الأحاديثُ والآثارُ المرويةُ في عدِّ آي القرآن دلالاتُها ومدى مطابقةِ هذا العلمِ لها

إنضم
11/03/2009
المشاركات
1,240
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الرياض- حضرموت
الأحاديثُ والآثارُ المرويةُ في عدِّ آي القرآن دلالاتُها ومدى مطابقةِ هذا العلمِ لها
كتبه: حاتم جلال التميمي
كلية القرآن والدراسات الإسلامية، جامعة القدس، فلسطين
[align=justify]
ملخص
علم عَدّ الآيِ من أهم العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم، وقد ورد فيه عدد من الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين.
وقد هدف هذا البحث إلى بيان مدى اعتماد علم عَدّ الآيِ على الأحاديث والآثار، ومدى التوافق والاختلاف بينهما.
وفي هذا البحث استقرأ الباحث الأحاديث والآثار التي لها صلة بعلم عَدّ الآيِ، واستشهد بالصحيح منها، وبيَّن أهم الدلالات المستنبطة من تلك الأحاديث والآثار، ومدى مطابقة ما جاء في علم عد الآي لها.

المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن علوم القرآن الكريم هي أشرف العلوم وأسماها، وهي في الوقت ذاته تحتاج إلى دقة بالغة في تناولها والكتابة فيها؛ ذلك أن القرآن كتابٌ ليس كأيِّ كتاب، والكلام في علومه لا بدَّ أن يكون قائماً على أصول متينة من العلم، ومدعماً بالأدلة والبراهين القاطعة.
ومن تلك العلوم "علم عَدّ الآيِ"، وهو علمٌ لم يكتب فيه الكثير مقارنةً بعلوم القرآن الأخرى؛ كالتفسير، والتجويد، والقراءات، وغيرها. علماً بأن له أهميةً بالغةً، وقد تتوقف عليه أحكام شرعية، أو أحكام في القراءات والتجويد، والوقف والابتداء.
والسنة النبوية المطهرة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، وقد ورد فيها العديد من الأحاديث التي تضمنت ذكر أعداد آيٍ من سورِ القرآن الكريم، فكان هذا البحث محاولة لمعرفة مدى الارتباط بين الأحاديث النبوية الشريفة وآثار الصحابة والتابعين وبين علم عَدّ الآيِ، وإلى أيّ مدىً يعتمد علم عَدّ الآيِ على الأحاديث والآثار، وهل تَوَافَقَ علم عَدّ الآيِ توافقاً تاماً مع الأحاديث النبوية الشريفة أم كانت بينهما نقاط افتراق؟ وهل لعلم عَدِّ الآيِ مصدرٌ آخر غير السنة النبوية الشريفة ؟
وقد قام الباحث باستقراء ما أمكنه استقراؤه من الأحاديث والآثار المتعلقة بهذا الموضوع، ومن ثم تخريج تلك الأحاديث والحكم عليها. وما كان منها متفقاً عليه اكتُفيَ بتخريجه من الصحيحين فقط. والتزم الباحث ببيان درجة صحة الأحاديث والآثار المخرجة في غير الصحيحين. واكتفى بالاستشهاد بالأحاديث الصحيحة؛ فالضعيف لا تثبت به حجة، علماً بأن قدراً غير قليل من الأحاديث التي يُحتجُّ فيها في هذا الموضوع ضعيفةٌ، ولا تصلح للاستشهاد بها.
ولا يخفى أن الاختلاف في عدِّ الآي لا ينقص من القرآن الكريم شيئاً ولا يزيد فيه شيئاً؛ غاية ما هنالك أن ما يُعدُّ آيتين عند بعض أهل العدد يُعدُّ آية واحدة عند غيرهم، أو العكس. أما النص القرآني فهو هو، لا يزيد ولا ينقص.
هذا وقد كُتِبَت الآياتُ القرآنية في هذا البحث برواية حفص عن عاصم، وتم عزوها إلى سُوَرِها وذكر أرقامها في متن البحث بما يتوافق مع العد الكوفي.
وقام الباحث بذكر الدلالات المستنبطة من كل مبحث في آخره، إضافة إلى إثبات بعض النتائج العامة التي تستنج من مجموع المباحث في نهاية البحث. وأُلْحِقَت المسائل التي يتنازعها أكثر من مبحث بأشدِّ المباحث بها تعلقاً، مع عدم إعادتها؛ تجنباً للإطالة والتكرار.
وقد جاء هذا البحث في تمهيد وتسعة مباحث، على النحو الآتي:
تمهيد: التعريف بعلم عَدّ الآيِ ومذاهب العدد.
المبحث الأول: الأحاديث التي تفيد بوجود اختلاف في عَدّ الآيِ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
المبحث الثاني: الأحاديث التي فيها تحديد أعداد آي بعض السور.
المبحث الثالث: الأحاديث والآثار التي فيها حض على قراءة مقادير معينة من الآي.
المبحث الرابع: الأحاديث التي فيها تقدير الأوقات بمقادير قراءة عدد معين من الآي.
المبحث الخامس: اختلاف الروايات في وصف مقدار معين من القرآن الكريم تارة بأنه آية وتارة بأنه آيتان وتارة بأنه آيات.
المبحث السادس: الأحاديث والآثار التي فيها ذكر أعداد من الآي وهو موافق لجميع أهل العدد.
المبحث السابع: الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها موافق لبعض أهل العدد دون بعض.
المبحث الثامن: الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها غير موافق لأيّ مذهب من مذاهب أهل العدد.
المبحث التاسع: الأحاديث التي فيها ذِكْرُ عدد معين من الآيات يختلف مقداره باختلاف أهل العدد.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

تمهيد: التعريف بعلم عَدّ الآيِ ومذاهب العدد
تعريف العدِّ والآية لغة واصطلاحاً
العد لغةً: الإحصاء (1).
واصطلاحاً: "إحصاءُ شيءٍ على سبيل التفصيل" (2).
والآية لغة: العلامة. وجمعها: آيٌ، وآياتٌ. وجمع الجمع: آياءٌ (3). واصطلاحاً: "قرآن مركب من جُمَلٍ، ولو تقديراً، ذو مبدإٍ ومقطعٍ، مندرجٌ في سورةٍ" (4).

تعريف علم عَدّ الآيِ
عرَّفه المخللاتي بقوله: "حدَّ هذا العلم أنه فنٌّ يُبْحَثُ فيه عن أحوال آيات القرآن من حيثُ إن كل سورةٍ كم آية، وما رؤوسها، وما خاتمتها" (5). وهذا هو التعريف الوحيد الذي عَثَرَ عليه الباحث بعد طول البحث والتنقيب.
ويلاحظ أن هذا التعريف قد خلا من أمرين هامين: الإشارة إلى وجود اختلافٍ في أعدادِ آيِ بعضِ سورِ القرآن، والإشارة إلى أن هذا العلم لا يُعلم إلا بالتلقي.
ولذا فالأشمل في تعريفه أن يقال: هو علم تُعرَفُ به أعدادُ آيِ سور القرآن، والاختلافُ في عدِّها، مَعْزُوّاً لناقله.

