الأمانة العلمية وفيروس التلاصِّ العلمي - د. داليا فهمي السَّيد (مقالٌ نفيس)

إنضم
25/08/2010
المشاركات
32
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
2804alsh3er.png
لا ريب في أننا نعيش اليوم عصر العلم والمعرفة، والفارق هائل ومذهل بين العلم والجهل، مثلما هو كائن بين النور والظلام، والكفر والإيمان، والحياة والموت. ومع ازدياد تغلغل
2805alsh3er.png

لا ريب في أننا نعيش اليوم عصر العلم والمعرفة، والفارق هائل ومذهل بين العلم والجهل، مثلما هو كائن بين النور والظلام، والكفر والإيمان، والحياة والموت. ومع ازدياد تغلغل العلم في حياة الإنسان، واتساع رقعته على وجه الأرض تتفتح آفاق جديدة أمامه، وتصحو آمال وتنتعش طموحات، بل تتحول الأحلام إلى حقائق، ويصبح ما كان ضرباً من الخيال والهذيان، واقعاً حياً نعيشه ونعايشه، كأنه أمر طبيعي وعادي لا يثير فينا أي دهشة أو غرابة. فقد ركب الإنسان الفضاء وابتكر مختلف الأجهزة وقرب المسافات، وفجر ثورة المعلومات، وابتدع وأبدع في كل المجالات، وما زال يأتي ويواصل الإبهارات حتى يرث الله الأرض ومن عليها، هذا يفرض على الباحثين الالتزام بالأمانة العلمية والقضاء على فيروس التلاص العلمي الذي يقوض عروش البحث العلمي.
وأحسب أن القارئ العزيز يتفق معي في أن الأستاذية الجامعية هي جماع لرؤية ورسالة علمية تدوران حول محور مركزي من الالتزام بالأمانة العلمية في التأليف بكل قيمها وشروطها ومقوماتها، وهي في الآن ذاته منطلق المعرفة الجديدة والمتجددة بكل صورها الثرية والمبدعة، فإذا ما انتهكت قداسة ذلك المحور، يصبح مضمون كل بحث شائعاً عقيماً، ويغدو محتوى كل مقال هزيلاً فارغاً، وتمسي فصول كل كتاب سطواً أو تلصصاً، ومن ثم لا نرانا نقول إلا معاداً من أمرنا مكروراً. ولعل ما ينشر ويذكر في كل يوم عن السرقات العلمية في مختلف الدول والجامعات؛ يعد نذير خطر على البحث العلمي العربي، الذي هو الطريق الوحيد والأمثل لتقدم أمتنا، فبدون العلم الحقيقي والبحث العلمي الصادق والمخلص والصحيح لن تعرف أمتنا طريقاً لمواكبة التقدم الحضاري والمدني الحاصل في العالم الأول.
وسنعرض هنا بعض أمثلة فيروس التلاص والسرقة العلمية، فقد أصبح مصطلح سرقة علمية يسيل حبراً كثيراً في الآونة الأخيرة, وامتدّ ما أثاره من أخذ ورد إلى الإنترنت، وكما أدينت إحدى السارقات صاحبة الفعلة عن تعمدها نسخ عشرات الصفحات في أطروحتها وفصول ملف ارتقائها دون إحالات؛ أدين وزير التعليم العالي باعتباره كان على بينة من الأمر, وانحاز رغم ذلك إلى السارقة, فحوّر تركيبة لجنة ترقية الأساتذة المحاضرين وفسح المجال أمام ارتقائها، وأدينت اللجنة التي سمحت بذلك. والذي نريد إبرازه هنا وبقطع النظر عن كون السرقة وقعت، هو أن الصراع لم يقابل بين طرفين أحدهما حريص على النزاهة العلمية ومصداقية الشهادات وقيمة الاجتهاد بل قوبل بين وجهين لعملة واحدة، فاسدة. ومحوره ليس العلم والبحث والعدل والإنصاف؛ بل تصفية الحسابات وقطع الطرق والتحكم في المعادلات داخل القسم الذي ينتمي إليه الطرفان وخدمة هذا اللوبي أو ذاك وعقد الصفقات أو التخطيط لها مبكراً، وغالباً ما تكون الدوافع من صغائر الأمور وتوافهها، لكنها تكبر في عيون الصغار, وتحتل محل المحور من تحركاتهم.
إن اللجان، لجان الانتداب ولجان الارتقاء، وفي ظل انسحاب الأساتذة من عملية الانتخاب يأساً أو خوفاً؛ صارت تُعيَّن بالكامل، تعينهــا الوزارة وتوكِلُ أمر رئاستها إلى أتباعها، وحتى في صورة الانتخاب فإن معظم تركيبتها يعود إلى التعيين الوزاري. وتعيش هذه اللجان أزمة عميقة، علمية وأخلاقية، يذهب ضحيتها عدد من ذوي الكفاءة الذين يقع إقصاؤهم في كل دورة، وقد يسعف الحظ بعضهم بعد الأوان، وقد ييأس ويتخلى نهائياً عن الترشيح للانتداب أو الارتقاء.
أزمة علمية لأن أعضاء هذه اللجان ليسوا دائماً ضالعين في اختصاصاتهم، لكن الاعتبارات الفئوية والولائية والذاتية هي التي غالباً ما تكون وراء اختيارهم أو تكليفهم بالرئاسة. وكثيراً ما يتقدم مرشحون بملفات ذات مستوى رفيع من البحث والاجتهاد دون أن تجد اللجنة الكفيلة بتثمينها، وأزمة أخلاقية لأن الفساد ضارب أطنابه في الوسط الولائي، وسط المتزلفين والمتملقين من الأساتذة، الذين ينتظرون مقابل خدماتهم -السرية والعلنية- لفتة/لقمة يُعيّنون بموجبها في اللجان إن لم يكن في إدارة بعض مؤسسات التعليم العالي أو في دوائر المستشارين. والفساد الذي نشير إليه يتجسد في تفشي الوشاية والسعاية والاحتكام إلى الصداقة والحسابات والمصلحة، والنزول إلى درك الاعتراضات الثأرية، ذات الطابع الشخصي الضيق، بما يجعل القيمة العلمية ثانوية أحيـــاناً، وبمـــا يضرب مصداقية الشهادات ويفتح الباب أمام جيل من المكونين في أمس الحاجة إلى التكوين، وبما ينعكس سلباً على التدريس والبحث وعلى مستوى الطلبة الذين يتخرجون.
