ابراهيم ماهر
New member
سمعنا من البعض يذم التفاسير المعاصرة، حتى قال بأنه :"من البلاء التفاسير المعاصرة"، لكونها تصرف عن تفاسير الأئمة كالطبري مثلا؟؟؟
وهذا الكلام فيه من التعميم والإجحاف ما لا يخفى على أحد !!
والرد على هذا الكلام يكون تطبيقيا من خلال التفسير المعاصر: (الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية) للمؤلف عبدالله خضر-وفقه الله-:
ونرجو من القارئ أن يكتب لنا هل هذا التفسير المعاصر يصرف القارئ عن التفاسير الأئمة؟ وهل التمس في هذا التفسير شيئا يخالف العقيدة ؟ هل فيه شيء من البلاء؟؟
نرجو من اهل العلم المشاركة وابداء الرأي لكي تتضح الحقيقة للجميع.
جاء في تفسير الكافية: الجزء الرابع: الصفحة:327:
القرآن
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة: 208]
التفسير:
يا أيها الذين آمنوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا وبالإسلام دينًا، ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، ولا تتركوا منها شيئًا، ولا تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من المعاصي. إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه.
قال عكرمة: "نزلت في ثعلبة، وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسَيْد ابني كعب وسَعْيَة بن عمرو وقيس بن زيد - كلهم من يهود - قالوا: يا رسول الله، يوم السبت يومٌ كنا نعظمه، فدعنا فلنُسبِت فيه! وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل! فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان} " (1). وأخرج الطبري (2) والواحدي (3) عن ابن عباس مثله.
وذكره مقاتل بن سليمان قال: سبب نزولها" أن عبد الله بن سلام، وسلام بن قيس، وأسيد وأسد ابنا كعب، ويامين بن يامين، وهم مؤمنو أهل التوراة استأذنوا النبي- صلى الله عليه وسلم- في قراءة التوراة في الصلاة. وفي أمر السبت وأن يعملوا ببعض ما في التوراة. فقال الله- عز وجل- خذوا سنة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشرائعه، فإن قرآن محمد ينسخ كل كتاب كان قبله، فقال: {ادخلوا في السلم كافة} " (4). كذا أورده ابن ظفر (5).
__________
(1) تفسير الطبري (4016): ص 4/ 255.
(2) انظر: تفسير الطبري (4017): ص 4/ 256. ولفظه: " يعني أهل الكتاب". وروي مثله عن الضحاك، انظر: تفسير الطبري (4018): ص 4/ 256.
(3) انظر: أسباب النزول: 67. وفيه: " عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قاموا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت وكرهوا لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوى على هذا وهذا وقالوا للنبي لله - صلى الله عليه وسلم - إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية". [في إسناده عبد الغني بن سعيد - وهو الثقفي - وهو ضعيف (لباب النقول: 19) وضعفه الحافظ بن كثير من جهة المعنى كذلك. (تفسير ابن كثير: 1/ 248)].
(4) تفسير مقاتل بن سليمان: 1/ 180. وانظر: العجاب: 1/ 530.
(5) انظر: العجاب: 1/ 530.
----------------------
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 208]، أي: "يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقروا لله بالعبودية، وأذعنوا له بالطاعة" (1).
قال الصابوني: " خاطب المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بالتوجيهات الربانية" (2).
قال ابن عثيمين: الخطاب للمؤمنين؛ وابتداء الحكم بالنداء فهو دليل على العناية به؛ لأن المقصود بالنداء تنبيه المخاطب؛ ولا يتطلب التنبيه إلا ما كان مهماً" (3).
قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، أي: " استسلموا لله وأطيعوه ولا تخرجوا عن شيء من شرائعه" (4).
قال مقاتل : " يعني: في شرائع الإسلام كلها" (5).
قال الصابوني: " أي ادخلوا في الإسلام بكليته في جميع أحكامه وشرائعه، فلا تأخذوا حكما وتتركوا حكما، لا تأخذوا بالصلاة وتمنعوا الزكاة مثلا، فالإسلام كل لا يتجزأ" (6).
قال الشيخ السعدي: " أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه، تركه، بل الواجب أن يكون الهوى، تبعا للدين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه، من أفعال الخير، وما يعجز عنه، يلتزمه وينويه، فيدركه بنيته" (7).
قال ابن عثيمين: " المراد به الإسلام؛ وهو الاستسلام لله - تعالى - ظاهرا، وباطنا" (8).
وفي المراد بالدخول في السلم، أقوال (9):
أحدها: الدخول في الإسلام، وهو قول ابن عباس (10)، ومجاهد (11) في أحد قوليه-، وقتادة (12) في أحد قوليه-، والسدي (13)، وابن زيد (14)، والضحاك (15)، وعكرمة (16)، وطاوس (17).
والثاني: معناه ادخلوا في الطاعة، وهو قول الربيع (18)، وقتادة (19)، وأبي العالية (20)، وابن عباس (21) في رواية الضحاك عنه.
والرابع: يعني: الموادعة. قاله قتادة (22).
__________
(1) تفسير الطبري: 3/ 316.
(2) صفوة التفاسير: 1/ 102.
(3) تفسير ابن عثيمين: 3/ 5.
(4) تفسير القاسمي: 2/ 74.
(5) تفسير مقاتل: 1/ 180.
(6) صفوة التفاسير: 1/ 368.
(7) تفسير السعدي: 1/ 94.
(8) تفسير ابن عثيمين: 3/ 5.
(9) انظر: تفسير الطبري: 4/ 251 وما بعدها، والنكت والعيون: 1/ 267، وتقسير القرطبي: 3/ 22.
(10) انظر: تفسير الطبري (4010): ص 4/ 252، وابن أبي حاتم (1945)، و (1947): ص 2/ 370.
(11) انظر: تفسير الطبري (4008): ص 4/ 252.
(12) انظر: تفسير الطبري (4009): ص 4/ 252.
(13) انظر: تفسير الطبري (4011): ص 4/ 252.
(14) انظر: تفسير الطبري (4013): ص 4/ 252.
(15) انظر: تفسير الطبري (4014): ص 4/ 252.
(16) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1947): ص 2/ 370.
(17) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1947): ص 2/ 370.
(18) تفسير الطبري (4015): ص 4/ 252.
(19) انظر: النكت والعيون: 1/ 267.
(20) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1946): ص 2/ 370.
(21) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1946): ص 2/ 370.
(22) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1949): ص 2/ 370.
-------------------------------------------
والخامس: في أنواع البر كلها. قاله مجاهد (1)، والثوري (2).
قلت: فالسلم هنا بمعنى الإسلام، ورجحه الطبري كذلك (3)، وقد ورد في الشعر العربي بأن السلم تعني الإسلام، ومنه قول الشاعر الكندي (4):
دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمّا ... رَأَيْتُهُمُ تَوَلَّوْا مُدْبِرينَا
أي: "دعوتهم للإسلام لما ارتدُّوا، وكان ذلك حين ارتدت كندة مع الأشعث (5)، بعد وَفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" (6).