مذاهب أهل العدد
المذاهب التي استقرت في هذا العلم، وأجمعت الأمة عليها، وتداولها الناس بالنقل، ويعدُّون بها، ستةُ مذاهب: عدد أهل المدينة الأول، والأخير، وعدد أهل مكة، وعدد أهل الكوفة، وعدد أهل البصرة، وعدد أهل الشام (6). وهذه المذاهب مروية عن أئمة القراءة المتصلة أسانيدهم بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصحابةُ رضي الله عنهم تلقوا عَدّ الآيِ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتلقيهم القراءات، ثم أدَّاه التابعون إلى من بعدهم، وهلمَّ جرّاً (7). وقد وُجِدتْ مذاهبُ أخرى من العدد إلا أنها لم تنقل نقلاً مستفيضاً مشتهراً، ولم تحظَ بإجماع الأمة (8). ولذا فالمعتبر في علم العد هو المذاهب الستة دون ما سواها. وهذا نظير ما في علم القراءات؛ حيث اعتمدت القراءات المتواترة دون الشاذة.[/align][align=justify]

الهامش:
(1) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 4/ 22. ابن منظور، لسان العرب 3/ 281.
(2) الجرجاني، التعريفات، ص190.
(3) الرازي، مختار الصحاح ص 15. ابن منظور، لسان العرب 14/ 61.
(4) الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1/ 266. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 1/ 145.
(5) المخللاتي، القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز، ص90.
(6) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص67.
(7) الداني، البيان في عدِّ آي القرآن، ص67 - 72. المخللاتي، القول الوجيز، ص100 - 101.
(8) الهذلي، الكامل، ص102 - 103.[/align]​
 
المبحث الأول
الأحاديث التي تفيد بوجود اختلاف في عَدّ الآيِ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وفيه أربعة مطالب
المطلب الأول: نصُّ الحديثِ الشريفِ الوارد في ذلك
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: تَمَارَيْنَا فِي سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقُلْنَا خَمْسٌ وَثَلاثُونَ آيَةً، سِتٌّ وَثَلاثُونَ آيَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُنَاجِيهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْقِرَاءَةِ، فَاحْمَرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَقْرَأُوا كَمَا عُلِّمْتُمْ (9). وفي رواية أخرى عن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةً مِنْ الثَّلاثِينَ مِنْ آلِ حم -يَعْنِي الأحْقَافَ- قَالَ: وَكَانَتْ السُّورَةُ إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ آيَةً سُمِّيَتْ الثَّلاثِينَ، قَالَ: فَرُحْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَجُلٌ يَقْرَؤُهَا عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأَنِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِآخَرَ: اقْرَأْهَا، فَقَرَأَهَا عَلَى غَيْرِ قِرَاءَتِي وَقِرَاءَةِ صَاحِبِي، فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَيْنِ يُخَالِفَانِي فِي الْقِرَاءَةِ، قَالَ: فَغَضِبَ وَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الِاخْتِلافُ» (10).

المطلب الثاني
: مذاهب أهل العدد في عدد آي سورة الأحقاف
هذه السورة خمس وثلاثون آية في الكوفي، وأربع وثلاثون آية في عدد الباقين. اختلافها آية {حم}؛ عدها الكوفي، ولم يعدها الباقون (11).

المطلب الثالث: مناقشة حول الحديث
1 - في نص الحديث أن الخلاف دائر بين كون سورة الأحقاف خمساً وثلاثين آية أو ستاً وثلاثين، في حين أن الخلاف فيها عند أهل العدد دائر بين كونها أربعاً وثلاثين أو خمساً وثلاثين.
والجواب: أن عدّها ستاً وثلاثين آية ربما كان صحيحاً في حدّ ذاته، إلا أنه لمَّا لم ينقل لنا تواتراً كما نقل العددان الآخران بقي نقلاً آحادياً، كما هو الشأن بخصوص القراءات الشاذة. والله تعالى أعلم.
2- إن قيل: ما سبب الاختلاف في عدِّ الآي؟ فالجواب من وجهين: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي للتوقيف، فإذا علم محلها وصل للتمام فيحسب السامع حينئذ أنها ليست فاصلة (12). والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم ذلك كما كان يعلمهم قراءات القرآن الكريم (13).

المطلب الرابع: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
هذا الحديث أصل عظيم في علم عَدّ الآيِ، ويمكن أن تستنبط منه نقاط كثيرة، أهمها:
1. وقوع اختلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في علم عَدّ الآيِ كما وقع بين اختلاف في علم القراءات، وكلٌّ بتوقيفٍ من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال السخاوي رحمه الله: "فإن قيل: فما الموجب لاختلافهم في عدد آي القرآن؟ قلتُ: النقل والتوقيف ... فإن قيل: فلو كان ذلك توقيفيا لم يقع اختلاف؟ قلتُ: الأمر في ذلك على نحوٍ من اختلاف القراءات، وكلُّها مع الاختلاف راجع للنقل" (14).
2. أن علم عَدّ الآيِ توقيفي ولا يعلم بالقياس ولا بالاجتهاد، وأن الصحابة رضي الله عنهم تعلموه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تعلموا منه القراءات. بدلالة قول ابن مسعود رضي الله عنه: "تَمَارَيْنَا فِي سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَقُلْنَا خَمْسٌ وَثَلاثُونَ آيَةً، سِتٌّ وَثَلاثُونَ آيَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " فالخلاف -بحسب هذه الرواية- كان قد وقع في عدِّ الآي. وفي بعض الروايات أن الخلاف وقع في القراءة. ويجمع بينهما أن الخلاف وقع بين الصحابة رضي الله عنهم في كلا الأمرين.
3. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنكر على الصحابة الكرام خلافهم في عَدّ الآيِ كما أنكر عليهم خلافهم في القراءات.
4. جواز تقريب عدد آي السُّوَر، وأن من عادة العرب حذف الكسور.
5. مدى حرص الصحابة رضي الله عنهم على سلامة القرآن الكريم من أي اختلاف مهما كان؛ فالذي وقع الخلاف والمراء فيه هل السورة خمس وثلاثون أم ست وثلاثون آية، أي أن الفارق بينهما كان آية واحدة.
6. أن الاختلاف في عَدّ الآيِ محصور بما ورد به الشرع الكريم؛ وذلك من خلال قول عليٍّ رضي الله عنه: «إنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرُكم أن تقرأوا كما عُلِّمتم».

المبحث الثاني
الأحاديث التي فيها تحديد أعداد آي بعض السور

وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: نصوص الأحاديث الشريفة الواردة في ذلك
1 - عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ [الأنفال: 40]»، ثُمَّ قَالَ لِي: «لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ: لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» (15). قال ابن حجر رحمه الله: "فيه دليل على أن الفاتحة سبع آيات" (16).
2 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سَبْعُ آيَاتٍ إِحْدَاهُنَّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ» (17).
3 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» (18).
4 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَزَرْنَا (19) قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً، قَدْرَ (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ)، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الأخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الأولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الأخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الأخْرَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ (20).

المطلب الثاني: مذاهب أهل العدد في أعداد آي السور المذكورة
1- أجمع أهل العدد على أن سورة الفاتحة سبع آيات إجمالاً. واختلفوا في التفصيل؛ فعدَّ المكي والكوفي {بسم الله الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] ولم يعدها الباقون. و {أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] لم يعدها المكي والكوفي وعدّها الباقون (21).
2 - سورة الملك اختلف في عدد آيها؛ فهي إحدى وثلاثون آية في المدني الأخير والمكي، وثلاثون في عدد الباقين (22).
3- سورة السجدة اختلف في عدد آيها أيضاً؛ فهي عشرون وتسع آيات في البصري، وثلاثون آية في عدد الباقين (23).

