الأصل في القراءات وعلاقته بالترجيح في التفسير

إنضم
24/06/2007
المشاركات
90
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
السلام عليكم

أسأل الله أن يتقبل صيامكم ودعاءكم وقيامكم وصالح أعمالكم

أيها الإخوة وجدت عند المفسرين الترجيح بين وجوه الإعراب ب( توافق القراءات ) فيقولون مثلا : والأصل توافق القراءات ....

وسأذكر مثالا على ذلك عند السمين الحلبي رحمه الله في الدر المصون :
1-يقول في قراءة جر ( والأرحامِ ) بالكسر فيمن خرّج الواو على القسم : (وضُعِّف هذا بوجهين، أحدهما: أن قراءتَيْ النصبِ وإظهار حرف الجر في «بالأرحام» يمنعان من ذلك، والأصل توافقُ القراءات. والثاني: أنه نُهِيَ أن يُحْلَف بغير الله تعالى والأحاديثُ مصرحةٌ بذلك ). (3/ 555)

2- ويقول أيضا : ( وقد قَدَّرَ الزمخشريُّ مضافاً في القراءةِ الأولى أي: على كلِّ ذي قلب متكبر، تجعلُ الصفةَ لصاحبِ القلب. قال الشيخ: «ولا ضرورةَ تَدْعو إلى اعتقادِ الحذفِ» . قلت: بل ثَمَّ ضرورةٌ إلى ذلك وهو توافُقُ القراءَتَيْن، فإنه يَصيرُ الموصوفُ في القراءتَيْن واحداً، وهو صاحبُ القلب، بخلافِ عَدَم التقديرِ، فإنه يَصيرُ الموصوفُ في إحداهما القلبَ وفي الأخرى صاحبَه ) (9/ 481)

3-ويقول : قوله {فَإِنَّ الله هُوَ الغني} قرأ نافع وابن عامر «فإن الله الغنيُّ» بإسقاطِ «هو» وهو ساقطٌ في مصاحف المدينةِ والشام. والباقون بإثباتِه وهو ثابتٌ في مصاحفِهم، فقد وافق كلٌّ مصحَفه. قال أبو علي: «مَنْ أثبت» هو «يَحْسُنْ أَنْ يكونَ فصلاً، ولا يَحْسُنُ أن يكونَ ابتداءً؛ لأنَّ الابتداءَ لا يَسُوغ حَذْفُه» يعني أنه تُرَجَّحُ فصليَّتُه بحذفه في القراءةِ الأخرى، إذ لو كان مبتدأً لضَعُف حَذْفُه، لا سيما إذا صَلَحَ ما بعده أَنْ يكونَ خبراً لِما قبله، ألا تراك لو قلت: «إنَّ زيداً هو القائمُ» لم يَحْسُنْحَذْفُ «هو» لصلاحيةِ «القائمُ» خبراً ل «إنَّ» : وهذا كما قالوا في الصلة: إنه يُحْذَفُ العائدُ المرفوعُ بالابتداء بشروطٍ منها: أن لا يكونَ ما بعدَه صالحاً للصلة نحو: «جاء الذي هو في الدار» أو «هو قائم أبوه» لعدمِ الدلالةِ. إلاَّ أنَّ للمنازعِ أن ينازعَ أبا عليٍ ويقول: لا ألتزم تركيب إحدى القراءتين على الأخرى، وكم مِنْ قراءتَيْنِ تغاير معناهما كقراءتَيْ: {والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36] و «وضَعَتْ» ، إلاَّ أنَّ توافُقَ القراءتَيْن في معنىً واحدٍ أَوْلى، هذا ما لا نزاعَ فيه.) 10/ 252 - 253


أيها الإخوة الأفاضل :
هل الأصل في القراءات هو التوافق بينها أم الاختلاف ؟
ثم هل يعد مسلما أعني التوافق عند القراء والمفسرين حتى يعتد به مرجحا أم لا ؟؟

أرجو التوضيح أعتقني الله وإياكم من النار
 
المعنى _ أخي الكريم _ أنه إذا اجتمع في كلمة قراءتان ، وكانت إحدى القراءات تحتمل أكثر من توجيه ؛ فإن التوجيه الأولى هو الذي يوافق في المعنى القراءة الأخرى ؛ لأن الأصل توافق القراءات .
ففي أية النساء كلمة ( والأرحام ) فيها قراءتان : النصب والجر ، ووجه العلماء قراءة الجر بتوجيهين :
الأول : أن تكون معطوفة على الضمير في‏(‏ به ).
الثاني : أن تكون مجرورة على القسم .
ولما كان التوجيه الأول يوافق قراءة النصب من حيث أن الواو فيهما للعطف ، والتوجيه الثاني الواو فيه للقسم ؛ ضعف الحلبي الوجه الثاني ؛ لأن الأصل توافق القراءتين ، فأن ترى أن التوجيه الأول يتوافق مع قراءة النصب في جعل الواو في كل منهما للعطف

