الأستاذ أحمد القبانجي (تلميذ عبد الكريم سروش و محمد مجتهد شبستري)

إنضم
18/12/2011
المشاركات
1,302
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
الإقامة
أنتويرب
لاشك أن التنطع في الدين وفي غير الدين يؤدي عند صاحبه وعند غيره، ممن يشاركه محيط المعاش، إلى التحريف والإنحراف والقلق أو ما شابه؛ وقد نهى الإسلام عن قسوة القلب والغلظة والفظاظة، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنطع كما في الحديث الذي رواه مسلم هلك المتنطعون، قالها ثلاثا. هذا، وأظن أن الغلو في مفردات ومعاني ومصاديق الدين والتديّن هو الذي دفع بالأستاذ أحمد القبانجي إلى الشذوذ الفكري في فهمه للدين، ومعالجته للحالة الدينية بصفة عامة. كما أرى أن شظايا الطائفية، إضافة إلى الكهنوتية التي تم "تديينها" من طرف الممارسة السياسية الإيرانية الحديثة في صيغة ولاية الفقيه، وما يشبهها -في قليل أو كثير- من دور الرقابة السلطوية بإسم الدين خارج إيران، أيضا من العوامل التي ساهمت في التحول الفكري والموقف من الدين والتدين والحالة الدينية عنده. ولا يمكن غض الطرف عن معاناته الشخصية على المستوى المعرفي والنفسي، من الأشياء التي يلمح إليها متفرقة في محاضراته وأوراقه.

لا يمكن أن ننطلق من منطلق التصنيف العقائدي (الثنائي) لأن الإيمان كالكفر هو عقد قلبي إن مع الإستسلام للحق إذا عرفه وإن مع الجحود وإنكار الحقيقة عند ظهورها، ثم لأن الإنسان له تلك القدرة على القول بلسانه والفعل بجوارحه ما لا يطمئن به قلبه والعكس صحيح أيضا. إلا أن التصنيف لا يمنع من الوصف، كما يصف لنا القرآن الناس بما هم عليه فمنهم ظالم وجاهل وأمي وكتابي ونصراني ويهودي ولاأدري وضال وصابئ وغاوي ...، ومنهم أيضا الكافر الذي ظهر له الحق بطريقة من الطرق ثم غطاه وكذّبه، إلى غير ذلك من الأوصاف. والإسلام هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته، والفطرة، وطلب الحق، والحنيفية، ودعوة الأنبياء عامة، ثم دعوة خاتم الأنبياء خاصة. بهذه التعريفات يمكن إستشكال الوصف كما هو الحال مع النجاشي رحمه الله، كان يتدين بالنصرانية، إلا أنها كانت تأتي في المرتبة الثانية بعد "طلب الحق"، حين أن الإسلام الذي هو دعوة خاتم الأنبياء مبني على الأركان الخمسة، والنجاشي لم يكن يصلي، إلا أنه كانا مسلما بمعنى طلب الحق وبمعنى الإذعان لرسالة النبي، إذ لو عرف لصلى بحكم إسلامه، أي بطلبه للحق. ولهذا كانت النصرانية حالته الدينية، بينما الإسلام دينه.

