الأدب مع الحيوِان

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر


هذه رسالة كتبتها من نحو ست سنين ، وطبعتها إدارة الدعوة بوزارة أوقاف قطر تحت عنوان ( من روائع حضارتنا - الأدب مع الحيوان )​

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :​

فالإسلام دين الرحمة العامة ، فرحمة الإسلام لا تختص بالإنس فقط ، بل هي رحمة للعالمين ؛ قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء :107 ] ، والعالَمون جمع عالم ، وعالم الحيوان يشكل عالَمًا من العالمين ، فبلا شك أن له نصيبًا من الرحمة ، بل قد أصابه من ذلك الشيء الكثير .​

وإذا كانت الحضارة الغربية تزعم - أو يُزعم لها - بأنها أول من أصَّلت لمسألة الرفق بالحيوان ؛ فهذا زعم باطل ، فقبل أن يعرف العالم الرفق بالحيوان بأربعة عشر قرنًا من الزمان أمر الإسلام أهله بالإحسان إلى الحيوان ، والإحسان أعلى وأرقى وأعم من الرفق .​

فالإسلام أول من أَصل رعاية الحيوان والرفق به في آداب راقية ؛ منها ما هو واجب يأثم المرء إن لم يفعله ، ومنها ما هو مندوب ، لفاعله أجر وثواب ومغفرة .. فهل ترقى قواعد جمعيات الرفق بالحيوان إلى هذه الدرجة ؟ !!​

كلا .. فجمعيات الرفق بالحيوان إنما تقوم على أسس أخلاقية صرفة ، وقواعد إنسانية عامة ، ليس لها أساس تشريعي ولا قوانين ملزمة ، ولا يترتب على أعمالها ثواب لممتثل ، ولا عقوبة على مخالف ، إلا ما يكون من رفع بعض القضايا للمحاكم للنظر فيها .​

ولئن كانت أول جمعية للرفق بالحيوان تأسست في بريطانيا عام 1824 م ، فقد عرفت الحضارة الإسلامية الرفق بالحيوان منذ قامت ، واستمر ذلك عبر تاريخها ؛ وسجل الوقف الإسلامي سبقًا في إنشاء دور لرعاية الخيل ، وأخرى لرعاية الحيوانات الضالة ، وكان هناك أوقافٌ خاصة لتطبيب الحيوانات المريضة ، وأوقافٌ لرعاية الحيوانات المسنة ، قبل أن تعرف الحضارة الغربية الرفق بالحيوان بقرون عديدة .​

ثم أخبِروني عن إحسان ورفق وأدب مع الحيوان مثل ما في الإسلام ؛ لقد أخبرنا رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم بأن امرأة استوجبت النار بسبب حبسها لقطة لم تقدم لها الطعام ، ولم تتركها تسعى لتأكل من حشرات الأرض وهوامها ؛ وعن بغي من بغايا بني إسرائيل غفر الله لها بسقيها كلبًا كان يلهث من العطش ... فيا لعظمة هذا الدين .... وللحديث صلة .​
 


ثم إيتوني بمثال رائعٍ كهذا : دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطًا لرجل من الأنصار ، فإذا جمل فلما رأى النبيَّ حنَّ إليه وذرفت عيناه ، فأتاه النبيُّ فمسح ذفرته ( مؤخرة رأسه ) فسكن فقال : " مَنْ رَبُّ هذا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هذا الْجَمَلِ ؟ " فجاء فتى من الأنصار ، فقال : هو لي يا رسول الله ، فقال : " أَلا تَتقي الله في هذِهِ البَهيمَةِ الّتي مَلَّكَكَ الله إِيّاها ، فَإِنَّهُ شَكا لي أَنَّكَ تُجيعُهُ وَتُدْئِبُهُ " [1] ؛ يعني تتعبه في العمل .​

وقد جاءت نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة بالحث على الإحسان الشامل للحيوان مأكول اللحم وغير مأكوله ، مع طائفة من الأحاديث مما صح في الوعيد لمعذبه سواء كان ذلك نتيجة تجويع أو إهمال أو غير ذلك .​

فقد أشار القرآن العظيم إلى الرفق بالحيوان ، فقال الله تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] ؛ فإنَّ الإخبار بأنَّها أمم أمثالنا تنبيه على المشاركة في المخلوقية وصفات الحيوانية كلها ؛ وفي قوله : { ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } إلقاء للحذر من الاعتداء عليها بما نهى الشرع عنه من تعذيبها ، وإذا كان يقتصُّ لبعضها من بعض وهي غير مكلَّفة ، فالاقتصاص من الإنسان لها أولى ؛ وقد ثبت في الحديث الصحيح أنَّ الله شكر للذي سقى الكلب العطشان ، وأنَّه عز وجل أدخل امرأة النار في هرَّة حبستها فماتت جوعًا [2] ... وللحديث صلة .​

وبناء على النصوص الشرعية ومقتضياتها بوَّب فقهاء الإسلام ما يجب ويستحب أو يحرم ويُكره بخصوص الحيوان بوجه عام ، وبما يتعلق بالذكاة لمباح الأكل بوجه تفصيلي خاص ؛ ذلك لأن الله تعالى سخر الحيوان لخدمة الإنسان ، فله ذبحه لمصلحة معتبرة ؛ ولكن ليس له إيذاؤه أو الإضرار به لغير مصلحة شرعية ، فقد أذن الإسلام للناس في الانتفاع بما يُنتفع به من الحيوان ، ولم يأذن في غير ذلك ؛ ولذلك كره صيد اللهو ، وحرم تعذيب الحيوان ؛ وقد عدَّ العلماء الاستطالة ( [3] ) على الحيوان من الكبائر لورود اللعن على من يعذب الدواب ، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بدخول المرأة التي حبست القطة النار .​

________________​

[1] - أخرجه أبو داود والحاكم وصححه ؛ وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى .​

[2] - انظر ( التحرير والتنوير ) عند الآية ( 38 ) من سورة الأنعام .​

[3] - الاستطالة : التطاول والتعدي بغير حق .​



 
لقد شملت رحمة الإسلام ورعايته الحيوان الأعجم ، لأن الله تعالى سخره لخدمة الإنسان ، ومن الواجب صيانة هذه النعمة حتى يدوم الانتفاع بها ، بل إن رحمته شملت الحيوانات الأخرى التي لا تظهر فيها المنفعة المباشرة في الأمور الأساسية للحياة ، لأنها على كل حال مخلوقات تحس بما يحس به كل حيوان ، ولها في الكون وظيفة خلقت لها .
هذا ، وقد بلغ المسلمون في الرفق بالحيوان حدًّا لا يكاد يُتصور ، حتى إن عدي بن حاتم رضي الله عنه كان يفت الخبز للنمل ، ويقول : إنهن جارات ولهن حق[SUP] [1] [/SUP].
وروي محمد بن عبد الحكم - رحمه الله - في سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أنه نهى عن ركض الفرس إلا لحاجة ، وأنه كتب إلى صاحب السكك أن لا يلجموا واحدًا منها بلجام ثقيل ، ولا ينخس بمقرعة في أسفلها حديدة ؛ وكتب إلى واليه بمصر : إنه بلغني أن بمصر إبلاً نقالات يحمل على البعير منها ألف رطل ، فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل[SUP] [2] [/SUP].
فأين جمعيات الرفق بالحيوان من هذا الأدب العظيم ؛ بل أين جمعيات الرفق بالحيوان مما يحصل للحيوانات من إيذاء وضرر في مسابقات وحشية قاسية ؛ كتلك المعروفة بـ (مصارعة الثيران ) في أسبانيا وموزمبيق ، واليونان ، وإيطاليا ، وبولندا وغيرها ؛ تلك المسابقات التي يجتهد فيها المصارع أن يقتل الثور تدريجيًا ليذيقه الموت البطيء ، وذلك عن طريق رمي السهام في جسده ، ورؤية دمائه تتفجر من كل جزء من بدن الثور ، لا لشيءٍ إلا لمجرد التسلية والاستمتاع !! و تقام هذه المصارعات في حلبات كبرى يشاهدها جمهور يستمتع بتعذيب الثور بهذه الطريقة البشعة ؛ ويدعون ذلك ضربًا من الحضارة !! حتى إن الإحصائيات تشير إلى أن ما يقرب من ( 35 ألف ثور ) يُعذَّب ويموت سنويًا في أسبانيا وحدها ، ونحو ( 10 آلاف ثور ) في حلبات أوروبا !
وهناك مسابقات أخرى لا تقل قسوة في التحريش بين بعض الطيور والحيوانات كمصارعة الديوك والكباش وغيرها ، واتخاذ بعض الحيوان والطير غرضًا للتنافس رميًا بالرصاص .
وأين جمعيات الرفق بالحيوان ، عن الصعق الكهربائي للحيوانات ، وضربها بالهراوات على رأسها حتى الممات ، وتعذيبها لإزهاق أرواحها ، ويزعمون أن ذلك أهون من الذبح الشرعي الذي يهرق الدم من غير إيذاء كالذي يفعلونه ، أم أن ذبح المسلمين للأضاحي ، وتقربهم إلى الله بذبح الهدي في الحج هو الشغل الشاغل لهذه الجمعيات التي تدعي الرفق بالحيوان ؟! فليعلم هؤلاء أن رب العالمين الذي خلق الحيوان هو الذي أمر بهذا ، وجعله شعيرة من شعائره ، وهو سبحانه أرحم بمخلوقاته ممن يدعي الرفق بالحيوان ؛ وهذه الهدايا والضحايا سنة من سنن الأنبياء والمرسلين ، ولن يتخلى عنها المسلمون طال الزمن أم قصر ، رضي الكفار أم سخطوا ، لأنه أمر من الله عز وجل ، القائل في محكم التنزيل : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } [ الحج : 36 ، 37 ] ، وقال جل جلاله : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [ الكوثر : 2 ] .