إن الأزمة في جوهرها أزمة المجتمع الذي ينخره سوس الاستبداد والفساد، والذي تنهار مراجعه ويصيبه الخراب الفكري والأخلاقي، الذي لا أمل في إصلاحه إلا عبر إعادة الاعتبار للعمل والاجتهاد، والعدل والإنصاف، ولا يتم ذلك إلا بوضع حد للدكتاتورية البائسة وإطلاق الحريات، بما فيها حرية الاختيار، والانتخاب، وإقرار الحقوق بما فيها حق المحاسبة والمراقبة والعزل.
السرقة العلمية التي شاءت الصدف أن يفتضح أمرها، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، في ظل الأوضاع المتردية الحالية، داخل الجامعات العربية وخارجها. سرقات كثيرة، ورسائل وأطروحات من مستوى ضعيف عديدة، وانتدابات وترقيات من قبيل (الأقربون أولى...)؛ تمت وتتم في كل دورة، ولجان لا تحظى بثقة جمهورها لأنها معيّنة، وتعيينها خاضع لمعايير غير موضوعية. إلا أن من أهم وأخطر نماذج السرقات العلمية هو ما حدث في جامعة الإسكندرية من سطو وسرقة أحد أشهر أساتذتها لرسائل جامعية وكتب للغير ونسبتها لنفسه، فقد أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية، أول حكم من نوعه، وقضت فيه بأن مؤلفات أستاذ فلسفة في مصر، مسروقة، كما قضت ببراءة الكاتب الصحافي علاء عريبي من تهمة سب الأستاذ المذكور، لصحة ما كتبه عنه في مقالاته بجريدة (الوفد). وقد صدر الحكم برئاسة المستشار محسن عبد الغفار رئيس محكمة الاستئناف.
وترجع وقائع القضية إلى عام 2000، عندما كتب الصحافي المصري علاء عريبي عدة مقالات عن سرقات أساتذة الجامعة، وكان من ضمنها مقالات اتهم فيها الدكتور علي عبد المعطي محمد أستاذ الفلسفة بكلية آداب الإسكندرية وعميد كلية آداب بيروت سابقاً ومقرر لجنة ترقية أساتذة الفلسفة على مستوى جامعات مصر، بسرقة رسالة ماجستير الدكتور علي حنفي محمود ونشرها في كتاب تحت عنوان (تيارات فلسفية حديثة ومعاصرة). كما اتهمه بسرقة كتاب أفور أكليرك (هوايته, فلسفته وميتافيزقاه) ونسبهما إلى نفسه. وأحال الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي المصري (حينذاك) مقالات علاء عريبي إلى جامعة الإسكندرية للتحقيق، حيث تم تشكيل لجنة من أساتذة الجامعة، وانتهت اللجنة إلى تبرئة الدكتور علي عبد المعطي، وأكدت في تقريرها أن مؤلفاته علمية وأنه حصل بها على درجات علمية وجوائز على مستوى الجمهورية. وتبنى وزير التعليم العالي موقف اللجنة وطالب عريبي بالتوقف عن تشويه سمعة أساتذة الجامعة. ورفض عريبي قرار اللجنة والوزير وواصل حملته، فأقام الدكتور علي عبد المعطي دعوى أمام محكمة جنايات الإسكندرية في 2001، اتهم فيها عريبي بسبه وقذفه. تداولت القضية لمدة عامين في المحكمة إلى أن انتهت إلى أن جميع مقالات علاء عريبي صحيحة، وأن مؤلفات علي عبد المعطي بالفعل مسروقة من الغير. وقضت ببراءة عريبي من تهمة السب والقذف، وألزمت الدكتور عبد المعطي بمصروفات القضاء والمحاماة.
ويعد هذا الحكم الأول من نوعه الذي يفصل فيه القضاء المصري في واقعة بين صحافي وأستاذ جامعي حول مؤلف علمي، وتنتهي فيه المحكمة إلى تأكيد ما كتبه الصحافي. والدكتور عبد المعطي تولى العديد من المناصب الجامعية وأشرف على المئات من الرسائل الجامعية، وظل سنوات طويلة عضواً في لجنة ترقية أعضاء هيئة التدريس على مستوى مصر، ومستشاراً في مكتبة الإسكندرية.
وهذه إحدى المآسي الأخرى المطروحة في شكل بلاغ رسمي جاء فيه:
السادة الأساتذة الدكاترة أعضاء المجلس الأعلى للجامعات
تحية طيبة وبعد،
انتشرت في السنوات الأخيرة ظواهر الفساد العلمي والتعليمي بالجامعات المصرية من تقدم بعض أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية بأبحاث منتحلة أو منقولة وسطو بعضهم على أعمال ومشاريع الغير، ومن نشر وتوزيع كتب دراسية ومذكرات منقولة، وهو ما يؤثر سلباً على سمعة العلماء والباحثين المصريين، كما يلقي بظلاله على مجمل منظومة التعليم الجامعي والبحث العلمي في مصر، وينفي نهائياً أي محاولة للإصلاح الجامعي المزعوم. وقد لاحظنا إهمال إدارات الجامعات التحقيق في الاتهامات بالسرقة العلمية وتواطؤ بعض إدارات الجامعات في ترقية مرتكبي السرقات العلمية وتعيين بعضهم في مناصب جامعية عليا، بل وصل الأمر أحيانًا لحد معاقبة الأساتذة الذين يقومون بكشف حالات السرقة العلمية، ونحن نطالبكم بمحاربة السرقات العلمية بشكل فعال وذلك عن طريق:
إجراء تحقيق علمي نزيه وشامل في كل اتهام بالسرقة العلمية.
توصية رؤساء مجالس التأديب من نواب رؤساء الجامعات بالعمل على تطبيق المادة 110 من قانون تنظيم الجامعات المصرية التي تقضي بأن يعاقب بالعزل كل من يثبت عليه جرم يزري بالشرف أو يمس النزاهة.
إعادة التحقيق في حالات الأساتذة الذين تمت ترقيتهم رغم اتهامهم بسرقات علمية وبالذات الحالات التي يوجد فيها تقرير علمي يثبت السرقة.
إن المجتمع الأكاديمي المصري والدولي سينتظر ردكم وموقفكم من هذه المطالب، وهو الرد الذي نأمل أن يكون إيجابياً ومصحوبًا بالفعل.
