ناصر الماجد
New member
- إنضم
- 16/04/2003
- المشاركات
- 67
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
[align=center]الألفاظ التي اقترنت بمصطلح (الجاهلية ) في القرآن الكريم[/align]
مصطلح الجاهلية مصطلح إسلامي، يراد به عند الإطلاق: الحالة التي كان عليها البشر، قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث اندرست معالم النبوة، وامحت آثار الحنيفية.
بل نستطيع القول جازمين: إن مصطلح الجاهلية ، يطلق على كل فترة تسبق مبعث نبي من الأنبياء ، حيث انحراف الناس عن دين الله وبعدهم عن شريعته. يدل على هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ـ الحديث وفيه ـ (فإنها لم تكون نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية) آخذين بعين الاعتبار؛ الاختلاف في نوع الانحراف ، ودرجته.
ومما يلفت النظر أن هناك ألفاظاً بعينها ، وردت في القرآن الكريم مقترنةً بمصطلح الجاهلية ، وسأعرض بين أيديكم محاولةً للوقوف على دلالة هذا الاقتران ، راجياً من أحبابنا الكرام أن يبدوا رأيهم ، سائلا الله أن يعصمني من زلل الرأي وخطل القول.
الموضع الأول: في سورة آل عمران: قال تعالى: (( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ))
هذه الآية الكريمة تتحدث عن موقف المنافقين في غزوة أحد حيث أنزل الله النعاس أمنة للمؤمنين، أما المنافقين فقد أهمتهم أنفسهم. يقول ابن جرير "قوله: (قد أهمتهم أنفسهم) يقول: هم المنافقون لا هم لهم غير أنفسهم، فهم من حذر القتل على أنفسهم وخوف المنية عليها، في شغل قد طار عن أعينهم الكرى، يظنون بالله الظنون الكاذبة ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله، شكاً في أمر الله وتكذيباً لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومَحْسَبة منهم أن الله خاذل نبيه ومعل عليه أهل الكفر به... وقوله: (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) يقول: يخفي يا محمد هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك صفتهم، في أنفسهم من الكفر والشك في الله ما لا يبدون لك، ثم أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كانوا يخفونه بينهم من نفاقهم، والحسرة التي أصابتهم على حضورهم مع المسلمين مشهدهم بأحد، فقال مخبراً عن قيلهم الكفر وإعلانهم النفاق بينهم: (يقولون لو كان لنا من الأمر من شيء ما قُتلنا هاهنا) يعني بذلك أن هؤلاء المنافقين يقولون: لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين إلينا، ما خرجنا إليهم ولا قتل منا أحد في الموضع الذي قتلوا فيه بأحد" (الطبري:3/485).
الموضع الثاني: في سورة المائدة: قال تعالى: (( فَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ))
في هذه الآية ينكر تعالى على اليهود إعراضهم عن حكم الله تعالى، وابتغاءهم ما سواه من حكم الجاهلية، قال ابن كثير "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم، المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل، إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم.."(تفسير ابن كثير:2/207)
الموضع الثالث: في سورة الأحزاب: قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }
هذه الآية الكريمة في جملة من الآيات، فيها وصايا من الله تعالى لأمهات المؤمنين، قال ابن سعدي "(وقرن في بيوتكن) أي أقررن فيها؛ لأنه أسلم وأحفظ لكن (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) أي لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية الأولى... (إنما يريد الله) بأمركن بما أمركن به ونهيكن عما نهاكن عنه (ليذهب عنكم الرجس) أي الأذى والشر والخبث" (تفسير السعدي:6/219)
الموضع الرابع: في سورة الفتح: قال تعالى: ((إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ))
هذه الآية الكريمة في سورة تتحدث عن صلح الحديبية وما جرى فيه للمؤمنين، قال ابن سعدي "يقول تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) حيث أنفوا من كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم، وأنفوا من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين إليهم في تلك السنة، لئلا يقول الناس: دخول مكة قاهرين لقريش، هذه الأمور ونحوها من أمور الجاهلية، لم تزل في قلوبهم حتى أوجبت لهم ما أوجبت من كثير من المعاصي:فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، فلم يحملهم الغضب على مقابلة المشركين بما قابلوهم به، بل صبروا لحكم الله والتزموا الشروط التي فيها تعظيم حرمات الله... وألزمهم كلمة التقوى وهي لا إله إلا الله" تفسير السعدي: 7/108)
هذه هي المواضع الأربعة :
[align=center] ظن الجاهلية - حكم الجاهلية - تبرج الجاهلية - حمية الجاهلية.[/align]
والتأمل في هذه الألفاظ وما تشي به ، يكشف لنا دلالة اقترانها بمصطلح الجاهلية ، إذ أجملت هذه الآيات الأربع - على ما فيها من قصر - وصف المجتمع الجاهلي بشكل عجب حقاً ، إنها تتحدث عن نظام كامل ، بكل خصائصه ومختلف جوانبه ، نظام مقابل تماماً لنظام الإسلام في شتى الجوانب ، نظام له تصوراته الخاصة به ، ونظمه المقابلة لنظم الإسلام وتصوراته.