[1] رواه ابن سعد في طبقاته ، والبيهقي في الشعب ( 11079 ) .
[2] انظر ( سيرة عمر بن عبد العزيز ) لمحمد بن الحكم ، ص136.
 
من هنا يظهر جليًّا الفرق الشاسع بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات ؛ تلك الحضارة العظيمة التي حرصت على إعطاء الحيوان حقه والاهتمام به ، والإحسان في التعامل معه ، وحرَّمت مظاهر القسوة والعنف ضده ؛ ففي الوقت الذي قررت فيه شريعة الإسلام أن الْعَجْمَاءَ جُبَارٌ [1] ، نُقِل عن الحضارات القديمة والوسيطة كقدماء العبرانيين واليونان والرومان والفرس ، والأمم الأوروبية الحديثة فيما بين القرن الثالث عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي أنها كانت تقرُّ مبدأ مسئولية الحيوان عن تصرفاته وتحاسبه عليها ؛ وليس أدل على ذلك مما ورد في شرائع اليهود ( المحرفة ) من وجوب رجم الثور إذا نطح رجلاً فقتله !! ففي ( سفر الخروج - إصحاح 21 ) : ( إذا نطح ثور رجلا أو امرأة ، وأفضى ذلك إلى موت النطيح ، وجب رجم الثور ، وحرم أكل لحمه ) ؛ وهذا النص صريح في اعتبار الثور أهلاً لاحتمال المسئولية الجنائية ، وفي اعتبار رجمه جزاءً بالمعنى القانوني الدقيق لكلمة الجزاء ؛ بل وُجدت محاكمات خاصة للحيوانات في شرائع اليونان القديمة ، ذكر فيها أفلاطون في ( القوانين ) أنه إذا قتل حيوان إنسانًا كان لأسرة القتيل الحق في إقامة دعوى على الحيوان أمام القضاء !!! وفي حالة ثبوت الجريمة على الحيوان ، يجب قتله قصاصًا !! وبلغ الأمر عند قدماء الفرس غاية العجب ! إذ ورد في أسفار الأبستاق أو الأفستا ( وهي مجموعة الكتب المقدسة المنسوبة لزرادشت , والتي تقوم عليها الديانة الزرادشتية عند قدماء الفرس ) أن الكلب المصاب بالكَلِب ( داء الكلب ) إذا عض خروفًا فقتله ، أو إنسانًا فجرحه قطعت أذنه اليمنى !! فإن تكرر منه ذلك قطعت أذنه اليسرى ، وفي المرة الثالثة تقطع رجله اليمنى ، وفي الرابعة رجله اليسرى ، وفي الخامسة يستأصل ذنبه ؛ ويعاقب صاحبه كذلك إن كان قد أهمل في اتخاذ ما ينبغي اتخاذه حيال كلبه من احتياط ورقابة .
ولا يخفى ما ينطوي عليه هذا القانون وتلك العقوبات التي يقررها بصورة تراعى فيها سوابق الجاني من تسليم بأهلية الحيوان لاحتمال المسئولية الجنائية وما يترتب عليها من جزاء .
وفي القرون الوسطى كانت فرنسا أول دولة نصرانية أخذت في القرن الثالث عشر بمبدأ مسئولية الحيوان ومعاقبته بجرمه أمام محاكم منظمة !! ثم تلتها سردينيا ، ثم بلجيكا في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي ، وفي هولندا وألمانيا وإيطاليا في منتصف القرن السادس عشر الميلادي ؛ وظل العمل به قائمًا عند بعض الشعوب حتى القرن التاسع عشر الميلادي !!
فأين ذلك من إقرار الشريعة الإسلامية السمحاء مبدأ الإحسان إلى الحيوان والرفق به وجعل الآثار المترتبة على بعض أعماله من قتل وجرح هَدَرًا ؛ لأنه لا يعقل ، ولا يفعل ذلك عن قصد جنائي يؤاخذ به ؟!
وإذا كانت الشريعة الإسلامية تحرص على الإحسان في التعامل مع الحيوان ، وإعطائه حقوقه ، إلا أنها قررت - أيضًا - قتل الضار منه ، وتحريم ما يؤذي الإنسان أكله ؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ صلى اله عليه وسلم قَالَ : " خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ : الْفَأْرَةُ ، وَالْعَقْرَبُ ، وَالْحُدَيَّا ، وَالْغُرَابُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ " [SUP]( [2] ) [/SUP]؛ ومع ذلك لم تبح الشريعة تعذيب هذا الحيوان الضار ، وإنما أمرت بالإحسان في قتله .
وهذا هو التوازن الذي تسعد به البشرية حقًّا ؛ بل الكائنات كلها ... وللحديث صلة .


[1] - رواه البخاري ( 2228 ) عن أبي هريرة t ؛ والعجماء : البهيمة من الأنعام وغيرها ، والجبار : الهدر الذي لا يغرم .

[2] - البخاري ( 3136 ) ، ومسلم ( 1198 ) ، وسيأتي الحديث عن ذلك بشيء من التفصيل .
 
فلا شك أن هديَ الإسلام في الإحسان إلى الحيوان والرفق به هو الهديُ التام ؛ فقد جاء الإسلام بالوسطية في الأمور كلها ، فهو وسط بين الإفراط والتفريط ؛ ولذلك لم يبالغ في معاملة الحيوان إلى درجة يرقى فيها إلى درجة الإنسان ، بل أمر بإعطائه حقه والإحسان إليه بما يناسبه .
فإن تبجح الكفار اليوم بإشادتهم بالرفق بالحيوان ، حتى رأينا عندهم من بالغ في معاملة الحيوان لدرجة أنه يوصي بأمواله إلى كلب أو قط أو نحو ذلك ، فيَحرِم أقرب الناس إليه من ماله ، ويجعل ذلك إلى الحيوانات مبالغة وغلوًّا ؛ ورأينا أطعمة خاصة بالحيوانات بعضها أغلى مما يتناوله الإنسان ؛ بل رأينا فنادق للكلاب والقطط ، فأي سفه انتهى إليه من يفعل ذلك .
فإن تبجح هؤلاء بذلك ، فقد أمرنا الإسلام العظيم بالعدل والإحسان ، ونهانا عن الظلم والعدوان ؛ فجاءت شريعته صالحة لكل زمان ومكان ، لأنها تعطي كل ذي حق حقه من غير إفراط ولا تفريط .
والعجيب أن الذين يتشدقون اليوم بحقوق الإنسان والرفق بالحيوان هم أكبر منتهك لحقوق الإنسان ، وأعظم ظالم في التعامل مع الحيوان ؛ فقد انتكست فطرة بعضهم فأصبحوا يخدمون الكلاب والقطط ويكرمونها ؛ ولا يقيمون وزنًا للإنسان الذي شرفه الله تعالى وفضله على كثير من مخلوقاته ، قال تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 70 ] ؛ حتى صدق فيهم قول الشاعر :
موت كلب بضيعة جريمة لا تغتفر ... قتل شعب بأسره مسألة فيها نظر
وفي هذه الرسالة ( الأدب مع الحيوان ) نستعرض ما شرعه الإسلام من آداب وحقوق مع هذه العجماوات ، ليعلم الجميع أن دين الإسلام أحاطت رحمته بكل الكائنات .
هذا ، والله الكريم أسأل أن ينفع بهذه الرسالة كاتبها وناشرها وقارئها والدال عليها ، إنه خير مسئول وأكرم مأمول ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
راجي عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
 


نظرة الإسلام إلى الحيوان​

ينظر الإسلام إلى عالم الحيوان إجمالًا على أنه خلق من خلق الله تعالى ، خلقه لحكمة بالغة ، وسواء منه ما له علاقة مباشرة بالإنسان وله في حياته أهمية ومنافع ؛ وما ليس له علاقة مباشرة بالإنسان ولكن له دور مهم في عمارة الكون واستمرار الحياة ، ومن هنا كان للحيوان ذكر في كثير من النصوص التي استنبطت منها الأحكام المتعلقة به ؛ ولا أدلَّ على ذلك من أن في القرآن الكريم عدة سور سميت بأسماء الحيوان ، مثل سورة البقرة ، والأنعام ، والنحل ، والنمل ، والعنكبوت ، والفيل .​

وذكر القرآن العظيم بعض الحيوانات في مواضع الامتنان ، ومواطن الاعتبار ، وضرب الأمثال : كالإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير ، والفيل والنملة والغراب والهدهد ، والذئب والكلب والضفادع ، والذبابة والبعوضة والفَرَاش والقمل والجراد ... وللحديث صلة .​
 
