بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...اما بعد....ادرس هذه الأيام خلافات التفسير وقد جاء في فكري هذا السؤال المهم
وهو هل درس احد من العلماء او الباحثين الخلافات التفسيرية وخرج بالرأي الراجح في كل مسألة..؟
اعتقد انه موضوع مهم وبحاجة الى إثراء ونقاش...والله تعالى اعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...ان من أكثر أهل التفسير إهتماما بالترجيح بين الأقوال
الامام محمد بن جرير الطبري(ت310)رحمه الله تعالى لقد أعجبني المقال المنشور في
موقع قصة الإسلام عن الامام الطبري وجاء فيه:
( [h=2]منهج الإمام الطبري في التفسير[/h]لقد لخص لنا الأستاذ الفاضل محمد محمود الحلبي - في كلمة الناشر للطبعة الثالثة - منهجَ الطبري باختصار فقال: "وهو تفسير ذو منهج خاص، يذكر الآية أو الآيات من القرآن، ثم يعقبها بذكر أشهر الأقوال التي أُثرت عن الصحابة والتابعين من سلف الأمة في تفسيرها، ثم يورد بعد ذلك روايات أخرى متفاوتة الدرجة في الثقة والقوة في الآية كلها أو في بعض أجزائها بناءً على خلافٍ في القراءة أو اختلاف في التأويل، ثم يعقِّب على كل ذلك بالترجيح بين الروايات واختيار أولاها بالتقدمة، وأحقها بالإيثار، ثم ينتقل إلى آية أخرى فينهج نفس النهج: عارضًا ثم ناقدًا ثم مرجِّحًا"."وهو إذ ينقد أو يرجِّح يردُّ النقد أو الترجيح إلى مقاييس تاريخية من حال رجال السند في القوة والضعف، أو إلى مقاييس علمية وفنية: من الاحتكام إلى اللغة التي نزل بها الكتاب، نصوصها وأقوال شعرائها، ومن نقد القراءة وتوثيقها أو تضعيفها، ومن رجوع إلى ما تقرر بين العلماء من أصول العقائد، أو أصول الأحكام أو غيرهما من ضروب المعارف التي أحاط بها ابن جرير، وجمع فيها مادة لم تجتمع لكثير من غيره من كبار علماء عصره"(تفسير الطبري- 1-4)
وهنا مسألة جديرة بالاهتمام وهي كم نحن بحاجة الى بحوث إحصائية وصفية لترجيحات الطبري مثلا تذكر لنا كم هو عدد
الترجيحات وما هو تصنيفها ( علوم قرآن- أحكام فقهية- لغة- سيرة- حديث.....)....والله تعالى اعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد....هذا الموضوع بحاجة لمشاركة الاخوة والاخوات من
أهل الاختصاص فندعوكم يا كرام للمشاركة....اللهم يسر لاهل العلم بأن يعلموا الناس
كما علمهم الله تعالى....
