محمد يزيد
Active member
بسم1
الحَمدُ لله وحدهُ، وأصلي وأُسَلِّمُ على النبيِّ الخاتمِ والرَّسولِ الأكرم، ومن اهتدى بهديه واستنَّ بسنَّته.وبعدُ..
فَإنَّ منهاجَ القُرآن في ترسيخِ الإيمانِ الصحيحِ والعقيدَة النقيَّة الراسخةِ وفقَ ترتيبِ نزولهِ، وإنْ حَظيَ بالدّراسةِ في مظانِّ العلوم الشرْعيَّةِ إلَّا أنهُ لمْ يستوفِ قدره المطلوبَ، ولمْ يُعْنَ بما يسْتجلي عظيمَ شأوه.
وامتدَادُ هذا المنهاجِ إلى باقي العُلومِ استغرقَ منّي الجهدَ والوقتَ سنينَ عددا، أدركتُ منها بما لا يَدعُ مجالًا للريبِ أنَّ مفتاح العَودَةِ بالأُمةِ إلى الريَادةِ هو اعتماد كتابها الشريفِ منهاجَ المناهجِ الدراسيَّةِ كلها، ليكونَ منهاجَ حياةٍ بالكليَّة بحقٍّ، وما أضيَقَ وقتِ المسلم وعمره حتى ينْشغِلَ عن القرآن فيما يظنُّ أن ليس في القرآن أصلٌ فيه مِنه.
وأقصدُ بهَذا أن يكونَ القرآنُ محورَ جميع المواد الدراسيَّةِ بما فيها العلمية والتكنولوجيَّة، على أن هناك من يعارضني في أدنى من ذلكَ، في الفقه واللغة مدَّعيًا أنْ ليسَ من الحسنِ محْورَةُ القرآن في تدريسهما لعدم استغراقه الجليِّ لمادتهما، ولا ما بقي من الموادِّ اللهمَّ من التفسير وما حامَ حوله.
وليس ادعائي هذا حديثًا مفرغًا من الدَّواعي والحججِ المقنعاتِ، والبراهينُ لديَّ متوافرَةٌ بينةٌ ساطعةٌ كما الشمسُ في رابعة النهار، أوردتُ كثيرًا منها في مباحثَ نشرتُهَا في هذا الملتقى المبارَك ملتقى أَهلِ التفسيرِ، وكنتُ آملُ مدارستَها رجاء النفعِ والانتفاعِ، فلمْ أجد عُشر معشارِ أملي، واللهُ المستعانُ.
ومن أرادَ متابعتي فسيجدُ بإذن الله طرحًا ثوريًّا جديدًا بديعًا مُلفتًا لعظمة كلام اللهِ، وأنَّه بحقٍ أعلى ما يوصفُ بالسهْل الممتنعِ في جمال نظمه وبيانهِ، ووضوحه حتى استتَرَ اللهمَّ من تذوُّقِ تلكَ الأسرارِ بالقلوب الحية العاجزة عقولها عن فهمِ مكامنِها.
إنَّ القرآن متْنُ المتونِ جميعهَا، ففي صنوفِ فنونِ اللغةِ يحوي القرآن بما عندنَا اليومَ يُتلى ثُلُثَ جذورِ اللغة المعجميةِ، وقواعد الصرف والنحو والبلاغة في أحسنِ تمثيلٍ وأقومِ تفصيل وبيانٍ { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } (سورة الفرقان 33)، وعندي يقينٌ لم يسعفني الوقت لاستجلائه بالبحثِ المفصَّل المرتَّبِ أنَّ ثُلُثيها المتبقيينِ مستتران في القراءات في ألوفِ نصوصها المؤلفة، ورسمها العثمانيِّ القديمِ الذي يحفلُ بكنوزٍ وأسرارٍ مخبَّاَة نعلمُ منها متواتر التلاوةِ وقليلَ منقولات شواذّ القراءةِ كقراءة ابن مسعود {زَقْيَةً وَاحِدَةً}.