المطلب الثالث: مناقشات حول أحاديث هذا المبحث
1 - قال ابن شنبوذ معقباً على حديث سورة الملك: "ولا يسوغ لأحد خلافه؛ للأخبار الواردة في ذلك" (24). وقياس كلامه أن كل سورة ورد تحديد عدد آيها في الأحاديث الشريفة لا يسوغ لأحد أن يقول بخلافه.
والجواب عن ذلك:
- ما ورد في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً» لا ينفي وجود عدد آخر صحيح لآي هذه السورة؛ فذكر الثلاثين لا ينفي ما سواها؛ لعدم وجود حصرٍ أو قصرٍ في هذا الحديث.
- الثلاثون المذكورة في الحديث يحتمل أن يراد بها الثلاثون كاملة دون زيادة، ويحتمل أن يراد بها أكثر من ثلاثين، بدلالة حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله المتقدم عن سورة الأحقاف: « ... وَكَانَتْ السُّورَةُ إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ آيَةً سُمِّيَتْ الثَّلاثِينَ ... » (25). ويكون ذلك جارياً على عادة العرب من حذف الكسور (26).
- علم عَدّ الآيِ يستمد مادته العلمية من مصدرين: الأحاديث النبوية الصحيحة، والنقول المتواترة في علم عَدّ الآيِ التي أجمعت الأمة سلفاً وخلفاً عليها.
ومثل هذا يقال في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بخصوص سورة السجدة والاختلاف في عدّ آيها.
2 - إذا كان الفقهاء قد اختلفوا في كون البسملة آية من الفاتحة أو لا (27)، فهل يتبع المصلي مذاهب الفقهاء أم مذاهب أهل العدد؟
الأولى أن يكون الفصل في المسائل العلمية لأهل الاختصاص فيها، ومسألة كون البسملة آية في الفاتحة أو لا أقرب لاختصاص أهل العدد. وعليه فيرجع النظر إلى كل قارئ من القراء بانفراده؛ فمن تواترت في حرفه تجب على كل قارئ بذلك الحرف وتلك القراءة في الصلاة بها، وتبطل بتركها أيّاً كان، وإلا فلا. ولا يُنظر إلى كونه شافعيّاً أو مالكيّاً أو غيرَهما (28).

المطلب الرابع: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1. من سور القرآن الكريم ما اتفق على عدد الآي فيها إجمالاً واختلف في التفصيل؛ كما هو واضح في حديث سورة الفاتحة.
2. اتفقت جميع روايات الأحاديث السابقة على أن سورة الفاتحة سبع آيات، وسورة الملك ثلاثون آية، وسورة السجدة أيضاً ثلاثون آية. ولم أعثر من خلال تخريجي لتلك الأحاديث على أيَّ حديث يخالف ذلك. وعليه فقد يوجد خلاف في أعداد آي بعض السور وإن كانت الأحاديث الشريفة لا تنص إلا على عدد واحد.
3. قد يكون عدد الآي المذكور في الأحاديث الشريفة موافقاً لبعض مذاهب أهل العدد دون بعض؛ فقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سَبْعُ آيَاتٍ إِحْدَاهُنَّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» موافق للعدّ المكي والكوفي فقط. وقوله: «إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً» موافق لجميع مذاهب أهل العدد ما عدا المدني الأخير والمكي. وحديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ موافق لجميع مذاهب أهل العدد ما عدا البصري.
4. لم يكن عَدّ الآيِ حكراً على بعض الصحابة دون بعض؛ بدلالة قول أبي سعيد رضي الله عنه: "كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فَحَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... "، فالأمر لم يكن من أبي سعيد وحده؛ بل كان من عموم الصحابة.
[align=justify]
الهامش:
(9) أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند 1/ 105 برقم (832)، وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات. وأخرجه الطبري في تفسيره 1/ 23 برقم (13) وإسناده أيضاً صحيح.
(10) أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 419، برقم (3981). إسناده حسن؛ من أجل عاصم بن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات.
(11) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص227.
(12) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 1/ 182.
(13) ينظر: القاضي، عبد الفتاح، الموجز الفاصل في علم الفواصل ص4.
(14) السخاوي، جمال القراء 2/ 564 - 565.
(15) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب التفسير/ باب: ما جاء في فاتحة الكتاب، برقم (4474).
(16) ابن حجر، فتح الباري 8/ 159.
(17) أخرجه الطبراني في الأوسط 5/ 208 برقم (5102). والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 45 برقم (2218)، (2219) وقال: "روي عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً وموقوفاً، والموقوف أصح". وإسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(18) أخرجه الترمذي في السنن في: كتاب فضائل القرآن/ باب ما جاء في فضل سورة الملك، برقم (2891). وأبو داود في: كتاب الصلاة/ باب في عدد الآي، برقم (1400). وابن ماجه في: كتاب الأدب/ باب ثواب القرآن، برقم (3786). والحديث حسن لغيره، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عباس الجشمي؛ ذكره ابن حبان [5/ 259] في الثقات، وخرج له أصحاب السنن الأربعة، وقال عنه ابن حجر في التقريب [1/ 476]: «مقبول».
(19) أي: خمنَّا وقدَّرنا. [العظيم آبادي، عون المعبود 3/ 15].
(20) أخرجه مسلم في: كتاب الصلاة/ باب القراءة في الظهر والعصر، برقم (452). وأبو داود في: كتاب الصلاة/ باب تخفيف الأخريين، برقم (804)، واللفظ له. والنسائي في الصغرى في: كتاب الصلاة/ باب عدد صلاة العصر في الحضر، برقم (475).
(21) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص139.
(22) السابق، ص251.
(23) السابق، ص207.
(24) السيوطي، الإتقان 1/ 149.
(25) مسند أحمد 1/ 419، برقم (3981)، إسناده حسن؛ من أجل عاصم بن أبي النجود، وبقية رجاله ثقات.
(26) ابن حجر، النكت على ابن الصلاح 2/ 770.
(27) النووي، المجموع شرح المهذب 3/ 279.
(28) الضباع، الإضاءة في بيان أصول القراءة، ص9 - 10.[/align]
 
[align=justify]المبحث الثالث
الأحاديث والآثار التي فيها حض على قراءة مقادير معينة من الآي
[/align]​
[align=justify]
[/align]​
[align=justify]
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: نصوص الأحاديث والآثار الواردة في ذلك
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِن الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ» (29).
2- عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةِ آيَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِن الْغَافِلِينَ، أو كُتِبَ مِن الْقَانِتِينَ» (30).
3 - عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ» (31).
4 - عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حَافَظَ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ لَمْ يُكْتَبْ مِن الْغَافِلِينَ، ومَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِن الْقَانِتِينَ» (32).
5 - عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ بخمس آيات لم يكتب في ليلته أبداً من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ ثلاثمائة كتب له قنطار، ومن قرأ سبعمائة أفلح" (33).

المطلب الثاني: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1 - تدل هذه الأحاديث على أن عَدّ الآيِ أمر معلوم لدى المخاطبين جميعاً، ولا يسع أحداً العذر بالجهل به؛ فالخطاب في تلك الأحاديث جاء بلفظ من ألفاظ العموم «مَنْ»، وعليه فإن تقسيم السورة إلى آيات كان معلوماً لدى المخاطبين كعلمهم بالقرآن ذاته.
2- عد الآي كان هو الوسيلة الوحيدة التي كانوا يقدرون بها كميَّةَ ما يُقْرأُ من القرآن.[/align]
[align=justify]
الهامش:
(29) أخرجه أبو داود في السنن في: كتاب الصلاة/ باب تحزيب القرآن، برقم (1398). وابن خزيمة في صحيحه 2/ 181 برقم (1144)، وابن حبان في صحيحه 6/ 310، برقم (2572). وإسناده حسن؛ لأجل عبيد بن سوية، وهو صدوق كما قال ابن حجر في التقريب [1/ 644]، وبقية رجاله ثقات.
(30) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 2/ 180 برقم (1142). وإسناده صحيح وله شواهد.
(31) أخرجه أحمد في المسند 4/ 103 برقم (16999). والدارمي في سننه 4/ 2172 برقم (3495). والطبراني في الكبير 2/ 50 برقم (1252). وفي الأوسط 3/ 280 برقم (3143). وهو حديث حسن بشواهده.
(32) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 452 برقم (1160) وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 399 برقم (2191). وسعيد بن منصور في سننه 2/ 427. إسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيحين.
(33) أخرجه الطبراني في الكبير المعجم الكبير 9/ 146 برقم (8727). وإسناده إلى ابن مسعود صحيح، ورجاله ثقات، وهو موقوف عليه.[/align]
 
المبحث الرابع
الأحاديث التي فيها تقدير الأوقات بمقادير قراءة عدد معين من الآي

وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: نصوص الأحاديث الواردة في ذلك
وفيه فرعان:
الفرع الأول: تقدير الوقت بين السحور وإقامة صلاة الفجر بقدر قراءة خمسين آية
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى، فقيل لأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً (34). وفي رواية عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً (35).