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...في ملتقانا موضوعا جيدا للدكتورة فاطمة الزهراء حول
قواعد الترجيح إخترت لكم منه هذا الجزء:
(الترجيح بين المفسرين والأصوليين والفقهاء الترجيح في اللغة يدل على الميل والزيادة، جاء في لسان العرب: "الراجح الوازن، ورجح الشيء بيده وزنه ونظر ما ثقله، وأرجح الميزان أي أثقله حتى مال، ورجح الميزان مال..."والترجيح عند الأصوليين هو: "اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها"، أما عند المفسرين فهو: "تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية لدليل أو قاعدة تقويه أو لتضعيف أو رد ما سواه" أما الترجيح في مجال الفقه فهو تقوية أحد الأقوال أو المذاهب في مسألة من المسائل الفقهية الخلافية لدليل يستند إليه. ونحتاج إلى الترجيح في حالة التعارض بين الأدلة أو الاختلاف بين الأقوال، فالترجيح الأصولي وليد التعارض بين الأمارات أي الأدلة، والترجيح التفسيري وليد اختلاف الأقوال في تفسير الآية، فوسائل الترجيح بين النصوص عند الأصوليين ليست هي وسائل الترجيح بين الأقوال عند المفسرين والفقهاء، فالأولى تقوم على ما تقرر في الأصول من مرجحات تتعلق بالرواية والأقيسة وغيرها، والثانية تقوم على مدى قوة الدليل سواء من جهة الصحة أو الصراحة. كما أن أسباب اختلاف المفسرين في التفسير ليست هي أسباب اختلاف الفقهاء في المسائل الفقهية، فالأولى قد تكون هي الاختلاف في الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، أو في قاعدة من قواعد التفسير وغير ذلك، أما أسباب اختلاف الفقهاء فتتعلق إما برواية النص أو بدرايته أو باللغة...، لهذا تختلف أدوات الترجيح باختلاف دواعي التعارض وأسباب الاختلاف أنواع الاختلاف التفسيري: من المعلوم أن الكثرة الكاثرة من الآيات قد وقع الخلاف في تفسيرها، ومن المعلوم أن طلب أصح الأوجه في تفسير كلام الله تعالى من أهم مقاصد طلب العلم وتحصيله، ودراسة التفسير خاصة، ويمكن إجمال أنواع الخلاف التفسيري كالآتي: 1- أن تكون جميع الأقوال محتملة في الآية وبقوة الاحتمال نفسها أو قريبا منه، ومن نصوص القرآن والسنة ما يشهد لكل واحد منها. 2- أن تكون الأقوال متعارضة مع بعضها يتعذر حمل الآية عليها جميعا. 3- أن تكون الأقوال ليست متعارضة مع بعضها وإنما يكون بعضها معارضا لدلالة آيات قرآنية، أو لنصوص صحيحة من السنة، أو لإجماع الأمة. 4- أن تكون الأقوال المختلفة في الآية ليس بينها تعارض- لا مع بعضها ولا مع آيات أو أحاديث أ وإجماع- وهي محتملة، غير أن بعضها أولى من بعض. قواعد الترجيح عند المفسرين لقد تأسس علم أصول الفقه لتقوم العملية الاجتهادية على قانون علمي واضح يجعلها بعيدة عن الارتجال والتطفل، وتأسس علم أصول التفسير وقواعده كقانون يحكم العملية التفسيرية ويعصمها من العبث والفوضى، فكل النصوص سواء العلمية أو الأدبية أو غيرها تحتاج إلى آليات تحليلية خاصة وقواعد علمية محكمة للتعامل معها بعيدا عن العفوية، فما بالك لو كنا أمام نص مقدس هو القرآن الكريم؟ نكون حينها أمام حاجة ملحة لاستدعاء الأصول والقواعد للتعاطي مع هذا النص، لهذا بدل العلماء المسلمون والمتخصصون في الدراسات القرآنية بالتحديد جهودا كبيرة للتأسيس لعلم أصول التفسير وقواعد، وبلغوا في ذلك غاية الدقة والإحكام عندما وضعوا قواعد ترجيحية بين أقوال المفسرين، وممن أفرد هذا الموضوع بالتأليف فهد بن عبد الله الحزمي تحت عنوان: "القول المبين في قواعد الترجيح بين المفسرين"، و حسين بن علي بن حسين الحربي في كتابه: "قواعد الترجيح عند المفسرين" وهو في أصله رسالة ماجستير. وقواعد الترجيح عند المفسرين:"هي ضوابط وأمور أغلبية يتوصل بها إلى معرفة الراجح من الأقوال المختلفة في تفسير كتاب الله تعالى"، فموضوع القواعد الترجيحية إذن هو أقوال المفسرين المختلفة في تفسير كتاب الله تعالى، وغايتها معرفة أصح الأقوال وأولاها بالقبول في تفسير كتاب الله، ومن ثم العمل بها اعتقادا إن كانت من آيات الأحكام العملية وسلوكا وأدبا إن كانت من الأخلاق والآداب، وكذلك تنقية كتب التفسير مما قد علق ببعضها من أقوال شاذة أو ضعيفة، أو مدسوسة فيها لمذهب عقدي ونحو ذلك).