كان هذا نص الخطاب الذي قامت مجموعة من أساتذة الجامعات المصرية تعمل من أجل استقلال الجامعات سميت مجموعة 9 مارس بصياغته وتم جمع الكثير من توقيعات أساتذة الجامعة عليه وتم إرساله، ولا أعتقد أن هناك احتياجاً لمعرفة سبب هذا الخطاب، فالأسباب واضحة بالتعريف، فقد انتشرت هذه الظاهرة مؤخراً- للأسف الشديد- وهي ظاهرة مرتبطة بفكرة الرغبة في الترقي السريع دون بذل أي مجهود في البحث العلمي، وهي ظاهرة تستمد الأمن والأمان من اليقين بأن القراءة والمتابعة العلمية لم تعد ضمن الأولويات الأكاديمية, وهو صحيح إلى حد ما. وأخيراً، هي ظاهرة مكملة ومتممة لأشكال متعددة من الفساد المنتشر في كل أطراف الدولة، فهي ليست بالظاهرة النشاز إذن.
ورغم أن موضوع السرقات العلمية التي تعد جريمة بكل المقاييس في الدول التي نحاول الاحتذاء بها في تطوير التعليم والبحث العلمي وتسمي Plagiarism؛ هو من الأولويات الدائمة على أجندة مجموعة 9 مارس؛ فإن ما حدث مؤخرًا في جامعة جنوب الوادي المصرية قد عجل بكتابة هذا الخطاب الذي يحمل احتجاجاً للتعبير عن موقف وللتنبيه, ويقدم مطالب في الوقت ذاته، بالرغم من معرفة واقعة السرقة العلمية فقد تم ترقية صاحبها إلى منصب رفيع!. ولا عجب إذن ألا يكون هناك أي رادع قانوني- بغض النظر عن الضمير العلمي- لذلك التصرف المشين الذي ينتقص من قدر وهيبة أستاذ الجامعة ومن الجامعة كمؤسسة ويفقد مصداقية الأفكار التي تخرج من تلك المؤسسة بكل أطرافها الساعية إلى التطوير والإجادة وتنمية المهارات.
وفي مصر احتفى أتيلييه القاهرة، بالسرقات العلمية والأدبية، إذ أقيمت ندوة كبرى لمناقشة كتاب الدكتورة أماني فؤاد (المجاوزة في تيار الحداثة بمصر بعد السبعينيات) وعلى الرغم من أن المناقشين والحاضرين كانوا من كبار النقاد والمثقفين والشعراء، لم يتنبه أحدهم إلى أن ما بين يديه عملية (سرقة علمية) وربما تنبه البعض، لكنه آثر الصمت. لقد كانت بداية تنبهي إلى هذه الجريمة العلمية عندما جاءني الكتاب، وأغراني عنوانه بالقراءة وإذا بي أشعر بأني اقرأ شيئاً سبق أن قرأته، ولأن الكتاب معني بشعر الحداثة، أسرعت ذاكرتي إلي مؤلفات صديق عمري الدكتور (محمد عبد المطلب)، فاستحضرت بعضها الذي اهتم بدراسة شعر الحداثة عموماً، وشعر السبعينيات على وجه الخصوص، فهالني ما فعلته الباحثة من سطو صريح على هذه المؤلفات.
وقد لجأت الباحثة إلى مداراة سرقتها بأن تذكر المرجع الذي أخذت منه في جزء يسير، لكنها في مقابل ذلك كانت كثيراً ما تتجاهل تحديد مرجعها، لتوهم القارئ أن ما تقدمه، هو جهدها الخاص في قراءة شعر ما بعد السبعينيات، والمجال لا يتسع لرصد كل السرقات في هذا المؤلف الذي يربو على أكثر من 370 صفحة من القطع الكبير، فهذا أمر في حاجة إلى كتاب كامل، ومن ثم سأذكر بعض هذه السرقات، والمذكور يدل على المتروك, فالملاحظ أن السرقة العلمية في كتاب أماني فؤاد أخذت مسلكين متقاربين:
المسلك الأول، فهو أن تأخذ الباحثة بعض الأسطر من كتاب للدكتور محمد عبد المطلب، ثم توثق ما أخذته بذكر المرجع الذي أخذت منه، لكنها بعد ذلك تستمر في الأخذ، صفحة أو أكثر، دون أن تذكر مرجعها الذي تنقل منه، وكأن ما تقدمه من إنتاج عبقريتها، ويمكن أن نتابع بعضاً من ذلك في الصفحتين (108، 109) من كتاب الباحثة، حيث قدمت بعضاً من الأسطر المأخوذة من كتاب عبد المطلب (هكذا تكلم النص) ووثقتها بالمرجع، ثم اتبعت ذلك بصفحة كاملة، على أنها من جهدها الخاص، على الرغم من أنها منقولة حرفياً من الكتاب المذكور (ص 15) وهو ما صنعته أيضاً في صفحة (112) من كتابها، حيث أخذت فقرة موجزة من كتاب عبد المطلب (النص المشكل) وذكرت مرجعها، ثم استمرت بعد ذلك في النقل الحرفي من الكتاب المذكور على أنه من عبقريتها، لأنها لم تذكر مرجعاً لها: (ص 30) من النص المشكل.
أما المسلك الآخر الذي سلكته الباحثة، فهو أن تسطو على بعض الدراسات والتحليلات النصية، مدعية أنه من قراءتها الخاصة، فلا تذكر أي مرجع لها، ويمكن أن نتابع شيئاً من ذلك في دراستها لنص الشاعر البحريني قاسم حداد في الصفحتين 128، 129 من كتابها، والدراسة نقل حرفي من كتاب (النص المشكل) ص (77) والعجب أن الباحثة لم تنتبه إلى أن هذا الشاعر من البحرين، ودرسته بوصفه شاعراً مصرياً.
على هذا النحو تسطو الباحثة على دراسة عبد المطلب لقصيدة الشاعر السوري محيي الدين اللاذقاني، وتقدمها على أنها من قراءتها الخاصة في ص (140، 141) والدراسة بحرفيتها في كتاب عبد المطلب السابق ص (226) واستمر الخطأ السابق في اعتبار اللاذقاني شاعراً مصريا من شعراء ما بعد السبعينات.
وتمتد السرقة إلى قراءة عبد المطلب لقصيدة محمد آدم (اخلع عني الجسد) الذي أوردته الباحثة في كتابها صفحة (155) سرقة من كتاب النص المشكل ص (183), وهكذا الأمر مع نص محمد فريد أبوسعدة ص (167) من كتاب أماني فؤاد، المسروق من النص المشكل (374، 376), ثم تتابع السرقة لتلاحق دراسة عبد المطلب لقصيدة محمد الحمامصي في صفحتي (187، 188) وقد كانت دراسة عبد المطلب في (النص المشكل) ص (555، 557) ونص رفعت سلام ص (191) المسروق من كتاب (هكذا تكلم النص) ص (36).