وكذلك في قوله تعالى ( على كل قلب متكبر جبار ) ففي قوله ( قلب ) قراءتان : التنوين وعدمه .
ففي قراءة التنوين تكون الصفة ( وهي التكبر . .) للقلب ، وفي قراء الإضافة ( عدم التنوين ) تكون الصفة لصاحب القلب .<br />
فقدر الزمخشري في قراءة التنوين مضافا ، و يكون المعنى : على كل ذي قلب متكبر جبار .
وعلى هذا التقدير تكون الصفة في قراءة التنوين لصاحب القلب ، مثلها مثل قراءة عدم التنوين ، فلما اعترض الشيخ على تقدير الحذف بعدم وجود ضرورة له ؛ رد عليه السمين الحلبي بأن هناك ضرورة ، وهي توافق القراءتين في المعنى .
وهذا ليس على سبيل الإلزام ، بل الأوليه ، كما هو صريح في المثال الثالث .
وعلى ما ذكر لك فقس كل ما يقابلك ، والسلام عليكم
 
هل يعد مسلما أعني التوافق عند القراء والمفسرين حتى يعتد به مرجحا أم لا ؟؟
إن كان الحلبي رحمه الله قصد بقوله (توافق القراءات) اختلافَ اللفظ في القرآن بما لا يُحيل المعنى = فقد سبقه إليه بعضُ مَن تكلم في مسألة الأحرف السبعة من أهل العلم ؛ باعتبارها اختلافا لفظيا في القرآن .
قال ابن شهاب الزهري رحمه الله : « هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه » .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : « وقد اختلف بعضُ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم في بعضِ لفظِ القرآنِ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في معناه ، فأقرَّهم وقال : ( هكذا أنزل ، إن هذا القرآنَ أنزِل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ما تيسر منه ) » .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله : « فهذا يبين لك أن الاختلاف إنما هو في اللفظ ، والمعنى واحد » .
وقال ابنُ قتيبة رحمه الله : « الاختلاف نوعان ؛ اختلاف تغاير واختلاف تضاد . فاختلاف التضاد لا يجوز ، ولستَ واجدَه بحمد الله في شيء من القرآن إلا في الأمر والنهي من الناسخ والمنسوخ . واختلاف التغاير جائز » .
وكذلك قال ابنُ تيمية رحمه الله وغيرُه . فإن كان اختلاف الأحرف على ما نقلنا = كان ما دونه أولى .
وظهر أن الأصل هو اتفاق المعنى ، وإن وقع اختلاف تغاير أحيانا كما صرح ابنُ قتيبة . والله أعلم .

وللفائدة أيضا :
قال أبو عبيد رحمه الله في ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم من الحروف التي تخالف مصحف عثمان رضي الله عنه :
« فأما ما جاء من هذه الحروف التي لم يؤخذ علمُها إلا بالإسناد والروايات التي يعرفها الخاصة من العلماء دون عوام الناس = فإنما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللوحين ، وتكون دلائلَ على معرفة معانيه وعلمِ وجوهِه » .
قال : « فهذه الحروف - وأشباهٌ لها كثيرة - قد صارت مفسِّرةً للقرآن . وقد كان يُروى مِثْلُ هذا عن بعضِ التابعين في التفسيرِ = فيُسْتحْسَنُ ذلك ، فكيف إذا رُويَ عن لُباب أصحابِ محمد صلى الله عليه وسلم ثم صار في نفس القراءة ؟! فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى ، وأدنى ما يُستنبطُ من علم هذه الحروف معرفة صحة التأويل ، على أنها من العلم الذي لا تِعْرِفُ العامةُ فضلَه ، إنما يعرف ذلك العلماء .
وكذلك يعتبر بها وجه القراءة ؛ كقراءة من قرأ : ( يَقُصُّ الحقَّ ) ؛ فلما وجدتَها في قراءة عبد الله ( يقضي بالحقِّ ) علمتَ أنت أنما هي : ( يقضي الحق ) ، فقرأتَها أنت على ما في المصحف ، واعتبرتَ صحتها بتلك القراءة .
وكذلك قراءة من قرأ : ( أخرجنا لهم دابةً من الأرض تكلِّمهم ) ؛ لما وجدتَها في قراءة أبيّ ( تنبئهم ) علمتَ أن وجه القراءة : ( تكلِّمهم ) . في أشياء من هذه كثيرة لو تُدُبِّرَتْ وُجدَ فيها علم واسع لمن فهمَه » .
قلتُ : هذه الحروف الشاذة يسميها بعضهم بالقراءات التفسيرية بناء على مقالة أبي عبيد هذي ، وهي ليست عنده من الأحرف السبعة فيما يظهر . والله أعلم .
 
عودة
أعلى