محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الأضحية
الأضحية والضحية هي اسم لما يذبح ضحى يوم العيد تقربا إلى الله تعالى ، وهي سنة متأكدة على أهل كل بيت من المسلمين لمن قدر عليها ، فقد روى أحمد والترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي ؛ وروى الترمذي وابن ماجة عن عَطَاء بْنِ يَسَارٍ قال : سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه : كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ .
قال العلماء ، وشرعت الأضحية لأمور :
1 - قربة إلى الله تعالى، قال عز وجل : ] فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ (الكوثر : 2 ) .
2 – وشكرا لله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام ، قال الله تعالى : ] لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [ ( الحج: 28) وقال سبحانه : ] فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ
كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ ( الحج : 36 ) .
3 - وإحياء لسنة إمام الموحدين إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل صلى الله عليه وسلم ثم فداه الله تعالى بكبش فذبحه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدلا منه ؛ قال تعالى : ] وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [ ( الصافات : 107 ) .
4- وتوسعة على العيال يوم العيد وإشاعة الرحمة والشفقة بين الفقراء والأغنياء ، روى مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تعالى "[SUP] ([1]) [/SUP].
وصفة الأضحية : أن تكون سليمة من العيوب ، فليجتهد الإنسان أن يضحي بأجود ما يجد لأنها قربة إلى الله تعالى ؛ روى أحمد وأهل السنن عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه رَفَعَهُ : " لا يُضَحَّى بِالْعَرْجَاءِ بَيِّنٌ ظَلَعُهَا ، وَلَا بِالْعَوْرَاءِ بَيِّنٌ عَوَرُهَا ، وَلا بِالْمَرِيضَةِ بَيِّنٌ مَرَضُهَا ، وَلَا بِالْعَجْفَاءِ الَّتِي لا تُنْقِي " ؛ قَوْلُهُ:" ظَلْعُهَا " بِفَتْحِ الظَّاءِ وَسُكُونِ اللامِ وَيُفْتَحُ أَيْ : عَرَجُهَا , وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَهَا الْمَشْيُ ، و " بَيِّنٌ عَوَرُهَا " بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ عَمَاهَا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَبِالْأَوْلَى فِي الْعَيْنَيْنِ ، و " بَيِّنٌ مَرَضُهَا " وَهِيَ الَّتِي لَا تُعْتَلَفُ ، و " وَلَا بِالْعَجْفَاءِ " أَيْ : الْمَهْزُولَةِ " الَّتِي لا تُنَقَّى " مِنْ الإِنْقَاءِ ، أَيْ : الَّتِي لا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ ؛ يَعْنِي : لَا مُخَّ لَهَا مِنْ الْعَجَفِ ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ - رحمه الله : وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا , وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحُ مِنْهَا كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ .ا.هـ وعند أهل السنن عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالأُذُنِ ، قال سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: الْعَضْبُ مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ .
وأفضل الأضاحي ما ضحى به النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ ( يضع قدمه ) فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ ، فَقَالَ لَهَا : " يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ " ثُمَّ قَالَ : " اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ " فَفَعَلَتْ ، ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ، ثُمَّ قَالَ : " بِاسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ " .
وأما سنها: فلا يجزئ في الأضحية من الضأن أقل من الجذع : وهو ما أتم ستة أشهر ؛ وأما من غير الضأن : من المعز والإبل والبقر فلا يجزئ إلا ثني ؛ وهو من المعز ما أوفى سنة ودخل في الثانية ؛ ومن الإبل ما أوفى أربع سنوات ودخل في الخامسة ؛ ومن البقر ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة ؛ ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ ". ويجزئ من الإبل والبقر الواحدة عن سبعة .
ووقت الذبح : يبدأ من ضحى يوم النحر بعد صلاة العيد وينتهي آخر أيام التشريق ، فلا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة العيد ولا بعد أيام التشريق ؛ ففي الصحيحين عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَالَ : " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا ، وَنَسَكَ نُسُكَنَا ، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ ؛ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَلَا نُسُكَ لَهُ " فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاةِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاةَ، قَالَ: " شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ " قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ ، عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً ، هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ ، أَفَتَجْزِي عَنِّي ، قَالَ : " نَعَمْ ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وفي الصحيحين أيضا عن جُنْدَبُ بْنُ سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ؛ سَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِيَّ قَدْ ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاتِهِ ، فَقَالَ : " مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ( أَوْ نُصَلِّيَ ) فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى ، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ " [SUP]([3])[/SUP].