كل آية من هذه الآيات الكريمة، تشير إلى جانب بارز في المجتمع الجاهلي ، يتشكل بها جميعاً صورة كلية للمجتمع الجاهلي ، يؤكد هذا: أن الآيات جميعها مدنية ، نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وقيام المجتمع الإسلامي ، المتميز عن الجاهلية ، والمختلف في كل القيم والتصورات.
فآية آل عمران ـ وفيها ذكر ظن الجاهلية ـ تلمح إلى الجانب العقدي عند أهل الجاهلية، المتمثل في الجهل بالله تعالى وصفاته ، فهي تشير إلى تصور خاص بالجاهلية يخالف تماماً ما جاء به الإسلام في جانب الاعتقاد الذي أساسه المعرفة بالله عز وجل.
وآية المائدة وفيها ذكر حكم الجاهلية ، تشير إلى الجانب القانوني الذي ساد المجتمع الجاهلي ، القائم على الأهواء والميول الذاتية ، حيث الناس طبقات في المسؤولية القانونية ، بل وربما تحمل أحدهم جريرة غيره ، وإثم سواه ، بعيداً ـ في هذا كله ـ عن ميزان الحق والقسط المتمثل في قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } وقوله تعالى: { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، فالآية الكريمة تشير إلى طبيعة قانونية جاهلية، تخالف الإسلام.
وآية الأحزاب ـ وفيها ذكر تبرج الجاهلية ـ تشير إلى الجانب الخلقي الذي كان سائداً في الجاهلية ، تمثل ذلك في الإشارة إلى أهم الجوانب الخلقية ، حيث علاقة الرجل بالمرأة ، إذ كانت تقوم على النظرة الحيوانية والمتعة الجسدية فحسب ، وتبعات هذه النظرة على واقع الناس وحياتهم ، وهي مصادمة للنظرة التي جاء بها الإسلام للعلاقة بين الجنسين.
وآية الفتح ـ وفيها ذكر حمية الجاهلية ـ وهي تشير إلى طبيعة العقلية الجاهلية ، والأسس التي تحكم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد ، والقائمة على مبدأ العصبية والحمية ، التي تولد عاطفة منحرفة ، لا تحكمها عقلية موضوعية ، وهي طبيعة لا تلتقي مع الأسس التي يقيمها الإسلام لعلاقة أفراد المجتمع فيه حيث تقوم على روابط الإيمان وإخوة الدين.
وبعد قد بان لنا، أن هذه المواضع الأربعة ، التي ذكر فيها لفظ الجاهلية مقروناً بالظن ، والحكم ، والتبرج ، والحمية ، قد أجملت وصف الجاهلية في أهم خصائصها ، العقدية والقانونية والخلقية والاجتماعية ، لتشير على نحو بديع وبعبارة مجملة إلى أبرز خصائص المجتمع الجاهلي ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
[align=center]الألفاظ التي اقترنت بمصطلح (الجاهلية ) في القرآن الكريم[/align]
مصطلح الجاهلية مصطلح إسلامي، يراد به عند الإطلاق: الحالة التي كان عليها البشر، قبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث اندرست معالم النبوة، وامحت آثار الحنيفية.