الفرع الثاني: تقدير الركعات في الصلاة بمقدار ما يقرأ فيها من الآي
1- حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ المتقدم قَالَ: حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلاثِينَ آيَةً؛ قَدْرَ (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ) ... إلخ.
2 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ (36).
3 - عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ آيَةً (37).

المطلب الثاني: مناقشة حول هذه الأحاديث
إن قيل: إن الآي تختلف طولاً وقِصَراً فكيف كانوا يقيسون بها طول الركعات ونحو ذلك؟ فالجواب من وجهين: الأول: أن ذلك كان على وجه التقريب، واعتماد مقدار متوسط من الآي؛ لا هو بالطويل ولا بالقصير. والثاني: أن النصوص نفسها تشير إلى أن العدَّ كان تقريبياً؛ ففي حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها «ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً»، وفي حديث أبي برزة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ «مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ آيَةً».

المطلب الثالث: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1 - أن الصحابة رضي الله عنهم وظفوا عَدّ الآيِ لتقدير أوقات بعض العبادات؛ كتقدير طول الركعات في الصلوات، ومقدار ما ينتظر بين الأذان والإقامة. وذلك يوحي باستقرار أمر عَدّ الآيِ عندهم استقراراً تاماً؛ كاستقرار معرفة الأيام والليالي والأسابيع والشهور.
2- عَدّ الآيِ كان معلوماً لدى الجميع صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً؛ كما يظهر من خلال رواة تلك الأحاديث.
3- أن الركعتين الأوليين أطول من الأخريين.
4- أن القراءة في صلاة الفجر أطول من غيرها.
[align=justify]
الهامش:
(34) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب مواقيت الصلاة/ باب وقت الفجر، برقم (576). وأحمد في المسند 3/ 170 برقم (12762).
(35) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب الصيام/ باب فضل السحور واستحبابه واستحباب تأخيره، برقم (1097). والترمذي في: كتاب الصوم/ باب ما جاء في تأخير السحور، برقم (703). والنسائي في الصغرى في: كتاب الصيام/ باب قدر ما بين السحور وبين صلاة الصبح، برقم (2155). وابن ماجه في: كتاب الصيام/ باب ما جاء في تأخير السحور، برقم (1694).
(36) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب الجمعة/ باب إذا صلى قاعداً ثم صح .... ، برقم (1119). وأخرجه مسلم في: كتاب صلاة المسافرين/ باب جواز النافلة قائماً وقاعداً ... ، برقم (731).
(37) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب مواقيت الصلاة/ باب وقت الظهر عند الزوال، برقم (541). مسلم في صحيحه في: كتاب الصلاة/ باب القراءة في الصبح، برقم (461)، واللفظ له.[/align]​
 
المبحث الخامس
اختلاف الروايات في وصف مقدار معين من القرآن الكريم تارة بأنه آية وتارة بأنه آيتان وتارة بأنه آيات

وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: ما ورد التعبير عنه بالمفرد والمثنى والجمع
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: نصوص الأحاديث والآثار الواردة في ذلك
1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ -وَهُوَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ- فَجَاءَ مِنْ أَرْضِهِ عَشِيًّا فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلا، فَرَأَى بِعَيْنِهِ وَسَمِعَ بِأُذُنِهِ، فَلَمْ يَهِجْهُ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عِشَاءً فَوَجَدْتُ عِنْدَهُمْ رَجُلاً، فَرَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ، وَسَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ. فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} [النور: 6] الآيَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... (38). وفي رواية: ... فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9] (39). وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما: ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ ... (40). وفي رواية أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ... فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ ... (41).
2 - عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهَا حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فَبَدَأَ بي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ [الأحزاب: 28 - 29]، فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ (42). وفي روايات أخرى ذكر نص الآيتين كاملتين (43). وفي رواية: ... فَقَرَأَ عَلَيَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآيَاتِ (44). وفي رواية: ... ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} حَتَّى بَلَغَ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] (45).
3- عَنْ أَنَس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} إِلَى قَوْلِهِ {فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح: 1 - 2] مَرْجِعَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ يُخَالِطُهُمْ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا جَمِيعًا» (46). وفي بعض الروايات: ... قال: لقد أنزلت عليّ آيتان هما أحب إلى من الدنيا جميعا (47). وفي بعض الروايات: ... لقد أنزلت عليَّ آيات هي أحب إلى من الدنيا (48).

الفرع الثاني: مذاهب أهل العدد في أعداد آي السورة المذكورة
الآيات التي اشتمل عليها هذا الفرع كلها محل اتفاق بين أهل العدد فيه إفراداً وتثنية وجمعاً، ولم يقع بينهم اختلاف في عدها (49).

الفرع الثالث: مناقشة حول هذه الأحاديث
1- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلى {إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9] هو أربع آيات، وهذا موافق لما جاء في رواية ابن عمر رضي الله عنهما: ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ .... وأما لفظ رواية أبي داود «الآيَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» فلا يتطابق مع ذلك. والتوفيق بينهما أن المراد بالآية هنا هو "الموضوع"؛ فالآية الكريمة تشتمل على أمرين: أيمان الزوج المُلاعِن، وأيمان الزوجة المُلاعَنة، فعبَّر عن كل موضوع بأنه آية. أو يقال بأن لفظ «الآيَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» هو تصرف من الرواة.
وأما رواية أنس رضي الله عنه: ... فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ اللِّعَانِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] إِلَى آخِرِ الآيَةِ ... ، فالجواب عنها وما ماثلها أن المراد بالآية هنا الجنس وليس العدد؛ فإنه قد يراد بالمفرد الجنس (50)؛ كما في قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16]، وقوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40]. ولا يبعد أيضاً أن يكون تصرفاً من الرواة.
2- قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح:1 - 2] هو آيتان عند جميع أهل العدد. ويلاحظ أن روايات الحديث جاءت: بألفاظ «آية، آيتان، آيات» فأما رواية "آيتان" فموافقة لما في علم العدد. وأما رواية آية -وأغلب الروايات جاءت بها، وهي رواية الصحيحين وغيرهما- فهي على إرادة الجنس كما سبق. وأما رواية "آيات" فقد تفرد بها البيهقي، وهي إن سلمت من الشذوذ تُحمل على أن الذي نزل هو الآيات الثلاث أو الأربع الأُوَل من سورة الفتح؛ كما هو واضح في روايته.
3- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} إلى قوله {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} هما آيتان باتفاق أهل العدد. وعليه فالروايات التي جاءت بلفظ "الآيتين" مطابقة لما عند أهل العدد. وأما رواية "الآية" فتحمل على إرادة الجنس. وأما رواية "الآيات" فانفرد بها ابن ماجه، وهذه اللفظة شاذة، وهي مخالفة لما في الصحيحين وغيرهما، ومخالفة أيضاً لما في علم عَدّ الآيِ.