قال الراغب: " عنى بالسلم سلم العبد الله - عز وجل، وذلك أن الإنسان في كفره، وكفران نعمة الله كالمحارب له، ولهذا يسمى الكافر المحارب في نحو قوله: {الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وسلم العباد لله على ثلاثة أضرب:
ضرب يتقدمه إلى الإيمان: وهو الإسلام الذي سلم به من الله أن يراق دمه ويسلب ماله وهو المعني بقوله- عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم " (7).
واثنان بعد الإيمان: أحدهما أن يسلم من سخطه بارتسام أوامره وزواجره طوعاً أو كرهاً، والثاني: أن يكون سليماً من الشيطان وأوليائه، وسليماً فيما يجري من قضائه، وبه يحصل [دار السلام المذكورة في قوله تعالى]: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} وهذا غاية ما ينتهي إليه للعبد من المنازل الثلاث وإن كان لكل منزلة منها درجات، وهذا السلم هو المغني بقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وهو الذي تمناه يوسف عليه السلام- بقوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} " (8).
وفي قوله تعالى: {السِّلْمِ} [البقرة: 208]، قراءتان (9):
إحداهما: {ادخلوا في السَّلم} بفتح السين. قرأ بها ابن كثير ونافع والكسائي، وهي قراءة عامة قراء أهل الحجاز.
وهؤلاء وجهوا تأويلها إلى المسالمة، بمعنى: ادخلوا في الصلح والمساومة وترك الحرب وإعطاء الجزية.
وقال أبو علي: " قول ابن كثير ونافع والكسائي: {أدْخُلُوا فِي السِّلْمِ} [البقرة/ 208] يحتمل أمرين:
__________
(1) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1948): ص 2/ 370.
(2) انظر: النكت والعيون: 1/ 267.
(3) انظر: تفسير الطبري: 4/ 253. إذ قال: " وأولى التأويلات بقوله: " ادخلوا في السلم "، قول من قال: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة".
(4) ديوانه: 16 من معلقته النبيلة. والضمير في " قلتما " للساعيان في الصلح وهما الحارث ابن عوف وهرم بن سنان، وذلك في حرب عبس وذبيان. وقوله: " واسعًا " أي: قد استقر الأمرواطمأنت النفوس فاتسع للناس فيه ما لا يتسع لهم في زمن الحرب. وكان الحارث وهرم قد حملا الحمالة في أموالهما، ليصطلح الناس.
(5) هو الأشعث بن قيس الكندين وكان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة في سبعين راكبا من كندة ثم ارتد فيمن ارتد من العرب. وقاتل في الردة حتى هزم ثم استسلم وأسر وقدموا به على أبي بكر فقال له أبو بكر: ماذا تراني أصنع بك؟ فإنك قد فعلت ما علمت قال الأشعث: تمن علي فتفكني من الحديد وتزوجني أختك فإني قد راجعت وأسلمت. فقال أبو بكر: قد فعلت! فزوجه ام فروة بنت أبي قحافة، فكان بالمدينة حتى فتح العراق. ثم شهد الفتوح حتى مات سنة 40، وله ثلاث وستون سنة.
(6) تفسير الطبري: 4/ 254.
(7) صحيح البخاري برقم (25) وصحيح مسلم برقم (22). وفي الصحيحين: "أمرْتُ أنْ أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".
(8) تفسير الراغب: 1/ 432 - 433.
(9) انظر: تفسير الطبري: 4/ 252 - 253، والسبعة: 180 - 181، والحجة: 2/ 292 - 293.
-----------------------------------------------------------------------------
أحدهما: يجوز أن يكون لغة في (السّلم) الذي يعنى به الإسلام.
والثاني: ويجوز أن يريدوا بفتحهم الأول من قوله: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ}: الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال والحرب بين أهله موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد، ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض، فإذا كان ذلك موضوعاً بينهم، وفي دينهم، وغلّظ على المسلمين في المسايفة بينهم؛ كان صلحاً في المعنى، فكأنه قيل: ادخلوا في الصلح، والمراد به الإسلام" (1).
والقراءة الثانية: وقرأته عامة قرأة الكوفيين بكسر (السين)، وهم مختلفون في تفسيره على قولين:
أحدهما: توجيهه إلى الإسلام، بمعنى ادخلوا في الإسلام كافة.
والثاني: توجيهه إلى الصلح، بمعنى: ادخلوا في الصلح، ويستشهد على أن " (السين) تكسر، وهي بمعنى الصلح بقول زهير ابن أبي سلمى (2):
وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعًا ... بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ الأمْرِ نَسْلَمِ
وقال الجوهري: "والسلم الصلح، يفتح ويكسر، ويذكر ويؤنث، وأصله من الاستسلام والانقياد، ولذلك قيل للصلح: سلم" (3)، ومنه قول الشاعر (4):
أنائل إنني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي
والقراءة الأوْلى بالصواب من قرأ بكسر (السين)، لأن ذلك إذا قرئ كذلك - وإن كان قد يحتمل معنى الصلح - فإن معنى الإسلام: ودوام الأمر الصالح عند العرب، أغلبُ عليه من الصلح والمسالمة (5). والله أعلم.
قال الرازي: "أصل هذه الكلمة من الانقياد، قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]، والإسلام إنما سمي إسلاماً لهذا المعنى. وغلب اسلم السلم على الصلح وترك الحرب، وهذا أيضاً راجع إلى هذا المعنى، لأن عند الصلح ينقاد كل واحد لصاحبه ولا ينازعه فيه (6).
وقد اختلف أهل العلم في أي الفريقين دعى إلى الإسلام كافة، وفيه أقوال (7):
أحدها: أن المأمور بها المسلمون، والدخول في السلم العمل بشرائع الإسلام كلها، وهو قول وهذا قول قتادة (8)، والسدي (9) والربيع (10) ومجاهد (11) ابن عباس (12) وابن زيد (13)، والضحاك (14).
__________
(1) الحجة: 2/ 292 - 293. [بتصرف بسيط].
(2) ديوانه: 16 من معلقته النبيلة. والضمير في " قلتما " للساعيان في الصلح وهما الحارث ابن عوف وهرم بن سنان، وذلك في حرب عبس وذبيان. وقوله: " واسعًا " أي: قد استقر الأمرواطمأنت النفوس فاتسع للناس فيه ما لا يتسع لهم في زمن الحرب. وكان الحارث وهرم قد حملا الحمالة في أموالهما، ليصطلح الناس.
(3) تفسير القرطبي: 3/ 23، وانظر: الحجة: 2/ 294، واللسان (سلم)، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 105.
(4) البيت لمسعدة بن البختري يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي وكان يهواها. انظر الأغاني 13/ 271 وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج/ 43 واللسان/ سلم/ وضبطت سلم فيه بكسر السين وتسكين اللام.
(5) تفسير الطبري: 4/ 253 - 254.
(6) مفاتيح الغيب: 5/ 352.
(7) انظر: تفسير الطبري: 4/ 255 - وما بعدها.
(8) انظر: تفسير الطبري (4020): ص 4/ 257.
(9) انظر: تفسير الطبري (4021): ص 4/ 257.