بل نستطيع القول جازمين: إن مصطلح الجاهلية ، يطلق على كل فترة تسبق مبعث نبي من الأنبياء ، حيث انحراف الناس عن دين الله وبعدهم عن شريعته. يدل على هذا الحديث الذي أخرجه الترمذي عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ـ الحديث وفيه ـ (فإنها لم تكون نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية) آخذين بعين الاعتبار؛ الاختلاف في نوع الانحراف ، ودرجته.
ومما يلفت النظر أن هناك ألفاظاً بعينها ، وردت في القرآن الكريم مقترنةً بمصطلح الجاهلية ، وسأعرض بين أيديكم محاولةً للوقوف على دلالة هذا الاقتران ، راجياً من أحبابنا الكرام أن يبدوا رأيهم ، سائلا الله أن يعصمني من زلل الرأي وخطل القول.
الموضع الأول: في سورة آل عمران: قال تعالى: (( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ))
هذه الآية الكريمة تتحدث عن موقف المنافقين في غزوة أحد حيث أنزل الله النعاس أمنة للمؤمنين، أما المنافقين فقد أهمتهم أنفسهم. يقول ابن جرير "قوله: (قد أهمتهم أنفسهم) يقول: هم المنافقون لا هم لهم غير أنفسهم، فهم من حذر القتل على أنفسهم وخوف المنية عليها، في شغل قد طار عن أعينهم الكرى، يظنون بالله الظنون الكاذبة ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله، شكاً في أمر الله وتكذيباً لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومَحْسَبة منهم أن الله خاذل نبيه ومعل عليه أهل الكفر به... وقوله: (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) يقول: يخفي يا محمد هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك صفتهم، في أنفسهم من الكفر والشك في الله ما لا يبدون لك، ثم أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كانوا يخفونه بينهم من نفاقهم، والحسرة التي أصابتهم على حضورهم مع المسلمين مشهدهم بأحد، فقال مخبراً عن قيلهم الكفر وإعلانهم النفاق بينهم: (يقولون لو كان لنا من الأمر من شيء ما قُتلنا هاهنا) يعني بذلك أن هؤلاء المنافقين يقولون: لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين إلينا، ما خرجنا إليهم ولا قتل منا أحد في الموضع الذي قتلوا فيه بأحد" (الطبري:3/485).
الموضع الثاني: في سورة المائدة: قال تعالى: (( فَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ))
في هذه الآية ينكر تعالى على اليهود إعراضهم عن حكم الله تعالى، وابتغاءهم ما سواه من حكم الجاهلية، قال ابن كثير "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم، المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل، إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم.."(تفسير ابن كثير:2/207)
الموضع الثالث: في سورة الأحزاب: قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }
هذه الآية الكريمة في جملة من الآيات، فيها وصايا من الله تعالى لأمهات المؤمنين، قال ابن سعدي "(وقرن في بيوتكن) أي أقررن فيها؛ لأنه أسلم وأحفظ لكن (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) أي لا تكثرن الخروج متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية الأولى... (إنما يريد الله) بأمركن بما أمركن به ونهيكن عما نهاكن عنه (ليذهب عنكم الرجس) أي الأذى والشر والخبث" (تفسير السعدي:6/219)
الموضع الرابع: في سورة الفتح: قال تعالى: ((إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ))
هذه الآية الكريمة في سورة تتحدث عن صلح الحديبية وما جرى فيه للمؤمنين، قال ابن سعدي "يقول تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) حيث أنفوا من كتابه: بسم الله الرحمن الرحيم، وأنفوا من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين إليهم في تلك السنة، لئلا يقول الناس: دخول مكة قاهرين لقريش، هذه الأمور ونحوها من أمور الجاهلية، لم تزل في قلوبهم حتى أوجبت لهم ما أوجبت من كثير من المعاصي:فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، فلم يحملهم الغضب على مقابلة المشركين بما قابلوهم به، بل صبروا لحكم الله والتزموا الشروط التي فيها تعظيم حرمات الله... وألزمهم كلمة التقوى وهي لا إله إلا الله" تفسير السعدي: 7/108)
هذه هي المواضع الأربعة :
[align=center] ظن الجاهلية - حكم الجاهلية - تبرج الجاهلية - حمية الجاهلية.[/align]
والتأمل في هذه الألفاظ وما تشي به ، يكشف لنا دلالة اقترانها بمصطلح الجاهلية ، إذ أجملت هذه الآيات الأربع - على ما فيها من قصر - وصف المجتمع الجاهلي بشكل عجب حقاً ، إنها تتحدث عن نظام كامل ، بكل خصائصه ومختلف جوانبه ، نظام مقابل تماماً لنظام الإسلام في شتى الجوانب ، نظام له تصوراته الخاصة به ، ونظمه المقابلة لنظم الإسلام وتصوراته.