المطلب الثاني: ما ورد التعبير عنه بالمفرد والمثنى
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: نصوص الأحاديث والآثار الواردة في ذلك
1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا (51) مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا (52) مِنْ ذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ. فَقَامَ رَجُلانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَحَلَفَا {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} [المائدة: 106]. وفي رواية: ... ونزلت هاتان الآيتان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} إلى آخر الآية (53).
2- عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْتَغْفِرُ لأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ: تَسْتَغْفِرُ لأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ؟ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ (54). وفي رواية: ... فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} إلى قوله {تَبَرَّأَ مِنْهُ} (55). وفي رواية: ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآيَةَ (56).
3 - عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: «فِيهَا مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16ـ17] (57). وفي رواية: ... ثم قرأ هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ} الآيتين (58).
4 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سافر فركب راحلته كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] يقرأ الآيتين، ثم يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أسْأَلُكَ في سَفَرِي هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا السَفَرَ، وَاطْوِ لَنَا الأَرْضَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا فَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا»، وكان إِذَا رَجَعَ قَالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» (59). وفي جلِّ الروايات ذكر النص كاملاً {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 13 - 14] بدون قوله: "يقرأ الآيتين" (60). وفي رواية: ... ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} الآيةَ (61).
5 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ... ، ثم قال في آخر الحديث: فَلَمْ يَمْكُثْ إِلا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَت الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَة {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إِلَى {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [النور: 84]. قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ (62). وانفرد الترمذي بلفظ: ... فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الآيَتَانِ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ... } إِلَى آخِرِ الآيَةِ (63). وانفرد البزار بلفظ: فما برحت حتى نزلت الآية {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (64). وقد ورد هذا الحديث من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: ... فنزلت أو فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (65)، أي بدون تحديد الذي نزل أهو آية أم آيتان.
6 - عن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فيها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فجاء رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس ومعه مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ ونَكَتَ بها، ثم رَفَعَ رَأْسَهُ فقال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا قَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِن الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً»، فَقَالَ رَجَلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ لَيَكُونَنَّ إِلَى السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ لَيَكُونَنَّ إِلَى الشَّقَاوَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلِ اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ؛ فأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ للسَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ للشَّقَاوَةِ». ثم قرأ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5- 10] (66). وفي بعض الروايات: ... ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيتين (67).

الفرع الثاني: مذاهب أهل العدد في أعداد آي السورة المذكورة
الآيات التي اشتمل عليها هذا الفرع كلها محل اتفاق بين أهل العدد فيه إفراداً وتثنيةً، ولم يقع بينهم اختلاف في ذلك (68).

الفرع الثالث: مناقشة حول هذه الأحاديث
1- الأحاديث في هذا المطلب عبَّرت عن ذات القدر من الآيات الكريمة تارة بأنه آية، وتارة بأنه آيتان.
2- يجاب عن البنود الأربعة الأولى بأن لفظ الآية يراد به الجنس لا العدد.
3- قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] هو آية واحدة باتفاق أهل العدد!! ولم يوافقه إلا ما جاء في رواية البزار "فما برحت حَتَّى نَزَلَت الآيَة"، وهذه الرواية تفرد بها البزار، ورواها من طريق محمد بن إسحاق، وهو مدلس وقد عنعنه (69). ولفظ البخاري وغيره كله "الآيتان".
والجواب عن الرواية المشهورة «نزلت الآيتان» أن المقصود بالآية هنا "الموضوع"، فالآية الكريمة تتضمن موضوعين: عدم الصلاة على المنافقين، وعدم القيام على قبورهم. فَنُزِّل كلٌّ من الموضوعين منزلة الآية المستقلة. والله تعالى أعلم.
وأما رواية الترمذي "فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الآيَتَانِ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ... } إِلَى آخِرِ الآيَةِ" فيحمل التعبير الأول على إرادة الموضوع، ويحمل التعبير الثاني على إرادة العدد. مع ملاحظة أن هذه الرواية أيضاً من طريق محمد بن إسحاق وقد عنعنها.
4 - قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5- 10] هو ست آيات باتفاق أهل العدد. فأما الروايات التي جاءت بلفظ "الآية" فتحمل على إرادة الجنس. وأما ما جاء بلفظ التثنية فيحمل على إرادة الموضوع؛ فالآيات تتحدث عن فريقين: من ييسرون لليسرى، ومن ييسرون للعسرى. والله تعالى أعلم.
5- قد يجاب بأن تغاير التعبير هو تصرفٌ من بعض رواة الحديث.

المطلب الرابع: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1- لفظ الآية قد يطلق ويراد به الجنس، وحينئذ يستوي أن يكون المتحدث عنه مفرداً أو مثنىً أو جمعاً.
2 - لفظ الآية قد يطلق ويراد به الموضوع؛ بحيث يطلق على الآيات التي تتحدث عن موضوع ما لفظ "آية"، وإن كانت أكثر من آية. وقد يطلق على جزءٍ من الآية أنه "آية".
3- يحتمل أن يكون السبب في تغاير التعبير عن القدر الواحد من القرآن الكريم إفراداً وتثنيةً وجمعاً تصرفاً من بعض رواة الأحاديث.
4- الروايات الصحيحة قلما يختلف بعضها مع بعض، والمخالفات تأتي من روايات شاذة وضعيفة.
5- الاختلاف في الروايات التي فيها عدُّ الآي يشمل القرآن المكيّ والمدني على السواء.
6- قد تكون الرواية الأضعف سنداً هي الأكثر موافقة لما في علم عدِّ الآي، والرواية الصحيحة على عكس ذلك. وهذا لا يطعن في صحة الرواية، ولا يطعن في علم عدِّ الآي أيضاً؛ لأن علم عدِّ الآي لا يستند على الروايات وحدها؛ بل هو منقول بالتواتر.
[align=justify]
الهامش:
(38) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب التفسير/ باب ويدرأ عنها العذاب ... ، برقم (4747). وأبو داود في سننه في: كتاب الطلاق/ باب في اللعان، برقم (2256)، واللفظ له. والترمذي في: كتاب التفسير/ باب ومن سورة النور، برقم (3179). وابن ماجه في: كتاب الطلاق/ باب اللعان، برقم (2067).
(39) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب التفسير/ باب ويدرأ عنها العذاب ... ، برقم (4747).
(40) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب اللعان/ باب ... ، برقم (1493). والترمذي في: كتاب الطلاق واللعان/ باب ما جاء في اللعان، برقم (1202). والنسائي في الصغرى في: كتاب الطلاق/ باب عظة الإمام الرجل والمرأة عند اللعان، برقم (3473).
(41) أخرجه النسائي في الصغرى في: كتاب الطلاق/ باب كيف اللعان، برقم (3469). وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
(42) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب التفسير/ باب قوله يا أيها النبي قل لأزواجك ... ، برقم (4786). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7/ 344، برقم (14797).
(43) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب الطلاق/ باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية، برقم (1475).
(44) أخرجه ابن ماجه في: كتاب الطلاق/ باب الرجل يخير امرأته، برقم (2053). وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
(45) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب الطلاق/ باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية، برقم (1478). وأخرجه الإمام أحمد في المسند 6/ 152، برقم (25234).
(46) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب الجهاد والسير/ باب صلح الحديبية، برقم (1786). والنسائي في الكبرى 6/ 462 برقم (11502). وأحمد في المسند 3/ 173 برقم (12802). وابن حبان في صحيحه 2/ 92 - 93 برقم (370).
(47) أخرجه أحمد في المسند 3/ 134 برقم (12397)، وإسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيحين.
(48) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9/ 222. وإسناده صحيح، ورجاله ثقات.
(49) الداني، البيان في عد آي القرآن، على التوالي:، ص193، 208، 229.
(50) الآلوسي، روح المعاني 14/ 162.
(51) أي: إناء [فتح الباري 5/ 411].
(52) أي: منقوشا فيه صفة الخوص [فتح الباري 5/ 411].
(53) أخرجه أبو يعلى في مسنده 4/ 338 - 339 برقم (2453). وإسناده حسن، وله متابعات.
(54) أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 130، برقم (1085). والضياء في المختارة 2/ 203، برقم (585). وأبو يعلى في مسنده 1/ 457، برقم (619)، وإسناده صحيح. وهو مخرَّج في الصحيحين وغيرهما بدون بلفظ «الآيتين»، أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه منها: (3884) في: كتاب المناقب/ باب قصة أبي طالب. ومسلم في: كتاب الإيمان/ باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ... ، برقم (24)
(55) أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 99، برقم (771)، وإسناده حسن، ورجاله رجال الصحيحين غير عبد الله بن أبي الخليل، ذكره ابن حبان في الثقات [5/ 29]، وقال ابن حجر في التقريب [1/ 489]: «مقبول»، والحديث له متابعات يتقوى بها.
(56) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب الجنائز/ باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله، برقم (1360).
(57) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب الجنة وصفة نعيمها/ باب ... ، برقم (2825). والإمام أحمد في المسند 5/ 334، برقم (22877). والحاكم في المستدرك 2/ 448، برقم (3549).
(58) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 5/ 354، برقم (6919).وإسناده حسن؛ لأجل عبد الله بن سويد البصري، وهو صدوق كما قال ابن حجر في التقريب [1/ 500]، وبقية رجاله ثقات.
(59) أخرجه ابن حبان في صحيحه 6/ 412، برقم (2695) بهذا اللفظ، وإسناده صحيح، رجاله رجال مسلم غير إبراهيم بن الحجاج، وهو ثقة أخرج له النسائي [انظر: التقريب 1/ 54]. وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده 5/ 427، برقم (2031).
(60) وممن أخرج ذلك: مسلم في صحيحه في: كتاب الحج/ باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، برقم (1342). والترمذي في سننه في: كتاب الدعوات/ باب ما يقول إذا ركب الناقة، برقم (3447). وأبو داود في سننه في: كتاب الجهاد/ باب ما يقول الرجل إذا سافر، برقم (2599). والنسائي في السنن الكبرى 6/ 141، برقم (10382). وأحمد في المسند في عدة مواضع منها: 2/ 144، برقم (6311)، 2/ 150، برقم (6374). وقد خُرِّج من حديث عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنحو ذلك.
(61) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 108، برقم (2482) وقال: "صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه عبد بن حميد في مسنده 1/ 59، برقم (89).
(62) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب الجنائز/ باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار، برقم (1366). وأخرجه أيضاً في: كتاب التفسير/ باب قوله استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، برقم (4671). والنسائي في الصغرى في: كتاب الجنائز/ باب الصلاة على المنافقين، برقم (1966).
(63) أخرجه الترمذي في: كتاب التفسير/ باب ومن سورة التوبة، برقم (3097). وإسناده حسن، ويتقوى بما قبله.
(64) أخرجه البزار في مسنده 1/ 298، برقم (193)، في سنده ابن إسحاق، وهو مدلس وقد عنعنه.
(65) أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، منها في: كتاب الجنائز/ باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف ... ، برقم (1269). وفي: كتاب التفسير/ باب قوله ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، وبرقم (4672). وأخرجه مسلم في صحيحه في موضعين في: كتاب فضائل الصحابة/ باب من فضائل عمر، برقم (2400). وفي: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم/ باب ... ، برقم (2774).
(66) أخرجه النسائي في السنن الكبرى 6/ 516 - 517 برقم (11678) بهذا اللفظ. وأخرج نحوه عبد الرزاق في مصنفه 11/ 115 برقم (20074). والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما بألفاظ متقاربة؛ أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه؛ منها: (4945) في: كتاب التفسير/ باب قوله {فأما من أعطى واتقى}. ومنها: (6217) في: كتاب الأدب/ باب الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض. وأخرجه مسلم في: كتاب القدر/ باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه ... ، برقم (2647).
(67) والطبري في تفسيره 24/ 474. وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
(68) الداني، البيان في عد آي القرآن، على التوالي: ص149، 160، 207، 223، 276.
(69) قال ابن حجر في التقريب: "محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي، صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر". [تقريب التهذيب 1/ 467].[/align]