ولمن يريد الاطلاع على الشاركة بأكملها فهي على هذا الرابط: http://vb.tafsir.net/tafsir26520/#.WF-Z-PB9600
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الترجيح بين اقوال المفسرين لا يعني الاعتماد لراي دون اخر وترجيحه على انه هو المراد ، بل ان تفسيرات المفسر الواحد وجمعه للاقوال في تفسير مراد ما باعتقادي كله ممكن ومراد اذا كان مما يحتمله النص ، فلا مجال لرد اي قول طالما ان المعنى يحتمله ............ والقضية بحاجة لتفصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد....شكرا لمروركم دكتور خضر وانا بإنتظار التفصيل
الذي ذكرتم ...وفي موقع الدكتور محمد أبو زيد بحثا مميزا بعنوان(الترجيح بين دلالة
السياق وسبب النزول) إخترت لكم هذا الجزء منه:
(
أهمية السياق القرآني نلمح أهمية السياق في القرآن الكريم من كونها العلم الذي يُعرف به مراد الله سبحانه من كلامه، فكما لكل كلمة معنى، لكل سياق غرض ومقصد صيغ الكلام من أجل بلوغه وتحقيقه. وإن كان تفسير القرآن بالقرآن أصح تفسير لكلام الله سبحانه([23])، فإن السياق في النص القرآني خادم لهذا النوع من التفسير، والأداة التي تحققه، فيشرق من خلال الكلمات والجمل حبل السياق الذي يجمعها في عقد فريد، فيضفي على جمال الحبات جمال العقد المتناسق، ليظهر القصد من جمع تلك الحبات. ومن الطرائف التي تظهر قدر السياق ما قاله الأصمعي([24]): قرأت هذه الآية: )وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(([25]) وإلى جنبي أعرابي فقلت: )وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( سهوا، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله. قال أعد، فأعدت: )وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(، فقال: ليس هذا كلام الله، فتنبهت، فقلت: )وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(. فقال: أصبت، هذا كلام الله. فقلت له: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع([26]). وقد ثبتت دلالة السياق في السنة المطهرة، فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: قالت: «قُلتُ: يا رسول اللّه، )والَّذين يُؤتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهُمْ وجِلَةٌ(([27]) أَهُمُ الذين يَشْربَون الخمرَ ويَسْرِقُونَ؟ قال: «لا يا بنْتَ الصِّدِّيق، ولكن هم الذي يَصُوُمون ويصلُّون ويَتَصَدَّقون، ويخافُون أَنْ لا يُتقَبَّلَ منهم: )أولئك يُسارِعونَ في الخيرات، وهم لها سابقون(([28])»([29]). فاستدل الرسولe على المعنى بسياق الآية الكريمة نفسها. وقد أخذ علماء الصحابة بدلالة السياق، فعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: )إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا(([30]) فَوَ اللهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِى، إِنَّ هذِهِ الآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ: (لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا)، وَلكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ؛ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِe، عَنْ ذلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: )إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ( الآيَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِe الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لأحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا»([31]). ومما ورد عن العلماء في أهمية السياق: - تبويب الإمام الشافعي في الرسالة: باب الصنف الذي يبيّن سياقُه معناه([32]). - ابن القيم([33]): وانظر إلى نظم