عيسى السعدي
New member
بسم1
النقل ( القرآن وصحيح السنة ) أعظم أدلة صفات الكمال ؛ ودلالته عليها من عدة أوجه : - ١- دلالة الأسماء الحسنى على صفات الكمال ؛ فكل واحد من الأسماء الحسنى يدل على صفة أو أكثر من صفات الكمال، وذلك لأن الأسماء الحسنى باعتبار ما تدل عليه من الصفات نوعان:
أ- ما يدل على صفة معنوية أو فعلية واحدة، كالعليم والقدير والسميع والخالق والرازق والباعث . وقد يدل هذا النوع على أكثر من صفة بدليل الالتزام ، أو حال الاقتران ، فاسم الخالق يدل على الخلق مطابقة، وعلى العلم والقدرة التزاما، لأن الخلق لا يكون إلا بالعلم بأسباب الخلق والقدرة عليها . واسم الحي يدل على جميع صفات الكمال التزاما ، لأن الحياة الكاملة لا تكون إلا باجتماعها ، وأسماء التنزيه كذلك تستلزم ثبوت جميع أوصاف الكمال ، لأن التنزيه لا يكون كمالا إلا إذا دل على معاني ثبوته، فالسلام مثلا يدل مطابقة على تنزيه الرب من كل نقص وعيب ويستلزم ثبوت جميع أوصاف الكمال ، وهكذا اسم القدوس.
وكذلك حال الاقتران ، فإن اجتماع العزيز والحكيم يدل على الكمال الخاص بكل اسم منهما ، ويدل على كمال آخر ، وهو أن عزة الله لا يقارﻧﻬا ظلم ، وحكمته لا يقارﻧﻬا ذل كما يكون في المخلوقات غالبا.
ب- ما يدل على عدة صفات ولا يختص بصفة معينة، كاﻟﻤﺠيد والعظيم فإن كل واحد منهما يعني الاتصاف بصفات كثيرة من صفات الكمال، وكذلك اسم القيوم فإنه يدل على كثير من صفات الكمال ، لأنه يدل على قيام الرب بنفسه ، وإقامته لغيره وقيامه عليه، وذلك يتضمن وجوب الوجود وكمال الغنى وتمام القدرة ومعاني الخلق والتدبير !.
ومن هذا النوع ما يدل على جميع صفات الكمال، كاسم الله ، واسم الصمد، فإن لفظ الجلالة يدل على الذات الجامعة لصفات الإلهية كافة ، واسم الصمد يدل على جميع صفات الكمال أيضا ، لأن معناه السيد الذي كملت جميع صفات كماله ، ولهذا يصمد إليه في جميع المطالب، ويقصد في جميع الحوائج .
2- التصريح بأعيان الصفات ومصادر الأسماء ؛ كقوله تعالى: (أنْزَلهُ بعِلْمِهِ ) ، وقوله : ( إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) وقوله : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذو الرَّحْمَةِ ) ، وقوله : ( إنِّي اصْطَفيْتُكَ عَلى النَّاس برسالاتي وبكلامي ) ، وقوله : ( قَال فِبعِزَّتِكَ لأُغويَنَّهُمْ أجْمَعِينَ ) .
3- التصريح بفعل أو وصف دال على الصفة ؛ ويدخل في ذلك ذكر الحكم المترتب على الصفة ، كقوله تعالى كقوله ؛ ( الرحمن على الْعَرش اسْتَوَىَ ) ، وقوله : (إنَّا مِنَ الْمُجْرمِينَ مُنْتَقِمُون ) ، وقوله : ( علمَ اللَّهُ أنَّكمْ كنْتُمْ تَخْتَانُون أنْفُسَكُمْ فتَابَ عَليْكمْ وَعَفا عنكمَ ) ، وهو باب واسع ينتظم ما لا يكاد يحصى من الصفات .