ومن هنا كانت دعوتي إلى التركيزِ على التَّوجُّهِ نحوَ تآليفَ من نوعٍ جديدٍ، ناسخٍ لأكثرِ المتون والمنظوماتِ، ضمنَ فَنٍّ قَشيبٍ تنَظّمُ أبوابُ استنباط كل علمٍ فيه من القرآن الكريمِ لتدريسه على ذلك النحو، بحكمِ محفوظيتِه من أكثر المسلمينَ، وتميُّزِ نصِّه وكثرة سماعه وترداده، وتوحُّد مرجعية نصهِ لمتعلّمي كلِّ علمٍ مقصود، وتَجَدُّدِ فَوائده، وبركتِه وتعبُّد الناس به، فكلهُ ربْحٌ وفلاحٌ وقْتًا وفائدة ومنبعًا مرجعيًّا لا ينضبُ معينهُ.
___
اسْتِنبَاطُ العُلُومِ منْ كَلًامِ الحيِّ القَيٌوم وقَواعِدُ التَّفسِير
كي يعيَ المسلمونَ كلامَ ربهمْ لابُدَّ من تدرُّج، وبغضّ النظر عن العرض التفصيليِّ لتأصيلِ قواعد التفسيرِ واستنباطهَا من القرآن الكريم حسب ترتيب النزولِ فإن الفكرةَ مقبولةٌ لدى المتأمّل المتدبِّرِ لضرورة الحالِ معَ رعيل الصحَابة ونبيهم المصطَفى صلى الله عليه وسلم حينَ كانَ يتنَزَّلُ القرآنُ.اسْتِنبَاطُ العُلُومِ منْ كَلًامِ الحيِّ القَيٌوم وقَواعِدُ التَّفسِير
وقد نميلُ إلى أنَّ تلكَ القواعدَ سيقَتْ بطرُقٍ غير مباشرةٍ، ليَتَلَقَّفَها الصحابةُ بجانبها العمليِّ التطبيقِيِّ، شأنها شأنُ فطاحلةِ الفصاحَة والبيَانِ القُدَمَاءِ مَعَ لغَة العربِ وأشعارهَا لا يُميِّزُونَ قواعدَ الصرف والنحو المحدثةَ.
إنَّ اللهَ حتْمًا سيُهيِّئُ الصحابةَ بدءًا من أوَّل نجمٍ من نجوم القرآنِ الكريم مرحليًّا لفهمِ النصوصِ المتنزلَة لاحقًا، ويطبقوا ما علموهُ في سابق ما أنزلَ، ليسَ نصًّا فحسبُ، بلْ قوَاعدَ تفسيريَّة للنَّصِّ كذلكَ.
على أنّي أستثيرُ قريحَة القارئ بإحداث تساؤلٍ عن صدقِ جهل العربِ في الجاهلية وصدر الإسلامِ بالفاعل والمفعولِ والحالِ والنعتِ والتشبيهِ والمجاز وبدائع تحسين اللفظِ من جناس وطباقٍ وغيرهما.
قدْ تكونُ لمْ تنقل إلينا لاستغنائنا بما دوِّنَ ورآه أربابُ تلكَ الفنونِ أشملَ وأدقَّ وأحسنَ وأنفعَ للدَّرس.
أفلا تكونُ مرحلة تنزُّل القرآن حفيَّةً مليئةً بمدارسةِ قواعدِ التفسيرِ، ولكنَّا غفَلنا عن الانتباه إلى أنها مبثوثةٌ في كتُب السنن والآثارِ وَعجزنا عن لملمتها في سياقٍ منطقيٍّ مقبولٍ وكتاباتٍ مفيدة؟
لم يفتِ الأوانُ بعد، ولكل فنٍّ أوانه.
وأعاودُ الإشارةَ إلى أنَّ الجديدَ في طرحي هُوَ مدارسَة قواعدِ التفسيرِ حسبَ ترتيبِ النزول، والعلاقات التراكميَّة آيةً آيةً، نجمًا نجمًا، سورةً سورةً، والاستلزامات التدرجيَّة لتبيُّنِ اللاحقِ من السابقِ تفسيرًا وتأويلًا واستلهامَ قواعد.
والله أعلى وأعلمُ.