وقد نصَّ القرآن الكريم على تكريم الحيوان ، وبيان مكانته ، وتحديد موقعه من الإنسان ، فبعد أن ذكر الله عز وجل - في سورة النحل - خلقه السموات والأرض بالحق ، وخلقه الإنسان ، أردف ذلك بقوله : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ . وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ . وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ النحل : 5 - 8 ] .
وقد دلت هذه الآيات الكريمات على ما يلي :
أولا : أن الحيوان شديد الارتباط بالإنسان ، وثيق الصلة به ، قريب الموقع منه ، { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ } ، ومن هنا كان للحيوان على الإنسان حرمة وذمام[SUP] [1] [/SUP].
ثانيًا : أن منافع الأنعام منها ما هو ضروري ، ومنها غير ضروري ، وقد بدأ القرآن بذكر الضروري : { فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ؛ فالدفء ما يستدفأ به من الأكسية ، وقد قال جل جلاله : { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } [ النحل : 80 ] ؛ والمنافع من الألبان والنسل ، وفيهما منافع كثيرة من الأكل والشرب والتجارة فيها ، وغير ذلك ؛ قال الله تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [ المؤمنون : 21 ، 22 ] ، وقال عز وجل : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ } [ يـس : 71 – 73 ] ، وقال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [ غافر : 79 ، 80 ] .
والمنفعة الثالثة : الأكل منها ، والأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) غالب ما يعتمده الناس من أكل اللحوم .
وأما المنافع غير الضرورية ، فالأولى : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } ؛ والإراحة : ردُّ الإبل بالعشي إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلاً ، والتسريح : إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى ؛ قال القرطبي - رحمه الله : وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة ، وهو مرئي بالأبصار موافق للبصائر ، ومن جمالها : كثرتها وقول الناس إذا رأوها : هذه نَعَمُ فلان ، ولأنها إذا راحت توفر حسنها ، وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها[SUP] [2] [/SUP].
والمنفعة الثانية : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنفُسِ } ؛ والأثقال : جمع ثقل ، وهو متاع المسافر ؛ وقد كانوا يجدون مشقة بالغة في حمله بأنفسهم .
ثالثًا : أن الدواب من الخيل والبغال والحمير فيها منفعتان : الركوب والزينة ، { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } ؛ والزينة : ما يتزين به الناس ، وما يحسن في أنظارهم من طرائف الدنيا ، فإن محاسن المناظر لذَّة للناظرين ، فامتنَّ بمنافعها وبحسن منظرها ؛ فذكر في هذه الآية أهمَّ ما خلقت له الخيل والبغال والحمير من المنافع وهو الركوب ؛ وفي الركوب راحة البدن ، وسرعة الانتقال من مكان إلى مكان ، والراحةُ من متمات الصحةِ ، وسرعةُ الانتقال حفظٌ للوقت من أن يذهب في غير جدوى ؛ ونبه على ما فيها من زينة ؛ وفي هذا ما يرشد إلى أن يكون الاستمتاع بها في رفق ورعاية ؛ فإن إرهاقها ، أو قلة الاهتمام بها يجعل نفعها ضئيلاً ، ويذهب بما فيها من جمال وزينة .
رابعًا : أن الله سبحانه أراد بهذه الآيات أن يبتعد بالإنسان عن أن ينظر إلى الحيوان نظرة ضيقة لا تتعلق إلا بالجانب المادي المتعلق بالأكل والنقل واللباس والدفء ، فوسع نظرته إليه مشيرًا إلى أن للحيوان جانبًا معنويًا ، وصفات جمالية تقتضي الرفق به في المعاملة ، والإحسان إليه في المصاحبة ، فقال عز وجل : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } ، وقال : { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } ؛ فالجمال عنصر أصيل ، وليس الأمر متوقفًا على تلبية الضرورات من الطعام والشراب والركوب وسائر وجوه الانتفاع ؛ بل في هذه تلبية حاسة الجمال ووجدان الفرح والشعور الإنساني الراقي ... وللحديث صلة .

[1] - انظر تفسير القرطبي عند الآية ( 5 ) من سورة النحل .

[2] - انظر تفسير القرطبي عند الآية ( 6 ) من سورة النحل .
 
وفي سورة النحل - أيضًا - قال عز وجل : { أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 79 ] ؛ والآية الكريمة تفيد أن الله تعالى سخر للإنسان الطير ؛ وفي طيرانها آية ومعجزة دالة على كمال قدرته وحكمته ، وجوانب الانتفاع بالطير كثيرة ، فمنها : أكل اللحم ، والانتفاع بريشها وبيضها ، واستعمال بعضه وسيلة صيد ، كالصقر والبازي ، وتوظيفها كوسيلة من وسائل البريد كالحمام الزاجل .. وغير ذلك من المنافع .​

وفي سورة النحل - أيضًا - قال جل جلاله في شأن النحل : { يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل : 69 ] ؛ وهي منفعة عظيمة للإنسان ، فالعسل الذي يخرج من بطون النحل جعل الله تعالى فيه شفاء للناس .​

وجملة القول أن الإسلام بيَّن أن الله عز وجل خلق الحيوان وسخره للإنسان ، وأذن في أكل الطيب منه ، وأباح استعماله في نحو الركوب ، والحراثة ، وحمل الأثقال ؛ وجعل في بعضه جمالًا وزينة لأصحابه ؛ وامتن  على عباده بما يُتخذ من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها وجلودها من الملابس والفرش والبيوت ، وبما يتغذى به من ألبانها ولحومها ، وبما هُيَّئت له من حمل الأثقال ؛ وبيَّن ما يُنتفع به من النحل من الاستشفاء بعسله .​

ومنفعة أخرى عظيمة ، وهي استدلال العقول بهذه المخلوقات على الله تعالى وعظيم قدرته ؛ فقال تعالى : { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [ الغاشية : 17 ] ، وختم الآية التي تحدثت عن النحل بقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل : 69 ] ، والآية التي تحدثت عن الطير بقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 79 ] .​

وهذه المنافع من أهم ما تنتظم به حياة الإنسان ، ومن أعظم ما يكون به إكرام الحيوان ما دام على قيد الحياة ؛ وهي نِعَمٌ تستوجب شكر المنعم ، ولذا قال الله تعالى : { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ } .​



 
الرفق بالحيوان عبادة لله تعالى
توافرت النصوص على أن الإحسان إلى الحيوان والرفق به عبادة من العبادات ، وقربة من القربات قد تصل في بعض الأحيان إلى أعلى درجات الأجر وأقوى أسباب المغفرة ، ومن ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ ؛ فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي ؛ فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا ؟ فَقَالَ : " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " متفق عليه ، وفي رواية عند ابن حبان : " فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ "[SUP] [1] [/SUP]. وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " [2] .
فانظر كيف غفر الله عز وجل لهذا الرجل وأدخله الجنة ؛ وغفر لهذه البغي ما كان منها بسبب سقيا كلب .
وفي مسند أحمد عن عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنِّي أَنْزِعُ فِي حَوْضِي حَتَّى إِذَا مَلَأْتُهُ لِإبلِي ، وَرَدَ عَلَيَّ الْبَعِيرُ لِغَيْرِي فَسَقَيْتُهُ ؛ فَهَلْ لِي فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ " [3] ؛ وعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الضَّالَّةِ مِنْ الْإِبِلِ تَغْشَى حِيَاضِي ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ ، أَسْقِيهَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، مِنْ كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ "[SUP] [4] [/SUP].
قال في ( النهاية ) : الحرَّى فعلى من الحرِّ ، وهي تأنيث حرَّان ، وهما للمبالغة ؛ يريد أنها لشدة حرِّها قد عطشت ويبست من العطش . والمعنى أن في سقي كل ذي كبد حرَّى أجرًا ؛ وقيل : أراد بالكبد الحرَّى حياة صاحبها ؛ لأنه إنما تكون كبده حرَّى إذا كان فيه حياة ؛ يعني : في سقي كل ذي روح من الحيوان[SUP] [5] [/SUP].
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ : لِرَجُلٍ أَجْرٌ ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ ؛ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ - وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا - كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ ؛ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ .." الحديث[SUP] [6] [/SUP].
دلت هذه الأحاديث على أن الإحسان إلى الحيوان عبادة وقربة لله تعالى يؤجر صاحبها .

[1] البخاري ( 2234 ) ، ومسلم ( 2244 ) ، وابن حبان ( 543 ) .

[2] مسلم ( 2245 ) .

[3] أحمد : 2 / 222 ، وصححه الألباني في ( صحيح الترغيب ) .

[4] أحمد : 4 / 175 ، وابن ماجة ( 3686 ) ، وصححه الألباني في الصحيحة ( 2152 ) .

[5] انظر ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) لابن الأثير ، مادة ( ح ر ر ) .

[6] البخاري ( 2705 ) ، ومسلم ( 987 ) .
 
الإساءة للحيوان معصية لله تعالى
إذا كان الإسلام قد اعتبر الرفق بالحيوان عبادة يؤجر عليها صاحبها ، فبالمقابل : الإساءة للحيوان وتعذيبه إثم يُعاقب عليه صاحبه بقدره ، ففي الصحيحين من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ؛ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ "[SUP] [1] [/SUP]، وفي صحيح البخاري عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ ، فَقَالَ : " دَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَإِذَا امْرَأَةٌ - حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : - تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ ؛ قَالَ : مَا شَأْنُ هَذِهِ ؟ قَالُوا : حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا "[SUP] [2] [/SUP]؛ قال النووي - رحمه الله : إن المرأة كانت مسلمة وإنها دخلت النار بسببها ؛ وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت بإصرارها كبيرة[SUP] [3] [/SUP]؛ وقال ابن حجر- رحمه الله : في هذه الأحاديث تحريم تعذيب الحيوان الآدمي وغيره[SUP] [4] [/SUP].
وهناك أحاديث أخر تدل على عقاب من يؤذي الحيوان ، مما يدل على أن إيذاء الحيوان معصية لها عقوبتها ، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لَوْ غُفِرَ لَكُمْ مَا تَأْتُونَ إِلَى الْبَهَائِمِ لَغُفِرَ لَكُمْ كَثِيرًا "[SUP][5][/SUP].

[1] البخاري ( 3295 ) ، ومسلم ( 2242 ) .

[2] البخاري ( 2235 ) .

[3] انظر ( شرح مسلم ) للنووي : 9 / 89 .

[4] انظر فتح الباري : 9 / 645 – دار الفكر .

[5] أحمد : 6 / 441 عن أبي الدرداء t ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 10 / 191 ) : رواه أحمد مرفوعًا ، ورواه ابنه عبد الله موقوفًا ، وإسناده جيد .ا.هـ ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان ( 5188 ) ؛ وحسنه الألباني في الصحيحة ( 514 ) .
 
