أبو إسحاق الحضرمي
New member
الأحاديثُ والآثارُ المرويةُ في عدِّ آي القرآن دلالاتُها ومدى مطابقةِ هذا العلمِ لها
كتبه: حاتم جلال التميمي
كلية القرآن والدراسات الإسلامية، جامعة القدس، فلسطين
[align=justify]
ملخص
علم عَدّ الآيِ من أهم العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم، وقد ورد فيه عدد من الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين.
وقد هدف هذا البحث إلى بيان مدى اعتماد علم عَدّ الآيِ على الأحاديث والآثار، ومدى التوافق والاختلاف بينهما.
وفي هذا البحث استقرأ الباحث الأحاديث والآثار التي لها صلة بعلم عَدّ الآيِ، واستشهد بالصحيح منها، وبيَّن أهم الدلالات المستنبطة من تلك الأحاديث والآثار، ومدى مطابقة ما جاء في علم عد الآي لها.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن علوم القرآن الكريم هي أشرف العلوم وأسماها، وهي في الوقت ذاته تحتاج إلى دقة بالغة في تناولها والكتابة فيها؛ ذلك أن القرآن كتابٌ ليس كأيِّ كتاب، والكلام في علومه لا بدَّ أن يكون قائماً على أصول متينة من العلم، ومدعماً بالأدلة والبراهين القاطعة.
ومن تلك العلوم "علم عَدّ الآيِ"، وهو علمٌ لم يكتب فيه الكثير مقارنةً بعلوم القرآن الأخرى؛ كالتفسير، والتجويد، والقراءات، وغيرها. علماً بأن له أهميةً بالغةً، وقد تتوقف عليه أحكام شرعية، أو أحكام في القراءات والتجويد، والوقف والابتداء.
والسنة النبوية المطهرة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، وقد ورد فيها العديد من الأحاديث التي تضمنت ذكر أعداد آيٍ من سورِ القرآن الكريم، فكان هذا البحث محاولة لمعرفة مدى الارتباط بين الأحاديث النبوية الشريفة وآثار الصحابة والتابعين وبين علم عَدّ الآيِ، وإلى أيّ مدىً يعتمد علم عَدّ الآيِ على الأحاديث والآثار، وهل تَوَافَقَ علم عَدّ الآيِ توافقاً تاماً مع الأحاديث النبوية الشريفة أم كانت بينهما نقاط افتراق؟ وهل لعلم عَدِّ الآيِ مصدرٌ آخر غير السنة النبوية الشريفة ؟
وقد قام الباحث باستقراء ما أمكنه استقراؤه من الأحاديث والآثار المتعلقة بهذا الموضوع، ومن ثم تخريج تلك الأحاديث والحكم عليها. وما كان منها متفقاً عليه اكتُفيَ بتخريجه من الصحيحين فقط. والتزم الباحث ببيان درجة صحة الأحاديث والآثار المخرجة في غير الصحيحين. واكتفى بالاستشهاد بالأحاديث الصحيحة؛ فالضعيف لا تثبت به حجة، علماً بأن قدراً غير قليل من الأحاديث التي يُحتجُّ فيها في هذا الموضوع ضعيفةٌ، ولا تصلح للاستشهاد بها.
ولا يخفى أن الاختلاف في عدِّ الآي لا ينقص من القرآن الكريم شيئاً ولا يزيد فيه شيئاً؛ غاية ما هنالك أن ما يُعدُّ آيتين عند بعض أهل العدد يُعدُّ آية واحدة عند غيرهم، أو العكس. أما النص القرآني فهو هو، لا يزيد ولا ينقص.
هذا وقد كُتِبَت الآياتُ القرآنية في هذا البحث برواية حفص عن عاصم، وتم عزوها إلى سُوَرِها وذكر أرقامها في متن البحث بما يتوافق مع العد الكوفي.
وقام الباحث بذكر الدلالات المستنبطة من كل مبحث في آخره، إضافة إلى إثبات بعض النتائج العامة التي تستنج من مجموع المباحث في نهاية البحث. وأُلْحِقَت المسائل التي يتنازعها أكثر من مبحث بأشدِّ المباحث بها تعلقاً، مع عدم إعادتها؛ تجنباً للإطالة والتكرار.