هذا بعض من كل السرقات المباشرة، أما السرقات غير المباشرة، فهي غير قابلة للحصر، ولكي نوثق ادعاء السرقة على الباحثة، سنقدم نصين، أحدهما لأماني فؤاد من كتابها (المجاوزة في تيار الحداثة) والآخر لعبد المطلب من كتابه (النص المشكل) وكل منهما قراءة تحليلية لقصيدة قاسم حداد (تآلف) وسوف نترك للقارئ الحكم:
تقول أماني فؤاد:
«من منطلق هذه الفردية، سمح نص الحداثة لنفسه أن يستحدث حالة بلاغية مفارقة، وإيقاعية مفارقة، ودلالية مفارقة، لكنه أوغل في الأخيرة، حتى أصبحت ألا دلالة بديلاً شرعياً للدلالة، ومن منطلق هذه الشرعية، لايمكن مطالبة النص أن يقول شيئاً، فهذا ضد طبيعته المراوغة، فهو كالأخرس الذي لا تدل أصواته على معنى من المعاني، ومن يرد شيئاً من النص.. عليه أن يتعامل مع شفراته، أي يتعامل مع الصمت، لا مع الصوت» ثم يأتي بعد هذا التقديم نص قاسم حداد, (كتاب المجاوزة في تيار الحداثة: 128).
ولنقرأ الآن ما كتبه عبد المطلب في كتابه (النص المشكل: 77):
«وبحق هذه الفردية، سمح نص الحداثة لنفسه باستحداث بلاغية مفارقة، وإيقاعية مفارقة، ودلالية مفارقة، لكنه أوغل في الأخيرة حتى أصبحت (اللادلالة) بديلاً شرعياً للدلالة، وبحق هذه الشرعية، لا يمكن مطالبة النص أن يقول شيئاً، ومحاولة قهره على معنى من المعاني، محاولة ضد طبيعته المراوغة، فهو كالأخرس الذي لا تدل صوتيته على معنى من المعاني، ومن يرد التواصل معه، فعليه أن يتعامل مع إشاراته وحركاته ورموزه، أي أنه يجب أن يتعامل مع صمته، لا مع صوتيته». (ثم يتبع عبد المطلب هذا التحليل بنص قاسم حداد).
وإذا كنت قد تابعت في هذا المقال الموجز بعض سرقات الباحثة من مؤلفات الدكتور محمد عبد المطلب، فإني بصدد متابعة باقي السرقات من أدونيس وإدوار الخراط وجابر عصفور وصلاح فضل.. وسواهم، وأظن أنه لن يبقى للباحثة بعد إلا العنوان الخارجي، وحتى هذا العنوان، كان دليلاً على عدم وعي الباحثة بما أقدمت عليه، فالعنوان عن المجاوزة بعد السبعينات دون تحديد: أي مجاوزة تقصد؟ المجاوزة في الشعر، أم في النثر؟ وإذا كانت المجاوزة في الشعر بعد السبعينات، فهل الشعراء الذين درستهم، من السبعينيات؟ وهل شاعر مثل قاسم حداد، ومحيي الدين اللاذقاني، وشاعرة مثل ظبية خميس من مصر؟ لقد صدق القول: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
سرقات من المحيط إلى الخليج
ومن المغرب اكتشف أحد الأساتذة سرقة اقترفها أستاذ سوري فكتب يقول:» وأنا أتصفح العدد رقم 349 بتاريخ شباط 2007، من المجلة الداخلية لحزب البعث العربي الاشتراكي المناضل فوجئت بوجود دراسة معنونة بـ(رؤية حول الإرهاب الداخلي والإرهاب الدولي) لصاحبها د.محمد الجبر الأستاذ بجامعة دمشق بسوريا، وهي دراسة لم يخجل فيها صاحبها من ممارسة أقصى مظاهر القرصنة والسرقة العلميتين، حيث قام بنقلها كاملة وبمراجعها المعتمدة بشكل حرفي مهين من إحدى دراساتي المعنونة بـ:(الديموقراطية الأمريكية لمكافحة الإرهاب), المنشورة بمجلة شؤون عربية التي تصدرها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بمصر في عددها 125 ربيع 2006. الصفحة 166 وما بعدها؛ وذلك دون الإشارة إلى هذا المصدر. ويمكنكم المقارنة بين الدراستين المرفقتين للوقوف على حقيقة هذا السلوك, ويمكن الاطلاع على الدراسة المنقولة في الموقع:
http://www.baath-party.org/monadel/n...nadil349_5.htm
وطبعا سأظل محتفظاً بحقي في متابعة هذا الدكتور قضائياً وإعلامياً وفي أوساط المثقفين والجامعيين السوريين والعرب, وللإشارة فقد بعثت برسالة في هذا الموضوع إلى الجامعة السورية وأخرى لإدارة مجلة المناضل التي نشرت الدراسة المنقولة وأخرى لإدارة تحرير مجلة شؤون عربية التي نشرت الدراسة الأصلية وتملكها، حتى تنكشف حقيقة ما اقترفه من جرم في حق العلم، ويصبح مثالاً لرواد القرصنة؛ وبخاصة وأن هذه الممارسة الشنيعة تتناقض مع أبسط المهام التي تفرضها الرسالة النبيلة للأستاذ والباحث، فهذا الأخير مطالب بمنح طلبته مثالاً وقدوة فيما يتعلق بشروط البحث العلمي والأمانة العلمية. وفي الحقيقة فقد صدمت بوجود عناصر من هذا النوع في أوساط الجامعة السورية المعروفة بجديتها ومصداقيتها عربياً، وزاد من صدمتي أيضاً عندما نشرت له الدراسة المسروقة مجلة محترمة يصدرها حزب عربي عريق، والتي كان من المفروض أن تتريث قبل الإقدام على نشر السرقات.
مع تقديري لكم وأملي في أن تمارسوا واجبكم في التشهير بهذه السلوكيات اللامسؤولة التي تسيء للباحثين وللفكر عموماً. ويمكنكم الاطلاع على الدراستين المرفقتين للوقوف على هذه السرقة» توقيع: د. إدريس لكريني, أستاذ جامعي من المغرب.