هنا نأتي إلى الأستاذ أحمد القبانجي، فنرفض مع العقلائيين إتهامه بالكفر، لأنه إتهام غير منطقي، وبلا معنى. ونتوقف في إتهامه بالمروق من الإسلام، ثم نفصل بين "عقيدته" وحالته الدينية، فهو يقول أنه يبحث عن الحقيقة، سيرا على درب بعض المتكلمة الذين قالوا بوجوب النظر، بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك وقال بأصل النظر الذي هو إعمال التشكيك ثم البناء، لا تبرير البناء فحسب. فهل يبحث عن الحقيقة؟ هذا لا يهمنا نحن، ويهمه هو، بل السؤال الذي يستحب طرحه هو عن حالته الدينه، لا عن دينه. فما هي؟ إن فهم هذه الحالة قد يساعد في فهم آراءه في الوحي والنبوة والشريعة. ولكي لا نبخس الناس أشياءهم، نعترف أن بعض تلك الآراء والفهومات جميلة ومطلوبة. هذا ما يعيه كل من عاين الواقع المعاش، ورأى ضرورة إحياء العقل الإجتهادي بين أبناء الأمة الإسلامية، شيعة وسنة وغيرهم. بمعنى آخر: الوصف هو الذي ننطلق منه في فهم شبهاته حول الإسلام عامة، والقرآن خاصة. فمن هو؟ مسلم شيعي غنوصي باطني عرفاني، صاحب نزعة إشراقية. في نظري ومن خلال ما أفهم من الإسلام الأصيل، أعتقد أنه أبعد عن الفهم الأصيل لأصول الإسلام من الإسماعيلية الباطنية. وإذا بحثنا في التاريخ الإسلامي عن رمز يشابهه، فربما وجدنا الحكيم الفارابي. وهل كان الفارابي مسلما؟ بالمعنى الحضاري الثقافي للإسلام، لاشك. فلا نتعجب إذن من شطحاته، وأقواله الشاذة، وهي كذلك عند جمهور المسلمين علماء وطلبة علم وباحثين وقراء وعوام.

أفتح هذا الشريط للمهتمين بالإنتصار لمناقشة أقواله، ونقدها، لإتصالها بالقرآن الكريم. فإن تلك المقولات تنتشر وبسرعة في الشبكة العنكبوتية، ويزداد عدد متابعيه يوما بعد يوم.

شاهدت محاضرة له ينتقد فيها ما يسمى (الإعجاز الغيبي) في القرآن، وهذا ما دفعني إلى البحث عن محاضرات أخرى له حتى تتضح لي الصورة بشكل أكمل. يرد ما يسمى الإعجاز الغيبي، لأن القرآن معجز بكل سورة منه وليس في كل سورة إخبار بغيب، ثم ينتصر لما يسمى عنده بالإعجاز الوجداني! وكيف لا، وهو رئيس منتدى الفكر الوجداني؟

المرجع الذي إستخدمه في "نقده" للإعجاز الغيبي، هو البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي؛ وفي واقع الأمر، آية الله الخوئي لم يستعمل مصطلح "الإعجاز الغيبي" بل كتب "القرآن، والإخبار بالغيب" (الصفحة 67، طبعة فروردين، نشر أنوار الهدى):
القرآن والإخبار بالغيب

أخبر القرآن الكريم في عدة من آياته عن أمور مهمة، تتعلق بما يأتي من الأنباء والحوادث، وقد كان في جميع ما أخبر به صادقا، لم يخالف الواقع في شيء منها. ولاشك في أن هذا من الإخبار بالغيب، ولا سبيل إليه غير طريق الوحي والنبوة.