وقد جاء هذا البحث في تمهيد وتسعة مباحث، على النحو الآتي:
تمهيد: التعريف بعلم عَدّ الآيِ ومذاهب العدد.
المبحث الأول: الأحاديث التي تفيد بوجود اختلاف في عَدّ الآيِ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
المبحث الثاني: الأحاديث التي فيها تحديد أعداد آي بعض السور.
المبحث الثالث: الأحاديث والآثار التي فيها حض على قراءة مقادير معينة من الآي.
المبحث الرابع: الأحاديث التي فيها تقدير الأوقات بمقادير قراءة عدد معين من الآي.
المبحث الخامس: اختلاف الروايات في وصف مقدار معين من القرآن الكريم تارة بأنه آية وتارة بأنه آيتان وتارة بأنه آيات.
المبحث السادس: الأحاديث والآثار التي فيها ذكر أعداد من الآي وهو موافق لجميع أهل العدد.
المبحث السابع: الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها موافق لبعض أهل العدد دون بعض.
المبحث الثامن: الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها غير موافق لأيّ مذهب من مذاهب أهل العدد.
المبحث التاسع: الأحاديث التي فيها ذِكْرُ عدد معين من الآيات يختلف مقداره باختلاف أهل العدد.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
تمهيد: التعريف بعلم عَدّ الآيِ ومذاهب العدد
تعريف العدِّ والآية لغة واصطلاحاً
العد لغةً: الإحصاء (1).
واصطلاحاً: "إحصاءُ شيءٍ على سبيل التفصيل" (2).
والآية لغة: العلامة. وجمعها: آيٌ، وآياتٌ. وجمع الجمع: آياءٌ (3). واصطلاحاً: "قرآن مركب من جُمَلٍ، ولو تقديراً، ذو مبدإٍ ومقطعٍ، مندرجٌ في سورةٍ" (4).
تعريف علم عَدّ الآيِ
عرَّفه المخللاتي بقوله: "حدَّ هذا العلم أنه فنٌّ يُبْحَثُ فيه عن أحوال آيات القرآن من حيثُ إن كل سورةٍ كم آية، وما رؤوسها، وما خاتمتها" (5). وهذا هو التعريف الوحيد الذي عَثَرَ عليه الباحث بعد طول البحث والتنقيب.
ويلاحظ أن هذا التعريف قد خلا من أمرين هامين: الإشارة إلى وجود اختلافٍ في أعدادِ آيِ بعضِ سورِ القرآن، والإشارة إلى أن هذا العلم لا يُعلم إلا بالتلقي.
ولذا فالأشمل في تعريفه أن يقال: هو علم تُعرَفُ به أعدادُ آيِ سور القرآن، والاختلافُ في عدِّها، مَعْزُوّاً لناقله.
مذاهب أهل العدد
المذاهب التي استقرت في هذا العلم، وأجمعت الأمة عليها، وتداولها الناس بالنقل، ويعدُّون بها، ستةُ مذاهب: عدد أهل المدينة الأول، والأخير، وعدد أهل مكة، وعدد أهل الكوفة، وعدد أهل البصرة، وعدد أهل الشام (6). وهذه المذاهب مروية عن أئمة القراءة المتصلة أسانيدهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصحابةُ رضي الله عنهم تلقوا عَدّ الآيِ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتلقيهم القراءات، ثم أدَّاه التابعون إلى من بعدهم، وهلمَّ جرّاً (7). وقد وُجِدتْ مذاهبُ أخرى من العدد إلا أنها لم تنقل نقلاً مستفيضاً مشتهراً، ولم تحظَ بإجماع الأمة (8). ولذا فالمعتبر في علم العد هو المذاهب الستة دون ما سواها. وهذا نظير ما في علم القراءات؛ حيث اعتمدت القراءات المتواترة دون الشاذة.[/align][align=justify]
الهامش:
(1) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 4/ 22. ابن منظور، لسان العرب 3/ 281.
(2) الجرجاني، التعريفات، ص190.
(3) الرازي، مختار الصحاح ص 15. ابن منظور، لسان العرب 14/ 61.
(4) الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1/ 266. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 1/ 145.
(5) المخللاتي، القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز، ص90.
(6) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص67.
(7) الداني، البيان في عدِّ آي القرآن، ص67 - 72. المخللاتي، القول الوجيز، ص100 - 101.