(10) انظر: تفسير الطبري (4022): ص 4/ 257.
(11) انظر: تفسير الطبري (4023): ص 4/ 257.
(12) انظر: تفسير الطبري (4024): ص 4/ 257.
(13) انظر: تفسير الطبري (4025): ص 4/ 258.
(14) انظر: تفسير الطبري (4026): ص 4/ 258.
------------------------------------------------------------------------------
قال الطبري: " وجه دُعائه إلى ذلك الأمرُ له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه، وإذا كان ذلك معناه، كان قوله {كافة} من صفة {السلم}، ويكون تأويله: ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئًا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به" (1).
والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، آمنوا بمن سلف من الأنبياء، فأُمِروا بالدخول في الإسلام، وهو قول ابن عباس (2)، والضحاك (3).
والثالث: أنها نزلت نزلت في ثعلبة، وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسَيْد ابني كعب وسَعْيَة بن عمرو وقيس بن زيد - كلهم من يهود. وهو قول عكرمة (4).
والصواب أن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها، وقد يدخل في {الذين آمنوا} المصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما حاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم " الإيمان "، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض (5).
وقد روي عن مجاهد في قول الله عز وجل: " ادخلوا في السلم كافة "، قال: ادخلوا في الإسلام كافة، ادخلوا في الأعمال كافة" (6).
وفي قوله تعالى: {كَافَّةً} [البقرة: 208]، تأويلان (7):
أحدهما: عائد إلى الذين آمنوا، أن يدخلوا جميعاً في السلم. وتكون {كافة} حالاً من الواو في قوله تعالى: {ادخلوا}، وهذا قول قتادة (8)، والسدي (9) والربيع (10) ومجاهد (11) ابن عباس (12) وابن زيد (13)، والضحاك (14).
والثاني: عائد إلى السلم أن يدخلوا في جميعه. فتكون {كافة} حالاً من {السلم}. وهو أحد قولي مجاهد (15).
والأقرب-والله أعلم-: المعنى الأول؛ "لأننا لو قلنا بالمعنى الثاني: ادخلوا جميعاً في السلم صار معنى ذلك أن بعض المؤمنين لم يدخل في الإسلام؛ وحينئذ فلا يصح أن يوجه إليه النداء بوصف الإيمان؛ فالمعنى الأول هو الصواب أن {كافة} حال من {السلم} يعني ادخلوا في الإسلام كله؛ أي نفذوا أحكام الإسلام جميعاً، ولا تدعوا شيئاً من شعائره، ولا تفرطوا في شيء منها؛ وهذا مقتضى الإيمان؛ فإن مقتضى الإيمان أن يقوم الإنسان بجميع شرائع الإسلام" (16).
__________
(1) تفسير الطبري: 4/ 255.
(2) انظر: تفسير الطبري (4017): ص 4/ 256، وتفسير ابن أبي حاتم (1945): ص 2/ 370.
(3) انظر: تفسير الطبري (4018): ص 4/ 256.
(4) تفسير الطبري (4016): ص 4/ 255.
(5) انظر: تفسير الطبري: 4/ 257 - 258.
(6) انظر: تفسير الطبري (4019): ص 4/ 257.
(7) انظر: النكت والعيون: 1/ 267.
(8) انظر: تفسير الطبري (4020): ص 4/ 257.
(9) انظر: تفسير الطبري (4021): ص 4/ 257.
(10) انظر: تفسير الطبري (4022): ص 4/ 257.
(11) انظر: تفسير الطبري (4023): ص 4/ 257.
(12) انظر: تفسير الطبري (4024): ص 4/ 257.
(13) انظر: تفسير الطبري (4025): ص 4/ 258.
(14) انظر: تفسير الطبري (4026): ص 4/ 258.
(15) انظر: تفسير الطبري (4019): ص 4/ 257.
(16) تفسير ابن عثيمين: 3/ 5 - 6 ..
-------------------------------------------------------
قال الراغب: " ويجوز أن يكون {كافة} حالا من {السلم}، لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب. قال (1):
السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ ... وَالْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ
على أنّ المؤمنين أمروا بأن يدخلوا في الطاعات كلها، وأن لا يدخلوا في طاعة دون طاعة، أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها، وأن لا يُخلوا بشيء منها" (2).
ورجحه ابن كثير قائلا: " ومن المفسرين من يجعل قوله: {كَافَّةً} حالا من الداخلين، أي: ادخلوا في الإسلام كلكم، والصحيح الأول، وهو أنَّهم أمروا [كلهم] أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام، وهي كثيرة جدًا ما استطاعوا منها" (3).
قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208]، " أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان" (4).
قال البيضاوي: " بالتفرق والتفريق" (5).
قال مقاتل بن سليمان: " يعنى تزيين الشيطان فإن السنة الأولى بعد ما بعث محمد- صلى الله عليه وسلم- ضلالة من خطوات الشيطان" (6).
قال القاسمي: " أي: طرقه التي يأمركم بها فـ: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] و: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] " (7).
قال الصابوني: " أي لا تتبعوا طرق الشيطان وإغواءه" (8).
قال ابن عثيمين: " نهي بعد أمر؛ لأن اتباع خطوات الشيطان يخالف الدخول في السلم كافة" (9).
و{خُطُوَاتِ}: "جمع خُطوة؛ و (الخطوة) في الأصل هي ما بين القدمين عند مدِّهما في المشي" (10).
وفي قوله تعالى: {خُطُوَاتِ}، وجوه من القراءة (11):
أحدها: {خُطُوَاتِ}، بضم (الطاء) مثقلة. قرأ بها ابن كثير وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم.
والثانية: : {خُطُوَاتِ}، بضم (الطاء) خفيفة. في رواية ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير.
والثالث: {خُطْوَاتِ}، بسكون (الطاء) خفيفة. قرأ بها نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة.
قا القاسمي: و"ضم (الطاء) من {خطوات} وإسكانها لغتان: حجازية وتميمية، وقد قرئ بهما في السبع" (12).
قال الطبري: " وطريقُ الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه هو ما خالف حكم الإسلام وشرائعه، ومنه تسبيت السبت وسائر سنن أهل الملل التي تخالف ملة الإسلام" (13).
وفي قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208]، تفسيران:
__________
(1) البيت لعباس بن مرداس كما في اللسان (أبس): ص 6/ 3. وفيه يخاطب خفاف بن ندبة.
(2) تفسير الراغب الأصفهاني: 1/ 252.
(3) تفسير ابن كثير: 1/ 566.
(4) تفسير فتح القدير: 1/ 211.
(5) تفسير البيضاوي: 1/ 134.
(6) تفسير مقاتل: 1/ 180.
(7) محاسن التأويل: 2/ 74.
(8) صفوة التفاسير: 1/ 368.
(9) تفسير ابن عثيمين: 4/ 6.
(10) تفسير ابن عثيمين: 4/ 6.
(11) انظر: السبعة: 174.
(12) تحاسن التأويل: 2/ 74.
(13) تفسير الطبري: 4/ 258.
---------------------------------------------------
أحدهما: أن"خطوات الشيطان: عمله". قاله ابن عباس (1).