ويسن للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه ، ويقول : باسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عن فلان ( ويسمي نفسه وأهله ) لحديث عائشة السابق ، وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وإذا لم يكن يحسن الذبح شهد أضحيته ، ويعطي الجازر أجرة من غير الأضحية ، ويجوز إعطاؤه من الأضحية على سبيل الهدية أو الصدقة ، ففي الصحيحين عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا ، وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا ، قَالَ : " نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا " [SUP]([5]) [/SUP].
ويجوز إن كان صاحب الأضحية مسافرا أو مشغولا عن ذبحه أن ينيب من يذبح عنه وإن لم يحضر ؛ ولا خلاف في هذا بين أهل العلم .
ويسن للمضحي أن يأكل من أضحيته وأن يتصدق منها ، كما يفضل أن يهدي منها لأقربائه وأحبته وجيرانه ، ويجوز أن يدخر منها ، فقد روى مسلم وغيره عَنْ عَائِشَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : ".. فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا " [SUP]([6])[/SUP] .
هذا ونرجو الله تعالى أن يتقبل منا ومن إخواننا المسلمين ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه.
[1] - مسلم ( 1141 ) .
[2] - البخاري ( 955 ) ، ومسلم ( 1961 ) .
[3] - البخاري ( 985 ، 5500 ) ، ومسلم ( 1960 ) .
[4] - البخاري ( 5564 ) ، ومسلم ( 1966 ) .
[5] - البخاري ( 1717 ) ومسلم ( 1317 ) واللفظ له .
[6] - مسلم ( 1971 ) .
الأضحية والضحية هي اسم لما يذبح ضحى يوم العيد تقربا إلى الله تعالى ، وهي سنة متأكدة على أهل كل بيت من المسلمين لمن قدر عليها ، فقد روى أحمد والترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي ؛ وروى الترمذي وابن ماجة عن عَطَاء بْنِ يَسَارٍ قال : سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه : كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ .
قال العلماء ، وشرعت الأضحية لأمور :
1 - قربة إلى الله تعالى، قال عز وجل : ] فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ (الكوثر : 2 ) .
2 – وشكرا لله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام ، قال الله تعالى : ] لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [ ( الحج: 28) وقال سبحانه : ] فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ
كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ ( الحج : 36 ) .
3 - وإحياء لسنة إمام الموحدين إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل صلى الله عليه وسلم ثم فداه الله تعالى بكبش فذبحه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدلا منه ؛ قال تعالى : ] وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [ ( الصافات : 107 ) .
4- وتوسعة على العيال يوم العيد وإشاعة الرحمة والشفقة بين الفقراء والأغنياء ، روى مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تعالى "[SUP] ([1]) [/SUP].
وصفة الأضحية : أن تكون سليمة من العيوب ، فليجتهد الإنسان أن يضحي بأجود ما يجد لأنها قربة إلى الله تعالى ؛ روى أحمد وأهل السنن عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه رَفَعَهُ : " لا يُضَحَّى بِالْعَرْجَاءِ بَيِّنٌ ظَلَعُهَا ، وَلَا بِالْعَوْرَاءِ بَيِّنٌ عَوَرُهَا ، وَلا بِالْمَرِيضَةِ بَيِّنٌ مَرَضُهَا ، وَلَا بِالْعَجْفَاءِ الَّتِي لا تُنْقِي " ؛ قَوْلُهُ:" ظَلْعُهَا " بِفَتْحِ الظَّاءِ وَسُكُونِ اللامِ وَيُفْتَحُ أَيْ : عَرَجُهَا , وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَهَا الْمَشْيُ ، و " بَيِّنٌ عَوَرُهَا " بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ عَمَاهَا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَبِالْأَوْلَى فِي الْعَيْنَيْنِ ، و " بَيِّنٌ مَرَضُهَا " وَهِيَ الَّتِي لَا تُعْتَلَفُ ، و " وَلَا بِالْعَجْفَاءِ " أَيْ : الْمَهْزُولَةِ " الَّتِي لا تُنَقَّى " مِنْ الإِنْقَاءِ ، أَيْ : الَّتِي لا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ ؛ يَعْنِي : لَا مُخَّ لَهَا مِنْ الْعَجَفِ ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ - رحمه الله : وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا , وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحُ مِنْهَا كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ .ا.هـ وعند أهل السنن عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالأُذُنِ ، قال سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: الْعَضْبُ مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ .
وأفضل الأضاحي ما ضحى به النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ ( يضع قدمه ) فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ ، فَقَالَ لَهَا : " يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ " ثُمَّ قَالَ : " اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ " فَفَعَلَتْ ، ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ، ثُمَّ قَالَ : " بِاسْمِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ " .
وأما سنها: فلا يجزئ في الأضحية من الضأن أقل من الجذع : وهو ما أتم ستة أشهر ؛ وأما من غير الضأن : من المعز والإبل والبقر فلا يجزئ إلا ثني ؛ وهو من المعز ما أوفى سنة ودخل في الثانية ؛ ومن الإبل ما أوفى أربع سنوات ودخل في الخامسة ؛ ومن البقر ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة ؛ ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ ". ويجزئ من الإبل والبقر الواحدة عن سبعة .
ووقت الذبح : يبدأ من ضحى يوم النحر بعد صلاة العيد وينتهي آخر أيام التشريق ، فلا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة العيد ولا بعد أيام التشريق ؛ ففي الصحيحين عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَالَ : " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا ، وَنَسَكَ نُسُكَنَا ، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ ؛ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَلَا نُسُكَ لَهُ " فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاةِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاةَ، قَالَ: " شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ " قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ ، عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً ، هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ ، أَفَتَجْزِي عَنِّي ، قَالَ : " نَعَمْ ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وفي الصحيحين أيضا عن جُنْدَبُ بْنُ سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَعْدُ أَنْ صَلَّى وَفَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ؛ سَلَّمَ فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحْمَ أَضَاحِيَّ قَدْ ذُبِحَتْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاتِهِ ، فَقَالَ : " مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ( أَوْ نُصَلِّيَ ) فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى ، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ " [SUP]([3])[/SUP].
ويسن للمضحي أن يذبح أضحيته بنفسه ، ويقول : باسم الله والله أكبر ، اللهم هذا عن فلان ( ويسمي نفسه وأهله ) لحديث عائشة السابق ، وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وإذا لم يكن يحسن الذبح شهد أضحيته ، ويعطي الجازر أجرة من غير الأضحية ، ويجوز إعطاؤه من الأضحية على سبيل الهدية أو الصدقة ، ففي الصحيحين عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا ، وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا ، قَالَ : " نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا " [SUP]([5]) [/SUP].
ويجوز إن كان صاحب الأضحية مسافرا أو مشغولا عن ذبحه أن ينيب من يذبح عنه وإن لم يحضر ؛ ولا خلاف في هذا بين أهل العلم .
ويسن للمضحي أن يأكل من أضحيته وأن يتصدق منها ، كما يفضل أن يهدي منها لأقربائه وأحبته وجيرانه ، ويجوز أن يدخر منها ، فقد روى مسلم وغيره عَنْ عَائِشَةَ أن رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : ".. فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا " [SUP]([6])[/SUP] .
هذا ونرجو الله تعالى أن يتقبل منا ومن إخواننا المسلمين ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه.
[1] - مسلم ( 1141 ) .
[2] - البخاري ( 955 ) ، ومسلم ( 1961 ) .
[3] - البخاري ( 985 ، 5500 ) ، ومسلم ( 1960 ) .
[4] - البخاري ( 5564 ) ، ومسلم ( 1966 ) .
[5] - البخاري ( 1717 ) ومسلم ( 1317 ) واللفظ له .
[6] - مسلم ( 1971 ) .