الإحسان إلى الحيوان
أمر الإسلام بالإحسان الشامل للحيوان وسِواه ؛ فقد قال سبحانه وتعالى : { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ البقرة : 195 ] ؛ وقال عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } [ النحل : 90 ] ؛ وجاء الإحسان إلى الحيوان فيما رواه مسلم عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ (الذِّبْحَةَ ) ؛ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " [SUP]( [1] ) [/SUP]. والذِّبْحَةَ : هيئة الذبح ، والمعنى أن ترفقوا بالبهيمة ، وتسنوا الآلة ، وتوجهوها إلى القبلة ، مع التسمية ونية التقرب بذبحها إلى الله تعالى ؛ وَلْيُحِدَّ : أَيْ : لِيَجْعَلَ السِّكِّينَ حَادًّا سَرِيعَ الْقَطْع ؛ والشفرة : آلة الذبح ، وهي السِّكِّينُ الْعَظِيمة . وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته : مِنْ أَرَاحَ إِذَا حَصَلَتْ رَاحَة ؛ وذلك بِإِحْدَادِ السِّكِّين ، وَتَعْجِيل إِمْرَارهَا ، وَغَيْر ذَلِكَ .
والإحسان إيصال الخير ومنع الأذى والشر ، فمن أوصل الخير ولم يمنع أذاه لم يكن محسنًا ، ومن منع الأذى ولم يوصل الخير لم يكن محسنًا ؛ وهذا يدلك على أن الإحسان أعلى وأرفع من الرفق ؛ والإحسان في ذبح ما أُذن في ذبحه من الحيوان هو إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها من غير زيادة في التعذيب ، فإنه إيلام لا حاجة إليه .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ؛ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " ؛ بيان لآداب راقية في معاملة الحيوان والشفقة به ، وهذه الطريقة هي التي أباحها الله تعالى في ذبح الحيوان ، وهي - عند التأمل - أرفق الطرق وأكملها وأحسنها ؛ وقد جاءت أحاديث أخر بآداب راقية عند ذبح الحيوان لا ترقى طريقة من طرق الذبح إلى الدنو منها ... وللحديث صلة .

[1] مسلم ( 1955 ) ؛ ورواه أحمد : 4 / 123 ، 124 ، وأبو داود ( 2815 ) ، والترمذي ( 1409 ) ، والنسائي ( 4405 ، 4411 : 4414 ) ، وابن ماجة ( 3170 ) .
 
آداب آخرى مع الحيوان
وهذه آداب أخرى بديعة تبين كيف اعتنى الإسلام بالحيوان وأعطاه ما يستحقه من الرعاية والرفق .

عدم استعمالها في غير ما خلقت له
وهذا أدب عظيم لم أجد من سبق الإسلام إليه ، فإن الله تعالى سخر الحيوان للإنسان في أمور فيها قوام حياته كما تقدم ؛ ولذا لم يشرع له أن يتخذها لغير ما خلقت له ؛ فبين الله تعالى أنه خلق من الأنعام للحمولة ، ومنها للفرش ، ومنها للحراثة ، ومنها للركوب ، وعلى الإنسان أن يلتزم ذلك في استخدامها ، فلا يركب ما لم يخلق للركوب ، ولا يحمل على ما لم يخلق لذلك ؛ بل نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ ظهور الدواب منابر ، في بيان بأنها لم تخلق لذلك ؛ وفي إشارة إلى أن طول الركوب عليها لذلك يمثل نوعًا من إيلامها غير جائز .
وإليك شيئًا من البيان :
حمولة وفرشًا
قال الله تعالى : { وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } [ الأنعام : 142 ] ، والأنعام : الإبل ، والبقر ، والضأن ، والمعز ، والْحَمولة : ما يُحمل عليه المتاع أو النَّاس ؛ والفرش ؛ قيل : ما لا يُطيق الحَمل من الإبل ؛ روى الطبراني والحاكم عن ابن مسعود : { حَمُولَةً } ما حمل عليه من الإبل ، { وَفَرْشًا } الصغار من الإبل[SUP] ( [1] ) [/SUP]؛ وقيل : الفَرش : الصغار من الإبل أو من الأنعام كلها ، لأنَّها قريبة من الأرض فهي كالفرش ، وقيل : الفرش ما يذبح لأنَّه يفرش على الأرض حين الذبح أو بعده ، وقيل : ما يُنْسَج من وبره وصوفه وشَعْره الفرْش ؛ ولأنَّهم كانوا يفترشون جلود الغنم والمعز للجلوس عليها ؛ وقال عبد الرحمن ابن زيد : الحمولة : ما تركبون ، والفرش : ما تأكلون وتحلبون ، شاة لا تحمل ، تأكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافًا وفرشًا[SUP] [2] [/SUP].
والمعنى : وأنشأ لكم من الأنعام ما تحملون عليه وتركبونه وهو الإبل ، وما تأكلونه وهو البقر والغنم ، وما هو فرش لكم وهو ما يُجزُّ منها ، وجلودها ؛ فالآية دالة على أن لكل من الأنعام وظيفة في حياة الإنسان .
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : " بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا ، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ .. " الحديث ، ولفظ مسلم : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا ، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ : إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا ، وَلَكِنِّى إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ "[SUP] [3][/SUP] ؛ قال ابن حجر - رحمه الله : قوله : " إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا " استدل به على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه ؛ ويحتمل أن يكون قولها : " إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ " للإشارة إلى معظم ما خلقت له ، ولم ترد الحصر في ذلك ، لأنه غير مراد اتفاقًا ، لأن من أجَلِّ ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق[SUP] [4] [/SUP]؛ فقولها : " إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا " أي : لم نُخلق للركوب والحمولة ، وإنما خلقت للحراثة من الأعمال ؛ مع ما ينتفع بها من الأكل وغيره ؛ قال القاضي أبو بكر ابن العربي - رحمه الله : لا خلاف في أن البقر لا يجوز أن يحمل عليها ، وذهب كثير من أهل العلم إلى أن المنع من ركوبها نظرًا إلى أنها لا تقوى على الركوب ، إنما ينتفع بها فيما تطيقه من نحو إثارة الأرض وسقي الحرث .ا.هـ .

[1] الطبراني في الكبير : 9 / 208 ( 9018 ) ، والحاكم : 2 / 317 ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .

[2] انظر هذه الأقوال : عند ابن جرير : 8 / 47 .

[3] البخاري ( 3284 ) ، ومسلم ( 2388 ) .

[4] انظر فتح الباري : 6 / 518 .
 
النهي عن أن تتخذ كراسي للأحاديث
نهى رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم عن وقوف الراكب على الدابة وقوفًا يؤلمها من غير حاجة ، ففي سنن أبي داود من حديث أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ، وَجَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ، فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ "[SUP] [1] [/SUP]؛ وعند أحمد والدارمي والطبراني والحاكم عَنْ مُعَاذِ بن أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ ، فَقَالَ لَهُمْ : " ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لِأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ وَالْأَسْوَاقِ ، فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْهُ " وعند الطبراني " .. وَلا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ لأَحَادِيثِكُمْ ومَجَالِسِكُمْ "[SUP] [2] [/SUP].
ما أروع هذا الأدب الذي فيه الرحمة بالحيوان ؛ فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُركب الدواب سالمة ؛ أي : خالصة من الكد والإتعاب ؛ وتترك سالمة ، أي يُنزل عنها إذا لم يحتج إلى ركوبها ؛ ولا تتخذ كراسي لأحاديث الطرق والأسواق ؛ أي : لا يُجلس على ظهورها للتحدُّث مع الأصحاب كالجلوس على الكراسي للتحدُّث ، وإنما يكون ذلك على الأرض لا على ظهور الدواب .
والمنهي عنه الوقوف الطويل المؤذي لغير حاجة ؛ فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عشية عرفة يخطب الناس على راحلته[SUP] [3][/SUP] ، قال الخطابي في ( معالم السنن ) : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب على راحلته واقفًا عليها ، فدل ذلك على أن الوقوف على ظهورها إذا كان لأرب أو بلوغ وطر لا يدرك مع النزول إلى الأرض مباح جائز ، وأن النهي إنما انصرف في ذلك إلى الوقوف عليها لا لمعنى يوجبه ، لكن بأن يستوطنه الإنسان ويتخذه مقعدًا ، فيتعب الدابة ويضر بها من غير طائل .ا.هـ . فقد كانت خطبته صلى الله عليه وسلم على القصواء لمصلحة إسماعه إياهم أمره ونهيه مما لا يتهيأ له مثله في الجلوس على الأرض ، ولم يكن طويلا ، فإن كانت مصلحة للجلوس عليها جاز ، وإلا لم يجز .

[1] أبو داود ( 2567 ) , وصححه الألباني في الصَّحِيحَة ( 22 ) ، وفي صحيح سنن أبي داود .

[2] أحمد : 3 / 439 ، 440 ، والدارمي ( 2668 ) ، والطبراني في الكبير : 20 / 193 ( 432 ) ، وابن حبان ( 5619 ) ، والحاكم ( 2486 ) وصححه ووافقه الذهبي .

[3] جاء ذلك في حديث جابر الطويل في حجة النبيصلى الله عليه وسلم ، رواه مسلم ( 1218 ) ، وأبو داود ( 1905 ) وغيرهما .
 
آداب مع الحيوان الذي يُركب
من الفوائد المترتبة على تسخير الله عز وجل الحيوان للإنسان أن ينقله من مكان إلى آخر ، كما في قوله تعالى : { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } ، غير أن هذه الفائدة راعى الإسلام فيها الرفق بالحيوان والإحسان إليه ؛ وإليك بعض ذلك :
1 - أن تتاح له فرصة الرعي والاستراحة في السفر الطويل ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ " وفي رواية : " وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقَيَهَا " ومعناه ما في الرواية الأولى من سرعة السير للحفاظ على بقية من قوَّتها ؛ قال النووي - رحمه الله : الخصب : كثرة العشب والمرعى ؛ والمراد بالسنة هنا القحط ؛ و ( نِقَيَهَا ) : المخ ؛ ومعنى الحديث : الحث على الرفق بالدواب ، ومراعاة مصلحتها ، فإن سافروا في الخصب قللوا السير وتركوها ترعى في بعض النهار وفي أثناء السير ، فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها ؛ وإن سافروا في القحط عجلوا السير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوَّتها ، ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر ؛ لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف ، ويذهب نقيها ، وربما كلَّت ، ووقفت[SUP] [1] [/SUP].ا.هـ . ومن هنا قال أَنَسٌ رضي الله عنه : كُنَّا إِذَا نَزَلْنَا مَنْزِلاً لاَ نُسَبِّحُ حَتَّى نَحُلَّ الرِّحَالَ[SUP][2] [/SUP]؛ قال البغوي – رحمه الله : يريد : لا نصلي سبحة الضحى حتى نحط الرحال ؛ وكان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم الراكب إذا نزل المنزل حتى يعلف الدابة[SUP] [3] [/SUP]؛ فكانوا يريحون الدابة من الأحمال التي عليها قبل أن يصلُّوا .

