة الوطنية، ج3، ط:4، ص 142، هامش 54، وقد كانت مجلة " أوريانت موديرنو " الإيطالية تهتم كثيراً بالحركة الوطنية في المغرب العربي، ولاسيما الجزائر وتنقل وترصد نشاطها واتجاهات رجالها.

[45] - مراسلة بتاريخ 4/7/1991م، من مصطفى حداد الذي يقول أنه عثر على ذلك في أرشيف أيكس " فرنسا ".

[46] - بروفنصال، المرجع السابق، ص 10 ـ 12 انظر؛ الملحق، ويذهب مصدر آخر إلى القول بأن شكيب أرسلان قد دعى لحضور مؤتمر طلبة شمال إفريقية سنة 1933 الذي عقد في باريس، ولكن السلطات الفرنسية منعته من الحضور، كما منعت الشيخ عبد العزيز الثعالبي التونسي، وكان مصالي الحاج من بين خطباء هذه المناسبة.
انظر؛ بسيس، المرجع السابق، ص 482، ويقول هذا المصدر أيضاً بأن وثائق وزارة الخارجية الفرنسية تثبت أن كل المناشير التي كان الطلبة الشمال إفريقيون يوزعونها منذ 1935م كانت مطبوعة أو مكتوبة في جنيف.

[47] - بسيس، مرجع سابق، ص 483.

[48] - نفس المصدر.


[49] - الشهاب، جوان " يونيو " 1930، ص 267.

[50] - الشهاب، مارس 1931، ص 211.

[51] - من أوراق أحمد مريوش عن أرشيف أيكس 47. H 9. وجريدة الأمة المذكورة هنا هي التي أصدرها أبو اليقظان بالعربية في الجزائر، وتاريخها 20 مارس 1937م، في نطاق الحديث عن إصلاح ذات البين والتقارب والتقريب بين عناصر الشعب الجزائري وجدنا شكيب أرسلان يوجه " نداء إلى طائفتي الإباضية والمالكية من مسلمي الجزائر " ، وقد أشير إلى ذلك في الدراسة التي قامت بها سهيلة الريماوي في " أوراق محب الدين الخطيب " حيث وجدت ذلك النداء ضمن الأوراق المذكورة، انظر كتاب " تقدير وعرفان " المقدم إلى المرحوم أحمد عزت عبد الكريم من تلاميذه، القاهرة 1976، ص 123، ويبدو أن النداء قد صد أثر الخلاف الذي نشب حول الأذان، حول قضية الآذان وموقف شكيب أرسلان منها، انظر أيضاً محمد ناصر " أبو اليقظان ونضال الكلمة " ص 212.

[52] - وثائق مريوش، رقم 1.612، من تقرير لشرطة قسطنطينة بتاريخ 26 أبريل 1937.

[53] - الحديث نشر أيضاً في جريدة الأمة العربية ماي ـ أوت 1938، وقد نشر ابن باديس نقاشه في الشهاب 12 ديسمبر 1937، انظر محمد الميلي " ابن باديس وعروبة الجزائر " ص 227 ـ 228، ومما يذكر أن السلطات الفرنسيةأخذت في اضطهاد الحركات الاستقلالية المغاربية منذ 1938م، فلجأ الوطنيون بالمغرب إلى تطوان والمناطق الشمالية " الإسبانية " وسلط القمع على مصالي ورفاقه من أعضاء حزب الشعب الجزائري، كما تعرض حزب الدستور التونسي إلى الحل، انظر بسيس، مصدر سابق، ص 488، انظر؛ أيضاً جوزيف ديبارمي " شمال إفريقيا و القومية العربية " في " إفريقية الفرنسية " فبراير 2، 1938.

[54] - محمد ناصر " أبو اليقظان... " ص 70، ويقول المؤلف أن الشيخ بيوض نشر مقالاته على أعداد من 156 إلى 161 من جريدة الأمة وأنه قد وقع باسم " أفلح ".

[55] - نفس المصدر، ص 134.

[56] - نشر ذلك في جريدة " الأمة العربية "، ثم نقلته " الشهاب "مارس 1939م، ص 83.

[57] - الشهاب، نوفمبر 1938م.

[58] - انظر؛ الطيب بنونة، نضالنا القومي، ص 260 ـ 261، وكذلك وثائق مربوش، من أرشيف إيكس 88 H 10.87 H 10.

[59] - انظر روبير رون " أصول حرب الجزائر "، ص 154 ـ 155، وسعد الله، الحركة الوطنية، ج3، ط: 4، ص 245.

[60] - حاضر العالم الإسلامي، انظر " الإصلاح" عدد 25 سبتمبر 1930.

[61] - يروى الطيب بنونة " نضالنا القومي "، ص 168، هامش 7، إن دلى والده عبد السلام بنونة رسائل علي الحمامي، وذكر أن أكرم زعيتر قال أنهم اضطروا في العراق إلى خصم جزء من مرتباتهم شهرياً لعلي الحمامي، ومع ذلك لم يسلموا من انتقاداته.

[62] - نفس المصدر، ص 379، والرسالة من شكيب أرسلان إلى الحاج عبد السلان بنونة، بتاريخ لوزان 28 غشت 1931، دافع أرسلان عن نفسه عندما قيل له في الحديث إلى شخصية مشبوهة مثل عبد الحي الكتاني بسويسرا، فقال أنه إنما فعل ذلك مع الكتاني ليتخذ منه واسطة من جملة الوسائط لتبليغ نصائح لرجالات الشرق تتعلق كلها بأحوال المغرب وشمال إفريقية، انظر؛ بنونة ص 326، ومما يلاحظ أن كتابات أرسلان عن عمر المختار، البطل الليبي المعروف، كانت قد نقلتها الشهاب، بإعجاب، نوفمبر 1931م، ص 691 ـ 701.

[63] - البصائر، العدد الأول 23 يوليو 1947.

[64] - نفس المصدر، عدد 13. 10 نوفمبر 1947، انظر أيضاً آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، 3/ 35.

[65] - نفس المصدر، العدد 71. 14 مارس 1949.

[66] - الإصلاح، عدد 73، 3 مارس 1948، وهذه المعلومات وما قبلها المنقولة عن البصائر مكنني منها الأستاذ الفاضل محمد الحسن فضلاء، فله جزيل الشكر، ويقول الأستاذ فضلاء أنه حضر بنفسه حفل تأبين الأمير أرسلان بالعاصمة " نادي الترقي " سنة 1947م، وأنه كلف بكتابة كلمة عن الحفل فكتبها ونشرها في جريدة" النهضة " التونسية باسمه الصريح، ولكن محمد علي الطاهر نشر الكلمة مغلفة من اسمه في الكتاب الذي جمع فيه ما قيل في أرسلان، وقد رأى فضلاء الكتاب عند الشيخ الطيب العقبي، الذي أرسله صديقه محمد علي الطاهر هدية وليس فيه اسمه.

[67] - د. أبو القاسم سعد الله ـ جامعة الجزائر ـ، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ـ، ط:1، 1996م، 4/ 114 ـ 138.


=================
صفحتنا على فيس بوك: https://www.facebook.com/pages/عين-على-التراث/193428580781257?ref=hl
 
عودة
أعلى