محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
وواقع الناس يدفعنا إلى أن نبين فضل الوالدين وحقهما وبرهما والإحسان إليهما ، إظهارًا للحق وإعذاراً عند الله تعالى ، ولعل الذين وقعوا في العقوق يتقون ويتداركون أمرهم ، فيتوبون ويُرجعون الحق إلى أهله ، ويندمون على ما قصروا في حق آبائهم ، ولا يعودون إلى مثله .
والحديث عن الأدب مع الوالدين حديث عن طاعة لله تعالى.. عن دين يتبع.. عن شكر واجب.. عن حق يؤدى.. عن أصل وفرع.. عن وفاء ودين.. عن جميل يرد.. عن رحمة موصولة.
هذا هو الإسلام ، ووالله ما رأيت ذلك في غير الإسلام .
إن غير المسلمين ممن يدعي الإنسانية ويتشدق بحقوق الإنسان لما أراد أن يكرم الأم جعل لها يوما في السنة !! ولم يتحدث عن حق الأب ولا إكرام الأب !!
أما في الإسلام فإن الله تعالى قد أعطى كل شيء حقه ، وبين حقوق كل أحد ، ولم أجد بعد حق الله وحق رسوله حقًّا هو أعظم من حق الوالدين ؛ ذلك لأن أعظم الناس منة على الإنسان والديه : كانا سبب وجوده في الحياة ، وأولياه الرعاية والعناية منذ كان جنينًا وإلى أن اشتد عوده وصار محتملا للكسب والاستقلال .
ويدلك على أن حق الوالدين من أوكد الحقوق بعد حق الله U وحق رسوله e أن الله تعالى ذكر الإحسان إليهما بعد توحيده ، فقرن بين حقه تعالى وحق الوالدين ؛ فقال سبحانه: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً[ (سورة الإسراء: 23) ، كما ذكر شكرهما بعد شكره ليؤكد على حقهما ، فقال Y: ]أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ[ (سورة لقمان: 14).
ولما سئل النبي e: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: « أُمُّكَ » قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: « ثُمَّ أُمُّكَ » قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: « ثُمَّ أُمُّكَ » قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: « ثُمَّ أَبُوكَ » متفق عليه من حديث أبي هريرة([1]).
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضل الوالدين وبرهما ، والتي تجعل المسلم يسعى إلى الإحسان إليهما وإكرامهما في كل لحظة لا في يوم واحد من العام.
بل وأكثر من ذلك فقد جعل الإسلام الإساءة إلى الوالدين بأدنى أنواع الإساءة جريمة ، قال الله تعالى: ]فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا[ (الإسراء: 23) ، فنهى عن أقل ما يكون من سوء القول ]فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ[، وعن أقل ما يكون من سوء الفعل ]وَلا تَنْهَرْهُمَا[ .
وحرَّم الله الرحيم على عاق والديه دخول الجنة ، فروى أحمد والنسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ: « لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلا عَاقٌّ وَلا مُدْمِنُ خَمْرٍ » ([2]). إلى غير ذلك من الأحاديث التي سنذكر منها طائفة إن شاء الله تعالى .
ولما أصبحنا في زمن كثر فيه عقوق الوالدين ، وقل فيه الإحسان إليهما ، فزاد فيه اللؤم وقل فيه الكرم ... وهل هناك لؤم أبشع من أن يقابل الإنسان الإحسان بالإساءة ؛ أو أن يعض اليد التي طالما مُدت إليه عونًا وشفقة ؛ أو يكون سببًا في نكد من يريد له السعادة.. هذا حال العاق مع والديه.
لما كان ذلك كذلك كان لابد من بيان الأدب الذي أمر به الله تعالى وأمر به رسوله مع الوالدين إعذارًا إلى الله تعالى ... ولعهم يتقون .
والله أسأل أن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره والدال عليه ، هو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله أجمعين .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
[1] - البخاري (5971)، ومسلم (2548).
[2] - أحمد: 2 /، والنسائي (5672).