(8) الهذلي، الكامل، ص102 - 103.[/align]
كتبه: حاتم جلال التميمي
كلية القرآن والدراسات الإسلامية، جامعة القدس، فلسطين
[align=justify]
ملخص
علم عَدّ الآيِ من أهم العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم، وقد ورد فيه عدد من الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين.
وقد هدف هذا البحث إلى بيان مدى اعتماد علم عَدّ الآيِ على الأحاديث والآثار، ومدى التوافق والاختلاف بينهما.
وفي هذا البحث استقرأ الباحث الأحاديث والآثار التي لها صلة بعلم عَدّ الآيِ، واستشهد بالصحيح منها، وبيَّن أهم الدلالات المستنبطة من تلك الأحاديث والآثار، ومدى مطابقة ما جاء في علم عد الآي لها.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن علوم القرآن الكريم هي أشرف العلوم وأسماها، وهي في الوقت ذاته تحتاج إلى دقة بالغة في تناولها والكتابة فيها؛ ذلك أن القرآن كتابٌ ليس كأيِّ كتاب، والكلام في علومه لا بدَّ أن يكون قائماً على أصول متينة من العلم، ومدعماً بالأدلة والبراهين القاطعة.
ومن تلك العلوم "علم عَدّ الآيِ"، وهو علمٌ لم يكتب فيه الكثير مقارنةً بعلوم القرآن الأخرى؛ كالتفسير، والتجويد، والقراءات، وغيرها. علماً بأن له أهميةً بالغةً، وقد تتوقف عليه أحكام شرعية، أو أحكام في القراءات والتجويد، والوقف والابتداء.
والسنة النبوية المطهرة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، وقد ورد فيها العديد من الأحاديث التي تضمنت ذكر أعداد آيٍ من سورِ القرآن الكريم، فكان هذا البحث محاولة لمعرفة مدى الارتباط بين الأحاديث النبوية الشريفة وآثار الصحابة والتابعين وبين علم عَدّ الآيِ، وإلى أيّ مدىً يعتمد علم عَدّ الآيِ على الأحاديث والآثار، وهل تَوَافَقَ علم عَدّ الآيِ توافقاً تاماً مع الأحاديث النبوية الشريفة أم كانت بينهما نقاط افتراق؟ وهل لعلم عَدِّ الآيِ مصدرٌ آخر غير السنة النبوية الشريفة ؟
وقد قام الباحث باستقراء ما أمكنه استقراؤه من الأحاديث والآثار المتعلقة بهذا الموضوع، ومن ثم تخريج تلك الأحاديث والحكم عليها. وما كان منها متفقاً عليه اكتُفيَ بتخريجه من الصحيحين فقط. والتزم الباحث ببيان درجة صحة الأحاديث والآثار المخرجة في غير الصحيحين. واكتفى بالاستشهاد بالأحاديث الصحيحة؛ فالضعيف لا تثبت به حجة، علماً بأن قدراً غير قليل من الأحاديث التي يُحتجُّ فيها في هذا الموضوع ضعيفةٌ، ولا تصلح للاستشهاد بها.
ولا يخفى أن الاختلاف في عدِّ الآي لا ينقص من القرآن الكريم شيئاً ولا يزيد فيه شيئاً؛ غاية ما هنالك أن ما يُعدُّ آيتين عند بعض أهل العدد يُعدُّ آية واحدة عند غيرهم، أو العكس. أما النص القرآني فهو هو، لا يزيد ولا ينقص.
هذا وقد كُتِبَت الآياتُ القرآنية في هذا البحث برواية حفص عن عاصم، وتم عزوها إلى سُوَرِها وذكر أرقامها في متن البحث بما يتوافق مع العد الكوفي.
وقام الباحث بذكر الدلالات المستنبطة من كل مبحث في آخره، إضافة إلى إثبات بعض النتائج العامة التي تستنج من مجموع المباحث في نهاية البحث. وأُلْحِقَت المسائل التي يتنازعها أكثر من مبحث بأشدِّ المباحث بها تعلقاً، مع عدم إعادتها؛ تجنباً للإطالة والتكرار.
وقد جاء هذا البحث في تمهيد وتسعة مباحث، على النحو الآتي:
تمهيد: التعريف بعلم عَدّ الآيِ ومذاهب العدد.