والثاني: أن إتباع خطوات الشيطان: "طاعته". وهذا قول السدي (2).
قوله تعالى: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]، ، أي: "فإنه عدو لكم ظاهر العداوة" (3).
قال البيضاوي: أي" ظاهر العداوة" (4).
قال مُطَرِّف: "أغش عباد الله لعَبِيد الله الشيطان" (5).
قال الطبراني: " فإن قيل: كيفَ قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} وهو لَم يُبْدِ لنا شخصهُ؟ قِيْلَ: قد كانَ إبداؤهُ العداوةَ لأبينا آدمَ عليه السلام حين امتنعَ من السُّجودِ له وقال: أنا خيرٌ منه، فكان إبداؤُه وإظهاره العداوةَ لأبينا آدم عليه السلام أبداءً وإظهاراً لنا" (6).
قال الشيخ السعدي: " والعدو المبين، لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء، وما به الضرر عليكم" (7).
و(العدو): "من يبتغي لك السوء؛ وهو ضد (الوليّ) " (8).
وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208] معنيان (9):
أحدهما: مبين لنفسه.
والآخر: مبين بعدوانه.
وكلا القولين صحيحين، لأن " الشيطان بيِّن العداوة؛ ومظهر لعداوته؛ ألا ترى إلى إبائه السجود لأبينا آدم مع أن الله أمره به في جملة الملائكة" (10).
واختلفوا فيمن أبان به عدوانه على قولين (11):
أحدهما: بامتناعه من السجود لآدم.
والثاني: بقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 62].
قال الشيخ ابن عثيمين: " فإن قال قائل: كيف يقول: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ} ونحن قد عرفنا من قبل أن الإيمان أكمل من الإسلام؛ لقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}؟ [الحجرات: 14]، قلنا: إن هذا الأمر مقيد بما بعد قوله: {فِي السِّلْمِ}؛ وهو قوله تعالى: {كَافَّةً}؛ فيكون الأمر هنا منصباً على قوله تعالى: {كَافَّةً}؛ و {كَافَّةً} اسم فاعل يطلق على من يكف غيره؛ فتكون التاء فيه للمبالغة، مثل: راوية، ساقية، علامة ... وما أشبه ذلك؛ والتاء في هذه الأمثلة للمبالغة؛ فيكون {كَافَّةً} بمعنى كافاً؛ والتاء للمبالغة؛ قالوا: ومنه قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28]، أي كافاً لهم عمَّا يضرهم لتخرجهم من الظلمات إلى النور" (12).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: فضل الإيمان؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا}؛ لأن هذا النداء تشريف وتكريم.
__________
(1) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1951): ص 2/ 371.
(2) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1952): ص 2/ 371.
(3) صفوة التفاسير: 1/ 368.
(4) تفسير البيضاوي: 1/ 134.
(5) تفسير ابن أبي حاتم (1953): ص 2/ 371.
(6) تفسير الطبراني: 1/ 148.
(7) تفسير السعدي: 1/ 94.
(8) تفسير ابن عثيمين: 3/ 7.
(9) انظر: النكت والعيون: 1/ 268.
(10) تفسير ابن عثيمين: 3/ 7.
(11) انظر: النكت والعيون: 1/ 268.
(12) تفسير ابن عثيمين: 3/ 7.
---------------------------------------------
2 - ومنها: أن الإيمان مقتض لامتثال الأمر؛ لأن الله صدَّر الأمر بهذا النداء؛ والحكم لا يقرن بوصف إلا كان لهذا الوصف أثر فيه؛ وهذه الفائدة مهمة؛ ولا شك أن الإيمان يقتضي امتثال أمر الله عزّ وجلّ.
3 - ومنها: وجوب تطبيق الشرع جملة، وتفصيلاً؛ لقوله تعالى: {ادخلوا في السلم كافة}.
4 - ومنها: أن الإنسان يؤمر بالشيء الذي هو متلبس به باعتبار استمراره عليه، وعدم الإخلال بشيء منه؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}؛ ومثل هذا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله} [النساء: 136] يعني: استمروا على ذلك.
5 - ومنها: تحريم اتباع خطوات الشيطان؛ لقوله تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}؛ والمعنى: أن لا نتبع الشيطان في سيره؛ لأن الله بين في آية أخرى أن الشيطان يأمر بالفحشاء، والمنكر؛ وما كان كذلك فإنه لا يمكن لعاقل أن يتبعه؛ فلا يرضى أحد أن يتبع الفحشاء والمنكر؛ وأيضاً الشيطان لنا عدو، كما قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو} [فاطر: 6]، ثم قال تعالى: {فاتخذوه عدواً}؛ ولا أحد من العقلاء يتبع عدوه؛ إذا كان الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، وكان عدواً لنا، فليس من العقل - فضلاً عن مقتضى الإيمان - أن يتابعه الإنسان في خطواته -؛ وخطوات الشيطان بيَّنها الله عزّ وجلّ: يأمر بـ «الفحشاء» - وهي عظائم الذنوب؛ و «المنكر» - وهو ما دونها من المعاصي؛ فكل معصية فهي من خطوات الشيطان؛ سواء كانت تلك المعصية من فعل المحظور، أو من ترك المأمور، فإنها من خطوات الشيطان؛ لكن هناك أشياء بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنها من فعل الشيطان، ونص عليها بعينها، مثل: الأكل بالشمال (1)، والشرب بالشمال (2)، والأخذ بالشمال، والإعطاء بالشمال (3)؛ وكذلك الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (4)؛ فهذه المنصوص عليها بعينها واضحة؛ وغير المنصوص عليها يقال فيها: كل معصية فهي من خطوات الشيطان.
6 - ومن فوائد الآية: تحريم التشبه بالكفار؛ لأن أعمال الكفار من خطوات الشيطان؛ لأن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر؛ ولا أنكر من الكفر - والعياذ بالله.
7 - ومنها: شدة عداوة الشيطان لبني آدم؛ لقوله تعالى: {إنه لكم عدو مبين}.
8 - ومنها: أنه لا يمكن أن يأمرنا الشيطان بخير أبداً؛ إذ إن عدوك يسره مساءتك، ويغمه سرورك؛ ولهذا قال تعالى في آية أخرى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً} [فاطر: 6].
9 - ومنها: قرن الحكم بعلته؛ لقوله تعالى: {لا تتبعوا خطوات الشيطان} ثم علل: {إنه لكم عدو مبين}.
ويتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي لمن أتى بالأحكام أن يقرنها بالعلل التي تطمئن إليها النفس؛ فإن كانت ذات دليل من الشرع قرنها بدليل من الشرع؛ وإن كانت ذات دليل من العقل، والقياس قرنها بدليل من العقل، والقياس؛ وفائدة ذكر العلة أنه يبين سمو الشريعة وكمالها؛ وأنه تزيد به الطمأنينة إلى الحكم؛ وأنه يمكن إلحاق ما وافق الحكم في تلك العلة.
---------------------------------------------
انتهى من تفسير الكفاية مالجزء الرابع: ص327-334
أتلمس منكم الدعاء.