مساومات وتهاونات
في الكويت شاعت سرقة البحوث العلمية، خصوصاً في الأوساط التعليمية، حتى وصلت إلى جامعة الكويت، التي من المفترض فيها أن تكون الحصن المنيع أمام هذه الفضيحة التي تحولت إلى ظاهرة، ووصل الأمر إلى عقد مساومات بين بعض لجان تقييم البحوث، مع عدم وجود حيادية، بالإضافة إلى ترقيات عمداء وأساتذة عن طريق تمرير أبحاث مسروقة، وعدم خضوع بعض الكتب التي تدرَّس في الجامعة لمجلس النشر العلمي لمراجعتها وإعادة تقييمها. فالسرقات العلمية هي الطريق السهل الذي يسلكه اليوم عدد ليس بقليل من أساتذة الجامعة، بهدف تحقيق مكاسب مادية وعلمية، متساوياً مع من اجتهد وبحث، بل إن البعض يأخذون الفكرة من غيرهم وينسبونها إلى أنفسهم. والجدير بالذكر أن البحوث العلمية هي أحد الأنشطة الأساسية للجامعات وتطلب توافر كل عناصر الأمانة العلمية في الجامعة، لكن المفارقة أن يكون الأساتذة أنفسهم هم من يقوم بسرقة اجتهادات الآخرين.
لقد وصل الأمر حد أن يكلف بعض الأساتذة طلبتهم بمشاريع بحثية ثم ينسبونها إلى أنفسهم، ومن ثم يكافؤون عليها في ظل غياب الضمير والأمانة العلمية. رغم أن نتاج العقل له حرمة يجب أن تصان بمقتضى احترام حقوق الملكية الفكرية، التي تعاقب كل من يحاول سرقة بحوث الآخرين.
في هذا الصدد يقول أستاذ علم النفس بكلية التربية-جامعة الكويت د.صلاح مراد «إن العلم تراكمي ولا يستطيع أي باحث أن يكمل بحثه من دون الاطلاع والاقتباس من بحوث سابقة، لكن الاقتباس يتطلب الإشارة بوضوح إلى المصدر الذي استقى منه بعض المعلومات، التزاماً بالأمانة العلمية واحترام ملكية الآخرين»، وفي هذا الخضم من السرقات العلمية دعا إلى «ضرورة اجتهاد المجلات العلمية وتفعيل دورها للوقوف في وجه هذه الظاهرة»، وأرجع السبب في ذلك إلى «التهاون الذي يحدث أحياناً من بعض لجان التحكيم من قبل المجلة التي تقوم بنشر البحث العلمي».
وهو أيضاً لا يغفل مسؤولية الأستاذ الجامعي المشرف على البحوث إذ أكد مراد أنه يقوم في إطار حرصه الدائم على التأكد من سير البحوث في مسارها الصحيح بعمل إعادة مراجعة أثناء تقويمه لكل بحث مقدم إليه، لافتاً إلى أنه يستطيع المعرفة بسهولة ما إذا كانت فكرة البحث مقتبسة أو منقولة من أبحاث أخرى، وما إذا كان يحتوي على إضافة علمية، ولم ينفِ اكتشافه بحوثاً مقتبسه سابقاً، حين تقدم له أحد الأساتذة ببحث بداعي الترقية، ففوجئ بأن البحث مقتبس من بحث آخر من دون الإشارة إلى ذلك، فقام بإعطائه تقدير (ضعيف) من دون اتخاذ أي إجراء آخر، على الرغم من وجود قانون الملكية الفكرية في الكويت الذي يتيح لصاحب أي بحث مقاضاة من اقتبس من بحثه من دون الإشارة إلى اسمه.
وأوضح مراد أن هنالك «أسساً منهجية للبحث، فإذا لاحظنا وجود خلل في اتباعها فإننا نلفت نظر الباحث، ونقدم تقريراً كاملاً عن جميع الثغرات في بحثه, ولكننا يجب أن نعرف أنه لا يمكن لأي باحث أن يتجنب وجود بعض الثغرات في بحثه»، مشيراً إلى «عدم وجود آلية معينة بين الدول العربية للحد من ظاهرة سرقة البحوث العلمية، ولا يوجد تعاون في مجال البحث العلمي، ولا حتى في الجامعات الأجنبية».
من جهته أكد أستاذ علم النفس بجامعة الكويت الدكتور عواد الغريبة «عدم وجود ضوابط واضحة في الوطن العربي من شأنها تفعيل الحماية الفكرية للمؤلفات، بالرغم من وجود اقتباسات كاملة تصل إلى مرتبة السرقة، في حال عدم الإشارة بوضوح إلى المصدر الذي اقتبس منه المعلومات»، مبيناً أن الأمر «لا يقتصر على البحوث العلمية فقط، لكنه شاع بين كل نتاج علمي في الوطن العربي»، مستشهداً بالعديد من الكتب التي نقلت بالكامل من مؤلفات أخرى، أو كلف المؤلف شخصاً آخر بتأليف الكتاب، بسبب «عدم خضوع العديد من الكتب التي تدرس في جامعة الكويت إلى مجلس النشر العلمي»، لافتاً إلى أن «الكتب التي تخضع لمجلس النشر العلمي تكون موثقة، بعد التأكد من ذكر المؤلف بوضوح لكل مصدر استقى منه بعض المعلومات»، واعتبر أن «دور النشر لعبت دوراً كبيراً في زيادة هذه المسألة، حيث سهلت جميع الأمور وأزالت جميع العقبات أمام الدكتور (صاحب الكتاب) فما عليه سوى دفع المصاريف وتتولى الدار مسؤولية التأليف».
وأكد الغريبة وجود ما يقارب 443 نتاجاً علمياً من ضمنها 16 بحثاً مقتبسة من أبحاث أخرى في جامعة الكويت وبعضها مقتبس حرفياً والآخر جزئياً»، مطالباً بـ«تحويل أصحابها جميعاً إلى لجنة التحقيق كما ينص قانون الجامعة، وفتح تحقيق في بحوث السنوات الثلاثة الأخيرة وإعادة تقييمها، وإذا تمت التحقيقات بشفافية فإن اللجنة ستجد العديد من البحوث التي مرت مجاملة، وأخرى تمت إعاقتها على الرغم من جودتها ودقتها»، مستغرباً وجود لجنة تحقيق «وعدم وجود لجنة لتقصي الحقائق بجامعة الكويت»، وقال «إن سرقة البحوث العلمية والترقي بصورة غير شرعية يساعد السارق على تخطي الزملاء، والحصول على أسبقية في الدرجة العلمية والمناصب، متساوياً بذلك مع من تعب واجتهد».