المبحث الأول: الأحاديث التي تفيد بوجود اختلاف في عَدّ الآيِ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
المبحث الثاني: الأحاديث التي فيها تحديد أعداد آي بعض السور.
المبحث الثالث: الأحاديث والآثار التي فيها حض على قراءة مقادير معينة من الآي.
المبحث الرابع: الأحاديث التي فيها تقدير الأوقات بمقادير قراءة عدد معين من الآي.
المبحث الخامس: اختلاف الروايات في وصف مقدار معين من القرآن الكريم تارة بأنه آية وتارة بأنه آيتان وتارة بأنه آيات.
المبحث السادس: الأحاديث والآثار التي فيها ذكر أعداد من الآي وهو موافق لجميع أهل العدد.
المبحث السابع: الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها موافق لبعض أهل العدد دون بعض.
المبحث الثامن: الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها غير موافق لأيّ مذهب من مذاهب أهل العدد.
المبحث التاسع: الأحاديث التي فيها ذِكْرُ عدد معين من الآيات يختلف مقداره باختلاف أهل العدد.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
تمهيد: التعريف بعلم عَدّ الآيِ ومذاهب العدد
تعريف العدِّ والآية لغة واصطلاحاً
العد لغةً: الإحصاء (1).
واصطلاحاً: "إحصاءُ شيءٍ على سبيل التفصيل" (2).
والآية لغة: العلامة. وجمعها: آيٌ، وآياتٌ. وجمع الجمع: آياءٌ (3). واصطلاحاً: "قرآن مركب من جُمَلٍ، ولو تقديراً، ذو مبدإٍ ومقطعٍ، مندرجٌ في سورةٍ" (4).
تعريف علم عَدّ الآيِ
عرَّفه المخللاتي بقوله: "حدَّ هذا العلم أنه فنٌّ يُبْحَثُ فيه عن أحوال آيات القرآن من حيثُ إن كل سورةٍ كم آية، وما رؤوسها، وما خاتمتها" (5). وهذا هو التعريف الوحيد الذي عَثَرَ عليه الباحث بعد طول البحث والتنقيب.
ويلاحظ أن هذا التعريف قد خلا من أمرين هامين: الإشارة إلى وجود اختلافٍ في أعدادِ آيِ بعضِ سورِ القرآن، والإشارة إلى أن هذا العلم لا يُعلم إلا بالتلقي.
ولذا فالأشمل في تعريفه أن يقال: هو علم تُعرَفُ به أعدادُ آيِ سور القرآن، والاختلافُ في عدِّها، مَعْزُوّاً لناقله.
مذاهب أهل العدد
المذاهب التي استقرت في هذا العلم، وأجمعت الأمة عليها، وتداولها الناس بالنقل، ويعدُّون بها، ستةُ مذاهب: عدد أهل المدينة الأول، والأخير، وعدد أهل مكة، وعدد أهل الكوفة، وعدد أهل البصرة، وعدد أهل الشام (6). وهذه المذاهب مروية عن أئمة القراءة المتصلة أسانيدهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصحابةُ رضي الله عنهم تلقوا عَدّ الآيِ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتلقيهم القراءات، ثم أدَّاه التابعون إلى من بعدهم، وهلمَّ جرّاً (7). وقد وُجِدتْ مذاهبُ أخرى من العدد إلا أنها لم تنقل نقلاً مستفيضاً مشتهراً، ولم تحظَ بإجماع الأمة (8). ولذا فالمعتبر في علم العد هو المذاهب الستة دون ما سواها. وهذا نظير ما في علم القراءات؛ حيث اعتمدت القراءات المتواترة دون الشاذة.[/align][align=justify]
الهامش:
(1) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 4/ 22. ابن منظور، لسان العرب 3/ 281.
(2) الجرجاني، التعريفات، ص190.
(3) الرازي، مختار الصحاح ص 15. ابن منظور، لسان العرب 14/ 61.
(4) الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1/ 266. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 1/ 145.
(5) المخللاتي، القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز، ص90.
(6) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص67.
(7) الداني، البيان في عدِّ آي القرآن، ص67 - 72. المخللاتي، القول الوجيز، ص100 - 101.
(8) الهذلي، الكامل، ص102 - 103.[/align]