وهذا الكلام فيه من التعميم والإجحاف ما لا يخفى على أحد !!
والرد على هذا الكلام يكون تطبيقيا من خلال التفسير المعاصر: (الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية) للمؤلف عبدالله خضر-وفقه الله-:
ونرجو من القارئ أن يكتب لنا هل هذا التفسير المعاصر يصرف القارئ عن التفاسير الأئمة؟ وهل التمس في هذا التفسير شيئا يخالف العقيدة ؟ هل فيه شيء من البلاء؟؟
نرجو من اهل العلم المشاركة وابداء الرأي لكي تتضح الحقيقة للجميع.
جاء في تفسير الكافية: الجزء الرابع: الصفحة:327:
القرآن
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة: 208]
التفسير:
يا أيها الذين آمنوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا وبالإسلام دينًا، ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، ولا تتركوا منها شيئًا، ولا تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من المعاصي. إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه.
قال عكرمة: "نزلت في ثعلبة، وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسَيْد ابني كعب وسَعْيَة بن عمرو وقيس بن زيد - كلهم من يهود - قالوا: يا رسول الله، يوم السبت يومٌ كنا نعظمه، فدعنا فلنُسبِت فيه! وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل! فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان} " (1). وأخرج الطبري (2) والواحدي (3) عن ابن عباس مثله.
وذكره مقاتل بن سليمان قال: سبب نزولها" أن عبد الله بن سلام، وسلام بن قيس، وأسيد وأسد ابنا كعب، ويامين بن يامين، وهم مؤمنو أهل التوراة استأذنوا النبي- صلى الله عليه وسلم- في قراءة التوراة في الصلاة. وفي أمر السبت وأن يعملوا ببعض ما في التوراة. فقال الله- عز وجل- خذوا سنة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشرائعه، فإن قرآن محمد ينسخ كل كتاب كان قبله، فقال: {ادخلوا في السلم كافة} " (4). كذا أورده ابن ظفر (5).
__________
(1) تفسير الطبري (4016): ص 4/ 255.
(2) انظر: تفسير الطبري (4017): ص 4/ 256. ولفظه: " يعني أهل الكتاب". وروي مثله عن الضحاك، انظر: تفسير الطبري (4018): ص 4/ 256.
(3) انظر: أسباب النزول: 67. وفيه: " عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قاموا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت وكرهوا لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوى على هذا وهذا وقالوا للنبي لله - صلى الله عليه وسلم - إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها، فأنزل الله تعالى هذه الآية". [في إسناده عبد الغني بن سعيد - وهو الثقفي - وهو ضعيف (لباب النقول: 19) وضعفه الحافظ بن كثير من جهة المعنى كذلك. (تفسير ابن كثير: 1/ 248)].
(4) تفسير مقاتل بن سليمان: 1/ 180. وانظر: العجاب: 1/ 530.
(5) انظر: العجاب: 1/ 530.
----------------------
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 208]، أي: "يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله، وأقروا لله بالعبودية، وأذعنوا له بالطاعة" (1).
قال الصابوني: " خاطب المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بالتوجيهات الربانية" (2).
قال ابن عثيمين: الخطاب للمؤمنين؛ وابتداء الحكم بالنداء فهو دليل على العناية به؛ لأن المقصود بالنداء تنبيه المخاطب؛ ولا يتطلب التنبيه إلا ما كان مهماً" (3).
قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، أي: " استسلموا لله وأطيعوه ولا تخرجوا عن شيء من شرائعه" (4).
قال مقاتل : " يعني: في شرائع الإسلام كلها" (5).
قال الصابوني: " أي ادخلوا في الإسلام بكليته في جميع أحكامه وشرائعه، فلا تأخذوا حكما وتتركوا حكما، لا تأخذوا بالصلاة وتمنعوا الزكاة مثلا، فالإسلام كل لا يتجزأ" (6).
قال الشيخ السعدي: " أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه، تركه، بل الواجب أن يكون الهوى، تبعا للدين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه، من أفعال الخير، وما يعجز عنه، يلتزمه وينويه، فيدركه بنيته" (7).
قال ابن عثيمين: " المراد به الإسلام؛ وهو الاستسلام لله - تعالى - ظاهرا، وباطنا" (8).
وفي المراد بالدخول في السلم، أقوال (9):
أحدها: الدخول في الإسلام، وهو قول ابن عباس (10)، ومجاهد (11) في أحد قوليه-، وقتادة (12) في أحد قوليه-، والسدي (13)، وابن زيد (14)، والضحاك (15)، وعكرمة (16)، وطاوس (17).
والثاني: معناه ادخلوا في الطاعة، وهو قول الربيع (18)، وقتادة (19)، وأبي العالية (20)، وابن عباس (21) في رواية الضحاك عنه.
والرابع: يعني: الموادعة. قاله قتادة (22).
__________
(1) تفسير الطبري: 3/ 316.
(2) صفوة التفاسير: 1/ 102.
(3) تفسير ابن عثيمين: 3/ 5.
(4) تفسير القاسمي: 2/ 74.
(5) تفسير مقاتل: 1/ 180.
(6) صفوة التفاسير: 1/ 368.
(7) تفسير السعدي: 1/ 94.
(8) تفسير ابن عثيمين: 3/ 5.
(9) انظر: تفسير الطبري: 4/ 251 وما بعدها، والنكت والعيون: 1/ 267، وتقسير القرطبي: 3/ 22.
(10) انظر: تفسير الطبري (4010): ص 4/ 252، وابن أبي حاتم (1945)، و (1947): ص 2/ 370.
(11) انظر: تفسير الطبري (4008): ص 4/ 252.
(12) انظر: تفسير الطبري (4009): ص 4/ 252.
(13) انظر: تفسير الطبري (4011): ص 4/ 252.
(14) انظر: تفسير الطبري (4013): ص 4/ 252.
(15) انظر: تفسير الطبري (4014): ص 4/ 252.
(16) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1947): ص 2/ 370.
(17) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1947): ص 2/ 370.
(18) تفسير الطبري (4015): ص 4/ 252.
(19) انظر: النكت والعيون: 1/ 267.
(20) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1946): ص 2/ 370.
(21) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1946): ص 2/ 370.
(22) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1949): ص 2/ 370.
-------------------------------------------
والخامس: في أنواع البر كلها. قاله مجاهد (1)، والثوري (2).
قلت: فالسلم هنا بمعنى الإسلام، ورجحه الطبري كذلك (3)، وقد ورد في الشعر العربي بأن السلم تعني الإسلام، ومنه قول الشاعر الكندي (4):
دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمّا ... رَأَيْتُهُمُ تَوَلَّوْا مُدْبِرينَا
أي: "دعوتهم للإسلام لما ارتدُّوا، وكان ذلك حين ارتدت كندة مع الأشعث (5)، بعد وَفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" (6).
قال الراغب: " عنى بالسلم سلم العبد الله - عز وجل، وذلك أن الإنسان في كفره، وكفران نعمة الله كالمحارب له، ولهذا يسمى الكافر المحارب في نحو قوله: {الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وسلم العباد لله على ثلاثة أضرب:
ضرب يتقدمه إلى الإيمان: وهو الإسلام الذي سلم به من الله أن يراق دمه ويسلب ماله وهو المعني بقوله- عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم " (7).