2 – ألا تُؤذَى الدابة بركوبٍ أو حملٍ بأكثر مما تطيق ؛ والأصل في ذلك - كما يقول ابن حجر - ما أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) عن جابر رضي الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ثلاثة على دابة . وسنده ضعيف[SUP][4] [/SUP]، وأخرج الطبراني عن أبي سعيد رضي الله عنه رفعه : " لَا يَرْكَب الدَّابَّة فَوْق اِثْنَيْنِ " وفي سنده لين[SUP] [5] [/SUP]. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال : لينزل أحدكم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث ؛ ومن طريق أبي بردة عن أبيه نحوه ، ولم يصرح برفعه ، ومن طريق الشعبي قوله مثله[SUP] [6] [/SUP]، ومن حديث المهاجر بن قنفذ أنه لعن فاعل ذلك وقال : إِنَّا قَدْ نُهِينَا أَنْ يَرْكَب الثَّلَاثَة عَلَى الدَّابَّة [7] ، وسنده ضعيف ؛ وعكسه ما أخرجه الطبري بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان يوم بدر ثلاثة على بعير[SUP] [8] [/SUP]؛ وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك[SUP] [9] [/SUP]. وبهذا يجمع بين مختلف الحديث في ذلك ، فحمل ما ورد في الزجر عن ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلًا ، وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة ، قال النووي : مذهبنا ومذاهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة ؛ وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقًا ، وهو فاسد [10] .ا.هـ. قلت : لم يصرح أحد بالجواز مع العجز ، ولا بالمنع مع الطاقة ، بل المنقول من المطلق في المنع ، والجواز محمول على المقيد[SUP] [11] [/SUP].
3 – استعمال الرفق مع الدابة وإن كانت صعبة ؛ ففي صحيح مسلم : رَكِبَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - بَعِيرًا فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ " ، وفي رواية عند البخاري في الأدب المفرد عنها قالت : كنت على بعير فيه صعوبة ، فجعلت أضربه ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ ، فإِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ "[SUP] [12][/SUP] .

[1] انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 68 ؛ مختصرًا .

[2] رواه أبو داود ( 2551 ) ، وصححه الألباني .

[3] شرح السنة : 11 / 33 .

[4] الأوسط ( 7512 ) ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ( 493 ) ... ثم قال : ثم روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال : لينزل أحدكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث . وهذا مرسل صحيح الإسناد ، لأن زاذان وهو أبو عبد الله الكندي ثقة من رجال مسلم ، وقد صح ركوبه صلى الله عليه وسلم على الدابة وأمامه عبد الله بن جعفر ، وخلفه الحسن أو الحسين ؛ رواه مسلم ، وهو مخرج في صحيح أبي داود ( 2312 ) ، فإن صح النهي حمل على الدابة التي لا تطيق ، وذلك من باب الرفق بالحيوان وقد صح في ذلك الكثير الطيب .

[5] الطبراني في ( الأوسط رقم 7512 ) ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 8 / 20) : وفيه محمد بن جامع العطار وهو ضعيف .

[6] انظر مصنف ابن أبي شيبة ( 26376 – 26380 ) .

[7] مصنف ابن أبي شيبة ( 26379 ) ، ورواه الطبراني في الكبير : 20 / 330 ( 782 ) ، والأوسط ( 7512 ) ، وفيه إسماعيل بن مسلم البصري المكي ، وهو ضعيف .

[8] ورواه أحمد : 1 / 411 ، وابن سعد : 2 / 21 ، والنسائي في الكبرى ( 8807 ) ، والحاكم ( 2453 ) وصححه ووافقه الذهبي .

[9] ابن أبي شيبة ( 26370 ) ، وإسناده حسن .

[10] انظر شرح مسلم للنووي : 15 / 194 – دار التراث العربي .

[11] انظر ( فتح الباري ) : 12 / 520 .

[12] صحيح مسلم ( 2594 ) ، والأدب المفرد ( 475 ) .
 
الأدب مع الحيوان ( 16 )​

العناية بأمرها​

من الآداب العامة مع البهائم المعجمة - التي لا تقدر على النطق فتشكو ما أصابها من جوع أو عطش أو تعب - الاهتمام بما يجعلها صالحة لما خلقت له من ركوب وأكل وغير ذلك ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ t قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ : " اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً ، وَكُلُوهَا صَالِحَةً " [1] ؛ وفي رواية عند أحمد وابن حبان : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ , فَمَرَّ بِبَعِيرٍ مُنَاخٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ ؛ ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ , فَقَالَ: " أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ ؟ " , فَابْتُغِيَ فَلَمْ يُوجَدْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ ، ثُمَّ ارْكَبُوهَا صِحَاحًا ، وَكُلُوهَا سِمَانًا " [2] ، قال ابن حبان - رحمه الله : وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " ارْكَبُوهَا صِحَاحًا " كالدليل على أن الناقة العجفاء الضعيفة يجب أن يتنكب ركوبها إلى أن تصح ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " وَكُلُوهَا سِمَانًا " دليل على أن الناقة المهزولة التي لا نقي لها يستحب ترك نحرها إلى أن تسمن .ا.هـ.​

وعند أحمد وأبي داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَنَ ، فَقَالَ : " مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ؟ " ، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَقَالَ : " أَفَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا ؟ فَإِنَّهُ شَكَى إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ " [3] ؛ والذِّفْرَى مِنْ الْبَعِير مُؤَخِّر رَأْسه ؛ ويدأبه : يُجهده بملازمة العمل والإكثار منه .​

وفي مسند أحمد عن سَوَادَةَ بْنَ الرَّبِيعِ رضي الله عنه قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ ، فَأَمَرَ لِي بِذَوْدٍ ، ثُمَّ قَالَ لِي : " إِذَا رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِكَ فَمُرْهُمْ فَلْيُحْسِنُوا غِذَاءَ رِبَاعِهِمْ ، وَمُرْهُمْ فَلْيُقَلِّمُوا أَظْفَارَهُمْ وَلَا يَعْبِطُوا بِهَا ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ إِذَا حَلَبُوا " ، ورواه الطبراني بلفظ : " مُرْ بَيْتَكَ فَلْيُقَلِّمُوا أظَافِيرَهُمْ ، لا يَعْقِرُوا بِهَا ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ إِذَا حَلَبُوا " ، وفي رواية عنده : " وَمُرْهُمْ فَلْيُقَلِّمُوا أَظْفَارَهُمْ ، وَلا يَخْدِشُوا بِهَا ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ إِذَا حَلَبُوا " [4] ؛ الذَّوْد : ما بين الثلاثة إلى عشرة من الإبل ، والرِّباع : جمع ربع , وهو ما وُلِد من الإبل في الربيع , وقيل ما ولد أول النتاج ، والمراد : حديثة الولادة ؛ وإحسان غذائها أن لا يُستقصى حلب أمهاتها إبقاءً عليها ، فلا يشددوا الحلب حتى يخرج الدم بعد اللبن ؛ و ( يَعْبِطُوا ، يَعْقِرُوا ، يَخْدِشُوا ) بمعنى يشقوا ويجرحوا .​

فيا لها من آداب راقية مع الحيوان أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسن رعاية تغذية حديثة الولادة التي تعتمد على حليب أمها ؛ ويأمر بتقليم أظفار من يحلبها حتى لا يصيبهم منه أذى .​

وَعَنْ ضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَنِي أَهْلِي بِلَقُوحٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , فَأَمَرَنِي أَنْ أَحْلِبَهَا , فَحَلَبْتُهَا ، فَلَمَّا أَخَذْتُ لِأُجْهِدَهَا ، قَالَ : " لَا تَفْعَلْ ، دَعْ دَاعِيَ اللَّبَنِ " ( [5] ) ؛ واللَّقوح : الناقة الوالدة حديثًا ، وقوله : " دَعْ دَاعِيَ اللَّبَنِ " أي : أبْقِ في الضَّرْع قليلا من اللبَنِ ، ولا تَسْتَوْعِبْه كلَّه ، فإن الذي تُبْقيه فيه يَدْعُو ما وراءَه من اللبَنِ فيُنْزلُه , وإذا اسْتُقْصِي كل ما في الضَّرْع أبطأ دَرُّه على حالبِه . أفاده ابن الأثير [6] ) .​

وفي ( مسند ) أحمد و( الأدب المفرد ) للبخاري عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما رَأَى رَاعِيَ غَنَمٍ فِي مَكَانٍ قَبِيحٍ ، وَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ مَكَانًا أَمْثَلَ مِنْهُ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : وَيْحَكَ يَا رَاعِي ! حَوِّلْهَا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " [7] .​

فيا له من فهم عالٍ ، يبين أن راعي البهائم مسئول عنها أمام الله تعالى ، فيجب عليه أن يبحث لها عن الأمثل لرعيها ؛ وتقدم حديث : " لَوْ غُفِرَ لَكُمْ مَا تَأْتُونَ إِلَى الْبَهَائِمِ لَغُفِرَ لَكُمْ كَثِيرًا " .​

