جزاكم الله خيرا
الآية في معناها أقوال :
القول الذي رجحه ابن جرير رحمه الله :( إن الذين آمنوا ) بموسى ( ثم كفروا )به ( ثم آمنوا ) يعني النصارى بعيسى ( ثم كفروا ) به ( ثم ازدادوا كفرا ) بمحمد ( لم يكن الله لغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا )..
القول الثاني والذي رجحه ابن كثير رحمه الله أنها في كل من ( دخل في الإيمان ثم رجع عنه , ثم عاد فيه ثم رجع واستمر على ضلاله وزداد حتى مات فإنه لا توبة بعد موتة
والمنافقين من أهل هذه الصفة فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ..
والإيمان على الحقيقة لكن تلاه ردة وهو ما اختاره ابن كثير رحمه الله فالله تعالى في بداية سورة البقرة ضرب مثلين للمنافقين الأول ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ..) في قوم آمنوا ثم كفروا
يقول ابن كثير رحمه الله :وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل ههنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين )والصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا يني أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم ولم يستحضر ابن جرير رحمه الله هذه الآية ههنا وهي قوله تعالى ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) فلهذا وجه المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان في الدنيا ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة .
ونقل ابن كثير عن بعض السلف ما ذكر من معنى الآية ..
وقد علم تأثير المعصية كالزنا وشرب الخمر على الإيمان فكيف بالكفر ومن المعلوم أن الإيمان يتفاوت فليس من خالطت بشاشته القلوب كمن دونه .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فالناس فيما يجده أهل الإيمان ويذوقونه من حلاوة الإيمان وطعمه على ثلاث درجات:
الأولى: من علم ذلك مثل من يخبره به شيخ له يصدقه، أو يبلغه ما أخبر به العارفون عن أنفسهم، أو يجد من آثار أحوالهم ما يدل على ذلك.
والثانية: من شاهد ذلك وعاينه، مثل أن يعاين من أحوال أهل المعرفة والصدق واليقين ما يعرف به مواجيدهم وأذواقهم، وإن كان هذا في الحقيقة لم يشاهد ما ذاقوه ووجدوه، ولكن شاهد ما دل عليه لكن هو أبلغ من المخبر، والمستدل بآثارهم.
والثالثة: أن يحصل له من الذوق والوجد في نفسه ما كان سمعه، كما قال بعض الشيوخ: لقد كنت في حال أقول فيها: إن كان أهل الجنة في الجنة في مثل هذا الحال إنهم لفي عيش طيب. وقال آخر: إنه ليمر على القلب أوقات يرقص منها طربًا. وقال الآخر: لأهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم.
ثم قال :
فالإيمان إذا باشر القلب وخالطته بشاشته لا يسخطه القلب، بل يحبه ويرضاه، فإن له من الحلاوة في القلب واللذة والسرور والبهجة ما لا يمكن التعبير عنه لمن لم يذقه، والناس متفاوتون في ذوقه والفرح والسرور الذي في القلب له من البشاشة ما هو بحسبه، وإذا خالطت القلب لم يسخطه، قال تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }
[4]، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ }
[5]، وقال تعالى: { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }
[6] فأخبر سبحانه أنهم يستبشرون بما أنزل من القرآن، والاستبشار هو الفرح والسرور؛ وذلك لما يجدونه في قلوبهم من الحلاوة واللذة والبهجة بما أنزل الله.
وكذلك قال :
والمقصود هنا أن أهل الإيمان يجدون بسبب محبتهم لله ولرسوله من حلاوة الإيمان ما يناسب هذه المحبة، ولهذا علق النبي
ما يجدونه بالمحبة فقال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار».ا هـ
والله الموفق