كل آية من هذه الآيات الكريمة، تشير إلى جانب بارز في المجتمع الجاهلي ، يتشكل بها جميعاً صورة كلية للمجتمع الجاهلي ، يؤكد هذا: أن الآيات جميعها مدنية ، نزلت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وقيام المجتمع الإسلامي ، المتميز عن الجاهلية ، والمختلف في كل القيم والتصورات.
فآية آل عمران ـ وفيها ذكر ظن الجاهلية ـ تلمح إلى الجانب العقدي عند أهل الجاهلية، المتمثل في الجهل بالله تعالى وصفاته ، فهي تشير إلى تصور خاص بالجاهلية يخالف تماماً ما جاء به الإسلام في جانب الاعتقاد الذي أساسه المعرفة بالله عز وجل.
وآية المائدة وفيها ذكر حكم الجاهلية ، تشير إلى الجانب القانوني الذي ساد المجتمع الجاهلي ، القائم على الأهواء والميول الذاتية ، حيث الناس طبقات في المسؤولية القانونية ، بل وربما تحمل أحدهم جريرة غيره ، وإثم سواه ، بعيداً ـ في هذا كله ـ عن ميزان الحق والقسط المتمثل في قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } وقوله تعالى: { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، فالآية الكريمة تشير إلى طبيعة قانونية جاهلية، تخالف الإسلام.
وآية الأحزاب ـ وفيها ذكر تبرج الجاهلية ـ تشير إلى الجانب الخلقي الذي كان سائداً في الجاهلية ، تمثل ذلك في الإشارة إلى أهم الجوانب الخلقية ، حيث علاقة الرجل بالمرأة ، إذ كانت تقوم على النظرة الحيوانية والمتعة الجسدية فحسب ، وتبعات هذه النظرة على واقع الناس وحياتهم ، وهي مصادمة للنظرة التي جاء بها الإسلام للعلاقة بين الجنسين.
وآية الفتح ـ وفيها ذكر حمية الجاهلية ـ وهي تشير إلى طبيعة العقلية الجاهلية ، والأسس التي تحكم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد ، والقائمة على مبدأ العصبية والحمية ، التي تولد عاطفة منحرفة ، لا تحكمها عقلية موضوعية ، وهي طبيعة لا تلتقي مع الأسس التي يقيمها الإسلام لعلاقة أفراد المجتمع فيه حيث تقوم على روابط الإيمان وإخوة الدين.
وبعد قد بان لنا، أن هذه المواضع الأربعة ، التي ذكر فيها لفظ الجاهلية مقروناً بالظن ، والحكم ، والتبرج ، والحمية ، قد أجملت وصف الجاهلية في أهم خصائصها ، العقدية والقانونية والخلقية والاجتماعية ، لتشير على نحو بديع وبعبارة مجملة إلى أبرز خصائص المجتمع الجاهلي ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.