آداب مع الحيوان الذي يُركب
من الفوائد المترتبة على تسخير الله عز وجل الحيوان للإنسان أن ينقله من مكان إلى آخر ، كما في قوله تعالى : {
لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } ، غير أن هذه الفائدة راعى الإسلام فيها الرفق بالحيوان والإحسان إليه ؛ وإليك بعض ذلك :
1 - أن تتاح له فرصة الرعي والاستراحة في السفر الطويل ، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "
إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ " وفي رواية : "
وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقَيَهَا " ومعناه ما في الرواية الأولى من سرعة السير للحفاظ على بقية من قوَّتها ؛ قال النووي - رحمه الله : الخصب : كثرة العشب والمرعى ؛ والمراد بالسنة هنا القحط ؛ و (
نِقَيَهَا ) : المخ ؛ ومعنى الحديث : الحث على الرفق بالدواب ، ومراعاة مصلحتها ، فإن سافروا في الخصب قللوا السير وتركوها ترعى في بعض النهار وفي أثناء السير ، فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها ؛ وإن سافروا في القحط عجلوا السير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوَّتها ، ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر ؛ لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف ، ويذهب نقيها ، وربما كلَّت ، ووقفت[SUP]
[1] [/SUP].ا.هـ . ومن هنا قال أَنَسٌ رضي الله عنه : كُنَّا إِذَا نَزَلْنَا مَنْزِلاً لاَ نُسَبِّحُ حَتَّى نَحُلَّ الرِّحَالَ[SUP]
[2] [/SUP]؛ قال البغوي – رحمه الله : يريد : لا نصلي سبحة الضحى حتى نحط الرحال ؛ وكان بعض العلماء يستحب أن لا يطعم الراكب إذا نزل المنزل حتى يعلف الدابة[SUP]
[3] [/SUP]؛ فكانوا يريحون الدابة من الأحمال التي عليها قبل أن يصلُّوا .
2 – ألا تُؤذَى الدابة بركوبٍ أو حملٍ بأكثر مما تطيق ؛ والأصل في ذلك - كما يقول ابن حجر - ما أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) عن جابر رضي الله عنه :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يركب ثلاثة على دابة . وسنده ضعيف[SUP]
[4] [/SUP]، وأخرج الطبراني عن أبي سعيد رضي الله عنه رفعه : "
لَا يَرْكَب الدَّابَّة فَوْق اِثْنَيْنِ " وفي سنده لين[SUP]
[5] [/SUP]. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال : لينزل أحدكم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث ؛ ومن طريق أبي بردة عن أبيه نحوه ، ولم يصرح برفعه ، ومن طريق الشعبي قوله مثله[SUP]
[6] [/SUP]، ومن حديث المهاجر بن قنفذ أنه لعن فاعل ذلك وقال :
إِنَّا قَدْ نُهِينَا أَنْ يَرْكَب الثَّلَاثَة عَلَى الدَّابَّة [7] ، وسنده ضعيف ؛ وعكسه ما أخرجه الطبري بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان يوم بدر ثلاثة على بعير[SUP]
[8] [/SUP]؛ وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك[SUP]
[9] [/SUP]. وبهذا يجمع بين مختلف الحديث في ذلك ، فحمل ما ورد في الزجر عن ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلًا ، وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة ، قال النووي : مذهبنا ومذاهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة ؛ وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقًا ، وهو فاسد
[10] .ا.هـ. قلت : لم يصرح أحد بالجواز مع العجز ، ولا بالمنع مع الطاقة ، بل المنقول من المطلق في المنع ، والجواز محمول على المقيد[SUP]
[11] [/SUP].
3 – استعمال الرفق مع الدابة وإن كانت صعبة ؛ ففي صحيح مسلم : رَكِبَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - بَعِيرًا فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "
عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ " ، وفي رواية عند البخاري في الأدب المفرد عنها قالت : كنت على بعير فيه صعوبة ، فجعلت أضربه ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "
عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ ،
فإِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ "[SUP]
[12][/SUP] .
[1] انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 68 ؛ مختصرًا .
[2] رواه أبو داود ( 2551 ) ، وصححه الألباني .
[3] شرح السنة : 11 / 33 .
[4] الأوسط ( 7512 ) ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ( 493 ) ... ثم قال : ثم روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال : لينزل أحدكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث . وهذا مرسل صحيح الإسناد ، لأن زاذان وهو أبو عبد الله الكندي ثقة من رجال مسلم ، وقد صح ركوبه صلى الله عليه وسلم على الدابة وأمامه عبد الله بن جعفر ، وخلفه الحسن أو الحسين ؛ رواه مسلم ، وهو مخرج في صحيح أبي داود ( 2312 ) ، فإن صح النهي حمل على الدابة التي لا تطيق ، وذلك من باب الرفق بالحيوان وقد صح في ذلك الكثير الطيب .
[5] الطبراني في ( الأوسط رقم 7512 ) ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 8 / 20) : وفيه محمد بن جامع العطار وهو ضعيف .
[6] انظر مصنف ابن أبي شيبة ( 26376 – 26380 ) .
[7] مصنف ابن أبي شيبة ( 26379 ) ، ورواه الطبراني في الكبير : 20 / 330 ( 782 ) ، والأوسط ( 7512 ) ، وفيه إسماعيل بن مسلم البصري المكي ، وهو ضعيف .
[8] ورواه أحمد : 1 / 411 ، وابن سعد : 2 / 21 ، والنسائي في الكبرى ( 8807 ) ، والحاكم ( 2453 ) وصححه ووافقه الذهبي .
[9] ابن أبي شيبة ( 26370 ) ، وإسناده حسن .
[10] انظر شرح مسلم للنووي : 15 / 194 – دار التراث العربي .
[11] انظر ( فتح الباري ) : 12 / 520 .
[12] صحيح مسلم ( 2594 ) ، والأدب المفرد ( 475 ) .