واثنان بعد الإيمان: أحدهما أن يسلم من سخطه بارتسام أوامره وزواجره طوعاً أو كرهاً، والثاني: أن يكون سليماً من الشيطان وأوليائه، وسليماً فيما يجري من قضائه، وبه يحصل [دار السلام المذكورة في قوله تعالى]: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} وهذا غاية ما ينتهي إليه للعبد من المنازل الثلاث وإن كان لكل منزلة منها درجات، وهذا السلم هو المغني بقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وهو الذي تمناه يوسف عليه السلام- بقوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} " (8).
وفي قوله تعالى: {السِّلْمِ} [البقرة: 208]، قراءتان (9):
إحداهما: {ادخلوا في السَّلم} بفتح السين. قرأ بها ابن كثير ونافع والكسائي، وهي قراءة عامة قراء أهل الحجاز.
وهؤلاء وجهوا تأويلها إلى المسالمة، بمعنى: ادخلوا في الصلح والمساومة وترك الحرب وإعطاء الجزية.
وقال أبو علي: " قول ابن كثير ونافع والكسائي: {أدْخُلُوا فِي السِّلْمِ} [البقرة/ 208] يحتمل أمرين:
__________
(1) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1948): ص 2/ 370.
(2) انظر: النكت والعيون: 1/ 267.
(3) انظر: تفسير الطبري: 4/ 253. إذ قال: " وأولى التأويلات بقوله: " ادخلوا في السلم "، قول من قال: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة".
(4) ديوانه: 16 من معلقته النبيلة. والضمير في " قلتما " للساعيان في الصلح وهما الحارث ابن عوف وهرم بن سنان، وذلك في حرب عبس وذبيان. وقوله: " واسعًا " أي: قد استقر الأمرواطمأنت النفوس فاتسع للناس فيه ما لا يتسع لهم في زمن الحرب. وكان الحارث وهرم قد حملا الحمالة في أموالهما، ليصطلح الناس.
(5) هو الأشعث بن قيس الكندين وكان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة في سبعين راكبا من كندة ثم ارتد فيمن ارتد من العرب. وقاتل في الردة حتى هزم ثم استسلم وأسر وقدموا به على أبي بكر فقال له أبو بكر: ماذا تراني أصنع بك؟ فإنك قد فعلت ما علمت قال الأشعث: تمن علي فتفكني من الحديد وتزوجني أختك فإني قد راجعت وأسلمت. فقال أبو بكر: قد فعلت! فزوجه ام فروة بنت أبي قحافة، فكان بالمدينة حتى فتح العراق. ثم شهد الفتوح حتى مات سنة 40، وله ثلاث وستون سنة.
(6) تفسير الطبري: 4/ 254.
(7) صحيح البخاري برقم (25) وصحيح مسلم برقم (22). وفي الصحيحين: "أمرْتُ أنْ أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".
(8) تفسير الراغب: 1/ 432 - 433.
(9) انظر: تفسير الطبري: 4/ 252 - 253، والسبعة: 180 - 181، والحجة: 2/ 292 - 293.
-----------------------------------------------------------------------------
أحدهما: يجوز أن يكون لغة في (السّلم) الذي يعنى به الإسلام.
والثاني: ويجوز أن يريدوا بفتحهم الأول من قوله: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ}: الصلح، وهو يريد الإسلام، لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال والحرب بين أهله موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد، ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض، فإذا كان ذلك موضوعاً بينهم، وفي دينهم، وغلّظ على المسلمين في المسايفة بينهم؛ كان صلحاً في المعنى، فكأنه قيل: ادخلوا في الصلح، والمراد به الإسلام" (1).
والقراءة الثانية: وقرأته عامة قرأة الكوفيين بكسر (السين)، وهم مختلفون في تفسيره على قولين:
أحدهما: توجيهه إلى الإسلام، بمعنى ادخلوا في الإسلام كافة.
والثاني: توجيهه إلى الصلح، بمعنى: ادخلوا في الصلح، ويستشهد على أن " (السين) تكسر، وهي بمعنى الصلح بقول زهير ابن أبي سلمى (2):
وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعًا ... بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ الأمْرِ نَسْلَمِ
وقال الجوهري: "والسلم الصلح، يفتح ويكسر، ويذكر ويؤنث، وأصله من الاستسلام والانقياد، ولذلك قيل للصلح: سلم" (3)، ومنه قول الشاعر (4):
أنائل إنني سلم ... لأهلك فاقبلي سلمي
والقراءة الأوْلى بالصواب من قرأ بكسر (السين)، لأن ذلك إذا قرئ كذلك - وإن كان قد يحتمل معنى الصلح - فإن معنى الإسلام: ودوام الأمر الصالح عند العرب، أغلبُ عليه من الصلح والمسالمة (5). والله أعلم.
قال الرازي: "أصل هذه الكلمة من الانقياد، قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]، والإسلام إنما سمي إسلاماً لهذا المعنى. وغلب اسلم السلم على الصلح وترك الحرب، وهذا أيضاً راجع إلى هذا المعنى، لأن عند الصلح ينقاد كل واحد لصاحبه ولا ينازعه فيه (6).
وقد اختلف أهل العلم في أي الفريقين دعى إلى الإسلام كافة، وفيه أقوال (7):
أحدها: أن المأمور بها المسلمون، والدخول في السلم العمل بشرائع الإسلام كلها، وهو قول وهذا قول قتادة (8)، والسدي (9) والربيع (10) ومجاهد (11) ابن عباس (12) وابن زيد (13)، والضحاك (14).
__________
(1) الحجة: 2/ 292 - 293. [بتصرف بسيط].
(2) ديوانه: 16 من معلقته النبيلة. والضمير في " قلتما " للساعيان في الصلح وهما الحارث ابن عوف وهرم بن سنان، وذلك في حرب عبس وذبيان. وقوله: " واسعًا " أي: قد استقر الأمرواطمأنت النفوس فاتسع للناس فيه ما لا يتسع لهم في زمن الحرب. وكان الحارث وهرم قد حملا الحمالة في أموالهما، ليصطلح الناس.
(3) تفسير القرطبي: 3/ 23، وانظر: الحجة: 2/ 294، واللسان (سلم)، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 105.
(4) البيت لمسعدة بن البختري يقوله في نائلة بنت عمر بن يزيد الأسيدي وكان يهواها. انظر الأغاني 13/ 271 وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج/ 43 واللسان/ سلم/ وضبطت سلم فيه بكسر السين وتسكين اللام.
(5) تفسير الطبري: 4/ 253 - 254.
(6) مفاتيح الغيب: 5/ 352.
(7) انظر: تفسير الطبري: 4/ 255 - وما بعدها.
(8) انظر: تفسير الطبري (4020): ص 4/ 257.
(9) انظر: تفسير الطبري (4021): ص 4/ 257.
(10) انظر: تفسير الطبري (4022): ص 4/ 257.
(11) انظر: تفسير الطبري (4023): ص 4/ 257.