وقد اتفق الفقهاء على وجوب الإنفاق على الحيوان المملوك ديانة ؛ وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ نَفَقَةَ الدَّابَّةِ - إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى - وَاجِبَةٌ ، وَيُقْضَى بِهَا ، لأَِنَّ تَرْكَهُ مُنْكَرٌ ، وَإِزَالَتُهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِهِ ؛ وَدَخَل فِي الدَّابَّةِ هِرَّةٌ عَمِيَتْ فَتَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنِ انْقَطَعَتْ عِنْدَهُ حَيْثُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الاِنْصِرَافِ ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا ؛ لأَِنَّ لَهُ طَرْدَهَا ؛ وذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي ( الرَّوْضَةِ ) أَنَّ مَنْ مَلَكَ دَابَّةً لَزِمَهُ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْعَلَفِ وَالسَّقْيِ تَخْلِيَتُهَا لِتَرْعَى وَتَرِدَ الْمَاءَ ، إِنْ كَانَتْ مِمَّا يَرْعَى وَيَكْتَفِي بِهِ لِخِصْبِ الأَْرْضِ وَنَحْوِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَانِعُ ثَلْجٍ وَغَيْرِهِ ، فَإِنْ أَجْدَبَتِ الأَْرْضُ وَلَمْ يَكْفِهَا الرَّعْيُ لَزِمَهُ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَلَفِ مَا يَكْفِيهَا ، وَيَطَّرِدُ هَذَا فِي كُل حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ ( يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ ) ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ فِي الْمَأْكُولَةِ عَلَى بَيْعِهَا ، أَوْ صِيَانَتِهَا عَنِ الْهَلاَكِ بِالْعَلَفِ ، أَوِ التَّخْلِيَةِ لِلرَّعْيِ ، أَوْ ذَبْحِهَا ؛ وَفِي غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ عَلَى الْبَيْعِ ، أَوِ الصِّيَانَةِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَل نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَال ، وَعَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لاَ يُخَلِّيهَا لِخَوْفِ الذِّئْبِ وَغَيْرِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ أَكْرَاهَا ، فَإِنْ لَمْ يَرْغَبْ فِيهَا لِعَمًى أَوْ زَمَانَةٍ ( مَرَضٌ مُزْمِنٌ ) أَنْفَقَ عَلَيْهَا بَيْتُ الْمَال .ا.هـ . وفي الكافي لابن قدامة نحو ذلك [8] .​

فهل انتهت جمعيات الرفق بالحيوان إلى مثل ذلك ، أو ما يقاربه ؟! هيهات .. هيهات .​

____________________​

[1] أبو داود ( 2548 ) .​

[2] أحمد : 4 / 180 ، وابن حبان ( 545 ، 3394 ) .​

[3] أحمد : 1 / 205 ، وأبو داود ( 2549 ) ، والحاكم ( 2485 ) وصححه ووافقه الذهبي .​

[4] أحمد : 3 / 484 ، والطبراني في الكبير : 5 / 67 ( 4604 ) ، 7 / 97 ( 6482 ) ، وحسنه الألباني في الصحيحة ( 317 ) .​

[5] أحمد : 4 / 339 ، والطبراني في الكبير : 8 / 296 ( 8130 ) ، والحاكم ( 5041 ) وصححه ، وحسنه الألباني في الصحيحة ( 1860 ) .​

[6] انظر ( النهاية في غريب الأثر ) : 2 / 280 .​

[7] أحمد : 2 / 2 / 108 ، والأدب المفرد ( 416 ) ، وسنده صحيح .​

[8] انظر ( بدائع الصنائع ) : 4 / 40 - ط . الجمالية ، وفتح القدير 3 / 355 - 356 ط . الأميرية ، وحاشية الدسوقي : 2 / 522 - ط . الفكر ، وجواهر الإكليل : 1 / 407 - ط . المعرفة ، والتاج والإكليل مع مواهب الجليل : 4 / 206 ، 207 - ط . النجاح ؛ وروضة الطالبين : 9 / 120 - ط . المكتب الإسلامي ، ونهاية المحتاج : 7 / 229 - 231 - ط . المكتبة الإسلامية ؛ وكشاف القناع : 5 / 493 - 495 - ط . النصر ، والإنصاف : 9 / 414 - 415 - ط . التراث ، والمغني : 7 / 634 - 635 ط . الرياض ، والكافي : 3 / 390 ط . المكتب الإسلامي .​
 
معاملتها بما تطيق
يحرم استخدام الدواب بما فوق طاقتها من شدة السير ، وثقل الحمولة ، وضربها بالسياط الموجعة ، والأخشاب الغليظة ، والتقصير في علفها وسقيها ، واستخدامها إذا كبرت أو مرضت فيما لا تطيق ، كما يفعل كثير من أصحابها الذين لا يخافون الله ، ولا يرحمون ضعيفًا ، ومن عجز عن حقها فليبعها أو يذبحها أو يهبها لإنسان آخر . وما تقدم من شكوى البعير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ " يدل على ذلك .
وفي طبقات ابن سعد عن المسيب بن دار قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنهضرب جمَّالا ، وقال : لم تحمل على بعيرك مالا يطيق ؟![SUP] [1] [/SUP]؛ وتقدم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب إلى عامله بمصر أنه بلغني أن بمصر إبلًا نقالات يحمل على البعير منها ألف رطل ، فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل .
بل وأروع من ذلك أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال لبعير له عند الموت : لا تخاصمني غدًا عند ربى ، فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق [SUP][2] [/SUP].
وروى أبو نعيم في ( الحلية ) عن أبي عثمان الثقفي قال : كان لعمر بن عبد العزيز غلام على بغل له ، يأتيه كل يوم بدرهم ؛ فجاءه يومًا بدرهمين ، فقال : ما بدا لك ؟ قال : نفقت السوق ؛ قال : لا ، ولكنك أتعبت البغل ! أجمه ثلاثة أيام[SUP] [3] [/SUP]؛ أي : أرحه ؛ فلما فهم رضي الله عنه أن الغلام أتعب البغل ليأتي بمال أكثر ، أمره أن يريح البغل مقابل ما أتعبه .
قال القرطبي – رحمه الله - في تفسير قوله تعالى : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُم } : في هذه الآية دليل على جواز السفر بالدواب ، وحمل الأثقال عليها ، ولكن على قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل مع الرفق في السير[SUP] [4] [/SUP].
وتقدم فيما سبق ما يدخل تحت هذا العنوان - أيضًا .

[1] الطبقات : 7 / 127 .

[2] أخرجه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) : 47 / 185 .

[3] انظر ( حلية الأولياء ) : 5 / 273 .

[4] انظر تفسير القرطبي عند الآية ( 7 ) من سورة النحل .
 
الرحمة بالحيوان
لقد جاء الإسلام بالرحمة العامة لجميع الخلق ؛ قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] ، ونال الحيوان من رحمة الإسلام ونبي الإسلام حظًّا وافرًا ؛ وتقدم بعض مظاهر رحمة الإسلام بالحيوان ؛ ونضيف هنا إضافات ؛ فقد روى البخاري في ( الأدب المفرد ) وأبو داود والحاكم عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً ( طائر صغير ) مَعَهَا فَرْخَانِ ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا ؛ فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ ( أي : ترفرف ) ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا "[SUP] [1] [/SUP].
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ رَحِمَ وَلَوْ ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "[SUP] [2] [/SUP].
وفي المسند والأدب المفرد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا - أَوْ قَالَ : إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا - فَقَالَ : " وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ "[SUP] [3] [/SUP]؛ فبين فضل جزاء من رحم الشاة أن الله تعالى يرحمه ؛ فقد يدفع الله بذلك البلاء ويجبر بها من سوء القضاء ، ويجعلها حجابًا وسترًا من النار .
وفي فضل الرحمة بالحيوان وإغاثة الملهوف منه ، صح الخبر بعظيم الأجر لمغيثه ، وغفران ذنبه ، وشكر صنيعه ؛ وقد تقدم حديث الرجل الذي سقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له ؛ أي : إن الله أعظم من هذه الحسنة مع كونها لحيوان ، فغفر له ما كان من ذنبه ، وهذا يدل دلالةً واضحةً على فضل الرحمة بالحيوان والإحسان إليه .

[1] الأدب المفرد ( 382 ) ، وأبو داود ( 2675 ) ، والحاكم ( 7599 ) ، وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني .

[2] البخارى فى ( الأدب المفرد رقم 381 ) ، والطبرانى : 8 / 234 ، ( 7915 ) ، وقال الهيثمى في ( مجمع الزوائد : 4 / 33 ) : رجاله ثقات .ا.هـ . وصححه الألباني في ( الصحيحة ) رقم ( 27 ) .

[3] أحمد : 3 / 436 ، والأدب المفرد ( 373 ) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد .
 