وتناول الغريبة سلبيات وجود (الأستاذ الدكتور) في لجنة التقييم، الذي له الكلمة العليا في التقييم، قائلاً إن «معظمهم يتم اختيارهم في لجنة التقييم إما لتسهيل بعض المهمات وإما لإعاقة بعض البحوث»، خصوصا أن «الأستاذ الدكتور غير كويتي الجنسية، ويخضع إلى عميد الكلية الذي يبدي الموافقة على تجديد عقده»، مشيراً إلى أنه «كيف يجوز أن يكون عضو لجنة التقييم على مستوى القسم هو نفس العضو على مستوى الكلية»، وتعجب من «علانية اللجنة للباحث، الذي يقوم بعمل الاتصالات اللازمة مع أعضائها»، مشدداً على ضرورة «التراجع عن هذا المبدأ وجعلها سرية»، وتساءل الغريبة «كيف يشغل الأستاذ الجامعي منصباً إدارياً كعميد كلية، ويترقى أثناء منصبه من رتبة أستاذ مشارك إلى أستاذ دكتور على سبيل المثال، فهل عمله الإداري أعطاه الفرصة للتفرغ لإعداد البحث؟»، مطالباً بضرورة «توجيه أسئلة برلمانية سبق أن وجهت إلى الإدارة السابقة، والتي سأل فيها النواب عن عدد الأشخاص الذين ترقوا أثناء شغلهم مناصب قيادية في جامعة الكويت».
أستاذ علم النفس بكلية التربية الدكتور صالح إبراهيم تحدث عما أسماه (تجنيد الطلبة) الذي يقوم فيه الدكتور الذي تتطلب رسالته إجراء بحث أو استبيان «بتكليف الطلبة بعمل البحث ثم ينسب ذلك إلى نفسه»، واستهجن «عدم وجود قوانين صارمة تعاقب كل من قام بسرقة البحوث»، مؤكداً وجود «العديد من الأساتذة في جامعة الكويت الذين يسلكون هذا الطريق»، مشيراً إلى «كثرة الحالات في جامعة الكويت التي ثبت أن أصحابها خانوا الأمانة العلمية»، وطالب بضرورة تطبيق مبدأ الثواب والعقاب من خلال «وضع ضوابط صارمة تصل إلى الفصل النهائي في حال إثبات خيانة الباحث مبدأ الأمانة العلمية، مقابل مكافآت وترقيات في حال نجاح البحث»، وأوصى إبراهيم بضرورة «إعادة تقييم البحوث التي نوقشت في السنوات الثلاث الماضية والتي إن حدثت فسستكشف وجود العديد من الأخطاء».
ويوجد على مكتب الدكتور صالح إبراهيم أحد كتب زملائه بالكلية «المقتبس بالكامل من كتب أخرى، ودائماً ما يستشهد به أمام زائريه على أنه نموذج حي للانتهاك الواضح للأمانة العلمية في جامعة الكويت». وأشار إلى تفشي مبدأ تبادل المنفعة والذي يمكن أن نسميه تبادل الضرر إذ إن هناك «بعض المساومات التي تحدث بين لجان التقييم في مختلف الكليات في الجامعة، حيث تقوم لجنة التقييم بإنجاح بحث يخدم عضو في لجنة ما مقابل ضمان تمرير بحث في لجنة هذا العضو».
ضرورة وضع قواعد صارمة
أما عن رأي القانون فلا بد أن يكون للقانون رأي في موضوع حيوي يمس مسيرة التقدم العلمي ويجرد بعض الباحثين من حقوقهم الفكرية, ولذلك أوضح المستشار القانوني والي الدولاتي أن جريمة السرقة وحسب القواعد العامة في ظل القانون الجزائي هي سرقة مال منقول مملوك للغير بنية تملكه، ومفاد ذلك أنه لكي تكون هناك جريمة سرقة يجب أن يتوافر فعل الاختلاس وأن يكون محل الاختلاس مالاً منقولاً مملوكاً للغير، وهذا يمثل الركن المادي في الجريمة، فضلاً عن ذلك لا بد من توافر القصد الجنائي أو الركن المعنوي.
وأشار إلى الجدل الذي أثير في الماضي بين الفقه والقضاء بشأن مدى إمكان اعتبار المعلومات من الأموال، وهل يمكن أن تشكل المعلومات مادة لفعل الاختلاس الذي يعد من عناصر جريمة السرقة؟ وأفاد بأن جانباً من الفقه اعترض على اعتبار المعلومات من قبيل الأموال، تأسيساً على أن المعلومة ليست من قبيل الأشياء، ذلك لأن جرائم الأموال لا تحمي سوى المنقولات والأخيرة لا تعتبر من الأشياء، كذلك المعلومة لا ترد عليها الحيازة وجرائم السرقة تقع عدواناً على الحيازة, والمعلومة لها كيان معنوي، والحيازة لا يمكن تصورها إلا بالنسبة للأشياء المادية، كذلك فإن المعلومة تختلف عن المنقولات في أنها تبقى مدونة على الدعامة التي تحملها على الرغم من نسخها. وقال الدولاتي إن المشرع في كثير من بلاد العالم تدخل لينهي هذا الجدل وأصدر قوانين خاصة لحماية حقوق الملكية الفكرية وجرم الاعتداء عليها، وسارع المشرع الكويتي بالانضمام إلى الاتفاقيات الدولية والعربية الخاصة بحق المؤلف وإصدار القانون بالمرسوم رقم 5 لسنة 1999 الخاص بحمايته، كما فرض الحماية عليه، فنص على أن يتمتع بحماية هذا القانون مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أياً كانت قيمة هذه المصنفات أو أنواعها أو الغرض من تأليفها أو طريقة التعبير عنها، وخص بالحماية المصنفات المكتوبة والمصنفات التي تلقى شفاهاً كالمحاضرات والخطب والمواعظ الدينية وما يماثلها، وكذلك مصنفات الحاسب الآلي من برامج وقواعد بيانات وما يماثلها، والمصنفات المشتقة والمترجمة، وتشمل الحماية كذلك عنوان المصنف إذا كان متميزاً بطابع ابتكاري ولم يكن الموضوع قائماً على مصالح مشتركة.
وفي خصوص سرقة البحوث العلمية أكد دولاتي أنها تقع بلا شك تحت طائلة الجزء المذكور في قانون حق المؤلف الصادر بمرسوم رقم 5 لسنة 1999، علاوة على أن المعتدي يلتزم بتعويض صاحب حق المؤلف إذا نتج عن فعل الاعتداء ضرر أصابه، بالإضافة كذلك إلى الجزء الإداري إذا كان هناك محل لتطبيقه.