السياق تجد به سرا عجيبا واضح البرهان فتدبر القرآن إن رمت الهدى فالعلم تحت تدبر القرآن قالوا وإيراد السياق يبين المضـ ـــمون منه بأوضح التبيان([34]) - الزركشي في حديثه عن دلالة السياق: فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظيره وغالط في مناظراته وانظر إلى قوله تعالى ) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (([35]) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير([36]). - الرازي: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط([37]). - وقال ابن جزي([38]) في القاعدة السادسة من قواعد الترجيح: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام ويدل عليه ما قبله أو ما بعده([39]). - ويقول ابن تيمية: فَمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَعَرَفَ مَقْصُودَ الْقُرْآنِ: تَبَيَّنَ لَهُ الْمُرَادُ، وَعَرَفَ الْهُدَى وَالرِّسَالَةَ، وَعَرَفَ السَّدَادَ مِنْ الِانْحِرَافِ وَالِاعْوِجَاجِ([40]). إلا أن ما ذكره الزركشي من تخصيص العام بالسياق مسألة فيها نظر، وبخاصة أن السياق كلمة لم يَذكر لها تعريفا محددا، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ظهور السياق لا يكون بنفس القوة في كل مكان، ولا بنفس الوضوح، وهذا ما جعل الشوكاني يقف عند هذه النقطة في كتابه إرشاد الفحول حيث يقول: المسألة الثامنة والعشرون في التخصيص بالسياق: قد تردد قول الشافعي في ذلك... وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد([41]) في شرح الإلمام([42]): نص بعض الأكابر من الأصوليين أن العموم يُخصّ بالقرائن القاضية بالتخصيص...والحق أن دلالة السياق إن قامت مقام القرائن القوية المقتضية لتعيين المراد كان المخصص هو ما اشتملت عليه من ذلك، وإن لم يكن السياق بهذه المنزلة، ولا أفاد هذا المفاد فليس بمخصص([43]).
الترجيح بين دلالة السياق وسبب النزول لم أجد في العلماء السابقين من فاضل بين دلالة السياق وسبب النزول المعتبر، فقد كان كلام الجميع في إعطاء سبب النزول درجة على دلالة السياق، إلا أنني وجدت في المحدثين من أعاد النظر في هذه المسألة، وانقسم هؤلاء إلى فريقين: مرجح لدلالة السياق على سبب النزول المعتبر، ومرجح لسبب النزول المعتبر على دلالة السياق. والغريب أن كلا الفريقين يدعي تأييد العلماء السابقين له. أولا: أدلة المرجحين لدلالة السياق على سبب النزول الصريح الصحيح يتصدر هؤلاء الباحثين الدكتور فضل حسن عباس، و د.خالد المزيني. وسأذكر هنا بعض الأدلة التي جاءوا بها، وأبدأ بالدكتور فضل حسن عباس إذ يقول: "فللسياق أثر لا ينكر في ترجيح القبول، قبول السبب أو رده"([52]). ثم وضح رأيه أكثر فقال:"كثيرا ما نجد في روايات أسباب النزول ما لا يتفق مع السياق، فما كان منه غير صحيح الرواية فالخطب فيه يسير، لكن الإشكال فيما ادعيت صحة روايته، وقضية السياق قضية جوهرية في قبول سبب النزول"أهـ. وكلمته هنا:"فيما ادعيت صحة روايته" موهمة إذ قد يظن القارئ بأنه لا يقصد ما صح عنده، وإنما يتكلم عن الروايات الضعيفة، إلا أن المتابع للقراءة ـ كما سيظهر بعد قليل ـ يرى أنه لا يقبل كل ما لا يتفق مع السياق مع إقراره هو أحيانا بصحة روايته وصريح سببيته. وسيتضح رأي الدكتور أكثر من خلال ما أورده من أدلة([53])، وسأناقش كل دليل عقب ذكره مباشرة: 1- قوله تعالى ]كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (([54]). ذكر الشيخ الفاضل في سبب نزولها روايتين: الأولى: عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين فأنزل الله هذه الآيات. فبعث بها قومه إليه، فلما قرئت عليه قال: والله ما كذبني قومي على رسول اللهe، ولا كذب رسول الله على الله، والله عز وجل أصدق الثلاثة. فرجع تائبا، فقبل منه رسول اللهe وتركه. وقال في الحاشية: أخرجه الواحدي والبيهقي وإسناده حسن. ثم قال: "والحق أن هذه الآية كما يشهد سياقها نزلت في أهل الكتاب، كما أخرجه عبد بن حميد وغيره عن الحسن... وهذا ما رجحه الطبري"أ.