النهي عن صبرها وتعذيبها
صبر البهائم - كما قال العلماء - أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه ، وهو معنى : " لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا " ، أي : لا تتخذوا الحيوان الحي غرضًا ترمون إليه كالغرض ( الهدف ) من الجلود وغيرها ؛ وهذا النهي للتحريم ، ويدل على ذلك ما ورد من لعن مَنْ فعل ذلك ، كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما ، لأن الأصل في تعذيب الحيوان وإتلاف نفسه وإضاعة المال التحريم ؛ وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة نذكر منها :
مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُل خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا ، فَقَال ابْنُ عُمَرَ : مَنْ فَعَل هَذَا ؟ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَعَل هَذَا ، إِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا[SUP] [1] [/SUP]؛ وعنده من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال : " لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا "[SUP] [2] [/SUP]؛ وعنده عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَال : نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْتَل شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا[SUP] [3] [/SUP].
وفي الصحيحين عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : دَخَلْتُ مَعَ جَدِّي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه دَارَ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ ، فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا ، فَكُلَّمَا أَصَابَهَا سَهْمٌ صَاحَتْ ؛ فَقَالَ أَنَسٌ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ لِلْقَتْلِ[SUP] [4] [/SUP].
وَعند النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ - رضي الله عنهما - قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُنَاسٍ وَهُمْ يَرْمُونَ كَبْشًا بِالنَّبْلِ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ : " لَا تُمَثِّلُوا بِالْبَهَائِمِ "[SUP] [5][/SUP] ؛ وعند البخاري والنسائي عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ "[SUP] ( [6] )[/SUP] . وَعند النسائي والحاكم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُعز وجل عَنْهَا " , فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ : " حَقُّهَا أَنْ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلَهَا ، وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا فَيَرْمِي بِهَا "[SUP] ( [7] ) [/SUP]؛ وهذا موجب لترك ذلك ، وهو عين الرحمة بهذه الأنعام وغيرها ؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا طَلَّقَهَا وَذَهَبَ بِمَهْرِهَا ، وَرَجُلٌ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا فَذَهَبَ بِأُجْرَتِهِ ، وَآخَرُ يَقْتُلُ دَابَّةً عَبَثًا "[SUP] [8] [/SUP].
ما أعظم هذا الدين وأجمله ؛ فرحمته شملت كل شيء حتى الحيوان ؛ فعند أحمد والبخاري أن ابْنَ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ( ابن العاص ) وَغُلَامٌ مِنْ بَنِيهِ رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا ، فَمَشَى إِلَى الدَّجَاجَةِ فَحَلَّهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلَامِ ، وَقَالَ لِيَحْيَى : ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ هَذَا مِنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ عَلَى الْقَتْلِ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهْمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِقَتْلٍ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ ذَبْحَهَا فَاذْبَحُوهَا[SUP] [9] [/SUP]... وللحديث صلة .

[1] مسلم ( 1958 ) .

[2] مسلم ( 1957 ) .

[3] مسلم ( 1959 ) .

[4] البخاري ( 5194 ) ، مسلم ( 1956 ) .

[5] رواه النسائي ( 4440 ) وصححه الألباني .

[6] رواه البخاري ( 5196 ) ، النسائي ( 4442 ) وصححه الألباني .

[7] النسائي ( 4445 ) ، والحاكم ( 7574 ، وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب .

[8] الحاكم ( 2743 ) , وانظر الصَّحِيحَة ( 999 ) .

[9] أحمد : 2 / 94 ، واللفظ له ، والبخاري ( 5195 ) .
 
وقد جاءت الأحاديث بالنهي عن تعذيب البهائم بغير الصبر والتمثيل :
ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ ، وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ[SUP] [1] [/SUP]، وهذا شامل للإنسان وللحيوان ؛ وفيه عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ : " لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ " [2] ؛ وفي لفظ عند أحمد : مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِدَابَّةٍ قَدْ وُسِمَ ، يُدَخِّنُ مَنْخِرَاهُ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا ، لاَ يَسِمَنَّ أَحَدٌ الْوَجْهَ ، وَلاَ يَضْرِبَنَّهُ " ، وعند ابن حبان : يَفُورُ مَنْخِرَاهُ من دم ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : " لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا " ثم نهى عن الكي في الوجه والضرب في الوجه[SUP] [3] [/SUP].
في هذا الحديث دليل على تحريم الوسم في الوجه ، وكذا الضرب في الوجه من كل حيوان محترم ، فيحرم ولو لغير آدمي ، لكنه في الآدمي أشد ، لأنه مجمع المحاسن ؛ مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب ، وربما شانه ، وربما آذى بعض الحواس ؛ وأما الوسم في الوجه فمنهي عنه بالإجماع للحديث ؛ أفاده النووي[SUP] [4] [/SUP].
وفي صحيح مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا مَوْسُومَ الْوَجْهِ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ ؛ وقَالَ : " فَوَاللَّهِ لاَ أَسِمُهُ إِلاَّ فِي أَقْصَى شَيءٍ مِنَ الْوَجْهِ ؛ فَأَمَرَ بِحِمَارٍ لَهُ فَكُوِيَ فِي جَاعِرَتَيْهِ ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَيْنِ[SUP] [5] [/SUP]؛ فلما كان الوسم علامة يعرف الناس بها بهائمهم إذا اختلطت بغيرها ، دلهم النبي على أنسب مكان يسمون فيه .
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا : وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا ، فَقَالَ : " مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ؟ " . قُلْنَا : نَحْنُ ؛ قَالَ : " إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ "[SUP] [6] [/SUP].
فهذه النصوص وما جاء في معناها دالة على تحريم تعذيب الحيوان بجميع أنواعه ، حتى ما ورد الشرع بقتله كالخمس الفواسق ( الغراب والعقرب والفارة والحدأة والكلب العقور ) .
فمنطوق هذه الأحاديث ومفهومها يدل على أن الإسلام أمر بالإحسان إلى الحيوان جميعه ، وأنه أول من أصَّل لرعاية الحيوان والرفق به ورحمته .

[1] مسلم ( 2116 ) .

[2] مسلم ( 2117 ) .

[3] أحمد : 3 / 323 ، وابن حبان ( 5626 ) .

[4] انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 14 / 97 .

[5] مسلم ( 2118 ) ، والْجَاعِرَتَانِ : مَوْضِعُ الرَّقْمَتَيْنِ مِنْ اسْتِ الْحِمَارِ , وَهُوَ مَضْرِبُ الْفَرَسِ بِذَنَبِهِ عَلَى فَخِذَيْهِ؛ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : هُمَا حَرْفَا الْوَرِكَيْنِ الْمُشْرِفَانِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ .

[6] رواه أبو داود ( 2675 ) .
 
النهي عن التحريش بين الحيوان
التحريش بين البهائم : هو الإغراء بينها ، وتهييج بعضها على بعض ، كما يُفعل بين الجمال والكباش والديوك وغيرها ، ووجه النهي عن ذلك أنه إيلام للحيوانات وإتعاب لها بدون فائدة ، بل مجرد عبث[SUP] [1] [/SUP]؛ وقد ورد في ذلك أحاديث فيها مقال ؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ ؛ رواه أبو داود والترمذي وغيرهما[SUP] [2] [/SUP]. وأخرجه الترمذي - أيضًا - مرسلا عن مجاهد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : هو أصح .ا.هـ . وفي ( مصنف عبد الرزاق ) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه - قال معمر : لا أدري أرفعه أم لا - قال : لا يحل لأحد أن يحرِّش بين فحلين ؛ ديكين فما فوقهما[SUP] [3] [/SUP]. وفي ( الأدب المفرد ) للبخاري عن مجاهد عن ابن عمر - رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا : أنه كره أن يُحَرَّشَ بين البهائم[SUP] [4] [/SUP].
فهذا القول عن ابن عمر ، مع مرسل مجاهد وطاووس ، يقوي العمل بالحديث ، وقد عمل به الفقهاء .
قال البيهقي - رحمه الله - في ( شعب الإيمان ) : قال الحليمي - رحمه الله : ومن وجوه اللعب : التحريش بين الكلاب والديوك ؛ وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنه التحريش بين البهائم ؛ هو حرام ممنوع لا يؤذن لأحد فيه ، لأن كل واحد من المتحارشين يؤلم الآخر ويجرحه ، ولو أراد المحرِّش أن يفعل ذلك بيده ما حل له[SUP] [5] [/SUP].
وقال المناوي في ( فيض القدير ) : ( نهى عن التحريش بين البهائم ) أي : الإغراء بينها وتهييج بعضها على بعض ، وهل النهي للتحريم أو الكراهة ؟ قولان ، قال جدنا للأم الزين العراقي : ودخل في ذلك مناطحة الثيران والكبوش ، ومناقرة الديوك ، ونحو ذلك[SUP] [6] [/SUP].
فهذه تعاليم وآداب الإسلام ، فأين جمعيات الرفق بالحيوان من مصارعة الثيران وغيرها من التحريش بين الحيوانات ، والتي يسميها الغرب - الذي يصف نفسه بالتحضر - رياضة ، والتي فيها أبشع أنواع الإيذاء بالحيوان ؟

[1] تقام مباريات صراع الديكة في حلبة مغلقة في الهواء الطلق عادة ؛ ويراهن المتفرجون على ديكتهم المفضلة . في بداية المباراة يمسك المدربون بديكتهم جيدًا ، ويدعونها ينقر بعضها بعضًا . وحين يشتد غضب الديكة ، يطلقونها ويبدأ النزال .
نشأت مصارعة الديكة في آسيا منذ آلاف السنين . وعَرفت اللعبة طريقها إلى روما وبلاد الإغريق عن طريق الهند والصين ؛ ثم انتشرت في أنحاء أوروبا. وفي القرن السابع عشر الميلادي ، أصبحت لعبة شعبية في إنجلترا حيث صارت تربية ديكة المصارعة وتدريبها تجارة مهمة ؛ ومثل هذا النوع من المصارعة محرم شرعًا لورود النهي عن التحرش بين الحيوانات ، ولما في ذلك من الوحشية ، وعدم الرفق بالحيوان ؛ فإذا أضيف إلى ذلك الرهان بين المشاهدين كان ذلك أشد تحريمًا.

[2] أبو داود ( 2562 ) ، والترمذي ( 1708 )

[3] مصنف عبد الرزاق ( 20988 ) ، وإسناده صحيح .

[4] الأدب المفرد ( 1232 ) وحسنه الألباني لغيره .

[5] انظر شعب الإيمان : 5 / 245 ، 246 .

[6] انظر ( فيض القدير ) : 6 / 303 .
 