 
المبحث السادس
الأحاديث والآثار التي فيها ذكر أعداد من الآي وهو موافق لجميع أهل العدد

وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: نصوص الأحاديث والآثار الواردة في ذلك
بعض الأحاديث والآثار التي تقدمت في مباحث سابقة تندرج تحت هذا المبحث أيضاً؛ كأحاديث الفاتحة أنها سبع آيات، وأحاديث المبحث السابق كلها. ومما ورد بالإضافة إلى ذلك:
1- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» (70).
2 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "الْكَبَائِرُ مَا بَيْنَ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى رَأْسِ الثَّلاثِينَ" (71).
3 - عن بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: بينما نحن قعود على شرابٍ لنا، ونحن على رَمْلة، ونحن ثلاثة أو أربعة، وعندنا باطِيةٌ لنا، ونحن نشرب الخمر حِلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم عليه، وقد نزل تحريم الخمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ... } إلى آخر الآيتين {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90 - 91] ... (72).
4 - عن عبادة بن الصامت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من يبايعني على هؤلاء الآيات؟» ثم قرأ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 151] حتى ختم الآيات الثلاث، «فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص شيئا أدركه الله بها في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخر إلى الآخرة كان أمره إلى الله؛ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» (73). وجاء من وجه آخر عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما موقوفاً في قوله تعالى: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] قال: هي التي في الأنعام {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} ثلاث آيات (74).
5 - عن عبد الرحمن بن يزيد: أن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِهِمُ الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِن الأنْفَالِ، ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ (75). وفي رواية: صَلَّى بِنَا ابْنِ مَسْعُودٍ صَلاةَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَةِ الأنْفَالِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال: 40] ركع (76).
6 - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَتَفَاوَتَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي السَّيْرِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ {عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1 - 2] (77).
7 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في حديثها الطويل عن حادثة الإفك قالت: ... فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ»، قَالَتْ: فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ؛ ولا أَحْمَدُ إِلا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسِبُوهُ} الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا [النور: 11 - 20] (78). وفي رواية مرسلة عن الحكم بن عُتَيْبَةَ: ... فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ آيَةً (79) مِنْ سُورَةِ النُّورِ، ثُمَّ قَرَأَ الْحَكَمُ حَتَّى بَلَغَ {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] (80). وفي رواية مرسلة أخرى عن سعيد بن جبير: ... فَنَزَلَتْ ثَمَانِيةَ عَشْرَةَ آيَةً مُتَوَالِيَات (81) بِتَكْذِيبِ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ وَبَرَاءَتِهَا, وَيُؤَدِّبُ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} (82).

المطلب الثاني: مذاهب أهل العدد في أعداد آي السور المذكورة
الآيات التي اشتمل عليها هذا المطلب كلها محل اتفاق بين أهل العدد، ولم يقع بينهم اختلاف في شيء من ذلك (83).

المطلب الثالث: مناقشة حول الأحاديث المذكورة
1 - البنود الستة الأولى كلها موافقة لجميع مذاهب العدد ولا إشكال فيها.
2 - البند السابع أيضاً لا إشكال فيه في الرواية التي في الصحيحين وغيرهما «الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا»، وأما رواية «خَمْسَةَ عَشَرَ آيَةً ... » فهي غير موافقة لما في علم عَدّ الآيِ؛ لأن الآيات من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} إلى قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 11 - 26] هي ست عشرة آية باتفاق أهل العدد، وليست خمس عشرة، بالإضافة إلى كون تلك الرواية مرسلة. وأما رواية «ثَمَانِية عَشْرَةَ آيَةً مُتَوَالِيَاتٌ» فبالإضافة إلى ضعفها فإنها لا تتفق مع علم العد؛ لأن اعتبار ما نزل في حادثة الإفك ثماني عشرة آية سيشمل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور: 27 - 28]، وهاتان الآيتان غير نازلتين في حادثة الإفك قطعاً.
3 - قال ابن حجر عند شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها: "آخرُ العشرة قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19] ... فلعل في قولها «العشر الآيات» مجازاً بطريق إلغاء الكسر" (84). ولا يخفى أن ما ذكره هو آخر التاسعة. وعليه فلا مجاز في قولها «العشر الآيات»؛ بل هو محمول على الحقيقة.
4 - قال الآلوسي في تفسيره بعد أن ساق الحديث والأثرين: "وكأن الخلاف مبني على الخلاف في رؤوس الآي، وفي كتاب العدد للداني ما يوافق المروي عن ابن جبير" (85). وقد ثبت بالدليل والبرهان أن لا خلاف في عد آي سورة النور حتى الآية (36)، وما نُسب إلى الداني فغير موجود في النسخ التي بأيدينا (86).