(12) انظر: تفسير الطبري (4024): ص 4/ 257.
(13) انظر: تفسير الطبري (4025): ص 4/ 258.
(14) انظر: تفسير الطبري (4026): ص 4/ 258.
------------------------------------------------------------------------------
قال الطبري: " وجه دُعائه إلى ذلك الأمرُ له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه، وإذا كان ذلك معناه، كان قوله {كافة} من صفة {السلم}، ويكون تأويله: ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئًا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به" (1).
والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، آمنوا بمن سلف من الأنبياء، فأُمِروا بالدخول في الإسلام، وهو قول ابن عباس (2)، والضحاك (3).
والثالث: أنها نزلت نزلت في ثعلبة، وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسَيْد ابني كعب وسَعْيَة بن عمرو وقيس بن زيد - كلهم من يهود. وهو قول عكرمة (4).
والصواب أن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها، وقد يدخل في {الذين آمنوا} المصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما حاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم " الإيمان "، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض (5).
وقد روي عن مجاهد في قول الله عز وجل: " ادخلوا في السلم كافة "، قال: ادخلوا في الإسلام كافة، ادخلوا في الأعمال كافة" (6).
وفي قوله تعالى: {كَافَّةً} [البقرة: 208]، تأويلان (7):
أحدهما: عائد إلى الذين آمنوا، أن يدخلوا جميعاً في السلم. وتكون {كافة} حالاً من الواو في قوله تعالى: {ادخلوا}، وهذا قول قتادة (8)، والسدي (9) والربيع (10) ومجاهد (11) ابن عباس (12) وابن زيد (13)، والضحاك (14).
والثاني: عائد إلى السلم أن يدخلوا في جميعه. فتكون {كافة} حالاً من {السلم}. وهو أحد قولي مجاهد (15).
والأقرب-والله أعلم-: المعنى الأول؛ "لأننا لو قلنا بالمعنى الثاني: ادخلوا جميعاً في السلم صار معنى ذلك أن بعض المؤمنين لم يدخل في الإسلام؛ وحينئذ فلا يصح أن يوجه إليه النداء بوصف الإيمان؛ فالمعنى الأول هو الصواب أن {كافة} حال من {السلم} يعني ادخلوا في الإسلام كله؛ أي نفذوا أحكام الإسلام جميعاً، ولا تدعوا شيئاً من شعائره، ولا تفرطوا في شيء منها؛ وهذا مقتضى الإيمان؛ فإن مقتضى الإيمان أن يقوم الإنسان بجميع شرائع الإسلام" (16).
__________
(1) تفسير الطبري: 4/ 255.
(2) انظر: تفسير الطبري (4017): ص 4/ 256، وتفسير ابن أبي حاتم (1945): ص 2/ 370.
(3) انظر: تفسير الطبري (4018): ص 4/ 256.
(4) تفسير الطبري (4016): ص 4/ 255.
(5) انظر: تفسير الطبري: 4/ 257 - 258.
(6) انظر: تفسير الطبري (4019): ص 4/ 257.
(7) انظر: النكت والعيون: 1/ 267.
(8) انظر: تفسير الطبري (4020): ص 4/ 257.
(9) انظر: تفسير الطبري (4021): ص 4/ 257.
(10) انظر: تفسير الطبري (4022): ص 4/ 257.
(11) انظر: تفسير الطبري (4023): ص 4/ 257.
(12) انظر: تفسير الطبري (4024): ص 4/ 257.
(13) انظر: تفسير الطبري (4025): ص 4/ 258.
(14) انظر: تفسير الطبري (4026): ص 4/ 258.
(15) انظر: تفسير الطبري (4019): ص 4/ 257.
(16) تفسير ابن عثيمين: 3/ 5 - 6 ..
-------------------------------------------------------
قال الراغب: " ويجوز أن يكون {كافة} حالا من {السلم}، لأنها تؤنث كما تؤنث الحرب. قال (1):
السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ ... وَالْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ
على أنّ المؤمنين أمروا بأن يدخلوا في الطاعات كلها، وأن لا يدخلوا في طاعة دون طاعة، أو في شعب الإسلام وشرائعه كلها، وأن لا يُخلوا بشيء منها" (2).
ورجحه ابن كثير قائلا: " ومن المفسرين من يجعل قوله: {كَافَّةً} حالا من الداخلين، أي: ادخلوا في الإسلام كلكم، والصحيح الأول، وهو أنَّهم أمروا [كلهم] أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام، وهي كثيرة جدًا ما استطاعوا منها" (3).
قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208]، " أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان" (4).
قال البيضاوي: " بالتفرق والتفريق" (5).
قال مقاتل بن سليمان: " يعنى تزيين الشيطان فإن السنة الأولى بعد ما بعث محمد- صلى الله عليه وسلم- ضلالة من خطوات الشيطان" (6).
قال القاسمي: " أي: طرقه التي يأمركم بها فـ: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] و: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] " (7).
قال الصابوني: " أي لا تتبعوا طرق الشيطان وإغواءه" (8).
قال ابن عثيمين: " نهي بعد أمر؛ لأن اتباع خطوات الشيطان يخالف الدخول في السلم كافة" (9).
و{خُطُوَاتِ}: "جمع خُطوة؛ و (الخطوة) في الأصل هي ما بين القدمين عند مدِّهما في المشي" (10).
وفي قوله تعالى: {خُطُوَاتِ}، وجوه من القراءة (11):
أحدها: {خُطُوَاتِ}، بضم (الطاء) مثقلة. قرأ بها ابن كثير وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم.
والثانية: : {خُطُوَاتِ}، بضم (الطاء) خفيفة. في رواية ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير.
والثالث: {خُطْوَاتِ}، بسكون (الطاء) خفيفة. قرأ بها نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة.
قا القاسمي: و"ضم (الطاء) من {خطوات} وإسكانها لغتان: حجازية وتميمية، وقد قرئ بهما في السبع" (12).
قال الطبري: " وطريقُ الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه هو ما خالف حكم الإسلام وشرائعه، ومنه تسبيت السبت وسائر سنن أهل الملل التي تخالف ملة الإسلام" (13).
وفي قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 208]، تفسيران:
__________
(1) البيت لعباس بن مرداس كما في اللسان (أبس): ص 6/ 3. وفيه يخاطب خفاف بن ندبة.
(2) تفسير الراغب الأصفهاني: 1/ 252.
(3) تفسير ابن كثير: 1/ 566.
(4) تفسير فتح القدير: 1/ 211.
(5) تفسير البيضاوي: 1/ 134.
(6) تفسير مقاتل: 1/ 180.
(7) محاسن التأويل: 2/ 74.
(8) صفوة التفاسير: 1/ 368.
(9) تفسير ابن عثيمين: 4/ 6.
(10) تفسير ابن عثيمين: 4/ 6.
(11) انظر: السبعة: 174.
(12) تحاسن التأويل: 2/ 74.
(13) تفسير الطبري: 4/ 258.
---------------------------------------------------
أحدهما: أن"خطوات الشيطان: عمله". قاله ابن عباس (1).