النهي عن قتل الحيوانات النافعة
وهذا نوع آخر من الرفق بالحيوان والإحسان إليه ؛ فروى أحمد وعنه أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ : النَّمْلَةُ ، وَالنَّحْلَةُ ، وَالْهُدْهُدُ ، وَالصُّرَدُ[SUP] [1] [/SUP]. قال المناوي – رحمه الله : قال الخطابي : أراد النمل السليماني الكبار ذوات الأرجل الطوال ، فإنها قليلة الأذى ؛ ( وَالنَّحْلَةُ ) لكثرة منافعها فيخرج منها العسل وهو شفاء ، والشمع وهو ضياء ؛ ( وَالْهُدْهُدُ ) لأنه لا يضر ولا يحل أكله ، ( وَالصُّرَدُ ) طائر فوق العصفور نصفه أبيض ونصفه أسود ؛ لتحريم أكله ولا منفعة في قتله ، وقيل : كانت العرب تتشاءم به فنهى عن قتله لينخلع عن قلوبهم ما ثبت فيها له من اعتقادهم الشؤم به ؛ والنهي في الأربعة للتحريم لكن مقيد في النمل بالكبار كما تقرر ، أما الصغير فلا يحرم قتله كما عليه البغوي وغيره من الشافعية[SUP] [2] [/SUP]. قال مقيده – عفا الله عنه : ومعلوم أن الهدهد والصرد يأكلون دود الأرض ، مما ينتفع به أصحاب الزراعات ... والعلم عند الله تعالى .

[1] أحمد : 1 / 332 ، وأبو داود ( 5297 ) ، ورواه ابن ماجة ( 3224 ) ، وصححه الألباني .

[2] انظر ( فيض القدير ) : 6 / 336 ، 337 .
 
إباحة قتل الحيوانات الضارة​

لا يقر العقل السليم إبقاء ما يضر من الحيوانات قريبًا من مجتمعات الناس ، لما في ذلك من الضرر البالغ ؛ وقد ارتكز في الفطر دفاع الإنسان عن نفسه ضد هذه الحيوانات الضارة ، فجاء الإسلام بإباحة قتل ما يضر من هذه الحيوانات موافقًا للفطرة والعقل ؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِى الْحِلِّ وَالْحَرَمِ : الْحَيَّةُ ، وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ ، وَالْفَارَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ، وَالْحُدَيَّا " [1] ؛ وفيهما عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " خَمْسٌ لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالإِحْرَامِ : الْفَارَةُ ، وَالْعَقْرَبُ ، وَالْغُرَابُ ، وَالْحِدَأَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ "[2] ؛ وفيهما عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَاسِقٌ ، لاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ : الْعَقْرَبُ ، وَالْغُرَابُ ، وَالْحِدَأَةُ ، وَالْفَارَةُ ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ " [3] .​

أصل الفسق في كلام العرب الخروج ، ويطلق الفاسق على من خرج عن طاعة الله تعالى ؛ وسميت هذه الدواب فواسق لخروجها بالإيذاء والإفساد ؛ وقيل : لخروجها عن حكم الحيوان في تحريم قتله في الحل والإحرام .​

وَالْغُرَابُ الأَبْقَعُ : هو ما كان في ظهره وبطنه بياض ؛ والحِدأة وجمعها حِدَأ كعنبة وعنب : طائر خبيث هو أخس الطير ، يخطف الأفراخ وصغار أولاد الكلاب ؛ وربما يخطف ما لا يصلح له إن كان أحمر ، يظنه لحمًا ؛ والمراد بالكلب العقور عند جمهور العلماء : كل عادٍ مفترس غالبًا كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها ؛ ومعنى العقور : العاقر الجارح .​

ومع أن الإسلام أذن في قتل هذه الدواب المؤذية ، كالكلب العقور ، غير أنه أمر بالإحسان في قتله ، وتقدم حديث : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ " ؛ والمعروف أن القتل يستعمل للحيوان الذي لا يؤكل ، على خلاف الذبح الذي يستعمل للحيوان المأكول .​

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وحثَّ عليه ورغب فيه لكونه من المؤذيات ؛ والوزغ - كما قال أهل اللغة - وسام أبرص جنس ؛ فسام أبرص هو كباره ، واتفقوا على أن الوزغ من الحشرات المؤذيات ، وجمعه أوزاغ ووزغان ؛ وفي صحيح مسلم عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا ( [4] ) ؛ وفي الصحيحين عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ ([5] ) .​

وروى أحمد وابن ماجة وابن حبان عن سَائِبَةَ - مَوْلَاةٌ لِلْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ - قَالَتْ : دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَرَأَيْتُ فِي بَيْتِهَا رُمْحًا مَوْضُوعًا ، قُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا تَصْنَعُونَ بِهَذَا الرُّمْحِ ؟ قَالَتْ : هَذَا لِهَذِهِ الْأَوْزَاغِ ، نَقْتُلُهُنَّ بِهِ ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، لَمْ تَكُنْ فِي الْأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا تُطْفِئُ النَّارَ عَنْهُ ، غَيْرَ الْوَزَغِ كَانَ يَنْفُخُ عَلَيْهِ ؛ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ ( [6] .​

ومع ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أمر بالإحسان في قتله ، وذلك بضربة واحدة دون تعذيبه بضربات متعددة ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ ، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً - لِدُونِ الأُولَى - وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً " لِدُونِ الثَّانِيَةِ ؛ ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ، وفي رواية لمسلم : " مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِى أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَفِى الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ ، وَفِى الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ " ( [7] ) .​

________________________________________​

[1] البخاري ( 3136 ) ، ومسلم ( 1198 ) واللفظ له .​

[2] - البخاري ( 3137 ) ، ومسلم ( 1199( .​

[3] - البخاري ( 1731 ) ، ومسلم ( 1200 ) .​

[4] مسلم ( 2238 ) .​

[5] مسلم ( 2237 ) .​

[6] أحمد : 6 / ، وابن ماجة ( 3231 ) وصححه الألباني ، ورواه ابن حبان ( 5631 ) .​

[7] مسلم ( 2240 ) ، وأبو داود ( 5263 ) والترمذي ( 1482 ) ، وابن ماجة ( 3229 ) .​
 
النهي عن الدعاء على الحيوانات
هذا أدب عالٍ مع الحيوان لا نعرفه في غير الإسلام ؛ فعن جابررضي الله عنه قال : سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ وَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ ، فتلَدَّن عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ[SUP] [SUP][1][/SUP][/SUP] ، فَقَالَ لَهُ : شَأْ[SUP] [2] ،[/SUP] لَعَنَكَ اللهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ " قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ! قَالَ : " انْزِلْ عَنْهُ فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ ؛ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ " رواه مسلم[SUP] [3] [/SUP]. وروى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها ، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " خُذُوا مَا عَلَيْهَا ، وَدَعُوهَا ، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ " قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد . وفي رواية : قال عمران : فكأني أنظر إليها ناقة ورقاء[SUP] [4] [/SUP].
فعلة النهي : " لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً ، يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ " ، أي : لئلا توافقوا ، فقد تكون الساعة التي يدعو فيها الداعي على نفسه أو على ولده أو على ماله ساعة إجابة ، فيتحقق للداعي ما دعاه من الشر ، فيندم بعد أن ينتبه من غفلته أو يفيق من غضبته ؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " انْزِلْ عَنْهُ فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ " و " خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ " فيه دليل على أن تلك الساعة كانت ساعة إجابة ؛ويدل على ذلك ما روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ يَسِيرُ فَلَعَنَ رَجُلٌ نَاقَةً ، فَقَالَ : " أَيْنَ صَاحِبُ النَّاقَةِ " فَقَالَ الرَّجُلُ : أَنَا ، قَالَ : " أَخِّرْهَا فَقَدْ أُجِبْتَ فِيهَا "[SUP] [5][/SUP] ؛ والعلم عند الله جل وعلا .

[1] تلدن أي تلكأ وتوقف . والناضح هو البعير الذي يستقى عليه الماء .

[2] شأ : كلمة زجر للبعير .

[3] جزء من حديث طويل رواه مسلم في الزهد والرقائق ( 3014 ) ؛ ورواه ابن حبان ( 5742 ) .

[4] أحمد : 4 / 431 ، ومسلم ( 2595 ) ، وأبو داود ( 2561 ) ، والنسائي في الكبرى ( 8816 ) .

[5] أحمد : 2 / 428 ، وجوَّد إسناده المنذري في ( الترغيب ) ، وقال الألباني في ( صحيح الترغيب ) : حسن صحيح .
 
خاتمة
تلك بعض المظاهر التي تدل على مدى إحسان الإسلام ورحمته بالحيوان ، سبق به بقرون ما تنادى به بعض جمعيات العالم الغربي حديثًا من وجوب الرفق بالحيوان ، وهو دليل على أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان ؛ يقوم بهذه الأعمال على أنها طاعة وقربة إلى الله U يُرجى عليها الأجر والمغفرة .
واختم بما ختم به العلامة ابن باز - رحمه الله - فتوى جاءته في هذا الصدد ، قال : فالإسلام دين الرحمة ، وشريعة الإحسان ، ومنهاج الحياة المتكامل ، والطريق الموصلة إلى الله ودار كرامته ، فالواجب الدعوة له ، والتحاكم إليه ، والسعي في نشره بين من لا يعرفه ، وتذكير عامة المسلمين بما يجهلون من أحكامه ومقاصده ابتغاء وجه الله ، فمقاصد التشريع الإسلامي في غاية العدل والحكمة ، فلا حرمان من كل نافع ، خلافًا لما عليه البوذيون ، ولا إباحة لكل ضار منه ، خلافًا لما عليه الخبائث من الخنزير والسباع المفترسة وما في حكمها ، ولا ظلم ولا إهدار لحرمة كل محترم من نفس أو مال أو عرض ؛ فنشكر الله على نعمه التي أجلها نعمة الإسلام ، مع الابتهال إليه أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، وأن لا يجعلنا بسبب تقصيرنا فتنة للقوم الكافرين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المبلغ البلاغ المبين ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .ا.هـ .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
 
عودة
أعلى