المطلب الرابع: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1- الأحاديث والآثار الصحيحة لا تتعارض مع ما في علم الآي، وأما الضعيفة فمنها ما يتعارض مع مذاهب العد، كلها أو بعضها.
2- علم عَدّ الآيِ علم دقيق، ويجب أن يؤخذ من الكتب الأصيلة المؤلفة فيه.
[align=justify]
الهامش:
(70) أخرجه البخاري في صحيحه في عدة مواضع، منها في: كتاب المغازي/ باب شهود الملائة بدراً، برقم (4008). ومسلم في: كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، برقم (807).
(71) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 127، برقم (196) وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه البزار في مسنده 4/ 337، برقم (1523). والطبراني في الكبير 9/ 92، برقم (8504).
(72) أخرجه الطبري في تفسيره 10/ 572، برقم (12523) بهذا اللفظ، وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
(73) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 348، برقم (3240)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/ 615، برقم (660).
(74) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 347، برقم (3238)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. والطبري في تفسره 6/ 174، برقم (6573). وابن أبي حاتم في تفسيره 5/ 1414، برقم (8057).
(75) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/ 103، برقم (2668)، وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
(76) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/ 110، برقم (2701). وسعيد بن منصور في سننه 5/ 213، برقم (992). وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
(77) أخرجه الترمذي في سننه في: كتاب التفسير/ باب ومن سورة الحج، برقم (3169)، وقال: "حديث حسن صحيح". وأخرجه أحمد في المسند 4/ 435، برقم (19915)، وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيحين. وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 81، برقم (78). 2/ 417 برقم (3450) وقال: "صحيح على شرطهما"، ووافقه الذهبي.
(78) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، منها: كتاب التفسير/ باب لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات ... ، برقم (4750). ومسلم في: كتاب التوبة/ باب في حديث الإفك قبول توبة القاذف، برقم (2445).
(79) هكذا هو في الأصل، والصواب أن يكون: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا خَمْسَ عَشَرَةَ آيَةً.
(80) أخرجه الطبراني في الكبير 23/ 160، برقم (251). وهو مرسل.
(81) هكذا هو في الأصل، والصواب أن يكون: فَنَزَلَتْ ثَمَانِي عَشْرَةَ آيَةً مُتَوَالِيَات.
(82) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 8/ 2544، برقم (14207). وإسناده ضعيف؛ فيه ابن لهيعة، وقد ضُعِّف [تهذيب التهذيب 5/ 331]. وفيه أيضاً عطاء بن دينار، وفيه ضُعِّف، خاصة في تفسيره الذي يرويه عن سعيد بن جبير [تهذيب التهذيب 7/ 179]. وهذه الرواية هي من هذا القبيل.
(83) الداني، البيان في عد آي القرآن، على التوالي: ص140، 146، 149، 151، 158، 189، 193.
(84) ابن حجر، فتح الباري 8/ 477.
(85) الألوسي، روح المعاني 18/ 115.
(86) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص193.[/align]
 
المبحث السابع
الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها موافق لبعض أهل العدد دون بعض

وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: نصوص الأحاديث الشريفة الواردة في ذلك
1 - عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَرْبَعُ آياتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي نَعْتِ المُؤْمِنِينَ، وَآيَتَانِ فِي نَعْتِ الْكَافِرِينَ، وَثَلاثَ عَشْرَةَ فِي الْمُنَافِقِينَ (87). وعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ (88) قَالَ: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْبَقَرَةِ عِنْدَ مَنَامِهِ لَمْ يَنْسَ الْقُرْآنَ: أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا، وَآيَةُ الْكُرْسِىِّ وَآيَتَانِ بَعْدَهَا، وَثَلاَثٌ مِنْ آخِرِهَا (89).
2 - أحاديث فضل آية الكرسي، ومنها:
- عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ قُلْتُ: {الله لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ} [البقرة: 255]. قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «وَالله لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» (90).
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: وكَّلني رسولُ اللّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ ... وذكر الحديث، وقال في آخره: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ... فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ... ذَاكَ شَيْطَانٌ» (91).
3- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ {الم*اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1 - 2]» (92).

المطلب الثاني: مذاهب أهل العدد في أعداد آي سورة البقرة وسورة آل عمران
1 - قوله تعالى: {الحي القيوم} في سورة البقرة [البقرة: 255] عدها المدني الأخير والمكي والبصري، ولم يعدها الباقون (93).
2- قوله تعالى: {الم*اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ... } [آل عمران: 1 - 2] عدَّ الكوفيُّ {الم}، ولم يعدها الباقون (94).

المطلب الثالث: مناقشة حول الأحاديث المذكورة
1 - إن قيل: إن أحاديث آية الكرسي صريحة أو كالصريحة في أنها تبدأ بـ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وتنتهي بـ {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} وهذا يحتم اعتبارها آية واحدة، وإهمال المذاهب التي تعدها آيتين. فالجواب ما قد سبق في المبحث الثاني من الرد على ابن شنبوذ.
2 - قول أبي عمرو الداني: "ومن عد {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} في آية الكرسي فلانعقاد الإجماع على عد نظيره في أول آل عمران، ومن لم يعده فلورود التوقيف على النبي بتسمية الآية بما جرى فيها من ذكر الكرسي، فدل على اتصال الكلام؛ فإن انقضاء الآية وتمامها عند قوله {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} " (95) قد أجاب هو نفسه عن ذلك بقوله: " {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} عدها المدني الأخير والمكي والبصري، ولم يعدها الباقون. وأجمعوا على عدها في آل عمران (96)، وعلى إسقاطها في طه (97) " (98)، فليس أحد الإجماعين بأولى من الآخر، فثبت أن الأمر مرجعُه التوقيفُ والتلقي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

المطلب الرابع: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1- أحاديث آية الكرسي تتوافق مع العد المدني الأول، والشامي، والكوفي. وحديث "اسم الله الأعظم ... " يتوافق مع جميع مذاهب العد ما عدا الكوفي. وهذا يدل على أن المذهب الواحد من مذاهب أهل العدد يتفق مع بعض الأحاديث دون بعض.
2- علم عَدّ الآيِ لا يعلم بالقياس والاجتهاد.
3- اعتضاد أحد مذاهب العد ببعض التوجيهات؛ كموافقة الفاصلة وما أشبه ذلك لا يجعل ذلك العد أصح من غيره، وليس مسوغاً لتضعيف غيره؛ فكلٌّ ثابت بالتلقي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[align=justify]
الهامش:
(87) أخرجه الطبري في تفسيره 1/ 239 - 240، برقم (278). وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
(88) المغيرة بن سبيع العجلي تابعي ثقة. [تقريب التهذيب 1/ 543].
(89) أخرجه الدارمي في سننه 3/ 2131، برقم (3428)، وإسناده إلى المغيرة صحيح؛ رجاله كلهم ثقات. وهو موقوف عليه. وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان 2/ 464، برقم (2413)، وإسناده أيضاً صحيح.
(90) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم (810). وأبو داود في: كتاب الصلاة/ باب ما جاء في آية الكرسي، برقم (1460).
(91) أخرجه البخاري في صحيحه تعليقاً في: كتاب الوكالة/ باب: إذا وكل رجلا، فترك الوكيل شيئا. ووصله في كتاب بدء الخلق/ باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3275). وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه 4/ 91، برقم (2424). والنسائي في السنن الكبرى 6/ 238، برقم (10795). والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 457 - 458، برقم (2388).
(92) أخرجه الترمذي في سننه في: كتاب الدعوات/ باب ما جاء جامع الدعوات ... ، برقم (3478)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وحسَّنه الألباني. وأبو داود في: كتاب الصلاة/ باب الدعاء، برقم (1496). وابن ماجه في: كتاب الدعاء/ باب اسم الله الأعظم ... ، برقم (3855).
(93) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص140.
(94) السابق، ص143.
(95) السابق، ص116.
(96) في قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [سورة آل عمران: 2].
(97) في قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [سورة طه: 111].
(98) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص140.[/align]​
 
المبحث الثامن
الأحاديث التي فيها ذكر عدد معين من الآيات والعدد المذكور فيها غير موافق لأيّ مذهب من مذاهب أهل العدد

وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: نصوص الأحاديث الشريفة الواردة في ذلك
1- عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْيَ خَالَتُهُ، قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ... (99). وفي رواية أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ} فَقَرَأَ هَؤُلاءِ الآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ [آل عمران: 190 - 200] (100).
2 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلاثِينَ وَمِائَةٍ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} إِلَى قَوْلِهِ {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140] (101).
3 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ... وسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ، فَقَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلا هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}» (102).