أما إن كانت سرقة البحوث تحدث من بعض الطلاب والأساتذة فالمصيبة أخطر وأعمق، والمفترض في هؤلاء أن يكونوا الحصن المانع لمثل هذه الاعتداءات التي تنتفي وقواعد الأمانة العلمية، متمنياً على المنظمات التعليمية وضع قواعد تأديبية صارمة تقف حائلاً أمام كل من يخون الأمانة العلمية.
سرقة مع سبق الإصرار والترصد
في المملكة العربية السعودية كتبت الباحثة الفاضلة منيرة بنت محمد بن ناصر الدوسري رسالتها للماجستير بعنوان (أسماء سور القرآن وفضائلها) وتقدمت بها إلى كلية الآداب للبنات بالدمام شرق السعودية، وأشرف عليها أحد أساتذة الدراسات القرآنية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر هو الدكتور جمعة على عبد القادر عندما كان معاراً للعمل في تلك الكلية في صدر التسعينات كما يقول في التعريف بنفسه، ثم نوقشت هذه الرسالة في شهر شوال عام 1418هـ وشارك في مناقشتها الأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي، والدكتور محمد محمد القاسم.
وطبعت الرسالة عام 1426هـ في دار ابن الجوزي في الدمام، وقد أشير إليها على منتديات الإنترنت تحت عنوان صدر كتاب (أسماء سور القرآن وفضائلها) للدكتورة منيرة الدوسري, وقد بذلت الباحثة في رسالتها تلك جهداً مشكوراً، وقدمت دراسة قيمة في بابها مع الصعوبات التي تعترض الباحثات بوجه خاص، وصعوبة الوصول لبعض المصادر، وبالرغم من ذلك فقد تميزت رسالتها بالرجوع لعدد كبير من المصاحف المخطوطة التي أغنت البحث في باب تسمية السور بشكل ظاهر تشكر عليه الباحثة وفقها الله.
ثم حدثت طامة كبرى إذ قام المشرف على الرسالة بطباعتها باسمه عام 1424هـ مع تغيير العنوان إلى: معالم سور القرآن الكريم وإتحافات درره - نظرة جديدة في التفسير الموضوعي، وقد أخذ رسالة الباحثة برمتها وهوامشها مع بعض التعديلات والزيادات الطفيفة. ويمكن إجمال التعديلات التي أحدثها على الكتاب فيما يلي
تغيير صيغة العنوان من (أسماء سور القرآن وفضائلها) إلى (معالم سور القرآن الكريم وإتحافات درره - نظرة جديدة في التفسير الموضوعي).
استبعاد مقدمة الباحثة وخاتمتها وفهارس الرسالة، وكتابة مقدمة وخاتمة إنشائية من عنده لا روح فيها.
قدم للكتاب عميد كلية أصول الدين الأستاذ الدكتور منيع عبدالحليم محمود وفقه الله بمقدمة أثنى فيها على الكتاب وأسلوبه الأدبي البديع! ولا ألومه فهو لم يعلم بحقيقة الأمر. كما قدم للكتاب أيضاً الأستاذ الدكتور محمد سالم أبو عاصي الأستاذ بالكلية وحاله كحال العميد لم يعلم بالأمر فيما أظن.
قام الدكتور بالترجمة لبعض الأعلام الذين أغفلتهم الباحثة – قصداً- لشهرتهم، فقد شرطت الترجمة للأعلام غير المشهورين، فأغفلت الترجمة لأبي بكر الصديق والشافعي، فقام بالترجمة لهم.
ذكر مسيرته العلمية فذكر أنه قد عمل في المدينة المنورة عام 1402هـ، وأن فكرة الكتاب قد بدأت معه منذ ذلك الحين، ثم ما زالت الفكرة معه في رحلته للعمل مرة أخرى في كلية الآداب للبنات في الدمام، فقال: «وقد أفدت من فكرته -أي الكتاب- بعضاً ممن أشرفت عليهن بكلية الآداب سالفة الذكر حيث حصلت إحدى الباحثات على رسالة لها بمرتبة الشرف الأولى استمدت فكرتها وموضوعها مما كنت أعددته لبناء هذا الكتاب في بعض جوانبه فلما انتهت إعارتي تلك وعدت إلى كلية أصول الدين جامعة الأزهر حيث علمي بها كان كل شيء بتوفيق الله عز وجل يقوم على خدمة هذا الكتاب قد اكتمل، وبدأت أكتب كتابي الماثل بين يدي القارئ، وكنت أتمهل وأتروى في إعداده حتى يخرج إلى النور وقد مسته ركيزة التروي والأناة».
وأنا أعجب من هذا الزمن الطويل الذي بقيت فيه هذه الفكرة في ذهن المؤلف حتى إذا ناقشت الباحثة الرسالة، وجد المادة العلمية قد اكتملت بين يديه فتطابقت تماماً مع بحث الطالبة، والغريب أنه حين سرد الرسائل التي أشرف عليها في التعريف بنفسه لم يشر إلى هذه الرسالة التي أعدتها الطالبة منيرة الدوسري تحت إشرافه.
أضاف إلى كتاب الباحثة أيضاً ذكر مكان نزول السورة، وعدد آياتها، وحروفها، وترتيبها على وجه الاختصار في أول كل سورة، وحاول تغيير بعض العبارات فلم يوفق .
قام بنقل حواشي الباحثة برمتها، ومنها الحواشي التي تذكر فيها الباحثة إطلاعها على مصاحف مخطوطة في الرياض بجامعة الملك سعود وجامعة الإمام، وفي بيت القرآن بالبحرين. ولا أدري كيف اطلع الدكتور عليها في تلك الأماكن مع إنه لم يشر إلى زيارته لتلك المناطق في سيرته، وكونه لا يستطيع الاطلاع على تلك المصاحف بنفسه لكونه ليس بصيراً منذ كان في السادسة من عمره كما ذكر .