هـ. مناقشة الدليل: ما نقله الشيخ الفاضل عن الطبري لم يكن دقيقا، ويبدو لي أن الطبري على عكس ما ذكر! ونص كلام الطبري بتمامه: "قال أبو جعفر: وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن: منْ أنّ هذه الآية معنيٌّ بها أهل الكتاب على ما قال، غيرَ أنّ الأخبار بالقول الآخر أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن. وجائز أن يكون الله عز وجل أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذُكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصّتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمدe في هذه الآيات. ثم عرّف عباده سُنته فيهم، فيكون داخلا في ذلك كلّ من كان مؤمنًا بمحمدe قبل أنُ يبعث، ثم كفر به بعد أن بُعث، وكلّ من كان كافرًا ثم أسلم على عهدهe ثم ارتد وهو حيٌّ عن إسلامه. فيكون معنيًّا بالآية جميعُ هذين الصنفين وغيرُهما ممن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء الله". ويبدو لي أن الشيخ الفاضل اكتفى بقول الطبري"وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن" وهذا ليس ترجيحا من الطبري؛ وإنما تحليل للأقوال ووصف لجانب القوة والضعف فيها، ولم يرجّح بعد، فسرعان ما قال: إن الآخرين أعلم بتأويل القرآن والأخبار عندهم أكثر. وجاء بقول جميل حيث جمع بين السبب والمناسبة([55]) في الآية الكريمة، فجوز السبب أنها فيمن ارتد ثم تاب، وذكر مناسبة ترتيب الآية مع أهل الكتاب على أنهم آمنوا بمحمدr قبل أن يُبعث وكفروا به بعد أن بعث، فكفروا بعد إيمان، كما حصل من هذا الأنصاري، ولذلك قال الطبري في نهاية هذا الرأي: " بل ذلك كذلك إن شاء الله". والذي يؤكد أكثر أن الطبري رجح الرأي الأول؛ وهو أنها في الأنصاري الذي ارتد ثم آمن، أن الطبري تابع تفسيره للآيات مؤسسا على هذا الرأي فقال بعد ذلك: "ثم استثنى جل ثناؤه الذين تابوا، من هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم فقال تعالى ذكره:]إلا الذين تَابوا من بعد ذلك وأصلحوا[ يعني: إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم، فراجعوا الإيمان بالله وبرسوله، وصدّقوا بما جاءهم به نبيهمr من عند ربهم وأصلحوا، يعني: وعملوا الصالحات من الأعمال ]فإنّ الله غفور رحيم[، يعني: فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره ]غفور[، يعني: ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الرّدّة". وأحب أن أضيف أيضا أن الطبري ذكر روايتين لابن عباس في سبب النزول الأولى: هي التي ذكرها المؤلف. والثانية أن الآية نزلت في أهل الكتاب، وبجمع الطبري بين الروايتين يكون قد أخذ بقولي ابن عباس وهذا حسن، بل هو الأولى. وطالما أن الجمع بين الأسباب ممكن على طريقة الطبري رحمه الله، فلا داعي لرد رواية ابن عباس بحجة السياق فقد استقام السياق بالروايتين ولا شك أن الجمع أولى عند العلماء طالما أنه ممكن. وإن كان هذا الدليل الذي جاء به الدكتور فضل لا يصلح للاستدلال؛ لأن دليله يصلح في الترجيح بين أسباب النزول بما يناسب السياق، ونحن لا ننكر بأن السياق مما يؤخذ به في الترجيح بين الأسباب في حال تعذر الجمع بأي صورة، وإنما الذي ينبغي أن يستدل به هو ما يصلح لتأسيس مبدأ رد سبب النزول في حال خالف دلالة السياق التي يرتئيها الرّاد للسبب، ليس من باب الترجيح بين الروايات فهذا معلوم أيضا، وإنما من باب مخالفة السياق فحسب. فإن المؤلف الفاضل ـ حفظه الله وأطال أثره ـ بين في مجمل كلامه أنه يرد السبب بمجرد مخالفة السياق بغض النظر أكان السبب منفردا أم مزاحما لغيره من الأسباب، فلم يفصّل في هذا وترك الكلام على إطلاقه. 