المطلب الثاني: مذاهب أهل العدد في أعداد آي السور المذكورة
1 - سورة آل عمران مائتا آية في جميع العدد. اختلف فيها في سبع آيات: {الم} [1] عدها الكوفي ولم يعدها الباقون. {الإِنْجِيلَ} [3]، لم يعدها الشامي وعدها الباقون. {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [4] لم يعدها الكوفي وعدها الباقون. {وَالإِنْجِيلَ} [48] عدها الكوفي ولم يعدها الباقون. {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل} [49] عدها البصري ولم يعدها الباقون. {مِمَّا تُحِبُّون} [92] لم يعدها الكوفي والبصري وعدها الباقون (103). وعليه فإن الآيات من (92) حتى نهايتها مما لم يختلف فيه بين أهل العدد.
2 - سورة الأنعام مائة وخمسٌ وستون آية في الكوفي، ومائة وستٌّ وستون في البصري والشامي، ومائة وسبعٌ وستون في المدنيين والمكي. اختلافها أربع آيات: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [1] عدها المدنيان والمكي ولم يعدها الباقون. {قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [66] عدها الكوفي ولم يعدها الباقون. {كُنْ فَيَكُونُ} [73] {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [161] لم يعدهما الكوفي وعدهما الباقون (104).
3- سورة الزلزلة ثماني آيات في المدني الأول والكوفي، وتسع في عدد الباقين. اختلافها آية {أَشْتَاتاً} لم يعدها المدني الأول والكوفي وعدها الباقون (105). فالآيتان الأخيرتان منها مما لم يختلف فيه بين أهل العدد.

المطلب الثالث
: مناقشة حول الأحاديث المذكورة
1- أواخر آل عمران المذكورة في الحديث الشريف هي إحدى عشرة آية باتفاق أهل العدد، وليست عشراً كما في روايات الحديث الشريف. والجواب عن هذا أن في الكلام مجازاً بحذف الكسور كما مرَّ من قبل.
2- قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ... } الآيةَ، بحسب العد الكوفي، والبصري، والشامي فهذه الآية رقمها (140). وبحسب المدنيين والمكي رقمها (141). والعدد المذكور عن ابن عباس رضي الله عنهما فيه فارق كبير عن جميع مذاهب العدد؛ حتى لو سُلِّم جدلاً أنه من باب المجاز بحذف الكسور. اللهم إلا أن يكون المراد بقوله "ما فوق الثلاثين" أنه أراد الأربعين.
3- جميع الروايات في حديث سورة الزلزلة - في الصحيحين وغيرهما- جاءت بلفظ «هذه الآية»، علماً بأن المذكور في الحديث آيتان باتفاق أهل العدد. والأمر محمول على إرادة الجنس.

المطلب الرابع: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1- بعض الأحاديث والآثار المروية في عَدّ الآيِ لا تتفق - في ظاهرها- مع أيٍّ من مذاهب عَدّ الآيِ، مع أن بعض تلك الأحاديث والآثار في الصحيحين وغيرهما.
2- قد يكون الفارق في عَدّ الآيِ بين الأحاديث والآثار وبين مذاهب علم العد ضئيلاً، وقد يكون كبيراً.
[align=justify]
الهامش:
(99) أخرجه البخاري في عدة مواضع من الصحيح، منها في: كتاب الوضوء/ باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره، برقم (183). وأخرجه مسلم في: كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (763).
(100) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (763). وأبو داود في سننه في: كتاب الطهارة/ باب السواك لمن قام من الليل، برقم (58).
(101) أخرجه البخاري في صحيحه في: كتاب المناقب/ باب جهل العرب، برقم (3524).
(102) أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه، منها: كتاب المساقاة/ باب: باب شرب الناس والدواب من الأنهار، برقم (2371). وأخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب الزكاة/ باب: إثم مانع الزكاة، برقم (987).
(103) الداني، البيان في عد آي القرآن، ص143.
(104) السابق، ص151.
(105) السابق، ص283.
(106) أخرجه مسلم في صحيحه في: كتاب صلاة المسافرين وقصرها/ باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، برقم (809). وأبو داود في سننه في: كتاب الملاحم/ باب خروج الدجال، برقم (4323). وأخرجه الإمام أحمد في المسند 6/ 446، برقم (27556) واللفظ له.[/align]​
 
المبحث التاسع
الأحاديث التي فيها ذِكْرُ عدد معين من الآيات يختلف مقداره باختلاف أهل العدد

وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: نصوص الأحاديث الشريفة الواردة في ذلك
عن أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» (106).

المطلب الثاني: مذاهب أهل العدد في عدد آي سورة الكهف
سورة الكهف مائة وخمس آيات في المدنيَّيْن والمكي. ومائة وست في الشامي. ومائة وعشر في الكوفي. ومائة وإحدى عشرة في البصري. وقد اختلف فيها في إحدى عشرة آية: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [13] لم يعدها الشامي وعدها الباقون. {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} [22] عدها المدني الأخير ولم يعدها الباقون. {إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [23] لم يعدها المدني الأخير وعدها الباقون. {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [32] لم يعدها المدني الأول والمكي وعدها الباقون. {أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [35] لم يعدها المدني الأخير والشامي وعدها الباقون. {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [84] لم يعدها المدني الأول والمكي وعدها الباقون. {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [85] و {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [89، 92] عدهن الكوفي والبصري ولم يعدهن الباقون. {عِنْدَهَا قَوْمًا} [86] لم يعدها الكوفي والمدني الأخير وعدها الباقون. {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} [103] لم يعدها المدنيان والمكي وعدها الباقون (107).

المطلب الثالث: مناقشة حول الحديث المذكور
إزاء الاختلاف في عدد آي سورة الكهف فهل المراد قراءة عشر آيات على سبيل التقريب وحذف الكسور؟ أم المراد حقيقة العشر؟ فإن كان الأول فلا إشكال. وإن كان الثاني ففيه إشكال؛ وهو أن العشر الأواخر من الكهف تختلف باختلاف مذاهب العدد؛ فبحسب العد الشامي، والبصري، والكوفي تبدأ بقوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعا}. وبحسب المدني الأول والمدني الأخير، والمكي تبدأ بقوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً}.

المطلب الرابع: الدلالات المستنبطة من هذا المبحث
1- قد يختلف تحديد قدر معيّن من الآيات باختلاف مذاهب العد.
2- من الأحاديث الشريفة المتعلقة بعَدّ الآيِ ما يحتمل وجهين كلاهما صحيح، وهذا مشروعية الاختلاف في عَدّ الآيِ.

نتائج عامة
قد كان بين ثنايا هذا البحث الكثير الكثير من النتائج بما يغني عن إعادتها ها هنا، ولكني أسجل هنا أبرز النتائج العامة التي يمكن استخلاصها من خلال هذا البحث:
1 - لا يتفق أيٌّ من مذاهب العدد الستة اتفاقاً تاماً مع جميع ما وردت به الأحاديث والآثار فيما يتعلق بعَدّ الآيِ.
2 - الأحاديث والآثار المروية -على كثرتها- لا تشمل جميع سور القرآن الكريم. وأما النقول المتواترة عند أهل العدد فتشمل جميع السور. وكلا الأمرين بتوقيف عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 - كثير من الآثار والأحاديث المروية في علم عَدّ الآيِ ضعيفة ولا تنهض للاحتجاج بها.
 
عودة
أعلى