نحلة تزن تحت قبعتي
إن تلك السلوكيات الشائنة من شأنها أن تجعل هناك ضحايا تطفأ شعلة عطائهم وهي في أوج توهجها، في حين أن استمرارهم في العطاء ينتصر ويستمر لأنهم في النهاية أهل علم، وهناك أمر مهم قد يغفل عنه كثيرون هو أن القذف بإنسان كفء مخلص نشيط واع، يشل حركته تماماً ويسارع بهدمه وتحطيمه، فتغزوه الأمراض، ويدفع ضريبة العمل الثقافي العام، إن لم يكن هناك من يعي ويفهم المغزى الحقيقي وراء محاولة هدمه، ولأن كاتبة هذه السطور تعتبر المجلة العربية منبراً حراً للحوار الجاد حول كل قضايانا من وجهة نظر الفكر الخالص لأنها تمنح الحق لكل من يتمتع بواجب الدفاع وبالموهبة والقدرة الصحيحة على تبسيط وتوضيح الأشياء والبحث في مكمون فلسفتها، لذا فإنه في عصر العلم والمعرفة الذي نعيشه، تصبح قضية الأمانة العلمية من أخطر قضايا الفكر الخالص وكم كتبت محذرة من فيروس النقل (قصاً ولصقاً) من كتابات الآخرين ليستوي منها كتاباً أو مقالاً يزعم الناقل أنه اجتهد وألف، في حين أنه غش ولفق.
ألفيت أن هذه المدرسة في الكتابة والبحث، خاصة في مجال تبسيط العلوم، استشرى داؤها، فَتُنقل فقرات بالمئات، وصفحات بالعشرات من كتب أخرى دون حياء، أو وخز ضمير، والحاصل أنه لا يشغلها إلا أن تؤلف (كتباً) لا تعثر فيها على بعض التنقيح أو الإضافة أو التطوير في طبعاتها. ومما يقلقني حقاً أن أجد هذه المدرسة المخادعة في التأليف، والمحطمة لمحور الأمانة العلمية، قد استقرت في كثير من الحالات نموذجاً يحتذى في كتابة المقالات والكتب، والأدهى في رسائل الماجستير والدكتوراه، على مظنة أن الرسالة في عافية من ذلك الميكروب، طالما أقرها الأستاذ المشرف والقسم العلمي، وأجازوها للمناقشة، وما يزيد الطين وحلاً ألا تلتفت اللجان العلمية لترقية أعضاء هيئة التدريس أحياناً إلى ارتكاب هذا الإثم لدى بعض المتقدمين للترقية، كما تتساهل بعض الهيئات الجامعية المنوطة بحراسة الأمانة العلمية في ردع أولئك الذين يخترقون حرمتها وحرمها، وهي اللحن الرئيس المميز في إنتاج المعرفة الجامعية.
إن علينا أن نتعلم من الجامعات البريطانية، حينما قامت بتجربة جديرة بالاقتداء، فبعد أن واجهت الجامعات البريطانية مخاطر تدهور مستوى طلابها وبعض أساتذتها بعد أن اشتهر كثيراً منهم بسرقة أبحاث وأفكار آخرين من خلال شبكة الإنترنت، في الوقت الذي يتعين فيه على هؤلاء إطلاق العنان لأفكارهم ومخيلاتهم من أجل إثراء عملية التعلم والارتقاء بالتعليم والبحث العلمي، عقد رؤساء كبريات الجامعات البريطانية أخيراً اجتماعاً بحثوا فيه سبل مكافحة تزايد ظاهرة الغش من الإنترنت، بعد أن تزايدت ظاهرة سرقة أبحاث الآخرين ما يهدد مسيرة تطور الجامعات. وقد أسفر هذا الاجتماع عن قرار بشن حرب ضد سرقة أفكار الآخرين، أطلق عليها (الحرب على جيل جوجل) نسبة إلى أكبر محرك بحث على الإنترنت، الذي يتهم أتباعه بالاكتفاء بقص أبحاث الآخرين من الإنترنت ولصقها في أبحاثهم من دون أدنى مجهود من جانب الطالب. لذا اتفقت الجامعات البريطانية الكبرى مثل أكسفورد وكامبريدج على تشكيل لجنة مشتركة للتوصل إلى تعريف يحدد بدقة الوصول إلى مرحلة توجيه الاتهام بالغش وسرقة الملكية الفكرية، فبعض الجامعات البريطانية طالبت بتوجيه الاتهام لمن يقوم بسرقة الملكية الفكرية للآخرين إذا ما تبين قيامه بلصق عشر كلمات في بحثه تتشابه بصورة طبق الأصل من عشر كلمات موجودة في بحث منشور على شبكة الإنترنت، في حين طالبت جامعات أخرى بتوجيه الاتهام بالغش في حال تبين أنه اقتبس ثلاث جمل من بحث آخر من دون أن يذكر بوضوح المصدر المنقول عنه.
لذلك كله سأظل داعية وصارخة ومنذرة ومحذرة من تداعيات ما يترتب على مختلف صور الانتهاكات العلمية في التأليف والكتابة، وكأنما هناك (نحلة تزن تحت قبعتي) حسب تعبير إحدى الشخصيات في مسرحية من مسرحيات وليم شكسبير، وكنت قد توجهت من قبل بالنقد لعميد تلك المدرسة في التأليف باعتباره أول من ابتكرها، وسار كثيرون على نهجه ودربه، وظننت أنه كان وقد اجترأ على قدسية الأمانة العلمية في كثير من كتاباته فلا أقل من أن يكفر عن خطيئته بعد ما حررت عنه مقالات تكشف عن تلك الممارسة الشنيعة، دون ذكر لاسم صاحب تلك الطريقة، وإن كنت قد ألمحت إلى بعض تلك الكتابات، وخيل إلي أنني قد أسمعت، لكن ظني خاب، فقد ظل المذكور سعيداً بتزييفه، كما ظل غيره ممن يخوضون في مزالق النقل والقص واللصق سعداء وفي غيهم سادرين.
من ثم فإني أدعو أصحاب هذه الطريقة ومن هم على شاكلتهم من التابعين إلى أن يعلنوا توبتهم أو أن يقدموا دفاعهم عن صحيفة اتهامي لهم لما يرتكبوه من تلاص علمي في حق الأمانة العلمية والمعرفة الثقافية الطاهرة، وإلا يجب تجريدهم من كل احترام مما يستحقه الكتاب والأساتذة العظام، وعلى جميع الحريصين على عافية البحث والتأليف وتبسيط العلوم واجب التصدي لمقاومة كل سطو أو تلاص يشوه جلال المعرفة الصادقة الأمينة.
والله من وراء القصد.
المصدر :المجلة العربية
 
جزاك الله خيراً وبارك فيك وفي كاتبة المقال ،
أقول من بدأ حياته العلمية بسرقة جهود الآخرين أنا يبارك له فيه .................
سؤال لأخي كاتب المقال حول عبارة ..... السرقة العلمية التي شاءت الصدف أن يفتضح أمرها!!!! هل للصدفة مشيئة أم هي مشيئة الله تعالى الذي فضح من خالف أمره وعصاه.
 
عودة
أعلى