"اصبروا وصابروا ورابطوا" .. بقلم د.صلاح الخالدي

إنضم
13/10/2011
المشاركات
19
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
76
الإقامة
الاردن، عمان
قال الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [ آل عمران: 200]
هذه هي الآية الأخيرة من سورة آل عمران المدنية، السورة التي تتحدث عن المواجهة بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل، وتربى أصحاب الحق "تربية جهادية" عظيمة، وتوقفهم على طريق الجهاد المُبارك المبرور، ليسيروا عليه سيراً جهادياً بصيراً.
وقد تحدث النصف الأول من السورة عن " المواجهة النظرية" بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل، وناقش أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأبطل ما هم عليه من باطل، وقدم الأدلة والبراهين على الحق، ودعاهم إلى الدخول في الإسلام، على أنه الدين الوحيد المقبول عند الله.
وتحدث النصف الثاني من السورة عن "المواجهة العسكرية" بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل في ميدان المعركة، وذلك في حديثه عن غزوة "أحد"، وعرضه مشاهد من أرض المعركة، وتقديمه الدروس والعبر، والدلالات والعظات، مما جرى في تلك الغزوة العظيمة.
لأجل ذلك كله كانت الخاتمة المناسبة لهذه السورة الجهادية متناسقة مع موضوعها، ومحققة لغايتها، فجاءت "تكليفاً" ربانياً مباشراً للمؤمنين، بالصبر والمُصابرة والمُرابطة، وتقوى الله في ذلك، لينالوا الفلاح والنصر والفوز
وإن من البديهيات التي يعلمها كل مسلم، والتي تلقاها من الكتاب والسنة أن المواجهة بين الحق والباطل مستمرة، وأن الصراع بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل لا يتوقف، وإذا أراد أصحاب الحق إيقافه، والصلح مع أصحاب الباطل، وعقد "السلام" معهم، فإنهم لا يوافقون على ذلك، إلا لفترة محدودة قصيرة، يُحققون فيها أهدافهم، ويحشدون فيها قواتهم، ثم ينقضون عهودهم ويعودون لقتال أصحاب الحق من جديد.
وأوضح مثال على هذه البدهية القرآنية القاطعة، ما يجري الآن بين أهل فلسطين وبين اليهود المحتلين الغزاة، فقد ظنفريق من أهل فلسطين أن اليهود صادقون في الصلح والسلام مع أهل فلسطين، فتوقفوا عن قتالهم وطرحوا السلام جانباً، ورفعوا غصن الزيتون، وأطلقوا حمامة السلام، وأمضوا مع اليهود حوالي عشرين عاماً في مفاوضات "عبثية" لم يعطهم اليهود فيها شيئاً، ولن يعطوهم حتى لو فاوضوهم مئات السنين!!
وإذا كان الأعداء لا يوقفون عدوانهم على المسلمين، ولا مًحاربة دينهم، ولا الطمع في أوطانهم وخيراتهم، فإن الحل هو أن "يفقه" المسلمون حقيقة الصراع والمواجهة معهم، وأن يُجاهدوهم جهاداً ربانياً بصيراً، بصبر ومصابرة ومرابطة، وتقوى الله، وإخلاص له سبحانه.
افتتحت الآية الخاتمة من سورة آل عمران تكليف المجاهدين بالجهاد بندائهم بالصفة المُحببة إلى قلوبهم، فقالت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ..} وهذا النداء المُحبب يهدف إلى "إيقاظ" قلوبهم وكيانهم، ليستعدوا لتلقي الأمر الإلهي، والتكليف الرباني بقلوب يقظة، ونفوس مستعدة.
أمر الله المؤمنين المُجاهدين، الواقفين في ميدان الجهاد بأربعة أوامر:
1- اصْبِرُواْ : والصبر هو : حبس النفس على ما تكره، والبقاء في الموقع والثبات على الطريق، وتقوية العزيمة والإرادة، وتحمل المشقات والمصاعب وآلام الجهاد، و"توطين" النفس على ذلك، حتى تلقى الله.. وهؤلاء المُجاهدون الأبرار يتزودون بزاد الصبر الضروري للجهاد من القرآن والسنة وسيرة إمام المُجاهدين محمد صلى الله عليه وسلم، ومن إيمانهم بالله، وذكرهم له، واستعانتهم به.
وخير تمثيل لأهمية الصبر للمُجاهد قول الشاعر: صابَرَ الصبر، فاستغاث به الصبرُ مقال الصبورُ: يا صبرُ صبراً
2- وَصَابِرُواْ: الألف في "صابروا" للمُفاعلة والمُشاركة، وهذه خطوة تالية للخطوة السابقة " الصبر". فالصبر ذاتي لعزيمة المُجاهد الصابر، أما المُصابرة فهي للعدو. إن العدو صابر على مواجهة المسلمين. ولا بد للمسلمين أن "يُصابروا" أعدائهم، وأن يواجهوا صبرهم على هذه المواجهة بأضعافه ولا يجوز أن يكون صبر الأعداء أكبر وأعظم من صبر المسلمين، إن لم يكن صبر المُسلمين أشد وأعظم فلن يفلحوا في جهادهم ومواجهتهم، وفي مباراة "عض الأصابع" يفوز الذي يتحمل ألم العض ولا يصرخ ولا يستسلم!!
3- وَرَابِطُواْ: الألف في "رابطوا" للمُفاعلة والمُشاركة أيضاً، المُرابطة من الربط، والربط معنوي وليس مادياً، بمعنى أن المُجاهد الصابر المُصابر لا يربط حبلاً برجله ثم يربطه بصخرة في ميدان المعركة، وإنما "ينوي" أن يبقى مُجاهداً في الميدان، رافعاً للواء الحق، لا يتوقف عنه، ولا يتركه، ولا ينصرف عن طريق الجهاد والمواجهة إلى مُتع الدنيا وشهواتها .
4- وَاتَّقُواْ اللّهَ : تقوى الله وإحسان طاعته، وترك معصيته، ودقة مراقبته، وحيوية ذكره والأنس به، هي الحالة العامة التي يعيشها المُجاهد الصابر المرابط.. فهو يُمهد لجهاده بالإيمان، وهو يعيش في جهاده بتقوى الله، وهو بين إيمانه بالله وتقواه لله: صابر مصابر مرابط: فإن فعل هذا كان مفلحاً فائزاً عند الله.
يا أحبابنا المُجاهدون على أرض فلسطين كلها، ويا أعزائنا المُجاهدين داخل الخط الأخضر على وجه الخصوص: أعدائكم المُحتلون المغتصبون لن يعطوكم شيئاً، ولن يواجهونكم بصبر ومصابرة ومرابطة بدون توقف، وعليكم أن تجاهدوهم بصبر ومصابرة ومرابطة أضعاف ما عندهم، وتزيدوا عليهم بتقوى عظيمة لله، وأنتم في النهاية المُفلحون الفائزون المنصورون، وهم الخاسرون المطرودون بإذن الله.

(البوصلة)​
 
جزاك الله خيراً أيها الدكتور ، موضوع نافع أسأل الله أن يرزقنا فهمه والعمل به .
 
عودة
أعلى