اقرأ ثم قل - رحمَ اللهُ الإمامَ السعدي

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
قال تعالى في سورة الروم :{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }
قال السعدي رحمه الله :
{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ } وهذا تفسير لإقامة الوجه للدين، فإن الإنابة إنابة القلب وانجذاب دواعيه لمراضي اللّه تعالى.
ويلزم من ذلك حمل البدن بمقتضى ما في القلب فشمل ذلك العبادات الظاهرة والباطنة، ولا يتم ذلك إلا بترك المعاصي الظاهرة والباطنة فلذلك قال: { وَاتَّقُوهُ } فهذا يشمل فعل المأمورات وترك المنهيات.
وخص من المأمورات الصلاة لكونها تدعو إلى الإنابة والتقوى لقوله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } فهذا إعانتها على التقوى.
ثم قال: { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } فهذا حثها على الإنابة. وخص من المنهيات أصلها والذي لا يقبل معه عمل وهو الشرك فقال: { وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } لكون الشرك مضادا للإنابة التي روحها الإخلاص من كل وجه.
ثم ذكر حالة المشركين مهجنا لها ومقبحا فقال: { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ } مع أن الدين واحد وهو إخلاص العبادة للّه وحده وهؤلاء المشركون فرقوه، منهم من يعبد الأوثان والأصنام. ومنهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الأولياء والصالحين ومنهم يهود ومنهم نصارى.
ولهذا قال: { وَكَانُوا شِيَعًا } أي: كل فرقة من فرق الشرك تألفت وتعصبت على نصر ما معها من الباطل ومنابذة غيرهم ومحاربتهم.
{ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ } من العلوم المخالفة لعلوم الرسل { فَرِحُونَ } به يحكمون لأنفسهم بأنه الحق وأن غيرهم على باطل، وفي هذا تحذير للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريق يتعصب لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحد والرسول واحد والإله واحد.
وأكثر الأمور الدينية وقع فيها الإجماع بين العلماء والأئمة، والأخوة الإيمانية قد عقدها اللّه وربطها أتم ربط، فما بال ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائل خفية أو فروع خلافية يضلل بها بعضهم بعضا، ويتميز بها بعضهم عن بعض؟
فهل هذا إلا من أكبر نزغات الشيطان وأعظم مقاصده التي كاد بها للمسلمين؟
وهل السعي في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الأصل الباطل، إلا من أفضل الجهاد في سبيل اللّه وأفضل الأعمال المقربة إلى اللّه؟
قال الطبري رحمه الله :
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَكَيْفَ يَكُونُ حَالاً مِنْهَا ، وَالْكَافُ كِنَايَةٌ عَنْ وَاحِدٍ ، وَالْمُنِيبُونَ صِفَةٌ لِجَمَاعَةٍ ؟
قِيلَ : لأَنَّ الأَمْرَ لِمَنَ الْكَافِ كِنَايَةُ اسْمِهِ مِنَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَمْرٌ مِنْهُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : فَأَقِمْ وَجْهَكَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ لِلدَّيْنِ حَنِيفًا لِلَّهِ ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ.
 
الشاهدُ من قوله رحمه الله :
وفي هذا تحذيرٌ للمسلمين من تشتتهم وتفرقهم فرقا كل فريقٍ يتعصبُ لما معه من حق وباطل، فيكونون مشابهين بذلك للمشركين في التفرق بل الدين واحدٌ والرسول واحد والإله واحد.
وأكثرُ الأمور الدينية وقع فيها الإجماعُ بين العلماء والأئمة، وقد عقدَ الله الأُخوةَ الإيمانية وربطها أتم ربط، فما بالُ ذلك كله يُلْغَى ويُبْنَى التفرق والشقاق بين المسلمين على مسائلَ خفيةٍ أو فروعٍ خلافية يُضللُ بها بعضُهم بعضا، ويتميزُ بها بعضُهم عن بعض؟
فهل هذا إلا من أكبرِ نزغاتِ الشيطان وأعظمِ مقاصده التي كاد بها للمسلمين؟
وهل السعيُ في جمع كلمتهم وإزالة ما بينهم من الشقاق المبني على ذلك الأصل الباطل، إلا من أفضلِ الجهادِ في سبيل اللّه وأفضلِ الأعمال المقربة إلى اللّه؟
 
عودة
أعلى