والغريب أن ابن حزم رغم عنايته بالنقل وظاهريته المشهورة لم ير في كل ما ذكر من الأدلة حجة على إثبات الصفات، ولهذا أنكرها، وزعم أﻧﻬا بدعة كلامية لم ترد في نصوص الشرع أو كلام السلف ، وادعى أن ما ورد من الأسماء الحسنى مجرد أعلام جامدة ، وليست مشتقة من أوصاف الرب وأفعاله القائمة به، وأنكر تغاير الصفات ومغايرﺗﻬا للذات، وانتهى به الأمر إلى موافقة المعتزلة في التعطيل وإن خالفهم في مدركه ، لأﻧﻬم أنكروا الصفات فرارا من التعدد على أصل أوائلهم، أو من التركيب على أصل أبي الهذيل العلاف ومن وافقه . وهذا القول من أخطاء ابن حزم المشهورة ، وهو باطل من وجوه كثيرة، منها : -
١- أن النصوص صرحت بالصفات لفظا ومعنى فتكون دعوى الابتداع مجازفة ومخالفة ظاهرة ، قال تعالى : ( ولله المثل الأعلى ) ؛ أي الصفة العليا ، كما فسرها بذلك ابن عباس رضي الله عنهما وكثير من أئمة التفسير . وروى الإمام البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بقل هُوَ اللَّهُ أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال : لأﻧﻬا صفة الرحمن ) ؛ يقول ابن حجر: " فيه حجة لمن أثبت أن لله صفة ، وهو قول الجمهور، وقد طعن فيه ابن حزم بأنه من أفراد سعيد بن أبي هلال ، وفيه ضعف ، وكلامه مردود، لأن سعيدا متفق على الاحتجاج به"
وقد صرحت نصوص كثيرة بأعيان الصفات، كقوله تعالى : ( ذو الْقُوَّةِ) وقوله ، (أنْزَلهُ بعِلْمِهِ ) ، وقوله ( وَرَبُّكَ اْلغَفورُ ذو الرَّحْمَةِ ) ، وهو دليل قاطع على ثبوت الصفات ، وتغايرها ، ومغايرﺗﻬا للذات !.
٢- أن أسماء الرب أعلام وأوصاف لا مجرد أعلام كما زعم ابن حزم بدليل قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ اْلَأسْمَاءُ اْلحُسْنَى ) ، ولا يصح كوﻧﻬا حسنى إلا إذا دلت على أكمل الصفات، واستغرقت جميع الصفة التي اشتقت منها.
وفي مقابل رأى ابن حزم رأى ابن حجر وغيره أن المراد بأسماء الرب صفاته ، لأن الاسم يراد به بلغة العرب الصفة ، ولهذا يقال : طار اسمه في البلاد ، أي صيته ووصفه !
وهذا ليس بمسلم أيضا ، لأن أسماء الرب أعلام وأوصاف لا مجرد أعلام كما قال ابن حزم ، ولا مجرد أوصاف كما رأى ابن حجر ومن وافقه.
وقد صرحت النصوص بمصادر كثير من الأسماء ، كالعلم والقوة والرحمة ؛ قال تعالى : ( أنزله بعلمه ) ، وقال : ( ذو القوة ) ، وقال : ( ذو الرحمة ) ؛ وفي ذلك دلالة على أن أسماء الرب مشتقة من صفاته بمعنى أﻧﻬا ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى لا أﻧﻬا متولدة منها تولد الفرع من أصله ، بحيث يسوغ إثبات ما لم يرد من الأسماء اشتقاقا من صفات الرب وأفعاله فالعليم مشتق من العلم ، والقوي من القوة ، والرحيم من الرحمة ، ولولا ثبوت مصادر ما ورد من الأسماء الحسنى لانتفت حقيقتها ، بل لانتفت حقيقة الذات ، لأنه لا يمكن في الوجود الخارجي وجود ذات بلا صفات ، إذ قيام الصفات بالذات مقتضى الذاتية لا يختلف شاهدا ولا غائبا !
وقد اعتبر علماء السلف إنكار حقائق الأسماء الحسنى ومعانيها من أعظم أنواع الإلحاد فيها ، ورأوا فيه مخالفة ظاهرة لما هو معلوم من الدين بالضرورة ؛ إذ لو كانت أعلاما جامدة لكفى أحدها في الدلالة على الذات، واعتبر سائرها لغوًا لا فائدة منه ، ولما شرع في التوسل مراعاة الأسماء المناسبة للأدعية ، ولجاز أن يسمى الله بما اتفق من الأسماء حتى لو تضمن نقصا ! والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .