محمد محمود إبراهيم عطية
Member
الأدب بين الصغير والكبير
فكلما نظر المرء في الإسلام نظرة متأمل فاحص لأي أمر من أمور الحياة الدنيوية أو الأخروية وجد أن هذا الدين العظيم قد بلغ في هذا الأمر المنظور فيه أبعد مما يأتي على الخيال حسنا وجمالا واتقانا . وصدق الله العظيم : ] وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [ [ النحل : 89 ] ، وإنما خص المسلمين بالذكر لأنهم هم المنتفعون بما في الكتاب من هدى ورحمة وبشرى . روى ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود t أن رسول الله e قال : " أيها الناس إنه ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويبعدكم من النار إلا قد أمرتكم به ، وليس شيء يقربكم من النار ويبعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه " ( [1] ) .
إن الإسلام منهج حياة متكامل سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا ؛ فإذا تأملت أي شأن من شئون الحياة الكريمة السعيدة تجد أن الإسلام وضع له أصوله وضوابطه وآدابه ، فلا يحتاج المسلم في حياته كلها على مستوى الفرد والجماعة والأمة أن ينظر في غيره من المناهج البشرية التي اختلط فيها الحق بالباطل .. كيف والإسلام هو المنهج الرباني الوحيد الذي لم ينل أصوله ( القرآن والسنة ) ما نال ما سبقه من الكتب من تحريف وتزييف ونسيان ؛ قال الله تعالى : ] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ [ الحجر : 9 ] .
وفي غمرة حيرة البشر فيما جد لهم من مشكلات وظواهر في حياتهم العصرية ، ينسون أو يتناسون أن السبب الرئيسي لهذه المشكلات هو بعدهم عن دين الله تعالى الذي لا يقبل من أحد من البشر دينا غيره ، قال الله تعالى : ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ [ آل عمران : 85 ] . والذي كتب على من التمس الهدى في غيره الضلال والشقاء والضنك ، قال الله تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } ( طـه : 124 ) . ولا حلَّ - على الحقيقة - لهذه المشكلات والظواهر المَرَضِية إلا بالرجوع إلى الله تعالى والاستسلام لأوامره والانقياد التام لدينه وشرعه ؛ ورحم الله الإمام مالك حيث قال : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها . فهلم أيها المسلمون إلى الإسلام ، هلم إلى القرآن والسنة أقيموا دين الله في أنفسكم يقم في مجتمعاتكم ، وينتشر بين الناس بإذن الله تعالى .
ومن هذه الظواهر الاجتماعية المؤرقة ضياع الأدب بين الصغير والكبير ، فالصغير لا يعرف للكبير حقًّا ولا توقيرًا ، والكبير لا يعرف للصغير شفقة ولا رحمة ، مما يترتب على ذلك ظلمٌ بيِّنٌ من الصغير تجاه الكبير ، ومن الكبير في حق الصغير .
وبالعودة لآداب الإسلام وأخلاقه تنضبط الأمور ويعطى كل ذي حق حقه ، فيعم الخير ويسود الوئام ، إذ الأدب طريق المودة والمحبة ، فإذا تحاب الناس وتوادوا راعى كلٌ حق الآخر فيعامل الكبير الصغير معاملة رحمة وشفقة ، ويعامل الصغير الكبير معاملة توقير وإحسان .
وقد عدَّ الإمام البيهقي ذلك من شعب الإيمان قال : الخامس والسبعون من شعب الإيمان وهو باب في ( رحم الصغير وتوقير الكبير ) قال : فإنما ذكرتها في باب واحد لأن المعنى معاملة كل أحد بحسب سنه وقدر قوته وبما يليق بمنزلته ، فالذي يقتضيه حال الصغير أن يُرحم والذي يقتضيه حال الكبير أن يُوقر ( [2] ) .
وقد قيل : من أعلام الوقار : تعظيم الكبير ، والترحم على الصغير ، والتحلم على الوضيع .
وللحديث صلة .
[1] - ابن أبي شيبة ( 34332 ) ، وشعب الإيمان ( 30276 ) .
[2] - انظر شعب الإيمان للبيهقي : 7 / 457 .