2- قال الدكتور فضل:"قوله سبحانه:]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[([56]). اشتهر في روايات أسباب النزول أنها نزلت في أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ، وقد سأله بنو قريظة: أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار إلى حلقه: إنه الذبح فلا تفعلوا، فقال: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت الآية...".أ.هـ. وذكر الشيخ تحسين الشيخ شعيب الأرناؤوط لهذه الرواية في صحيح ابن حبان وأنها في المسند كذلك. المناقشة: عندما رجعت لهذه الرواية في صحيح ابن حبان والمسند لم أجد منها سوى إشارة أبي لبابة إلى حلقه! وليس فيها ذكر للآية الكريمة ولا أنها نزلت فيه! ولا ذكر لسبب نزول لا بالصيغة الصريحة ولا بغيرها. وبالتالي لا تصلح كذلك لما يهدف المؤلف إلى تأسيسه من مبدأ: عدم قبول الصيغة الصريحة الصحيحة في حال عدم اتفاقها مع السياق. 3- قال الشيخ:"]ألا إنهم يثنون صدورهم[([57]) فقد روى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ قال: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك. وقد نعلم أن الآية في سورة هود، وهي مكية إجماعا، ثم السياق في شأن الكفار، فهو سياق تهديد. والظاهر أن ابن عباس رضي الله عنهما ـ تلا هذه الآية في شأن أولئك الذين كانوا يستحيون من الله، لا أنها نزلت فيهم..."أ.هـ. ثم ذكر رواية للواحدي: "عن ابن عباس أنها نزلت في الأخنس بن شريق. وكان رجلا حلو الكلام، حلو المنظر، يلقى رسول الله e بما يحب، ويطوي بقلبه ما يكره" ثم رجح الشيخ رواية الواحدي على رواية البخاري لأنها متفقة مع السياق، ثم قال:" ويظهر أن الحق ما ذكرته لك من قبل وهو أن ابن عباس تلا هذه الآية لا أنها نزلت".أ.هـ. المناقشة: بالنسبة لرواية الواحدي لم يذكر المؤلف لها مصدرا آخر غير الواحدي، كما أنه لم يذكر مدى قوة الرواية. ولم أجدها في كتب الحديث لا في الصحيح ولا في الضعيف. فلا تصلح للاستدلال. كما أن رواية البخاري بالطريقة المروية في كتاب الشيخ مقطوعة من أولها وآخرها ولم تعد واضحة، وهي بتمامها هكذا:" قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: ]أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورُهُمْ[ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ". - فكنت أظن أن الشيخ هو الذي اجتهد في أن ابن عباس كان يتلو الآية. فرأيت بأن هذا من كلام الراوي نفسه كما هو واضح فيها. - وفي آخر الرواية كلمة ناقصة في كتاب الشيخ وهي: (فيهم) الكلمة التي في آخر رواية البخاري، وهذه كلمة مهمة؛ لأنها توضح أكثر بأن الصيغة ليست صيغة صريحة في أسباب النزول كما هو معلوم في علم أسباب النزول. ويؤكد هذا أول الرواية في أن ابن عباس يقرأ الآية فسئل عنها، والسائل لم يذكر أنه سأله عن سبب نزولها، وإنما كان السؤال عاما. فأجاب ابن عباس بما يوضح المعنى مما هو في حكمها. وبالتالي كذلك هذا المثال لا يصلح فيما يريد الشيخ الفاضل أن يؤسس له. )
الحقوق محفوظة لموقع الدكتور محمد أبو زيد
موقع الدكتور محمد أبو زيد - الترجيح بين دلالة السياق وسبب النزول
ولكي نفهم الموضوع ببساطة فإن من أوضح الأمثلة على الخلاف بين السياق وسبب
النزول هو ما جاء في سبب نزول سورة النصر...فإن سياق السورة يدعو الى ذكر الله
تعالى وشكره....ولكن سبب النزول هو إعلام رسول الله اللهم صل عليه وآله...بقرب
أجله....والله تعالى اعلم.