والثاني: أن إتباع خطوات الشيطان: "طاعته". وهذا قول السدي (2).
قوله تعالى: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]، ، أي: "فإنه عدو لكم ظاهر العداوة" (3).
قال البيضاوي: أي" ظاهر العداوة" (4).
قال مُطَرِّف: "أغش عباد الله لعَبِيد الله الشيطان" (5).
قال الطبراني: " فإن قيل: كيفَ قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} وهو لَم يُبْدِ لنا شخصهُ؟ قِيْلَ: قد كانَ إبداؤهُ العداوةَ لأبينا آدمَ عليه السلام حين امتنعَ من السُّجودِ له وقال: أنا خيرٌ منه، فكان إبداؤُه وإظهاره العداوةَ لأبينا آدم عليه السلام أبداءً وإظهاراً لنا" (6).
قال الشيخ السعدي: " والعدو المبين، لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء، وما به الضرر عليكم" (7).
و(العدو): "من يبتغي لك السوء؛ وهو ضد (الوليّ) " (8).
وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208] معنيان (9):
أحدهما: مبين لنفسه.
والآخر: مبين بعدوانه.
وكلا القولين صحيحين، لأن " الشيطان بيِّن العداوة؛ ومظهر لعداوته؛ ألا ترى إلى إبائه السجود لأبينا آدم مع أن الله أمره به في جملة الملائكة" (10).
واختلفوا فيمن أبان به عدوانه على قولين (11):
أحدهما: بامتناعه من السجود لآدم.
والثاني: بقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 62].
قال الشيخ ابن عثيمين: " فإن قال قائل: كيف يقول: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ} ونحن قد عرفنا من قبل أن الإيمان أكمل من الإسلام؛ لقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}؟ [الحجرات: 14]، قلنا: إن هذا الأمر مقيد بما بعد قوله: {فِي السِّلْمِ}؛ وهو قوله تعالى: {كَافَّةً}؛ فيكون الأمر هنا منصباً على قوله تعالى: {كَافَّةً}؛ و {كَافَّةً} اسم فاعل يطلق على من يكف غيره؛ فتكون التاء فيه للمبالغة، مثل: راوية، ساقية، علامة ... وما أشبه ذلك؛ والتاء في هذه الأمثلة للمبالغة؛ فيكون {كَافَّةً} بمعنى كافاً؛ والتاء للمبالغة؛ قالوا: ومنه قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} [سبأ: 28]، أي كافاً لهم عمَّا يضرهم لتخرجهم من الظلمات إلى النور" (12).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: فضل الإيمان؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا}؛ لأن هذا النداء تشريف وتكريم.
__________
(1) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1951): ص 2/ 371.
(2) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (1952): ص 2/ 371.
(3) صفوة التفاسير: 1/ 368.
(4) تفسير البيضاوي: 1/ 134.
(5) تفسير ابن أبي حاتم (1953): ص 2/ 371.
(6) تفسير الطبراني: 1/ 148.
(7) تفسير السعدي: 1/ 94.
(8) تفسير ابن عثيمين: 3/ 7.
(9) انظر: النكت والعيون: 1/ 268.
(10) تفسير ابن عثيمين: 3/ 7.
(11) انظر: النكت والعيون: 1/ 268.
(12) تفسير ابن عثيمين: 3/ 7.
---------------------------------------------
2 - ومنها: أن الإيمان مقتض لامتثال الأمر؛ لأن الله صدَّر الأمر بهذا النداء؛ والحكم لا يقرن بوصف إلا كان لهذا الوصف أثر فيه؛ وهذه الفائدة مهمة؛ ولا شك أن الإيمان يقتضي امتثال أمر الله عزّ وجلّ.
3 - ومنها: وجوب تطبيق الشرع جملة، وتفصيلاً؛ لقوله تعالى: {ادخلوا في السلم كافة}.
4 - ومنها: أن الإنسان يؤمر بالشيء الذي هو متلبس به باعتبار استمراره عليه، وعدم الإخلال بشيء منه؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}؛ ومثل هذا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله} [النساء: 136] يعني: استمروا على ذلك.
5 - ومنها: تحريم اتباع خطوات الشيطان؛ لقوله تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}؛ والمعنى: أن لا نتبع الشيطان في سيره؛ لأن الله بين في آية أخرى أن الشيطان يأمر بالفحشاء، والمنكر؛ وما كان كذلك فإنه لا يمكن لعاقل أن يتبعه؛ فلا يرضى أحد أن يتبع الفحشاء والمنكر؛ وأيضاً الشيطان لنا عدو، كما قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو} [فاطر: 6]، ثم قال تعالى: {فاتخذوه عدواً}؛ ولا أحد من العقلاء يتبع عدوه؛ إذا كان الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، وكان عدواً لنا، فليس من العقل - فضلاً عن مقتضى الإيمان - أن يتابعه الإنسان في خطواته -؛ وخطوات الشيطان بيَّنها الله عزّ وجلّ: يأمر بـ «الفحشاء» - وهي عظائم الذنوب؛ و «المنكر» - وهو ما دونها من المعاصي؛ فكل معصية فهي من خطوات الشيطان؛ سواء كانت تلك المعصية من فعل المحظور، أو من ترك المأمور، فإنها من خطوات الشيطان؛ لكن هناك أشياء بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنها من فعل الشيطان، ونص عليها بعينها، مثل: الأكل بالشمال (1)، والشرب بالشمال (2)، والأخذ بالشمال، والإعطاء بالشمال (3)؛ وكذلك الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (4)؛ فهذه المنصوص عليها بعينها واضحة؛ وغير المنصوص عليها يقال فيها: كل معصية فهي من خطوات الشيطان.
6 - ومن فوائد الآية: تحريم التشبه بالكفار؛ لأن أعمال الكفار من خطوات الشيطان؛ لأن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر؛ ولا أنكر من الكفر - والعياذ بالله.
7 - ومنها: شدة عداوة الشيطان لبني آدم؛ لقوله تعالى: {إنه لكم عدو مبين}.
8 - ومنها: أنه لا يمكن أن يأمرنا الشيطان بخير أبداً؛ إذ إن عدوك يسره مساءتك، ويغمه سرورك؛ ولهذا قال تعالى في آية أخرى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً} [فاطر: 6].
9 - ومنها: قرن الحكم بعلته؛ لقوله تعالى: {لا تتبعوا خطوات الشيطان} ثم علل: {إنه لكم عدو مبين}.
ويتفرع على هذه الفائدة: أنه ينبغي لمن أتى بالأحكام أن يقرنها بالعلل التي تطمئن إليها النفس؛ فإن كانت ذات دليل من الشرع قرنها بدليل من الشرع؛ وإن كانت ذات دليل من العقل، والقياس قرنها بدليل من العقل، والقياس؛ وفائدة ذكر العلة أنه يبين سمو الشريعة وكمالها؛ وأنه تزيد به الطمأنينة إلى الحكم؛ وأنه يمكن إلحاق ما وافق الحكم في تلك العلة.
---------------------------------------------
انتهى من تفسير الكفاية مالجزء الرابع: ص327-334
أتلمس منكم الدعاء.