والآيات التي ذكرها السيد الخوئي على سبيل المثال لا تخبر بالغيب حسب فهم الأستاذ القبانجي. ولكن مشكلته الحقيقية ليست مع الإخبار بالغيب، بل مع مقتضياته، وما يلزم الإقرار به من البحث عن مصدر خارجي، عن مصدر مفارق للذات النبوية، فهو إذن لا يؤمن أن القرآن من وحي الله (ليس من وحي الإله المطلق، بل إلهام الإله الشخصي الذي هو الوجدان). إذن لابد من الإنتقال إلى محاضرات ومقالات أخرى حتى تتضح الفكرة بشكل أكثر. ثم هو في محاضرته هذه "لا إعجاز غيبي في القرآن" لا ينكر أن في القرآن إخبار بالغيب؛ بل يقر به، إلا أن القرآن لم يكن صادقا فيما أخبر به، وخالف الواقع! وكما أشار إلى ذلك في هذه المحاضرة، الله لا يعلم الغيب، غيب الكائنات الحرة، لأن العلم هذا يتنافى مع الحرية، لكن في نفس الوقت يرى أن المفسدين سيعذبون ..!! فهو هنا يريد إثبات العدل وفي نفس الوقت يعطله، إذ كيف يعذب الله خلقه الأحرار من غير إنذار ؟ وإن علم بما فعله المفسد الظالم لا ما سيفعله فقد حده بزمان، فاستحق الثاني الألوهية أكثر منه، ويكون هذا الإله أنقص من المحرك الأول، الذي يحرك العالم الزمكاني على أنه علة غائية لا فاعلة فيتحرك العالم حركة تشبه وشوق، وبالتالي مقولة القدامى أحكم من مقولته، فمقولتهم إستحقت نوعا نسبيا من التماسك الداخلي بقولهم إن المحرك الأول يعلم ذاته، بينما مقولته متناقضة طولا وعرضا مما يفضي به إلى الإلحاد التام نتيجة الجهل بالإلهيات في الدين وفي المعقول المجرد على حد سواء. وحتى إن جنح نحو مذهبهم، فالنفس التي تخلد بعد تحول الأجساد لن تعذب إلا بالحسرة وذلك بعد إدراكها ما فات من اللذة العقلية التي هي العلم؛ وتلك تقريبا عقيدة البهائية في العذاب والسعادة. إذن من ناحية القيمة والمعنى: إما الدين وإما العبث، لما تستلزمه العدمية، وهذا ظاهر. وإن كان كذلك، ولابد فإن أي نقد للتدين على الأساس الوجداني الذي لا يقر بالوحي، هو نقد عبثي، فقد تحصل اللذة للمفسد بإفساده كما تحصل للمصلح بإصلاحه حسب إمتلاك القوة التي هي الناموس الأكبر في الطبيعة، وحينها وجب عليه منطقا ضرب نظريته في الأخلاقيات القائمة على الألم واللذة عرض الحائط.

عليه، المشكلة الجذرية عنده في الإلهيات علم بذلك أم لم يعلم، لكن هذا ملتقى الإنتصار للقرآن العظيم، والسؤال: ما حقيقة الوحي عنده؟ هذا أولى بالمناقشة، قبل تناول تأويلاته البعيدة للآيات التي تخبر بالغيب، هل تخبر بالغيب أم لا، وإن كانت تخبر بالغيب، فهل تحققت أوستتحقق أم لا. والسلام عليكم.
 
الأستاذ أحمد القبانجي (تلميذ عبد الكريم سروش و محمد مجتهد شبستري)

موقف البهائيين (ومن يقلدهم) حول الإعجاز موقف فريد، إنهم يتوسعون في تحميل النص القرآني ما لا يحتمل من مسائل، فينقسم الناس بمقتضى صنيعهم إلى مآل ذهني لا يخرج عن إفراط وتفريط.

فيخرج بذلك القرآن من كونه كتاب هداية، إلى مجرد نوع من (غنوصية نوستراداموسية!) يظنه القارئ المحايد مجرد قصف غيبي عشوائي، يصيب أحياناً وغالبا ما يخطئ.

انظر مثلاً إلى رشاد خليفة ورقم ١٩ في القرآن الكريم!


ضربة بفأس الكفر.. وأخرى بفأس الفجور.. وثالثة بفأس الإغراق في التفاهة..
فتسقط شجرة قداسة القرآن وهيبته.
هكذا يفكر خصوم القرآن بشتى مسمياتهم!
 
في محاضرة حول حقيقة الوحي وجبريل عليه السلام، يرى الأستاذ القبانجي أن هناك أربعة تصورات للوحي:

  • فلسفية
  • مسيحية
  • كلامية
  • عرفانية/عُرَفَائِيَّة
وأن السياق الإسلامي رفض كل التصورات، وأبقى على التصور الكلامي؛ وأن حتى التصورات الكلامية عند المعتزلة قد طرحت كلها، وتم الإبقاء على التصور التقليدي الذي ينظر للوحي على أنه بيان من الله سبحانه وتعالى بلفظه ومعانيه، أرسله الله تبارك وتعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام. ثم يرفض هو هذا التصور لأنه يثير - حسب تعبيره - لأربعة إشكاليات:
  • عقلية
  • بلاغية
  • أخلاقية
  • علمية
فما هذه الإشكالات على "النظرية التقليدية" عنده ؟
 
عودة
أعلى